الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع عشر: الحرص على جمع الكلمة ووحدة الصف:
كان سماحة العلامة ابن باز – رحمه الله – يحرص كل الحرص في فتاويه على جمع كلمة المسلمين فلا تجد في فتاويه ما يترتب عليها الفرقة بين المسلمين.
جاء في فتاويه ما يلي:
(أ) كل إنسان يقيم في بلد يلزمه الصيام مع أهلها (1):
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة الأخ المكرم ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد: فقد وصل إلي كتابكم الكريم وصلكم الله بهداه أما ما أشرتم إليه من أن بعض الموظفين في السفارة السعودية في باكستان صام مع المملكة، والبعض منهم صام مع أهل البلد بباكستان بعد المملكة بثلاث أيام، وسؤالكم عن الحكم في ذلك فقد فهمته.
والجواب: الظاهر من الأدلة الشرعية، هو أن كل إنسان يقيم في بلد يلزمه الصوم مع أهلها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«الصوم يوم تصومون، والإفطار يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون (2)» ولما علم من الشريعة من الأمر بالاجتماع والتحذير من الفرقة والاختلاف، ولأن المطالع تختلف باتفاق أهل المعرفة كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية -
(1)«مجموع فتاوى سامحة الشيخ ابن باز» جمع د/ الطيار (4/ 70).
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب الصوم ذباب ما جاء الصوم يوم تصومون، برقم (697) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه.
رحمه الله – وبناء على ذلك: فالذي صام من موظفي السفارة في الباكستان مع الباكستانيين أقرب إلى إصابة الحق ممن صام مع السعودية، لتباعد ما بين البلدين، ولاختلاف المطالع فيهما، ولا شك أن صوم المسلمين جميعا برؤية الهلال أو إكمال العدة في أي بلد من بلادهم هو الموافق لظاهر الأدلة الشرعية، ولكن إذا لم يتيسر ذلك فالأقرب هو ما ذكرنا آنفا، والله – سبحانه – ولي التوفيق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(ب) وسئل حول الخلاف بين الدعاة العاملين في حقل الدعوة (1):
فأجاب – رحمه الله: الذي أوصي به جميع إخواني من أهل العلم والدعوة إلى الله – عز وجل – هو: تحري الأسلوب الحسن والرفق في الدعوة وفي مسائل الخلاف عند المناظرة والمذاكرة في ذلك وأن لا تحمله الغيرة والحدة على أن يقول ما لا ينبغي أن يقول مما يسبب الفرقة والاختلاف والتباغض والتباعد، بل على الداعي إلى الله والمعلم والمرشد أن يتحرى الأساليب النافعة والرفق في كلمته حتى تقبل كلمته وحتى لا تتباعد القلوب عنه، كما قال الله – عز وجل – لنبيه – صلى الله عليه وسلم:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (2)، وقال – سبحانه – لموسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} (3)، والله يقول – سبحانه:
{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (1)، ويقول – سبحانه -:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (2)، ويقول – صلى الله عليه وسلم:«إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شأنه (3)» ، ويقول – صلى الله عليه وسلم:«من يحرم الرفق يحرم الخير كله (4)» .
فعلى الداعي إلى الله والمعلم أن يتحرى الأساليب المفيدة النافعة وأن يحذر الشدة والعنف؛ لأن ذلك قد يفضي إلى رد الحق وإلى شدة الخلاف والفرقة بين الإخوان، والمقصود هو بيان الحق والحرص على قبوله والاستفادة من الدعوة، وليس المقصود إظهار علمك أو إظهار أنك تدعو إلى الله أو أنك تغار لدين الله، فالله يعلم السر وأخفى، وإنما المقصود أن تبلغ دعوة الله وأن ينتفع الناس بكلمتك، فعليك بأسباب قبولها وعليك الحذر من أسباب ردها وعدم قبولها.
(1) سورة النحل الآية 125
(2)
سورة العنكبوت الآية 46
(3)
أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق، برقم (2594).
(4)
أخرجه مسلم بنحوه في كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق، برقم (2592).
(ج) حول حكم وضع اليمين على الشمال قبل الركوع وبعده (1):
قال – رحمه الله: ينبغي أن يعلم أن ما تقدم من البحث من قبض اليمين بالشمال ووضعهما على الصدر أو غيره قبل الركوع وبعده، كل ذلك من قبيل السنن وليس من قبيل الواجبات عند أهل العلم، فلو أن أحدا صلى مرسلا ولم يقبض قبل الركوع أو بعده فصلاته صحيحة وإنما ترك الأفضل في الصلاة. فلا ينبغي لأحد من المسلمين أن يتخذ من الخلاف في هذه المسألة وأشباهها وسيلة إلى النزاع والتهاجر والفرقة، فإن ذلك لا يجوز للمسلمين، حتى ولو قيل: إن القبض واجب، كما اختاره الشوكاني (2)، بل الواجب على الجميع بذل الجهود في التعاون على البر والتقوى وإيضاح الحق بدليله، والحرص على صفاء القلوب وسلامتها من الغل والحقد من بعضهم على بعض.
(1) مجموع فتاوى سماحة الشيخ ابن باز جمع د الطيار وأحمد الباز (4/ 222، 231).
(2)
ينظر: «نيل الأوطار» (2/ 202).
كما أن الواجب الحذر من أسباب الفرقة والتهاجر؛ لأن الله – سبحانه – أوجب على المسلمين أن يعتصموا بحبله جميعا، وأن لا يتفرقوا، كما قال – سبحانه -:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (1).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله يرضى لكم ثلاثا
…
أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم (2)».
وقد بلغني عن كثير من إخواني المسلمين في إفريقيا وغيرها أنه يقع بينهم شحناء كثيرة وتهاجر بسبب مسألة القبض والإرسال، ولا شك أن ذلك منكر لا يجوز وقوعه منهم؛ بل الواجب على الجميع التناصح والتفاهم في معرفة الحق بدليله، مع بقاء المحبة والصفاء والأخوة الإيمانية، فقد كان أصحاب الرسول – صلى الله عليه وسلم – رضي الله عنهم – والعلماء بعدهم – رحمهم الله – يختلفون في المسائل الفرعية، ولا يوجب ذلك بينهم فرقة ولا تهاجرا؛ لأن هدف كل واحد منهم هو معرفة الحق بدليله، فمتى ظهر لهم اجتمعوا عليه، ومتى خفي على بعضهم لم يضلل أخاه، ولم يوجب له ذلك هجره ومقاطعته وعدم الصلاة خلفه.
(1) سورة آل عمران الآية 103
(2)
جزء من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه: «إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا.» ، أخرجه أحمد (2/ 367)، برقم (8785)، ومسلم بنحوه في كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة .. برقم (1715).