الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول:
معرفة التوحيد والعلم به:
معرفة التوحيد والعلم به نوعان:
الأول: معرفة حقيقته وأصله وهي إقامة الوجه لله بكمال المحبة مع كمال الذل، وهذا علم مطلوب لذاته فهو في نفسه غاية مطلوبة ومقصد مقصود تنشأ ثمرته المطلوبة منه من نفسه، وإنما كان غاية مقصودة لذاتها لأمور:
1 -
لتعلقه بذات الله عز وجل فهو حقه سبحانه على عباده قال صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا (1)» والله يعبد لذاته سبحانه.
2 -
لأن الله خلق الخلق ليبتليهم فيه ويأمرهم به فهو الغاية من خلقهم، قال سبحانه:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2).
3 -
لأن عليه مدار الأعمال فلا تقبل إلا به ولا معنى لها إلا به قال الله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} (3).
(1) متفق عليه، البخاري مع الفتح 6/ 58 رقم 2856، مسلم 1/ 58 رقم 49.
(2)
سورة الذاريات الآية 56
(3)
سورة محمد الآية 19
4 -
لأن عليه مدار الجزاء قال صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ: «حق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا (1)» .
الثاني: معرفة فروعه وهي الطاعات فهذا علم وسيلة يمارس به التوحيد ويحقق ويكمل، ومعرفة نواقضه القادحة في أصله أو في كماله وهذا علم وسيلة يحفظ به التوحيد وبه حرزه وصيانته.
ومعرفة التوحيد والعلم به هو المقصود الأول من مقاصد دراسة التوحيد، وتحققه أسس لا يحصل العلم بالتوحيد إلا بحصولها ومن لم يحصلها لم يعرف التوحيد ولم يحصله وهذه الأسس هي:
الأساس الأول: العلم بأن التوحيد أول واجب على العبد، وقد قررت هذا الأساس أدلة الشرع، فدل عليه كتاب الله من وجوه:
1 -
الإخبار العام: قال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (2) فأعلن سبحانه أن الخلق إنما خلقوا للتوحيد يؤمرون به ويبتلون فيه قال سبحانه: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (3).
(1) متفق عليه، البخاري مع الفتح 6/ 58 رقم 2856، مسلم 1/ 58 رقم 49.
(2)
سورة الذاريات الآية 56
(3)
سورة الملك الآية 2
2 -
الأمر بالتوحيد أولا، فأول أمر ورد في المصحف قوله سبحانه {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} (1) وقال سبحانه:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} (2) وقال {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3) وقال: {قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ} (4) وقال: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (5) وقال: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} (6) وقال: {ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} (7) وقال لموسى عليه السلام في ابتداء الرسالة: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (8) فابتدأه بالأمر بالتوحيد.
(1) سورة البقرة الآية 21
(2)
سورة التوبة الآية 31
(3)
سورة البينة الآية 5
(4)
سورة الرعد الآية 36
(5)
سورة الزمر الآية 11
(6)
سورة يوسف الآية 40
(7)
سورة الأنعام الآية 102
(8)
سورة طه الآية 14
3 -
دلت الآيات أن الرسل إنما دعت إلى التوحيد وخاطبت أقوامها به، وهذا جاء في الآيات مجملا ومفصلا، أما المجمل فمنه قوله سبحانه:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (1) وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (2) وقوله: {وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ} (3) ففي هؤلاء الآيات الإخبار بأن جميع الرسل إنما دعت إلى التوحيد وأمرت به وابتدأت أقوامها بذلك، أما المفصل فقد ذكرت الآيات ذلك في آحاد دعوات الرسل فمن ذلك قوله سبحانه:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (4) وقوله: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (5) وقوله: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (6)
(1) سورة النحل الآية 36
(2)
سورة الأنبياء الآية 25
(3)
سورة الأحقاف الآية 21
(4)
سورة المؤمنون الآية 23
(5)
سورة الأعراف الآية 65
(6)
سورة الأعراف الآية 73
وقوله: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} (1) وقوله: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ} (2) وقوله: {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} (3) وقوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} (4).
وأما السنة فقد وردت الأحاديث مصرحة ودالة على كون التوحيد أول واجب على العبد، فمن هذه الأحاديث:
- حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل الكتاب في اليمن قال له: «فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله (5)» .
- وقال صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله (6)» .
(1) سورة الأعراف الآية 85
(2)
سورة العنكبوت الآية 16
(3)
سورة المائدة الآية 72
(4)
سورة المائدة الآية 117
(5)
أخرجه البخاري، انظر الصحيح مع الفتح 13/ 347 رقم 7372.
(6)
متفق عليه، البخاري مع الفتح 6/ 111 رقم 2946، مسلم 1/ 52 رقم 21.
- وفي حديث أسامة بن زيد لما قتل الرجل الذي قال لا إله إلا الله ورأى أسامة أنه إنما قالها تعوذا قال صلى الله عليه وسلم: «يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله (1)» كررها صلى الله عليه وسلم.
وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم الصحابة أنهم قبلوا من جفاة العرب ممن كان يعبد الأوثان الإقرار بالشهادتين وحكموا بإسلامهم بذلك وكان يؤذن لكثير منهم في الرجوع إلى معاشه من رعاية غنم وغيرها (2)، يقول ابن حجر:«وفي كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وكسرى وغيرهما من الملوك يدعوهم إلى التوحيد، إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة التواتر المعنوي الدال على أنه صلى الله عليه وسلم لم يزد في دعائه المشركين على أن يؤمنوا بالله وحده ويصدقوه فيما جاء به عنه فمن فعل ذلك قبل منه (3)» .
ثم إن التوحيد شرط لصحة وقبول العبادات جميعها إن وقع شيء من الشرك في شيء منها حبطت كما قال الله: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (4) وقال: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (5) وفي الحديث القدسي: «أنا أغنى
(1) متفق عليه، البخاري مع الفتح 7/ 117 رقم 4269 ومسلم 1/ 97 رقم 96.
(2)
انظر فتح الباري 13/ 352.
(3)
الفتح 13/ 353.
(4)
سورة الأنعام الآية 88
(5)
سورة الزمر الآية 65
الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه (1)»، وتحصيل الشرط يسبق تحصيل المشروط، ولا يكون المشروط إلا بشرطه، فيكون الشرط أول ما يحصل.
ويشهد لهذا الأساس أعظم شهادة، ويقرره أثبت تقرير، العلم بأن توحيد الله في ربوبيته لا يكفي في حصول الإسلام فالمشركون الذين بعث فيهم الرسل كانوا مقرين لله بالربوبية يفردونه بها ولا يشركون معه غيره فيها، شهد الله لهم بهذا الإيمان فقال:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (2) وهذا الإيمان الذي وصفهم به هنا هو الذي شرحه في آيات منها قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ} (3) فهم كانوا يوحدون الله في ربوبيته ومع هذا لم يقبل الله منهم بل بعث فيهم الرسل حتى قال خاتمهم صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله (4)» .
وإنما كان العلم بأن التوحيد الربوبية وحده لا يكفي في حصول الإسلام ولا يحرم دما ولا مالا محققا لهذا الأساس من أسس العلم بالتوحيد لأن غاية ما يحصل بتوحيد الربوبية معرفة الله تعالى، ومعرفة الله متحصلة
(1) أخرجه مسلم 4/ 2289 رقم 2985.
(2)
سورة يوسف الآية 106
(3)
سورة يونس الآية 31
(4)
البخاري الإيمان (25)، مسلم الإيمان (22).
بالفطرة، هي في أصل فطرة الخلق، خلق الله خلقه بها بل أخذ عليهم الميثاق عليها:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} (1) إنما أجابوا «بلى» لسبق المعرفة، فاجتمع في معرفة الخلق بربهم وتوحيدهم له في ربوبيته الفطرة والميثاق فلم يبق إلا العمل لله والتوجه له بالعبادة، ومن هنا كان التوحيد أول واجب على العبد فإن من عرف ربه لزمه التعبد له.
الأساس الثاني: معرفة معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله فإنها شعار الملة وقاعدة التوحيد، دل تركيبها على التوحيد المراد لله المطلوب من العبد أبلغ دلالة، وفي معرفة معنى كلمة التوحيد قاعدتان العلم بهما هو العلم بالتوحيد، من لم يحصلها لم يحصل التوحيد وهما:
أولا: العلم بأنه لا توحيد إلا بنفي وإثبات، نفي جنس الإلهية وجميعها عما سوى الله وإثباتها لله وحده، ولا بد من اجتماع هذا النفي وهذا الإثبات لحصول التوحيد، فإن الشرك إثبات الألوهية لله مع إثباتها أو شيء منها لغيره معه، فمن أثبت الألوهية لله لا يكون موحدا حتى ينفيها عما سواه، وعلى هذا ركبت كلمة التوحيد، فأولها نفي لا إله وآخرها إثبات إلا الله أولها تخلية وآخرها تحلية، نسخت ثم رسخت، سلبت ثم أوجبت، نقضت ثم
(1) سورة الأعراف الآية 172
عقدت، أفنت ثم أبقت، وفي تركيب كلمة التوحيد تحقيق القصر والحصر، قصر الألوهية على الله وحده وحصرها له دون سواه، وهذا القصر والحصر جاء في كلمة التوحيد من وجهين:
1 -
تقديم الصفة (إله) على الموصوف (الله) فقولنا الإله الله فيه حصر وتخصيص كقولك «المنطلق زيد» .
2 -
إدخال حرفي النفي والاستثناء فصار (لا إله إلا الله) فأفاد الكلام قصر الصفة على الموصوف، وإثبات حكمها له ونفيه عما عداه سبحانه (1).
وفي هذا القصر والحصر إفراد الله عز وجل بالألوهية، والإفراد يمنع جميع أصناف الشركة فهو يمنع التثنية ولذا قال سبحانه:{وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (2) وهو يمنع التثليث قال سبحانه: {وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (3) وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} (4) وهو يمنع الكثرة، قال سبحانه:{أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} (5)
(1) انظر الكليات للكفوي ص972.
(2)
سورة النحل الآية 51
(3)
سورة النساء الآية 171
(4)
سورة المائدة الآية 73
(5)
سورة الصافات الآية 86
وقال: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (1) وقال: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} (2).
وحسم الله أمر الإفراد بقوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (3).
وهذا النفي والإثبات تواردت على تقريره نصوص الشرع، قال سبحانه:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (4) وقال سبحانه: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (5) وقال سبحانه: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا} (6) وهذا النفي والإثبات هو خلاصة دعوة الرسل مبتدؤها ومنتهاها قال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (7)، {اُعْبُدُوا اللَّهَ} (8) إثبات و {وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (9) نفي.
(1) سورة يوسف الآية 39
(2)
سورة الأنبياء الآية 24
(3)
سورة التوبة الآية 31
(4)
سورة البقرة الآية 256
(5)
سورة النساء الآية 36
(6)
سورة آل عمران الآية 64
(7)
سورة النحل الآية 36
(8)
سورة النحل الآية 36
(9)
سورة النحل الآية 36
ثانيا: العلم بأن كلمة التوحيد لا تنفع قائلها إلا بشروط، هذه الشروط هي حقوقها الواجبة لها اللازمة من قولها، فمن قال: لا إله إلا الله ولم يحقق هذه الشروط لم يحققها، ولذلك سمي قولها شهادة، لأنه لا يكون الخبر شهادة حتى يكون مع علم قاطع مستجمع لشروط الثبوت (1)، ولذلك كذب الله المنافقين لما قالوا {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} (2) قال الله:{وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (3) لأنهم لم يأتوا بحقوقها، فتسمية قول: لا إله إلا الله شهادة، دال على أن مجرد قولها من غير قيام بحقوقها ليس هو الشهادة التي يريدها الله من عباده ولذلك قيد الشرع الإخبار عن أنه لا إله إلا هو بلفظ الشهادة قال الله:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ} (4)، وفي حديث ابن عمر «بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله .... (5)» الحديث، وفي الحديث «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله
…
(6)» الحديث.
(1) انظر مدارج السالكين 3/ 450.
(2)
سورة المنافقون الآية 1
(3)
سورة المنافقون الآية 1
(4)
سورة آل عمران الآية 18
(5)
متفق عليه، صحيح البخاري مع الفتح 1/ 49 ح8، ومسلم 1/ 45 ح16.
(6)
تقدم تخريجه.
وقد فسرت النصوص شروط لا إله إلا الله التي يصح بها قول أشهد أن لا إله إلا الله واستقرأها بعض أهل العلم فبلغت سبعة شروط اتفقت كلمة أهل العلم على اعتبارها - لقيام أدلة الكتاب والسنة لكل واحد منها - شرطا معتبرا في تحقيق الشهادة بأن لا إله إلا الله، وهذه الشروط هي:
• العلم المنافي للجهل، وإنما كان العلم شرطا؛ لأن من يقول ما لا يعلم معناه لا فائدة من كلامه فلا بد للقائل أن يعلم ما يقول، ومن قالها مقلدا تقليدا تاما كليا بدون فهم لما دلت عليه ولا علم بما وضعت له لم ينفعه قولها.
• اليقين المنافي للشك والتردد السالم من الشبهات، وإنما كان شرطا لأن العلم لا يكمل إلا به فليس كل من علم شيئا استيقنه.
• القبول المنافي للرد سواء كان عن عناد أو إباء أو استكبار أو إعراض، وإنما كان شرطا، لأن به تمام اليقين فمن تيقن الشيء ثم لم يقلبه نقض رده يقينه فلم ينفعه يقينه شيئا.
• الانقياد المنافي للترك، وإنما كان شرطا، لأن به تمام القبول لأن من قبل ولم ينقد لا ينفعه قبوله شيئا.
• الصدق المنافي للكذب المانع من النفاق، وإنما كان شرطا، لأن به صحة الانقياد فمن انقاد من غير صدق كان منافقا.
• المحبة المنافية لضدها وإنما كانت شرطا، لأن بها تمام الصدق، فمن صدق بها ثم لم يحبها قدح ذلك في تصديقه.
• الإخلاص المنافي للشرك وهو شرط الشروط فإن من قبل وانقاد وصدق وأحب ملاحظا غير الله ملتفتا إليه مع الله لم ينفعه ذلك شيئا.
فهاتان القاعدتان من لم يعرفهما لم يعرف معنى كلمة التوحيد ومن لم يعرف معنى كلمة التوحيد لم يعرف التوحيد الواجب واشتبه عليه التوحيد بالشرك كما هو حال كثير ممن يظن أن مجرد قول لا إله إلا الله عاصم من حكم الشرك وجزائه وإن تلبس به.
الأساس الثالث: العلم باقتضاء العلم للعمل، وذلك «أن العلم يراد للعمل فإنه بمنزلة الدليل للسائر فإذا لم يسر خلف الدليل لم ينتفع بدلالته، فنزل منزلة من لم يعلم شيئا، لأن من علم ولم يعمل بمنزلة الجاهل الذي لا يعلم، كما أن من ملك ذهبا وفضة وجاع وعري ولم يشتر منها ما يأكل ويلبس فهو بمنزلة الفقير العادم» (1)، وقد رتب الله على العلم بالتوحيد العمل به فقال:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} (2) قاله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقال سبحانه لموسى عليه السلام:
(1) ما بين القوسين من كلام ابن القيم في مفتاح دار السعادة 1/ 344.
(2)
سورة محمد الآية 19