المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسألة الثانية: هل الماء المستعمل طهور أم أن الاستعمال يسلبه الطهورية - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌المسألة الأولى: في تقسيم الماء

- ‌المسألة الثانية: هل الماء المستعمل طهور أم أن الاستعمال يسلبه الطهورية

- ‌الفتاوى

- ‌ فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌كلام العلماء في حكم تارك

- ‌الحكمة في شرعية الأذانوإذا أراد الأذان ثانية لشهادة الجبال

- ‌حكم الأذان والإقامةوهل يجوز لعن قرية تركتهما

- ‌لا يجوز استبدال المؤذن بأسطوانات مسجلة

- ‌الأذان من الإذاعة لا يكفي للصلاة

- ‌استعمال الميكروفونفي الصلاة ليس من البدع

- ‌التأكيد على المؤذنينبأن لا يؤذنوا قبل الوقت

- ‌تحديد ما بين الأذان والإقامة

- ‌يصلي المغرب أولا ولو فاتته الجماعة للعشاء

- ‌إن أمكن سرد الفوائت مرتبة وإلا وزعت

- ‌صحة صلاة مكشوف الرأس

- ‌ فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌إمامة المسافر بالمقيم والعكس

- ‌مقدار المدة والمسافةالتي يجوز فيها الجمع والقصر

- ‌هل الأفضل في الجمعبين الصلاتين التقديم أو التأخير

- ‌المسافر إذا كان وحدهفإنه يصلي مع الإمام بالإتمام

- ‌هل الأفضل للمسافر القصر بلا جمعأو الجمع والقصر وهل بينهما تلازم

- ‌حكم الجمع والقصر لمن دخل الوقت وهو لم يرتحل بعد

- ‌حكم الجمع عند المطر

- ‌هل النية شرط للجمع

- ‌الرقية الشرعية الصحيحة

- ‌ السنة لمن حاذى الحجر الأسود

- ‌ إتيان المرأة وهي حائض

- ‌ متابعة الإمام في تكبيرة الإحرام

- ‌تناول دواء لإيقاف العادة الشهرية في شهر رمضان

- ‌ بعض الناس يتسبب في إفطار نفسه في رمضان

- ‌ علامة الطهر بعد الحيض والنفاس

- ‌ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ هل على المرأة غسل إذا أنزلت بشهوة بدون جماع

- ‌لا يلزم الغسل بعد التوبة

- ‌ المني طاهر

- ‌ يكفي الغسل من الجنابة عن الوضوء للصلاة

- ‌من وجب عليه غسل فأكثر

- ‌ حكم التيمم

- ‌معتقد أهل السنة والجماعة في الشفاعة

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: تعريف الشفاعة:

- ‌المطلب الأول: تعريف الشفاعة لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الشفاعة اصطلاحا:

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على ثبوت الشفاعة من الكتاب والسنة:

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم:

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على ثبوت الشفاعة من السنة:

- ‌المبحث الثالث: شروط الشفاعة:

- ‌المبحث الرابع: أقسام الشفاعة:

- ‌ الشفاعة المثبتة:

- ‌ الشفاعة المنفية:

- ‌المبحث الخامس: أنواع الشفاعة:

- ‌المطلب الأول: شفاعات الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ الشفاعة في دخول أهل الجنة الجنة بعد الفراغ من حسابهم:

- ‌ الشفاعة في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب:

- ‌ الشفاعة في رفع درجات بعض أهل الجنة:

- ‌ الشفاعة في دخول بعض المؤمنين الجنة بغير حساب ولا عذاب:

- ‌ الشفاعة في أهل الكبائر من أمته ممن دخلوا النار بذنوبهم أن يخرجوا منها:

- ‌ شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام قد أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها:

- ‌ الشفاعة في قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم بأن يدخلوا الجنة:

- ‌المطلب الثاني: الشفعاء غير الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌أولا: شفاعة الملائكة عليهم السلام:

- ‌ثانيا: شفاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:

- ‌ثالثا: شفاعة المؤمنين:

- ‌رابعا: شفاعة الشهداء:

- ‌خامسا: شفاعة أولاد المؤمنين لآبائهم يوم القيامة:

- ‌المطلب الثالث: الأعمال الصالحة التي تشفع لأصحابها يوم القيامة:

- ‌ شفاعة القرآن:

- ‌ شفاعة الصيام:

- ‌المبحث السادس: الأسباب التي تحصل بها الشفاعة:

- ‌أولا: القرآن الكريم:

- ‌ثانيا: الصيام:

- ‌ثالثا: الأولاد الصالحون:

- ‌رابعا: سكنى المدينة والموت بها:

- ‌خامسا: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الوسيلة له:

- ‌سادسا: المصلون على الميت الموحد لله عز وجل:

- ‌المبحث السابع: الأسباب التي تمنع الشفاعة:

- ‌أولا: الشرك بالله عز وجل والكفر به:

- ‌ثانيا: اللعن واللعانين بغير حق:

- ‌ثالثا: الغلو في الدين والتشدد بما ليس فيه:

- ‌المبحث الثامن: الفرق المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة في الشفاعة:

- ‌المطلب الأول: الخوارج والمعتزلة:

- ‌المطلب الثاني: القبوريون ومن وافقهم في المعتقد:

- ‌المبحث التاسع: الشفاعة في أمور الدنيا:

- ‌عقيدة الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي

- ‌ عقيدته في التوحيد:

- ‌ الحلف:

- ‌الإقرار بالشهادتين وصفات العلو والنزول والقرب:

- ‌عدم التكلف والتعمق في البحث في أمور التوحيد التي لا يبلغها العقل:

- ‌بدعة القول بخلق أسماء الله الحسنى:

- ‌إثبات الصفات التي جاءت في القرآن:

- ‌إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة:

- ‌حكم من قال بخلق القرآن:

- ‌إثبات أسماء الله وصفاته:

- ‌عقيدته في القدر:

- ‌عقيدته في الإيمان:

- ‌عقيدته في الصحابة:

- ‌‌‌نهيه عن الابتداع والخصومات في الدين:

- ‌نهيه عن الابتداع والخصومات في الدين:

- ‌التحذير من كتب أهل الكلام:

- ‌مناظرة أهل الكلام وتأليف الكتب في الرد عليهم:

- ‌نهيه عن الشرك ووسائله:

- ‌أولا: وسائل الشرك:

- ‌ثانيا: نماذج من الشرك التي حذر منها الإمام الشافعي وبعض أتباعه:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌الذبح لغير الله

- ‌النذر للمشاهد التي على القبور:

- ‌مذهب الحنفية

- ‌مذهب المالكية

- ‌مذهب الشافعية

- ‌مذهب الحنابلة

- ‌تلخيص المذاهب السابقة:

- ‌تخريج الأحاديث والآثار في الباب:

- ‌القول المختار:

- ‌حال الناس في الزمان الأول:

- ‌حال الناس في هذه الأزمنة:

- ‌المطلب الأول: تعريفات

- ‌ تعريف (التذييل)

- ‌ تعريف (الأمر):

- ‌ تعريف (المعروف):

- ‌ تعريف (النهي):

- ‌تعريف (المنكر):

- ‌المطلب الثاني: مكانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌المطلب الثالث: مكانة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌المطلب الرابع: الالتزام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - دين وعبادة:

- ‌المطلب الخامس: أجر العاملين من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌المطلب السادس: صفات الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌ استجابتهم لله في أخذ أساليب الدعوة على وفق ما أمر الله به:

- ‌ الشفقة على المؤمنين والرحمة بهم:

- ‌ محبة بعضهم بعضا:

- ‌المطلب السابع: نموذج من حياة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌النموذج الثاني:لرجل صالح ذكره الله في القرآن

- ‌القسم الأول: وهو الذي يكون فيه المثل الأول ساكنا والثاني متحركا

- ‌القسم الثاني: وهو الذي يكون فيه المثلان متحركين

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المسألة الثانية: هل الماء المستعمل طهور أم أن الاستعمال يسلبه الطهورية

الأدلة الدالة على عدم النجاسة، مع أن الأصل في المياه هو الطهارة ما لم يطرأ عليها ما ينجسها، وما ذكروه من التعليل بأن الحدث نجاسة حكمية هذا لا يصح؛ لأن المسلم لا ينجس. والله أعلم.

ص: 24

‌المسألة الثانية: هل الماء المستعمل طهور أم أن الاستعمال يسلبه الطهورية

فيكون طاهرا غير مطهر؟

وهذه المسألة قد وقع فيها خلاف كبير ومشهور على قولين:

القول الأول: أنه طاهر مطهر: وهو قول الحسن البصري وإبراهيم النخعي، وعطاء بن أبي رباح، وسفيان الثوري، وأبي ثور والزهري، والأوزاعي ومالك في أشهر الروايتين عنهما، وروي عن علي، وابن عمر، وأبي أمامة رضي الله عنهم.

وهو أيضا إحدى الروايات عن أبي حنيفة، ورواية عن الإمام أحمد اختارها ابن عقيل وأبو البقاء، وإليه مال صاحب الشرح الكبير وقواه صاحب الإنصاف، وهو مذهب الظاهرية، وقول ابن المنذر واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

ص: 24

الأدلة:

1 -

قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} (1) قال ابن المنذر - يرحمه الله - فلا يجوز لأحد أن يتيمم وماء طاهر موجود.

2 -

قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (2) قال الباجي في المنتقى شرح الموطأ: " وطهور على مثال شكور وصبور، إنما يستعمل فيما يكثر منه الفعل وهذا يقتضي تكرار الطهارة بالماء ".

3 -

حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه من فضل ماء في يده فبدأ بمؤخر رأسه إلى مقدمه ثم جره إلى مؤخره (3)» .

4 -

قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الماء لا يجنب (4)» . أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وجه الدلالة: أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وهي ميمونة قد اغتسلت في الجفنة من الجنابة، والنبي صلى الله عليه وسلم توضأ منها وأنكر على زوجه لما قالت: إنها اغتسلت فيها من الجنابة فقال: «إن الماء لا يجنب (5)» فدل على طهوريته.

5 -

من جهة القياس: أن رفع الحدث بالماء مرة لا يمنع من رفعه به ثانية كرفعه من آخر العضو بعد تطهير أوله.

(1) سورة النساء الآية 43

(2)

سورة الفرقان الآية 48

(3)

سنن النسائي كتاب الطهارة (95)، سنن أبو داود الطهارة (117)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 122).

(4)

سنن الترمذي الطهارة (65)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (370).

(5)

سنن الترمذي الطهارة (65)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (370).

ص: 25

قال ابن حزم: " وأما من الإجماع فلا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أن كل متوضئ فإنه يأخذ الماء فيغسل به ذراعيه من أطراف أصابعه إلى مرفقه وهكذا كل عضو في الوضوء وفي غسل الجنابة، وبالضرورة والحس يدري كل مشاهد لذلك أن ذلك الماء قد وضئت به الكف وغسلت ثم غسل به أول الذراع ثم آخره، وهذا ماء مستعمل بيقين ".

6 -

ما ذكره ابن حزم أيضا حيث يقول: " ثم إنه يرد يده إلى الإناء وهي تقطر من الماء الذي طهر به العضو، فيأخذ ماء آخر للعضو الآخر، فبالضرورة يدري كل ذي حس سليم أنه لم يطهر العضو الثاني إلا بماء جديد قد مازجه ماء آخر مستعمل في تطهير عضو آخر ".

7 -

أنه ماء طاهر لاقى بدنا طاهرا فلم يسلبه الطهورية.

قال ابن المنذر رحمه الله: " فأجمع أهل العلم على أن الرجل المحدث الذي لا نجاسة على أعضائه لو صب ماء على وجهه أو ذراعيه فسال ذلك عليه وعلى ثيابه أنه طاهر لاقى بدنا طاهرا، وإذا ثبت أن الماء المتوضأ به طاهر وجب أن يتطهر به من لا يجد السبيل إلى ماء غيره ولا يتيمم وماء طاهر موجود؛ لأن في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «الصعيد الطيب وضوء المسلم ما لم يجد الماء فإذا وجدت الماء فأمسسه بشرتك (1)». فأوجب الله في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم الوضوء بالماء والاغتسال به على كل من كان واجدا له ليس بمريض ". اهـ.

(1) سنن الترمذي الطهارة (124)، سنن النسائي الطهارة (322)، سنن أبو داود الطهارة (332)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 180).

ص: 26

8 -

أن ما أدي به الفرض مرة لا يمتنع أن يؤدى به ثانيا، كما يجوز للجماعة أن يتيمموا من موضع واحد، وكما يخرج الطعام في الكفارة ثم يشتريه ويخرجه فيها ثانيا، وكما يصلي في الثوب الواحد مرارا.

وقد نوقشت بعض هذه الأدلة بمناقشات نذكر منها:

1 -

الآية الكريمة قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (1) أجيب عن الاستدلال بها من وجهين:

(أ) عدم التسليم بأن فعول تقتضي التكرار هنا؛ لأنها تأتي في العربية للتكرار ولغيره.

(ب) أن المراد بطهور: المطهر والصالح للتطهير والمعد لذلك.

2 -

الاحتجاج بحديث الربيع وفيه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح رأسه بفضل ماء كان في يده (2)» .

وأجيب عنه بأن هذا لفظ أبي داود في سننه وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد رواه مسلم وأبو داود وغيرهما عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه أنه «رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فذكر صفة الوضوء إلى أن قال: ومسح رأسه بماء غير فضل يديه، وغسل رجليه (3)».

قال النووي رحمه الله: " وهذا هو الموافق لروايات

(1) سورة الفرقان الآية 48

(2)

سنن أبو داود الطهارة (130).

(3)

صحيح البخاري الوضوء (199)، صحيح مسلم الطهارة (235)، سنن الترمذي الطهارة (32)، سنن النسائي الطهارة (97)، سنن أبو داود الطهارة (120)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (434)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 38)، موطأ مالك الطهارة (32).

ص: 27

الأحاديث الصحيحة في أنه صلى الله عليه وسلم أخذ لرأسه ماء جديدا "، قال: " فإذا ثبت هذا فالجواب عن الحديث من أوجه:

(أ) أنه ضعيف فإن راويه عبد الله بن محمد بن عقيل ضعيف عند الأكثرين، وإذا كان ضعيفا لم يحتج بروايته ولو لم يخالفه غيره، ولأن هذا الحديث مضطرب عن عبد الله بن محمد، قال البيهقي: قد روى شريك عن عبد الله في هذا الحديث " فأخذ ماء جديدا فمسح رأسه مقدمه ومؤخره ".

(ب) لو صح لحمل على أنه أخذ ماء جديدا وصب بعضه ومسح رأسه ببقيته.

(ج) يحتمل أن الفاضل في يده من الغسلة الثالثة لليد.

3 -

أما الجواب على دليل القياس على الماء المتردد على العضو الواحد فقالوا: إنا لا نحكم بالاستعمال ما دام مترددا على العضو بلا خلاف فلا يؤدي إلى مفسدة ولا حرج.

4 -

الجواب عن القياس على التراب الذي تيمم به جماعة والكفارة وكذلك الثوب: أما التراب فجوابه أن المستعمل ما علق بالعضو أو سقط عنه على الأصح، أما الباقي في الأرض فغير مستعمل، فليس كالماء.

أما طعام الكفارة فقالوا: إنما جاز أداء الفرض به مرة أخرى لتجدد عود الملك فيه فتطهيره تجدد الكثرة في الماء ببلوغه قلتين ونحن نقول به على الصحيح.

ص: 28

وأما الثوب فقالوا: إنه لم يتغير من صفته شيء فلا يسمى مستعملا بخلاف الماء.

القول الثاني: أن الماء المستعمل طاهر غير مطهر، وهو مذهب الشافعي والمذهب عند الحنابلة ورواية عن مالك وعن أبي حنيفة.

الأدلة:

1 -

حديث الحكم بن عمرو رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة (1)» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم قال الترمذي: حديث حسن.

وجه الاستدلال: أن المراد بفضل طهورها ما سقط من أعضائها؛ لأن الباقي في الإناء مطهر باتفاق.

2 -

حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم وهو جنب (2)» . أخرجه مسلم.

وجه الاستدلال: أن المراد من نهيه لئلا يصير مستعملا.

3 -

أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم احتاجوا في مواطن من أسفارهم الكثيرة إلى الماء ولم يجمعوا المستعمل لاستعماله مرة أخرى فتركه يدل على امتناعه.

4 -

القياس على المستعمل في إزالة النجاسة.

(1) سنن الترمذي الطهارة (64)، سنن النسائي المياه (343)، سنن أبو داود الطهارة (82)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (373)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 66).

(2)

صحيح مسلم الطهارة (283)، سنن النسائي الطهارة (220)، سنن أبو داود الطهارة (70)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (605).

ص: 29

المناقشة:

1 -

أما الحديث الأول الذي فيه نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة، فهو ضعيف كما قال البخاري رحمه الله: ليس هو بصحيح.

2 -

حديث أبي هريرة وأجابوا عنه: بأن المراد بالنهي عدم تقذير الماء، أو أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك؛ لئلا يتكرر فيتغير الماء؛ لأن الحديث فيه إطلاق الماء الدائم فيشمل القليل والكثير وهذا الحكم الذي ذكرتموه إنما تخصونه بالقليل دون الكثير فبطل استدلالكم بالحديث.

3 -

أما ما استدل به من ترك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لجمع الماء المستعمل مع حاجتهم إلى استعماله مرة أخرى فله أجوبة:

(أ) أنه لا يجتمع منه شيء لو جمع.

(ب) أنهم أيضا تركوا جمعه للشرب والعجن والطبخ والتبرد مع الاتفاق على جوازه فيها.

وأجاب أصحاب الدليل فقالوا: إنا لا نسلم بأنه لا يجتمع شيء منه؛ لأنه لو سلم ذلك في الوضوء لما سلم في الغسل.

أما كونهم لم يجمعوه للشرب والعجن والطبخ والتبرد فلاستقذاره. والنبي صلى الله عليه وسلم ترك أكل الضب مع إباحته له؛ لأنه عافه.

لكن هذا الجواب ضعيف، ويمكن الرد على دليلهم بأن

ص: 30

الدين لم يأت بالمشقة، ولو سلمنا بدليلكم لقلنا: بأنه يلزم المسافر أن يحمل معه ماء طهورا يكفيه لوضوئه واغتساله؛ لئلا يحتاج إلى التيمم، وهذا فيه مشقة عظيمة وحرج كبير، ودفع الحرج قد جاءت به الشريعة الإسلامية السمحة.

4 -

أما القياس على الماء الذي أزيلت به النجاسة فالفرق بينهما ظاهر فلا يصح القياس.

وبعد التأمل والنظر يترجح القول بأن الماء المستعمل في طهارة الحدث طهور مطهر؛ لسلامة بعض ما استدل به أصحاب هذا القول من المناقشة، كحديث ابن عباس رضي الله عنهما في قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الماء لا يجنب (1)» ، ولما استدلوا به من النظر من أدلة قوية لا تقاومها أدلة القول الثاني التي قد نوقشت جميعها ورد الاستدلال بها، ولهذا قال المرداوي في الإنصاف عن هذا القول:" وهو أقوى في النظر "، مع أن أكثر الأصحاب على أنه طاهر غير مطهر، والحق أحق أن يتبع والله أعلم، هذا وإن لأصحاب القول الأول أدلة من السنة تركنا إيرادها إيثارا للاختصار، واكتفاء بما صح من أدلتهم أثرا ونظرا عما كان ضعيفا في النقل. والله المسئول أن يوفقنا ويرزقنا الفقه في الدين واتباع سنة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

ومعلوم أن للبحث بقية يسر الله إيرادها فيما يقبل من أعداد هذه المجلة المباركة وإني في ختام هذه الكلمة لأدعو الله العلي القدير أن يفقهنا جميعا في دينه وأن يرزقنا الالتزام بسنة نبيه صلى

(1) سنن الترمذي الطهارة (65)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (370).

ص: 31

الله عليه وسلم ويرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، والباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، كما أسأله سبحانه أن يصلح أحوال المسلمين ويلهمهم رشدهم ويردنا إليه ردا جميلا، ويوفق ولاة أمر المسلمين للعمل بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إلى يوم الدين.

ص: 32