الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مع أنه نص عليه في الكافية الشافية، وذكر شروطه فقال:
أول مثلين أدغم إن سكنا
…
وليس همزة نأت عن فا البنا
وليس ها سكت ولا مدا ختم
…
أو مبدلا إبداله لم يلتزم (1)
(1) شرح الكافية الشافية 4/ 2175.
القسم الثاني: وهو الذي يكون فيه المثلان متحركين
، ونظرا لثقل التضعيف -كما بينت ذلك سابقا- لجئوا هنا أيضا إلى الإدغام، ولكن لما كان الإدغام لا يحصل إلا بحرفين ساكن ومتحرك؛ لكي لا تفصل حركة الأول بينهما؛ لأن الحركة أبدا محلها بعد الحرف (1)، سكنوا الحرف الأول (2) وذلك " بحذف الحركة منه إن كان ما قبله متحركا أو ساكنا هو حرف مد ولين، أو بنقلها إلى ما قبله إن كان ساكنا غير حرف مد ولين "(3).
(1) انظر: سر صناعة الإعراب 1/ 28، 29.
(2)
انظر: المقتضب 1/ 206.
(3)
الممتع 2/ 634، وانظر: شرح التصريف 472. المبدع 246. مجموعة الشافية 1/ 331.
فالأول نحو: رد، فإن أصله: ردد، فحذفت حركة الأول لتحرك ما قبله، والثاني نحو: فار وضار، فإن أصلهما: فارر وضارر، فحذفت أيضا حركة الأول ولم تنقل إلى الساكن قبله؛ لأنه حرف مد ولين، والثالث نحو: مكر ومستقر، فإن أصله: مكرر ومستقرر، فنقلت حركة الأول إلى الساكن قبله، لأنه غير حرف مد ولين، ثم أدغم في الثاني.
وهذا القسم من الإدغام له حكمان:
أ- واجب، وذلك عندما يكون المثلان في كلمة واحدة.
ب- جائز، وذلك عندما يكون المثلان في كلمتين، أو ما في حكمهما.
وفيما يلي توضيح لمواضع الحكمين وشروطهما:
أ- إدغام المثلين المتحركين الواجب، وذلك كما في نحو:(رد) من: ردد، و (ضن) من: ضنن، و (لب) من: لبب، وكما في الفعل (صد) من قول الله تعالى:{فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ} (1) فإدغام الدال في الدال
(1) سورة النساء الآية 55
واجب لأنهما قد وقعا في كلمة واحدة، وهذا هو حكم كل مثلين متحركين التقيا في كلمة واحدة ما دامت قد تحققت الشروط التالية:
الشرط الأول: أن لا يكون أول المثلين هو (فاء) الكلمة؛ لأنه لا بد من تسكينه، وعندها يتعذر الابتداء به، ولذا وجب الإظهار (1) في نحو: ددن، وببر (2).
الشرط الثاني: أن لا يتصل أول المثلين بمدغم؛ نحو: قرر وعدد وردد من الأفعال وجسس جمع " جاس "(3) من الأسماء، ففيها جميعا ثلاثة أمثال؛ الأول منها ساكن، والثاني والثالث متحركان، وقد أدغم الأول في الثاني، ويمتنع إدغام الثاني في الثالث؛ لأنه لو أدغم المدغم فيه لالتقى ساكنان ولبطل الإدغام السابق، ولذا امتنع -أيضا- إدغام ما قبله ساكن إلا أن
(1) انظر: المبدع 246، أوضح المسالك 4/ 409.
(2)
الددن: هو اللهو واللعب. تهذيب اللغة 14/ 69، والببر: هو ضرب من السباع. اللسان 4/ 37.
(3)
الجس: اللمس باليد. تهذيب اللغة 10/ 448.
يكون ذلك الساكن حرف مد ولين، نحو: راد وتمود الثوب وتميد؛ وذلك " لأن الألف والواو والياء قد صار ما فيها من المد بمنزلة الحركة، ألا ترى أن زمان الحرف الممدود أطول من زمان غيره. . . فصار ما فيها من المد يقوم مقام الحركة "(1).
الشرط الثالث: أن لا يكون المثلان في كلمة على وزن أريد به الإلحاق سواء كان الحرف الملحق هو أحد المثلين كما في نحو قولهم: قردد ومهدد من الأسماء الملحقة بـ (جعفر) وكقولهم شملل وجلبب من الأفعال الملحقة بـ (دحرج) أو كان الحرف الملحق غير المثلين كما في نحو قولهم: هيلل، لمن أكثر من قول:" لا إله إلا الله " فإن (الياء) المزيدة لإلحاق الفعل بـ (دحرج) غير المثلين، أو كان أحد الحرفين الملحقين هو أحد المثلين والآخر غيرهما؛ وذلك في الخماسي من الأفعال المزيدة للإلحاق بـ (احرنجم) نحو اقعنسس، وفي الخماسي من الأسماء المزيدة للإلحاق بـ (سفرجل) نحو: ألندد وعفنجج فإن (النون) في الثلاثة زيدت للإلحاق وهي غير المثلين، والحرف التالي لها في الأمثلة
(1) التبصرة 2/ 936، وانظر: الكتاب 2/ 398. المقتضب 1/ 203. اللباب 2/ 471.
الثلاثة زيد أيضا للإلحاق وهو أحد المثلين.
ففي جميع هذه الصور وأشباهها يمتنع الإدغام؛ وذلك لكي لا يزول بالإدغام موازنة الملحق بالملحق به؛ لأنه لو أدغم (جلبب) -مثلا- للزم تسكين الأول بنقل حركته إلى الساكن قبله، ولأدى ذلك فوات موازنته لـ (دحرج)" فيبطل غرض الإلحاق، والأحكام الموضوعة للتخفيف إذا أدت إلى نقض أغراض مقصودة تركت "(1).
الشرط الرابع: أن لا يكون المثلان في (اسم) ثلاثي على وزن مخالف لأوزان (الفعل) فلا يدغم مثل: ذلل وجدد وسرر من (فعل) ولا مثل: لمم وكلل وقدد من (فعل) ولا مثل: درر وجدد وغرر من (فعل) ولا مثل: ردد من (رد) لو بني على (فعل)، وما ذاك إلا لأنها جاءت على أوزان قد استقل
(1) شرح المفصل 10/ 122، وانظر: التكملة 273، المصنف 2/ 303.
بها الاسم، وبما أن الاسم أصل للفعل (1) والإظهار أصل للإدغام أعطي الأصل للأصل، والفرع للفرع. يقول ابن مالك:" الإدغام فرع على الإظهار، فخص بالفعل لفرعيته، وتبع الفعل فيه ما وازنه من الأسماء دون ما لا يوازن ".
إذن فسبب منع تلك الأسماء من الإدغام هو مجيئها على أوزان من غير أوزان الفعل، ولذا أدغم العرب الأسماء التي هي مثل: صب وطب وضف؛ لأنها من: صبب وطبب وضفف
(1) انظر: أسرار العربية 17.
أي: من (فعل) الذي هو مماثل لأحد أوزان الفعل، وكذلك عندما بنوا اسما من (رد) على وزن (فعل) قالوا: رد بالإدغام، لأنه جاء -أيضا- على وزن مماثل لوزن من أوزان الفعل " وكان القياس أن يدغم ما هو على (فعل) كشرر وقصص وعدد لموازنة الفعل، لكنه لما كان الإدغام لمشابهة الفعل الثقيل، وكان مثل هذا الاسم في غاية الخفة؛ لكونه مفتوح الفاء والعين. . . تركوا الإدغام "(1).
ب- إدغام المثلين المتحركين الجائز: وإنما كان حكم الإدغام هنا جائزا لأن اتصال المثلين ببعضهما ليس بلازم لأن كل واحد منهما في كلمة مستقلة، فلا يلزم أن يلاقي أول الكلمة الثانية آخر الكلمة الأولى، فكان اجتماع المثلين هنا عارضا، إضافة إلى أنهما متحركان، ولكن ومع أن هذا هو الحكم العام في كل مثلين متحركين التقيا وهما منفصلان إلا أن هنالك مراتب يتدرج فيها إدغام هذين المثلين من الأحسن إلى الحسن إلى الممتنع، وملاك الأمر في ذلك هو ما يحيط المثلين من حركة أو سكون، وتوضيح ذلك فيما يلي:
المرتبة الحسنى: وهي التي يقع فيها المثلان بين حروف
(1) شرح الشافية 3/ 242. وانظر: الكتاب 2/ 399. المقتضب 1/ 200. الأصول 3/ 406.
متحركة بحيث يصبح مجموع الحروف المتحركة بهما خمسة فصاعدا، يقول سيبويه:" أحسن ما يكون الإدغام في الحرفين المتحركين اللذين هما سواء إذا كانا منفصلين أن تتوالى خمسة أحرف متحركة بهما فصاعدا " وذلك كقوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا} (1) على قراءة من أدغم (2) اللام في اللام، وكقوله عز وجل:{وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ} (3) على قراءة (4) من أدغم العين في العين، وكقولهم: فعل لبيد، ونزع عمر، وذهب بمالك. ويكون الإدغام في هذه المرتبة بحذف حركة أول المثلين، ولذا كان الإدغام أحسن من الإظهار لما فيه من التخفيف، والإظهار لغة أهل الحجاز (5).
المرتبة الحسنة: وهي التي يقع فيها المثل الأول بعد حرف مد؛ نحو: المال لك، وعود داود، وقيل لهم. أو يقع بعد حرف لين؛ نحو: ثوب بكر، وجيب بشر. . . . فيجوز الإدغام والإظهار، وذلك كما في قراءة قوله تعالى:{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (6){مَالِكِ} (7)
(1) سورة البقرة الآية 22
(2)
ذكرها النحاس في إعراب القرآن 1/ 147، ولم ينسبها إلى أحد. وانظر: الإدغام الكبير 93.
(3)
سورة الحج الآية 65
(4)
انظر: الإدغام الكبير 106.
(5)
الممتع 2/ 650.
(6)
سورة الفاتحة الآية 3
(7)
سورة الفاتحة الآية 4
لكن الإظهار أحسن؛ وذلك لأن حروف المد واللين ساكنة، وعليه لم تتوال الحركات التي تثقل على ألسنتهم فتجعلهم يدغمون لغرض التخفيف، ولولا المدة التي هي في حروف المد وحروف اللين، والتي تجعلها تقترب من الحروف المتحركة لامتنع الإدغام أصلا كما سيتضح في المرتبة التالية، يقول الرضي:" المد يقوم مقام الحركة، وإنما جاز الإدغام في نحو: ثوب بكر وجيب بكر. . .؛ لأن الواو والياء الساكنين فيهما مد على الجملة وإن لم تكن حركة ما قبلهما من جنسهما، إلا أن مدهما أقل من مدهما إذا كان حركة ما قبلهما من جنسهما "(1).
وهذا هو الذي جعل التقاء الساكنين هنا مغتفرا؛ وذلك لما في الساكن الأول من المد ولما في الحرف المشدد من التشبث
(1) شرح الشافية 3/ 248.
بالحركة، وكذلك لأن التقاء الساكنين غير لازم إذ قد يزول بالإظهار (1)، المقدم على الإدغام في هذه المرتبة.
المرتبة الممتنعة: وهي التي يقع فيها المثل الأول بعد حرف (صحيح) ساكن؛ فهنا يمتنع الإدغام (2) سواء كان المثلان حرفين صحيحين؛ نحو: اسم موسى، وابن نوح، أو كانا حرفي علة، نحو: ضبي ياسر، وغزو واقد " وإنما لم يجز الإدغام فيه؛ لأن الإدغام في الكلمتين أضعف منه في الكلمة الواحدة. . . فلما كان أضعف لم يقو على أن يغير له الحرف الساكن بالتحريك، إذ لو أدغمت لم يكن بد من تحريك سين " اسم " وباء " ابن " "(3).
وإدغام المثلين المتحركين (الجائز) لا يقف عند هذه الصور، بل يتعداها إلى صور أخرى؛ وذلك حين يلتقي المثلان متحركين في كلمة، غير أن حركة أحدهما ليست بلازمة، أو حين يلتقي المثلان في كلمة هي في حكم كلمتين. . . . وفيما يلي تفصيل لهذه الصور: الصورة الأولى: وهي صورة الفعل الماضي الثلاثي الذي عينه ولامه ياءان، وهو ما يسمى بـ (اللفيف المقرون) إذا كان على وزن (فعل)؛ نحو: حيي وعيي، فإن المثلين في مثل
(1) انظر: المقتضب 1/ 183 التبصرة 2/ 935. الممتع 2/ 651.
(2)
انظر: الكتاب 2/ 407. التكملة 274. التبصرة 2/ 935. شرح المقدمة الجزولية 3/ 1153.
(3)
الممتع 2/ 652، وانظر: مجموعة الشافية 1/ 333.
هذا الفعل يجوز فيهما الإدغام وتركه " أما الإدغام فلكونهما قد التقيا في كلمة واحدة، وليس ما يمنع الإدغام، وأما ترك الإدغام فلأن حركة " الياء " الثانية لا تظهر في صورة المضارع؛ نحو: يحيي، ولأن " الياء " الثانية تسقط في صورة الأمر إذا قيل: أحي، وكذلك في صورة الفعل المضارع المجزوم إذا قيل: لم يحي، ولذا عد اجتماعهما في صورة الماضي وكذلك تحركهما كالعارض " والعارض لا اعتداد به " فكذلك ما هو كالعارض. وقد قرئ بالإدغام والفك في قوله عز وجل: {وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} (1).
وقال الشاعر بالإدغام:
عيوا بأمرهم كما
…
عيت ببيضتها الحمامة
(1) سورة الأنفال الآية 42
وقال الآخر بالفك:
وكنا حسبناهم فوارس كهمس
…
حيوا بعدما ماتوا من الدهر أعصرا
والإدغام أكثر (1).
الصورة الثانية: وهي التي يكون فيها المثلان هما " التاءان " اللذان في أول الفعل الماضي الذي هو على وزن (تفاعل) و (تفعل) نحو: تتابع وتترس، والمضارع منه نحو: تتثاقل وتتنزل، فإنه يجوز فيهما الإدغام والفك.
فأما الإدغام فلأنهما قد التقيا في كلمة واحدة، ويكون بتسكين التاء الأولى وإدغامها في الثانية، مع ضرورة اجتلاب همزة وصل في الفعل الماضي، وضرورة مراعاة أن لا يدغم الفعل المضارع إلا في وسط الكلام ليكتفي بحركة ما قبله
(1) نص على هذا سيبويه 2/ 387.
فيقال في الأول: اتابع واترس، وفي الثاني: قال تثاقل وقال تنزل.
وأما الفك فلأن " التاء " الأولى ليست بلازمة؛ لأنها مزيدة على وزن (فاعل) و (فعل)" فلما لم يلزم صار اجتماع المثلين غير لازم، وما لا يلزم -وإن كان ثقيلا- قد يحتمل لعدم لزومه ".
الصورة الثالثة: وهي التي يكون فيها أحد المثلين هو " تاء "(افتعل) في نحو: اقتتل وافتتح، فيجوز فيه الوجهان: الإظهار والإدغام.
فالإظهار لأن " التاءين " في حكم المنفصلين من جهة أن "تاء" الافتعال لا يلزم أن يقع بعدها مثلها، بل قد يقع بعدها غير " التاء " نحو: اكتسب واقتصر واقترب وابتدع. . . ولا يقع بعدها " تاء " إلا إذا بني (افتعل) من كلمة عينها " تاء " نحو: استتر واكتتب، من: ستر وكتب، ولذا صار المثلان هنا كالمنفصلين وشبها باجتماع المثلين من كلمتين، وكما أنه لا يدغم المثلان
المنفصلان إذا كان ما قبل الأول منهما ساكنا صحيحا فكذلك لا يدغم المثلان في (افتعل).
وأما الإدغام فلأن المثلين قد التقيا في كلمة واحدة، وعند الإدغام يجوز اتباع أحد الطرق الثلاث:
- نقل فتحة " تاء " افتعل إلى " الفاء " وعندها تسقط همزة الوصل لتحرك ما له اجتلبت، ثم تدغم " التاء " في " التاء " فيقال:(فعل) كـ (قتل).
- حذف فتحة "تاء" افتعل، فتلتقي ساكنة مع "فاء" الكلمة، فتحرك " الفاء " بالكسر على أصل التقاء الساكنين " فتسقط همزة الوصل - أيضا- لتحرك الساكن بعدها، ثم تدغم " التاء " في " التاء " فيقال: (فعل) كـ (قتل).
- اتباع الخطوات نفسها في الطريقة السابقة إلا أن " التاء " بعد إدغامها تكسر إتباعا لكسرة " فاء " الكلمة، فيقال:(فعل) كـ (قتل).
أما طريقة الفعل المضارع، واسم الفاعل، واسم المفعول، والمصدر منه فإنها تتغير بتغير طرقه؛ وذلك على النحو التالي:
فمن قال في الماضي (قتل) -بفتح التاء والقاف- قال في المضارع (يقتل) -بفتح القاف وكسر التاء- وفي اسم الفاعل (مقتل) -بفتح القاف وكسر التاء- وفي اسم المفعول (مقتل) بفتحهما.
ومن قال (قتل) -بكسر القاف وفتح التاء- قال في
المضارع (يقتل) -بكسر القاف والتاء- وفي اسم الفاعل (مقتل) -بكسر القاف والتاء- وفي اسم المفعول (مقتل) بكسر القاف وفتح التاء.
ومن قال (قتل) -بكسر القاف والتاء- قال في المضارع (يقتل) -بكسر القاف والتاء- وفي اسم الفاعل (مقتل) بكسرهما، وفي اسم المفعول (مقتل) -بكسرهما أيضا- أما المصدر ففي اللغات الثلاث (قتال) بكسر القاف وفتح التاء.
القسم الثالث: وهو الذي يكون فيه المثل الأول متحركا والثاني ساكنا وهما في كلمة واحدة، فهذا على ضربين:.
أحدهما: أن يكون سكون الثاني لموجب، ثم قد تعرض ضرورة فيتحرك الحرف لأجلها، مع وجود ذلك الموجب، وذلك كما في الفعل المضارع المجزوم بالسكون، وفعل الأمر المبني
على السكون، نحو: لم يردد واردد، فإن المثل الثاني قد سكن لموجب الجزم أو الوقف، إلا أنه إذا التقى بساكن آخر فقد يتحرك، نحو: لم يردد القوم واردد ابنك.
الآخر: أن يكون سكون الثاني لموجب، ولا يجوز أن يحرك بحركة أخرى ما دام ذلك الموجب باقيا، وذلك كما في الفعل إذا اتصل به تاء الضمير أو نونه نحو: رددت ورددنا ورددن ويرددن وارددن.
فالضرب الأول: قد جاء كلام العرب فيه بالإظهار والإدغام؛ أما الإظهار فلغة أهل الحجاز، الذين نظروا إلى سكون الثاني ورأوا أنه لو سكن الأول لأدى إلى التقاء الساكنين فتركوا الإدغام، وبلغتهم جاء القرآن الكريم غالبا، (1) قال الله تعالى:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ} (2)، {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} (3)، {وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ} (4).
أما بنو تميم وغيرهم من العرب فيدغمون في مثل هذه المواضع " ويشبهونه بالمعرب، من حيث إنه قد تتعاقب عليه الحركات لالتقاء الساكنين، كما تتعاقب حركات الإعراب على
(1) فقد جاء قوله عز وجل في سورة الحشر: ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب وغيرها بالإدغام.
(2)
سورة البقرة الآية 217
(3)
سورة آل عمران الآية 120
(4)
سورة لقمان الآية 19
المعرب. . . وكأنهم نزلوا الحركة العارضة منزلة اللازمة في " يشد " و" يمد " فأدغم كإدغامه " (1)، وعلى لغتهم قراءة:{مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ} (2).
وبلغتهم أيضا أنشد الشاعر:.
فغض الطرف إنك من نمير
…
فلا كعبا بلغت ولا كلابا
أما الضرب الثاني: فالمسموع عن العرب -عدا بكر بن وائل - يمنع إدغامه، وعلى هذا نص النحاة المتأخرون وإن اختلفت عباراتهم، كما أن المتأمل في
(1) شرح الملوكي 454.
(2)
سورة المائدة الآية 54
كلام (1) سيبويه يجده يكاد ينص على ذلك أيضا؛ وما ذلك إلا لأن العرب قد قالت: ظللت، ووددت، وشددت، ورددت. . . وقال الله تعالى:{قُلْ لَا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} (2) وقال عز من قائل: {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} (3).
وإنما امتنع الإدغام هنا " لأمرين: أحدهما: تحرك الأول، والحرف الأول متى تحرك امتنع الإدغام؛ لأن حركة الحرف الأول قد فصلت بين المتجانسين فتعذر الاتصال. والأمر الثاني: سكون الثاني، والإدغام لا يحصل في ساكن؛ لأن الأول لا يكون إلا ساكنا فلو أسكن الثاني لاجتمع ساكنان على غير شرطه وذلك لا يجوز "(4)، وكما امتنع إدغام المتحرك في الساكن هنا، امتنع أيضا في (أفعل) للتعجب نحو: أشدد ببياض وجوه المتقين، وقال الشاعر:.
(1) الكتاب 2/ 160.
(2)
سورة الأنعام الآية 56
(3)
سورة الإنسان الآية 28
(4)
شرح المفصل 10/ 121، 122.
وقال نبي المسلمين تقدموا
…
وأحبب إلينا أن يكون المقدما
وبهذا ينتهي الحديث عن (الإدغام الصرفي) ولم يبق إلا أن أشير إلى ما جاء مخالفا لتلك الأقيسة، خارجا عن تلك القيود، فقد سمع عن العرب: لححت عينه، وألل السقاء، وقطط شعره، ودببت المرأة، وضبب البلد. . . . بفك الإدغام، وقال الشاعر:.
الحمد لله العلي الأجلل
…
الواسع الفضل الوهوب المجزل
والله أعلم