الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد:
(عرض لأبرز الشبهات المثارة حول قضية الاختلاط)
من أهم أفكار الباحث المشار إليه في المقدمة وطروحاته التحديثية:
دعوته إلى خروج المرأة من بيتها واختلاطها بالرجال الأجانب لمشاركتهم في الاشتغال بالشؤون العامة، ومحاولته إيجاد المستند الشرعي لدعوته تلك لكي تبدو موافقة للشرع مسايرة لأحكامه، حيث ادعى أن الإسلام لم يمنع اختلاط الجنسين، وأن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام لم يمنعوا ذلك، بل كانت مجتمعاتهم مختلطة، وأنه لم يمنع الاختلاط إلا في عصور الانحطاط الإسلامية، كما ادعى أن طهارة القلب والاختلاط في الأجواء البعيدة عن الإثارة الجنسية والمفعمة بروح الفطرة والعفوية كفيل بالمنع من الوقوع في مواضع الفسق ومواطن الردى، وادعى أيضا أن بقاء المرأة في بيتها وابتعادها عن الاختلاط بالرجال الأجانب ما هو إلا حبس واسترقاق لها، فنراه يقول تحت عنوان (عمل المرأة): (في المجتمعات الإسلامية [السابقة] وقد كانت مجتمعات زراعية ريفية كانت المرأة تساهم في كل مراحل الإنتاج الزراعي والرعوي، وكانت وضعية الأسرة من الغنى والفقر هي التي تحدد تدخل المرأة في عملية الإنتاج الاقتصادي أو عدم تدخلها، فلماذا يطرح إسلاميو العصر هذا الشكل إذن – يعني منع الاختلاط – إنهم لا يعترضون على المرأة الريفية أن تعمل في الحقل وتعين زوجها رغم اختلاطها بالرجال في جو جاد بعيد عن الإثارة
ومفعم بروح الفطرة والعفوية، وهم لا يعترضون على عمل المرأة في منزلها في الصناعات اليدوية وإنما اعتراضهم على عملها في الإدارة والمصنع وفي اشتراكها في الحياة الاقتصادية وقد انتقلت من مرحلة الإنتاج الفردي إلى مرحلة الإنتاج الجماعي، واعتراضهم لا ينطلق حسب ذلك من منطلقات النصوص التي لم تحدد للمرأة عملا معينا، وإنما انطلاقا من صورة المجتمع الريفي التي لا تزال مهيمنة على أذهانهم فلا يتصورون الإسلام إلا مطبقا في مجتمع ريفي) (1).
ويقول أيضا مزهدا المرأة بوظيفتها الأساسية، وهي رعاية بيتها وزوجها وأطفالها ومحرضا إياها على الخروج من بيتها للعمل: (ومن المهم في باب عمل المرأة إبداء الملاحظات التالية:
- ليس في الإسلام ما يوجب على المرأة القيام برعايتها لبيت الزوجية والأطفال، فإن قامت بذلك فمن محض رضاها واختيارها وتستحق على ذلك الأجر أو الشكر على الأقل إن تنازلت عن الأجر.
- هناك ضرورة لوجود العنصر النسائي الإسلامي في المؤسسات الصحية والتعليمية بغاية تبليغ الدعوة الإسلامية، مما يجعل المصالح من وجود الأخت في هذه المؤسسات تفوق المخاطر والمحاذير، فالمطلوب إذن أن نعمل على تكوين روح مواجهة لدى الأجيال الجديدة بعيدا عن روح الخوف والحذر وسد الذرائع، تلك الروح التي سادت في عصور
(1) المرأة المسلمة في تونس بين توجيهات القرآن وواقع المجتمع التونسي ص99.
الانحطاط وكبلت المجتمع الإسلامي؛ خاصة وأن وجود المرأة في المؤسسة غدا أمرا واقعيا فلا بد من مواجهته بروح جريئة) (1).
ويقول تحت عنوان (قضية الاختلاط): (لقد اختلفت الكتابات الإسلامية المعاصرة وهي تحاول التصدي لتيارات العصر الجارفة التي لم تستطع هضمها، معتصمة بمواقع اجتماعية ريفية اختلقت موضوعات فقهية لم تعرفها كتب الفقه القديمة وشغلت أذهان الناشئة بمناقشتها، ومن ذلك: الموضوع المسمى بـ (الاختلاط بين الجنسين) والتشديد في تحريمه على كل المستويات دون تحديد دقيق لهذا المفهوم معيدة إلى الأذهان فترة المجتمعات الإسلامية الانفصالية التي سادت في عصر الانحطاط، فماذا يعنون بالاختلاط؟ .. إن كانوا يعنون منع وجود الرجال والنساء تحت سقف واحد لتعلم العلم أو مدارسة شؤون المسلمين متأدبين بالآداب الشرعية في الهيئة والحركة، حتى وإن يكن ذلك السقف سقف مسجد أو مدرسة أو ناد ثقافي أو مجلس تذكير وإرشاد أو في ساحة جهاد أو مسيرة احتجاج، فقد أخطئوا وصادموا الصورة التي نقلتها لنا النصوص الثابتة عن مجتمع الموحدين فيما تلا ذلك من الراشدين حيث كان المجتمع الإسلامي واحدا بعيدا عن فكرة المجتمعات المنفصلة التي تولدت في عصور الانحطاط، ففي المساجد والأسواق وساحات الجهاد
(1) المرجع السابق 100 – 101 بتصرف يسير.
كنت تجد مجتمعا واحدا من الرجال والنساء تسودهما علاقات عفوية جادة، فكانت النساء يشهدن مجالس العلم بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم دون حواجز، وكانت المرأة تعبر عن رأيها دون أن يطرح أحد في مسجد النبي قضية هل إن صوتها عورة أم لا؟ فكن يجادلن في مجلس النبي وخلفائه، وكانت السيدة عائشة تتصدى للفتوى، وكانت النساء يستشرن في أمهات القضايا السياسية .. فلا عزل بين الرجال والنساء في صلاة أو مجلس علم أو سوق أو ساحة جهاد أو مجلس تشاور في أمور المسلمين، ولا عزل بين الرجال والنساء فللمرأة أن تستقبل ضيوف الأسرة وتحدثهم وتخدم ضيوف زوجها، وكل ذلك في إطار آداب الإسلام وتعاليمه، وهي وإن لم تفرض عزلة بين الجنسين فقد فرضت عفة النظر وطهارة القلب وضرورة أن يستشعر كل من الجنسين رقابة الله فلا يسلك سبيلا للإغراء وإثارة الفتنة
…
إن الإسلام لا يصل إلى أهدافه في تطهير العلاقات بين الجنسين من التحلل والفساد عن طريق تكثيف الحجب وتحويل البيوت إلى سجون للنساء والحكم عليهن جميعا بما حكم به اللاتي أتين الفاحشة. بل إن تعويل الإسلام في تحقيق أهدافه وقيمه إنما يقوم أساسا على التوعية والتربية العقائديتين وإشاعة أجواء الطهر والعفة والتعاون على الخير في العلاقات البشرية) (1).
(1) المرجع السابق ص106 - 109.
ولما واجهته آية {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} (1) الدالة على ضرورة قرار المرأة المسلمة في بيتها وابتعادها عن مخالطة الرجال الأجانب، ادعى أنها موضع خلاف بين العلماء في مدلولها، فنراه يقول:(اختلف العلماء في تفسير {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} (2) فذهب بعضهم إلى أنها من الوقار، وذهب البعض الآخر على أنها من القرار. كما اختلفوا: هل هي خاصة بنساء النبي كما هو سياق الآية أم هي عامة للنساء، وحتى على فرض عمومها فهي لا تمنع المرأة من الخروج لقضاء حاجاتها من تعلم وعمل وجهاد ودعوة) (3).
واحتج لدعوته إلى خروج المرأة من بيتها ومخالطتها الرجال الأجانب في العمل؛ احتج له بأن هذا ما تمليه ضرورات التطور، وما يستلزمه انتقال المجتمعات الإسلامية من الوضع الريفي إلى الوضع المدني، فنراه يقول: (إن خروج المرأة قد فرضته ضرورات مختلفة، ولقد جاء الإسلام بمبادئ عامة لتعاون المجتمعات، وترك للفكر الإسلامي أن يستنبط الأشكال الملائمة لذلك التعاون، والمجتمعات الإسلامية عموما تتجه اليوم من الوضع الريفي إلى الوضع المدني، ومن حالة انطماس شخصية الفرد إلى حالة السعي لتأكيدها، وهذه الاتجاهات للتطور غلابة، فواجب الحركة الإسلامية بدل التصدي لها؛ فهمها واستيعابها
(1) سورة الأحزاب الآية 33
(2)
سورة الأحزاب الآية 33
(3)
المرجع السابق، ص109.