الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 -
وفاته:
توفي سماحة الشيخ – رحمه الله – في فجر يوم الخميس 27/ 1 / 1420هـ عن عمر ناهز التسعين بعد عمر حافل بالأمجاد والتضحيات والأعمال الصالحة، وصلي عليه في المسجد الحرام يوم الجمعة 28/ 1 / 1420هـ.
رحم الله شيخنا وجزاه خير الجزاء على ما قدم للإسلام والمسلمين، وجمعنا به ومن نحب في عليين إنه جواد كريم.
أصول منهج سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في الفتوى:
قد كنت أروم قبل الدخول في أصول منهج سماحته رحمه الله في الفتوى أن أتحدث عن الفتوى من حيث تعريفها ومكانتها وحكمها وأحكامها وشروطها وآدابها، لكني رأيت إيثار الاختصار؛ لأنها موجودة في مظانها معروفة لدى طلاب العلم بحمد الله.
وهذا أوان الشروع في صلب الموضوع مستعينا بالله تعالى:
لقد تميز منهج سماحة الشيخ ابن باز في الفتوى بعدد من الأصول والمعالم، والمميزات والخصائص، من أهمها ما حوته المباحث التالية:
المبحث الأول: اتباع الدليل ومجانبة التقليد:
الشيخ ابن باز – رحمه الله – على الرغم من أنه حنبلي المذهب، إلا أنه كان يخالف في بعض فتاويه مذهب الحنابلة، بل يفتي بما أدى إليه اجتهاده حسب الدليل.
يقول سماحته (1) – رحمه الله – عن نفسه:
«مذهبي في الفقه هو: مذهب الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – وليس على سبيل التقليد، ولكن على سبيل الاتباع في الأصول التي سار عليها، أما في مسائل الخلاف فمنهجي فيها هو ترجيح ما يقضي الدليل ترجحيه، والفتوى بذلك، سواء وافق مذهب الحنابلة أم خالفه، لأن الحق أحق بالاتباع، وقد قال الله – عز وجل:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (2).
والأمثلة على ذلك كثيرة منها:
أ- المشهور في الفقه عند الحنابلة (3) أن لمس المرأة بشهوة ينقض الوضوء ولكن مذهب سماحة الشيخ – رحمه الله – أنه لا ينقض مطلقا.
حيث جاء في فتاويه (4):
(1)«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (4/ 166).
(2)
سورة النساء الآية 59
(3)
ينظر: «المغني» لابن قدامة (1/ 192).
(4)
(10/ 135).
لمس النساء في نقضه للوضوء خلاف بين العلماء:
فمنهم من قال: إنه ينقض مطلقا كالشافعي – رحمه الله (1).
ومنهم من قال: إنه لا ينقض مطلقا، كأبي حنيفة – رحمه الله (2).
ومنهم من قال: ينقض مع الشهوة، يعني: لمسها بتلذذ وشهوة ينقض الوضوء، وإلى ذلك ذهب الإمام أحمد – رحمه الله (3).
والصواب في المسألة – وهو الذي يقوم عليه الدليل – هو: أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا، سواء كان عن شهوة أم لا، إذا لم يخرج منه شيء، لأنه صلى الله عليه وسلم قبل بعض نسائه ثم صلى ولم يتوضأ، ولأن الأصل: سلامة الطهارة وبراءة الذمة من وضوء آخر، فلا يجب الوضوء إلا بدليل سليم لا معارض له؛ ولأن النساء موجودات في كل بيت غالبا، والبلوى تعم بمسهن من أزواجهن وغير أزواجهن من المحارم، فلو كان المس ينقض الوضوء لبينه النبي – صلى الله عليه وسلم – بيانا واضحا، وأما قوله تعالى:{أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} (4). وفي قراءة أخرى (لمستم النساء) فالمراد به: الجماع، فكنى الله بذلك عن الجماع،
(1) ينظر: «الحاوي» للماوردي (1/ 221)، و «المجموع شرح المهذب» للنووي (2/ 21).
(2)
ينظر: «المبسوط» للسرخسي (1/ 67).
(3)
ينظر: «المغني» لابن قدامة (1/ 192).
(4)
سورة النساء الآية 43
كما كنى الله عنه – سبحانه – بالمس في آية أخرى، هكذا قال ابن عباس – رضي الله عنهما –، وجماعة من أهل العلم، وهو الصواب.
ب- في مذهب الحنابلة (1) عدم وجوب قراءة الفاتحة على المأموم حيث يرون أن الإمام يتحمل عن المأموم قراءة الفاتحة، بينما الشيخ – رحمه الله – يرى وجوب قراءة الفاتحة على المأموم ولو في الصلاة الجهرية.
حيث جاء في فتاويه: يقرأ المأموم الفاتحة وإن كان الإمام يقرأ؛ لأنه مأمور بذلك لقول النبي – صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب (2)» رواه البخاري ومسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«لعلكم تقرؤون خلف إمامكم، قلنا: نعم. قال: لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها (3)» رواه أبو داود، فعلى المأموم أن يقرأها في سكتات الإمام إن سكت وإلا وجب أن يقرأها ولو في حال قراءة الإمام، عملا بالأحاديث المذكورة، وهي مخصصة لقوله – عز وجل:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (4).
(1) ينظر: المصدر السابق (1/ 562).
(2)
كتاب الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم برقم (756).
(3)
كتاب الصلاة، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب برقم (823).
(4)
سورة الأعراف الآية 204
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فإذا قرأ الإمام فأنصتوا (1)» رواه النسائي وأبو داود (2) وابن ماجه (3) واللفظ له.
وقال بعض أهل العلم (4) إنها تسقط عنه، واحتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من كان له إمام فقراءته قراءة إمامه (5)» رواه أحمد.
والصواب الأول؛ لضعف الحديث المذكور، ولو صح لكان محمولا على غير الفاتحة جمعا بين النصوص، لكن لو نسيها المأموم أو لم يقرأها جهلا بالحكم الشرعي أو تقليدا لمن قال بعدم وجوبها على المأموم، صحت صلاته، وهكذا من أدرك الإمام راكعا فركع معه أجزأته الركعة، وسقطت عنه الفاتحة، لما ثبت في الصحيح عن البخاري (6) – رحمه الله – عن أبي بكرة الثقفي، أنه أدرك النبي – صلى الله عليه وسلم – راكعا، فركع دون الصف ثم دخل في الصف فقال النبي – صلى الله عليه وسلم:
(1) كتاب الافتتاح، باب تأويل قوله عز وجل:(وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا، برقم (921).
(2)
كتاب الصلاة، باب الإمام يصلي من قعود، برقم (604).
(3)
كتاب إقامة الصلاة، باب إذا قرأ الإمام فأنصتوا، برقم (847).
(4)
ينظر: «المغني» (1/ 562).
(5)
برقم (14698) من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه.
(6)
كتاب الأذان، باب إذا ركع دون الصف، برقم (783).
«زادك الله حرصا ولا تعد (1)» رواه النسائي. وأبو داود أيضا (2)، ولم يأمره بقضاء الركعة.
فدل ذلك على سقوط الفاتحة عنه، لعدم إدراكه القيام، والناسي والجاهل في حكمه فتسقط عنه الفاتحة بجامع العذر والله ولي التوفيق (3).
(ج) المشهور في مذهب الحنابلة (4) عدم الزكاة على الحلي، بينما سماحة الشيخ – رحمه الله – يرى وجوب الزكاة فيه مطلقا.
حيث جاء في فتاويه: والراجح وجوب الزكاة فيها، لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة في الذهب والفضة؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم، لما سألته أم سلمة – رضي الله عنها – عن الحلي، أكنز هو؛ قال:«ما بلغ أن تؤدي زكاته فزكي، فليس بكنز (5)» ، ولأنه – صلى الله عليه وسلم – سأل امرأة عليها سواران من ذهب «هل تؤدين زكاتهما؟ فقالت: لا. فقال – صلى الله عليه وسلم: أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار .. (6)» وإذا كانت المرأة ليس لديها ما
(1) كتاب الإمامة، باب الركوع دون الصف، برقم (871).
(2)
كتاب الصلاة، باب الرجل يركع دون الصف، برقم (684).
(3)
«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (11/ 217 - 219).
(4)
ينظر: «المغني» (3/ 11).
(5)
أخرجه أبو داود في كتاب الزكاة، باب الكنز ما هو وزكاة الحلي، برقم (1564).
(6)
أخرجه أبو داود برقم (1563)، والنسائي في كتاب الزكاة، باب زكاة الحلي، برقم (2479).