الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت (1)».
فظاهر الحديث يدل على تخصيص الحلف بالله خاصة (2).
2 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله
…
(3)» الحديث.
فيكون قوله لا إله إلا الله واستغفاره لله كفارة لذلك (4).
3 -
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حلف بملة غير الإسلام فهو كما قال (5)» .
(1) رواه البخاري في صحيحه «البخاري مع الفتح» 11/ 530، باب لا تحلفوا بآبائكم رقم الحديث 6646.
(2)
فتح الباري 11/ 536.
(3)
رواه البخاري في صحيحه «البخاري مع الفتح» 11/ 536، باب لا يحلف باللات والعزى ولا بالطواغيت رقم الحديث 6650.
(4)
فتح الباري 11/ 536.
(5)
رواه البخاري في صحيحه «البخاري مع الفتح» 11/ 537، باب من حلف بملة سوى ملة الإسلام رقم 6652.
المبحث الثاني: الأيمان المختلف فيها وهي الأيمان الالتزامية:
(1).
المطلب الأول: الحلف بملة غير الإسلام
(1) والمقصود بها أن يلتزم شيئا هو لا يريده من أجل منع نفسه من الفعل أو حث نفسه على الفعل.
إذا قال هو يهودي أو نصراني أو مجوسي إن فعل كذا وكذا، أو هو بريء من الإسلام، أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو من القرآن إن فعل، أو قال هو يعبدك أو يعبد الصليب أو يعبد غير الله إن فعل أو نحو هذا، اختلف العلماء في ذلك على قولين:
القول الأول: أنها يمين وعليه الكفارة إذا حنث، روي ذلك عن زيد بن ثابت وعطاء وطاوس والحسن والشعبي والثوري (1)، وبه قال أبو حنيفة (2) وأحمد في رواية عنه (3) وهي المذهب (4)، واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية وقال:«بأنه قول أكثر أهل العلم» (5).
القول الثاني: أنها لا تعتبر يمينا فلا تجب فيها كفارة بالحنث، وهو قول مالك (6) والشافعي (7) وأحمد في رواية عنه (8).
(1) المغني 13/ 464، والحاوي 15/ 263.
(2)
الهداية 2/ 74، فتح القدير 5/ 77، وبدائع الصنائع 3/ 8.
(3)
المغني 13/ 464، وشرح الزركشي 7/ 86، والفروع 6/ 341.
(4)
الإنصاف 11/ 31.
(5)
مجموع الفتاوى 35/ 274.
(6)
الإشراف لعبد الوهاب 2/ 880، والتفريع 1/ 382، والذخيرة 4/ 15.
(7)
نهاية المحتاج 8/ 168، والحاوي 15/ 263، وكفاية الأخيار 2/ 350.
(8)
المغني 13/ 464، وشرح الزركشي 7/ 86، والإنصاف 11/ 31.
أدلة القول الأول:
1 -
استدلوا بقول الله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} (1).
2 -
وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك (2)» .
وجه الدلالة من الآية والحديث عدم التفريق بين يمين ويمين (3).
وكذلك يستدل بالأدلة الدالة على مشروعية اليمين من الكتاب والسنة فإنها تعم كل حلف على يمين كائنا ما كان (4).
ونوقش بأنها محمولة على اليمين بالله لأنها اليمين المشهورة في عرف الشرع والاستعمال (5).
3 -
بما روى الزهري عن خارجة بن زيد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه سئل عن الرجل يقول هو يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام في اليمين يحلف بها فيحنث قال: عليه كفارة يمين (6)» .
(1) سورة المائدة الآية 89
(2)
تقدم تخريجه ص98.
(3)
انظر: الحاوي 15/ 263.
(4)
مجموع الفتاوى 35/ 278، 279.
(5)
الحاوي 15/ 264.
(6)
رواه البيهقي في سننه 10/ 30.
ونوقش بما قاله البيهقي: بأنه لا أصل له من حديث الزهري ولا غيره تفرد به سليمان بن أبي داود الحراني وهو منكر الحديث ضعفه الأئمة وتركوه (1).
4 -
القياس على تحريم المباح فإنه يمين بالنص، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم حرم مارية على نفسه فأنزل الله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} (2) ثم قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (3)؛ ووجه الإلحاق أنه لما جعل الشرط وهو فعل كذا علما على كفره ومعتقده حرمة كفره فقد اعتقده أي الشرط واجب الامتناع، فكأنه قال: حرمت على نفسي فعل كذا كدخول الدار، ولو قال دخول الدار مثلا علي حرام كان يمينا فكان تعليق الكفر ونحوه على فعل مباح يمينا (4).
5 -
ولأن البراءة من هذه الأشياء توجب الكفر بالله فكان الحلف يمينا كالحلف بالله تعالى (5).
6 -
أن لزوم اليمين بالله لتوكيد حرمتها، وهذا المعنى موجود فيما عقده من الكفر بالله، فوجب أن يستويا في اللزوم والكفارة (6).
(1) السنن 10/ 30.
(2)
سورة التحريم الآية 1
(3)
سورة التحريم الآية 2
(4)
فتح القدير 5/ 77، وانظر الهداية 2/ 75، والبناية 5/ 181.
(5)
المغني 13/ 465، وانظر مجموع الفتاوى 35/ 275.
(6)
الحاوي 15/ 263، وانظر مجموع الفتاوى 35/ 276 وما بعدها فإنه ذكر هذا المعنى.
أدلة القول الثاني:
استدلوا:
1 -
بقوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} (1)، فجعلها الله غاية الأيمان وأغلظها فلم تتغلظ اليمين بغير الله (2).
2 -
ولأنها يمين تعرت من اسم الله تعالى وصفاته فلم يلزم بالحنث فيها كفارة أصله قوله والنبي والكعبة (3).
ويمكن مناقشة الدليلين المتقدمين بما يلي:
أن كون الحلف بالله يمينا توجب الكفارة لا يلزم منه أن ما عدا ذلك ليس يمينا للكفارة عند الحنث، ولذلك اتفقوا على تسميتها يمينا.
وأما القياس على الحلف بالنبي والكعبة فهو قياس مع الفارق فهو هنا بمخلوق، بخلاف الحلف بملة سوى الإسلام فهو من باب الأيمان الالتزامية وهي داخلة في معنى اليمين كما تقدم في أدلة القول الأول.
(1) سورة الأنعام الآية 109
(2)
الحاوي 15/ 263.
(3)
الإشراف لعبد الوهاب 2/ 880.
3 -
أنه لم يرد في هذه اليمين نص، ولا هي في قياس المنصوص، فإن الكفارة إنما وجبت في الحلف باسم الله تعظيما لاسمه وإظهارا لشرفه وعظمته، ولا تتحقق التسوية (1).
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال: بأن الشارع جعل تحريم الحلال يمينا - كما سيأتي - وهو ليس حلفا باسم الله تعالى - فدل على أن معنى اليمين لا يقتصر فيه على ما كان حلفا بالله باسمه أو صفاته.
4 -
استدلوا بالأدلة التي جاء فيها النهي عن الحلف بغير الله على أنها تدل على عدم لزوم الكفارة في ذلك، فدل على أن هذه اليمين لا توجب كفارة (2).
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال بأنه يوجد فرق بين الأيمان المختلف في إيجاب الكفارة فيها وهي الحلف بالطلاق والعتاق ونذر اللجاج والغضب، والحلف بملة سوى الإسلام، وبين الأيمان التي اتفق على عدم وجوب الكفارة فيها وهي الحلف بالمخلوقات كما سيأتي تفصيله.
(1) المغني 13/ 465.
(2)
انظر: الحاوي 15/ 263.
سبب الخلاف:
والذي يظهر لي أن سبب الخلاف هو هل النظر إلى الصيغة - أعني صيغة القسم - أم إلى المعنى؟ فمن نظر إلى الصيغة اقتصر على الحلف بالله بأسمائه وصفاته، ومن نظر إلى المعنى عداه إلى ما يدل على المنع والحض مما ليس هو حلفا بالمخلوقين، ولعل هذا هو مقصود ابن رشد لاتفاقهم على أن الحلف بالمخلوقين لا يوجب كفارة، والمتنازع فيه هنا ليس حلفا بمخلوق ولكن هل يتضمن معنى اليمين أو لا يتضمنها، والله أعلم.
الراجح:
الذي يظهر لي رجحانه والله أعلم أن الحلف بملة سوى الإسلام يمين لأنه متضمن لمعنى اليمين.
(1) بداية المجتهد 6/ 115.