الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني عشر: الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والأخلاقية:
لم تكن فتاوى سماحة الشيخ قاصرة على أبواب العقائد أو العبادات من صلاة وصيام وزكاة وحج، بل اتسعت لتشمل جميع مناحي الحياة كما هو منهج هذا الدين وصراطه المستقيم. وكان سماحته يوجه عنايته الخاصة بالقضايا الاجتماعية والأخلاقية لما لها من تأثير خطير على المجتمع المسلم.
وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
(أ) في سؤال حول حكم إصدار المجلات الخليعة (1):
أجاب – رحمه الله: لا يجوز إصدار المجلات والصحف التي تشتمل على نشر الصور النسائية أو الداعية إلى الزنا والفواحش أو اللواط أو شرب المسكرات أو نحو ذلك مما يدعو إلى الباطل ويعين عليه، ولا يجوز العمل في مثل هذه المجلات لا بالكتابة ولا بالترويج؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ونشر الفساد في الأرض، والدعوة إلى إفساد المجتمع ونشر الرذائل، وقد قال الله – عز وجل – في كتابه المبين:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (2)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص
ذلك من آثامهم شيئا (1)»، وقال – صلى الله عليه وسلم – أيضا:«صنفان من أهل النار لم أرهما: رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. (2)» .
والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، نسأل الله أن يوفق المسلمين لما فيه صلاحهم ونجاتهم، وأن يهدي القائمين على وسائل الإعلام وعلى شؤون الصحافة لكل ما فيه سلامة المجتمع ونجاته، وأن يعيذهم من شرور أنفسهم ومن مكائد الشيطان إنه جواد كريم.
(د) وفي سؤال حول معنى نقص العقل والدين عند النساء (3):
أجاب – رحمه الله: معنى حديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم: «ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب للب الرجل الحازم من إحداكن، فقيل: يا رسول الله، ما نقصان عقلها؟ قال: أليست شهادة المرأتين بشهادة رجل» ؟ قيل: يا رسول الله ما نقصان دينها؟ قال: أليست
(1) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، برقم (2674).
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب اللباس والزينة، باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات، برقم (2128).
(3)
«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (4/ 292).
إذا حاضت لم تصل ولم تصم (1)» بين – عليه الصلاة والسلام – أن نقصان عقلها من جهة ضعف حفظها وأن شهادتها تجبر بشهادة امرأة أخرى؛ وذلك لضبط الشهادة بسبب أنها قد تنسى فتزيد في الشهادة أو تنقصها كما قال – سبحانه -: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (2) الآية، وأما نقصان دينها؛ فلأنها في حال الحيض والنفاس تدع الصلاة وتدع الصوم ولا تقضي الصلاة، فهذا من نقصان الدين، ولكن هذا النقص ليست مؤاخذة عليه، وإنما هو نقص حاصل بشرع الله – عز وجل –، هو الذي شرعه – عز وجل – رفقا بها وتيسيرا عليها لأنها إذا صامت مع وجود الحيض والنفاس يضرها ذلك، فمن رحمة الله شرع لها ترك الصيام وقت الحيض والنفاس والقضاء بعد ذلك.
وأما الصلاة فإنها حال الحيض قد وجد منها ما يمنع الطهارة، فمن رحمة الله – جل وعلا – أن شرع لها ترك الصلاة، وهكذا في النفاس، ثم شرع لها أنها لا تقضي؛ لأن في القضاء مشقة كبيرة؛ لأن الصلاة تتكرر
(1) أخرجه البخاري بنحوه في كتاب الحيض، باب ترك الحائض للصوم، برقم (304) من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه –، ومسلم بنحوه في كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، برقم (79) من حديث ابن عمر – رضي الله عنه.
(2)
سورة البقرة الآية 282
في اليوم والليلة خمس مرات، والحيض قد تكثر أيامه، فتبلغ سبعة أيام أو ثمانية أيام أو أكثر، والنفاس قد يبلغ أربعين يوما، فكان من رحمة الله لها وإحسانه إليها أن أسقط عنها الصلاة أداء وقضاء، ولا يلزم من هذا أن يكون نقص عقلها في كل شيء ونقص دينها في كل شيء، وإنما بين الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن نقص عقلها من جهة ما قد يحصل من عدم الضبط للشهادة، ونقص دينها من جهة ما يحصل لها من ترك الصلاة والصوم في حال الحيض والنفاس، ولا يلزم من هذا أن تكون أيضا دون الرجل في كل شيء، وأن الرجل أفضل منها في كل شيء، نعم جنس الرجال أفضل من جنس النساء في الجملة لأسباب كثيرة، كما قال الله – سبحانه وتعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (1) لكن قد تفوقه في بعض الأحيان في أشياء كثيرة، فكم لله من امرأة فوق كثير من الرجال في عقلها ودينها وضبطها، وإنما ورد عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أن جنس النساء دون جنس الرجال في العقل وفي الدين من هاتين الحيثيتين اللتين بينهما النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد تكثر منها الأعمال الصالحات فتربو على كثير من الرجال في عملها
(1) سورة النساء الآية 34
الصالح وفي تقواها لله – عز وجل – وفي منزلتها في الآخرة، وقد تكون لها عناية في بعض الأمور فتضبط ضبطا أكثر من ضبط بعض الرجال في كثير من المسائل التي تعنى بها وتجتهد في حفظها وضبطها، فتكون مرجعا في التاريخ الإسلامي وفي أمور كثيرة، وهذا واضح لمن تأمل أحوال النساء في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – وبعد ذلك، وبهذا يعلم أن هذا النقص لا يمنع من الاعتماد عليها في الرواية وهكذا في الشهادة إذ انجبرت بامرأة أخرى، ولا يمنع أيضا تقواها لله وكونها من خيرة عباد الله ومن خيرة إماء الله إذا استقامت في دينها وإن سقط عنها الصوم في الحيض والنفاس أداء لا قضاء، وإن سقطت عنها الصلاة أداء وقضاء، فإن هذا لا يلزم منه نقصها في كل شيء من جهة تقواها لله، ومن جهة قيامها بأمره، ومن جهة ضبطها لما تعتني به من الأمور، فهو نقص خاص في العقل والدين كما بينه النبي – صلى الله عليه وسلم، فلا ينبغي للمؤمن أن يرميها بالنقص في كل شيء وضعف الدين في كل شيء، وإنما هو ضعف خاص بدينها، وضعف في عقلها فيما يتعلق بضبط الشهادة ونحو ذلك، فينبغي إيضاحها وحمل كلام النبي – صلى الله عليه وسلم – على خير المحامل وأحسنها، والله – تعالى – أعلم.
(د) وجوب العدل بين العامل المسلم وغيره (1):
(1)«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (4/ 380).