الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الحادي عشر: التركيز على مسائل الاعتقاد:
كان سماحة الشيخ ابن باز – رحمه الله – يركز على مسائل الاعتقاد، حيث كتب فيها من المؤلفات والتعليقات، والرسائل والفتاوى، بالإضافة إلى الدروس والمحاضرات، والقراءات في كتب العقيدة السلفية – ما لا يعد ولا يحصى.
*فكان – رحمه الله – يوصي بعقيدة السلف الصالح وقراءة كتب أئمتها وها هي بعض نصوصه من فتاويه الدالة على ذلك:
*قال (1) – رحمه الله: «إنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح: مالك، والأوزاعي، والثوري، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا.
وقال أيضا (2): وكلام الأئمة في هذا الباب كثير جدا، لا يمكن نقله في هذه المحاضرة، ومن أراد الوقوف على كثير من ذلك فليراجع ما كتبه
علماء السنة في هذا الباب، مثل: كتاب السنة لعبد الله ابن الإمام أحمد، والتوحيد للإمام الجليل محمد بن خزيمة، وكتاب السنة لأبي القاسم اللالكائي الطبري، وكتاب السنة لأبي بكر بن أبي عاصم وجواب شيخ الإسلام ابن تيمية لأهل حماه.
*وكان سماحته يذكر الفرق المخالفة لعقيدة السلف أو الآراء المضادة لها ويرد على ذلك ويبين وجه الحق فيها يقول سماحته (1): وهكذا يجب على أهل الحق إذا ردوا على أهل الباطل أن يفصلوا، وأن ينصفوا، فيقولوا لهم: قلتم كذا، وقلتم كذا، فنحن معكم في هذا، ولسنا معكم في هذا.
(1)«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (3/ 37 - 38).
ثم قال – رحمه الله: وهكذا بقية الطوائف، نأخذ ما معهم من الحق، ونقر لهم به، ونرد عليهم باطلهم بالأدلة النقلية والعقلية.
وإليك ذكر بعض المواضع التي فيها التحذير من الآراء المخالفة للعقيدة الصحيحة والرد عليها:
(أ) سئل عن حكم التوسل بالنبي – صلى الله عليه وسلم:
فأجاب – رحمه الله: التوسل بالنبي – صلى الله عليه وسلم – فيه تفصيل، فإن كان ذلك باتباعه ومحبته وطاعة أوامره وترك نواهيه والإخلاص لله في العبادة، فهذا هو الإسلام، وهو دين الله الذي بعث به أنبياءه، وهو الواجب على كل مكلف .. وهو الوسيلة للسعادة في الدنيا والآخرة، أما التوسل بدعائه والاستغاثة به وطلبه النصر على الأعداء والشفاء للمرضى – فهذا هو الشرك الأكبر، وهو دين أبي جهل وأشباهه من عبدة الأوثان، وهكذا فعل ذلك مع غيره من الأنبياء والأولياء أو الجن أو الملائكة أو الأشجار أو الأحجار أو الأصنام.
وهناك نوع ثالث يسمى التوسل وهو التوسل بجاهه – صلى الله عليه وسلم – أو بحقه أو بذاته مثل أن يقول الإنسان: أسألك يا الله بنبيك، أو جاه نبيك، أو حق نبيك، أو جاه الأنبياء، أو حق الأنبياء، أو جاه الأولياء والصالحين وأمثال ذلك؛ فهذا بدعة ومن وسائل الشرك، ولا يجوز فعله معه – صلى الله عليه وسلم – ولا مع غيره؛ لأن الله – سبحانه وتعالى – لم يشرع ذلك، والعبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما دل عليه الشرع المطهر.
وأما توسل الأعمى به في حياته – صلى الله عليه وسلم – فهو توسل به – صلى الله عليه وسلم – ليدعو له ويشفع له إلى الله في إعادة بصره إليه، وليس توسلا بالذات أو الجاه أو الحق كما يعلم ذلك من سياق الحديث، وكما أوضح ذلك علماء السنة في شرح الحديث.
وقد بسط الكلام في ذلك شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله – في كتبه الكثيرة المفيدة، ومنها كتابه المسمى:«القاعدة الجلية في التوسل والوسيلة» وهو كتاب مفيد جدير بالاطلاع عليه والاستفادة منه وهذا الحكم جائز مع غيره – صلى الله عليه وسلم – من الأحياء، كأن تقول لأخيك أو أبيك أو من تظن فيه الخير: ادع الله أن يشفيني من مرضي أو يرد علي بصري أو يرزقني الذرية الصالحة أو نحو ذلك، بإجماع أهل العلم، والله ولي التوفيق (1).
(1)«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (5/ 322، 323).
(ب) سئل عن حكم من يقول إن الأولياء والصالحين ينفعون (1):
فأجاب – رحمه الله: ننصح الجميع بأن يتقوا الله – عز وجل – ويعلموا أن السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة في عبادة الله وحده واتباع النبي – صلى الله عليه وسلم – والسير على منهاجه فهو سيد الأولياء، وأفضل الأولياء، فالرسل والأنبياء هم أفضل الناس وهم أفضل الأولياء والصالحين، ثم يليهم بعد ذلك في الفضل أصحاب الأنبياء – رضي الله عنهم – ومن بعدهم، وأفضل هذه الأمة أصحاب نبينا – صلى الله عليه وسلم –، ثم من بعدهم سائر المؤمنين على اختلاف درجاتهم ومراتبهم في التقوى. فالأولياء هم أهل الصلاح والاستقامة على طاعة الله ورسوله، وعلى رأس الأولياء نبينا محمد بن عبد الله – عليه الصلاة والسلام –، ثم أصحابه – رضي الله عنهم –، ثم الأمثل فالأمثل في التقوى والإيمان كما تقدم. وحبهم في الله والتأسي بهم في الخير وعمل الصالحات أمر مطلوب ولكن لا يجوز التعلق بهم وعبادتهم من دون الله، ولا دعاؤهم مع الله، ولا أن يستعان بهم أو يطلب منهم المدد؛ كأن يقول: يا رسول الله، أغثني، أو يا علي أغثني، أو يا الحسن أغثني وانصرني، أو يا سيدي الحسين، أو يا شيخ عبد القادر أو غيرهم، كل ذلك لا يجوز؛ لأن العبادة حق الله وحده، كما قال – عز وجل:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (2)، وقال تعالى:
(1) المصدر السابق (5/ 359 - 3361).
(2)
سورة البقرة الآية 21
{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (1)، وقال تعالى -:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (2)، وقال – سبحانه -:{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} (3)، وقال – عز وجل:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (4)، فسماهم كفرة بدعائهم غير الله، وقال سبحانه:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (5)، وقال تعالى -:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (6){إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (7).
فبين – سبحانه – أن مدعويهم من دون الله من الرسل أو الأولياء أو غيرهم لا يسمعون؛ لأنهم ما بين ميت أو مشغول بطاعة ربه كالملائكة أو غائب لا يسمع دعاءهم أو جماد لا يسمع ولا يعي، ثم أخبر – سبحانه – أنهم لو سمعوا لم يستجيبوا لدعائهم، وأنهم يوم القيامة يكفرون بشركهم، فعلم بذلك أن الله – عز وجل – هو الذي يسمع الدعاء ويجيب الداعي إذا
(1) سورة غافر الآية 60
(2)
سورة البينة الآية 5
(3)
سورة النمل الآية 62
(4)
سورة المؤمنون الآية 117
(5)
سورة الجن الآية 18
(6)
سورة فاطر الآية 13
(7)
سورة فاطر الآية 14
شاء، وهو النافع الضار المالك لكل شيء والقادر على كل شيء، فالواجب الحذر من عبادة غيره، والتعلق بغيره من الأموات والغائبين والجماد، وغيرهم من المخلوقات التي لا تسمع الداعي، ولا تستطيع نفعه أو ضره. أما الحي الحاضر القادر، فلا بأس أن يستعان به فيما يقدر عليه، كما قال – عز وجل – في قصة موسى:{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} (1)، وكما يستعين المسلم في الجهاد وقتال الأعداء بإخوانه المجاهدين .. والله ولي التوفيق.
(ج) وفي سؤال حول حكم القول بتناسخ الأرواح (2):
أجاب – رحمه الله: الحمد الله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه
…
وبعد:
ما ذكره لكم أستاذ الفلسفة من أن الروح تنتقل من إنسان إلى آخر ليس بصحيح، والأصل في ذلك قوله – تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (3).
وجاء تفسير هذه الآية فيما رواه مالك في موطئه أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – سئل عن هذه الآية:
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} (1)، فقال عمر – رضي الله عنه – سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يسأل عنها، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم:«إن الله تعالى خلق آدم ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون. (2)» الحديث.
قال ابن عبد البر: «معنى هذا الحديث قد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم من وجوه ثابتة كثيرة من حديث عمر بن الخطاب – رضي الله
(1) سورة الأعراف الآية 172
(2)
أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/ 44 - 45) برقم (311) وأبو داود في كتاب السنة، باب في القدر برقم (4703) والترمذي في كتاب التفسير، باب ومن سورة الأعراف، برقم (3075).
عنه - وعبد الله بن مسعود (1) وعلي بن أبي طالب (2) وأبي هريرة (3) – رضي الله عنهم – أجمعين وغيرهم» (4).
وقد أجمع أهل السنة والجماعة على ذلك وذكروا أن القول بانتقال الروح من جسم إلى آخر هو قول أهل التناسخ، وهم من أكفر الناس، وقولهم هذا من أبطل الباطل.
(د) سئل: هل يعتبر الحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله كفارا؟ (5)
فأجاب – رحمه الله: الحكام بغير ما أنزل الله أقسام، تختلف أحكامهم بحسب اعتقادهم وأعمالهم، فمن حكم بغير ما أنزل الله يرى أن ذلك أحسن من شرع الله فهو كافر عند جميع المسلمين، وهكذا من يحكم القوانين الوضعية بدلا من شرع الله، ويرى أن ذلك جائز، ولو قال: إن تحكيم الشريعة أفضل فهو كافر لكونه استحل ما حرم الله .. أما من حكم بغير ما أنزل الله اتباعا للهوى، أو لرشوة أو لعداوة بينه وبين المحكوم عليه، أو لأسباب أخرى، وهو يعلم أنه عاص لله بذلك، وأن الواجب عليه تحكيم شرع الله، فهذا يعتبر من أهل المعاصي والكبائر، ويعتبر قد
(1) أخرجه البخاري برقم (6594)، ومسلم برقم (2643).
(2)
أخرجه البخاري برقم (4949)، ومسلم برقم (2647).
(3)
أخرجه مسلم برقم (2651).
(4)
ينظر: «فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر» للمغراوي.
(5)
أتى كفرا أصغر وظلما أصغر وفسقا أصغر كما جاء هذا المعنى عن ابن عباس – رضي الله عنهما – وعن طاوس وجماعة من السلف الصالح وهو المعروف عند أهل العلم (1)، والله ولي التوفيق.
(هـ) سئل عن حكم الولاء والبراء (2):
فأجاب – رحمه الله: الولاء والبراء معناه: محبة المؤمنين وموالاتهم وبغض الكافرين ومعاداتهم، والبراءة منهم ومن دينهم، هذا هو الولاء والبراء كما قال الله – سبحانه – في سورة الممتحنة:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (3)، وليس معنى بغضهم وعداوتهم أن تظلمهم أو تتعدى عليهم إذا لم يكونوا محاربين، وإنما معناه أن تبغضهم في قلبك وتعاديهم بقلبك ولا يكونوا أصحابا لك، لكن لا تؤذيهم ولا تضرهم ولا تظلمهم، فإذا سلموا ترد عليهم السلام وتنصحهم وتوجههم إلى الخير كما قال الله – عز وجل:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (4) وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وهكذا غيرهم
(1) ينظر: «تفسير ابن كثير» (3/ 74).
(2)
«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (5/ 247، 246).
(3)
سورة الممتحنة الآية 4
(4)
سورة العنكبوت الآية 46
من الكفار الذين لهم أمان أو عهد أو ذمة لكن من ظلم منهم يجازى على ظلمه، وإلا فالمشروع للمؤمن الجدال بالتي هي أحسن مع المسلمين والكفار مع بغضهم في الله للآية الكريمة السابقة ولقوله – سبحانه -:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1)، فلا يتعدى عليهم ولا يظلمهم مع بغضهم ومعاداتهم في الله ويشرع له أن يدعوهم إلى الله ويعلمهم ويرشدهم إلى الحق لعل الله يهديهم بأسبابه إلى طريق الصواب، ولا مانع من الصدقة عليهم والإحسان إليهم لقول الله – عز وجل:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (2)، ولما ثبت في الصحيحين عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه أمر أسماء بنت أبي بكر – رضي الله عنهما – أن تصل أمها وهي كافرة في حال الهدنة التي وقعت بين النبي – صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة على الحديبية.
(1) سورة النحل الآية 125
(2)
سورة الممتحنة الآية 8