الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هو مقتضى نصوص الكتاب والسنة، وهذا كقول مالك إمام دار الهجرة:(الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب)(1)، فتبين أن الحق في هذا الباب هو الإثبات بلا تمثيل، والتنزيه بلا تعطيل.
(1) عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 17، 18.
إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة:
(7) وأخرج ابن عبد البر عن الربيع بن سليمان قال. " سمعت الشافعي يقول في قول الله عز وجل: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (1) أعلمنا بذلك أن ثم قوما غير محجوبين ينظرون إليه لا يضامون في رؤيته "(2).
يرحم الله الإمام الشافعي، فما أدق هذا الاستنباط منه بهذه الآية على إثبات رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة، خلافا لمن أنكرها من المعتزلة والجهمية وغيرهم، واستنباطه هذا من أدلة أهل السنة على إثبات الرؤية يوم القيامة.
(8)
وأخرج اللالكائي عن الربيع بن سليمان قال: " حضرت محمد بن إدريس الشافعي جاءته رقعة من الصعيد فيها: ما تقول في قوله تعالى. {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (3) قال الشافعي: فلما حجبوا هؤلاء في السخط، كان هذا دليلا على أنهم
(1) سورة المطففين الآية 15
(2)
الانتقاء ص 79.
(3)
سورة المطففين الآية 15
يرونه في الرضا، قال الربيع: قلت: يا أبا عبد الله، وبه تقول؟ قال: نعم، إثبات أن الله متكلم بكلام حقيقي وكلام الله غير مخلوق به أدين الله " (1).
التعليق على هذا النص المهم:
لقد بين الإمام الشافعي في كلامه هذا عقيدة السلف في الرؤية، وأن المؤمنين يرون ربهم بعيون رءوسهم في المحشر والجنة وهذا من أعظم نعم الله عليهم. ويرد الإمام الشافعي بقوله هذا على أصناف من الجهمية المعطلة كالمعتزلة حيث ينكرون رؤية المؤمنين ربهم بأبصارهم، كما يرد على الماتريدية والأشعرية حيث يزعمون أن المؤمنين يرون ربهم، ولكن لا فوق ولا تحت ولا خارج ولا داخل ولا في جهة، وإلى آخر هذيانهم الذي جعلوا به الرؤية من المستحيلات الممتنعات، فصار قولهم هذا من أبطل الباطل لوجهين: الأول: الإنكار للرؤية وإن اعترفوا بها ظاهرا.
الثاني: إنكار العلو لله تعالى وهذا من أعظم الكفر وأقبح الإلحاد في صفات الله تعالى.
(9)
وأخرج ابن عبد البر عن الجارودي قال: ذكر عند
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 2/ 506.
الشافعي إبراهيم بن إسماعيل بن علية، فقال: أنا مخالف له في كل شيء، وفي قول لا إله إلا الله لست أقول كما يقول، أنا أقول. لا إله إلا الله الذي كلم موسى عليه السلام تكليما من وراء حجاب، وذلك يقول: لا إله إلا الله الذي خلق كلاما أسمعه موسى من وراء حجاب (1).
التعليق على هذا النص المبارك:
رحمة الله على هذا الإمام فقد أثلج قلوب أهل السنة وأرغم أنوف أهل البدع بهذا الكلام المتين العريق وهو يتضمن مسألتين من أهم مسائل الاعتقاد:
الأولى: أن الله تكلم بكلام حقيقي مسموع فقد كلم موسى عليه الصلاة والسلام تكليما حقيقيا بحيث سمعه موسى عليه السلام؛ وأن كلام الله تعالى غير مخلوق وهذا رد على أصناف من المعطلة الجهمية كالمعتزلة والماتريدية والأشعرية الذين يقولون: إن الله تعالى لم يكلم موسى بكلام حقيقي مسموع وإنما خلق صوتا في الشجرة فسمعه عليه السلام، وهذا من أعظم الكفر وأشنع الإلحاد في صفات الله تعالى.
(1) الانتقاء ص79، والقصة ذكرها الحافظ عن مناقب الشافعي للبيهقي، واللسان 1/ 35.