الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السادس: مراعاة العلل الشرعية للأحكام وتغير أحوال الزمان والمكان:
من المعروف عند العلماء أن الفتوى قد تتغير بتغير الزمان أو المكان مراعاة للعلل الشرعية للأحكام، وسماحة الشيخ ابن باز – رحمه الله – كان يراعي هذا الأمر في فتاويه.
ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما أجاب به – رحمه الله – على سؤال حول حكم الهدنة مع العدو اليهودي في فلسطين؟ (1)
قال: لا يلزم من الصلح بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين اليهود ما ذكره السائل بالنسبة إلى بقية الدول، بل كل دولة تنظر في مصلحتها، فإذا رأت أن من المصلحة للمسلمين في بلادها الصلح مع اليهود في تبادل السفراء والبيع والشراء، وغير ذلك من المعاملات – التي يجيزها شرع الله المطهر – فلا بأس في ذلك.
وإن رأت أن المصلحة لها ولشعبها مقاطعة اليهود فعلت ما تقتضيه المصلحة الشرعية، وهكذا بقية الدول الكافرة حكمها حكم اليهود في ذلك.
والواجب على كل من تولى أمر المسلمين، سواء كان ملكا أو أميرا أو رئيس جمهورية أن ينظر في مصالح شعبه، فيسمح بما ينفعهم ويكون في مصلحتهم من الأمور التي لا يمنع منها شرع الله المطهر، ويمنع ما سوى ذلك مع أي من دول الكفر؛ عملا بقول الله – عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (2)، وقوله – سبحانه -:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} (3).
وتأسيا بالنبي – صلى الله عليه وسلم – في مصالحته لأهل مكة ولليهود في المدينة وفي خيبر، وقد قال – عليه الصلاة والسلام – في الحديث الصحيح:«كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والعبد راع في مال سيده، ومسؤول عن رعيته (1)» ، وقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (2).
وهذا كله عند العجز عن قتال المشركين، والعجز عن إلزامهم بالجزية إذا كانوا من أهل الكتاب أو المجوس، أما مع القدرة على جهادهم وإلزامهم بالدخول في الإسلام أو القتل أو دفع الجزية – إن كانوا من أهلها – فلا تجوز المصالحة معهم، وترك القتال وترك الجزية، وإنما تجوز المصالحة عند الحاجة أو الضرورة مع العجز عن قتالهم أو إلزامهم بالجزية إن كانوا من أهلها، لما تقدم من قوله – سبحانه وتعالى –:
(1) أخرجه البخاري في كتاب العتق، باب كراهية التطاول على الرقيق، برقم (2554)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، برقم (1829).
(2)
سورة الأنفال الآية 27