الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (1){إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} (2).
(1) سورة يس الآية 10
(2)
سورة يس الآية 11
المبحث الثالث: الاجتماع على التوحيد:
هذا هو المقصد الثالث من مقاصد دراسة التوحيد، جمع أهله عليه، وإنما أرسل الرسول وأنزل الكتاب لتحقيق هذا الاجتماع وهو الاجتماع الذي أعلنه الله في قوله:{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} (1) أمة واحدة مجتمعة على عبادة ربها، ويحقق هذا المقصود عدة أسس إن لم تحصل لم يحصل الاجتماع المقصود وهذه الأسس هي:
الأساس الأول: معرفة أهل التوحيد من هم، فإن الاجتماع إنما يكون على التوحيد فلا بد من معرفة أهله الذين يحصل بهم الاجتماع، وأهل التوحيد هم الذين حصلوا المقصدين السابقين الذين عرفوا التوحيد وعملوا به، وقد جمع الله وصفهم في قوله:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (2){الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (3)
(1) سورة الأنبياء الآية 92
(2)
سورة يونس الآية 62
(3)
سورة يونس الآية 63
فهؤلاء هم أهل التوحيد (آمنوا) أي عرفوا التوحيد واعتقدوه، (وكانوا يتقون) أي يعملون بالتوحيد ويستقيمون عليه، فالانتساب إلى التوحيد ليس دعوى يدعيها العبد بلسانه بل هي اعتقاد وسلوك حسم الله أمره في قوله:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} (1) وهذه آية المحنة يمحص بها الدعي من النسيب.
الأساس الثاني: موالاة أهل التوحيد، وهذه هي ممارسة الاجتماع، موالاة أهل التوحيد بمحبتهم وخفض الجناح لهم والتعبد بالشرائع معهم والاجتماع على الشعائر في جماعتهم ومناصرتهم وتولي حفظ التوحيد والذب عنه معهم، على نحو ما قال الله:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} (2) فذكر الأصول العامة للموالاة، وهذه الموالاة لا تكون إلا لأهل التوحيد:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (3)، {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (4){وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (5). والصورة العامة لموالاة أهل التوحيد هي
(1) سورة آل عمران الآية 31
(2)
سورة المائدة الآية 54
(3)
سورة التوبة الآية 71
(4)
سورة المائدة الآية 55
(5)
سورة المائدة الآية 56
«لزوم جماعتهم» قال صلى الله عليه وسلم «عليكم بالجماعة (1)» وقال: «يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار (2)»
الأساس الثالث: السمع والطاعة لولي أمر الجماعة، فإن به تمام الاجتماع، فإن ولي الأمر هو القوة التي يحمى بها التوحيد هو يفرض هيبته ويسنده ويحميه فهو صمام الأمان لإقامة التوحيد في الجماعة وحمايته، وهو صمام الأمان لالتئام الجماعة وحفظ اجتماعها وصيانة بيضتها وهو شعار الجماعة ودليل اجتماعها، ولا معنى لولاية الأمر إلا بالسمع والطاعة ولهذا كثر في نصوص الشرع ما يبين ذلك بيانا شافيا كافيا من أمر بالإمامة وإلزام عنق المؤمن بيعة للإمام، ونهي عن الخروج على الأئمة وإلزام بطاعتهم على أي حال كانت سيرتهم أو أي حال كان عليها الواحد من رعيتهم والأمر بالصبر على مساوئهم، وغير ذلك من أفراد الأحكام والآداب الشرعية التي تقوم بها شعيرة السمع والطاعة وتصان من القوادح كل ذلك إقامة للجماعة ورعاية وصيانة للاجتماع.
قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (3) وقال صلى الله عليه وسلم: «على المرء المسلم السمع والطاعة
(1) الترمذي 47/ 404 ح2165.
(2)
الترمذي 4/ 404 ح2167.
(3)
سورة النساء الآية 59
فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية (1)» وقال صلى الله عليه وسلم: «من خلع يدا من الطاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له (2)» .
الأساس الرابع: البراءة من المشركين، وبه تمييز جماعة أهل التوحيد عن مخالفيهم، وتعيين منهجهم وخصوصيتهم والحد الفاصل بينهم وبين من يضادهم، وإبراز موضع الموالاة والمعاداة لهم، والبراءة من المشركين صنو التوحيد وهي رأس في منهجه قال الله:{قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} (3) فهذان هما ركنا التوحيد الذي يقوم عليهما: العبودية لله وحده، والبراءة ممن يعبد غيره.
وقد كثر في كتاب الله التأكيد على هذا الأساس من وجوه يطول حصرها، منها أن الله جزم النهي عن موالاتهم فقال:{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ} (4) ونحوها من الآيات، ومنها أن الله نهى عن مجرد مداهنة المشركين أو الركون إليهم ولو شيئا قليلا، قال سبحانه:{وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} (5) وقال: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} (6)
(1) متفق عليه، البخاري مع الفتح 13/ 121 ح7144، مسلم 4/ 1469 ح1839.
(2)
مسلم 4/ 1478 ح1851.
(3)
سورة الأنعام الآية 19
(4)
سورة آل عمران الآية 28
(5)
سورة القلم الآية 9
(6)
سورة الإسراء الآية 74