الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفتاوى
من فتاوى سماحة الشيخ
محمد بن إبراهيم آل الشيخ
مفتي الديار السعودية رحمه الله
إقامة المأتم في أي يوم كان غير مشروعة
وأما إقامة المآتم على الميت في أي يوم كان فغير مشروعة، وقد حكى أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي في كتابه الحوادث والبدع إجماع العلماء على منعها.
قال في ص166: فأما المآتم فممنوعة بإجماع العلماء. قال الشافعي: وأكره المآتم وهو اجتماع الرجال والنساء، لما فيه من تجديد الحزن. قال: ويكره المبيت في المقبرة، لما فيه من الوحشة. والمآتم هو الاجتماع في الصبحة أي الاجتماع حول القبر صباحا غداة الدفن، وهو بدعة منكرة لم ينقل فيه شيء، وكذلك ما بعده من الاجتماع في الثاني والثالث والسابع والشهر والسنة فهو طامة، وقد بلغني عن الشيخ ابن عمران الفاسي وكان من أئمة المسلمين: أن بعض أصحابه حضر صبحة فهجره شهرين وبعض الثالث، حتى استعان الرجل عليه فقبله وراجعه
وأظنه استتابه ألا يعود. فأما ما يوقد فيها من الشمع والبخور فتبذير وسرف. وإن أنفقه الوصي من مال التركة ضمنه وسقطت به عدالته واستأنف الحاكم النظر في الوصية. قال ابن السمان: سألت بعض رهبان الأكواخ: لم يسمى الاجتماع في المصيبة مأتما قال: فبكى. ثم قال: لأن المجتمع عليه ومن أجله لم يتم. اهـ.
وقد أطال الشيخ علي محفوظ في كتابه الإبداع في مضار الابتداع (ص218، 219): أما بدع المآتم فمعلوم أن كل مجتمع للحزن على الميت فيه النساء لا يخلو من المحظورات شرعا من الندب والنياحة ولطم الخدود، والتهتك بكشف العورات، وإضاعة الكثير من الأموال، إلى غير ذلك مما عمت به البلوى، حتى استعصى الداء، وعز الدواء، وأما اجتماع الرجال في المآتم لداعية الحزن فمعلوم أيضا ما يستلزم هذا الاجتماع من النفقات الطائلة لغرض المباهاة والرياء بإعداد محل الاجتماع وإحضار البسط والسجاجيد ونحوها، ولا شك في حرمة ذلك؛ لما فيه من إضاعة المال لغير غرض صحيح، هذا إذا لم يكن في الورثة قاصر، فما بالك إذا كان فيهم قاصر، وقد يتكلفون ذلك بالقرض بطريق الربا نعوذ بالله من سخطه.
وأن ما يقع بعد الدفن من عمل المأتم ليلة أو ثلاثا مثلا لا نزاع في أنه بدعة، ولم يثبت عن الشارع ولا عن السلف أنهم جلسوا بقصد أن تذهب الناس إلى تعزيتهم، وكانت سنته صلى الله عليه وسلم أن يدفن الرجل من
أصحابه وينصرف كل إلى مصالحه، وهذه كانت سنته، وهذه كانت طريقته، والله تعالى يقول:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} (1)، فلنتأس به فيما ترك كما نتأسى به فيما فعل، والجمهور على كراهة ذلك لأنه يجدد الحزن للمعزى، قال الإمام الأذرعي: الحق أن الجلوس للتعزية على الوجه المتعارف في زماننا مكروه أو حرام، انتهى.
ومر صاحب (الإبداع) إلى أن قال في ص220: وصفوة القول أن المآتم اليوم لا تخلو من المنكرات ومخالفة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وناهيك ما يكون من القراء في تلاوة القرآن، وما يفعله المستمعون في المأتم من الخروج عن حد الأدب حال تلاوته من رفع أصوات الاستحسان أو الاشتغال عن استماعه أو شرب الدخان وغير ذلك مما يحول بين المجلس وبين نزول الرحمة نسأل الله السلامة والهداية. انتهى المراد من كلام صاحب (الإبداع في مضار الابتداع). والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق.
مفتي الديار السعودية
(ص - ف - 2655 - 1 في 86 هـ)
(1) سورة الأحزاب الآية 21