الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقلوبهم وأبدانهم إلى ربهم إقبال المنيبين الراجين فيما عند الله من الثواب العظيم فاستحقوا البشارة؛ لأنهم أنابوا إلى ربهم فاستغفروا الله من ذنوبهم، فبشر عبادي يا محمد بالجنة والمغفرة والرضوان.
المطلب الثالث: مكانة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر:
مما يرفع مكانة العاملين والمبلغين لرسالات الله علمهم بالله وخشيته؛ لقوله تعالى: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (1) ومعنى الآية، أي الذين يبلغون أحكام الله وأوامره ونواهيه ويصدعون بها ولا يخافون قالة الناس ولائمتهم ولا يبالون بها في تشريعه، ولا ريب أن سيد الناس في هذا المقام؛ بل وفي كل مقام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الحسن البصري في وصف المؤمنين الذين يخشون الله، عملوا والله بالطاعات واجتهدوا فيها وخافوا أن ترد عليهم: إن المؤمن جمع إحسانا وخشية والمنافق جمع إساءة وأمنا. وفي حديث عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} (2)، هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: «لا يا ابنة الصديق، ولكنهم الذين يصومون
(1) سورة الأحزاب الآية 39
(2)
سورة المؤمنون الآية 60
ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم، أولئك الذين يسارعون في الخيرات (1)».
وختم الله الآية بقوله: وكفى بالله حسيبا وفي ذلك فوائد منها:
1 -
أن الله يبشر أولياءه الذين يقومون بالنصيحة على الوجه المطلوب يريدون الأجر والثواب منه تعالى فأعلمهم بأنه كافيهم ناصرهم وحافظ لأعمالهم محاسب لهم ومجازيهم عليها بالثواب العظيم.
2 -
سنة الله في نصرة أنبيائه وأتباعهم جارية وقد ضرب الله عز وجل أمثلة لذلك؛ فهذا إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام لما كاد له الكفار، وأرادوا أن يحرقوه قال: حسبي الله ونعم الوكيل، فكفاه الله أذى قومه وأمر الله النار أن تكون بردا وسلاما، وهذا نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم لما قال له الناس:{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ} (2) يريدون بذلك أن يوهنوا قلوبهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"حسبنا الله ونعم الوكيل " فكفاه الله عز وجل.
3 -
يؤخذ من الآية أن الدعاة إلى الله الذين يبلغون الدعوة إلى الناس فاهمون عالمون بأن الله وليهم، فيخشونه في تبليغ دعوتهم ولا يبالون بالمثبطين والمرجفين، فهم على ثقة بأنهم
(1) الحديث من سنن الترمذي، كتاب التفسير (3175) 5/ 327.
(2)
سورة آل عمران الآية 173
على حق، وأن دينهم حق، ويسلكون في سبيل ذلك الأساليب التي فيها الرفق متأسين في ذلك بمنهج الأنبياء والمرسلين، قال تعالى آمرا موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (1)"هذه الآية فيها عبرة وعظة، وذلك أن فرعون كان في غاية العتو والاستكبار ومع هذا أمر ألا يخاطب إلا بالملاطفة واللين، والمعنى: أي أعذرا إليه وقولا له إن لك ربا ولك معادا، وإن بين يديك جنة ونارا، ومفاد هذه الآية أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين سهل قريب ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع "(2).
ومما يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب من الأسباب الموجبة لرحمة الله قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (3)، فالمؤمنون قلوبهم نظيفة، ملؤها الإيمان واليقين والأخوة الصادقة، بعضهم لبعض، يسود بينهم الإيثار والتواد والتعاطف، وقد صور النبي صلى الله عليه وسلم هذا المجتمع المتماسك فيما رواه النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد
(1) سورة طه الآية 44
(2)
تفسير ابن كثير 5/ 288
(3)
سورة التوبة الآية 71
بالسهر والحمى (1)»
يأمرون الناس أن يعبدوا الله ويوحدوه، فهو المستحق للعبادة وحده دون سواه، ويأمرونهم بكل ما استحسنه الشرع، وينهونهم عن الشرك وعبادة الأصنام والأوثان وكل ما استقبحه الشرع فإنهم يحذرون الناس منه مع قيامهم الدائم ومحافظتهم على الصلاة بسننها وشروطها وواجباتها، فإن من يحافظ على السنن الرواتب بعد الصلوات من شأنه أن يحافظ على رأس المال وهو الفرض الواجب عليه من الصلوات الخمس مع امتثالهم لله في أدائهم لهذه الفرائض على الوجه الكامل متأسين في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم ومقتفين أثره ومستنين بسنته، من أجل حصولهم على رحمة الله التي وعدهم بها في قوله:{سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} (2)
وختم الله عز وجل هذه الآية بقوله: إن الله عزيز حكيم وفي ذلك فوائد جليلة، منها:
الله جل جلاله هو العزيز الذي يعز أولياءه، فالعزة لله ولرسوله وللمؤمنين كما قال تعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} (3) فإنهم لما آمنوا بالله كتب لهم العزة فقال: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (4)، ونصره لأوليائه في الدنيا بإيتائهم الآيات البينات كما قال تعالى:{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} (5)
(1) الحديث من صحيح مسلم، كتاب البر والصلة، باب تراحم المؤمنين (2586) 3/ 1999.
(2)
سورة التوبة الآية 71
(3)
سورة المنافقون الآية 8
(4)
سورة غافر الآية 51
(5)
سورة الأنعام الآية 83
وإيتائهم الحجج الظاهرة التي من شأن من تفكر فيها آمن بالله وصدق بما أنزله الله على رسوله، ينصرهم على أعدائهم كما قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} (1)، وفي الآخر ة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ويفصل بينهم وبين أعدائهم فيثبتهم ويثيبهم ويجزيهم الجزاء الحسن كما قال تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (2)
قوله: {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (3) بينا آنفا بعض الدلالات من قوله: (العزيز) وأما قوله: (الحكيم) فمن دلالات هذا الاسم:
الله الحكيم أمر عباده أن يدعو إلى سبيله بالحكمة كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} (4)، فالدعوة دعوة إلى سبيل الله لا لشخص الداعي ولا لقومه فليس للداعي من دعوته إلا أنه يؤدي واجبه لا فضل له يتحدث به لا على الدعوة ولا على من يهتدون به وأجره بعد ذلك على الله.
والدعوة بالحكمة، وهي النظر في أحوال المخاطبين
(1) سورة الحشر الآية 2
(2)
سورة يونس الآية 26
(3)
سورة الصف الآية 1
(4)
سورة النحل الآية 125
وظروفهم والقدر الذي يبينه لهم في كل مرة حتى لا يثقل عليهم، ولا يشق بالتكاليف قبل استعداد النفوس لها، والطريقة التي يخاطبهم بها، والتنويع بهذه الطريقة حسب مقتضياتها فلا تستبد به الحماسة والاندفاع والغيرة فيتجاوز الحكمة في هذا كله وفي سواه (1).
وليس من الحكمة استخدام أسلوب واحد في الأمر والنهي مع الكبير والصغير والرجل والمرأة والمثقف والجاهل والأمير والحقير والغضوب والهادي، بل لا بد من تنويع أسلوب المخاطبة بما يناسب السن والثقافة والمركز الاجتماعي لكل فرد، ولا شك أن من يؤتى الحكمة في الإنكار على هذا النحو {فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (2)(3)، والحكمة إتقان العلم والعمل به فإن من عرف الحق وآمن به وعمل بما أمره الله به فإنه قد أوتي خيرا كثيرا إذ بالحكمة سعادة الدنيا والآخرة، أما سعادة الدنيا فإليها تشير الآية:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} (4)، فإن الإيمان شرط في صحة الأعمال الصالحة وقبولها، بل لا تسمى أعمالا صالحة إلا بالإيمان، والإيمان مقتض لها، فمن جمع بين الإيمان والعمل الصالح فلنحيينه حياة طيبة، وذلك بطمأنينة قلبه وسكون نفسه وعدم
(1) في ظلال القرآن 4/ 2202
(2)
سورة البقرة الآية 269
(3)
فقه الدعوة للبلالي ص34.
(4)
سورة النحل الآية 97
التفاته بما يشوش عليه قلبه " (1) وأما السعادة للمؤمن في الآخر ة فتكملة الآية تشير إليه بقوله: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2) أي: ولنجزينهم في الآخر ة بما أعد لهم من أصناف النعيم الذي يشير إليه الحبيب صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرءوا إن شئتم (4)» .
ومما يدل على مكانة العاملين قوله سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (5) قال الحسن البصري: هو المؤمن أجاب الله في دعوته ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحا في إجابته، فهذا حبيب الله هذا ولي الله، فمقام الدعوة إلى الله أفضل مقامات العبد (6).
فختم الله هذه الآية بقوله: {وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (7)
(1) تفسير السعدي 4/ 239.
(2)
سورة النحل الآية 97
(3)
الحديث من صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها (2824) 3/ 2174
(4)
سورة السجدة الآية 17 (3){فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
(5)
سورة فصلت الآية 33
(6)
مفتاح دار السعادة 1/ 153
(7)
سورة فصلت الآية 33
وفي ذلك من الأسرار والحكم الشيء الكثير، فمنه على سبيل المثال:
أولا: في قوله: وعمل صالحا:
1 -
زاد الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر قيام الليل:
إن حياة الآمرين والمبلغين كلها عبادة لله، فوقتهم في الليل يعمرونه بالصلاة تنفيذا لأمر الله في قوله لرسوله صلى الله عليه وسلم والأمر له ولأمته:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} (1) يقول سيد قطب رحمه الله في هذه الآية: " بهذه الصلاة وبهذا القرآن والتهجد، وبهذه الصلة الدائمة بالله، فهذا هو الطريق المؤدي إلى المقام المحمود، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يؤمر بالصلاة والتهجد والقرآن ليبعثه ربه المقام المحمود المأذون له به وهو المصطفى المختار، فما أحوج الآخرين إلى هذه الوسائل لينالوا المقام المأذون لهم به في درجاته، فهذا هو الطريق، وهذا هو الزاد "(2)، فإذا آووا إلى مضاجعهم ليناموا تتجافي جنوبهم عن الفرش وعن شهواتهم رغبة فيما عند الله وخوفا منه، وقد مدحهم الله بذلك فقال:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} (3).
(1) سورة الإسراء الآية 79
(2)
في ظلال القرآن 4/ 2247
(3)
سورة السجدة الآية 16
يعني بذلك قيام الليل وترك النوم والاضطجاع على الفرش (1)، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«عجب ربنا عز وجل من رجلين رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين أهله وحبه إلى صلاة، فيقول ربنا: أيا ملائكتي انظروا إلى عبدي ثار من فراشه ووطائه، من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي، وشفقة مما عندي، ورجل غزا في سبيل الله عز وجل فانهزموا، فعلم ما عليه من الفرار وما له في الرجوع، فرجع حتى أهريق دمه رغبة فيما عندي وشفقة مما عندي، فيقول الله عز وجل لملائكته انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي ورهبة مما عندي حتى أهريق دمه (2)»
وقوله: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} (3){وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (4) إنهم كانوا يتهجدون ويجتهدون يريدون أن يكون عملهم أكثر من ذلك وأخلص منه ويستغفرون من التقصير، وهذه سيرة الكريم يأتي بأبلغ وجوه الكرم ويستقله ويعتذر من التقصير، واللئيم يأتي بالقليل ويستكثره ويمن به (5).
يقوم المسلم بقيام الليل تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم ففي حديث عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى
(1) تفسير ابن كثير 6/ 364
(2)
الحديث من مسند أحمد 1/ 416.
(3)
سورة الذاريات الآية 17
(4)
سورة الذاريات الآية 18
(5)
تفسير الرازي 27/ 203
الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: «أفلا أكون عبدا شكورا (1)» ، وعن المغيرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم أو ليصلي حتى ترم قدماه أو ساقاه فيقال له فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا (2)»
2 -
تلاوة القرآن الكريم:
المسلم الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر يحافظ على تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار من أجل أن يحظى بثواب الله العاجل والآجل، ومن أجل أن يكون القرآن شافعا له يوم القيامة؛ لما جاء في حديث أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه. . . (3)» . الحديث، وقد وصف الله الذين آتاهم الكتاب بأنهم يتلونه حق تلاوته كما قال:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (4).
وقراءة القرآن تشهدها الملائكة كما قال تعالى: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (5)؛ لما جاء في حديث أبي
(1) الحديثان من صحيح البخاري، كتاب التهجد، باب قيام النبي 2/ 44.
(2)
الحديثان من صحيح البخاري، كتاب التهجد، باب قيام النبي 2/ 44.
(3)
الحديث من صحيح مسلم، كتاب المسافرين باب فضل قراءة القرآن (804) 1/ 553
(4)
سورة البقرة الآية 121
(5)
سورة الإسراء الآية 78
هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فضل صلاة الجمع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح (1)» .
وقد ورد في قصة أسيد بن حضير قال: بينما هو يقرأ من القرآن سورة البقرة وفرسه مربوطة عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت، ثم قرأ فجالت الفرس فسكت فسكنت. . . فانصرف إلى ابنه يحيى وكان قريبا منها فأشفق أن يصيبه، فلما آخره رفع رأسه إلى السماء فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها، فلما أصبح حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أتدري ما ذاك؟. قال: لا يا رسول الله، قال: تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر الناس إليها لا تتوارى منهم (2)»
3 -
التزود بالعلم والعمل:
لقوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (3)، العلم لا بد فيه من إقرار القلب ومعرفته، وهذا العلم الذي أمر الله به هو
(1) الحديث من صحيح البخاري، كتاب التفسير باب قوله: إن قرآن الفجر 5/ 227.
(2)
الحديث من صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب نزول السكينة 6/ 106.
(3)
سورة محمد الآية 19
العلم بتوحيد الله وهو فرض عين على كل إنسان لا يسقط عن أحد كائنا من كان بل كل مضطر إلى ذلك (1).
فالعلم من الأمور الأساسية التي لا يستغني عنها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وقد رفع الله تعالى مكانة العلم، وجعل للعلماء العاملين منزلة من أرفع المنازل فقال:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} (2) وقال: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} (3).
ثانيا: قوله: {إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (4)
فالمسلم الذي رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وتذوق حلاوة الإيمان والعمل الصالح، يسعد بأن يقول للناس جميعا بأني من المسلمين الذين أسلموا نفوسهم لله وطهروا قلوبهم من الأدران والمعاصي وتحابوا في الله وتآخوا في الله، فهو وإياهم بمثابة البنيان المرصوص الذي يشد بعضه بعضا كما جاء في الحديث عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه (5)»
(1) تفسير السعدي 7/ 73.
(2)
سورة المجادلة الآية 11
(3)
سورة الزمر الآية 9
(4)
سورة فصلت الآية 33
(5)
الحديث من صحيح البخاري كتاب المظالم، باب نصر المظلوم 3/ 98.
ولقد جاء في القرآن الكريم موقف المؤمنين بعضهم من بعض في توادهم ومحبة بعضهم، حتى بلغوا في محبتهم مبلغا عظيما مدحهم الله عليه وأثنى عليهم ورضي عنهم وكتب لهم الفلاح، فقال تعالى:{وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1) وهم يحرصون على العمل للخير في ضمن المجتمع المسلم الذي يسوسه أهل العلم الذين يخشون الله عز وجل ويبلغون رسالات الله وشعارهم المحبة في الله.
ولذا يسود بينهم التعاطف والتراحم؛ لأنهم في مجتمع إيماني يدين لله بالوحدانية ويحرص أفراده على أن يكون رأيهم واحدا وإن اختلفت أساليب دعوتهم فلا يؤثر ذلك على اختلاف قلوبهم؛ لأن أمرهم مجتمع آخذين بذلك بوصية النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر رضي الله عنه حيث قال: خطبنا عمر رضي الله عنه بالجابية فقال: " يا أيها الناس إني قمت فيكم كمقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا فقال: أوصيكم بأصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد الشاهد ولا يستشهد، ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهم الشيطان، عليكم بالجماعة، فإن الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد، من أراد
(1) سورة الحشر الآية 9