الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيضا وابن عمر مع تحريه للسنة لا يأتي للقبر إلا إذا أراد سفرا أو رجع من سفر، ويكتفي ما دام في المدينة بالصلاة والسلام عند دخوله المسجد. وما يفعله كثير من الجهال هو من اتخاذه عيدا، فليس مأمورا بزيارته كزيارة بقية الناس.
وغير مقدور. يعني الوصول إليه. والذي يقدر عليه يفعل للرجال. فإن قلت: إذا كان غير مقدور فلم لا يؤذن للنساء. قيل إنهن يعتقدنها زيارة، وإن قيل: إنهن لا يعتقدنها زيارة. قيل: في الظاهر إنهن زائرات.
حكم وقوف النساء عند دخولهن المسجد
على قبر النبي وسلامهن على قبر اجتزن به
ورد إلى دار الإفتاء بواسطة الإذاعة سؤال عن حكم وقوف النساء عند دخولهن المسجد النبوي على قبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم للسلام عليه.
فأجاب سماحة المفتي بالجواب التالي:
يستدعي البحث في هذا الموضوع التعرض لأمرين هامين:
أحدهما: قصد المرأة بخروجها أول ما تخرج زيارة القبر.
الثاني: وقوفها عند قبر اجتازت به في طريقها إلى مقصودها للسلام عليه.
أما الأول: وهو قصد المرأة بخروجها أول ما تخرج زيارة القبر فقد جاء نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه من رواية عبد الله بن عباس وأبي هريرة وحسان بن ثابت رضي الله عنهم.
أما حديث ابن عباس فقد روى أحمد وأصحاب السنن والبزار وابن حبان والحاكم من رواية أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور» والتعبير في هذه الرواية بزائرات القبور يدل على عدم تخصيص النهي بالإكثار من الزيارة كما توهمه بعضهم من التعبير في الروايات الأخرى بلفظ: «زوارات القبور (1)» .
وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه، فروى أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح، وابن ماجه وابن حبان في صحيحه من حديث عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور (2)» . وأما حديث حسان بن ثابت رضي الله عنه فروى أحمد وابن ماجه والحاكم عن حسان بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور» .
(1) الترمذي الجنائز (1056)، ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1576).
(2)
الترمذي الجنائز (1056)، ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1576).
فهذه الروايات تدل على تحريم زيارة القبور على النساء؛ فإن لعنة الشارع على الفعل من أدل الدلائل على تحريمه.
أما دعوى نسخ هذه الأحاديث بما في الحديث الصحيح: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها (1)» بناء على أن الإناث يدخلن في خطاب الذكور. فيرده أن محل دخولهن فيه حيث لم يوجد دليل صريح قاض بعدم الدخول كوجود أحاديث لعنة زائرات القبور هنا؛ فإن ذلك من أظهر القرائن على عدم تناول خطاب الإذن لهن، كما بينه العلامة ابن القيم في (تهذيب سنن أبي داود) قال: فإن قيل: إن تعليل الإذن في زيارة القبور في بعض روايات حديث الإذن بتذكر الآخرة يؤيد القول بالنسخ؛ فإن تذكر الآخرة مصلحة يشترك فيها الرجال والنساء. نقول إن مصلحة تذكرهن الآخرة عارضها ما يقارن زيارتهن من فتنة الأحياء وإيذاء الأموات والتبرج وغير ذلك من المفاسد التي لا سبيل إلى دفعها إلا بمنعهن، ومبنى الشريعة على تحريم الفعل إذا كانت مفسدته أرجح من مصلحته، ورجحان هذه المفسدة لا خفاء فيه، فمنعهن زيارة القبور من محاسن الشريعة.
ولهذا مال كثير من أهل العلم إلى استمرار النهي عن زيارة القبور في حق النساء، فقال الحافظ المنذري في (الترغيب والترهيب): قد كان النبي صلى الله عليه وسلم نهاهن عن زيارة القبور نهيا عاما للرجال والنساء، ثم أذن للرجال في زيارتها، واستمر النهي في حق النساء. وقال جامع
(1) مسلم الأضاحي (1977)، النسائي الضحايا (4429)، أبو داود الأشربة (3698)، أحمد (5/ 355).
اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية أبو الحسن البعلي: ظاهر كلام أبي العباس - يعني شيخ الإسلام - ترجيح التحريم، لاحتجاجه بلعن النبي صلى الله عليه وسلم زائرات القبور وتصحيحه إياه، ولا يصح دعوى النسخ؛ بل هو - أي النهي - باق على حكمه، والمرأة لا تشرع لها زيارة القبور لا الزيارة الشرعية ولا غيرها. وقال العلامة السندي في حاشيته على (سنن النسائي) في استمرار النهي عن زيارة القبور في حق النساء: هو الأقرب إلى تخصيصهن بالذكر - أي في أحاديث لعنة زائرات القبور. وقال صديق حسن خان في (حسن الأسوة): الراجح نهي النساء عن زيارة القبور، وإليه ذهب عصابة أهل الحديث كثر الله سوادهم. اهـ.
وما ذكر هؤلاء من استمرار النهي في حق النساء هو ظاهر رواية الإمام أبي داود عن الإمام أحمد بن حنبل، وبه جزم صاحب المهذب وصاحب البيان من الشافعية. قال أبو داود في (مسائل الإمام أحمد): سألت أحمد عن زيارة النساء القبر. قال: لا. قلت: فالرجال أيزورون. قال: نعم، ثم ذكر حديث ابن عباس رحمهما الله تعالى:«لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور» . وقال النووي في شرح المهذب (المجموع): أما النساء فقال المصنف وصاحب البيان من الشافعية لا تجوز لهن الزيارة، وهو ظاهر هذا الحديث، يريد حديث لعنة زائرات القبور.
وأما الأمر الثاني: وهو سلام المرأة على قبر اجتازت به في طريقها إلى
مقصودها، فلا بأس به، ففي (الاختيارات) ما نصه: إذا اجتازت المرأة بقبر بطريقها فسلمت عليه ودعت له فهذا حسن. اهـ.
وعلى هذا حمل الإمام ابن القيم في (تهذيب سنن أبي داود)(1)، ما رواه الترمذي في سننه عن عبد الله بن أبي مليكة قال: توفي عبد الرحمن بن أبي بكر بالحبشي (2)، قال فحمل إلى مكة فدفن فلما قدمت عائشة أتت قبر عبد الرحمن بن أبي بكر فقالت:
وكنا كندماني جذيمة حقبة
…
من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا
…
لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
ثم قالت: والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت، ولو شهدتك ما زرتك. قال ابن القيم بعدما قرر أن هذه الرواية هي المحفوظة قال: وعائشة إنما قدمت مكة للحج فمرت على قبر أخيها في طريقها فوقفت عليه، وهذا لا بأس به، وإنما الكلام في قصدهن الخروج. قال: ولو قدر أنها عدلت إليه وقصدت زيارته فهي قد قالت: لو شهدتك لما زرتك.
وهذا يدل على أن من المستقر المعلوم عندها أن النساء لا يشرع لهن زيارة القبور.
ثم تكلم ابن القيم على رواية البيهقي من طريق يزيد بن زريع عن
(1) الجزء الرابع.
(2)
بضم الحاء وسكون الباء وكسر الشين والتشديد موضع قريب من مكة وقال الجوهري هو جبل بأسفل مكة.