الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا يجوز التعويل عليه، ولا الاحتجاج به في مخالفة السنة الصحيحة والله المستعان.
(هـ) وقال – رحمه الله (1) -:
وأما حديث ابن عمر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن (2)» فهو حديث ضعيف، في إسناده إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة، وأهل العلم بالحديث يضعفون رواية إسماعيل عن الحجازيين ويقولون: إنه جيد في روايته عن أهل الشام أهل بلاده، لكنه ضعيف في روايته عن أهل الحجاز، وهذا الحديث من روايته عن أهل الحجاز فهو ضعيف.
(و) وقال – رحمه الله (3) -:
وأما الحديث الثاني: «من رآني فقد حرمت عليه النار» فهذا لا أصل له وليس بصحيح.
(1)«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (4/ 384).
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب الطهارة، باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن القرآن، برقم (131)، وانظر:«علل ابن أبي حاتم» (1/ 49).
(3)
«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (4/ 445).
المبحث الثالث: الاعتماد على آثار الصحابة وفعل السلف الصالح:
كان – رحمه الله – يهتم بما صح عن الصحابة والتابعين ويفتي بذلك ما لم يخالف نصا صريحا في الشرع.
فإذا لم يكن هناك في المسألة حديث صحيح فإنه كان يفتي بما صح عن الصحابة والسلف الصالح، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
(أ) سئل سماحته عن حكم حمل الإمام المصحف ليقرأ فيه؟ (1)
فأجاب – رحمه الله: لا بأس بهذا – على الراجح –، وفيه خلاف بين أهل العلم، لكن الصحيح أنه لا حرج أن يقرأ من الصحف إذا كان لم يحفظ، أو كان حفظه ضعيفا وقراءته من المصحف أنفع للناس وأنفع له فلا بأس بذلك. وقد ذكر البخاري رحمه الله تعليقا في صحيحه (2) عن عائشة – رضي الله عنها – أنه كان مولاها ذكوان يصلي بها في الليل من المصحف.
والأصل جواز هذا ولكن أثر عائشة يؤيد ذلك أما إذا تيسر الحافظ فهو أولى لأنه أجمع للقلب وأقل للعبث لأن حمل المصحف يحتاج إلى وضع ورفع وتفتيش الصفحات فيصار إليه عند الحاجة وإذا استغنى عنه فهو أفضل.
(ب) وسئل سماحته عن حكم تغيير المكان لأداء السنة بعد الصلاة؟ (3)
(1)«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (11/ 339).
(2)
كتاب الأذان، باب إمامة العبد والمولى، قال: وكانت عائشة يؤمها عبدها ذكوان من المصحف.
(3)
«مجموع فتاوى ومقالات متنوعة» (11/ 378).
فأجاب – رحمه الله: لم يرد في ذلك فيما أعلم حديث صحيح ولكن كان ابن عمر – رضي الله عنهما – وكثير من السلف يفعلون ذلك والأمر في ذلك واسع والحمد لله.
وقد ورد فيه حديث ضعيف عند أبي داود رحمه الله.
وقد يعضده فعل ابن عمر – رضي الله عنهما –، ومن فعله من السلف الصالح، والله ولي التوفيق.
(ج) وسئل سماحته عن حكم دعاء ختم القرآن؟ (1)
فأجاب – رحمه الله: لم يزل السلف يختمون القرآن ويقرؤون دعاء الختمة في صلاة رمضان ولا نعلم في هذا نزاعا بينهم فالأقرب في مثل هذا أنه يقرأ لكن لا يطول على الناس، ويتحرى الدعوات المفيدة والجامعة مثل ما قالت عائشة – رضي الله عنها:«كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يستحب جوامع الدعاء ويدع ما سوى ذلك (2)» .
فالأفضل للإمام في دعاء ختم القرآن والقنوت تحري الكلمات الجامعة وعدم التطويل على الناس يقرأ «اللهم اهدنا فيمن هديت (1)» الذي ورد في حديث الحسن في القنوت ويزيد معه ما يتيسر من الدعوات الطيبة كما زاد عمر (2) ولا يتكلف ولا يطول على الناس ولا يشق عليهم، وهكذا في دعاء ختم القرآن يدعو بما يتيسر من الدعوات الجامعة، يبدأ ذلك بحمد الله والصلاة على نبيه – عليه الصلاة والسلام – ويختم فيما يتيسر من صلاة الليل أو في الوتر ولا يطول على الناس تطويلا يضرهم ويشق عليهم.
وهذا معروف عن السلف تلقاه الخلف عن السلف، وهكذا كان مشايخنا مع تحريهم للسنة وعنايتهم بها يفعلون ذلك، تلقاه آخرهم عن أولهم ولا يخفى على أئمة الدعوة ممن يتحرى السنة ويحرص عليها. فالحاصل أن هذا لا بأس به – إن شاء الله – ولا حرج فيه بل هو مستحب لما فيه من تحري إجابة الدعاء بعد تلاوة كتاب الله – عز وجل –، وكان أنس -
(1) أخرجه أحمد في المسند (1/ 199) برقم (1718)، وأبو داود في كتاب الوتر، باب القنوت في الوتر، برقم (1425)، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء في القنوت في الوتر، من أبواب الوتر، برقم (464)، والنسائي في كتاب قيام الليل، باب الدعاء في الوتر، برقم (1745)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة، باب ما جاء في القنوت في الوتر، برقم (1178).
(2)
ينظر: «السنن الكبرى» للبيهقي كتاب الصلاة، باب دعاء القنوت (2/ 211)، و «تلخيص الحبير» (2/ 24، 25).
رضي الله عنه – إذا أكمل القرآن جمع أهله ودعا في خارج الصلاة، فهكذا في الصلاة فالباب واحد لأن الدعاء مشروع في الصلاة وخارجها وجنس الدعاء مما يشرع في الصلاة فليس بمستنكر.
ومعلوم أن الدعاء في الصلاة مطلوب عند قراءة آية العذاب وعند آية الرحمة يدعو الإنسان عندها كما فعل النبي عليه الصلاة والسلام – في صلاة الليل فهذا مثل ذلك مشروع بعد ختم القرآن، وإنما الكلام إذا كان في داخل الصلاة، أما في خارج الصلاة فلا أعلم نزاعا في أنه مستحب الدعاء بعد ختم القرآن، لكن في الصلاة هو الذي حصل فيه الإثارة والبحث، فلا أعلم عن السلف أن أحدا أنكر هذا في داخل الصلاة، كما أني لا أعلم أن أحدا أنكره خارج الصلاة، هذا هو الذي يعتمد عليه في أنه أمر معلوم عند السلف قد درج عليه أولهم وآخرهم، فمن قال إنه منكر فعليه الدليل، وليس على من فعل ما فعله السلف، وإنما إقامة الدليل على من أنكره وقال إنه منكر أو إنه بدعة، هذا ما درج عليه سلف الأمة وساروا عليه وتلقاه خلفهم عن سلفهم وفيهم العلماء والأخيار والمحدثون، وجنس الدعاء في الصلاة معروف من النبي – عليه الصلاة والسلام – في صلاة الليل فينبغي أن يكون هذا من جنس ذاك.