الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقوم التيمم مقام الماء في رفع الحدث على الصحيح، فإذا تيمم صلى بهذا التيمم النافلة والفريضة الحاضرة والمستقبلية، ما دام على طهارة حتى يحدث، أو يجد الماء إن كان عادما له، أو حتى يستطيع استعماله إذا كان عاجزا عن استعماله، فالتيمم طهور يقوم مقام الماء كما سماه النبي – صلى الله عليه وسلم – طهورا.
المبحث السابع عشر: الورع والتوقف والأخذ بالأحوط في المشتبهات:
كان سماحة الشيخ ابن باز – رحمه الله – لديه ورع في الفتوى فهو لا يفتي إلا بدليل من الكتاب، أو السنة، أو الإجماع، أو القياس، أو أقوال الصحابة.
لذا كان – رحمه الله – كثيرا ما يقول للسائل: سأبحث وراجعني غدا، كما كان يروى عن عمر بن الخطاب: لا أدري نصف العلم.
ولهذا الورع نجد أنه كان يفتي في كثير من المسائل بالأحوط.
وأحيانا كان يتوقف في المسألة وإليك الأمثلة:
(أ) سئل سماحته عن حكم لبس الجورب بالرجل اليمنى قبل غسل الرجل اليسرى (1):
فأجاب – رحمه الله: الأولى والأحوط: ألا يلبس المتوضئ الشراب
(1)«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (10/ 116).
حتى يغسل رجله اليسرى؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم: «إذا توضأ أحدكم فلبس خفيه فليمسح عليهما، وليصل فيهما، ولا يخلعهما إن شاء إلا من جنابة (1)» أخرجه الدارقطني، والحاكم وصححه من حديث – أنس رضي الله عنه – ولحديث أبي بكرة الثقفي – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم:«أنه رخص للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوما وليلة، إذا تطهر فلبس خفيه أن يمسح عليهما (2)» أخرجه الدارقطني، وصححه ابن خزيمة.
(1) أخرجه الدارقطني في سننه (1/ 204) في كتاب الطهارة، باب ما في المسح على الخفين من غير توقيت (ح2)، والحاكم في مستدركه (1/ 181) كتاب الطهارة.
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه (1/ 204) في كتاب الطهارة، باب ما في المسح على الخفين من غير توقيت، الحديث الثالث. وينظر:«صحيح ابن خزيمة» (1/ 96).
ولما في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – أنه رأى النبي – صلى الله عليه وسلم – يتوضأ فأراد أن ينزع خفيه، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم:«دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين (1)» .
وظاهر هذه الأحاديث الثلاثة وما جاء في معناها أنه لا يجوز للمسلم أن يمسح على الخفين إلا إذا كان قد لبسهما بعد كمال الطهارة، والذي أدخل الخف أو الشراب برجله اليمنى قبل غسل اليسرى لم تكمل طهارته، وذهب بعض أهل العلم إلى جواز المسح، ولو كان الماسح قد أدخل رجله اليمنى في الخف أو الشراب قبل غسل اليسرى؛ لأن كل واحدة منهما إنما أدخلت بعد غسلها.
والأحوط: الأول، وهو الأظهر في الدليل، ومن فعل ذلك فينبغي له أن ينزع الخف أو الشراب من رجله اليمنى قبل المسح، ثم يعيد إدخالها فيه بعد غسل اليسرى، حتى يخرج من الخلاف ويحتاط لدينه.
(ب) وسئل سماحته عن حكم طهارة الماء دون القلتين إذا خالطته نجاسة (2):
فأجاب – رحمه الله: منهم من رأى (3): أن الماء إذا كان دون القلتين، وأصابته نجاسة فإنه ينجس بذلك، وإن لم يتغير لونه أو طعمه أو
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان، برقم (206)، ومسلم في كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين، برقم (274).
(2)
«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (10/ 15).
(3)
ينظر: «المجموع شرح المهذب» (1/ 110)، و «كشاف القناع» (1/ 39)، و «المغني» (1/ 21).
ريحه؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم: «إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث (1)» ، وفي لفظ:«لم ينجس (2)» .
قالوا: فمفهوم هذا الحديث أن ما دون القلتين ينجس بما يقع فيه من النجاسة، وإن لم يتغير.
وقال آخرون من أهل العلم (3): (دلالة المفهوم ضعيفة).
والصواب: أن ما دون القلتين لا ينجس إلا بالتغير، كالذي بلغ القلتين؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم:«إن الماء طهور لا ينجسه شيء (4)» . وإنما ذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – القلتين؛ ليدل على أن ما دونهما يحتاج إلى تثبت ونظر وعناية؛ لا أنه ينجس مطلقا؛ لحديث أبي سعيد المذكور.
(1) الترمذي الطهارة (67)، ابن ماجه الطهارة وسننها (517)، الدارمي الطهارة (731).
(2)
أخرجه أحمد في المسند برقم (4605، 4803، 4961)، وأبو داود في كتاب الطهارة، باب ما ينجس الماء، برقم (63)، والترمذي في كتاب الطهارة، باب أن الماء لا ينجسه شيء، برقم (67)، والنسائي في كتاب المياه، باب التوقيت في الماء، برقم (328)، وابن ماجه في كتاب الطهارة وسننها، باب مقدار الماء الذي لا ينجس، برقم (517).
(3)
ينظر: «حاشية الدسوقي» (1/ 32)، و «المجموع» (1/ 110)، و «المغني» (1/ 21).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم (11136، 11277، 11840)، وأبو داود في كتاب الطهارة باب ما جاء في بئر بضاعة، برقم (67)، والترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء، برقم (66)، والنسائي في كتاب المياه، باب ذكر بئر بضاعة، برقم (326).
ويستفاد من ذلك: أن الماء القليل جدا يتأثر بالنجاسة غالبا، فينبغي إراقته، والتحرز منه، ولهذا ثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال:«إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه، ثم ليغسله سبع مرات (1)» .
وما ذاك إلا لأن الأواني التي يستعملها الناس تكون في الغالب صغيرة، تتأثر بولوغ الكلب، وبالنجاسات وإن قلت، فوجب أن يراق ما بها إذا وقعت فيه نجاسة؛ أخذا بالحيطة، ودرءا للشبهة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (2)» ، وقوله صلى الله عليه وسلم:«من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه (3)» .
(ج) وسئل عن حكم الصلاة في حجر إسماعيل وهل له مزية؟ (4)
فأجاب – رحمه الله: الصلاة في حجر إسماعيل مستحبة لأنه من البيت وقد صح عن النبي – صلى الله عليه وسلم: «أنه دخل الكعبة عام الفتح وصلى فيها ركعتين (5)» من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء، باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا، برقم (172)، ومسلم في كتاب الطهارة، باب حكم ولوغ الكلب، برقم (279) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه.
(2)
سبق تخريجه.
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، برقم (52)، ومسلم في كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، برقم (1599).
(4)
«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (11/ 432).
(5)
أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب قول الله تعالى:(واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى)[البقرة: 125] برقم (397)، ومسلم في كتاب الحج، باب استحباب دخول الكعبة للحاج وغيره والصلاة فيها والدعاء في نواحيها كلها، برقم (1329).