الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
الشفقة على المؤمنين والرحمة بهم:
قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} (1)، أي: وقولوا لهم القول الطيب وجادلوهم بأحسن ما يحبون (2).
والداعي إلى الله مطالب بالرفق واللين بمن يدعوه، وأن يقول له قولا طيبا رفيقا رقيقا، ولو كان هذا المدعو فاجرا أو طاغية، فالله سبحانه أمر موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام أن يخاطبا فرعون الذي طغى وادعى الربوبية فقال الله:{اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي} (3){اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} (4){فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (5)، أي: سهلا لطيفا، برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف ولا غلظة في المقال، أو فظاظة في الأفعال، لعله بسبب القول اللين يتذكر ما ينفعه فيأتيه، أو يخشى ما يضره فيتركه، فإن القول اللين داع لذلك، والقول الغليظ منفر عن صاحبه (6).
وختم الله هذا السياق بقوله: {لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (7) فإن الآمر المبلغ لدين الله يجب أن يستجيب لمن يدعوه إلى الله، بل ويحرص على ذلك ويدعو الله قبل مباشرته في دعوته وفي أثناء دعوته وبعد ذلك، في كل حال وهو يتضرع إلى الله أن يستجيب هذا الإنسان لربه ويؤمن به.
(1) سورة البقرة الآية 83
(2)
روح المعاني 1/ 308
(3)
سورة طه الآية 42
(4)
سورة طه الآية 43
(5)
سورة طه الآية 44
(6)
تفسير السعدي 5/ 159.
(7)
سورة طه الآية 44
وهذا يدل على أهمية الأخلاق الفاضلة من الرفق والرحمة واللين وطيب الكلام مع من يدعوه، لعله يتذكر ويتعظ، ويفر إلى الله عز وجل، ويقبل إليه منيبا تائبا، أو يخشى الله عز وجل، فيبادر بالإذعان لأمر الله وبطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومما يدل على أهمية الرفق والرحمة في الدعوة إلى الله ما حباه الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم فقال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (1)"فهي رحمة الله نالته ونالتهم، فجعلته صلى الله عليه وسلم رحيما بهم لينا معهم، ولو كان فظا غليظ القلب ما تألفت حوله القلوب ولا تجمعت حوله المشاعر، فالناس في حاجة إلى كنف، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ود يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم. . . فهم في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج إلى عطاء، ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه، ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضا. . . هكذا كان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهكذا كانت حياته مع الناس "(2).
وقد حثنا رسولنا صلى الله عليه وسلم على حسن الخلق، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا
(1) سورة آل عمران الآية 159
(2)
في ظلال القرآن 1/ 500.