الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول الله تعالى مبينا لنا جواب أبي إبراهيم: {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} (1) فقال إبراهيم مجيبا على أبيه: {قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} (2){وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} (3)
(1) سورة مريم الآية 46
(2)
سورة مريم الآية 47
(3)
سورة مريم الآية 48
النموذج الثاني:
لرجل صالح ذكره الله في القرآن
فقال: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} (1) الآيات، قال ابن عباس: هو حبيب النجار، سمع بهؤلاء المرسلين الذين أرسلهم عيسى عليه السلام إلى أهل أنطاكيا، فجاءهم فأسلم وقال لهم: تسألون أجرا فقالوا: لا، فقال لقومه داعيا لهم:{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} (2){اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (3). لأنهم لا يدعون إلا لما يشهد العقل الصحيح بحسنه، ولا ينهون إلا عما يشهد العقل الصحيح بقبحه، وكأن قومه لم يقبلوا نصحه، بل عادوا لائمين له على اتباع الرسل وإخلاص الدين لله وحده، فقال:{وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (4) أي: وما المانع لي من عبادة من هو المستحق للعبادة؟ لأنه هو الذي خلقني وفطرني ورزقني، فإليه مال جميع الخلق فيجازيهم بأعمالهم.
(1) سورة يس الآية 20
(2)
سورة يس الآية 20
(3)
سورة يس الآية 21
(4)
سورة يس الآية 22
فالذي بيده الخلق والرزق، والحكم بين العباد في الدنيا والآخرة، هو الذي يستحق أن يعبد، ويثنى عليه ويمجد، دون من لا يملك نفعا، ولا ضرا، ولا عطاء ولا منعا، ولا موتا ولا حياة، ولا نشورا؛ ولهذا قال تعالى:{أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} (1) لأنه لا أحد يشفع عند الله إلا بإذنه، فلا تغني شفاعتهم عني شيئا {وَلَا يُنْقِذُونِ} (2) من الضر الذي أراده الله بي إني إذا أي: إن عبدت آلهة هذا وصفها لفي ضلال مبين فجمع في هذا الكلام بين نصحهم، والشهادة للرسل بالرسالة، بالاهتداء والإخبار بتعين عبادة الله وحده.
وذكر الأدلة عليها، وأن عبادة غيره باطلة، وذكر البراهين عليها والإخبار بضلال من عبدها، والإعلان بإيمانه جهرا، مع خوفه الشديد من قتلهم فقال:{إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} (3) فقتله قومه لما سمعوا منه وراجعهم بما راجعهم به قيل له في الحال: {ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ} (4) مخبرا بما وصل إليه من الكرامة على توحيده وإخلاصه، وناصحا لقومه بعد وفاته، كما نصح لهم في حياته {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} (5) {بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} (6) أي: بأي شيء غفر لي فأزال عني أنواع العقوبات {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} (7) بأنواع المثوبات والمسرات، أي: لو وصل علم ذلك إلى قلوبهم، لم يقيموا على شركهم (8).
ومن خلال استعراضنا السريع لتجربة نبي الله إبراهيم عليه
(1) سورة يس الآية 23
(2)
سورة يس الآية 23
(3)
سورة يس الآية 25
(4)
سورة يس الآية 26
(5)
سورة يس الآية 26
(6)
سورة يس الآية 27
(7)
سورة يس الآية 27
(8)
. تفسير السعدي 6/ 341
السلام في محاورته لأبيه أستخلص هذه الثمرات:
1 -
معاملة أبيه بالحسنى، مع اعترافه له بحق الأبوة وحرصه على استسلامه لأمر الله عز وجل.
2 -
استسلامه لأمر الله عز وجل.
3 -
سلوكه في دعوته المنهج الأمثل المعتمد على الدليل والبرهان.
4 -
الإخلاص في نصحه وتحذيره من عاقبة الشرك، فإن عاقبته وخيمة في الدنيا والآخرة.
5 -
موقفه العجيب عندما هدده بالرجم والهجران فقال له: {سَلَامٌ عَلَيْكَ} (1) فينبغي للداعية أن يعلم بأن هذا الموقف سنة؛ ذكره الله عن نبيه لأجل أن نتمسك به، ووصف الله المؤمنين إذا خاطبهم أو اعترضهم الجاهلون بموقف من مواقفهم الساخرة قالوا: سلاما، قال تعالى:{وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} (2).
ومن خلال استعراضنا لذلكم الرجل الصالح نستفيد هذه الفوائد:
1 -
الإخلاص في نصيحة القوم والعشيرة: سلوك الرجال الصادقين المؤمنين بالله.
2 -
صبره واحتسابه حينما لاموه وكذبوه في تصديقه
(1) سورة مريم الآية 47
(2)
سورة الفرقان الآية 63
وإيمانه بهؤلاء المرسلين.
3 -
شجاعته ووعيه؛ لقوله: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (1) فمن رضي بالله ربا وخالقا ورازقا، وآمن بأنه على كل شيء قدير، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ثبت على الحق ونطق بالحق، لا يخاف إلا الله عز وجل.
4 -
بيان الداعية لقومه بأن معبوداتهم هذه التي يعبدونها لا تغني شفاعتهم عنهم شيئا {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (2).
5 -
الجهر بإيمانه كما قال الله تعالى عنه: {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} (3) أعلنها صريحة، وهو يعلم أنهم سيقتلونه ولكنه بذل نفسه لله ومن أجل الله، وفعلا قتلوه، ولذلك أكرمه الله بالجنة التي هي دار الأبرار.
(1) سورة يس الآية 22
(2)
سورة البقرة الآية 255
(3)
سورة يس الآية 25
صفحة فارغة
الإدغام الصرفي
للدكتورة فائزة بنت عمر بن علي المؤيد (1)
الإدغام الصرفي:.
الإدغام في اللغة: إدخال الشيء في الشيء؛ يقال: أدغمت اللجام في فم الدابة؛ أي: أدخلته فيه، قال ساعدة بن
(1) أستاذ النحو والصرف المشارك بكلية الآداب للبنات بالدمام.
جؤية:
بمقربات بأيديهم أعنتها
…
خوص إذا فزعوا أدغمن باللجم (1)
ومنه إدغام الحروف بعضها في بعض (2)، وإن لم يكن إدخالها في بعض على الحقيقة (3)؛ وإنما يكون بوصل حرف ساكن بحرف مثله متحرك من غير فاصل بينهما بحركة ولا وقف؛ فيصيران لشدة اتصالهما كحرف واحد يرتفع اللسان بهما دفعة واحدة شديدة وذلك نحو: قطع وسكر. .، والغرض منه التخفيف (4)، وكأنهم قد لجئوا إليه فرارا من التضعيف الذي
(1) استشهد به الأزهري في التهذيب 8/ 78، وابن منظور في اللسان 12/ 203.
(2)
انظر جميع المصادر الواردة في الهامش رقم (4) ص 355.
(3)
انظر: أساس البلاغة 1/ 274. شرح المفصل 10/ 121. شرح الشافية 3/ 235.
(4)
انظر: علل النحو 555. الإدغام الكبير 40. التبصرة 2/ 933. الممتع 2/ 631.
يثقل على ألسنتهم؛ ويوضح ذلك سيبويه بقوله: " اعلم أن التضعيف يثقل على ألسنتهم، وأن اختلاف الحروف أخف عليهم من أن يكون من موضع واحد، ألا ترى أنهم لم يجيئوا بشيء من الثلاثة على مثال الخمسة، نحو: ضربب ولم يجئ (فعلل) ولا (فعلل) ولا (فعلل) إلا قليلا ولم يبنوهن على (فعالل) كراهية التضعيف، وذلك لأنه يثقل عليهم أن يستعملوا ألسنتهم من موضع واحد ثم يعودوا له، فلما صار ذلك تعبا عليهم أن يداركوا في موضع واحد، ولا تكون مهلة كرهوه وأدغموا؛ لتكون رفعة واحدة، وكان أخف على ألسنتهم مما ذكرت لك "(1)، ولذا كان ابن عصفور يشبه عودة اللسان للنطق بالحرف الثاني إلى
(1) الكتاب 2/ 397، 398. وانظر: المفصل 545. اللباب 2/ 469. شرح الشافية 3/ 238، 239.
موضعه الأول في الحروف المضاعفة بمشي المقيد؛ الذي يرفع قدمه ويضعها في موضعها أو قريب منها لأن القيد يمنعه عن الانبعاث وامتداد الخطوة
وهذا الإدغام يدخل كل الحروف إلا الألف والهمزة (1)، أما الألف " فلأنها ساكنة أبدا فلا يمكن إدغام ما قبلها فيها، ولا يمكن إدغامها لأن الحرف إنما يدغم في مثله وليس للألف مثل متحرك فيصح الإدغام فيها " ولذا امتنع إدغام الألفين مطلقا، وأما الهمزة " فثقيلة جدا، ولذلك يخففها أهل التخفيف منفردة، فإذا انضم إليها غيرها ازداد الثقل، فألزمت إحداهما البدل. . . فيزول اجتماع المثلين فلا يدغم إلا أن تكونا عينين نحو: سأل ورأس، [فإنها] تدغم ولا تبدل؛ [لأنه] لو أبدلت إحداهما لاختلفت العينان، والعينان أبدا في كلام العرب لا يكونان إلا
(1) انظر: الكتاب 2/ 411. المقتضب 1/ 161 - 198. التبصرة 2/ 933. الممتع 2/ 633، المبدع 245.
مثلين "، وأما باقي الحروف إذا اجتمع منها مثلان لزم إدغام الأول في الثاني -على شرطه- ولا يجوز الإظهار إلا في ضرورة الشعر؛ ومن ذلك قول قعنب بن أم صاحب:
مهلا أعاذل قد جربت من خلقي
…
أني أجود لأقوام وإن ضننوا
ولا يجوز في الكلام إلا (ضنوا).
ولما كان الإدغام يحصل بدفن المثل الأول في الثاني، ولما