الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن هنا يتضح أنه لا يجوز أن يقال: لا إنكار في مسائل الخلاف، لأنه قد يكون فيها ما دليله واضح من الكتاب والسنة الصحيحة، ولكن خفي على بعض العلماء فقال برأيه فيجب على مخالفه الإنكار عليه إذا اتضح له صحته، بخلاف مسائل الاجتهاد وهي التي لا نص فيها فإنه لا إنكار فيها على من خالف الرأيين، أو الآراء حسب اجتهاده وتحريه للحق.
وهكذا ينتهي الحديث عن هذا الأصل، وبانتهائه تنتهي الأصول العشرون الرئيسية في منهج الشيخ – رحمه الله – في الفتوى، وأعترف أنها خطوط عريضة، وملامح خاطفة بحاجة إلى مزيد بسط ودراسة، وإني لأرى أن كل أصل منها بحاجة إلى بحث مستقل يتم من خلاله الاستقراء والاستقصاء، لكن لعلي وفقت – بجهد المقل – لأن أرسم صورة مختصرة عن منهجه – رحمه الله – في الفتوى؛ تكون نبراسا للباحثين وطلاب العلم عامة، والمتخصصين في الفتوى خاصة، فهو – بلا مبالغة – إمام فريد في عصره، بحر محيط في علمه، جدير بإبحار المختصين للحصول على درره ولآلئه، وأصدافه عليه – رحمه الله.
الخاتمة
وبعد تلك الرحلة العلمية الممتعة، التي عشنا فيها في رحاب منهج إمام من أئمة المسلمين الأجلاء، وعالم من علماء الدين الفضلاء، هو
سماحة العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز، يحسن إيراد بعض النتائج التي تم التوصل إليها من خلال البحث في أصول منهجه في الفتوى – رحمه الله تعالى – وهي تشمل نتائج عامة وأخرى خاصة، وأهم التوصيات والمقترحات.
أولا: النتائج العامة:
1 -
ضرورة إبراز الصور العلمية المشرقة لعلمائنا الأجلاء من خلال مثل هذا النوع من البحوث التي تركز على عرض أصول مناهجهم التي ساروا عليها.
2 -
أهمية التأصيل والتقعيد لتقريب المنهج الذي سار عليه أئمتنا وعلماؤنا في حياتهم العلمية لا سيما في تخصصاتهم التي اشتهروا بها، فالحديث عن كل عالم والترجمة له لا تكتمل جوانبها إن لم يتم عرض لأهم الأصول التي أدت به إلى ما وصل إليه من نبوغ في ذلك العلم.
3 -
الحاجة الماسة لإلقاء الضوء على أصول الفتوى والعناية بإيضاح ركائزها وضوابطها الصحيحة التي سار عليها المحققون من العلماء وسلكها شيخنا – رحمه الله.
4 -
الأهمية البالغة في هذا العصر لبيان المنهج الحق في الفتوى الذي سلكه رحمه الله لا سيما مع كثرة المتطاولين على مقامات الإفتاء من غير المؤهلين وتسارع النوازل والمستجدات والمتغيرات التي تتعلق بالقضايا الكبرى في الأمة.
5 -
مكانة الشيخ العلمية السامية، وإمامته في الدين، ومقامه في الإفتاء، والتي يعجز القلم أن يسطر سوى أهم ملامحها وخطوطها العريضة مما يمثل أنموذجا يحتذى وطرازا فريدا يقتفى.
ثانيا: النتائج الخاصة:
1 -
التعرف على جوانب سيرة سماحة الشيخ – رحمه الله – المباركة، وأهم صفاته، وأخلاقه، وجهوده في خدمة الإسلام والمسلمين.
2 -
التركيز على تقديم سماحته رحمه الله أنموذجا فذا في تحقيق مكانة الفتوى وخطورتها والتزامه بشروط المفتي، وأهم الآداب والصفات التي ينبغي توفرها فيه، وقيامه بأحكام الفتوى وعنايته بضوابطها.
3 -
تحلي الشيخ – رحمه الله – بميزان الاجتهاد، واتباع الدليل، ومجانبته – رحمه الله – للتقليد، مع عنايته بصحة الدليل والاستدلال.
4 -
سيره – رحمه الله – على منهج السلف والاعتماد على آثارهم، وإبراز معتقدهم والدعوة إليه.
5 -
اعتماد سماحته – رحمه الله – القواعد الشرعية في التيسير والرفق بالمستفتي ولكن دون تساهل مما يبرز وسطيته – رحمه الله – بين التشديد والتساهل.
6 -
بناؤه الفتوى على القواعد الأصولية، ورعاية مقاصد الشريعة، ومراعاة العلل الشرعية للأحكام.
7 -
عالمية سماحة الشيخ – رحمه الله – وشمولية فتواه لجميع مناحي الحياة من عقيدة، وعبادة، ومعاملات، وأخلاق، مما يؤكد ارتباطه بحقيقة الإسلام؛ إذ هو دين شامل، ومنهج حياة متكامل.
8 -
بروز شخصية الشيخ – رحمه الله – العلمية المتميزة بصفته مفتيا يعي الواقع ومتغيراته، والواجب الشرعي في هذا الواقع، مع عرضه المتميز بالدقة والوضوح ومراعاة حال المستفتي، وما يحتاجه، وعدم الإغراق في الاختلافات.
9 -
استفادته من إخوانه العلماء وأصحاب الخبرة، والتأكيد على أهمية الاجتهاد الجماعي، وضرورته الملحة لا سيما في هذا العصر.
10 -
جمعه – رحمه الله – بين العلم الجم، والأدب الأتم، وفقهه لأدب الخلاف، مع إنصاف المخالف؛ فلم يمنعه أدبه من إظهار الحق، ولم يدفعه علمه إلى التعالي واحتقار المخالف، وتلك لعمر الحق سمة العلماء العاملين المخلصين.
ثالثا: أهم التوصيات والمقترحات:
وفي الختام: إن كان هناك من توصيات ومقترحات في هذا الصدد فإنها تكمن في الحاجة الماسة إلى إيلاء قضية الفتوى الاهتمام البالغ لا سيما في هذا العصر الذي تطاول فيه كثير من الناس على مقام التوقيع عن رب العالمين كما أن الحاجة ملحة في إبراز أصول منهج الشيخ في الإفتاء، وضرورة العناية بالفتوى الجماعية التي تضطلع بها الهيئات العلمية الكبرى والمجامع الفقهية خاصة في النوازل والمستجدات وقضايا المسلمين العامة والتركيز على الدراسات والأبحاث في ذلك من قبل المختصين وطلاب الدراسات العليا، وأهمية نشرها، وربط الناشئة والأجيال العلمية المعاصرة بعلمائهم ومشايخهم ذوي الاعتقاد الصحيح والمنهج السليم، كما أن الحاجة ملحة إلى تكرار الدراسات العلمية حول منهج الشيخ – رحمه الله – في مختلف الفنون لا سيما الإفتاء.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أوصي الجميع بوصية الله تعالى من إقامة الدين وعدم التفرق فيه لا سيما من المنتسبين إلى العلم والفتوى، والأخذ بمنهج الشريعة في ذلك كما هو نهج سماحة الشيخ – رحمه الله في حرصه على جمع الكلمة ووحدة الصف.
والدعوة موجهة لأهل العلم إلى التعاون لإيجاد المرجعية العلمية الموثوقة التي يلتف حولها المسلمون، ويثوبون إليها عند الخطوب والمدلهمات، ممثلة في المجامع الفقهية العالمية، وما يصدر عنها من اجتهاد جماعي
والذي أصبح ضرورة ملحة لا مناص منه لا سيما في هذا العصر الذي كثرت فيه النوازل والمستجدات.
تلك النوازل والمستجدات التي كثيرا ما تتعلق بالدماء والأعراض، مما ينوء بحمل تبعات الفتوى فيها آحاد العلماء والله المستعان.
وقبل أن أضع القلم أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى للشيخ بسابغ الرحمة والرضوان، والفردوس الأعلى في الجنان، وأن يجزيه عن المسلمين وطلاب العلم خير الجزاء وأن يوفق العلماء والمتصدرين للفتوى للسير على منهجه ويوفق الباحثين للاستفادة من علمه، ومنهجه، ونشر الرسائل والأبحاث العلمية في ذلك، وأن يجمعنا به في دار كرامته، وأن يوفقنا لرد شيء من جميله، وفاء لبعض حقه.
إنه – تعالى – جواد كريم، وهو – سبحانه – خير مسؤول وأكرم مأمول.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.
تم بحمد الله تعالى.