الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل البلد، وفي أهل القرى وجهان، الصحيح المنصوص للشافعي في الأم والقديم أنها: تسقط، والثاني: لا تسقط، ودليلها في " الكتاب وأجاب هذا الثاني عن قول عثمان، ونص الشافعي فحملهما على من لا يبلغه النداء (فإن قيل): هذا التأويل باطل، لأن من لا يبلغه النداء لا جمعة عليه في غير يوم العيد، ففيه أولى، فلا فائدة في هذا القول (فالجواب) أن هؤلاء إذا حضروا البلد يوم الجمعة غير يوم العيد يكره لهم الخروج قبل أن يصلوا الجمعة، صرح بهذا كله المحاملي، والشيخ أبو حامد في التجريد، وغيرهما من الأصحاب، قالوا: فإذا كان يوم عيد زالت تلك الكراهة، فبين عثمان والشافعي زوالها، والمذهب ما سبق، وهو سقوطها عن أهل القرى الذين يبلغهم النداء (1) اهـ.
وقد ظهر من مذهب الشافعية أن الجمعة لا تسقط عن أهل البلد، بل يلزمهم أن يصلوا الجمعة مع الإمام، وإنما تسقط عن أهل القرى النائية، مع أن الأولى لهم حضورها، وإنما سقطت للمشقة، أو لأن الجمعة لا تلزمهم لخروجهم عن المصر، أو لبعدهم عن محل إقامة الجمعة.
(1) المجموع 4/ 491.
مذهب الحنابلة
في اجتماع الجمعة والعيد:
قال عبد الله بن أحمد في مسائله. سألت أبي عن عيدين اجتمعا في يوم يترك أحدهما؟ قال: لا بأس به أرجو أن يجزئه (1).
(1) مسائل عبد الله رقم المسألة 482.
وقال أبو الخطاب الكلوذاني: وإذا وقع العيد في يوم الجمعة استحب له حضورهما، فإن اجتزئ بحضور العيد عن الجمعة وصلى ظهرا جاز (1).
وقال المجد ابن تيمية: وإذا اجتمع عيد وجمعة سقطت الجمعة عمن حضر العيد إلا الإمام (وعنه) تسقط عنه أيضا، وحضورها أولى، وكذلك يسقط العيد بالجمعة إذا قدمت عليه (2) اهـ.
وقال ابن الجوزي: وإذا اتفق العيد يوم الجمعة أجزأت إحداهما عن الأخرى إلا الإمام (3) اهـ.
وقال ابن هبيرة: واختلفوا إذا وافق يوم الجمعة يوم عيد، فقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: لا تسقط الجمعة بحضور العيد، ولا العيد بحضور الجمعة. وقال أحمد: إن جمع بينهما فهو الفضيلة، وإن حضر العيد سقطت عنه الجمعة (4). اهـ
وقال البعلي في الاختيارات: وإذا وقع العيد يوم الجمعة فاجتزئ بالعيد، وصلوا ظهرا جاز إلا للإمام، وهو مذهب أحمد (5) اهـ.
(1) في الهداية 1/ 53.
(2)
انظر: المحرر 1/ 159.
(3)
كما في المذهب الأحمد 35.
(4)
الإفصاح 1/ 174.
(5)
الاختيارات الفقهية 81.
وقال الموفق بن قدامة: وإذا وقع العيد يوم الجمعة، فاجتزئ بالعيد وصلى ظهرا جاز إلا للإمام (1). اهـ.
وقال أيضا في الكافي: وإذا اتفق عيد في يوم جمعة فصلوا العيد لم تلزمهم الجمعة، ويصلون ظهرا، ثم ذكر حديث زيد وأبي هريرة، ثم ذكر وجوبها على الإمام ودليله، والرواية بسقوطها عنه (2).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الحمد لله إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
(أحدها) أنه تجب الجمعة على من شهد العيد كما تجب سائر الجمع للعمومات الدالة على وجوب الجمعة.
(والثاني) تسقط عن أهل البر، مثل أهل العوالي والسواد؛ لأن عثمان بن عفان أرخص لهم في ترك الجمعة لما صلى بهم العيد.
(والقول الثالث) وهو الصحيح أن من شهد العيد سقطت عنه الجمعة، لكن على الإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها، ومن لم يشهد العيد وهذا هو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كعمر وعثمان، وابن مسعود، وابن عباس، وابن الزبير وغيرهم، ولا يعرف عن الصحابة في ذلك خلاف.
(1) المقنع مع حاشيته 1/ 251.
(2)
قاله في الكافي 1/ 510.
وأصحاب القولين المتقدمين لم يبلغهم ما في ذلك من السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم لما اجتمع في يومه عيدان صلى العيد ثم رخص في الجمعة، وفي لفظ أنه قال:«أيها الناس إنكم قد أصبتم خيرا، فمن شاء أن يشهد الجمعة فليشهد فإنا مجمعون (1)» . وأيضا فإنه إذا شهد العيد حصل مقصود الاجتماع، ثم إنه يصلي الظهر إذا لم يشهد الجمعة، فتكون الظهر في وقتها، والعيد يحصل مقصود الجمعة، وفي إيجابها على الناس تضييق عليهم، وتكدير لمقصود عيدهم، وما سن لهم من السرور فيه والانبساط، فإذا حبسوا عن ذلك عاد العيد على مقصوده بالإبطال، ولأن يوم الجمعة عيد، ويوم الفطر والنحر عيد، ومن شأن الشارع إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد أدخل إحداهما في الأخرى، كما يدخل الوضوء في الغسل، وأحد الغسلين في الآخر والله أعلم (2) اهـ. وله رسالة بعدها بمعناها.
وذكر ابن القيم رخصة النبي صلى الله عليه وسلم لهم إذا وقع العيد يوم الجمعة أن يجتزئوا بصلاة العيد عن حضور الجمعة (3). وقد تتابع على ذلك الفقهاء في مؤلفاتهم فذكره ابن رجب في القاعدة الثامنة عشر.
وقال الشويكي: وإن وقع عيد يوم جمعة سقطت عمن
(1) سنن أبو داود الصلاة (1073)، سنن ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (1311).
(2)
مجموع فتاوى شيخ الإسلام 24/ 210.
(3)
زاد المعاد 1/ 448.
حضر العيد مع الإمام سقوط حضور لا وجوب، كمريض إلا الإمام، فإذا اجتمع معه القدر المعتبر أقامها، وإلا صلوا ظهرا.
(وعنه) لا تسقط عن العدد المعتبر، فتكون فرض كفاية (1). اهـ. ونحو ذلك في الروض المربع، ومنهم من ذكر روايتين أو ثلاثا.
قال ابن مفلح: تسقط الجمعة- إسقاط حضور لا وجوب فيكون حكمه كمريض ونحوه لا كمسافر ونحوه - عمن حضر العيد مع الإمام عند الاجتماع، وذكر في الخلاف أنه الظاهر من قول الشافعية فيمن كان خارج البلد، ويصلي الظهر كصلاة أهل الأعذار (وعنه) لا تسقط كالإمام (وعنه) تسقط عنه أيضا. (وعنه) لا تسقط عن العدد المعتبر. . . إلخ (2).
وقال المرداوي في الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير:
قوله: وإذا وقع العيد يوم الجمعة فاجتزئ بالعيد وصلي ظهرا جاز. هذا المذهب بلا ريب، وعليه الأصحاب، وهو من المفردات- (وعنه) لا يجوز، ولا بد من صلاة الجمعة، فعلى المذهب إنما تسقط الجمعة عنهم إسقاط حضور لا وجوب، فيكون بمنزلة المريض لا المسافر والعبد، فلو حضر الجامع لزمته كالمريض، وتصح إمامته فيها، وتنعقد به، حتى لو صلى العيد أهل بلد كافة كان له التجميع بلا خلاف.
(1) التوضيح 1/ 61.
(2)
كما في الفروع 1/ 134.
وأما من لم يصل العيد فيلزمه السعي إلى الجمعة بكل حال، سواء بلغوا العدد المعتبر أم لم يبلغوا، ثم إن بلغوا بأنفسهم أو حضر معهم تمام العدد لزمتهم الجمعة، وإن لم يحضر معهم تمامه فقد تحقق عددهم.
وقال بعض أصحابنا: إن تتميم العدد وإقامة الجمعة إن قلنا تجب على الإمام؟ يكون فرض كفاية. وليس ببعيد.
قوله: " إلا الإمام " يعني أنه لا يجوز له تركها، ولا تسقط عنه الجمعة، وهذا المذهب، وهو ظاهر ما جزم به في الخلاصة، وقدمه في الفروع، واختاره المصنف وغيره. قال في التلخيص: وليس للإمام ذلك في أصح الروايتين، هذا الأظهر، وصححه ناظم المفردات (وعنه) تسقط عنه لعظم المشقة عليه، فهو أولى بالرخصة، واختاره جماعة (وعنه) لا تسقط عن العدد المعتبر، قال في التلخيص: وعندي أن الجمعة لا تسقط عن أحد من أهل المصر بحضور العيد ما لم يحضر العدد المعتبر وتقام اهـ. قال ابن رجب في القواعد: على رواية عدم السقوط عن الإمام يجب أن يحضر معه من تنعقد به تلك الصلاة، فتصير الجمعة فرض كفاية تسقط بحضور أربعين. . . إلخ (1) اهـ.
وقد ظهر من قول الحنابلة أن المذهب المشهور سقوط الجمعة عن كل من حضر العيد، وفي سقوطها عن الإمام روايتان، والمشهور منهما عدم سقوطها عنه، وهناك رواية بعدم
(1) الإنصاف مع الشرح الكبير 5/ 260.
السقوط كقول الحنفية والمالكية (وعنه) رواية: أنها تكون فرض كفاية بأن يحضر مع الإمام العدد المعتبر لإقامتها وهو الأربعون. ورواية: إن حضر العدد المعتبر وإلا صلوها مع الإمام ظهرا كغيرهم. وكأنهم اعتمدوا العمل بظاهر الأحاديث ما فيها من المقال نظرا لشهرتها، ومنه يعلم أن إسقاطها عمن حضر العيد من مفردات المذهب قال ناظم المفردات:
والعيد والجمعة إن قد جمعا
…
فتسقط الجمعة نصا سمعا
عمن أتى بالعيد لا يستثنى
…
سوى الإمام في أصح المعنى
قال الشارح: يعني إذا وافق العيد يوم الجمعة سقطت عمن حضر مع الإمام، وممن قال بالسقوط الشعبي، والنخعي، والأوزاعي، وقد قيل: إنه مذهب عمر، وعثمان، وعلي، وسعيد، وابن عمر، وابن عباس، وابن الزبير، وقال أكثر الفقهاء: لا تسقط الجمعة؛ لعموم الآية والأخبار الدالة على وجوبها، ولنا حديث معاوية، ثم ذكر حديث زيد بن أرقم، وحديث أبي هريرة (1) وقد سبق ذكرهما في كلام ابن عبد البر، وهكذا قال: أبو محمد بن قدامة: وزاد في تعليل الفقهاء لعدم السقوط لأنهما صلاتان واجبتان، فلم تسقط إحداهما بالأخرى كالظهر مع العيد وأجاب بأن الجمعة إنما زادت عن الظهر بالخطبة، وقد حصل سماعها في
(1) منح الشفاء الشافيات للبهوتي ص157.