الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما يقول ذوو القلوب المرضى في كل زمان ومكان، فلما فرضه على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق مجال لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن ترغب بنفسها عن نساء الرسول صلى الله عليه وسلم فترى السفور لها ولا تراه لأزواج الرسول صلى الله عليه وسلم وبناته، وهذا يعرف عند علماء الأصول بالقياس الجلي ومن باب أولى كتحريم ضرب الأبوين قياسا على تحريم التأفيف في قوله تعالى:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} (1)(2).
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2)
فصل الخطاب في المرأة والحجاب ص 37 – 38.
سادسا:
القول بأن تعويل الإسلام في تحقيق أهدافه وقيمه في تطهير العلاقات بين الجنسين من التحلل والفساد إنما يقوم فقط على التوعية والتربية العقائديتين
وإشاعة أجواء الطهر والعفة والتعاون على الخير
…
؛ قول غير سديد ولا دقيق.
فلا شك أن التوعية الإيمانية والتربية العقدية والتعاون على الخير هي من وسائل الإسلام الأساسية في تطهير العلاقات بين الجنسين من التحلل والفساد.
غير أن شريعة الإسلام لم تكل الناس إلى ضمائرهم فقط التي قد تهن، ولا إلى نفوسهم التي قد تضعف، ولكنها سنت تدابير وإجراءات وقائية ترد هذه الضمائر إلى الاستقامة إذا نزعت إلى التمرد، وتغلق على
النفوس مداخل الشيطان وتوصد مسارب الفساد إذا استشرفت هذه النفوس للفتن ولم ترتدع بوازع الإيمان والتقوى.
ومن تلك التدابير والإجراءات الوقائية – مما يخص موضوعنا هنا -:
أ- منع الاختلاط بين الجنسين.
ب- تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية.
ج- تحريم التبرج وإظهار الزينة.
د- الأمر بغض البصر.
هـ- تحريم الخضوع بالقول.
وتحريم سفر المرأة بغير محرم.
ز- تحريم الدخول إلى البيوت بغير إذن ....
إن التوعية والتربية العقديتين وإشاعة أجواء الطهر والعفة والتعاون على الخير في العلاقات البشرية لا يكفي في تطهير العلاقات بين الجنسين من التحلل والفساد، ما لم ينضم إليه سد جميع أبواب الفتن وذرائع الفساد.
فنحن لا نعارض توعية الجنسين وتربيتهما تربية إسلامية عقدية، وإشاعة قيم الطهر والخلق والفضيلة
…
، وإنما نعارض استغناء النساء بذلك عن القرار في البيوت والبعد عن الاختلاط بالرجال الأجانب في مجالات العمل والتعليم ونحوهما. فنقصان التربية العقدية والقيم الخلقية من أحد الجنسين كاف في وقوع الفتنة عند اختلاطهما، وماذا يسعنا أن نقول عنا بعد ما قاله نبي الله ورسوله يوسف عليه السلام {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} (1)،
(1) سورة يوسف الآية 53
ولله در الشريف الرضي حينما قال:
لا العف عف حين تملك لبه
…
تلك اللحاظ ولا الأمين أمين
ومن جراء ذلك لزم ألا تسنح أي فرصة للجنسين وأن تسد طرقها، وفرض الحجاب ومنع الاختلاط معناه: حجب طرق الفرصة على النفوس بأخصر وجه (1).
واعتبار قرار النساء في البيوت أنه بمثابة تحويل هذه البيوت إلى سجون للنساء، والحكم عليهن جميعا بما حكم به اللاتي أتين الفاحشة، هذا الاعتبار ينطوي على استخفاف بحكم الله ورسوله، وفيه تضليل للقارئ؛ لأنه وإن كان الأصل هو قرار المرأة في بيتها، فإن الإسلام يجيز لها الخروج منه عند الحاجة إلى ذلك، مع الالتزام بالحجاب الشرعي، واجتناب مخالطة الرجال. فيجيز لها مثلا الخروج لزيارة الوالدين، ولصلة الأرحام، وللحج مع محرم، ولطلب علم، ولمراجعة طبيب، وللإدلاء بشهادة لدى القاضي، ولأداء الصلوات في المسجد إذا أمنت الفتنة، ولقضاء حاجة مشروعة لا تقضى إلا بوجودها، ونحو ذلك.
سابعا: الجزم بأنه ليس في الإسلام ما يوجب على الزوج القيام
(1) انظر: مصطفى صبري – قولي في المرأة ومقارنته بأقوال مقلدة الغرب ص69 - 70.
برعايتها لبيتها وزوجها وأطفالها؛ جزم لا يسلم لصاحبه، ففي الإسلام ما يوجب ذلك على الزوجة:
1 -
فقد روى الإمام البخاري: أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم، تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى، وتسأله خادما، فقال لها ولعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:«ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضجعكما فسبحا ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم (1)» .
2 -
كما روى البخاري أيضا: «عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، أنها كنت تعلف فرس زوجها الزبير، وتستقي الماء، وتحرز الدلو، وتعجن، وتنقل النوى على رأسها من أرض له تبعد عنها ثلثي فرسخ (2)» .
ففي هذين الحديثين ما يفيد بأنه على المرأة أن تقوم بخدمة زوجها وبيتها، فقد شكت فاطمة رضي الله عنها – في الحديث الأول – لأبيها النبي صلى الله عليه وسلم ما كانت تلقاه من مشقة في خدمة بيتها وزوجها، فلم يقل صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: لا خدمة عليها، وإنما هي عليك. يقول الإمام الطبري: (يؤخذ من الحديث أن كل
(1) صحيح البخاري مع الفتح، كتاب (النفقات)، الباب (6)، الحديث رقم (5361)، ج9 ص506.
(2)
المصدر السابق، كتاب (النكاح)، الباب (107)، الحديث رقم (5224)، ج9 ص319 - 320.
من كانت له طاقة من النساء على خدمة بيتها في خبز أو طحن أو غير ذلك- أنه لا يلزم الزوج إحضار خادم لها، إذا كان معروفا أن مثلها يلي ذلك بنفسه، ووجه الأخذ: أن فاطمة لما سألت أباها صلى الله عليه وسلم الخادم، لم يأمر زوجها بأن يكفيها ذلك، إما بإخدامها خادما، أو باستئجار من يقوم بذلك، أو بتعاطي ذلك بنفسه. ولو كانت كفاية ذلك إلى علي لأمره به، كما أمره أن يسوق إليها صداقها قبل الدخول، مع أن سوق الصداق ليس بواجب إذا رضيت المرأة أن تؤخره، فكيف يأمره بما ليس بواجب عليه ويترك أن يأمره بالواجب؟. وحكى ابن حبيب عن أصبغ، وابن الماجشون عن مالك:(أن خدمة البيت تلزم المرأة ولو كانت الزوجة ذات قدر وشرف، إذا كان الزوج معسرا، قال: ولذلك ألزم النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بالخدمة الباطنة (1)، وعليا بالخدمة الظاهرة) (2).
ويقول ابن القيم: (هذا أمر لا ريب فيه، ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة، وفقيرة وغنية، فهذه أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها، وجاءته صلى الله عليه وسلم تشكو إليه الخدمة فلم يشكها (3)) (4).
وفي الحديث الثاني لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم خدمة أسماء
(1) المقصود بالخدمة الباطنة: خدمة البيت والقيام بأعماله.
(2)
ابن حجر - فتح الباري ج9 ص506 - 507.
(3)
أي: لم يسمع شكايتها.
(4)
زاد المعاد ج5 ص188 - 189.
زوجها الزبير، لم يقل له: لا خدمة عليها وأن هذا ظلم لها، بل أقر الزبير على استخدامها، كما أقر سائر أصحابه على استخدام زوجاتهم، مع علمه صلى الله عليه وسلم بأن منهن الكارهة والراضية (1).
بل روي عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، أنه قال:(دخلت أيم العرب على سيد المسلمين أول العشاء عروسا، وقامت آخر الليل تطحن – يعني: أم سلمة رضي الله عنها (2).
يقول الشيخ السيد سابق: (وقد جرى عرف المسلمين في بلدانهم في قديم الأمر وحديثه بما ذكرنا – من خدمة المرأة لبيتها وزوجها – ألا ترى أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يتكلفون الطحين، والخبز، والطبيخ، وفرش الفراش، وتقريب الطعام، وأشباه ذلك، ولا نعلم امرأة امتنعت عن ذلك، ولا يسوغ لها الامتناع، بل كانوا يضربون نساءهم إذا قصرن في ذلك، ويأخذونهن بالخدمة، فلولا أنها مستحقة لما طالبوهن، هذا هو المذهب الصحيح)(3).
3 -
وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المرأة راعية على بيت بعلها
(1) انظر: المرجع السابق ج5 ص188.
(2)
الذهبي – سير أعلام النبلاء ج2 ص205.
(3)
فقه السنة ج2 ص203.
وولده وهي مسؤولة عنهم (1)»، (قال العلماء: الراعي: هو الحافظ المؤتمن، الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره، ففيه: أن كل من كان تحت نظره فهو مطالب بالعدل فيه، والقيام بمصالحه، في دينه ودنياه ومتعلقاته) (2)، فالمرأة مسؤولة في بيت زوجها ومؤتمنة وموكلة وربة مملكة، رعيتها الزوج والأولاد والبيت وما حوى.
4 -
وما روي عن حصين بن محصن أنه قال: «حدثتني عمتي قالت: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الحاجة، فقال: أي هذه! أذات بعل أنت؟، قلت: نعم، قال: كيف أنت له؟ قلت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك (4)» . يقول الشيخ الألباني رحمه الله معلقا على الحديث: (الحديث ظاهر الدلالة على وجوب طاعة الزوجة لزوجها وخدمتها إياه في حدود استطاعتها، ومما لا شك فيه أن من أول ما يدخل في ذلك الخدمة في
(1) صحيح البخاري مع الفتح، كتاب (النكاح)، الباب (90)، الحديث رقم (5200)، ج9 ص299، وصحيح مسلم بشرح النووي، كتاب (الإمارة)، باب (فضيلة الأمير العادل) ج12 ص213.
(2)
النووي – شرح صحيح الإمام مسلم ج12 ص213.
(3)
رواه الإمام أحمد في المسند ج4 ص341، وج6 ص419، والبيهقي في السنن الكبرى ج7 ص291، والحاكم في المستدرك وصححه ج2 ص206. ووافقه الألباني في كتاب آداب الزفاف في السنة المطهرة، هامش ص286.
(4)
ما آلوه: أي لا أقصر في طاعته وخدمته. (3)
منزله، وما يتعلق به من تربية أولاده ونحو ذلك) (1).
5 -
وقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} (2)، (قال ابن كثير في تفسير الآية:{فَالصَّالِحَاتُ} (3): أي من النساء {قَانِتَاتٌ} (4)، قال ابن عباس وغير واحد: يعني مطيعات لأزواجهن) (5)، وقال ابن تيمية بعد ذكره لهذه الآية:(فالمرأة الصالحة هي التي تكون قانتة، أي مداومة على طاعة زوجها)(6).
6 -
وما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء خير؟. فقال: التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا ماله بما يكره (7)» .
فيستفاد من هذا الحديث ومن الآية الكريمة التي قبله: أن من الحقوق الشرعية التي فرضها الله عز وجل للزوج على زوجته طاعته في المعروف،
(1) آداب الزفاف في السنة المطهرة ص286 بتصرف يسير.
(2)
سورة النساء الآية 34
(3)
سورة النساء الآية 34
(4)
سورة النساء الآية 34
(5)
تفسير القرآن العظيم ج1 ص491.
(6)
مجموع الفتاوى ج32 ص275.
(7)
رواه الإمام أحمد في المسند ج2 ص251، 432، 438. والنسائي في سننه في كتاب (النكاح)، باب (أي النساء خير) ج6 ص68. ورواه الحاكم أيضا في المستدرك في كتاب (النكاح) ج2 ص175، وقال:(حديث على شرط مسلم).
وهذه الطاعة أمر طبعي تقتضيه الحياة المشتركة بين الزوجين، ويسهم كثيرا في حفظ كيان الأسرة من التصدع والانهيار، وقيام الزوجة بما تستطيعه من رعايتها لبيتها وعنايتها بشؤون زوجها وأطفالها إنما هو من لوازم الطاعة بالمعروف. هذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية، حيث قال ما نصه:(قوله: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} (1) يقتضي وجوب طاعتها لزوجها مطلقا: من خدمة، وسفر معه، وتمكين له، وغير ذلك) (2)، وقال في موضع آخر: (يجب على الزوجة خدمة زوجها في مثل فراش المنزل، ومناولة الطعام والشراب، والخبز، والطحن
…
؛ لأن الزوج سيدها في كتاب الله، وهي عانية عنده بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى العاني والعبد الخدمة؛ ولأن ذلك هو المعروف
…
، فعليها أن تخدمه الخدمة المعروفة من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة) (3).
ويقول الشيخ الألباني رحمه الله معقبا على كلام شيخ الإسلام: (وهذا هو الحق إن شاء الله تعالى، أنه يجب على المرأة خدمة البيت، وهو قول مالك وأصبغ كما في (الفتح)، وأبي بكر بن أبي شيبة، وكذا الجوزجاني من الحنابلة كما في (الاختيارات)، وطائفة من السلف والخلف كما في
(1) سورة النساء الآية 34
(2)
مجموع الفتاوى ج32 ص260.
(3)
المرجع السابق، ج34 ص90 – 91 بتصرف يسير.
(الزاد)، ولم نجد لمن قال بعدم الوجوب دليلا صالحا. وقول بعضهم:(إن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام)، مردود بأن الاستمتاع حاصل للمرأة أيضا بزوجها، فهما متساويان في هذه الناحية، ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى قد أوجب على الزوج شيئا آخر لزوجته، ألا وهو نفقتها وكسوتها ومسكنها، فالعدل يقتضي أنه يجب عليها مقابل ذلك شيء آخر أيضا لزوجها، وما هو إلا خدمتها إياه، ولا سيما أنه القوام عليها بنص القرآن الكريم، وإذا لم تقم هي بالخدمة فسيضطر هو إلى خدمتها في بيتها، وهذا يجعلها هي القوامة عليه، وهو عكس للآية القرآنية كما لا يخفى، فثبت أنه لا بد لها من خدمته، وهذا هو المراد) (1).
ويقول الدكتور محمد بن لطفي الصباغ معلقا على مبدأ طاعة الزوجة لزوجها فيما لا معصية فيه: (وهذا أمر طبيعي، فإن كان الزواج شركة، وكان الرجل هو صاحب القوامة، فلا بد من طاعته فيما يأمر وينهى في حدود الشرع؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق
…
، إن الزوجة الذكية هي التي لا تتخلى عن طبيعتها الرقيقة الهادئة الطيبة، إنها كما صورها الحديث الشريف راعية في بيت زوجها تصونه وترعاه، إذا نظر إليها زوجها سرته، وإن أمرها أطاعته، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله) (2).
(1) آداب الزفاف ص288، 289.
(2)
نظرات في الأسرة المسلمة ص71 - 72.
ثامنا: لقد خلق الله عز وجل الرجل والمرأة وجعل بينهما فروقا
عديدة، منها فروق جسدية تكوينية، وفروق عقلية سلوكية، وفروق نفسية وجدانية. وهذه الفروق تؤكد الاختلاف والتباين بينهما، وأن كلا منهما مؤهل بخصائص وطاقات تخدم مجاله وميدانه، فالاختلاف في التكوين والخصائص يقابله اختلاف في التكاليف والوظائف.
وطبيعة تكوين المرأة الجسدي والعقلي والنفسي يؤهلها لمهمتين أساسيتين، ووظيفتين حيويتين في الحياة الإنسانية، نصت عليهما النصوص الشرعية، وهما:
1 -
وظيفة الزوجة:
يقول عز وجل: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} (1)، ويقول سبحانه {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (2) ويقول كذلك:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} (3).
وقانون الزوجية بموجب هذه الآيات الكريمات يعتمد على أسس
(1) سورة الأعراف الآية 189
(2)
سورة الروم الآية 21
(3)
سورة النحل الآية 72
وأركان هامة، لا بد للزوجة أن تدركها، وتحاول قدر استطاعتها تحقيقها، والقيام بها على الوجه الأمثل بحكم طبيعتها واستعدادها ومواهبها الفطرية، وهي: تحقيق السكون الجنسي (الجسدي)، والسكون النفسي العاطفي، والمودة والمحبة والتراحم بين الزوجين وجميع أفراد الأسرة من بنين وحفدة، وأعظم من ذلك كله تحقيق ثمرة الزواج، وهي تكاثر الجنس البشري، واستدامته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
2 -
وظيفة الأمومة:
وهي أقدس وظيفة وأشرف مهمة تقوم بها المرأة، وبسببها جعل الله الأم أحق بالبر من الأب، كما جعل إكرامها والإحسان إليها أقرب سبيل إلى الجنة.
ووظيفة الأمومة تستلزم أربع مراحل، أو أربعة أدوار متلاحقة، لها أثر بالغ في حياة الإنسان، وهي:
أ- دور الحمل.
ب- دور الوضع.
ج- دور الإرضاع.
د- دور الحضانة والتربية.
يقول عز وجل في بيان هذه الأدوار: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} (1)،
(1) سورة الأحقاف الآية 15
ويقول {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (1)، ويقول أيضا:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (2)، ويقول صلى الله عليه وسلم:«المرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم (3)» .
فالحمل هو الثمرة الطبيعية للقاء الزوجي بين الذكر والأنثى، والرغبة في الأمومة غريزة فطرية وأمر واقعي بالنسبة للمرأة؛ نظرا لتكوينها الجسمي والعقلي والنفسي كما تقدم. وتطول مدة الحمل إلى تسعة أشهر، والمرأة مسؤولة عنه باعتباره روحا وحياة جديدة تخلق في بطنها، وقد أخذ الله منها الميثاق بألا تقتله عمدا أو تتسبب في قتله، حيث يقول تعالى في آية بيعة النساء:{وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ} (4).
وأما الوضع فهو المخاض المذكور في قوله تعالى: {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا} (5)، والوضع عملية شاقة شديدة، تفقد فيها المرأة كمية كبيرة من
(1) سورة لقمان الآية 14
(2)
سورة البقرة الآية 233
(3)
تقدم تخريجه.
(4)
سورة الممتحنة الآية 12
(5)
سورة مريم الآية 23
الدم، ثم تعقبها فترة النفاس التي تستمر أربعين يوما، تعاني فيها المرأة من الإرهاق بعد الجهد الشاق الذي بذلته أثناء عملية الوضع، وصدق الله حين قال:{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} (1).
وأما الإرضاع فمدته سنتان كاملتان؛ لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} (2)، أما حكمه بالنسبة للأم فنجده في قوله تعالى:{لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} (3)، حيث يروي الإمام البخاري عن يونس، عن الزهري، أنه قال:(نهى الله أن تضار والدة بولدها، وذلك أن تقول الوالدة: لست مرضعته، وهي أمثل له غذاء وأشفق عليه وأرفق به من غيرها، فليس لها أن تأبى بعد أن يعطيها من نفسه ما جعل الله عليه)(4).
والحليب الممتص من ثدي الأم هو الغذاء الطبيعي الملائم للطفل الوليد، وهو أول وأهم ما يحتاجه عند قدومه إلى هذه الدنيا، ولذا ورد الحث عليه، حيث يقول سبحانه:{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} (5)، وعليه فلا يقبل من الأم الامتناع عن إرضاع طفلها بحجة انشغالها بالعمل خارج البيت؛ لأنها تكون بذلك مقاومة لسنة الفطرة وطبيعتها كأنثى مزودة بجهاز قد خلقه الله لهذا الغرض.
وأما الحضانة والتربية فهي أمر له شأن عظيم وأثر كبير في حياة
(1) سورة الأحقاف الآية 15
(2)
سورة البقرة الآية 233
(3)
سورة البقرة الآية 233
(4)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب (النفقات)، الباب (4)، ج9 ص504.
(5)
سورة القصص الآية 7
الطفل، ولذا جعله الله عز وجل من أعظم حقوق الأبناء على الآباء، وهو حق واجب في ذمة الأبوين معا، وتقوم به الأم بالدرجة الأولى؛ لأنها المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الأبناء أول دروس الحياة، وهي القدوة المثلى أمامهم، فأول ما تتفتح عليه عينا الطفل هي أمه، فتحتضنه وتحنو عليه، وتجتهد في تربيته تربية إسلامية صحيحة، فيشعر بالأمان والاطمئنان، وتكون هي بذلك قد قامت بواجب من استرعاها الله إياه وحملها مسؤوليته.
فوظيفة الزوجية ووظيفة الأمومة أهم وأعظم الوظائف التي تختص بالمرأة، وقد حددتها النصوص الشرعية، فهما من أوجب الواجبات عليها، والإخلال أو التقصير في أدائهما من غير عذر يقع فيه الوزر عليها، وينشأ عنه الأثر السيئ على الأفراد والمجتمعات. وهذا من أهم الأسباب التي من أجلها شرع الإسلام للمرأة القرار في البيت، وأمر الرجل بالإنفاق عليها وتلبية حاجاتها ومطالبها.
إلا أنه ربما تحتاج المرأة إلى العمل خارج بيتها؛ لظروف وأحوال عديدة، كأن تضطر إلى ذلك لإعالة نفسها وأولادها، إن لم يكن لها من يعولها ويعول أولادها، وكأن تقوم بأعمال تمس الحاجة فيها إلى المرأة خاصة، كالتوليد، والتمريض، ومعالجة الأمراض النسائية، والتعليم في مدارس البنات، والعمل في دور الرعاية الاجتماعية النسائية والجمعيات النسائية الخيرية، ونحو ذلك من المرافق التي يحتاج المجتمع فيها إلى طائفة