المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابع: الالتزام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - دين وعبادة: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌المسألة الأولى: في تقسيم الماء

- ‌المسألة الثانية: هل الماء المستعمل طهور أم أن الاستعمال يسلبه الطهورية

- ‌الفتاوى

- ‌ فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌كلام العلماء في حكم تارك

- ‌الحكمة في شرعية الأذانوإذا أراد الأذان ثانية لشهادة الجبال

- ‌حكم الأذان والإقامةوهل يجوز لعن قرية تركتهما

- ‌لا يجوز استبدال المؤذن بأسطوانات مسجلة

- ‌الأذان من الإذاعة لا يكفي للصلاة

- ‌استعمال الميكروفونفي الصلاة ليس من البدع

- ‌التأكيد على المؤذنينبأن لا يؤذنوا قبل الوقت

- ‌تحديد ما بين الأذان والإقامة

- ‌يصلي المغرب أولا ولو فاتته الجماعة للعشاء

- ‌إن أمكن سرد الفوائت مرتبة وإلا وزعت

- ‌صحة صلاة مكشوف الرأس

- ‌ فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌إمامة المسافر بالمقيم والعكس

- ‌مقدار المدة والمسافةالتي يجوز فيها الجمع والقصر

- ‌هل الأفضل في الجمعبين الصلاتين التقديم أو التأخير

- ‌المسافر إذا كان وحدهفإنه يصلي مع الإمام بالإتمام

- ‌هل الأفضل للمسافر القصر بلا جمعأو الجمع والقصر وهل بينهما تلازم

- ‌حكم الجمع والقصر لمن دخل الوقت وهو لم يرتحل بعد

- ‌حكم الجمع عند المطر

- ‌هل النية شرط للجمع

- ‌الرقية الشرعية الصحيحة

- ‌ السنة لمن حاذى الحجر الأسود

- ‌ إتيان المرأة وهي حائض

- ‌ متابعة الإمام في تكبيرة الإحرام

- ‌تناول دواء لإيقاف العادة الشهرية في شهر رمضان

- ‌ بعض الناس يتسبب في إفطار نفسه في رمضان

- ‌ علامة الطهر بعد الحيض والنفاس

- ‌ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ هل على المرأة غسل إذا أنزلت بشهوة بدون جماع

- ‌لا يلزم الغسل بعد التوبة

- ‌ المني طاهر

- ‌ يكفي الغسل من الجنابة عن الوضوء للصلاة

- ‌من وجب عليه غسل فأكثر

- ‌ حكم التيمم

- ‌معتقد أهل السنة والجماعة في الشفاعة

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: تعريف الشفاعة:

- ‌المطلب الأول: تعريف الشفاعة لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الشفاعة اصطلاحا:

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على ثبوت الشفاعة من الكتاب والسنة:

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم:

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على ثبوت الشفاعة من السنة:

- ‌المبحث الثالث: شروط الشفاعة:

- ‌المبحث الرابع: أقسام الشفاعة:

- ‌ الشفاعة المثبتة:

- ‌ الشفاعة المنفية:

- ‌المبحث الخامس: أنواع الشفاعة:

- ‌المطلب الأول: شفاعات الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ الشفاعة في دخول أهل الجنة الجنة بعد الفراغ من حسابهم:

- ‌ الشفاعة في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب:

- ‌ الشفاعة في رفع درجات بعض أهل الجنة:

- ‌ الشفاعة في دخول بعض المؤمنين الجنة بغير حساب ولا عذاب:

- ‌ الشفاعة في أهل الكبائر من أمته ممن دخلوا النار بذنوبهم أن يخرجوا منها:

- ‌ شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام قد أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها:

- ‌ الشفاعة في قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم بأن يدخلوا الجنة:

- ‌المطلب الثاني: الشفعاء غير الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌أولا: شفاعة الملائكة عليهم السلام:

- ‌ثانيا: شفاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:

- ‌ثالثا: شفاعة المؤمنين:

- ‌رابعا: شفاعة الشهداء:

- ‌خامسا: شفاعة أولاد المؤمنين لآبائهم يوم القيامة:

- ‌المطلب الثالث: الأعمال الصالحة التي تشفع لأصحابها يوم القيامة:

- ‌ شفاعة القرآن:

- ‌ شفاعة الصيام:

- ‌المبحث السادس: الأسباب التي تحصل بها الشفاعة:

- ‌أولا: القرآن الكريم:

- ‌ثانيا: الصيام:

- ‌ثالثا: الأولاد الصالحون:

- ‌رابعا: سكنى المدينة والموت بها:

- ‌خامسا: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الوسيلة له:

- ‌سادسا: المصلون على الميت الموحد لله عز وجل:

- ‌المبحث السابع: الأسباب التي تمنع الشفاعة:

- ‌أولا: الشرك بالله عز وجل والكفر به:

- ‌ثانيا: اللعن واللعانين بغير حق:

- ‌ثالثا: الغلو في الدين والتشدد بما ليس فيه:

- ‌المبحث الثامن: الفرق المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة في الشفاعة:

- ‌المطلب الأول: الخوارج والمعتزلة:

- ‌المطلب الثاني: القبوريون ومن وافقهم في المعتقد:

- ‌المبحث التاسع: الشفاعة في أمور الدنيا:

- ‌عقيدة الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي

- ‌ عقيدته في التوحيد:

- ‌ الحلف:

- ‌الإقرار بالشهادتين وصفات العلو والنزول والقرب:

- ‌عدم التكلف والتعمق في البحث في أمور التوحيد التي لا يبلغها العقل:

- ‌بدعة القول بخلق أسماء الله الحسنى:

- ‌إثبات الصفات التي جاءت في القرآن:

- ‌إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة:

- ‌حكم من قال بخلق القرآن:

- ‌إثبات أسماء الله وصفاته:

- ‌عقيدته في القدر:

- ‌عقيدته في الإيمان:

- ‌عقيدته في الصحابة:

- ‌‌‌نهيه عن الابتداع والخصومات في الدين:

- ‌نهيه عن الابتداع والخصومات في الدين:

- ‌التحذير من كتب أهل الكلام:

- ‌مناظرة أهل الكلام وتأليف الكتب في الرد عليهم:

- ‌نهيه عن الشرك ووسائله:

- ‌أولا: وسائل الشرك:

- ‌ثانيا: نماذج من الشرك التي حذر منها الإمام الشافعي وبعض أتباعه:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌الذبح لغير الله

- ‌النذر للمشاهد التي على القبور:

- ‌مذهب الحنفية

- ‌مذهب المالكية

- ‌مذهب الشافعية

- ‌مذهب الحنابلة

- ‌تلخيص المذاهب السابقة:

- ‌تخريج الأحاديث والآثار في الباب:

- ‌القول المختار:

- ‌حال الناس في الزمان الأول:

- ‌حال الناس في هذه الأزمنة:

- ‌المطلب الأول: تعريفات

- ‌ تعريف (التذييل)

- ‌ تعريف (الأمر):

- ‌ تعريف (المعروف):

- ‌ تعريف (النهي):

- ‌تعريف (المنكر):

- ‌المطلب الثاني: مكانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌المطلب الثالث: مكانة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌المطلب الرابع: الالتزام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - دين وعبادة:

- ‌المطلب الخامس: أجر العاملين من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌المطلب السادس: صفات الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌ استجابتهم لله في أخذ أساليب الدعوة على وفق ما أمر الله به:

- ‌ الشفقة على المؤمنين والرحمة بهم:

- ‌ محبة بعضهم بعضا:

- ‌المطلب السابع: نموذج من حياة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌النموذج الثاني:لرجل صالح ذكره الله في القرآن

- ‌القسم الأول: وهو الذي يكون فيه المثل الأول ساكنا والثاني متحركا

- ‌القسم الثاني: وهو الذي يكون فيه المثلان متحركين

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المطلب الرابع: الالتزام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - دين وعبادة:

بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة" (1)، والجماعة هم المؤمنون بالله وبرسوله المتحابون في الله ومن أجل الله والمؤتلفون على دين الله القائمون بأداء ما أوجبه الله عليهم على وفق مراد الله فيسود بينهم التعاون والتكافل والتراحم.

(1) الحديث من سنن الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في لزوم الجماعة (2165) 4/ 465.

ص: 323

‌المطلب الرابع: الالتزام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - دين وعبادة:

يلتزم المسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأجل أن يحصل على النور والبصيرة، فالله يقول:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (1).

هذا مثل من هداه الله للإسلام بعد الضلالة وبصره بنور الحجج والآيات يتأمل بها في الأشياء فيميز بين الحق والباطل، والمهتدي والضال بمن كان ميتا فأعطاه الحياة، وما يتبعها من القوى المدركة والمحركة، ومن بقي على الضلالة بالخابط في الظلمات لا ينفك منها ولا يتخلص، فهو متحير على الدوام، منها أي: مثل ذلك التزيين البليغ {كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) من فنون الكفر والمعاصي (3).

(1) سورة الأنعام الآية 122

(2)

سورة الأنعام الآية 122

(3)

تفسير القاسمي 6/ 780.

ص: 323

فالداعي إلى الله من جملة الذين اكتسبوا نور الله واستجابوا لداعي الله، قال تعالى:{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا} (1)، فالداعي إلى الله يمشي بهذا النور، وهو ملتزم بمنهج الله داع إلى الله على بصيرة، {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (2)، فمن اتقى الله وأذعن لأمر الله اكتسب جزاءه الذي يمنحه الله المؤمنين والمؤمنات، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} (3) والفرقان أصله الفرق والفصل بين الشيئين أو الأشياء، ويراد به هنا نور البصيرة الذي به يفرق بين الحق والباطل والضار والنافع.

والمعنى: إن تتقوا الله فتتبعوا أوامر دينه وتسيروا بمقتضى سنته، في نظام خلقه، يجعل لكم في نفوسكم ملكة من العلم، تفرقون بها بين الحق والباطل، وهذا النور في العلم الذي لا يصل إليه طالبه إلا بالتقوى.

وبهذا النور وهذه البصيرة سار سلف الأمة من الخلفاء الراشدين، والصحابة الفاتحين والتابعين وتابعيهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فنصرهم الله على أعدائهم.

(1) سورة آل عمران الآية 193

(2)

سورة يوسف الآية 108

(3)

سورة الأنفال الآية 29

ص: 324

نلتزم بالدعوة إلى الخير لنبرهن عن قوة إيماننا لله ربنا: قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (1)" أي: ولنختبركم بالأمر بالجهاد والدعوة إلى الله وسائر التكاليف حتى يتميز المجاهد الصابر من غيره، ويعرف ذو البصيرة في دينه من ذي الشك والحيرة فيه، والمؤمن من المنافق {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} (2) ونعرف الصادق منكم في إيمانه من الكاذب "(3)، وقيام المسلم بشعيرة الدعوة إلى الله فيه دليل على تقواه وإيمانه به؛ لما جاء في حديث أبي بكر وأبي سعيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان (4)»

والشاهد من إيراد الحديث أن الاشتغال بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيه دلالة على قوة الإيمان واليقين بالله.

وأما في حديث عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا

(1) سورة محمد الآية 31

(2)

سورة محمد الآية 31

(3)

تفسير المراغي 9/ 72 سورة محمد.

(4)

الحديث من صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان (49) 1/ 69.

ص: 325

يؤمرون، ومن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل (1)»

فنفي النبي صلى الله عليه وسلم عن الإنسان -الذي يرى المنكر فلم يجاهد نفسه في تغييره- الإيمان فقال: وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل، وشهد بالإيمان لمن غير المنكر بيده أو بلسانه أو بقلبه، فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو صاحب رسالة أيقن بها ودعا إليها الناس الضالين عن الهدى والحائرين في أودية الضلالة، الذين استجابوا لنزغات الشياطين ودعوات المفسدين، فصاحب الخير حريص على بني جنسه أن يسحبهم من الغواية إلى الهداية، قال تعالى:{كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (2).

وتذييل هذه الآية له أسرار بديعة، منها:

أن الله أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلن للعالمين أن هدى الله هو الهدى وأننا من ثم أمرنا أن نسلم وننقاد لله رب العالمين، فهو وحده الذي يستسلم له العاملون، فالعوالم كلها مستسلمة له، فما الذي يجعل الإنسان وحده -من بين العالمين-

(1) صحيح مسلم الإيمان (50)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 458).

(2)

سورة الأنعام الآية 71

ص: 326

يشذ عن الاستسلام لهذه الربوبية الشاملة التي تستسلم لها العوالم في السماوات والأرض.

وفي إعلان الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه أنهم أمروا بالاستسلام فاستسلموا، إيحاء مؤثر لمن يفتح الله قلبه للتلقي والاستجابة على مدى الزمان (1).

ويقوم الآمر بالدعوة إلى الله من أجل أن يحفظ الله له شأنه وعمله وأهله وذريته؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} (2){يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (3)، يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بتقواه، وأن يعبدوه عبادة من كأنه يراه، وأن يقولوا قولا سديدا مستقيما لا اعوجاج فيه ولا انحراف، وعدهم إن فعلوا ذلك أن يصلح لهم أعمالهم، أي يوفقهم للأعمال الصالحة، وأن يغفر لهم الذنوب الماضية، وما قد يقع منهم في المستقبل يلهمهم التوبة منها، وختم الله هذه الآية بقوله:{فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (4).

{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (5) عطف على جملة {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (6) أي: وتفوزوا فوزا عظيما إذا أطعتم الله بامتثال أمره، وإنما صيغت الجملة في صيغة الشرط وجوابه لإفادة العموم في المطيعين وأنواع الطاعات،

(1) في ظلال القرآن 2/ 1132.

(2)

سورة الأحزاب الآية 70

(3)

سورة الأحزاب الآية 71

(4)

سورة الأحزاب الآية 71

(5)

سورة الأحزاب الآية 71

(6)

سورة الأحزاب الآية 71

ص: 327

فصارت الجملة بهذين العمومين في قوة التذييل، وهذا نسج بديع من نظم الكلام وهو إفادة غرضين بجمله واحدة " (1).

فقد فاز أكد ذلك بقوله: فوزا عظيما أي: ظفروا بجميع مراد الله في الدنيا والآخرة.

الفوز في اللغة: النجاة والظفر بالأمنية والخير، والفوز هو الظفر بالخير والنجاة من الشر، يقال: فاز بالخير وفاز من العذاب (2).

وقد بين الله جزاء المتقين في القرآن فقال: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا} (3)، المتقين الذين عملوا بأمر الله، ووقفوا عند حدود الله، ولم يتعدوها فأثابهم الله بالفوز العظيم، وهو النجاة من نار جهنم، كما قال تعالى:{فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ} (4)، وقوله:{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (5).

نلتزم بالقيام بالدعوة إلى الله؛ لأن عاقبة الأمور لله عز وجل، قال تعالى:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (6)، قال ابن عباس: المراد المهاجرون والأنصار والتابعون لهم

(1) التحرير والتنوير 11/ 123 سورة الأحزاب.

(2)

اللسان مادة (فوز) 5/ 392.

(3)

سورة النبأ الآية 31

(4)

سورة آل عمران الآية 185

(5)

سورة النور الآية 52

(6)

سورة الحج الآية 41

ص: 328

بإحسان، قال الحسن: هم هذه الأمة إذا فتح الله عليهم أقاموا الصلاة، وقال الضحاك: هو شرط شرطه الله عز وجل على من آتاه الله الملك (1).

ختم الله الآية بقوله: {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (2) وفي ذلك من الحكم الشيء الكثير، منها:

إعلام الله لعباده المؤمنين المقيمين للصلاة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بأن عاقبة الأمور له سبحانه وتعالى لا لغيره، فعليهم أن يؤمنوا بذلك ويعملوا صالحا، ويبلغوا دعوة ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة ابتغاء الأجر من الله، ويبذلوا أنفسهم وأوقاتهم وأموالهم في سبيل الله، فإذا فعلوا ذلك جاءهم نصر الله وتحقق وعد الله بأن العاقبة للمؤمنين. هذا قضاء الله وأمره نافذ {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (3)، فالصحابة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم مكنهم الله في جزيرة العرب بقيادة سيد الأولين والآخرين صلى الله عليه وسلم، فلما قضى نحبه عليه الصلاة والسلام جعل الله عاقبة الأمور لأوليائه وأخزى أعداءه وأذلهم وأركسهم، فنصرهم الله على الدولة العظمى الفارسية التي كانت تصول وتجول في عصر كسرى وأبنائه، ونصرهم الله على الدولة الرومانية التي أخزاها الله وجعل عاقبة الأمور للقائمين بشرعه العاملين بسنة نبيه من الصحابة

(1) تفسير القرطبي 12/ 73.

(2)

سورة الحج الآية 41

(3)

سورة يس الآية 82

ص: 329

والتابعين وتابعيهم رضي الله عنهم أجمعين.

نلتزم بالدعوة إلى الله تحقيقا لوعد الله عز وجل:

قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (1).

فإنه سبحانه وتعالى وعد من قام بالإيمان والعمل الصالح من هذه الأمة أن يستخلفهم في الأرض، فيكونون هم الخلفاء المتصرفين في تدبيرها، وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، فهو دين الإسلام الذي فاق الأديان كلها، وأنه يبدلهم أمنا من بعد خوفهم. . . فوعدهم الله هذه الأمور وقت نزول الآية وهي لم تشاهد الاستخلاف في الأرض. . . فقام صدر هذه الأمة من الإيمان والعمل الصالح بما يفوق على غيرهم، فمكنهم من البلاد والعباد، وفتحوا مشارق الأرض ومغاربها وحصل الأمن التام والتمكين، فهذه من آيات الله العجيبة الباهرة، ولا يزال الأمر إلى قيام الساعة مهما قاموا بالإيمان والعمل الصالح، فلا بد أن يوجد ما وعدهم الله به (2).

يقوم الآمرون بتبليغ رسالات ربهم وهم يعلمون أن الله مؤيدهم وناصرهم، ويدافع عنهم، كما قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} (3)

(1) سورة النور الآية 55

(2)

تفسير السعدي 5/ 439.

(3)

سورة الحج الآية 38

ص: 330