المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فالأمر بالسعي إليها لكل من سمع النداء واجب، فلا يسقط - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٦٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌المسألة الأولى: في تقسيم الماء

- ‌المسألة الثانية: هل الماء المستعمل طهور أم أن الاستعمال يسلبه الطهورية

- ‌الفتاوى

- ‌ فتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

- ‌كلام العلماء في حكم تارك

- ‌الحكمة في شرعية الأذانوإذا أراد الأذان ثانية لشهادة الجبال

- ‌حكم الأذان والإقامةوهل يجوز لعن قرية تركتهما

- ‌لا يجوز استبدال المؤذن بأسطوانات مسجلة

- ‌الأذان من الإذاعة لا يكفي للصلاة

- ‌استعمال الميكروفونفي الصلاة ليس من البدع

- ‌التأكيد على المؤذنينبأن لا يؤذنوا قبل الوقت

- ‌تحديد ما بين الأذان والإقامة

- ‌يصلي المغرب أولا ولو فاتته الجماعة للعشاء

- ‌إن أمكن سرد الفوائت مرتبة وإلا وزعت

- ‌صحة صلاة مكشوف الرأس

- ‌ فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌إمامة المسافر بالمقيم والعكس

- ‌مقدار المدة والمسافةالتي يجوز فيها الجمع والقصر

- ‌هل الأفضل في الجمعبين الصلاتين التقديم أو التأخير

- ‌المسافر إذا كان وحدهفإنه يصلي مع الإمام بالإتمام

- ‌هل الأفضل للمسافر القصر بلا جمعأو الجمع والقصر وهل بينهما تلازم

- ‌حكم الجمع والقصر لمن دخل الوقت وهو لم يرتحل بعد

- ‌حكم الجمع عند المطر

- ‌هل النية شرط للجمع

- ‌الرقية الشرعية الصحيحة

- ‌ السنة لمن حاذى الحجر الأسود

- ‌ إتيان المرأة وهي حائض

- ‌ متابعة الإمام في تكبيرة الإحرام

- ‌تناول دواء لإيقاف العادة الشهرية في شهر رمضان

- ‌ بعض الناس يتسبب في إفطار نفسه في رمضان

- ‌ علامة الطهر بعد الحيض والنفاس

- ‌ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ هل على المرأة غسل إذا أنزلت بشهوة بدون جماع

- ‌لا يلزم الغسل بعد التوبة

- ‌ المني طاهر

- ‌ يكفي الغسل من الجنابة عن الوضوء للصلاة

- ‌من وجب عليه غسل فأكثر

- ‌ حكم التيمم

- ‌معتقد أهل السنة والجماعة في الشفاعة

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: تعريف الشفاعة:

- ‌المطلب الأول: تعريف الشفاعة لغة:

- ‌المطلب الثاني: تعريف الشفاعة اصطلاحا:

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على ثبوت الشفاعة من الكتاب والسنة:

- ‌المطلب الأول: الأدلة من القرآن الكريم:

- ‌المطلب الثاني: الأدلة على ثبوت الشفاعة من السنة:

- ‌المبحث الثالث: شروط الشفاعة:

- ‌المبحث الرابع: أقسام الشفاعة:

- ‌ الشفاعة المثبتة:

- ‌ الشفاعة المنفية:

- ‌المبحث الخامس: أنواع الشفاعة:

- ‌المطلب الأول: شفاعات الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌ الشفاعة في دخول أهل الجنة الجنة بعد الفراغ من حسابهم:

- ‌ الشفاعة في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب:

- ‌ الشفاعة في رفع درجات بعض أهل الجنة:

- ‌ الشفاعة في دخول بعض المؤمنين الجنة بغير حساب ولا عذاب:

- ‌ الشفاعة في أهل الكبائر من أمته ممن دخلوا النار بذنوبهم أن يخرجوا منها:

- ‌ شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام قد أمر بهم إلى النار أن لا يدخلوها:

- ‌ الشفاعة في قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم بأن يدخلوا الجنة:

- ‌المطلب الثاني: الشفعاء غير الرسول صلى الله عليه وسلم:

- ‌أولا: شفاعة الملائكة عليهم السلام:

- ‌ثانيا: شفاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام:

- ‌ثالثا: شفاعة المؤمنين:

- ‌رابعا: شفاعة الشهداء:

- ‌خامسا: شفاعة أولاد المؤمنين لآبائهم يوم القيامة:

- ‌المطلب الثالث: الأعمال الصالحة التي تشفع لأصحابها يوم القيامة:

- ‌ شفاعة القرآن:

- ‌ شفاعة الصيام:

- ‌المبحث السادس: الأسباب التي تحصل بها الشفاعة:

- ‌أولا: القرآن الكريم:

- ‌ثانيا: الصيام:

- ‌ثالثا: الأولاد الصالحون:

- ‌رابعا: سكنى المدينة والموت بها:

- ‌خامسا: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الوسيلة له:

- ‌سادسا: المصلون على الميت الموحد لله عز وجل:

- ‌المبحث السابع: الأسباب التي تمنع الشفاعة:

- ‌أولا: الشرك بالله عز وجل والكفر به:

- ‌ثانيا: اللعن واللعانين بغير حق:

- ‌ثالثا: الغلو في الدين والتشدد بما ليس فيه:

- ‌المبحث الثامن: الفرق المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة في الشفاعة:

- ‌المطلب الأول: الخوارج والمعتزلة:

- ‌المطلب الثاني: القبوريون ومن وافقهم في المعتقد:

- ‌المبحث التاسع: الشفاعة في أمور الدنيا:

- ‌عقيدة الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي

- ‌ عقيدته في التوحيد:

- ‌ الحلف:

- ‌الإقرار بالشهادتين وصفات العلو والنزول والقرب:

- ‌عدم التكلف والتعمق في البحث في أمور التوحيد التي لا يبلغها العقل:

- ‌بدعة القول بخلق أسماء الله الحسنى:

- ‌إثبات الصفات التي جاءت في القرآن:

- ‌إثبات رؤية المؤمنين ربهم في الآخرة:

- ‌حكم من قال بخلق القرآن:

- ‌إثبات أسماء الله وصفاته:

- ‌عقيدته في القدر:

- ‌عقيدته في الإيمان:

- ‌عقيدته في الصحابة:

- ‌‌‌نهيه عن الابتداع والخصومات في الدين:

- ‌نهيه عن الابتداع والخصومات في الدين:

- ‌التحذير من كتب أهل الكلام:

- ‌مناظرة أهل الكلام وتأليف الكتب في الرد عليهم:

- ‌نهيه عن الشرك ووسائله:

- ‌أولا: وسائل الشرك:

- ‌ثانيا: نماذج من الشرك التي حذر منها الإمام الشافعي وبعض أتباعه:

- ‌الحلف بغير الله:

- ‌الذبح لغير الله

- ‌النذر للمشاهد التي على القبور:

- ‌مذهب الحنفية

- ‌مذهب المالكية

- ‌مذهب الشافعية

- ‌مذهب الحنابلة

- ‌تلخيص المذاهب السابقة:

- ‌تخريج الأحاديث والآثار في الباب:

- ‌القول المختار:

- ‌حال الناس في الزمان الأول:

- ‌حال الناس في هذه الأزمنة:

- ‌المطلب الأول: تعريفات

- ‌ تعريف (التذييل)

- ‌ تعريف (الأمر):

- ‌ تعريف (المعروف):

- ‌ تعريف (النهي):

- ‌تعريف (المنكر):

- ‌المطلب الثاني: مكانة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌المطلب الثالث: مكانة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌المطلب الرابع: الالتزام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - دين وعبادة:

- ‌المطلب الخامس: أجر العاملين من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌المطلب السادس: صفات الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌ استجابتهم لله في أخذ أساليب الدعوة على وفق ما أمر الله به:

- ‌ الشفقة على المؤمنين والرحمة بهم:

- ‌ محبة بعضهم بعضا:

- ‌المطلب السابع: نموذج من حياة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:

- ‌النموذج الثاني:لرجل صالح ذكره الله في القرآن

- ‌القسم الأول: وهو الذي يكون فيه المثل الأول ساكنا والثاني متحركا

- ‌القسم الثاني: وهو الذي يكون فيه المثلان متحركين

- ‌حديث شريف

الفصل: فالأمر بالسعي إليها لكل من سمع النداء واجب، فلا يسقط

فالأمر بالسعي إليها لكل من سمع النداء واجب، فلا يسقط في الظاهر يوم العيد كغيره.

وهكذا يرى ابن حزم عدم سقوط الجمعة حيث قال:

مسألة: وإذا اجتمع عيد في يوم جمعة صلى للعيد ثم للجمعة، ولا بد، ولا يصح أثر بخلاف ذلك؛ لأن في رواته إسرائيل وعبد الحميد بن جعفر، وليسا بالقويين، ولا مؤنة على خصومنا من الاحتجاج بهما إذا وافق ما روياه تقليدهما، وهنا خالفا روايتهما. فأما رواية إسرائيل فإنه روى عن عثمان بن المغيرة، عن إياس بن أبي رملة: سمعت معاوية سأل زيد بن أرقم: أشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين؟ قال: نعم، صلى العيد أول النهار، ثم رخص في الجمعة.

وروى عبد الحميد بن جعفر: حدثني وهب بن كيسان قال: اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير، فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب فأطال، ثم نزل فصلى ركعتين ولم يصل للناس يومئذ الجمعة، فقال ابن عباس: أصاب السنة. قال أبو محمد: الجمعة فرض والعيد تطوع، والتطوع لا يسقط الفرض (1). اهـ.

(1) المحلى رقم المسألة 547.

ص: 256

‌مذهب المالكية

في ذلك:

قال الخرشي على قول خليل: لا عرس، ولا عمى، ولا

ص: 256

شهود عيد: أي لا حق للزوجة في إقامة زوجها عندها، بحيث يبيح ذلك تخلفه عن الجمعة والجماعة. . . أو عمى: يريد أن العمى لا يكون عذرا يبيح التخلف عن حضور الجمعة، وهذا إذا كان ممن يهتدي إلى الجامع. . . أو شهود عيد: يعني أنه إذا وافق العيد يوم جمعة فلا يباح لمن شهد العيد داخل البلد أو خارجه التخلف عن الجمعة والجماعة، وإن أذن له الإمام في التخلف على المشهور، إذ ليس حقا له (1) اهـ.

قال العدوي في الحاشية: بل مراده: كان بيته داخل البلد أو خارجه. قوله: وإن أذن الإمام في التخلف. أي فلم ينفعهم، إذنه لهم في التخلف، ومقابله ما رواه ابن حبيب من أن له أن يأذن، وأنهم ينتفعون، وظاهر الشارح أن الخلاف جار سواء كان في البلد أو خارجه، ثم ذكر أن عبارة مصطفى الجزائري المغربي: أو شهود عيد فطر أو أضحى إذا وافق يومها لا يباح التخلف عنها، ولو أذن الإمام في التخلف، وسواء كان مسكن من شهد العيد داخل المصر أو خارجه، خلافا لأحمد وعطاء في الأول. ولمطرف وابن الماجشون، وابن وهب في الثاني، أي لما في رجوع أهل القرى الخارجة عن المدينة من المشقة، على ما بهم من شغل العيد، وبه يعلم أن الخلاف عندنا إنما هو في الخارج عن المصر أي وكان على ثلاثة أميال أو داخلها كما أفاده بعض الشيوخ، فإذا قول الشارح: على المشهور. يفيد أن

(1) شرح الخرشي على مختصر خليل 2/ 92.

ص: 257

الخلاف داخل البلد، وقد علمت أنه في داخله وخارجه (1).

وفي المدونة قلت: ما قول مالك إذا اجتمع الأضحى والجمعة، أو الفطر والجمعة، فصلى رجل من أهل الحضر العيد مع الإمام، ثم أراد أن لا يشهد الجمعة هل يضع عنه شهوده صلاة العيد ما وجب عليه من إتيان الجمعة؛ قال: لا. وكان مالك يقول: لا يضيع ذلك عنه ما وجب عليه من إتيان الجمعة. قال مالك: ولم يبلغني أن أحدا أذن لأهل العوالي إلا عثمان. ولم يكن مالك يرى الذي فعل عثمان، وكان يرى أن من وجبت عليه الجمعة لا يضعها عنه إذن الإمام، وإن شهد مع الإمام قبل ذلك من يومه ذلك عيدا، وبلغني ذلك عن مالك (2). اهـ.

وقد توسع في المسألة ابن عبد البر في التمهيد لما ذكر مالك عن الزهري، عن أبي عبيد مولى ابن أزهر، قال: شهدت العيد مع عمر بن الخطاب فصلى ثم انصرف فخطب الناس فقال: إن هذين يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما، يوم فطركم من صيامكم، والآخر يوم تأكلون فيه من نسككم. قال أبو عبيد: ثم شهدت العيد مع عثمان بن عفان فجاء فصلى، ثم انصرف فخطب فقال: إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له. . إلخ (3).

(1) حاشية العدوي على شرح الخرشي 2/ 92.

(2)

انظر. المدونة لمالك 1/ 142.

(3)

رواه مالك في الموطأ 1/ 178.

ص: 258

وقد أطال ابن عبد البر في شرحه إلى أن قال: وأما إذن عثمان لأهل العوالي، وقوله: قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان. يعني الجمعة والعيد. . . إلخ فقد اختلف العلماء في تأويل قول عثمان هذا، واختلفت الآثار في ذلك أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم، واختلف العلماء في تأويلها والأخذ بها.

فذهب عطاء بن أبي رباح إلى أن شهود العيد يوم الجمعة يجزئ عن الجمعة إذا صلى بعدها ركعتين على طريق الجمع، وروي عنه أيضا أنه يجزيه وإن لم يصل غير صلاة العيد ولا صلاة بعد صلاة العيد حتى العصر، وحكى ذلك عن ابن الزبير، وهذا القول مهجور؛ لأن الله عز وجل افترض صلاة العيد في يوم الجمعة على كل من في الأمصار من البالغين الذكور الأحرار، فمن لم يكن بهذه الصفات ففرضه الظهر في وقتها فرضا مطلقا، لم يختص به يوم عيد من غيره.

وقول عطاء هذا ذكره عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال عطاء بن أبي رباح: إن اجتمع يوم الجمعة ويوم الفطر في يوم واحد فليجمعهما وليصلهما ركعتين فقط، حين يصلي صلاة الفطر، ثم هي هي حتى العصر، ثم أخبرنا عند ذلك قال: اجتمعا يوم فطر ويوم جمعة في يوم واحد في زمن ابن الزبير، فقال ابن الزبير: عيدان اجتمعا في يوم واحد. فجمعهما جميعا، جعلهما واحدا، فصلى يوم الجمعة ركعتين بكرة صلاة الفطر، لم يزد عليهما حتى صلى العصر. قال: فأما الفقهاء فلم يقولوا في ذلك، وأما من لم يفقه فأنكر ذلك عليه، قال: ولقد

ص: 259

أنكرت أنا ذلك عليه، وصليت الظهر يومئذ، حتى بلغنا بعد أن العيدين كانا إذا اجتمعا صليا كذلك واحدا. وذكر عن محمد بن علي بن الحسين أنه أخبرهم أنهما كانا يجمعان إذا اجتمعا، ورأى أنه وجده في كتاب لعلي زعم؛ قال: وأخبرني ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير في جمع ابن الزبير بينهما يوم جمع بينهما، قال: سمعنا في ذلك أن ابن عباس قال: أصاب، عيدان اجتمعا في يوم واحد (1).

ثم قال ابن عبد البر: ليس في حديث ابن الزبير أنه صلى مع صلاة العيد ركعتين للجمعة، وأي الأمرين كان فإن ذلك أمر متروك مهجور، وإن كان لم يصل مع صلاة العيد غيرها حتى العصر فإن الأصول كلها تشهد بفساد هذا القول؛ لأن الفرضين إذا اجتمعا في فرض واحد لم يسقط أحدهما بالآخر، فكيف أن يسقط فرض لسنة حضرت في يومه؟! هذا ما لا يشك في فساده ذو فهم، وإن كان صلى مع صلاة الفطر ركعتين للجمعة فقد صلى الجمعة في غير وقتها عند أكثر الناس.

وذهب الجمهور إلى أن وقت الجمعة وقت الظهر، وعلى هذا فقهاء الأمصار.

وأما القول الأول أن الجمعة تسقط بالعيد، ولا تصلى ظهرا ولا جمعة، فقول بين الفساد، وظاهر الخطأ متروك مهجور لا يعرج عليه؛ لأن الله عز وجل يقول:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} (2)

(1) رواه عبد الرزاق في المصنف 3/ 303 برقم 5725.

(2)

سورة الجمعة الآية 9

ص: 260

ولم يخص يوم عيد من غيره.

وأما الآثار المرفوعة في ذلك فليس فيها بيان سقوط الجمعة والظهر، ولكن فيها الرخصة في التخلف عن شهود الجمعة، وهذا محمول عند أهل العلم على وجهين:(أحدهما) أن تسقط الجمعة عن أهل المصر وغيرهم ويصلون ظهرا (والآخر) أن الرخصة إنما وردت في ذلك لأهل البادية، ومن لا تجب عليه الجمعة.

وسنذكر اختلاف الناس في ذلك، وفيمن تجب عليه الجمعة في هذا الباب إن شاء الله تعالى، ثم ساق بإسناده إلى بقية: حدثنا شعبة، حدثني المغيرة البصري، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأته الجمعة، وإنا مجمعون إن شاء الله (1)» .

قال أبو عمر: احتج من ذهب مذهب عطاء بهذا الحديث؛ لما فيه من قوله صلى الله عليه وسلم: «إن شئتم أجزأكم، فمن شاء أجزأته» وهذا الحديث لم يروه فيما علمت عن شعبة أحد من ثقات أصحابه، وإنما رواه عنه بقية بن الوليد، وليس بشيء في شعبة أصلا، وروايته عن أهل بلده أهل الشام فيها كلام، وأكثر أهل العلم يضعفون بقية عن الشاميين وغيرهم، وله مناكير،

(1) رواه أبو داود برقم 1073 من طريق بقية به.

ص: 261

وهو ضعيف، ليس ممن يحتج به.

وقد رواه الثوري عن عبد العزيز بن رفيع، عن أبي صالح مرسلا، قال: اجتمع عيدان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إنا مجمعون، فمن شاء منكم أن يجمع فليجمع، ومن شاء أن يرجع فليرجع (1)» فاقتصر في هذا الحديث على ذكر إباحة الرجوع، ولم يذكر الإجزاء.

ثم ذكره بإسناده إلى زياد بن عبد الله البكائي، قال: حدثنا عبد العزيز بن رفيع، عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: اجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم عيد، ويوم جمعة، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في العيد:«هذا يوم قد اجتمع لكم فيه عيدان، عيدكم هذا والجمعة، وإني مجمع إذا رجعت، فمن أحب منكم أن يشهد الجمعة فليشهدها. فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بالناس (2)» .

قال: فقد بان من هذه الرواية ورواية الثوري لهذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع ذلك اليوم بالناس، وفي ذلك دليل على أن فرض الجمعة والظهر لازم، وأنها غير ساقطة، وأن الرخصة إنما أريد بها من لم تجب عليه الجمعة ممن شهد العيد من أهل البوادي، والله أعلم.

(1) رواه عبد الرزاق مرسلا برقم 5728.

(2)

أسنده ابن عبد البر، ورواه الطحاوي في المشكل 2/ 54 من طريق البكائي.

ص: 262

وهذا تأويل تعضده الأصول، وتقوم عليه الدلائل، ومن خالفه فلا دليل معه ولا حجة له.

فإن احتج محتج بما حدثناه ثم ساق الإسناد إلى عبد الحميد بن جعفر قال: أخبرني أبي عن وهب بن كيسان قال: اجتمع عيدان على عهد ابن الزبير، فصلى العيد ولم يخرج إلى الجمعة، فذكرت ذلك لابن عباس فقال: ما أماط عن سنة نبيه. فذكرت ذلك لابن الزبير فقال: هكذا صنع بنا عمر (1). قيل له: هذا حديث اضطرب في إسناده، فرواه يحيى القطان، قال حدثنا عبد الحميد بن جعفر، قال: أخبرني وهب بن كيسان، قال: اجتمع على عهد ابن الزبير عيدان، فأخر الخروج حتى تعالى النهار، ثم خرج فخطب فأطال الخطبة، ثم نزل فصلى ركعتين، ولم يصل للناس يومئذ الجمعة، فذكر ذلك لابن عباس فقال: أصاب السنة.

ذكره أحمد بن شعيب النسوي، عن سوار، عن القطان، عن عبد الحميد بن جعفر، لم يقل عن أبيه عن وهب بن كيسان، وذكر أن ذلك حين تعالى النهار، وأنه أطال الخطبة، وقد يحتمل أن يكون صلى تلك الصلاة في أول الزوال، وسقطت صلاة العيد، واستجزى بما صلى في ذلك الوقت.

وفي رواية الأعمش عن عطاء، عن ابن الزبير، أن الناس جمعوا في ذلك اليوم، ولم يخرج إليهم ابن الزبير، وكان ابن عباس بالطائف، فلما قدم ذكرنا له ذلك فقال: أصاب السنة.

(1) رواه أبو داود 1071، والنسائي 1593 وغيرهما.

ص: 263

وهذا يحتمل أن يكون صلى الظهر ابن الزبير في بيته، وأن الرخصة وردت في ترك الاجتماعين؛ لما في ذلك من المشقة، لا أن الظهر تسقط.

وأما حديث إسرائيل، عن عثمان بن المغيرة الثقفي، عن إياس بن أبي رملة الشامي، قال: شهدت معاوية بن أبي سفيان يسأل زيد بن أرقم: «هل شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عيدين اجتمعا في يوم؟ قال: نعم. قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة، فقال: من شاء أن يصلي فليصل (1)» .

وهذا الحديث لم يذكره البخاري، وذكره أبو داود عن محمد بن كثير، عن إسرائيل، وذكره النسائي عن عمر بن علي عن ابن مهدي، عن إسرائيل، وليس فيه دليل على سقوط الجمعة، وإنما فيه دليل أنه رخص في شهودها، وأحسن ما يتأول في ذلك أن الإذن خص به من لم تجب الجمعة عليه ممن شهد ذلك العيد، والله أعلم.

ثم قال ابن عبد البر: وإذا احتملت هذه الآثار من التأويل ما ذكرنا لم يجز لمسلم أن يذهب إلى سقوط فرض الجمعة عمن وجبت عليه، لأن الله عز وجل يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (2) ولم يخص الله ورسوله

(1) رواه أحمد 4/ 372، وأبو داود 1070 وغيرهما.

(2)

سورة الجمعة الآية 9

ص: 264

يوم عيد من غيره من وجه تجب حجته، فكيف بمن ذهب إلى سقوط الجمعة والظهر المجتمع عليهما في الكتاب والسنة والإجماع، بأحاديث ليس منها حديث إلا وفيه مطعن لأهل العلم بالحديث، ولم يخرج البخاري ولا مسلم منها حديثا واحدا، وحسبك بذلك ضعفا لها. . إلى أن قال: وأما اختلاف العلماء فيمن تجب عليه الجمعة من الأحرار البالغين الذكور غير المسافرين، فقال ابن عمر، وأبو هريرة، وأنس، والحسن البصري، ونافع مولى ابن عمر: تجب الجمعة على كل من كان بالمصر وخارجا عنه، ممن إذا شهد الجمعة أمكنه الانصراف إلى أهله، فآواه الليل إلى أهله (1) وبهذا قال الحكم بن عتيبة، وعطاء بن أبي رباح، والأوزاعي، وأبو ثور.

وقال ربيعة، ومحمد بن المنكدر: إنما تجب على من كان على أربعة أميال.

وذكر عبد الرزاق عن محمد بن راشد، قال: أخبرني عبدة بن أبي لبابة أن معاذ بن جبل كان يقول على منبره: يا أهل فردا، ويا أهل دامرة - قريتين من قرى دمشق، إحداهما على أربعة فراسخ، والأخرى على خمسة-: إن الجمعة لزمتكم، وإنه لا جمعة إلا معنا (2).

وقد روي عن معاوية أنه كان يأمر من بينه وبين دمشق أربعة

(1) خرج ذلك عبد الرزاق 5151 - 5164، 5164، وابن شيبة 2/ 102.

(2)

رواه عبد الرزاق 5162.

ص: 265

وعشرون ميلا بشهود الجمعة، وذكر معمر عن هشام بن عروة، عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قالت: كان أبي من المدينة على ستة أميال أو ثمانية، فكان ربما شهد الجمعة، وربما لم يشهدها.

وقال الزهري: ينزل إليها من ستة أميال (1)، وروي عن ربيعة أنه قال: تجب الجمعة على من إذا سمع النداء وخرج من بيته أدرك الصلاة.

وقال مالك والليث: تجب الجمعة على كل من كان على ثلاثة أميال، وقال الشافعي: تجب على كل من كان بالمصر، وكذلك كل من سمع النداء ممن يسكن خارج المصر. وهو قول داود.

وقال أبو حنيفة: الجمعة على كل من كان بالمصر، وليس على من كان خارج المصر جمعة، سمع النداء أو لم يسمع.

وقال أحمد بن حنبل وإسحاق: لا تجب الجمعة إلا على من سمع النداء، كان بالمصر أو خارجا عنه، يريدان الموضع الذي يسمع منه ومن مثله النداء، روي مثل ذلك عن عبد الله بن عمرو، وسعيد بن المسيب.

وقد كان الشافعي يقول: لا يتبين عندي أن يحرج بترك الجمعة إلا من يسمع النداء، قال: ويشبه أن يحرج أهل المصر وإن عظم بترك الجمعة.

قال أبو عمر: يشبه أن يكون مذهب مالك وأصحابه والليث في مراعاة الثلاثة أميال لأن الصوت الندي في الليل عند

(1) انظر: تخريج هذه الآثار في شرح الزركشي 2/ 201.

ص: 266

هدوء الأصوات يمكن أن يسمع من ثلاثة أميال، والله أعلم.

فلا يكون مذهب مالك في هذا التأويل مخالفا لمن قال: لا تجب الجمعة إلا على من سمع النداء، وهو قول أكثر فقهاء الأمصار، وقد ذكر ابن عبدوس في المجموعة عن علي بن زياد، عن مالك قال: عزيمة الجمعة على من كان بموضع يسمع منه النداء، وذلك من ثلاثة أميال، ومن كان أبعد فهو في سعة، إلا أن يرغب في شهودها فهو أحسن، فهذه رواية مفسرة.

وعلى هذا قال مالك فيما روى عنه ابن القاسم وغيره، أن ليس العمل على ما صنع عثمان في إذنه لأهل العوالي؛ لأن الجمعة كانت عنده واجبة على أهل العوالي، لأن العوالي من المدينة على ثلاثة أميال ونحوها، وذهب غير مالك إلى أن إذن عثمان لأهل العوالي إنما كان أن الجمعة لم تكن واجبة على أهل العوالي عنده؛ لأن الجمعة إنما تجب على أهل المصر عنده، هذا قول الكوفيين سفيان وأبي حنيفة.

ومن حجة مالك في مراعاة الثلاثة أميال. . . ثم ساق بسنده إلى ابن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«عل أحدكم أن يتخذ الصبة من الغنم، فينزل بها على رأس ميلين أو ثلاثة من المدينة، فتأتي الجمعة فلا يجمع فيطبع على قلبه (1)» .

ومن حجة من شرط سماع النداء. . . ثم ساق بسنده إلى

(1) رواه ابن ماجه 1127، وابن خزيمة 1859، والحاكم 1/ 292 وسنده ضعيف وسكت عنه الحاكم والذهبي.

ص: 267

عبد الله بن هارون، أنه سمع عبد الله بن عمرو يقول: الجمعة على من سمع النداء. وذكر عبد الرزاق عن داود بن قيس، قال: سئل عمرو بن شعيب: من أين تؤتى الجمعة؛ فقال: من مدى الصوت (1).

قال أبو عمر: ما يحضرني على من ذهب مذهب عطاء وابن الزبير على ما تقدم ذكرنا له إجماع المسلمين قديما وحديثا أن من لا تجب عليه الجمعة، ولا النزول إليها لبعد موضعه عن موضع إقامتها. . مجمع أن الظهر واجبة لازمة على من كان هذه حاله، وعطاء وابن الزبير موافقان للجماعة في غير يوم عيد، فكذلك يوم العيد في القياس والنظر الصحيح، هذا لو كان قولهما اختلافا يوجب النظر، فكيف وهو قول شاذ، وتأويله بعيد، والله المستعان وبه التوفيق (2) انتهى كلام ابن عبد البر.

وقد ظهر أن مذهب مالك رحمه الله تعالى عدم سقوط الجمعة عن أهل الحضر والمصر إذا شهدوا العيد، ولو أذن لهم الإمام، حيث لم يوافق على فعل عثمان في إذنه لأهل العوالي، وهكذا ما ذكره شارح مختصر خليل من أن شهود العيد لا يبيح التخلف عن الجمعة، سواء كان في داخل البلد أو خارجه، وأن إذن الإمام لا يبرر التخلف عن الجمعة، وخص بعضهم الخلاف أنه فيمن هو خارج البلد، وقد حمل ابن عبد البر الرخصة في الأحاديث على اختصاصها بالبوادي، ومن لا تجب عليه ممن هو

(1) في مصنف عبد الرزاق برقم 5155.

(2)

في التمهيد 10/ 239 وفتح البر 5/ 315.

ص: 268