الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكون الرخصة في ترك الجمعة خاصة بمن منزله بعيد، كمن بينه وبين الجمعة مسيرة ساعة أو أكثر.
حال الناس في هذه الأزمنة:
أما في هذه الأزمنة فقد خفت أو عدمت المشقة التي يلاقيها الأولون، فأولا: بوجود وسائل النقل، وهي السيارات المريحة، والتي تقرب البعيد، بحيث تقطع الفرسخ في بضع دقائق، بدل ما كان يستغرق السير فيه أكثر من ساعة ونصف، فمع توفر هذه الوسائل، وتيسر الحصول عليها لا عذر في ترك الجمعة، ولو شهد العيد، فمن لم يملك السيارة وجدها عند جاره أو قريبه، أو دفع أجرة لركوبه لا تضر باقتصاده غالبا، فمن لم يجد الأجرة، ولم يستطع السير إلى الجامع على قدميه؟ لاستغراقه زمنا كثيرا كساعة ونصف أو أكثر فهو معذور في تركها، ولو في غير يوم العيد كما هو الواقع من الكثير.
وثانيا: ما حصل من تسهيل العلماء في الإذن بتعدد الجوامع، والإكثار منها، فالمدينة النبوية في العهد النبوي وعهد الخلفاء الراشدين ليس فيها مسجد تقام فيه الجمعة سوى المسجد النبوي، أما الآن فقد توسع الناس وأكثروا من الجوامع، حتى بلغت العشرات هناك، ويقال كذلك في مكة المكرمة، والطائف، وجدة، والرياض، وغيرها، فقد كثرت الجوامع بل وتقاربت، بحيث يسمع بعضهم خطبة الآخر وتكبيراته، فضلا عن الأذان بل تكررت في القرى الصغيرة وملحقات المدن، وإن كان هذا التوسع خلاف المشهور من أقوال العلماء، وخلاف ما شرعت له
الجمعة من اجتماع أهل البلد، وتعارفهم، وتقاربهم، ولكن حصل هذا التساهل بسبب كثرة الزحام، وصغر المساجد، أو التعلل بالمشقة والضعف ونحو ذلك، وبكل حال فإن تقارب الجوامع وكثرتها تزول معه المشقة في شهود الجمعة لمن حضر صلاة العيد وغيره، فلا يجوز التسهيل في أمرها، والترخيص في حضورها أو تركه، وإن كان ذلك القول المشهور في المذهب الحنبلي؛ نظرا لزوال العذر أو تخفيفه كما ذكرنا، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
صفحة فارغة
الحكمة في تذييل آيات الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر
للدكتور حسين بن محمد شريف هاشم (1).
المقدمة:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، أما بعد:
فإن القرآن حبل الله الممدود، وعهده المعهود، وظله العميم، وصراطه المستقيم، هو حجة الله وعهده، ووعده ووعيده، به يعلم الله الجاهل ويعمل العاقل، وينتبه الساهي، ويتذكر اللاهي، بشير الثواب نذير العقاب فطوبى لمن جعل القرآن مصباح قلبه ومفتاح لبه، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (2).
فإن الله اصطفى لهذه الأمة محمدا صلى الله عليه وسلم من
(1) الأستاذ المساعد بقسم الدراسات القرآنية بكلية المعلمين بجازان.
(2)
سورة طه الآية 113
بين سائر الأنبياء وفضله عليهم؛ لما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون (1)» .
وأنزل عليه القرآن الكريم وتكفل عز وجل بحفظه وصيانته فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (2) وجعله هداية للمؤمنين فقال: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (3).
وقد وقع اختياري على بحث أحسب أن له أهمية كبيرة في المجال العلمي، والتربوي الإيماني، ألا وهو (الحكمة في تذييل آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
ويرجع سبب اختياري للموضوع إلى أن البحث فيه مفيد فائدة جليلة لطلاب العلم والمعرفة، وتتجلى فائدته من خلال صلة هذا البحث بعلوم الدراسات القرآنية واللغة العربية والعلوم الإسلامية والثقافية. بل وتعد الكتابة في هذا البحث من جملة الكتابة حول التفسير الموضوعي للقرآن الكريم.
ولقد تناولت الكتابة في هذا البحث على وفق المطالب الآتية:
(1) الحديث من صحيح مسلم كتاب المساجد (523) 1/ 371.
(2)
سورة الحجر الآية 9
(3)
سورة الإسراء الآية 9
المطلب الأول: تعريفات (التذييل، الأمر، المعروف، النهي، المنكر).
المطلب الثاني: مكانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
المطلب الثالث: مكانة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
المطلب الرابع: الالتزام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة.
المطلب الخامس: أجر الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
المطلب السادس: صفات الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
المطلب السابع: نموذج من حياة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر.
وأخيرا فقد بذلت هذا الجهد وحرصت فيه أن أستدل بالحديث الصحيح فإن كان وروده في الصحيحين اكتفيت بتخريجه منهما، وإن كان غير موجود فيهما فأسنده إلى مرجعه بذكر الكتاب والباب ورقم الحديث إن وجد، وأن أوثق الأقوال من مصادرها وأسير في صياغة البحث على طريقة علمية بلغت في ذلك جهدي أن تكون صوابا، فما كان فيها من صواب فمن الله عز وجل، وما كان فيها من خطأ فمني ومن الشيطان وأستغفر الله منه.
وأسأل الله أن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم، ونسأله