الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في المقابر المسبلة كما هو مشاهد، لا سيما بالحرمين ومصر ونحوهما، وقد علموا بالنهي عنه، فكذا هي، فإن قلت: هو إجماع فعل، وهو حجة كما صرحوا به قلت: ممنوع بل هو أكثري إذ لم يحفظ ذلك حتى عن العلماء الذين يرون منعه، وبفرض كونه إجماعا فعليا فعمل حجيته- كما هو ظاهر- عند صلاح الأزمنة، بحيث ينفذ فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد تعطل ذلك منذ أزمنة، ولو بني نفس القبر لغير حاجة مما مر- كما هو ظاهر- إلى أن قال: وقد أفتى جمع بهدم كل ما بقرافة (1) مصر من البناء حتى قبة إمامنا الشافعي رضي الله عنه، التي بناها بعض الملوك، وينبغي لكل أحد هدم ذلك، ما لم يخش منه مفسدة فيتعين الرفع للإمام " (2).
ولتنظر أيها القارئ إلى مبلغ احتياط هؤلاء العلماء في حماية جانب التوحيد، حتى أفتى جمع منهم بهدم القبة التي على قبر الشافعي رحمه الله وهو من كبار أئمة أهل السنة، فكيف بمن دونه في العلم والفضل، حتى لقد بنيت قباب على قبور أناس غير معروفي الأصل، وليسوا من أهل العلم والفضل، كما حدث عند السيد البدوي، وغيره ممن لهم قباب معروفة مشهورة.
وقال البيضاوي - كما في حاشية السيوطي على سنن النسائي: " لما كان اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم،
(1) هي المكان الذي يقبر فيه.
(2)
كما في العقد الثمين ص 186.
وقد ضمن الله للمؤمنين أنه هو يدافع عنهم، ومن يدافع الله عنه فهو ممنوع حتما من عدوه، وظاهر حتما على عدوه.
وختم الله الآية بقوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} (1) فعلم بأنه تعالى يحب أولياءه المؤمنين به المتبعين لسنة نبيه، كما قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2)، ومن أحبه الله تولاه، ومن تولاه نصره وخذل عدوه، ولكن بشرط أن يعمل؛ لأن الله جعل هذه الدنيا دار ابتلاء، فمن آمن بالله واعتصم بحبل الله عاملا بكتاب الله متأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يحصل على الخير في الدنيا والآخرة {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} (3)
(1) سورة الحج الآية 38
(2)
سورة آل عمران الآية 31
(3)
سورة النمل الآية 89
المطلب الخامس: أجر العاملين من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:
أمر الله المؤمنين أن يتأسوا بالأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام في دعوتهم وسلوكهم، فقال:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (1) يقول تعالى ذكره: لقد كان لكم أيها المؤمنون قدوة حسنة في
(1) سورة الممتحنة الآية 6
الذين ذكرهم إبراهيم والذين معه من الأنبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم لمن كان يرجو الله واليوم الآخر أي: لمن كان منكم يرجو ثواب الله والنجاة في اليوم الآخر (1).
ثم ختم الله هذه الآية بقوله: ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد ومعنى هذا التذييل أي: ومن يتول عما أمره الله به وندبه إليه منكم ومن غيركم، فأعرض عنه وأدبر مستكبرا، ووالى أعداء الله وألقى إليهم بالمودة، فإن الله هو الغني عن إيمانه وطاعته إياه وعن جميع خلقه، الحميد بآلائه ونعمائه التي أسبغها عليهم.
فهذا نوح عليه الصلاة والسلام يقول الله عنه: {وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ} (2)، هكذا إعلان صريح واضح حتى يعلموا أن الذي يبلغهم الرسالة آناء الليل وأطراف النهار ويجدد في أساليب دعوته، كما قال الله عنه:{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} (3) ولكن الجحود والاستكبار جعلهم مستنكفين بنبي الله نوح ويفرون منه وهو يلاحقهم بالدعوة في منتدياتهم وخلواتهم: {ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا} (4)، يقوم بهذا الجهد كله من أجل أن يؤمن هؤلاء القوم بالله رب العالمين.
وهذا نبي الله هود عليه الصلاة والسلام يعلن لقومه فيقول:
(1) تفسير الطبري 28/ 42.
(2)
سورة هود الآية 29
(3)
سورة نوح الآية 5
(4)
سورة نوح الآية 8
{قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} (1){يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (2).
ختم الله الآية الأولى بقوله: {إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ} (3) الافتراء: الكذب واختلاقه، فهؤلاء القوم مفترون بكذبهم على الله وباتخاذهم الأصنام والأنداد من دون الله.
وختم الله الآية الثانية بقوله: أفلا تعقلون أفلا تعقلون أن عبادة غير الله من الأصنام والأوثان وهي لا تملك جلب نفع ولا دفع ضر، والحال أنكم تصرفون العبادة لها من دون الله، وأنا أدعوكم إلى الله الواحد الأحد الذي له ملك السماوات والأرض وهو ربكم ورازقكم، وهو الذي يحييكم ويميتكم ثم إليه ترجعون.
فأجر العاملين المحسنين من الأنبياء والمرسلين على الله كما قال تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (4) والجنة درجات، كما قال:{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} (5).
وقد ورد في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سأل موسى عليه الصلاة
(1) سورة هود الآية 50
(2)
سورة هود الآية 51
(3)
سورة هود الآية 50
(4)
سورة يونس الآية 26
(5)
سورة الأنعام الآية 132
والسلام ربه: ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعدما أدخل أهل الجنة الجنة، فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: أي رب كيف وقد نزل الناس منازلهم وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت رب. فيقول: لك ذلك ومثله ومثله ومثله ومثله، فيقول في الخامسة: هذا لك وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك ولذت عينك، فيقول: رضيت رب، قال: رب، فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر (1)»
وقد وردت مضاعفة الأجر على ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: الحسنة بعشر أمثالها {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (2) فهنيئا للعاملين المخلصين الذين يغرسون الخير ويضاعف لهم أضعافا مضاعفة.
المرتبة الثانية: الحسنة بسبعمائة ضعف، فبكل درهم أو دينار سبعمائة ضعف {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} (3)، فيزيده زيادة لا حصر لها.
(1) الحديث من صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة (189) 1/ 176.
(2)
سورة الأنعام الآية 160
(3)
سورة البقرة الآية 261
المرتبة الثالثة: مضاعفة الأجر بغير حساب {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (1)، فلهم أجر عظيم لا يقدر قدره إلا الله؛ ذلك لأنهم احتسبوا أجرهم على ربهم وصبروا وصابروا ورابطوا، فحصل لهم الفلاح والفوز برضوان الله في جنة عرضها السماوات والأرض.
فعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تتراءون الكوكب في السماء (2)» وفي حديث أبي موسى رضي الله عنه، أن رسول صلى الله عليه وسلم قال:«إن للمؤمن لخيمة في الجنة من لؤلؤة مجوفة طولها في السماء ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا (3)» فإيمان العاملين بالله واليوم الآخر يجعلهم يجتهدون ويجاهدون أنفسهم في ذات الله، كما قال الله عنهم:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (4)
(1) سورة الزمر الآية 10
(2)
الحديث من صحيح مسلم، كتاب الجنة، باب ترائي أهل الجنة أهل الغرف (2830) 2/ 2177.
(3)
الحديث من صحيح مسلم، كتاب صفة الجنة، باب في صفة خيام الجنة (2838) 3/ 2182.
(4)
سورة العنكبوت الآية 69
{جَاهَدُوا فِينَا} (1) أي: جاهدوا في الله حق جهاده؛ فتراهم في ليلهم ونهارهم وهم مجتهدون في عبادة ربهم، مخلصين لله راجين فيما عند الله.
خامسا: نلتزم بالدعوة مخافة عقاب الله في الدنيا والآخرة:
فالدعوة إلى سبيل الله نجاة المؤمنين في الدنيا وفي الآخرة؛ نجاتهم من غضب الله عز وجل وفوزهم برضا الله عز وجل، وقد ضرب الله لنا مثلا قرية من قرى بني إسرائيل، قال تعالى:{وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} (2) الآيات، يخبر الله عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق، فرقة ارتكبت المحظور، واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت، وفرقة نهت عن ذلك واعتزلتهم، وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه، ولكنها قالت للمنكرة:{لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} (3) أي: لم تنهون هؤلاء وقد علمتم أنهم هلكوا واستحقوا العقوبة من الله؟ فلا فائدة في نهيكم إياهم، قالت لهم المنكرة:{مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} (4) أي: نفعل ذلك معذرة إلى ربكم فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (5) أي: ولعل بهذا الإنكار يتقون ما هم فيه ويتركونه ويرجعون إلى الله تائبين، فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم.
قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ} (6) أي: فلما أبي الفاعلون المنكر قبول النصيحة {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا} (7)
(1) سورة العنكبوت الآية 69
(2)
سورة الأعراف الآية 163
(3)
سورة الأعراف الآية 164
(4)
سورة الأعراف الآية 164
(5)
سورة الأعراف الآية 164
(6)
سورة الأعراف الآية 165
(7)
سورة الأعراف الآية 165
أي: ارتكبوا المعصية {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} (1) فنص على نجاة الناهين وهلاك الظالمين، وسكت عن الساكتين؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فهم لا يستحقون مدحا فيمدحوا ولا ارتكبوا عظيما فيذموا، ومع هذا اختلف الأئمة فيهم هل كانوا من الهالكين أم كانوا من الناجين؟ (2) فيقوم المسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفا من اللعنة التي تحق على من رأى المنكر ولم يغيره، كما بين الله لنا عن قوم من بني إسرائيل أنهم لا يتناهون عن منكر فعلوه، فلذا حق عليهم غضب الله.
قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (3){كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (4){تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} (5).
فختم الله الآية الأولى في هذا السياق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون عصوا الله عز وجل وعصوا رسله، وكذبوا بما أنزله الله عليهم وكانوا يعتدون الاعتداء: هو مجاوزة الحد والظلم، فقد جاوزوا حدود الله وتعدوها فضلوا وأضلوا إضافة إلى اعتدائهم وظلمهم.
(1) سورة الأعراف الآية 165
(2)
تفسير ابن كثير 3/ 394. / 8
(3)
سورة المائدة الآية 78
(4)
سورة المائدة الآية 79
(5)
سورة المائدة الآية 80
وختم الله الآية الثانية {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (1) بئس: نقيض نعم، فبئس تشمل جميع المذام، كما أن نعم تقتضي جميع المحامد، والمعنى في الآية جميع المذام لاصقة بهؤلاء الذين تولوا قوما غضب الله عليهم، مع أنهم يعلمون كتاب الله وسنة رسول الله ويخالفون ذلك، فلبئس الفعل فعلهم " (2).
نلتزم بالقيام بالدعوة إلى الخير لاستبقاء الناس:
قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} (3){وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (4).
هذه الإشارة تكشف عن سنة من سنن الله في الأمم، فالأمة التي يقع فيها الفساد بتعبيد الناس لغير الله في صورة من صوره، فيوجد من ينهض لدفعه، هي أمم ناجية لا يأخذها الله بالعذاب والتدمير، فأما الأمم التي يظلم فيها الظالمون ويفسد فيها المفسدون فلا ينهض من يدفع الظلم والفساد، أو يكون فيها من يستنكر، ولكنه لا يبلغ أن يؤثر في الواقع الفاسد، فإن سنة الله تحق عليها، إما بهلاك الاستئصال وإما بهلاك الانحلال والاختلال.
فأصحاب الدعوة إلى عبودية الله وحده، وتطهير الأرض من الفساد الذي يصيبها بالدينونة لغيره، هم صمام الأمان للأمم
(1) سورة المائدة الآية 79
(2)
عمدة الحفاظ ص37.
(3)
سورة هود الآية 116
(4)
سورة هود الآية 117
والشعوب، وهذا يبرز قيمة كفاح المكافحين لإقرار العبودية لله وحده، الواقفين للفساد والظلم بكل صوره. . . إنهم لا يؤدون واجبهم لربهم ولدينهم فحسب، إنما هم يحولون بهذا دون أممهم وغضب الله واستحقاق النكال والضياع (1).
وختم الله هذا السياق بقوله: {وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (2) وهذا فيه دلالة على أن الصلاح والإصلاح في أي مدينة أو قرية أو فئة من الناس يكون سبب خير على البشرية جمعاء بل وعلى الطير في الهواء والهوام والحيوانات وجميع الدواب التي تدب على وجه الأرض {وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (3) أي: صالحون في أنفسهم مصلحون لغيرهم، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء (4)»
وفي حديث زيد بن ملحة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدين ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها. . . إن الدين بدأ غريبا ويرجع غريبا فطوبى للغرباء، الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي (5)»
والغرباء هم العلماء العاملون، وطلبة العلم المخلصون،
(1) في ظلال القرآن 4/ 1933.
(2)
سورة هود الآية 117
(3)
سورة هود الآية 117
(4)
صحيح مسلم كتاب الإيمان (145)، سنن ابن ماجه كتاب الفتن (3986)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 389).
(5)
الحديث من سنن الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الإسلام بدأ غريبا (2630) 5/ 18.