المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرع الأول: تحرير محل النزاع في المسألة: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٨١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌المستحب أن يصلح أقرباء الميت وجيرانه طعاما لأهله

- ‌زيارة القبور

- ‌تحريم زيارة النساء للقبور

- ‌قوله: إلا لنساء

- ‌قوله: غير قبره صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه

- ‌حكم وقوف النساء عند دخولهن المسجدعلى قبر النبي وسلامهن على قبر اجتزن به

- ‌بناء مظلة عند المقبرة للمعزين

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله

- ‌ تكميل زكاة الحلي إذا كان المخرج أقل من الواجب

- ‌لا يجب إخراج زكاة الحلي منها

- ‌زكاة الحلي على مالكها

- ‌حكم زكاة الذهب بعد بيعه

- ‌كيفية زكاة الذهب المرصع بفصوص وأحجار كريمة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌من ينام عن الصلاة ثم يصليها بعد خروج وقتها

- ‌كان الزوجان لا يصليان ثم التزما، فهل يجددان عقد الزواج

- ‌زوجها لا يصلي رغم نصيحتها له، هل تستمر معه

- ‌من مات وعليه صلاة

- ‌من ترك صلاة هل تقبل صلواته الأخرى

- ‌ غيبة الذين لا يؤدون الصلاة إطلاقا والاستهزاء بهم

- ‌هل تارك الصلاة مخلد في النار

- ‌حكم بول الغنم وروثها

- ‌ حكم الصلاة في ثوب فيه بقع من جرح دم

- ‌طهارة المكان

- ‌من فتاوىاللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ هدم المسجد وإعادة بنائه

- ‌ الصلاة في مسجد مبني من دورين

- ‌البحوث

- ‌معرفة التوحيد والعلم به:

- ‌المبحث الثاني: العمل بالتوحيد:

- ‌المبحث الثالث: الاجتماع على التوحيد:

- ‌المبحث الرابع: الدعوة إلى التوحيد:

- ‌الأحكام الفقهية المتعلقة بالأيمان الالتزامية

- ‌مقدمة:

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: في المتفق عليه من الأيمان التي يحلف بها الناس

- ‌المطلب الأول: الحلف بالله بأسمائه وصفاته

- ‌المطلب الثاني: في الحلف بغير الله:

- ‌المبحث الثاني: الأيمان المختلف فيها وهي الأيمان الالتزامية:

- ‌المطلب الأول: الحلف بملة غير الإسلام

- ‌المطلب الثاني: الحلف بالتحريم أو بالحرام:

- ‌الفرع الأول: الحلف على تحريم غير الزوجة:

- ‌الفرع الثاني: الحلف على تحريم الزوجة:

- ‌المطلب الثالث: الحلف بالطلاق والعتاق والنذر والظهار والإيجاب، هل يأخذ حكم اليمين أم لا

- ‌المطلب الثاني: الحلف بالتحريم أو بالحرام:

- ‌الفرع الأول: الحلف على تحريم غير الزوجة:

- ‌الفرع الثاني: الحلف على تحريم الزوجة:

- ‌المطلب الثالث: الحلف بالطلاق والعتاق والنذر والظهار والإيجاب، هل يأخذ حكم اليمين أم لا

- ‌الخاتمة وتتضمن أهم النتائج:

- ‌موقف الإسلام من الاختلاط(شبهات وردود)

- ‌مقدمة:

- ‌تمهيد:

- ‌مناقشة الشبهات في قضية الاختلاط:

- ‌ فقه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم الأدلة الشرعية الدالة على تحريم الاختلاط وامتثلوا لها

- ‌ الزعم بأنه لم يمنع الاختلاط إلا في المجتمعات الإسلامية الانفصالية التي سادت في عصور الانحطاط

- ‌ القول بأن تعويل الإسلام في تحقيق أهدافه وقيمه في تطهير العلاقات بين الجنسين من التحلل والفساد إنما يقوم فقط على التوعية والتربية العقائديتين

- ‌ الأصل في قرار النساء في البيوت أنه عبادة ووقاية

- ‌الخاتمة:

- ‌حكم الإسقاط من الدين المؤجل عوضا عن التعجيل، والمعروفة فقها بـ «ضع وتعجل»

- ‌المسألة الأولى:المراد بالمسألة وأهميتها:

- ‌المسألة الثانية: علاقة «ضع وتعجل بالصلح على الإبراء»:

- ‌المسألة الثالثة: الخلاف في المسألة مع الاستدلالات، ويتضمن أربعة فروع:

- ‌الفرع الأول: تحرير محل النزاع في المسألة:

- ‌المسألة الرابعة: أثر الاشتراط على المسألة:

- ‌الخاتمة:

- ‌الإمام العلامة الشيخ عبد العزيز بن بازوأصول منهجه في الفتوى

- ‌المقدمة:

- ‌التمهيد:

- ‌أصول منهج سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في الفتوى:

- ‌المبحث الثاني: العناية بصحة الحديث سندا ومتنا:

- ‌المبحث الثالث: الاعتماد على آثار الصحابة وفعل السلف الصالح:

- ‌المبحث الرابع: الجمع بين الرواية والدراية:

- ‌المبحث الخامس: الاستدلال بالقواعد الأصولية ورعاية مقاصد الشريعة:

- ‌المبحث السادس: مراعاة العلل الشرعية للأحكام وتغير أحوال الزمان والمكان:

- ‌المبحث السابع: اعتبار القواعد الشرعية في التيسير ورفع الحرج دون تساهل:

- ‌المبحث الثامن: الاستشارة في الفتوى والاستفادة من أهل الخبرة:

- ‌المبحث التاسع: الأخذ بالاجتهاد الجماعي والدعوة إليه:

- ‌المبحث العاشر: العالمية والاجتهاد في النوازل والمستجدات:

- ‌المبحث الحادي عشر: التركيز على مسائل الاعتقاد:

- ‌المبحث الثاني عشر: الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والأخلاقية:

- ‌المبحث الثالث عشر: مزج الفتوى بالدعوة والتربية:

- ‌المبحث الرابع عشر: الحرص على جمع الكلمة ووحدة الصف:

- ‌المبحث الخامس عشر: الدقة والإلمام بحيثيات المسألة والتفصيل لها

- ‌المبحث السادس عشر: الوضوح والبعد عن الإغراق في الاختلافات:

- ‌المبحث السابع عشر: الورع والتوقف والأخذ بالأحوط في المشتبهات:

- ‌المبحث الثامن عشر: الثبات في الفتوى عند وضوح الدليل والرد على المخالف:

- ‌المبحث التاسع عشر: الأدب مع العلماء المخالفين وإحسان الظن بهم:

- ‌المبحث العشرون: عدم الإنكار على المخالف في مسائل الاجتهاد التي لا نص فيها:

- ‌الخاتمة

- ‌إبطال تلبيسات الرفاعي

- ‌بيان في أن اجتماع الأمةيكون بالتمسك بالكتاب والسنة

- ‌بيان حول مشاهدة قنوات السحر والاتصالبها واستشارتها في العلاج وحل المشكلات

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌الفرع الأول: تحرير محل النزاع في المسألة:

وجه، وأخص من وجه، فالصلح لا يكون إلا عن نزاع عادة، والإبراء لا يشترط فيه ذلك، كما أن الصلح قد يقع على أمر لا إسقاط فيه، وعليه فيجتمعان في: إسقاط في حالة نزاع، وينفرد الصلح في صلح لا إسقاط فيه، والإبراء في عفو بدون مقابل (1).

(1) انظر: الموسوعة الفقهية 27/ 323 - 324.

ص: 215

‌المسألة الثالثة: الخلاف في المسألة مع الاستدلالات، ويتضمن أربعة فروع:

‌الفرع الأول: تحرير محل النزاع في المسألة:

بالنظر إلى المسألة وأقوال العلماء فيها أجد أن ثمت أمورا هي محل اتفاق، أو هي قول لجمهورهم، مع تشابهها بالمسألة الأم، وهي مسألة «ضع وتعجل» فتعتبر صورة من صورها أو جزءا منها، أو مثالا، ولذلك رأيت أن أذكر هذه المسائل كمقدمة حتى ينحصر الخلاف.

أ- إذا كان الدين دعوى، وصالحت المدعي ببعضه، كأن يدعي على شخص بدين ويقول: صالحتك عن هذا الدين ببعضه، وهو ما يسمى عند الشافعية صلح الحطيطة، فجمهور العلماء من الحنفية (1) والمالكية (2) والشافعية (3) يجيزونه؛ لأن هذا إسقاط لبعض حقه،

(1) انظر: مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر 2/ 315، وبدائع الصنائع 6/ 43.

(2)

انظر: مواهب الجليل 5/ 82، وحاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني 2/ 324.

(3)

انظر: نهاية المحتاج للرملي 4/ 374، وأسنى المطالب 2/ 315.

ص: 215

واستيفاء لبقيته، ولا معاوضة في ذلك، ويرى الحنابلة (1) جواز ذلك إذا كان بلفظ الإبراء، وكانت البراءة غير مشروطة، أما إذا وقع بلفظ الصلح، فالأشهر من الروايتين - وهي الأصح في المذهب - أنه لا يصح؛ لأنه صالح عن ماله ببعضه، فكان هضما للحق، وبهذا يتبين أن الديون الحالة لا تدخل في الخلاف، فيجوز الحط منها في مقابل التعجيل، ويكون الخلاف المشهور مفروضا في مسألة بيوع الآجال.

ب- ويتفرع على هذه النقطة: أن القروض لا يدخل الإسقاط منها في الخلاف؛ لأنها على رأي جمهور العلماء لا تتأجل بالتأجيل، بل حتى لو صرح بالأجل فالقرض حال، وهذا مذهب الحنفية (2) والشافعية (3) والحنابلة، وأما على رأي المالكية (4) أن القرض يتأجل فيجري الخلاف. وعندي أن رأي المالكية بتأجل القرض هو الأظهر، وعليه فترد مسألة «ضع وتعجل» فيه، وقد اختار هذا القول جمع من المحققين ومنهم شيخ الإسلام رحمه الله.

(1) انظر: المبدع 4/ 279، وكشاف القناع 3/ 379.

(2)

انظر: أحكام القرآن للجصاص 1/ 639، والمبسوط 14/ 33.

(3)

انظر: أسنى المطالب 2/ 142 وحاشيتي قليوبي وعميرة 2/ 321.

(4)

انظر: حاشية الدسوقي 3/ 404، والتاج والإكليل 233/ 234.

ص: 216

ج- حمل بعض العلماء الخلاف في المسألة على ما إذا وقع هذا القول مع الشرط، أما لو كان تبرعا دون شرط فإنه جائز، وهذا عند الجمهور، وجعل بعض العلماء هذا وجها للجمع بين الأحاديث والآثار الواردة في التحريم والإباحة، قال الطحاوي في شرح مشكل الآثار (1): وأما إذا كان الوضع والتعجيل ليس واحد منهما مشروطا في صاحبه، ولكنه على وضع مرجو به التعجيل لبقية الدين، فذلك بخلاف الباب الأول، ولا يجوز في المعقول إبطاله بالحكم ..

وقال ابن السبكي (2) - وهو يحكي المذاهب -: والشافعية: إن جرى بشرط بطل، وإن لم يشترط وطابت نفس كل منهما جاز، وقال أيضا:"والآثار في التحريم والإباحة تنزل على الشرط وبغير الشرط".

ويدل لجوازه بغير الشرط ما أخرجه الشيخان عن عبد الله بن كعب بن مالك، «أن كعب بن مالك أخبره: أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينا له عليه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فارتفعت أصواتهما، حتى سمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيته، فخرج إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كشف سجف حجرته ونادى:

(1) 11/ 65.

(2)

مجموع فتاوى ابن السبكي 1/ 340.

ص: 217

يا كعب بن مالك، يا كعب، قال: لبيك يا رسول الله، فأشار بيده أن ضع الشطر من دينك، قال كعب: قد فعلت يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم فاقضه (1)».

وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان (2) – بعد ما حكى عن الشافعي قولا بالجواز -: (وأظن هذا - إن صح عن الشافعي - فإنما هو فيما إذا جرى بغير شرط، بل لو عجل له بعض دينه وذلك جائز فأبرأه من الباقي .. ) إلخ.

وأما المالكية فلا يجيزون هذه المسألة سواء بشرط أو بغير شرط، سدا للذريعة (3) والحديث السابق حجة ظاهرة لمن أجازه بدون شرط. وإذا تحررت هذه النقاط الثلاث، فإنها مما يحصر الخلاف من وجه، ومن وجه آخر يعين على سرد الأدلة والترجيح.

(1) البخاري الصلاة (459)، مسلم المساقاة (1558)، النسائي آداب القضاة (5408)، أبو داود الأقضية (3595)، ابن ماجه الأحكام (2429)، أحمد (3/ 454)، الدارمي البيوع (2587).

(2)

2/ 12.

(3)

انظر الإشراف 1/ 149، والتاج والإكليل للمواق 6/ 146.

ص: 218

الفرع الثاني: سبب الخلاف:

قبل أن أسرد الخلاف، يظهر لي من الأدلة أن سبب الخلاف في المسألة يعود إلى أمرين:

1 -

الأمر الأول: علاقة هذه المسألة بصورتها العكسية، حيث إن الزيادة في مقابل الأجل عند التأخر في الوفاء ربا، فرأى الجمهور أن نقص العوض في مقابلة نقص الأجل يتحقق فيه الربا كذلك، وسيتبين عند عرض الخلاف أن هذا غير متحقق.

ص: 218

2 -

الأمر الثاني: تعارض الأحاديث الواردة فيها.

الفرع الثالث: الأقوال في المسألة:

اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:

القول الأول: جواز التعامل بهذه الصورة، وقد ذهب إلى هذا القول:

من الصحابة ابن عباس رضي الله عنهما (1) والنخعي (2)، وأبو ثور (3)، وزفر (4) والإمام أحمد رحمه الله في رواية عنه، نقلها صاحب الإرشاد (5) والشافعي في قول (6) واختارها جمع من المحققين ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية (7) وتلميذه ابن القيم (8). وأئمة الدعوة وغيرهم (9). وهو ما انتهى إليه المجمع الفقهي في قراراته (10).

(1) أخرجه البيهقي في السنن 6/ 28، وانظر الاستذكار لابن عبد البر 20/ 261.

(2)

انظر: الاستذكار 20/ 264، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 13/ 130.

(3)

انظر: المغني مع الشرح الكبير 4/ 174.

(4)

انظر الاستذكار 20/ 262، وشرح مشكل الآثار 11/ 64.

(5)

انظر 4/ 264، والمبدع 4/ 81، والإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 13/ 1316.

(6)

انظر مختصر المزني في مختصر المكاتب، باب: تعجيل الكتابة 28.

(7)

انظر: الفروع 4/ 264، والإنصاف مع المقنع والشرح 13/ 131 والاختيارات 396.

(8)

انظر: أعلام الموقعين 3/ 357

(9)

كالشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله. انظر الفتاوى السعدية 376، والدرر السنية 6/ 259 – 260

(10)

انظر: القرار رقم 26/ 2 / 7 في مجلة المجمع العدد السابع 2/ 217 - 218.

ص: 219

القول الثاني:

أنه لا يجوز التعامل بهذه الصورة. وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء:

وعلى رأسهم من الصحابة: عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (1) وزيد بن ثابت (2).

وكره ذلك سعيد بن المسيب (3) وسالم (4)

والحسن البصري وغيرهم (5). وهو مذهب أبي حنيفة (6) ومالك (7) والشافعي (8) وأحمد. في المشهور من مذاهبهم رحمهم الله ..

إلا أن الإمام أحمد وأبا حنيفة – رحمهما الله – يجيزون هذه المعاملة في دين الكتابة في المشهور من مذاهبهم، ويمكن اعتبار هذا قولا ثالثا.

(1) انظر شرح مشكل الآثار 11/ 61، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف 13/ 130.

(2)

انظر المرجع السابق.

(3)

انظر: الاستذكار 20/ 263، والمغني مع الشرح الكبير 4/ 174.

(4)

انظر: المغني مع الشرح الكبير 4/ 174. .

(5)

انظر: المرجع السابق

(6)

انظر: المبسوط للسرخسي 13/ 126، وشرح السير الكبير للسرخسي أيضا 4/ 1495، وشرح مشكل الآثار 11/ 64.

(7)

انظر: الإشراف 1/ 149، والتاج والإكليل 6/ 146، والفروق للقرافي 3/ 267.

(8)

انظر: الحاوي 18/ 233، وروضة الطالبين 8/ 502، ومجموع فتاوى السبكي / 1/ 340.

ص: 220

الفرع الرابع: الأدلة: أدلة القول الأول:

ص: 220

استدل أصحاب القول الأول بعدة أدلة، أهمها:

1 -

ما روى ابن عباس – رضي الله عنهما «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج بني النضير من المدينة، جاء ناس منهم، فقالوا: يا رسول الله، إنك أمرت بإخراجهم ولهم على الناس ديون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ضعوا وتعجلوا (1)» .

ونوقش الاستدلال بالحديث بعدة أمور:

1 -

الأمر الأول: ضعف الحديث. ويجاب بأنه قد صحح من عدد من المعتبرين، لا سيما وأن التصحيح كان مبنيا على تعقب سبب التضعيف.

(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 2/ 61، برقم (2325) وقال: هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي في التلخيص مع المستدرك بمسلم بن خالد الزنجي، وأخرجه الدارقطني في كتاب البيوع 3/ 46، برقم (190 – 192)، والبيهقي في السنن الكبرى، في باب: من عجل له أدنى من حقه قبل محله، فقبله ووضع عنه، طيبة به أنفسهما 6/ 28، والطبراني في الأوسط 1/ 249، برقم (817)، وأورده ابن عبد البر في الاستذكار بسنده 6/ 490. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: فيه مسلم بن خالد الزنجي، وهو ضعيف، وقد وثقه (4/ 130) وحسنه في إعلاء السنن 14/ 352. قال ابن القيم في إغاثة اللهفان 2/ 13، قال أبو عبد الله الحاكم: هو صحيح الإسناد، قلت: هو على شرط السنن، وقد ضعفه البيهقي، وإسناده ثقات، وإنما ضعف بمسلم بن خالد الزنجي، وهو ثقة فقيه، روى عنه الشافعي واحتج به.

ص: 221

2 -

نوقش ثانيا: بأنه على فرض صحة الحديث، فإن هذا كان قبل تحريم الربا؛ لأن تحريم الربا كان في خيبر، وإجلاء بني النضير كان بعد بدر (1).

ويجاب عن هذه المناقشة بأجوبة:

أ- لا نسلم أولا بأن المسألة من باب الربا، بل كما سيأتي أنها عكس الربا حقيقة ومعنى، فليس ثمت معارضة توجب هذا الحمل.

ب- وعلى التسليم بأن هناك معارضة بين أحاديث الربا وهذا الحديث، فإن الجمع ممكن، بجعل هذه الصورة مخصصة من عمومات الربا، كما خص بيع العرايا ونحوه لدعاء الحاجة إلى ذلك، ومتى أمكن الجمع فإنه لا يصار إلى النسخ.

ج- وعلى فرض تعذر الجمع، فإن المصير إلى النسخ يسوغ إذا علم المتقدم من المتأخر، حتى يكون منسوخا به، وهذا ما لا يمكن الجزم به.

3 -

نوقش ثالثا من قبل الحنفية: أن هذا الحكم بناء على أن الحرب قائمة بين بني النضير وبين المسلمين، ولا ربا بين المسلم والحربي، ولذلك جاز لهم مثل هذه المعاملة، بل إنها دليل على ذلك.

ويجاب: أولا بعدم التسليم بالأصل الذي بني عليه هذا الحمل، وهو جريان الربا مطلقا في دار الحرب ودار الإسلام، للعمومات

(1) انظر: شرح مشكل الآثار 11/ 63، والمبسوط 13/ 126.

ص: 222

التي دلت على ذلك، وهذا ما عليه جمهور العلماء (1). وعلى التسليم فإن بني النضير أجلاهم الرسول صلى الله عليه وسلم لنقضهم العهود، فهذا الحكم صدر في حقهم وهم في آثار العهد السابق، ولا يحكم بتغيير الصفة إلا بعد تمام الأحكام، نعم ينتقض العهد بيننا وبينهم بأمور مقررة عند العلماء، ولكن عندها يتم إحظارهم بذلك، كما قال الله تعالى:{فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} (2)، والمعتمد الجواب الأول في هذا.

4 -

ونوقش رابعا: بأن بني النضير كانوا يداينون بالربا، فالذي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بوضعه هو القدر الزائد على رأس المال من الربا، ويستأنس لذلك بما ذكره الواقدي في مغازيه (3) أنه لما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:«ضعوا وتعجلوا» كان لأبي رافع سلام ابن أبي الحقيق على أسيد بن حضير عشرون ومائة دينار إلى سنة، فصالحه على أخذ رأس ماله ثمانين دينارا، وأبطل ما فضل ..

ويجاب أولا: بأن الزيادة التي تكون في البيوع المؤجلة لا تدخل في الربا على الصحيح من أقوال أهل العلم، وقصة سلام مع أسيد ابن حضير يحتمل أنها في مقابل عقد معاوضة وهو الأقرب؛ لأنه

(1) انظر: الموسوعة الفقهية 22/ 74 – 75.

(2)

سورة الأنفال الآية 58

(3)

1/ 374، انظر: 1/ 179 في شأن بني قينقاع.

ص: 223

يبعد أن يكون ذلك قرضا، حتى لو فرض بإمكان ذلك فإنه لم يعهد من الصحابة التعامل بالربا، ولو سلم بأن ذلك في قرض فإن هذا رأي واجتهاد، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم عام، يشمل كل المداينات التي كانت بين يهود بني النضير وبين الصحابة رضي الله عنهم، ولا يخصص اللفظ العام بصورة أو قصة وقعت.

2 -

الدليل الثاني: ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن الرجل يكون له الحق على الرجل إلى أجل، فيقول: عجل لي وأضع عنك، فقال: لا بأس بذلك.

وقال رضي الله عنه: إنما الربا أخر لي وأنا أزيدك، وليس عجل لي وأضع عنك (1).

نوقش: بأن هذا رأي من ابن عباس رضي الله عنهما مخالف لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من نهيه عن بيع آجل بعاجل (2).

ويجاب: أولا: لا يسلم أن ثمت نهيا كما سيأتي، بل هو ضعيف، وسيأتي الجواب عنه.

ثانيا: لو فرض صحة النهي فإنه معارض بما سبق من أحاديث الإباحة وقد صحح ممن سبق.

(1) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه في الموضع السابق برقم (14362).

(2)

انظر: بحث د/ محمد الشريف في مجلة كلية الشريعة بجامعة الكويت 115.

ص: 224

ثالثا: أنه لا يظن بالصحابي أن يقول بخلاف ما يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وعنده معارض راجح.

وقد وردت آثار عن بعض السلف أشرت إلى تسميتهم عند ذكر القول، ومنهم سعيد بن المسيب. وهناك أدلة من النظر، أشير إلى أهمها:

أ- أن الوضع مقابل التعجيل ضد الربا، فإن الربا يتضمن الزيادة في الأجل والدين، وذلك إضرار محض بالغريم، ومسألتنا تتضمن براءة ذمة الغريم من الدين، وانتفاع صاحبه بما يتعجله، فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر، بخلاف الربا المجمع عليه فإن ضرره لاحق بالمدين، ونفعه مختص برب الدين، فهذا ضد الربا صورة ومعنى (1).

وهذا معنى ظاهر، وتكييف صحيح، وبه نستطيع الجواب عمن شبه المسألة بالربا، فمن تأمل (ضع وتعجل) تبين أنه لا يمكن تشبيهها بالربا، بل العلاقة بينها وبين الربا عكسية.

ب- أن الإسلام جاء بسد الذرائع، ومقابلة الأجل بالزيادة في الربا ذريعة إلى أعظم الضرر، وهو إشغال الذمة بغير فائدة، وفي الوضع والتعجيل تخلص ذمة المدين من الدين وينتفع الدائن بالتعجيل (2).

ج- أن الشارع له تطلع إلى براءة الذمم من الديون، وسمي الغريم المدين أسيرا، ففي براءة ذمته تخليص له من الأسر، وهذا ضد

(1) انظر: إغاثة اللهفان 2/ 13، وإعلام الموقعين 3/ 359.

(2)

انظر إغاثة اللهفان 2/ 14.

ص: 225

شغلها بالزيادة مع الصبر (1)، فلا يخفى الفرق بين قوله: إما أن تربي وإما أن تقضي، وبين قوله: عجل لي وأهب لك مائة، فأين أحدهما من الآخر؟ فلا نص في تحريم ذلك ولا إجماع ولا قياس (2).

فتلخص من هذا: أن في الوضع والتعجيل مصالح لكلا الطرفين دون مفسدة تذكر، ومدار الشريعة على جلب المصالح وتحصيلها، ودرء المفاسد وتقليلها كما هو معلوم.

- أما من جوزه في دين الكتابة كما هو المشهور من مذهب الإمام أحمد وأبي حنيفة – رحمهما الله – فيجوز؛ لأن المكاتب ملك للسيد، ولا ربا بين المملوك وسيده، فما فيه شبهة الربا لا يعتبر بين المملوك والسيد، ولا أناقش مسألة المكاتب؛ لأنها من الأمور غير العملية، ولكني أشير إلى ما يكون كالإلزام لمن منع، حيث إنهم قد تناقضوا كما قال ابن القيم رحمه الله:«فقالوا: لا يجوز أن يبيعه درهما بدرهمين؛ لأنه في المعاملات معه كالأجنبي» . وهنا أجازوه. فيا لله العجب. ما الذي جعله كالأجنبي في هذا الباب من أبواب الربا، وجعله معه بمنزلة العبد القن في الباب الآخر؟! (3).

(1) انظر إغاثة اللهفان 2/ 14.

(2)

إعلام الموقعين 3/ 359.

(3)

المرجع السابق، وأشار إلى هذا اللزوم في إغاثة اللهفان 2/ 14.

ص: 226

أدلة القول الثاني:

1 -

ما ورد «عن المقداد بن الأسود – رضي الله عنه قال: أسلفت رجلا مائة دينار، ثم خرج سهمي في بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له: عجل لي تسعين دينارا وأحط عشرة دنانير، فقال: نعم، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أكلت ربا يا مقداد وأطعمته (1)» .

2 -

ما رواه ابن عمر – رضي الله عنهما قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشغار، وعن بيع المجر، وعن بيع كالئ بكالئ، وعن بيع آجل بعاجل. قال: والمجر ما في الأرحام، والغرر أن تبيع ما ليس عندك، وكالئ بكالئ دين بدين، والآجل بعاجل أن يكون لك على الرجل ألف درهم، فيقول الرجل: أعجل ولك خمسمائة ودع البقية

(2)».

-نوقش الحديثان بأنهما ضعيفان كما تبين في تخريج الحديثين.

ويجاب: إلا أنهما يتعاضدان، ويكون الحديث حسنا لغيره (3).

ويناقش: بأن هذا وإن كان واردا إلا أنه مشروط بما إذا لم يكن الضعف شديدا بحيث تتكاثر الطرق في الحديث الواحد على وجه

(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى في البيوع، باب لا خير في أن يعجله بشرط أن يضع عنه 6/ 28، وضعفه البيهقي حيث قال: في إسناده ضعف، وضعفه ابن القيم رحمه الله في إغاثة اللهفان 2/ 12، وابن السبكي في فتاويه 1/ 340.

(2)

قال الهيثمي في مجمع الزوائد في باب ما نهي عنه من البيوع 4/ 80 – 81: رواه البزار، وفيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف.

(3)

انظر: بحث د. محمد الشريف في مجلة الشريعة 103 - 104.

ص: 227

يجبر بعضها بعضا، كما هو مقرر عند أهل الشأن.

وفي مسألتنا الأحاديث المذكورة معارضة بما هو أقوى سندا، وقد صحح فيتعين المصير إليه والحال ما ذكر.

ويعضد هذا الحديث الصحيح أن الأصل في المعاملات الحل.

وحشد الطرق لو كنا مفتقرين إلى الحديث لتقوية حكم، أما إذا كان في الحكم ما يثبت به من أحاديث صحاح، فلا حاجة إلى الحمل المذكور، ولذلك ما قرره ابن القيم رحمه الله بقوله:«فلا نص في تحريم ذلك ولا إجماع ولا قياس» (1) - قول في محله.

2 -

الدليل الثاني: آثار وردت عن الصحابة رضي الله عنهم، فمنها:

أ- عن ابن المسيب، وابن عمر رضي الله عنهما، قالا: من كان له حق على رجل إلى أجل معلوم فتعجل بعضه وترك له بعضه، فهو ربا. قال معمر: ولا أعلم أحدا قبلنا إلا وهو يكرهه.

ب- عن أبي صالح قال: بعت بزا إلى أجل، فعرض علي أصحابي أن يعجلوا لي وأضع عنهم، فسألت زيد بن ثابت – رضي الله عنه – عن ذلك فقال: لا تأكله ولا تؤكله (2).

نوقش الاستدلال بهذه الآثار عن الصحابة من وجهين:

(1) إعلام الموقعين 3/ 359.

(2)

أخرجه البيهقي في الموضع السابق 6/ 672، وعبد الرزاق في مصنفه 8/ 71، ومالك في موطئه 2/ 672.

ص: 228

الأول: أنه معارض بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة غزوة بني النضير.

الوجه الثاني: أنها أقوال مجتهدين قابلها قول ابن عباس – رضي الله عنهما – ومن وافقه (1)، وحجية قول الصحابي – على التسليم بها – لا تكون إلا عند عدم المعارضة.

وثمت آثار وردت عن بعض السلف من التابعين وغيرهم، وقد أشرت إلى أقوالهم عند ذكر القول.

وهناك أدلة من النظر، أهمها:

أ- أن هذا من الربا؛ لأن التعجيل خير من النسيئة، وليس التعجيل مستحقا بالعقد، فلا يجعل التعجيل استيفاء، وإنما معاوضة جديدة، فيكون المسقط للباقي متعجلا لخمسمائة بألف مثلا، والاعتياض عن الأجل ربا، كما أنه لو زاده في المال ليؤجله لم يجز فكذلك في المعجل (2).

نوقش هذا الاستدلال من أوجه:

1 -

الوجه الأول بالمنع، فنمنع أن هذه الصورة - أصلا - من الربا؛ لأن الربا مصلحة محضة لطرف، وضرر محض على الغريم، فالدائن مستفيد من جهة العقد والزيادة، مستغل لحاجة الطرف الثاني استغلالا تاما، والمدين واقع تحت وطأة الدين ولا يد له ولا طريق إلا الرضوخ، بينما في الوضع والتعجيل مصلحة لكلا

(1) انظر: إغاثة اللهفان 2/ 12.

(2)

انظر: المبسوط 13/ 126، وتبيين الحقائق 5/ 42.

ص: 229

الطرفين، فالمعجل يستفيد براءة ذمته، وهذا مطلب شرعي، ويستفيد من الوضع الذي يخفف عنه إرهاق الدين، والدائن يستفيد من العوض الذي يعجله، فيكون فيه نماء تجارته، وتحقيق مصالحه (1).

2 -

الوجه الثاني: أن الربا لغة الزيادة، وشرعا: زيادة غير مشروعة في أجناس حكم الشرع بجريان الربا فيها، وهذا المعنى اللغوي والشرعي لا يمكن تحققه في مسألتنا؛ لأنه ليس ثمت زيادة، وإنما هو تعجيل وحطيطة فافترقا، وكما قال ابن القيم رحمه الله (2):(ولا يخفى الفرق الواضح بين قوله: إما أن تربي وإما أن تقضي، وبين قوله: عجل لي وأهب لك مائة، فأين أحدهما من الآخر؟!)

3 -

الوجه الثالث: قولهم: إن التعجيل ليس مستحقا بالعقد

جوابه: أن التعجيل ليس مستحقا، لكن المستحق هو الزيادة الناتجة عن الأجل، وإذا كان الأثر مستحقا لزم منه استحقاق الأصل، فالاتفاق على إسقاطه هبة وتبرع وإرفاق بالطرف الآخر، وليس معاوضة جديدة، فمن تعجل فقد أسقط القدر الزائد، وعاد إليه بعض ما عاوض عليه، لا أنه استعاض عن الأجل، ولذلك هذا التكييف في نظري بعيد، ولا يسنده المعنى اللغوي ولا الشرعي.

ب- الدليل الثاني: المسقط للباقي ترك بعض المقدار؛ ليحصل

(1) انظر إغاثة اللهفان 2/ 13، وإعلام الموقعين 3/ 359.

(2)

انظر: إعلام الموقعين 3/ 359.

ص: 230

الحلول في الباقي، الصفة بانفرادها لا تقابل بعوض؛ ولأن صفة الحلول لا يصح إلحاقها بالمؤجل، وإذا لم يحصل ما ترك من القدر لأجله لم يصح الترك (1)، فمحصل هذا الاستدلال اعتبار صفة الحلول صفة مستقلة لا تقابل بالعوض، ولا تلحق بالتأجيل؛ للتناقض بينهما، وإذا لم يصح الاعتبار لم يصح الإسقاط.

نوقش هذا الاستدلال من أوجه:

1 -

الأول: أنه تعليق في مقابل النص المبيح للحكم، ولا قياس مع النص.

2 -

الثاني: ما سبق أن هذا إسقاط وإبراء لا معاوضة؛ لأن المستحق هو العوض في مقابل الأجل، فإسقاطه إبراء من القدر الزائد، وإسراع في تعجيل براءة الذمة.

3 -

الثالث: أن الحلول ليس صفة، وإنما هو زمن، والأزمنة لها أثر في المعاوضات.

ج- الدليل الثالث: أن من عجل ما أجل يعد مسلفا، فقد أسلف الآن خمسمائة؛ ليقتضي عند الأجل ألفا من نفسه (2).

ويناقش بما سبق، وأنه مبني على عدم استحقاق التعجيل، فالمعاوضة

(1) انظر: أسنى المطالب شرح روض الطالب 2/ 216، والمغني مع الشرح الكبير 4/ 175.

(2)

انظر: البهجة شرح التحفة للتولي 1/ 221.

ص: 231

عنه عقد مستأنف، ولكن هذا لا يسلم لما سبق.

هذه أهم الاستدلالات التي ذكرها الفقهاء، وهي تعليلات، أهمها ما سبقت الإشارة إليه في سبب الخلاف في المسألة.

الفرع الخامس: الترجيح:

بتأمل المسألة وما استدل أصحاب كل قول وما نوقشت به تلك الاستدلالات، يظهر لي - والله أعلم - رجحان القول الأول، وذلك للاعتبارات الآتية:

1 -

قوة الأدلة التي استدل بها أصحاب هذا القول، سواء من الأثر أو من النظر، لا سيما قصة بني النضير.

2 -

ضعف أدلة القول الثاني، حيث إنها نوقشت بمناقشات قوية، أحسب أنها كافية في عدم قبولها.

3 -

أن الأصل في المعاملات الإباحة، وهذا الأصل اعتضد بالأدلة التي استدل بها القائلون بجواز هذه المعاملة.

4 -

أن مبنى الشريعة على تحقيق المصالح وتحصيلها، ودرء المفاسد وتقليلها، فما أمر الشرع بأمر إلا ومصلحته خالصة أو راجحة، وما نهى عن شيء إلا ومفسدته خالصة أو راجحة، (1) وهذا الأصل يعضد حل التعامل بالصورة التي هي محل البحث، حيث تبين أنها مشتملة على مصالح راجحة، ويندرئ بها مفاسد عن المتعاقدين، وقد ورد ذكر هذه المصالح عند الاستدلال للقول، والرد على أدلة القول الآخر.

(1) انظر: القواعد والأصول الجامعة للشيخ عبد الرحمن السعدي 7.

ص: 232