المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ فقه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم الأدلة الشرعية الدالة على تحريم الاختلاط وامتثلوا لها - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٨١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌المستحب أن يصلح أقرباء الميت وجيرانه طعاما لأهله

- ‌زيارة القبور

- ‌تحريم زيارة النساء للقبور

- ‌قوله: إلا لنساء

- ‌قوله: غير قبره صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه

- ‌حكم وقوف النساء عند دخولهن المسجدعلى قبر النبي وسلامهن على قبر اجتزن به

- ‌بناء مظلة عند المقبرة للمعزين

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله

- ‌ تكميل زكاة الحلي إذا كان المخرج أقل من الواجب

- ‌لا يجب إخراج زكاة الحلي منها

- ‌زكاة الحلي على مالكها

- ‌حكم زكاة الذهب بعد بيعه

- ‌كيفية زكاة الذهب المرصع بفصوص وأحجار كريمة

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌من ينام عن الصلاة ثم يصليها بعد خروج وقتها

- ‌كان الزوجان لا يصليان ثم التزما، فهل يجددان عقد الزواج

- ‌زوجها لا يصلي رغم نصيحتها له، هل تستمر معه

- ‌من مات وعليه صلاة

- ‌من ترك صلاة هل تقبل صلواته الأخرى

- ‌ غيبة الذين لا يؤدون الصلاة إطلاقا والاستهزاء بهم

- ‌هل تارك الصلاة مخلد في النار

- ‌حكم بول الغنم وروثها

- ‌ حكم الصلاة في ثوب فيه بقع من جرح دم

- ‌طهارة المكان

- ‌من فتاوىاللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌ هدم المسجد وإعادة بنائه

- ‌ الصلاة في مسجد مبني من دورين

- ‌البحوث

- ‌معرفة التوحيد والعلم به:

- ‌المبحث الثاني: العمل بالتوحيد:

- ‌المبحث الثالث: الاجتماع على التوحيد:

- ‌المبحث الرابع: الدعوة إلى التوحيد:

- ‌الأحكام الفقهية المتعلقة بالأيمان الالتزامية

- ‌مقدمة:

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: في المتفق عليه من الأيمان التي يحلف بها الناس

- ‌المطلب الأول: الحلف بالله بأسمائه وصفاته

- ‌المطلب الثاني: في الحلف بغير الله:

- ‌المبحث الثاني: الأيمان المختلف فيها وهي الأيمان الالتزامية:

- ‌المطلب الأول: الحلف بملة غير الإسلام

- ‌المطلب الثاني: الحلف بالتحريم أو بالحرام:

- ‌الفرع الأول: الحلف على تحريم غير الزوجة:

- ‌الفرع الثاني: الحلف على تحريم الزوجة:

- ‌المطلب الثالث: الحلف بالطلاق والعتاق والنذر والظهار والإيجاب، هل يأخذ حكم اليمين أم لا

- ‌المطلب الثاني: الحلف بالتحريم أو بالحرام:

- ‌الفرع الأول: الحلف على تحريم غير الزوجة:

- ‌الفرع الثاني: الحلف على تحريم الزوجة:

- ‌المطلب الثالث: الحلف بالطلاق والعتاق والنذر والظهار والإيجاب، هل يأخذ حكم اليمين أم لا

- ‌الخاتمة وتتضمن أهم النتائج:

- ‌موقف الإسلام من الاختلاط(شبهات وردود)

- ‌مقدمة:

- ‌تمهيد:

- ‌مناقشة الشبهات في قضية الاختلاط:

- ‌ فقه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم الأدلة الشرعية الدالة على تحريم الاختلاط وامتثلوا لها

- ‌ الزعم بأنه لم يمنع الاختلاط إلا في المجتمعات الإسلامية الانفصالية التي سادت في عصور الانحطاط

- ‌ القول بأن تعويل الإسلام في تحقيق أهدافه وقيمه في تطهير العلاقات بين الجنسين من التحلل والفساد إنما يقوم فقط على التوعية والتربية العقائديتين

- ‌ الأصل في قرار النساء في البيوت أنه عبادة ووقاية

- ‌الخاتمة:

- ‌حكم الإسقاط من الدين المؤجل عوضا عن التعجيل، والمعروفة فقها بـ «ضع وتعجل»

- ‌المسألة الأولى:المراد بالمسألة وأهميتها:

- ‌المسألة الثانية: علاقة «ضع وتعجل بالصلح على الإبراء»:

- ‌المسألة الثالثة: الخلاف في المسألة مع الاستدلالات، ويتضمن أربعة فروع:

- ‌الفرع الأول: تحرير محل النزاع في المسألة:

- ‌المسألة الرابعة: أثر الاشتراط على المسألة:

- ‌الخاتمة:

- ‌الإمام العلامة الشيخ عبد العزيز بن بازوأصول منهجه في الفتوى

- ‌المقدمة:

- ‌التمهيد:

- ‌أصول منهج سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز في الفتوى:

- ‌المبحث الثاني: العناية بصحة الحديث سندا ومتنا:

- ‌المبحث الثالث: الاعتماد على آثار الصحابة وفعل السلف الصالح:

- ‌المبحث الرابع: الجمع بين الرواية والدراية:

- ‌المبحث الخامس: الاستدلال بالقواعد الأصولية ورعاية مقاصد الشريعة:

- ‌المبحث السادس: مراعاة العلل الشرعية للأحكام وتغير أحوال الزمان والمكان:

- ‌المبحث السابع: اعتبار القواعد الشرعية في التيسير ورفع الحرج دون تساهل:

- ‌المبحث الثامن: الاستشارة في الفتوى والاستفادة من أهل الخبرة:

- ‌المبحث التاسع: الأخذ بالاجتهاد الجماعي والدعوة إليه:

- ‌المبحث العاشر: العالمية والاجتهاد في النوازل والمستجدات:

- ‌المبحث الحادي عشر: التركيز على مسائل الاعتقاد:

- ‌المبحث الثاني عشر: الاهتمام بالقضايا الاجتماعية والأخلاقية:

- ‌المبحث الثالث عشر: مزج الفتوى بالدعوة والتربية:

- ‌المبحث الرابع عشر: الحرص على جمع الكلمة ووحدة الصف:

- ‌المبحث الخامس عشر: الدقة والإلمام بحيثيات المسألة والتفصيل لها

- ‌المبحث السادس عشر: الوضوح والبعد عن الإغراق في الاختلافات:

- ‌المبحث السابع عشر: الورع والتوقف والأخذ بالأحوط في المشتبهات:

- ‌المبحث الثامن عشر: الثبات في الفتوى عند وضوح الدليل والرد على المخالف:

- ‌المبحث التاسع عشر: الأدب مع العلماء المخالفين وإحسان الظن بهم:

- ‌المبحث العشرون: عدم الإنكار على المخالف في مسائل الاجتهاد التي لا نص فيها:

- ‌الخاتمة

- ‌إبطال تلبيسات الرفاعي

- ‌بيان في أن اجتماع الأمةيكون بالتمسك بالكتاب والسنة

- ‌بيان حول مشاهدة قنوات السحر والاتصالبها واستشارتها في العلاج وحل المشكلات

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ فقه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم الأدلة الشرعية الدالة على تحريم الاختلاط وامتثلوا لها

صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر (1)».

وكذلك ما روي عن أم سلمة رضي الله عنهما أنها قالت: «كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة، فأقبل ابن أم كلثوم، وذلك بعد أن أمرنا بالحجاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: احتجبا منه، فقلنا: يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا؟، فقال صلى الله عليه وسلم: أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟ (2)» .

ومما لا شك فيه أنه لن يتسنى للرجال ولا للنساء غض البصر في ظل إباحة اختلاطهما ببعضهما في ميادين العمل والتعليم وغيرها ولو كان ذلك بقصد تبليغ الدعوة الإسلامية.

(1) رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب (الحج)، باب (الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما) ج9 ص97.

(2)

رواه الإمام في المسند ج6 ص296. وأبو داود في سننه في كتاب (اللباس) باب (في قوله عز وجل: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن) ج4 ص63، 64، الحديث رقم (4112). والترمذي في سننه في (أبواب الاستئذان والآداب)، باب (ما جاء في احتجاب النساء من الرجال)، ج4 ص191، 192، الحديث رقم (2928)، وقال:(حديث حسن صحيح).

ص: 166

ثانيا: لقد‌

‌ فقه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم الأدلة الشرعية الدالة على تحريم الاختلاط وامتثلوا لها

، فاجتنبوا الاختلاط ومنعوه. وما نقل عنهم في هذا الجانب يثبت هذا ويقرره، ومن ذلك ما يلي:

ص: 166

1 -

روي أنه دخلت على عائشة رضي الله عنها مولاة لها، فقالت لها:«يا أم المؤمنين طفت بالبيت سبعا واستلمت الركن مرتين أو ثلاثا، فقالت لها عائشة: لا آجرك الله، لا آجرك الله، تدافعين الرجال؟!!، ألا كبرت ومررت (1)» .

2 -

كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه شديد الغيرة على النساء، فهو الذي أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بحجب نسائه فوافقه القرآن، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال عمر رضي الله عنه: قلت: «يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب فأنزل الله آية الحجاب (2)» ، وكان رضي الله عنه (ينهى الرجال عن الدخول في المسجد من باب النساء)(3).

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال: نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء، قال: فرأى رجلا معهن فضربه بالدرة)(4).

3 -

وعن ابن جريج أنه قال: أخبرني عطاء – إذ منع ابن هشام

(1) رواه الإمام الشافعي في مسنده ص127.

(2)

رواه البخاري في صحيحه في كتاب (التفسير)، الباب (8)، الحديث رقم (4790) ج8 ص527.

(3)

عبد الوهاب الشعراني – كشف الغمة عن جميع الأمة ج1 ص104.

(4)

فتح الباري ج3 ص480.

ص: 167

النساء الطواف مع الرجال – قال: كيف يمنعهن وقد طاف نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع الرجال؟، قلت: أبعد الحجاب أو قبل؟، قال: أي لعمري لقد أدركته بعد الحجاب، قلت: كيف يخالطن الرجال؟، قال: لم يكن يخالطن، كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حجرة من الرجال لا تخالطهم) (1). وهذا مما يدل على حرص النساء في صدر الإسلام على عدم مزاحمة الرجال أو الاختلاط بهم حتى في المطاف بالمسجد.

4 -

وروي أنه قيل لسودة رضي الله عنها: (ألا تحجين وتعتمرين كما يفعل أخواتك، فقالت: قد حججت واعتمرت فأمرني الله أن أقر في بيتي. قال الراوي: فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت جنازتها رضوان الله عليها)(2).

5 -

وأثر عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال مستنكرا اختلاط النساء بالرجال: (ألا تستحيون ألا تغارون أن يخرج نساؤكم؟،

(1) صحيح البخاري مع الفتح، كتاب (الحج)، الباب (64)، الحديث رقم (1618)، ج3 ص479 - 480.

(2)

القرطبي – الجامع لأحكام القرآن ج14 ص180 – 181. والشوكاني – فتح القدير ج4 ص281.

ص: 168

فإنه بلغني أن نساءكم يخرجن في الأسواق يزاحمن العلوج (1)(2).

6 -

وروي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن زوجته عاتكة بنت زيد شرطت عليه ألا يمنعها الخروج إلى المسجد فأجابها، فلما أرادت الخروج إلى المسجد للعشاء الآخر شق ذلك عليه ولم يمنعها، فلما عيل صبره خرج ليلة إلى العشاء وسبقها، وقعد لها على الطريق بحيث لا تراه، فلما مرت ضرب بيده على عجزها فنفرت من ذلك ولم تخرج بعد. (3).

7 -

وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: (أخروهن حيث أخرهن الله)، وعن أبي عمر الشيباني أنه رأى عبد الله بن مسعود يخرج النساء من المسجد يوم الجمعة ويقول:«أخرجن إلى بيوتكن فهو خير لكن» . وعنه رضي الله عنه أنه قال – حاثا المرأة على قرارها في بيتها: «إنما النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس فيستشرفها الشيطان، فيقول: إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبته، وإن المرأة

(1) العلوج: جمع علج وهو الرجل من كفار العجم، أو الضخم القوي.

(2)

ابن الجوزي – أحكام النساء ص34.

(3)

انظر: ابن الأثير الجزري – أسد الغابة في معرفة الصحابة ج6 ص185.

ص: 169

لتلبس ثيابها، فيقال: أين تريدين؟، فتقول: أعود مريضا، أو أشهد جنازة، أو أصلي في مسجد، وما عبدت امرأة ربها بمثل أن تعبده في بيتها».

وبعد: فكيف يقال بعد كل ما تقدم إن الإسلام لم يمنع الاختلاط ولم يمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام؟!!، إن هذا إلا محض افتراء لا يقبل صدوره من مسلم عنده أدنى فقه لنصوص الشريعة وأحكامها ومعرفة لسير الصدر الأول للإسلام.

ص: 170

ثالثا: إطلاق القول بأن مجتمعات المسلمين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد صحابته رضوان الله عليهم مجتمعات مختلطة في المساجد والأسواق ومجالس العلم وساحات الجهاد ومجالس التشاور في أمور المسلمين .. إلخ، إطلاق غير سديد ولا سليم.

أما في المساجد والطرقات فلم يكن فيها اختلاط بين الرجال والنساء بالصورة التي يريدها دعاة الاختلاط، لأن الرجال كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته يصلون في مقدمة المسجد والنساء في مؤخرته مع عنايتهن بالحجاب والتحفظ من كل ما يثير الفتنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يذهب إليهن في يوم العيد بعد ما يعظ الرجال

ص: 170

فيعظهن ويذكرهن لبعدهن عن سماع خطبته، فعن عبد الرحمن بن عابس أنه قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما قيل له: (أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم؟، قال نعم، ولولا مكاني من الصغر ما شهدته، حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصامت فصلى ثم خطب، ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة)(1).

قال الحافظ ابن حجر: (قوله: (ثم أتى النساء) يشعر بأن النساء كن على حدة من الرجال غير مختلطات بهم، وقوله (ومعه بلال) فيه أن الأدب في مخاطبة النساء في الموعظة أو الحكم أن لا يحضر من الرجال إلا من تدعو الحاجة إليه من شاهد ونحوه، لأن بلالا كان خادم النبي صلى الله عليه وسلم ومتولي قبض الصدقة، وأما ابن عباس فقد تقدم أن ذلك اغتفر له بسبب صغره) (2).

ولم يقتصر منع الاختلاط بين الرجال والنساء على الجمع الكثير فحسب، بل تناول ذلك المرأة الواحدة إذا صلت مع الرجال، فعن أنس رضي الله عنه أنه قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أم سليم، فقمت ويتيم خلفه، وأم سليم خلفنا) (3).

(1) رواه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب (العيدين)، الباب (18)، الحديث رقم (977) ج2 ص465.

(2)

فتح الباري ج2 ص466.

(3)

رواه البخاري في صحيحه في كتاب (الأذان)، الباب (164)، الحديث رقم (871)، ج2 ص351.

ص: 171

وقد خصص صلى الله عليه وسلم في مسجده بابا للنساء يدخلن ويخرجن منه لا يخالطهن فيه الرجال، فقد ترجم أبو داود في سننه بابا بقوله (باب اعتزال النساء في المساجد عن الرجال)، ثم روى حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو تركنا هذا الباب للنساء (1)» ، قال نافع تلميذ عبد الله بن عمر:(فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات).

وكان الرجال في عهده صلى الله عليه وسلم يؤمرون بالتريث في الانصراف حتى يمضي النساء ويخرجن من المسجد لئلا يختلط بهن الرجال في الطريق من المسجد إلى البيت مع ما هم عليه جميعا رجالا ونساء من الإيمان والتقوى. فعن هند بنت الحارث أن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم قام النساء حين يقضي تسليمه، ويمكث هو في مقامه يسيرا قبل أن يقوم. (2)» قال الإمام الزهري رحمه الله: نرى – والله أعلم – أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن أحد من الرجال) (3). وفي

(1) سنن أبي داود، كتاب (الصلاة)، باب (اعتزال النساء في المساجد عن الرجال) الحديث رقم (462) ج1 ص126. وقد صحح الشيخ الألباني الحديث مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذلك في (صحيح الجامع الصغير) ج5 ص61، برقم (5134).

(2)

البخاري الأذان (832)، النسائي السهو (1333)، أبو داود الصلاة (1040)، ابن ماجه إقامة الصلاة والسنة فيها (932)، أحمد (6/ 296).

(3)

صحيح البخاري، كتاب (الأذان)، الباب (164)، الحديث رقم (870) ج2 ص350 – 351.

ص: 172

رواية أخرى: «كان صلى الله عليه وسلم يسلم فينصرف النساء فيدخلن بيوتهن من قبل أن ينصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)» .

يقول الحافظ ابن حجر: (وفي الحديث الاحتياط في اجتناب ما قد يفضي إلى المحذور، وفيه اجتناب مواضع التهم، وكراهة مخالطة الرجال للنساء في الطرقات فضلا عن البيوت)(2).

ويقول ابن قدامة: (إذا كان مع الإمام رجال ونساء فالمستحب أن يثبت هو والرجال بقدر ما يرى أنهن قد انصرفن، ويقمن هن عقب تسليمه)، ثم يتابع قائلا – عقب الاستشهاد بالحديث المذكور آنفا:(لأن الإخلال بذلك من أحد الفريقين يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء)(3).

وكان يؤذن للنساء في الخروج إلى المساجد في الليل لكونه أستر وأخفى وأبعد عن الفتنة. يقول صلى الله عليه وسلم: «ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد (4)» ، ويروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم

(1) صحيح البخاري، كتاب (الأذان)، الباب (157)، الحديث رقم (850) ج2 ص334.

(2)

فتح الباري، ج2 ص336.

(3)

المغني ج2 ص336.

(4)

رواه مسلم في صحيحه في كتاب (الصلاة)، باب (خروج النساء إلى المساجد) ج4 ص162.

ص: 173

ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس (1)».

كما كان يطلب منهن اجتناب الطيب والزينة لكونهما من دواعي الفتنة، يقول صلى الله عليه وسلم:«إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا (2)» ، ويقول:«أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة (3)» . ولقد تنبهت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى خطر تساهل المرأة في خروجها من بيتها فقالت: «لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل (4)» .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينهى النساء أن يتوسطن الطريق ويأمرهن بلزوم حافاته حذرا من الاختلاط بالرجال والفتنة بمماسة بعضهم بعضا أثناء السير في الطريق، فعن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه

(1) رواه البخاري في صحيحه في كتاب (مواقيت الصلاة)، الباب (27)، الحديث رقم (578)، ج2 ص54. ورواه مسلم في صحيحه في كتاب (المساجد ومواضع الصلاة)، باب (استحباب التكبير بالصبح في أول وقتها) ج5 ص143 – 144.

(2)

رواه مسلم في صحيحه في كتاب (الصلاة)، باب (خروج النساء إلى المساجد) ج4 ص163.

(3)

رواه مسلم في صحيحه في الموضع السابق، ج4 ص163.

(4)

صحيح البخاري مع الفتح، كتاب (الأذان)، الباب (163)، الحديث رقم (869)، ج2 ص349. ورواه مسلم في صحيحه – واللفظ له – في كتاب (الصلاة)، باب (خروج النساء إلى المساجد) ج4 ص163 - 164.

ص: 174

أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال بالنساء في الطريق: «استأخرن، فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق)، فكانت المرأة تلصق بالجدار، حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به (2)» .

وأما مجالس العلم فقد كان النساء في عهده صلى الله عليه وسلم لا يختلطن فيه بالرجال الاختلاط الذي ينهى عنه المصلحون اليوم ويرشد القرآن والسنة علماء الأمة إلى التحذير منه حذرا من فتنته، فقد كن يجلسن – في معزل عن الرجال – في مؤخرة المسجد. فيسمعن المواعظ والخطب ويتعلمن أحكام دينهن، مع عنايتهن بالحجاب وإخفاء الزينة، فأين هذا مما ينادي به اليوم دعاة التحديث من اختلاط الجنسين في التعليم وغيره؟، فكيف يجوز لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول إن جلوس الطالبة بحذاء الطالب في كرسي الدراسة مثل جلوس الصحابيات مع أخواتهن في مؤخرة المسجد لسماع الذكر وتعلم أحكام الدين؟، هذا لو سلمنا بوجود

(1) رواه أبو داود في سننه في كتاب (الأدب)، باب (في مشي النساء مع الرجال في الطريق)، الحديث رقم (5272) ج4 ص369، وقد حسنه الألباني في (صحيح الجامع الصغير) برقم (942) ج1 ص317.

(2)

تحققن الطريق: أي تتوسطنه. انظر: لسان العرب، مادة (حقق). (1)

ص: 175

الحجاب الشرعي المتضمن تغطية الوجه والكفين، فكيف إذا كان جلوسها مع الطالب في كرسي الدراسة مع كشف الوجه والكفين وإظهار الزينة والمحاسن، وغير ذلك مما يجر إلى الفتنة ويوقع في المحذور؟!!.

ومعلوم أن جلوس الطالبة مع الطالب في كرسي الدراسة من أعظم أسباب الفتنة، ومن أسباب ترك الحجاب الذي شرعه الله للمؤمنات ونهاهن عن أن يبدين زينتهن لغير من بينهم الله سبحانه في قوله:{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} (1) الآية.

ولهذا دعا المصلحون إلى إفراد النساء عن الرجال في دور التعليم، وأن يكن على حدة والشباب على حدة حتى يتمكن من تلقي العلم من المدرسات بكل راحة من غير حجاب ولا مشقة، لأن تلقي العلوم من المدرسات في محل خاص أصون للجميع وأبعد لهن من أسباب الفتنة وأسلم للشباب من الفتنة، ولأن انفراد الشباب في دور التعليم عن الفتيات مع كونه أسلم لهم من الفتنة فهو أقرب إلى عنايتهم بدروسهم وشغلهم بها

(1) سورة النور الآية 31

ص: 176

وحسن الاستماع إلى الأساتذة وتلقي العلوم عنهم بعيدين عن ملاحظة الفتيات والانشغال بهن (1).

وأما ساحات الجهاد فيجيب عنها سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله قائلا: (قد يتعلق بعض دعاة الاختلاط ببعض ظواهر النصوص الشرعية التي لا يدرك مغزاها ومرماها إلا من نور الله قلبه وتفقه في دين الله وضم الأدلة الشرعية بعضها إلى بعض، وكانت في تصوره وحدة لا يتجزأ بعضها عن بعض. ومن ذلك خروج بعض النساء مع الرسول صلى الله عليه وسلم في بعض الغزوات. والجواب عن ذلك: أن خروجهن كان مع محارمهن لمصالح كثيرة لا يترتب عليه ما يخشى عليهن من الفساد، لإيمانهن وتقواهن وإشراف محارمهن عليهن وعنايتهن بالحجاب بعد نزول آيته، بخلاف حال الكثير من نساء العصر، ومعلوم أن خروج المرأة من بيتها إلى العمل يختلف تماما عن الحالة التي خرجن بها مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الغزو، فقياس هذه على تلك يعتبر قياسا مع الفارق.

وأيضا فما الذي فهمه السلف الصالح حول هذا وهم لا شك أدرى بمعاني النصوص من غيرهم وأقرب إلى التطبيق العملي بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ فما هو الذي نقل عنهم على مدار الزمن؟، هل وسعوا الدائرة كما ينادي دعاة الاختلاط فنقلوا ما ورد في ذلك إلى أن تعمل المرأة في كل ميدان من ميادين الحياة مع الرجال تزاحمهم

(1) انظر: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز – الرسائل والفتاوى النسائية ص32، 37.

ص: 177

ويزاحمونها وتختلط معهم ويختلطون معها، أم أنهم فهموا أن تلك قضايا معينة لا تتعداها إلى غيرها؟. وإذا استعرضنا الفتوحات الإسلامية والغزوات على مدار التاريخ لم نجد هذه الظاهرة (1)(2).

وأما مجالس التشاور في أمور المسلمين، فلم تكن المرأة قط عضوا فيها في صدر الإسلام، فهي – مثلا – لم تشارك الصحابة في اجتماع ثقيفة بني ساعدة إثر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم للتشاور في من يختارونه خليفة لهم، ولم يحدث أن جمع الخلفاء الراشدون النساء لاستشارتهن في قضايا الدولة وشؤون المسلمين كما كانوا يفعلون مع الرجال، ولا نعلم في تاريخ الإسلام كله أن المرأة كانت تسير مع الرجل جنبا إلى جنب في إدارة شؤون الدولة وسياستها، وكل ما يرويه التاريخ لنا هو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيعة النساء يوم فتح مكة من دون أن يصافحهن (3).

ومن زعم أن هذا يدل على اختلاط النساء بالرجال في صدر الإسلام للمشاركة في سياسة الدولة والإسهام في حل قضايا المسلمين وشؤونهم فقد أخطأ وحمل وقائع التاريخ ما لا تحتمل.

نعم وقع في بعض أدوار التاريخ الإسلامي أن شاركت المرأة في بعض قضايا الدولة وشؤونها، وكان لبعضهن مشورة في بعض أمور المسلمين، ولكن هذه تصرفات ووقائع نادرة لمناسبات خاصة تقدر بقدرها

(1) يعني: ظاهرة الاختلاط بين الرجال والنساء.

(2)

الرسائل والفتاوى النسائية ص23 - 24.

(3)

انظر: د. مصطفى السباعي – المرأة بين الفقه والقانون ص151.

ص: 178

لا يبنى عليها حكم ولا تأخذ حكم القاعدة. وأحكام الإسلام إنما تؤخذ من نص ثابت في كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو قياس صحيح عليهما، أو إجماع التقى عليه أئمة المسلمين وعلماؤهم، وعليه فلا يصح الاستدلال بالتصرفات الفردية من آحاد الناس، حتى ولو كان أصحابها من الصحابة (1) رضوان الله عليهم أو التابعين من بعدهم.

فمن المقطوع به أن تصرفات هؤلاء جميعا توزن بميزان الشرع الإسلامي، وليس الشرع هو الذي يوزن بتصرفاتهم ووقائع أحوالهم، ولذا فإن من مقررات علماء السلف قولهم:(لا تعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله).

ولو كان لتصرفات آحاد الصحابة أو التابعين مثلا قوة الدليل الشرعي دون حاجة إلى الاعتماد على دليل آخر لبطل أن يكونوا معرضين للخطأ، ولوجب أن يكونوا معصومين مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هذا لأحد إلا للأنبياء عليهم وعلى خاتمهم الصلاة والسلام، أما ما عداهم فحق عليهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كل بني آدم خطاء (2)» ، وإلا فما بالنا لا نقول – مثلا – بحل

(1) هناك فرق بين (قول الصحابي) و (واقعة حال له) فتنبه لهذا.

(2)

رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس بن مالك، ج3 ص198. ورواه الدارمي في سننه في كتاب (الرقاق)، باب (في التوبة) ج2 ص213 برقم (2730). كما رواه الترمذي في سننه في أبواب (صفة القيامة)، الباب (15)، الحديث رقم (2616) ج4 ص70. وحسنه الألباني في (صحيح الجامع الصغير) برقم (4391) ج4 ص171، وتتمة الحديث: (وخير الخطائين التوابون).

ص: 179