الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن بلال – رضي الله عنه. وقد ثبت عنه – صلى الله عليه وسلم – أنه قال لعائشة – رضي الله عنها – لما أرادت دخول الكعبة: «صلي في الحجر فإنه من البيت (1)» .
أما الفريضة فالأحوط عدم أدائها في الكعبة أو في الحجر.
لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يفعل ذلك ولأن بعض أهل العلم قالوا: إنها لا تصح في الكعبة ولا في الحجر لأنه من البيت.
وبذلك يعلم أن المشروع أداء الفريضة خارج الكعبة وخارج الحجر تأسيا بالنبي – صلى الله عليه وسلم – وخروجا من خلاف العلماء القائلين بعدم صحتها في الكعبة ولا في الحجر.
(1) أخرجه أحمد في المسند (6/ 92) برقم (25123)، وأبو داود في المناسك، باب الصلاة في الحجر، برقم (2028)، والترمذي في الحج، باب ما جاء في الصلاة في الحجر، برقم (876).
المبحث الثامن عشر: الثبات في الفتوى عند وضوح الدليل والرد على المخالف:
كان سماحة الشيخ – رحمه الله – شجاعا في الحق جريئا في الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، فلا يتنازل عن فتاواه عند وضوح الدليل له، حتى لو خالف أهل عصره، وإليك بعض الأمثلة:
• أفتى – رحمه الله – بجواز المهادنة بين المسلمين واليهود في فلسطين، حتى يتقوى المسلمون وتحقن دماء أهل فلسطين (1).
(1)«الإنجاز في ترجمة الإمام ابن باز» (ص373 - 375).
• كما أفتى – رحمه الله – بجواز القتال ضد أهل العراق عند غزوها للكويت، وجواز الاستعانة بالقوات الكافرة، لردع القوة الغاشمة (1).
وقد خالفه بعض أهل العلم في تلك الفتاوى إلا أن هذا لم يثنه عن الأخذ بما أداه إليه اجتهاده، بل أخذ يوضح ويبين الأدلة التي استند إليها.
• ففي إيضاح وتعقيب على مقال للدكتور يوسف القرضاوي حول الصلح مع اليهود، قال سماحته ما يلي:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فهذا إيضاح وتعقيب على مقال فضيلة الشيخ: يوسف القرضاوي المنشور في مجلة (المجتمع) العدد (1133) الصادرة يوم 9 شعبان 1415هـ الموافق 10/ 1 / 1995م، حول الصلح مع اليهود، وما صدر مني في ذلك المقال المنشور في صحيفة (المسلمون) الصادرة في يوم 21 رجب 1415هـ جوابا لأسئلة موجهة إلي من بعض أبناء فلسطين.
(1)«مجموع فتاوى سماحة الشيخ» جمع د/ الطيار والشيخ أحمد الباز (3/ 1056، 1057).
وقد أوضحت أنه لا مانع من الصلح معهم إذا اقتضت المصلحة ذلك، ليأمن الفلسطينيون في بلادهم، ويتمكنوا من إقامة دينهم.
وقد رأى فضيلة الشيخ يوسف أن ما قلته في ذلك مخالف للصواب؛ لأن اليهود غاصبون فلا يجوز الصلح معهم .. إلى آخر ما ذكره فضيلته. وإنني أشكر فضيلته على اهتمامه بهذا الموضوع ورغبته في إيضاح الحق الذي يعتقده. ولا شك أن الأمر في هذا الموضوع وأشباهه هو كما قال فضيلته: يرجع فيه للدليل، وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم. وهذا هو الحق في جميع مسائل الخلاف؛ لقول الله – عز وجل:{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (1)، وقال – سبحانه -:{وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (2)، وهذه قاعدة مجمع عليها بين أهل السنة والجماعة. ولكن ما ذكرناه في الصلح مع اليهود قد أوضحنا أدلته، وأجبنا عن أسئلة وردت إلينا في ذلك من بعض الطلبة بكلية الشريعة في جامعة الكويت، وقد نشرت هذه الأجوبة في صحيفة (المسلمون) الصادرة في يوم الجمعة 19/ 8 / 1415هـ الموافق 20/ 1 / 1995م، وفيها إيضاح لبعض ما أشكل على بعض
(1) سورة النساء الآية 59
(2)
سورة الشورى الآية 10
الإخوان في ذلك. ونقول للشيخ يوسف – وفقه الله وغيره – من أهل العلم: إن قريشا قد أخذت أموال المهاجرين ودورهم، كما قال الله – سبحانه – في سورة الحشر:{لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} (1)، ومع ذلك صالح النبي – صلى الله عليه وسلم – قريشا يوم الحديبية سنة ست من الهجرة، ولم يمنع هذا الصلح ما فعلته قريش من ظلم المهاجرين في دورهم وأموالهم؛ مراعاة للمصلحة العامة التي رآها النبي – صلى الله عليه وسلم – لجميع المسلمين من المهاجرين وغيرهم، ولمن يرغب الدخول في الإسلام.
ونقول أيضا جوابا لفضيلة الشيخ يوسف عن المثال الذي مثل به في مقاله وهو: لو أن إنسانا غصب دار إنسان وأخرجه إلى العراء ثم صالحه على بعضها. أجاب الشيخ يوسف: أن هذا الصلح لا يصح. وهذا غريب جدا، بل هو خطأ محض، ولا شك أن المظلوم إذا رضي ببعض حقه، واصطلح مع الظالم في ذلك فلا حرج؛ لعجزه عن أخذ حقه كله، وما لا يدرك كله لا يترك كله، وقد قال الله – عز وجل:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (2)، وقال سبحانه:{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (3)، ولا شك أن رضا
(1) سورة الحشر الآية 8
(2)
سورة التغابن الآية 16
(3)
سورة النساء الآية 128
المظلوم بحجرة من داره أو حجرتين أو أكثر يسكن فيها هو وأهله خير من بقائه في العراء. أما قوله – عز وجل: {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} (1)، فهذه الآية فيما إذا مكان المظلوم أقوى من الظالم وأقدر على اخذ حقه، فإنه لا يجوز له الضعف، والدعوة إلى السلم، وهو أعلى من الظالم وأقدر على أخذ حقه، أما إذا كان ليس هو الأعلى في القوة الحسية فلا بأس أن يدعو إلى السلم، كما صرح بذلك الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره هذه الآية (2)، وقد دعا النبي – صلى الله عليه وسلم – إلى السلم يوم الحديبية؛ لما رأى أن ذلك هو الأصلح للمسلمين والأنفع لهم، وأنه أولى من القتال، وهو عليه الصلاة والسلام – القدوة الحسنة في كل ما يأتي ويذر؛ لقول الله – عز وجل:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (3) الآية.
ولما نقضوا العهد وقدر على مقاتلتهم يوم الفتح غزاهم في عقر دارهم، وفتح الله عليه البلاد، ومكنه من رقاب أهلها حتى عفا عنهم، وتم له الفتح والنصر ولله الحمد والمنة.
فأرجو من فضيلة الشيخ يوسف وغيره من إخواني أهل العلم إعادة النظر في هذا الأمر بناء على الأدلة الشرعية، لا على العاطفة والاستحسان،