الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال سائل: يوجد لدي عاملان أحدهما مسلم والثاني كافر، وهما متكافئان في العمل، ومطلوب مني أن أقوم عملهما، فهل يجوز أن أغمط الكافر حقه بسبب ديانته؟
فأجاب – رحمه الله: الواجب العدل بينهما، ولكن يجب إبعاد الكافر ولو كان أنشط؛ لأن المسلم أبرك، ولو كان أقل كفاءة، فما بالك إذا كان مساويا له. وقد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم – «أنه أوصى بإخراج الكفار من هذه الجزيرة (1)» ، «وأن لا يبقى فيها دينان (2)» . والله ولي التوفيق.
(1) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب هل يستشفع إلى أهل الذمة ومعاملتهم، برقم (3053) ومسلم في كتاب الوصية، باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه، برقم (1637) من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما وفيه:«أخرجوا المشركين من جزيرة العرب» .
(2)
حديث: «لا يجتمع دينان في جزيرة العرب» أخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» كتاب الجزية، باب لا يسكن أرض الحجاز مشرك (9/ 208).
المبحث الثالث عشر: مزج الفتوى بالدعوة والتربية:
والناظر في فتاوى سماحة الشيخ يلمس فيها منهاج العالم الرباني الذي يجمع بين العلم والعمل والدعوة والإصلاح.
ولذا نجد فتاوى سماحته تجمع بين إبلاغ حكم الله وبيانه والحث على العمل به والتمسك بالشرع والتحذير من مخالفة أمر الله وأمر رسوله -
صلى الله عليه وسلم – واجتناب ما نهى عنه الشارع الحكيم، لذلك تجد الفتوى مقرونة بالدعوة والإرشاد والتربية والتوجيه، وها هي بعض الأمثلة على ذلك:
(أ) سئل سماحته عن حكم الأكل والشرب في الإناء المطلي بالذهب (1):
فأجاب – رحمه الله: نص العلماء على أن هذا ينطبق عليه النهي، والنبي – صلى الله عليه وسلم – قال:«لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة (2)» متفق عليه.
وقال – صلى الله عليه وسلم: «الذي يأكل أو يشرب في إناء الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم (3)» متفق على صحته، واللفظ لمسلم في الصحيح، وأخرجه الدارقطني وصحح إسناده من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – مرفوعا: «من شرب في إناء ذهب أو فضة،
(1)«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (10/ 22).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب الأطعمة، باب الأكل في إناء مفضض، برقم (5426)، ومسلم في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال إناء الذهب والفضة.، برقم (2067).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الأشربة، باب آنية الفضة، برقم (5634)، ومسلم في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم استعمال أواني الذهب والفضة في الشرب وغيره على الرجال والنساء، برقم (2065) واللفظ له، وأخرجه الدارقطني في سننه في كتاب الطهارة، باب أواني الذهب والفضة (1/ 40)، وقال: إسناده حسن.
أو في إناء فيه شيء من ذلك، فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم (1)»، فقوله – صلى الله عليه وسلم:«من شرب في إناء ذهب أو فضة .. » نهي يعم ما كان من الذهب أو الفضة، وما كان مطليا بشيء منهما، ولأن المطلي فيه زينة الذهب وجماله، فيمنع ولا يجوز بنص الحديث، وهكذا الأواني الصغار؛ كأكواب الشاي، وأكواب القهوة، والملاعق، ولا يجوز أن تكون من الذهب أو من الفضة، بل يجب البعد عن ذلك، والحذر منه.
وإذا وسع الله – تعالى – على العباد، فالواجب التقيد بشريعة الله – تعالى –، وعدم الخروج عنها، وإذا كان عنده فضل من المال فلينفق على عباد الله المحتاجين، وفي مشاريع الخير، ولا يسرف ولا يبذر.
(ب) وسئل هل الدخان ينقض الوضوء؟ (2)
فأجاب – رحمه الله: الدخان لا ينقض الوضوء، ولكنه محرم خبيث، يجب تركه، لكن لو شربه إنسان وصلى لم تبطل صلاته ولم يبطل وضوؤه؛ لأنه نوع من الأعشاب المعروفة، لكنه حرم لمضرته، فالواجب على متعاطيه أن يحذره، وأن يدعه، ويتقي شره، فلا يجوز له شراؤه ولا استعماله، ولا تجوز التجارة فيه، بل يجب على من يتعاطى ذلك أن يتوب إلى الله، وأن يدع التجارة فيه، يقول الله – سبحانه وتعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} (3)، ثم قال – عز وجل:
(1) البخاري الأشربة (5311)، مسلم اللباس والزينة (2065)، ابن ماجه الأشربة (3413)، أحمد (6/ 306)، مالك الجامع (1717)، الدارمي الأشربة (2129).
(2)
ينظر: «مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (10/ 162).
(3)
سورة المائدة الآية 4
{قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} (1)، فالله – عز وجل – لم يحل لنا إلا الطيبات: وهن المغذيات النافعات، وقال الله – سبحانه – في وصف النبي – صلى الله عليه وسلم:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} (2).
ولا ريب أن الدخان والمسكرات كلها من الخبائث، وهكذا الحشيشة المسكرة المعروفة من الخبائث أيضا، فيجب ترك ذلك، وهكذا القات المعروف في اليمن من الخبائث؛ لأنه يضر ضررا كبيرا، ويترتب عليه تعطيل الأوقات، وضياع الصلوات، فالواجب على من يتعاطاه أن يدعه، ويتوب إلى الله من ذلك، وأن يحفظ صحته وماله وأوقاته فيما ينفعه؛ لأن الواجب على المؤمن أن يحذر ما يضره بدينه ودنياه، ومثل ذلك الدخان وأنواع المسكرات يجب الحذر منها كلها مع التوبة الصادقة النصوح مما سبق، ولا يجوز التجارة في ذلك، بل يجب ترك ذلك وعدم التجارة فيه؛ لأنه يضر المسلمين؛ نسأل الله الهداية للجميع والتوفيق.
(ج) وسئل عن حكم الغسل أولا لمن استيقظ جنبا عند شروق الشمس؟ (3)
فأجاب – رحمه الله: عليك أن تغتسل وتكمل طهارتك ثم تصلي، وليس لك التيمم والحال ما ذكر؛ لأن الناسي والنائم مأموران
أن يبادرا بالصلاة وما يلزم لها من حين الذكر والاستيقاظ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك (1)» . ومعلوم أنه لا صلاة إلا بطهور؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم: «لا تقبل صلاة بغير طهور (2)» ، ومن وجد الماء فطهوره الماء، فإن عدمه صلى بالتيمم؛ لقول الله – عز وجل {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ} (3).
والواجب عليك أن تهتم بصلاتك، وأن تعنى بها غاية العناية بوضع منبه عند رأسك، أو تكليف من يوقظك من أهلك عند دخول الوقت؛ حتى تؤدي ما أوجب الله عليك من الصلاة مع إخوانك المسلمين في بيوت الله – عز وجل –، وحتى تسلم من مشابهة المنافقين الذين يتأخرون عن الصلاة، ولا يأتونها إلا كسالى؛ أعاذنا الله وإياك وسائر المسلمين من صفاتهم وأخلاقهم، والله ولي التوفيق.
(1) أخرجه البخاري في كتاب مواقيت الصلاة باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها ولا يعيد إلا تلك الصلاة برقم (597)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، برقم (684).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب وجوب الطهارة للصلاة، برقم (224).
(3)
سورة المائدة الآية 6