الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (1) وهو كقوله لمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى هذا تواردت رسالات الرسل جميعا إلى أقوامهم كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2) فرتب على العلم العمل، والعمل بالتوحيد هو الغاية المطلوبة فمن لم يعلم ذلك لم يعلم التوحيد حق العلم وعاد علمه جهلا.
(1) سورة طه الآية 14
(2)
سورة الأنبياء الآية 25
المبحث الثاني: العمل بالتوحيد:
هذا هو المقصد الثاني من مقاصد دراسة التوحيد، وهو جوهر التوحيد، وهو الصراط المستقيم المتوسط بين طريقي الزيغ والضلال فإن أهل الباطل على أحد طريقين: إما على علم من غير عمل وهذه حال المغضوب عليهم وإما على عمل من غير علم وهذه حال الضالين، والوسط بينهما هو العمل على علم:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (1){صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (2) ولهذا المقصد أسس يتحقق بها، من لم يحصلها لم يحصله.
الأساس الأول: متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا هو معنى شهادة أن محمدا رسول الله ومقتضاها، فإن الله جعل التعبد له بطاعة رسوله فلا عبادة إلا ما ورد عن طريقه ولذلك قال صلى الله عليه وسلم «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو
(1) سورة الفاتحة الآية 6
(2)
سورة الفاتحة الآية 7
رد (1)» وقال: «خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم (2)» وقال: «عليكم بسنتي (3)» وقد قال الله: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (4) وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} (5) وقد تكرر كثيرا في كتاب الله ذكر طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه كقوله {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (6) ولا توحيد إلا ما جاء به صلى الله عليه وسلم.
والمتابعة أحد أصلي التوحيد وأساسيه فالتوحيد إخلاص القصد لله وإخلاص المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي في هذا قوله تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (7) فهذا قسم من الرب بربوبيته على نفي الإيمان عمن لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم ويرضى بحكمه منشرح الصدر له مسلما له تسليما مطلقا لا معارضة فيه قلبية ولا عملية.
(1) أخرجه مسلم 3/ 1344 ح1718.
(2)
مسلم 2/ 592 ح867.
(3)
أخرجه أبو داود 4/ 201 ح4607.
(4)
سورة الحشر الآية 7
(5)
سورة النساء الآية 64
(6)
سورة النساء الآية 80
(7)
سورة النساء الآية 65
وقوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1) وتحكيم النبي صلى الله عليه وسلم والرد إليه يكون إليه نفسه صلى الله عليه وسلم حال حياته وإلى سنته الثابتة عنه بعد موته صلى الله عليه وسلم، فتكون متابعة الرسول بمتابعة سنته الثابتة بالنقل الصحيح الثابت.
ومن اتخذ الله إلها معبودا فليتبع ما جاء به رسوله، ومن اتبع عقله أو إماما يطيعه في غير طاعة الله فقد عبد ذلك من دون الله وأشرك وخرج عن مقتضى التوحيد.
الأساس الثاني: اتباع سبيل المؤمنين، أي سلوك طريقهم في عقائدهم وأعمالهم قال الله:{وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} (2) وقال سبحانه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (3) وقد توعد الله من يتبع غير سبيل المؤمنين فقال: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (4) فهذا يوليه
(1) سورة النساء الآية 59
(2)
سورة لقمان الآية 15
(3)
سورة الكهف الآية 28
(4)
سورة النساء الآية 115
الله ما تولى ويتركه لما اختاره لنفسه ويخذله لا يوفقه للخير لكونه رأى الحق وعلمه وتركه، فجزاؤه من الله عدلا أن يبقيه في ضلاله حائرا ويزداد ضلالا إلى ضلاله كما قال تعالى:{فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (1) وقال: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} (2) ويدل مفهوم الآية على أن من اتبع سبيل المؤمنين يحفظه الله ويعصمه ويوفقه ويهديه كما قال في يوسف: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} (3)، وأولى سبيل المؤمنين بالاتباع سبيل الصحابة رضوان الله عليهم فهو أفضل السبيل وأكمله كيف ولا هم أفضل قرون بين آدم كما ثبت بذلك الحديث عنه صلى الله عليه وسلم «خير الناس قرني (4)» وقال:«بعثت من خير قرون بين آدم قرنا فقرنا حتى كنت من القرن الذي كنت فيه (5)» فاتباعهم رضي الله عنهم هو أتم الاتباع وقد قال فيهم صلى الله عليه وسلم: «أصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون (6)» فهذه شهادة منه صلى الله عليه وسلم أن أصحابه أمان لأمته من ظهور الشرك والبدع ما بقي منهم أحد في الأمة،
(1) سورة الصف الآية 5
(2)
سورة الأنعام الآية 110
(3)
سورة يوسف الآية 24
(4)
متفق عليه، البخاري مع الفتح 5/ 259، ومسلم 4/ 1963.
(5)
أخرجه البخاري، الصحيح مع الفتح 6/ 556.
(6)
أخرجه مسلم 4/ 1961.
فهدي الصحابة هو أهدى سبيل يتبعه المؤمن وإنما كان ذلك كذلك وكان اتباع الصحابة واجبا على أهل التوحيد لأمور:
1 -
أنهم رضي الله عنهم أول من خوطب بالشريعة.
2 -
أن الشريعة نزلت بلغتهم وعلى صروف معاشهم.
3 -
أنهم رضي الله عنهم فهموا مراد الشارع أحسن ما يكون الفهم وطبقوه أحسن ما يكون التطبيق.
4 -
أن تطبيقهم للتوحيد كان بإشراف الرسول صلى الله عليه وسلم والوحي ينزل يوجه ويصحح.
الأساس الثالث: «رد الشبهة التي وضعها الشيطان في ترك القرآن والسنة واتباع الآراء والأهواء المتفرقة المختلفة، وهي أن القرآن والسنة لا يعرفهما إلا المجتهد المطلق، والمجتهد هو الموصوف بكذا وكذا أوصافا لا توجد تامة في أبي بكر وعمر، فإن لم يكن الإنسان كذلك فليعرض عنهما فرضا حتما لا شك ولا إشكال فيه، ومن طلب الهدى منهما فهو إما زنديق وإما مجنون لأجل صعوبة فهمهما، فسبحان الله وبحمده كم بين الله سبحانه شرعا وقدرا خلقا وأمرا في رد هذه الشبهة الملعونة من وجوه شتى بلغت إلى حد الضروريات العامة ولكن أكثر الناس لا يعلمون:{لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} (1){إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ} (2){وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} (3)
(1) سورة يس الآية 7
(2)
سورة يس الآية 8
(3)
سورة يس الآية 9