الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: الجمع بين الرواية والدراية:
لم يقف – رحمه الله – عند حد الرواية والأثر، بل أخذ يقلب النظر ويعمل الفكر فجمع – رحمه الله – بين النقل الصحيح والعقل الصريح، وبين الأثر والنظر. ومثال ذلك في فتاويه كثير، منها ما يأتي:
(أ) الطلاق ثلاثا بكلمة واحدة (1):
حيث سئل سماحته عن: رجل طلق امرأته ثلاثا بلفظ واحد في مجلس واحد، فما الحكم؟
فأجاب – رحمه الله: ثبت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما (2) – أن مثل هذا الطلاق يعتبر طلقة واحدة، وكانت الفتوى على هذا مدة حياة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وخلافة أبي بكر الصديق – رضي الله عنه – وسنتين من خلافة عمر – رضي الله عنه – ولكن لما رأى عمر – رضي الله عنه – تهاون الناس بالطلاق أمضاها عليهم اجتهادا منه – رضي الله عنه.
وقد ذهب بعض أهل العلم (3) إلى الإفتاء بأن الثلاث إذا وقعت بلفظ واحد تعتبر طلقة واحدة عملا بهذا الحديث المذكور، وقد صح ذلك عن ابن
(1) ينظر: «مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (21/ 393).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الطلاق، باب طلاق الثلاث، برقم (1472).
(3)
ينظر: «مجموع الفتاوى» لابن تيمية (23/ 12)، و «إعلام الموقعين» (3/ 27)، و «زاد المعاد» (5/ 60).
عباس – رضي الله عنهما – في إحدى الروايتين عنه وعن جماعة من السلف (1)، ونحن نفتي بهذا القول عملا بما كان عليه الحال في عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعهد الصديق وأول خلافة عمر، لأن الحجة تؤيده، ولأنه أرفق بالمسلمين لا سيما مع غلبة الجهل وضعف الإيمان بالنسبة إلى أكثر المطلقين، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين لإصابة الحق في القول والعمل إنه خير مسؤول، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
(ب) حكم أخذ الأجرة على تحفيظ القرآن الكريم (2):
حيث سئل سماحته: ما حكم أخذ الأجرة على تحفيظ القرآن الكريم، حيث إن لدينا إماما في قريتنا يأخذ أجرا على تحفيظ القرآن للصبيان؟ ..
فأجاب رحمه الله: لا حرج في أخذ الأجرة على تعليم القرآن وتعليم العلم، لأن الناس في حاجة إلى التعليم، ولأن المعلم قد يشق عليه ذلك ويعطله التعليم عن الكسب، فإذا أخذ أجرة على تعليم القرآن وتحفيظه، وتعليم العلم فالصحيح أنه لا حرج في ذلك، وقد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أن جماعة من الصحابة نزلوا ببعض العرب فلدغ سيدهم – يعني رئيسهم – وأنهم عالجوه بكل شيء ولم ينفعه ذلك، وطلبوا منهم أن يرقوه، فتقدم أحد الصحابة فرقاه بفاتحة الكتاب، فشفاه