الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} (1)
وقال: {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} (2) ومنها أن الله وبخ الذين يتولون الكافرين وتوعدهم ونفى عنهم الإيمان، قال تعالى:{تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} (3){وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} (4) وجعل سبحانه إبراهيم عليه السلام أسوة حسنة للمسلمين في البراءة من الشرك وأهله: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (5).
(1) سورة الإسراء الآية 75
(2)
سورة هود الآية 113
(3)
سورة المائدة الآية 80
(4)
سورة المائدة الآية 81
(5)
سورة الممتحنة الآية 4
المبحث الرابع: الدعوة إلى التوحيد:
هذا هو المقصد الرابع من مقاصد دراسة التوحيد وهو ثمرة الانتفاع بالتوحيد، فمن عرف التوحيد وعمل به وتميز به عن غيره يقوم بتعدية هذا النفع إلى الغير بدعوته إليه.
والدعوة إلى التوحيد واجبة على كل مسلم قال سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (1)، وقال صلى الله عليه وسلم:«بلغوا عني ولو آية (2)» .
ولهذا المقصد أساسان لا يكون إلا بهما:
الأساس الأول: البصيرة في الدعوة، والبصيرة هي: العلم واليقين الذي لا باطل فيه ولا شك معه، ولقد كانت أول آية نزلت بعد اقرأ هي:{يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} (3){قُمْ فَأَنْذِرْ} (4) فقوله: «اقرأ» فيها البصيرة التي تهيئ الداعية للدعوة، وللبصيرة أربعة مظاهر تنشأ عنها وتدل عليها هي الواردة في سورة المدثر: أولها قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} (5) فتعظيم التوحيد وأن يكون القصد من الدعوة أن يعظم العباد ربهم ويقوموا بحقه هو من البصيرة في الداعي، ثانيها قوله:{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (6) فالعمل بالتوحيد طاهرا من القوادح هو من البصيرة في الداعي، ثالثها قوله:{وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} (7) فترك الشرك وما دونه من أعمال العصيان وهجرها هجرا جازما بتركها وأماكنها وأهلها من البصيرة في الداعي، رابعها قوله:{وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} (8) فاتخاذ الدعوة إلى الله قربة لله لا منة فيها على أحد ولا طلبا لوجاهة وذكر ولا انتظارا لأجر ومقابل من البصيرة في الداعي.
(1) سورة يوسف الآية 108
(2)
أخرجه البخاري، الصحيح مع الفتح 6/ 496 ح3461.
(3)
سورة المدثر الآية 1
(4)
سورة المدثر الآية 2
(5)
سورة المدثر الآية 3
(6)
سورة المدثر الآية 4
(7)
سورة المدثر الآية 5
(8)
سورة المدثر الآية 6
الأساس الثاني: الحكمة في الدعوة، وتكون بثلاثة أمور:
أولها: طلب هداية المدعو لا منافرته ومغالبته قال الله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (1) فهذه حال الداعي حريص على هداية المدعو يشق عليه ما يشقيه ويبعده عن الحق، قال صلى الله عليه وسلم:«والله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم (2)» .
ثانيها: المخاطبة بالحسنى والمعاملة باللين واللطف، قال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (3) وقال سبحانه: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} (4){فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (5) وقال سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (6).
ثالثها: الصبر، في ختام توجيهاته لرسوله بعد قوله:{قُمْ فَأَنْذِرْ} (7) قال الله تعالى: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} (8) وقال له: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} (9) والصبر هو تمام الحكمة وميزانها في الدعوة إلى التوحيد،
(1) سورة التوبة الآية 128
(2)
البخاري مع الفتح 6/ 11 ح2942 ومسلم 4/ 1872 ح2406.
(3)
سورة النحل الآية 125
(4)
سورة طه الآية 43
(5)
سورة طه الآية 44
(6)
سورة آل عمران الآية 159
(7)
سورة المدثر الآية 2
(8)
سورة المدثر الآية 7
(9)
سورة الأحقاف الآية 35
الصبر على المتلقي حتى يسمع ويفهم ويعلم ويتيقن والصبر على مكابرته أو ممانعته والصبر على أذيته وعدوانه والصبر على الحوائل بينك وبينه.
وبعد، فهذه مقاصد دراسة التوحيد من درس التوحيد أحسن ما تكون الدراسة خرج بثمرة هذه المقاصد وتحققت منه، فهي أهداف تقوم عليها حصيلة دراسة التوحيد فإن أي خلل في دراسة التوحيد إنما يظهر نوعه ووجهه في واحد من هذه المقاصد.
نسأل الله التوفيق لأكمل الأحوال، هو الموفق لا شريك له، والحمد لله أولا وآخرا لا شريك له.