الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذبح لغير الله
قال ابن حجر الهيثمي المكي: " الكبيرة السابعة والستون بعد المائة: الذبح باسم غير الله على وجه لا يكفر به، بأن لا يقصد تعظيم المذبوح له، كنحو التعظيم بالعبادة والسجود إلى أن قال: وجعل أصحابنا مما يحرم الذبيحة أن يقول: باسم الله واسم محمد، أو محمد رسول الله، بجر اسم الثاني، أو محمد إن عرف النحو فيما يظهر، أو يذبح كتابي لكنيسة أو لصليب، أو لموسى أو لعيسى، ومسلم لكعبة أو لمحمد صلى الله عليه وسلم أو تقرب للسلطان أو غيره أو للجن فهذا كله يحرم المذبوح وهي كبيرة (1).
أقول: في كلامه هذا نظر، فكيف يكون الذبح على غير اسم الله، ولا يكون معه تعظيم للمذبوح له، وهذا الكلام قريب من كلام المتكلمين، فالشرك عند أهل الكلام لا بد أن يكون مقصودا به تعظيم هذا المعبود من دون الله، وأما صرف العبادة له دون تعظيم فهذا لا يسمى شركا عندهم، وهذا الكلام فيه نوع تناقض.
(1) الزواجر 10/ 284، 285.
النذر للمشاهد التي على القبور:
قال الرافعي في شرح المنهاج: " وأما النذر للمشاهد التي على قبر ولي أو شيخ أو على اسم من حلها من الأولياء، أو تردد
في تلك البقعة من الأولياء والصالحين فإن قصد الناذر بذلك وهو الغالب أو الواقع قصود العامة- تعظيم البقعة أو المشهد أو الزاوية أو تعظيم من دفن بها أو نسبت إليه أو بني على اسم، فهذا النذر باطل. غير منعقد؛ فإن معتقدهم أن لهذه الأماكن خصوصيات ويرون أنها مما يدفع بها البلاء، ويستجلب بها النعماء، ويستشفى بالنذر لها من الأدواء، حتى إنهم ينذرون لبعض الأحجار لما قيل لهم: إنه استند إليه عبد صالح، وينذرون لبعض القبور السرج والزيت، ويقولون: القبر الفلاني أو المكان الفلاني يقبل النذر، يعنون بذلك أنه يحصل به الغرض المأمول من شفاء مريض أو قدوم غائب، أو سلامة مال، وغير ذلك من أنواع نذر المجازات، فهذا النذر على هذا الوجه باطل لا شك فيه، بل نذر الزيت والشمع ونحوهما للقبور باطل مطلقا، ومن ذلك نذر الشموع الكثيرة العظيمة وغيرها لقبر الخليل عليه السلام، ولقبر غيره من الأنبياء والأولياء، فإن الناذر لا يقصد بذلك الإيقاد على القبر إلا تبركا وتعظيما؛ ظانا أن ذلك قربة، فهذا مما لا ريب في بطلانه، والإيقاد المذكور محرم سواء انتفع به هناك منتفع أم لا " (1).
وقال النووي: " إذا نذر المشي إلى مسجد غير المساجد الثلاثة، وهي: المسجد الحرام، والمدينة، والأقصى؛ لم يلزمه ولا ينعقد نذره عندنا "(2).
(1) فتح المجيد ص 213.
(2)
المجموع 8/ 471.
وقال ابن حجر المكي في شرح المنهاج:
" لا يقول باسم الله واسم محمد " قال ابن حجر: يحرم ذلك للتشريك؛ لأن من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه فقط كما في اليمين باسمه.
وقال أحمد بن حجر آل بوطامي الشافعي:
" أي لا ينذروا لغير الله، ولا يطوفوا بغير البيت العتيق، فلا يجوز النذر للأولياء ولا للصالحين ولا الطواف بقبورهم، كما يفعله الجاهلون بقبر الجيلاني، والحسين، والبدوي، والدسوقي، وغيرهم، فإن هذا شرك لا مراء فيه، وكثير من المبتدعين الجاهلين ينذر للصالحين، وبعضهم يرسل أموالا. . . للسدنة ولتعمير القباب، كما يفعل ذلك الكثير من الهنود والباكستانيين لعبد القادر الجيلاني أموالا طائلة، وإرسالهم إلى ضريحه أموالا وافرة، هذا ممن زعم أنه من أهل السنة، وأما شيعة الهنود والباكستانيين والإيرانيين فإنهم ينذرون أموالا لقبور أهل البيت في النجف وكربلاء وخراسان وقم، ويشدون الرحال من مختلف الأقطار إلى تلك القبور للطواف بها، والاستغاثة بساكنيها وطلب قضاء الحاجات وتفريج الكربات، مما لا يقدر عليه إلا خالق الأرض والسماوات، وكذلك لا يجوز النذر لقبور الأولياء والصالحين، فكذا لا يجوز الوقف من بيوت وعقار على قبورهم، فمن نذر لغير الله فلا يجب عليه الوفاء، بل يستغفر الله، ويتوب إليه، ويأتي بالشهادتين؛ لأنه مرتد إن علم أن النذر لغير الله
شرك، ومن وقف عقارا أو حيوانا على قبور الأولياء فوقفه باطل، أو وصى لها فوصيته باطلة، وذلك العقار أو الحيوان لا زال ملك صاحبه، نسأل الله لنا ولهم التوفيق. وقول بعضهم: إن النذر لله والثواب للولي كلام باطل وضلال عاطل فأي شيء أدخل الولي هنا؟! إن كان قصده الصدقة فليتصدق على الفقراء عن نفسه، وعن أبويه، وأقاربه، وما يدريه بأن صاحب هذا القبر ولي والأمور بخواتيمها فقد يكون ظاهره صديقا، وباطنه زنديقا، ويظهر كذبهم وضلالهم أنهم يأخذون الأغنام ويذبحونها عند القبر، فإذا أنكرت عليهم قالوا: الذبح لله والثواب للولي، وليس القصد من هذا إلا تلبيس وقلب الحقائق، وهم لا يقصدون إلا الولي، على أن العلماء قد صرحوا أن لا يذبح لله بمكان يذبح فيه لغير الله؟ للحديث عن ثابت بن الضحاك قال:«نذر رجل أن ينحر إبلا ببوانة فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " هل كان فيه وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟ قالوا: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء للنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم. . . (1)» . (2)
(1) أخرجه أبو داود كتاب الأيمان والنذور باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر 7/ 603 ح 3313، والبيهقي في السنن 10/ 83، والطبراني في الكبير ح 1341 من حديث ثابت بن الضحاك، وصححه الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير 4/ 180.
(2)
تطهير الجنان ص 31، 32.
الجواب عن شبهات القبورية:
وقد أجاب أحمد بن حجر آل بوطامي الشافعي عن شبهات القبورية، وهي:
الأولى: قول بعض الجاهلين: إن هؤلاء يعني القبوريين - يقرون بالخالق، ويعتقدون بشرائع الإسلام وبيوم الجزاء، وغاية ما هنالك أنهم يتوسلون بهؤلاء الصالحين، ولا يرضون بلقب الشرك، بل ينفرون منه، فكيف يمكن أن يقال: بأنهم مشركون؟
الثانية: أن المشركين كان كفرهم من أجل إنكارهم للربوبية، لا من حيث صرف العبادة لغير الله، مستدلين بقوله تعالى:{قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} (1) الآية. وبقوله: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} (2) الآية.
أجاب بما يأتي:
الجواب عن الشبهة الأولى: قال: فالجواب عن تسميتهم مشركين، أن الكفر والشرك شعب وأنواع كما أن الإيمان له شعب، فإذا ما أتى بكثير من شعب الإيمان وأتى معه بشيء من شعب الشرك، فيقال له: مثلا لو صلى وصام واعتقد بالرسالة والقيامة واتصف بالزهد ومكارم الأخلاق، لكنه اعتقد في
(1) سورة الفرقان الآية 60
(2)
سورة الرعد الآية 30
كوكب بأن له تأثيرا، أو أن بيده نفعا أو ضرا أو اعتقد في ملك أو رسول ما لا يجوز اعتقاده إلا في الله فنسميه مشركا، وإن أتى بتلك الأعمال الصالحة، وإلا فما معنى كتاب الردة، ولا يلزم أن يحكم على أحد بكفر أو شرك، إلا إذا أتى بجميع خصاله وأنواعه، وتوسلهم لاعتقادهم بأنهم مذنبون وهؤلاء أقرب عند الله؛ فيوسطونهم بينهم وبين الإله، هذا هو شرك العرب بعينه. . وأما تشهدهم بالشهادتين، فهو منتقض بأعمالهم المنافية لهما. كالحدث بعد الوضوء، وإقرارهم بالخالق لا يفيد؛ لأن المشركين كانوا مقرين بالربوبية ولم يدخلهم في الإسلام.
وأما قول من يقول: بأن مشركي العرب كانوا منكرين للبعث.
فالجواب: أن هذا الاعتقاد من جملة المكفرات، والرسول صلى الله عليه وسلم كفرهم وأباح دماءهم لأمور كثيرة، أعظمها عبادتهم للأوثان، ومنها إنكارهم للبعث، ولا يقبل من الإنسان أن يؤمن ببعض ويكفر ببعض، بل واجب عليه أن يذعن معتقدا بكل ما أتى به القرآن، وجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ويعمل بهما، فمن آمن ببعض ولم يؤمن بالبعض الآخر فهو كافر، كما قال الله تعالى مخبرا عنهم:{وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا} (1) ولا ينفعهم مجرد النطق بكلمة الشهادتين حتى يعمل بمقتضاها من البراءة مما يعبد
(1) سورة النساء الآية 150
من دون الله، وصرف جميع العبادات كائنة ما كانت إلى الله
ولكن هل يحكم على الشخص المعين أو الطائفة المخصوصة المتلوثة بتلك الخصال المنافية للتوحيد بالشرك والكفر؟ مع أنها مؤمنة بالله والرسول، وآتية بسائر الشرائع؟
الجواب: يقال هذا العمل شرك وكفر، مثلا كالسجود للولي، والطواف بقبره أو النذر له، ولكن الشخص المعين أو الطائفة المخصوصة لا نبادرها بالتكفير، بل الواجب تبليغها بآيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم المبينة للشرك والمحذرة عنه، وأن ليس لصاحبه نصيب من الجنة، وأن هذه الأعمال هي شرك فإذا أصر الشخص المعين أو الطائفة المخصوصة وعاندت ولم تقبل، فعند ذلك يحل عليها إطلاق الشرك، أو عليه إن كان فردا معينا، وليكن الشخص ذا تفرقة بين الشرك الأصغر والشرك الأكبر، كالرياء فإنه شرك أصغر، والسجود والنذر لغير الله شرك أكبر.
فإن قيل: يلزم من كلامهم تكفير الأكثرية من الأمة المحمدية حيث إنهم يعملون ما تقولون بأنه شرك مثل النذر للأولياء والنحر لهم:
فالجواب:
أولا: إن القول بالعموم مغاير للقول بالخصوص.
ثانيا: غلبة الجهل، وقلة العلم بالتوحيد والسنة المطهرة، ومعرفة الشرك وأقسامه ذرائع في كثير من الأماكن والبلدان هو
المانع من الحكم بالشرك على المعين، إلا من بلغته النصوص وقامت عليه الحجة، ثم أصر معاندا فذاك يحكم عليه بالشرك (1).
الجواب عن الشبهة الثانية:
أن الآية الأولى: فيها استفهام عن الرحمن والاستفهام عن الشيء لا يكون جحدا له، على أننا إذا قلنا استفهام إنكاري فإنه إنكار للتسمية بالرحمن لا غير، كما يوضحه كتابه صلح الحديبية.
والآية الثانية: فيها الكفر بالرحمن والكفر بالشيء لا يكون إنكارا له، تقول لمن فعل فعلا كفريا: كفر فلان، وهذا لا يدل على أنه منكر للرب، على أنه معارض بالآيات المنبئة عن اعترافهم بالربوبية (2).
ومن هنا يتبين لنا مدى تحذير علماء الشافعية من الشرك وعاقبته الوخيمة في الدنيا والآخرة. وبيان ما يوقعه في المسلمين من الخسارة والخذلان، ويتضح لنا أنهم من أكثر الناس كلاما في هذا الباب، وأنهم رحمهم الله تعالى، ساروا على ما سار عليه السلف من الحرص على حماية التوحيد، والقضاء على كل مظاهر الشرك، فرضي الله عنهم جميعا.
الخلاصة:
1 -
النصوص المنقولة عن الشافعي، رحمه الله، هو وأتباعه فيها
(1) العقائد السلفية بأدلتها النقلية والعقلية ص 37 - 40.
(2)
العقائد السلفية بأدلتها النقلية والعقلية ص 44.
بيان صور الشرك الأكبر والأصغر والتحذير منها.
2 -
وردت عنهم نصوص تحذر من دعاء غير الله واستعانته والحلف به، وتعظيمه والاعتقاد في السحر وغير ذلك.
3 -
يرى الشافعي وأتباعه أن النذر في معصية باطل لا يجب الوفاء به، وأن ما ذبح على اسم غير الله لا يجوز أكله، سواء ذكر الله معه أم لا.
صفحة فارغة
الرأي السديد فيما إذا وافق يوم الجمعة العيد
للشيخ الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين
- مقدمة:
الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. أما بعد:
ففي عام 1420 هـ وافق يوم عيد الفطر يوم جمعة، وقد تكرر مثل ذلك في أعوام سابقة، فكثر الكلام حول أداء الجمعة على من شهد العيد، حتى تجرأ بعض الخطباء فأسقط صلاة الجمعة أو الظهر عن المصلين، واستثنى بعضهم الإمام فقط، وحملهم على ذلك ما قرءوه في كتب العلماء الحنابلة المتداولة. فكان ذلك مما حملني على أن أبحث المسألة في المذاهب الأخرى لأتحقق من أسباب الإسقاط والخلاف، واقتضى الحال أن أذكر ما يترجح لي وما أختاره من الأدلة والتعليلات، وذلك أن الكثير من الخطباء والأئمة في ذلك العام تجرءوا فرخصوا في ترك صلاة الجمعة للقريب والبعيد وبدون عذر، واستثنى بعضهم إمام الجامع وحده، فتقبل العامة هذه الرخصة، وتركوا صلاة الجمعة رغم قربهم من المساجد، وسماعهم للأذانين وللخطبة، ولقراءة الإمام وتكبيراته وصلاته التي تقع بجوار منازلهم، بحيث خليت الجوامع إلا من عدد قليل، وترك كثير من الناس صلاة الجمعة،