المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد السابع - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السابع

- ‌بحثالأسوَاق المالِيَّةفيمِيزان الفقه الإسلَاميإعدَادالدكتور علي محيي الدّين القره داغي

- ‌الأسهم، الاختِيارات – المستَقبَليّاتأنواعهَا وَالمعامَلات التي تجري فيهَاإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌الاختِياراتإعدادفضيلة الشيخ محمّد المختار السّلامي

- ‌عقُود الاختياراتإعدَادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الاختِياراتإعدَادفضيلة الدكتور الصديق محمّد الأمين الضرير

- ‌الاختِياراتدَراسَة فِقهيّة تحليليّة مُقَارنَةإعدَادعَبد الوهاب ابراهيم أبو سليمان

- ‌الاختيارَات في الأسوَاق الماليَّةفي ضَوء مُقرّرات الشريعَة الإسلَاميِّةإعدَادالدكتور عبد الستار أبو غدّة

- ‌عقُود المستَقبليات في السّلعفي ضَوء الشّريعَةِ الإسلاميَّةإعداَدالقاضي محمَّد تقي العثماني

- ‌بطَاقَة الائتمان وَتكييفها الشَّرعيإعدادالدكتور عبد السّتار أبُوغُدَّة

- ‌بطَاقات الائتمانإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌بِطاقَة الائتِماندرَاسة شرعِيَّة عَمليَّة مُوجَزةإعدَادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المشاركة في شركات أصل نشَاطها حَلَالإلاّ أنّهَا تتعَامل بالحَرامإعدَادالشيخ عبد الله الشيخ محفوظ بن بية

- ‌التعامُل مَع شركات تَقوُم بأعمال مَشروعَةوَتتعامَل مَع البُنوُك بالفَوائدإعداَدفضيلة الشيخَ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بية

- ‌بَحثٌ عَن بَطاقات الائتمان المصرفيّةوالتكييف الشرعي المعمُول به فيبَيت التمويل الكويتي

- ‌دَراسَة مُقَدّمة إلىالنّدوة الثانِية للأوَراقِ المالِيّةمِن بنك البحَرين الإسلَاميحَولتَحرير محافظ الأوَراق الماليّة للبُنوك الإسلاميّةمِن المَالِ المشتبَه في حِلِّهوَالمعالجَة المالية المقترحَة لعَزل أثر التعَامُل بالفَائدةعَلى عَائداتِ الأسهُم

- ‌أسئلة عَلى الأسهم وَالاختيارات وَالمستَقَبليّاتمُقَدّمَة مِنَ البنك الإسلامي للتَنميَة

- ‌التّوصيَات الصَّادرة عَن النَّدوة الفِقهيَّة الاقتصَاديَّةالمنعقدَة بَينمجمَع الفِقِه الإسلَامي وَالبنك الإسلَامي للتِنميَة

- ‌البَيَان الخِتامي وَالتّوصيَاتللنّدوة الثانيَة للأِسَواقِ المالِيَّةالمنعقدَة بدَولة البحَرين

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الأول: (المداينة ونظرة الإسلام إليها) .المحور الثاني: (بين صلح الحطيطة وحسم الكمبيالة) .المحور الثالث: (ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار) .إعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌أحكام البيع بالتقسيطوسائله المعاصرة في ضوء الفقه الإسلاميإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثاني: الحطيطة والحلولإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌توثيق الدين والمعاملات المالية الأخرىإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثانيتوثيق الدين في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌عقد الاستصناعومدى أهميته فيالاستثمارات الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة الشيخ مصطفي أحمد الزرقاء

- ‌عقد الاستصناعإعدادالأستاذ الدكتور علي السالوس

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الاستصناع ودوره فيالعمليات التمويلية المعاصرةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌أثر الاستصناعفي تنشيط الحركة الصناعيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌عقد الاستصناعإعدادفضيلة الشيخ كمال الدين جعيط

- ‌الاستصناع والمقاولاتفي العصر الحاضرإعداد فضلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الاستصناعتعريفه - تكيفه - حكمه - شروطهأثره في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادالدكتور سعود بن مسعد بن مساعد الثبيتي

- ‌عقد الاستصناعوعلاقته بالعقود الجائزةإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌بيع الوفاء وعقد الرهنإعدادفضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌ موضوع بيع الوفاء

- ‌بيع الوفاءإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌بيع الوفاء عند الإماميةإعدادحجة الإسلام الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌(مدى انتفاع الاقتصاد من بيع الوفاء)أوتوظيف بيع الوفاء في اقتصاد العصرإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الوفاء بما يتعلق ببيع الوفاءشيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بيرم الثاني(المتوفى 1247هـ)تقديم وتحقيقمحمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌بيع الوفاءفي الفقه الإسلاميإعدادمحيي الدين قادي

- ‌بيع الوفاءإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

- ‌أحكام الرهنوحكم الإنتفاع بالمرهونإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌بيع الوفاء وحكمهإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌بيع الوفاءإعدادفضيلة الشيخ المفتي محمد رفيع العثماني

- ‌بيع الثنيا أو بيع الوفاءإعدادالأستاذ محمود شمام

- ‌عقد الرهنوأوجه الشبه بينه وبين عقد الوفاءإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العلاج الطبيمبحث التداويإذن المريض وعلاج الحالات الميئوس منهاإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌حكم التداوي في الإسلامإعدادالدكتور علي محمد يوسف المحمدي

- ‌العلاج الطبيإعدادالدكتور محمد عدنان صقال

- ‌الحقوق الدولية في الإسلامإعدادفضيلة الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌المعاهدات والاتفاقاتمنالعلاقات الدولية في أثناء السلمإعدادسماحة الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌أصول العلاقات الدوليةبين الإسلام والتشريعات الوضعيةإعدادالدكتور محمد الدسوقي

- ‌السلم، والحرب، والعلاقات الدوليةفي الإسلامإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌رسالةمعالي الدكتور محمد معروف الدواليبيحولالغزو الفكري

- ‌دراسة حول الغزو الثقافي للعالم الإسلاميبداياته، دوافعه، أبعاده، سبل مواجهتهإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الغزو الفكريفي المعيار العلمي الموضوعيإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الغزو الفكري وأساليب المواجهةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الغزو الفكريإعدادالدكتور أبو بكر دكوري

- ‌الغزو الفكرىفى التصور الإسلامىإعدادالدكتور أحمد عبد الرحيم السايح

- ‌المسلمون وتحديات الفكر المعاصرإعدادالشيخ القاسم البهيقي المختار

- ‌الغزو الفكري في حياة المسلمينمنافذ دخُوله.. وَوَسَائل مُقاومتهإعدادالدكتور عُمَر يُوسف حَمزة

الفصل: ‌ ‌العدد السابع

‌العدد السابع

ص: 1

كلمة معَالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي

الدكتور حامد الغابد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

إنه لمن دواعي البهجة والسعادة أن أقدم هذا العدد السابع من مجلة مجمع الفقه الإسلامي إلى قادة دولنا الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي وإلى جميع القراء والباحثين أينما وجدوا.

ولقد أدركت بمجرد الوقوف على موضوعات هذا العدد أنه زاخرٌ، كالأعداد التي سبقته، ببحث قضايا ذات أهمية قصوى، لها صلة مباشرة بحياة المسلم اليومية.

وقد اكتسبت بذلك مجلة المجمع هذه شهرة عالمية بسبب تنوع موضوعاتها العميقة النظر والدرس، وأصبحت مرجعًا أساسيًّا لكل باحث وكاتب في جميع أنحاء المعمورة. ولا شك أن ذلك مصدر فخر وإكبار للمسلمين كافة.

ورددت وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة والمقروءة في كل أنحاء العالم الإسلامي صدى نجاح هذه المؤسسة المجمعية، بما يطرق فقهاؤها وخبراؤها من موضوعات جد مهمة، تعكس بصورة جلية قدرة شريعتنا الغراء على تقديم الحلول المناسبة والمعالجات الجديدة للمشكلات المعاصرة بما يحقق خير المجتمع الإسلامي ومصلحته.

ص: 2

وإني لأرى لزامًا عليّ من منطلق المسؤولية، وأنا على رأس الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، أن أقدر إنجازات مجمع الفقه الإسلامي حق قدره، وأن أنوه بالدراسات الكثيرة والعميقة التي قام بها، سواء في ندواته أو مؤتمراته، في شتى مجالات المعرفة من أصول ومعاملات واقتصاد واجتماع وطب، مما يزيد الاعتزاز بهذه المؤسسة، وما نشرته من ذلك في مجلتها العلمية التي بلغت بهذا العدد عشرين مجلدًا هي حصيلة المؤتمرات الدورية التي عقدتها حتى الآن.

ولم يكن المجمع ليصل إلى أهدافه النبيلة لولا الدعم المتواصل الذي يلقاه من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي وخصوصًا من دولة المقر (المملكة العربية السعودية) التي لا تألوا جهدًا في تقديم العون المادي والمعنوي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، أمانة عامة، وأجهزة ومؤسسات.

فلحكومات هذه الدول وعلى رأسها حكومة خادم الحرمين الشريفين آيات الشكر والعرفان.

ولا يفوتني أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى أمين عام المجمع فضيلة الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة وإلى رئيس مجلس المجمع فضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، اللذين يعود الفضل إليهما – بعد الله – في الارتفاع بمستوى المجمع إلى آفاق الرقي والعالمية. فلهما كل تقديري وتشجيعي حاثًا إيّاهما على الاستمرار في الدرب نفسه، كما أتوجه بالشكر والامتنان إلى جميع أسرة المجمع، أصحاب الفضيلة العلماء والفقهاء والخبراء، لما بذلوا ويبذلون من جهود في سبيل خدمة دينهم وأمتهم وللإداريين بالمؤسسة الذين بفضلهم يتم لنا اقتطاف هذه النتائج الرائعة. فجزى الله هؤلاء وأولئك خير الجزاء.

وختامًا أوجه نداء ومناشدة حارين إلى جميع قادة الحكومات الإسلامية والمسؤولين فيها، طالبًا منهم أن يلتزموا بدفع مساهماتهم المالية نحو المجمع، وأن يبذلوا له المزيد من العطاء والإحسان، وذلك لتتمكن هذه المؤسسة الفريدة من نوعها من أداء رسالتها على أكمل الوجوه، ومن القيام بمشاريعها المتنوعة والكثيرة، خدمة للأمة الإسلامية، ومواكبةً منها لما تنهض به المجامع والمؤسسات في العالم الإسلامي من أعمال خالدة تثبت أصول الحضارة وترعاها، كما تدعم التطورات الفائقة والنافعة لتحقيق مزيد من النظر والبحث في مختلف مجالات الدراسة والعلم.

وإني لأتضرع إلى المولى عز وجل أن يوفق جهود القائمين على هذا المجمع، ويسدد خطاهم لما في ذلك من صلاح الإسلام والمسلمين، إنه تعالى جواد كريم، وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمد وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

الدكتور حامد الغابد

ص: 3

- كلمة معالى رئيس مجلس المجمع

الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

- وكلمة معَالي أمين عام المجمع

الدكتور محمّد الحبيب بن الخوجَة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا.

والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي بعثه الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فقد دأب مجمع الفقه الإسلامي من أول يوم على دراسة قضايا الأمة المعاصرة بحثًا ومناقشة وتحليلًا، وكان يخرج في النهاية في كل قضية بحلول نابعة من الشريعة الغراء والحنيفية السمحة، وذلك بما هيأه الله تعالى له من نخبة كريمة من علماء الأمة وخبرائها في مجالات الفقه والاقتصاد والطب والاجتماع وغيرها.

وبعون الله تعالى وتوفيقه واصل مجلس المجمع مسيرته المباركة، فعقد مؤتمراته، واحدًا تلو الآخر حتى بلغ هذه المرة دورته السابعة ووصل ما نشر من بحوث ودراسات في مجلته العلمية عشرين مجلدًا.

وقد ظفرت هذه الدورة السابعة، ومثلها أربع دورات أخرى سابقة، باستضافة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية أطال الله عمره وأجزل مثوبته وخلد أعماله.

ص: 4

ولقد تكرم – أعزه الله- بإنابة حضرة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة، فأشرف سموه الكريم على افتتاح الدورة ونوه في الخطاب الذي ألقاه بالنيابة عن خادم الحرمين الشريفين بدور المجمع الرائد وبرسالته النبيلة، داعيًا الأمة إلى قبول كل ما يصدر عنه من قرارات وتوصيات، ينطق بذلك قوله:" وإن هذا المجمع الفقهي، وما يضمه من صفوة علماء وحكماء الأمة الإسلامية لهو دليل تضامنها، وتوحيد كلمتها، وندعو إخواننا المسلمين، حكامًا وشعوبًا، أن يطرحوا ما لديهم من تساؤلات أو اختلافات على هذا المجمع الفقهي، وعلينا أن نتقبل بالرضى والتأييد ما يصدر عنه، فإنه إجماع علماء الأمة الإسلامية".

ودعا سموه أيضًا إلى توحيد كلمة الأمة ونبذ الخلافات فيما بينها قائلًا:

"وإننا ندعو على بصيرة إلى ما فيه توحيد الأمة الإسلامية، لا تفريق كلمتها وتشتيت رأيها، وصدع صفها، ندع الكلام فيما اختُلف فيه، ما دام ليس من جوهر العقيدة، ونركّز على مواطن الاتفاق أخذًا بقاعدة أولويات الدعوة، نحترم آراء الأئمة الكبار المشهود لهم منذ القرون الأولى للإسلام، غير مغلقين باب الاجتهاد متى استوفيت شروط مؤهلاته

".

وإن المجمع من حين تأسيسه وباطراد لا يزال يجد من لدن صاحب المقام السامي التأييد المادي والمعنوي الذي هو جدير به وفي حاجه إليه.

فجزى الله خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وحكومته الرشيدة وشعب المملكة العربية السعودية عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

ص: 5

وإن هذه الدورة السابعة المتميزة التي انعقدت بمدينة جدة في الفترة ما بين 17 إلى 12 من ذي القعدة 1412هـ (9-14 مايو 1992م) برحاب جامعة الملك عبد العزيز وشارك فيها عدد كبير من أصحاب الفضيلة العلماء وجمع غفير من الباحثين المقتدرين والخبراء المتخصصين بجانب أعضاء المجمع المنتدبين، قد بلغت جلسات العرض والمناقشة منها (12) اثنتي عشرة جلسة، ومجموعة الأبحاث التي تناولها العرض (55) خمسة وخمسين بحثًا، ما عدا الوثائق الست التي ضمت إليها.

وتناولت الدورة بحث القضايا التالية:

1-

الأسواق المالية

2-

البيع بالتقسيط

3-

عقد الاستصناع

4-

بيع الوفاء

5-

العلاج الطبي

6-

الحقوق الدولية في الإسلام

7-

الغزو الفكري

وعلى ضوء العروض المقدمة وما تبعها من مداولات ومناقشات اتخذ مجلس المجمع قرارًا شرعيًّا في كل موضوع طرح، كما دعا إلى عقد جملة من الندوات اقترحتها شعبة التخطيط.

ويسعدنا أن نعلن، باسم أسرة المجمع، من فقهاء وخبراء واقتصاديين وأطباء أننا نعاهد الله تعالى ونعاهد قادتنا وشعوبنا على الاستمرار في العمل المجمعي الفقهي بكل ما وسعنا من قوة للنهوض بمسؤوليتنا كاملة غير منقوصة، وتخطي الصعاب إلى أن ندرك الهدف المنشود، وإيجاد الحلول الشرعية لكل مشكلات العصر وتحدياته وبيان حكم الله فيما يعن من أمور وشؤون، فنثبت للعالم أجمع أن شريعتنا الخالدة صالحة لكل زمان ومكان فيها هدى من الله ورحمة.

والله نسأل أن يمدنا بتوفيقه وتسديده ويعصم جمهرة علمائنا الخطأ والزلل ويسلك بنا وبهم سبل المتقين الصادقين إنه سميع مجيب.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

رئيس مجلس المجمع الأمين العام للمجمع

الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة

ص: 6

كلمة

صَاحب السموّ المَلكي

الأمير مَاجد بن عبد العزَيز

أمير منطقة مكّة المكرّمَة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد الله الذي شَرع لنا من الدين ما تستقيمُ عليه حياتُنا.. والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد القائل: ((مَنْ يُرِدِ الله به خيرًا يفقّههُ في الدين)) صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أيها الأخوة الأعزاء:

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

يشرفني أن أفتتح الدورةَ السابعةَ للمَجْمَعِ الفقهيّ نيابةً عن خادمِ الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز.

وأرحب بكم في المملكة العربية السعودية، وندعو لكم بالتوفيق والسداد، فإن الأمةَ الإسلامية حكامًا وشعوبًا تتطلعُ إلى اجتماعاتِكم الدورية، لأن قراراتِكم وأبحاثَكم مما يمسُّ تصرفات المسلم في دينه ودنياه.

وإن من فضل الله على هذه الأمة الإسلامية أن كان عِلْمُ الفقه أوفرَ العلوم الإسلامية حظًّا على مرِّ العصور، لأن المسلم يَزنُ به عَمَلَه أحلالٌ أم حرام؟ ؟ أصحيحٌ أم فاسد؟ ؟ فالمسلمون بحمد الله حريصون على معرفِة الحلالِ والحرام والصحيح والفاسد من تصرفاتِهمْ، سواءً ما يتصل بعلاقتِهم بالله أو بِعبادِه قريبًا كان أو بعيدًا، عدوًّا كان أو صديقًا، حاكمًا كان أو محكومًا، مسلمًا كان أو غيَر مسلم.

ص: 7

فليس أَرْوَحُ للمسلم، ولا أَقرَّ لعيِشه، ولا أهدأَ لِباله، من أن يعيشَ في ظلِّ مجتمع صالح، تسودُ فيه مبادئُ الشريعِة الإسلامية الخالدة الداعيِة برحمةٍ ورِفْقٍ إلى إنقاذِ البشريِة من ظلامِ الكفِر والتخبط إلى نوِر الإيمانِ وهُدى الإسلام.

أيها العلماء الأجلاء:

إن الإسلام يُغْزى اليوم في كل ميدان سياسيًّا واقتصاديًّا وفكريًّا، وعداوةُ أعدائه لَه عدواة شرسةٌ دائمةٌ لن تنقضي إلى يوم الدين.. مصْداقًا لقوله تبارك وتعالى:{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217] .

فلا بد من حشدِ جميع القوى والطاقات لمواجهةِ أعداءِ المسلمين الحقيقيين لا إزْهاقَهَا في خلافاتٍ جانبية أو فَتْح جَبَهاتٍ في الصفِّ الإسلامي تُذْهِلُهُ عن معركَتِهِ الكبرى وتُعْشِي بَصَره عن عدوِّه الحقيقي الذي لا تغفُو عيناهُ لحظةً واحدةً.

ونخشى أن تشتَدَّ ضراوةُ المسلمين بعضُهم على بعض، وأن يقسو بأسُهم فيما بينهم إذا اختلفوا في رأي أو فُتْيا، بل في أمرٍ ثانوي ليس من أُسس العقيدةِ أو أركانِها، ونَسمعُ عندئذٍ صيحاتِ التكفيِر والتفسِيقِ، والتجهيلِ والتضليلِ، والقذفِ والتبديع.

ص: 8

وإننا ندعو على بصيرة إلى ما فيه توحيدُ الأمِة الإسلامية، لا تفريق كلمتِها.. وتشتيت رأيها وصَدْع صفِّها، نَدَعُ الكلامَ فيما اختُلِفَ فيه ما دام ليس من جوهر العقيدة، ونركّزُ على مَواطِنِ الاتفاق أخذًا بقاعدةِ أولويّاتِ الدعوة، نحترمُ آراء الأئمِة الكِبار المشهود لهم منذُ القرونِ الأولى للإسلام، غيرَ مُغْلِقينَ بابَ الاجتهاد متى استوِفيتْ شروطهُ ومؤهلاتهُ.

وإن هذا المجمع الفقهي، وما يضمه من صفوة علماء وحكماء الأمة الإسلامية لهو دليل تضامنها، وتوحيد كلمتها، وندعو إخواننا المسلمين حكامًا وشعوبًا. أن يطرحوا ما لديهم من تساؤلاتٍ أو اختلافاتٍ على هذا المجمع الفقهي، وعلينا أن نتقبل بالرضى والتأييد ما يصدر عنه، فإنه يمثل إجماع علماء الأمة الإسلامية.

نسأل الله أن يوحد صفنا، وأن يجمع كلمتنا، وأن يوجه جهودنا إلى مجالدة أعداء المسلمين.. والدعوة إلى الله تعالى لنستعيد دورنا القيادي، وإننا خير أمة أخرجت للناس.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأمير ماجد بن عبد العزيز

أمِير منطقة مَكّة المكرّمَة

ص: 9

كلمة

معَالي الدكتور حَامد الغَابد

الأمين العَام لمنظمَة المؤتمَر الإسلَامي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل في كتابه العزيز: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] .

وصلَّى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد القائل: ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)) .

حضرة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز،

أمير منطقة مكة المكرمة وممثل خادم الحرمين الشريفين،

الملك فهد بن عبد العزيز، حفظه الله

فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد،

رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي.

فضيلة الشيخ محمد الحبيب بن الخوجة،

الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي.

أصحاب المعالي والسعادة،

أيها الأخوة،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يسعدني أن أشارك في هذا اليوم المبارك في جلسة افتتاح هذه الدورة السابعة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي التي يرعى أعمالها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، أطال الله بقاءه.

ص: 10

إني لأشعر بفرح واعتزاز، لأن انعقاد هذه الدورة السابعة يتم بعد حدث هام، ألا وهو تحرير أفغانستان من يد البغي والظلم بعد كفاح مرير دام نحو أربع عشرة سنة بين المجاهدين الأفغان الأقوياء، بما أوتوا من إيمان بالعزيز القدير، وبين قوى العدوان، وأنتهز هذه المناسبة لأتقدم بأحر التهاني إلى إخواننا المجاهدين في أفغانستان الحرة ولكافة شعب أفغانستان.

إن الأحداث المؤسفة التي أعقبت تحرير هذا البلد المسلم، والتي تميزت بقيام صراع بين الإخوة من مختلف فصائل المقاومة، تحول دون تمتع الشعب الأفغاني المثخن بجراح حرب، طالما فرضت عليه، بثمار هذا النصر المبين.

وعليه، فإنه لا يسعني في هذا المقام إلَّا أن أجدد النداء إلى كافة القادة الأفغان، كي يتجاوزوا خلافاتهم ويندفعوا بعزم وإصرار في درب المصالحة الوطنية، التي ستمكنهم من النهوض بتلكم المسؤولية الجسيمة، ألا وهي إعادة بناء بلدهم. لقد تألم الشعب الأفغاني بما فيه الكفاية من الانتهاكات التي فرضها عليه الجيش السوفيتي المحتل والنظام الذي نصّبه هذا الجيش، إن الأمة الإسلامية لا تستطيع أن تستسيغ اليوم مهما كانت المبررات إطالة الألم على الشعب الأفغاني المسالم من قبل المجاهدين أنفسهم.

ص: 11

وفي نفس هذا السياق، لا يفوتنا أن نندد وبشدة بالمجازر الوحشية التي يتعرض لها المسلمون في البوسنة والهرسك على أيدي الجيش الاتحادي اليوغسلافي والميليشيات الصربية، وكذلك انتهاك حقوق الإنسان في كشمير وبورما والفلبين، وبصفة خاصة تلكم الممارسات اللاإنسانية التي تقترف في القدس الشريف، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين حيث فاقت الجرائم الإسرائيلية الإحصاء.

إن الانطباع ينمو بأن النظام العالمي الجديد الذي حظي بوافر المديح، جاء ليواصل الصراع الذي قاده الغرب ضد الشيوعية والأنظمة الاستبدادية التي فرضتها، ولكن وبعد زوال هذه الأنظمة أصبح الإسلام والمسلمون هم المستهدفين لهذا الصراع، وإلَاّ فكيف نفسر التدخل المحتشم إن لم يكن التعتيم الذي يفرض على الصراعات التي يكون المسلمون طرفًا فيها.

وفي هذا المقام يسرني أن أتوجه بأسمى عبارات الإكبار والامتنان إلى خادم الحرمين الشريفين للاهتمام الذي ما انفك، حفظه الله، يوليه لكافة القضايا والمسائل المتعلقة بمصالح المسلمين وازدهارهم.

كما يطيب لي أن أرفع لمقام خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة أسمى آيات الشكر والعرفان وأن أنوه مرة أخرى بما تحظى به منظمة المؤتمر الإسلامي وكافة أجهزتها من رعايته الكريمة ودعمه السخي.

ص: 12

صاحب السمو الملكي،

أصحاب الفضيلة،

أصحاب المعالي والسعادة،

لقد اضطلع المجمع منذ إنشائه بدور جد إيجابي حيث عمل على تبصير المسلمين بأمور دينهم سواء أكان هؤلاء المسلمون في الدول الأعضاء أم في الدول غير الأعضاء، فعرفهم بالإسلام، حقيقته، وقيمه، ومزاياه، كما أوجد لهم حلولًا ناجعة لكثير من المشكلات المعاصرة، ووقف المجمع كذلك بكل إمكاناته في وجه التيارات المناهضة للإسلام.

وإنجازات المجمع ضخمة إذا قورنت بعمره القصير، فبالإضافة إلى نشر العديد من أبحاث الخبراء والباحثين في مجلدات بلغت حتى الآن ستة عشرة مجلدًا فإن المجمع قد شرع منذ سنوات في إنجاز مشاريعه العلمية التي هي: تيسير الفقه، معجم المصطلحات الفقهية، الموسوعة الفقهية الاقتصادية، وإحياء التراث.

وينهض المجمع أيضًا بعقد ندوات متخصصة بالاشتراك مع الهيئات والمؤسسات الإسلامية في الدول الأعضاء.

ويطيب لي أن أنوه في هذا الصدد بالجهود الكبيرة التي يبذلها فضيلة الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجه الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، تلكم الجهود التي أعطت ثمارها وحققت نتائج جيدة، ويرجع الفضل في تحقيق هذه النتائج – بعد الله- إلى شخصية الأمين العام لما تتحلى به من سعة الأفق وخبرة طويلة، ولا يسعني في هذا المقام، إلَّا أن أعبر لفضيلته عن إعجابي بما يقوم به من جليل الأعمال، وتشجيعي له على المواصلة على نفس هذا الدرب النبيل.

ص: 13

كما يطيب لي أن أشيد بالجهود العظيمة التي يبذلها فضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجلس المجمع وأصحاب الفضيلة العلماء الأجلاء وأصحاب السعادة الخبراء والباحثون الذين لم يدخروا أي جهد في سبيل تقديم مساهماتهم الثمينة في البحث عن حلول للمسائل المعقدة المتعلقة بحياة المسلمين اليومية.

ولعل في تنوع الموضوعات التي ستعرض على مجلسكم الموقر في هذه الدورة دليلًا على ما يهتم به المجمع من واقع الحياة المعاصر، وذلك ببحثه للقضايا الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والسياسية والطبية ونحوها.

صاحب السمو الملكي،

أصحاب الفضيلة،

أصحاب المعالي والسعادة،

على الرغم مما تحقق من نتائج إيجابية فإن الشعوب الإسلامية لا تزال تنتظر الكثير من مجمعكم الموقر، فهناك من الموضوعات والمسائل ما يحتاج إلى حلول، خصوصًا ونحن نعيش في زمن تتسابق فيه الأحداث وتتوالى فيه الاختراعات العلمية والتكنولوجية، فلا يكاد يمر عام إلَّا ويجد فيه جديد مما يتطلب أن يكون المسلمون في يقظة دائمة وأن يواكبوا الأحداث والمستجدات.

يتبين من هذا أن ما ينتظر المجمع من جهد لا يقل عما قطعه إن لم يجاوزه، ولذلك أدعو أعضاء المجمع من علماء وخبراء وباحثين إلى تكثيف الجهود ومضاعفتها لتحقيق آمال الآمة الإسلامية في توضيح حكم الشرع في كل ما يستجد في حياتنا اليومية حتى لا يتخلف عالمنا الإسلامي عن ركب الحضارة العالمية.

وأخيرًا، أحث الدول الأعضاء ممثلة في مندوبيها أن تفي بالتزاماتها المالية نحو المجمع وأن تقدم له مزيدًا من الدعم حتى يتمكن من تحقيق أهدافه ومن القيام برسالته خير قيام.

وإنني على يقين بأن مناشدتي ستلقى آذانًا صاغية وأن الدول الإسلامية ستبادر إلى أداء واجبها كاملًا غير منقوص.

وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

معَالي الدكتور حَامد الغابد

الأمِين العَام لمنظمة المؤتمر الإسلَامي

ص: 14

كلمة

فَضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

رَئيس مجلس المجمَع

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

بسم الله الرحمن الرحيم نبدأ وبه نستعين، وعليه نتوكل بعد حمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله، ونصلي ونسلم على خاتم أنبيائه ورسله، أما بعد:

فالحمد لله على توفيقه بعقد هذا المؤتمر السابع لمجمع الفقه الإسلامي، محفوفًا بشرف الزمان، وشرف المكان، وكرامة الجوار والقدوة في الاجتماع ونبل الغاية والقصد.

فنحن في شهر من أشهر الله الحرم، من شهور الحج ذي القعدة، وعلى أرض الحرمين الشريفين من جزيرة العرب قلب العالم الإسلامي، محراب الإسلام وقبلة المسلمين، وفي ضيافة حكومة خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، مُفتتحًا – أيده الله ونصره- هذا المؤتمر، بنيابة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز آل سعود أمير منطقة مكة المكرمة – حرسها الله تعالى- والذي يعقد اليوم في رحاب معقل من معاقل العلم- جامعة الملك عبد العزيز بجدة - في جمع كبير وثلة متميزة من علماء الأقطار الإسلامية، من مفتين ووزراء وقضاة وأساتذة الجامعات وباحثين ومتخصصين، وجمع كريم من وجهاء البلاد وأعيان العباد، مشمولًا بنبل الغاية والقصد بما يهدف إليه هذا المجمع من شد الأمة إلى عقيدتها، عقيدة التوحيد الخالص من شوائب الوثنية وأوضار الشرك والبدع والضلالة، والعمل على وحدة الأمة بعد فرقتها، والنظر في نوازل الأحكام وأقضياتها، والعمل على كف الدخولات عليها.

ص: 15

وفي مثل هذا المقام المبارك تزدحم الواردات، فبأيها يأخذ الإنسان وبأيها يقول اللسان، ولكن:{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101] .

إن العمل على كف الدخولات هدف كبير من أهداف هذا المجمع، وقد تمثل تحقيقه في مجموعات من القرارات التي أصدرها في دورات مضت، بإعلان النكير والتحذير من مجموعة من المذاهب والنحل والمبادئ الوافدة على ديار المسلمين، فهذا المجمع بحق هو مئذنة لإعلان كلمة الحق وإعلائها.

وامتدادًا لهذا الحبل الموصول بإذن الله تعالى أبدى الندارة من واقعة ومكيدة خفية تسللّت إلى الصف، وغشيت الكتاب الإسلامي، ظاهرها حق محض، وباطنها باطل ومرّ، تعتلي طورًا جديدًا مفزعًا ممن غلبوا على رشدهم لداعي الهوى، والهوى لا ضابط له.

إنها قارعة التحريف، قارعة الشطط الأسود المنبوذ، بالتحريف والتغيير والتبديل والزيادة والنقص، والإدخال والإخراج، إلى غير ذلك مما يمليه على المحرف أدبُه وخلقُه وتدينه المهيض، فالكتاب من هذه الفَعَلات مكلوم، والعلم منها مهضوم، والكتاب يناديكم أيها العلماء إني مغلوب فانتَصِر.

وإن الحديث عن هذه الفعلة الخفية مما يثقل على المستمع استماعه، والقائل في غصة وتجمجم، لكن كيف به وقد وقع في جملة غير قليلة في كتب معاصرة؟! في التفسير والحديث والفقه والسير، في مصطلح الحديث؟! فأمسكوا – رحمكم الله تعالى – على مفتاح القضية، على مقتضى الأمانة العلمية، والبحث الراشد الرشيد، بالمطابقة والمقابلة بين النص المنقول والمنقول منه، والكتاب المخطوط والمطبوع عنه، لتَروا في ذلك عجبًا من نصوص تحرف عن مواضعها، وتخرج للناس في غير براقعها.

ص: 16

هذه الفعلات تؤول بالشرع إلى دين محرف، وشرع مُبدّل، وأنتم أيها العلماء الأجلاء، وقد اجتمعتم من أقطار العالم الإسلامي كافة، ما لنا إلَّا أن نعلنها صريحة على مسامعكم الكريمة، لترَوْا رأيكم، وتنظروا في الكتاب الذي يطبع من بعض الأشخاص بما داخله من تحريف في تفسير كتاب الله في نص آية – أكرر- في نص آية أو حديث أو أثر أو كلام عالم.

فكُتُب السلف وديعة السلف إلينا، وهي في ذمتنا، وعهدُ الإسلام إلينا، فيجب علينا أن نرعى حرمتها، وأن يقول لسان الحال منا: جهادًا بالقلم واللسان أمام هذا التحريف، إذا كان في كل ناد أثر من ثعلبة، فإن وراء كل داجية فجرًا صادقًا، وما من فجر كاذب إلَّا ويتبعه فجر صادق، والعلم محاط بعناية الله بحفظه، وتهيئة أهله لحفظه، فما استطاع هؤلاء المحرفون أن يظهروا، وما استطاعوا له نقبًا، فهبوا إلى حمايته – رحمكم الله – خفافًا وثقالًا، ألا إنها الاستقامة، مستقيمين على دين الله وشرعه، ألا إنها الاستقامة هي رأس مال المسلم في هذه الحياة الدنيا، ولا إخالكم إلَّا كذلك.

سبحان من قسم الحظوظ فلا عتاب ولا ملامة

أعمى وأعشى ثم ذو بصر وزرقاء اليمامة

ومُسَدَّدٌ أو جائر أو حائر يشكو ظلامه

لولا استقامة من هداه لما تبينت العلامة

وأعلى من ذلك وأجلّ قول الله تعالى:

{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصِّلت: 30 – 33] .

هذا: وأبدي بذلك بشارة، وهو أن بعض ذوي القدرة واليسار، لما رأى ما رأى من تحريف جملة من النصوص عن مواضعها وإخراجها للناس محرفة، أبدى التزامًا أدبيًّا بإعادة طبع ما كان سبيله كذلك بعد التنسيق مع مجمع الفقه الإسلامي وعرضه عليكم في دورة – أو في هذه الدورة – بعد اتخاذ الترتيبات الرسمية اللازمة.

ص: 17

هذا وإن مسك الختام، ومن رد أعجاز الكلم على صدورها، أن أبدي خالص الشكر والتقدير ومحمود الثناء لخادم الحرمين الشريفين على موافقته الكريمة بعقد هذا المؤتمر على أرض المملكة العربية السعودية، وهذه واحدة من مكارمه في خدمة القضية الإسلامية، وإجلال العلم والعلماء، فجزاه الله خيرًا وثبته على الإسلام، وأعلى كلمته في العالمين بالحق آمين.

ونشكر صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز على كلمته التي ألقاها نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، والتي جاء فيها كلمة مهمة وهي " رعاية حرمة العلماء السابقين وأقوالهم " وأقول هنا: إنها مناسبة كريمة، إنه ليس من رعاية حرمات العلماء السابقين تحريف النصوص، فينبغي أن تكون كلمة سموه أمامنا موضع التنفيذ، بأن نرعى حرمة العلماء وأن نقول ما لهم، وأن نذكرهم بخير، وأن نذكر أقوالهم، وأن ندعمها بالأدلة بأمانة وصدق.

ونشكر صاحب المعالي مدير جامعة الملك عبد العزيز، على ترحيبه بعقد هذا المؤتمر في رحاب الجامعة، فجزاه الله خيرًا، وكثّرَ في المسؤولين من أمثاله، والله يوفقنا وإياكم وشكر الله لكم حضوركم واجتماعكم، ودمتم موفقين، والله يحفظنا وإياكم بالإسلام.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

معالي الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد

رئيس المجمع

ص: 18

كلمة

معَالي الدكتور محمّد الحبيب بن الخوجَة

الأمين العَام لمجمَع الفِقه الإسلَامي

بسم الله الرحم الرحيم

الحمد لله الحق المبين الذي خلق السموات والأرض وما بينهما بالحق وهو العزيز الحكيم، نحمده جلت قدرته، وعز سلطانه، تجلّى بألوهيته ووحدانيته على ما أبدعه من أكوان، وخلقه من عوالم، وأوجده من سنن، وأقامه من نظم، فنواميسه ثابتة لا تختل، مطردة لا تتخلف، تسيطر على الوجود بما فيه ومن فيه، سيطرة تضمن انتصار الحق والعدل، وانهزام الباطل والبغي. {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [لقمان: 30] .

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأنزل الكتاب بالحق والميزان، وشرع للناس مناهج الحق وهدى إليها سبيلًا، وألزم عباده المؤمنين الأخذ بها، وعدم الحَيْدة عنها بقوله مخاطبًا رسوله:{ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: 18-19] .

وأشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وأقام في أمته يتلو عليهم آيات ربه، ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وينهاهم عن التلبيس والتخليط وكتمان الحق وكل ما يورث الفتنة بين الناس، أو يحدث فيهم البلبلة والاضطراب مذكرًا إياهم بقوله عز وجل:{وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42] .

ومركزًا في قلوب المؤمنين حقيقة هذا الدين وقيامه على منهاج الحق محذرًا من الالتواء ومجاراة الأهواء، تاليًا عليهم قوله جل وعلا:{وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 71] .

ص: 19

ومبينًا لهم أن الله أعطى كل ذي حق حقه، وحمى تلك الحقوق بما فرضه من واجبات، وصدرت به أوامره، ونواهيه من أحكام، فصلوات الله وسلامه على رسولنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين.

حضرة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز، رعاه الله،

أمير منطقة مكة المكرمة.

دولة الدكتور التجيني الهدام،

عضو المجلس الأعلى للدولة بالجزائر.

حضرة صاحب المعالي الدكتور حامد الغابد،

الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

حضرة صاحب المعالي الدكتور محمد سعيد رضا عبيد،

مدير جامعة الملك عبد العزيز.

أصحاب السماحة والمعالي والفضيلة والسعادة علماء الأمة وقادة فكرها الموقرين.

ضيوف دورتنا السابعة الأكارم، رعاكم الله جميعًا ووفقكم وسدد على العمل الصالح خطانا وخطاكم.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

إن أطول فترة فصلت بين مؤتمرين من مؤتمرات مجمعكم الموقر لهي هذه التي امتدت عامين وشهرين بين الدورتين السادسة والسابعة اللتين انعقدت وتنعقد بفضل الله وكرمه بهذا البلد الأمين، الذي جعل الله بيته قبلة للناس ومثابة وأمنًا للمسلمين. تهوي إليه أفئدتهم ويجدون في ظله وبرحابه الخير والبر والهدى والتقوى.

ص: 20

ولئن طالت هذه المدة بما لم يكن في التقدير والحسبان فإن أحداثًا جسامًا، وتطورات عظيمة، وترتيبات، ومبادرات، وأعمالًا صالحة خالصة لوجه الله، عمرتها وتتابعت فيها، لجميعها انعكاس على حياة الأفراد والمجتمعات في العالم العربي والإسلامي، كما لها أثر أي أثر في إيقاظ الهمم وبعث روح التضامن والتعاون في المشارق والمغارب بين المسلمين كافة، وإنها لتحمل القادة وأولى الأمر وأهل الحل والعقد على الاضطلاع بالأمانة والشعور بثقل المسؤولية والعمل الصالح الدؤوب وبذل الجهد، عسى أن يحيطنا الله بألطافه، ويشملنا برحمته، ونكون من الذين آمنوا به، ووجهوا وجوههم إليه، واستجابوا لرسوله وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه وكانوا من عباد الله الصالحين.

وقد برز ذلك في الفتنة العمياء التي هزت الخليج، ودمرت الكويت، ونشرت فيها وفي ما حولها من الدول المحيطة بها أسباب الذعر والخوف ومظاهر العدوان والبغي. فلولا الانتصار للحق والمواقف الجهادية البطولية لخادم الحرمين الشريفين وحكومته وشعبه، واستبسال الكويتيين جميعهم في الداخل والخارج، وتماسك دول الخليج وما أظهرته من تلاحم في العمل ووحدة في القصد، ومواقف من انضم إلى هؤلاء وأولئك مؤيدًا ومؤازرًا لأتت الحرب على كل شيء، وقضت على منطقة كاملة متطورة متقدمة وجعلتها أثرًا بعد عين، ولكن الله الحليم الكريم سلم، فحسر عنها غوائل الغادرين وكيد الكائدين، وبارك جهود المكافحين الذائدين عن الحوزة والحمى، وثبت أقدامهم:{وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126] .

وإنا لنرجو أن يرفع الله الأصر على الأسرى والمحتجزين كي يعودوا إلى بلدهم ويقوموا بشرف الإسهام في إعادة بناء وطنهم آمنين.

ص: 21

وأما التطورات العظيمة التي شهدتها هذه الفترة على الساحة الدولية فأبرزها: انهيار الشيوعية وتفكك نظام الإلحاد والمادية القائم على الطغيان والقهر. وبالرغم مما يتعرض له مسلمو البوسنة وغيرهم من إبادة جماعية وفتنة وتشريد في شرقي أوروبا، فإن القلوب المؤمنة في البلقان والجمهوريات الإسلامية لم تفقد ثقتها في الله، وهي تواصل جهادها معلنة عقيدتها، رافعة أصواتها، مكافحة فزعة ومعتزة، مرددة على سمع الدنيا: إنا قوم مسلمون. وقد بدأ التواصل والتقارب والتعاون مع إخواننا في الله في هذه الظروف العصيبة التي يمرون بها متحدّين العنصرية والقومية والمذاهب المنكرة، وناشرين في تلك الآفاق الهداية الإسلامية وما جاءت به من نور وسلام وأمن.

وإنه لمن واجب الدول الإسلامية والعربية عامة، والمنظمات والمؤسسات كالمراكز الثقافية والمعاهد والمجامع الفقهية في العالم الإسلامي خاصة أن تعزز جهودهم وتمدهم بما يحتاجون إليه من توعية دينية وتعريف بالفكر والحضارة الإسلامية، تنمية للعقول، وهداية للألباب، وإبرازًا للهوية، وحماية للعقيدة والملة، وشدًّا لأواصر الأخوة والمودة والتواصل والتراحم بين المسلمين.

ص: 22

وإنا لنحمد الله على أن أتم نصره للمجاهدين الأفغان، وندعوه سبحانه أن يقيهم فتنة الانقسام وشر الافتراق، ويلهمهم السداد والرشد لإعلاء كلمته، وإقامة دولة الإسلام على أرضهم، وتعزيز المجتمع الإسلامي في ربوعهم.

وأما الترتيبات التي تشدّ الماضي بالحاضر، وتملأ نفوس الصادقين أملًا في المستقبل، فهي تلك التي صدر بها الأمر السامي في الأشهر الأخيرة من أنظمة الحكم والشورى والمناطق بالمملكة العربية السعودية. وهي كما تجسد الروح الإسلامية العالية التي تلتزم بها الدولة في سياستها العامة في داخل البلاد وخارجها، وفي علاقاتها بالبلاد العربية والإسلامية وغيرها، وفي ما تبرمه من مواثيق وعهود إقامة للحق وصونًا له، تمثل بجوهرها جزءًا هامًا من التطور العام والنهضة المستمرة للمملكة في كافة المجالات وخطوة حكيمة في طريق التقدم والنماء.

وأما المبادرات التي ألمعنا إليها قبل فهي الوقوف في وجه التحديات، والدخول في مفاوضات السلام العسيرة، والثبات أمام كيد إسرائيل وتحرشاتها، والعمل في حزم وإصرار ووحدة صف واجتماع كلمة لاسترجاع القدس وتحرير فلسطين والخروج بالشرق الأوسط من محنته الطويلة، وإعادة الاستقرار والأمن إلى المنطقة رغم المؤامرات والمواقف العدوانية التي تواجهها وتحيط بها من كل مكان. فمبدأ الأرض مقابل السلام حق يرفع، والمناداة به والحرص على فرضه مطلب جهادي لا يدفع، وإقراره غاية لابد من الجد والعمل لبلوغها وإدراكها.

ص: 23

وأما الأعمال الخالصة التي أريد بها وجه الله وإعلاء كلمته ونشر دينه وتيسير القيام بشعائره على عامة المسلمين الوافدين على المملكة من أقاصي الدنيا، فهي رعاية بيت الله العتيق، ومسجد نبيه الشريف، والتقرب إلى الله سبحانه بإعمارهما. فمشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعتهما الذي بدئ تنفيذه بالمدينة المنورة في التاسع من محرم الحرام 1406هـ، وفي مكة المكرمة بوضع حجر الأساس 1409هـ قد عرفا في هذه الآونة نشاطًا متميزًا وتقدمًا رائعًا. فهيئت المسالك والجسور العلوية والسفلية إليهما، وأقيمت جميع المرافق التابعة لهما، وامتدت مساحتهما لتغطي التوسعة في الحرم المكي المعظم نحوًا من تسعة الآف متر مربع، تستوعب خمسين ألفًا من المصلين، وانتشرت أطراف المسجد النبوي الشريف الذي كان محصورًا في ستة عشر ألف متر مربع لا تأوي أكثر من ثمانية وعشرين ألف مصلي إلى نحو خمسة وستين ومائة ألف متر مربع، تستوعب قرابة الربع مليون نسمة. وأقيم بناء الإضافات في المسجدين المعظمين، مع المحافظة على الصفات المميزة لهما، وكمال التنسيق بين الأصل والتوسعة فيهما، وارتفعت المآذن العديدة الجديدة وضوعف عدد المداخل والأبواب أضعافًا، وازدادت هيبة الحرمين الشريفين وازدواج جلال وبهاء المسجدين وخالط ذلك نفوس الطائفين والراكعين الساجدين ممن يؤم هذين الحرمين الأقدسين، أو يتوجه بقلبه ومشاعره إليهما معتزًا أو منتسبًا. وها هي اليد البارة السخية تستجيب لنداء بيت المقدس الذي أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فترسل ثلة من الفنيين والخبراء لتعاين المسجد وقبة الصخرة وتحدد ما يلزم من أشغال وتقدر تكاليف الترميم والتثبيت، فلا تتم أعمال التوسعة في الحرمين الشريفين حتى تكون قد قامت الأشغال بالمسجد الأقصى، فتشمل العناية الإلهية المساجد المباركة الثلاثة. وإن ذلك جميعه ليشهد بالمنقبة العظمى التي ادخرها الله سبحانه وتعالى في هذا العصر لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود أجزل الله مثوبته وجازاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء إنه سميع مجيب.

تلك هي الصراعات القائمة، والوقفات، والمواقف الصادقة الثابتة والعزمات:

بذلوا نفوسهم لنصرة دينهم

فلهم عليه حرمة وذمام

راموا النعيم السرمدي فأبعدوا

في نيله مرمى وعز مرام

جنحوا إلى العلياء فاهتجروا المنى

فعلى جفونهم المنام حرام

إخوان صدق: منهم من قد قضى

نحبًا ومنهم من له يستام

باعوا النفوس فحبذا من مشتر

رب لديه البر والإنعام

ص: 24

واليوم بعد أن رسمت يد القدر الجهود العظيمة وتلكم الأعمال الجليلة، نعود إلى عقد دورتنا السنوية باستضافة متكررة ودعم متجدد، فنرفع على كاهل الإجلال والتقدير إلى حضرة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز شكرنا الخالص وثناءنا العطر على تشريفه هذا المجلس، وافتتاحه دورة مجمعنا، وإلقائه كلمته القيمة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين أعزه الله وسدد خطاه.

ويهمنا في هذه الجلسة أن نعرف بنشاط المجمع خلال سنتين كاملتين لم يوضع فيها قلم، ولا فترت فيها همة، بل استمرت الأعمال متتابعة والجهود متواصلة لإنجاز ما تم إنجازه وإعداد ما يتأكد إعداده مما نعرض على حضراتكم نتائجه.

فقد بُدىء في التو إثر انعقاد الدورة السادسة أواخر شعبان 1410هـ بمراجعة الجزءين الأولين من العدد الخامس من المجلة، وتكرر النظر والإصلاح لما احتويا عليه من مواد، مرة بعد مرة إلى أن منَّ الله تعالى بصدورهما على نفقة أخينا الكريم معالي الشيخ أحمد جمجموم جزاه الله عنا خيرًا وبارك جهوده وأعماله، وتعقبت مصالح المجمع الجزءين الأخيرين من نفس العدد والأجزاء الثلاثة الأخرى من العدد السادس مراجعة المواد المقدمة فيهما، مصلحةً ما بها من أخطاء مطبعية، مستدركةً بعض الأنقاص، وموثقةً في أحيان كثيرة للنصوص والنقول. وبعد الفراغ من كل ذلك على ما يتطلبه الأمر من أناة وجهد قدمت الأعمال إلى المطبعة، وتم بعد ذلك إصلاحها والإذن في سحبها، وقد تولت جمعية الدعوة الإسلامية العالمية الإنفاق على ذلك، فنحن نحييها ونحيي أمينها العام معالي الدكتور محمد أحمد الشريف على حسن تعاونه وكريم دعمه لأعمالنا المجمعية.

وهكذا تم طبع ونشر سبعة أجزاء هي جملة ما يتكون منه العددان السادس والسابع من مجلتكم، كما سلمنا العددين الأول والثاني للمطبعة قصد إصدار طبعة ثانية لهما بعد أن نفدت نسخ الطبعة الأولى نهائيًّا.

ص: 25

ومما قام به المجمع بين الدورتين جملة ندوات منها التي دعا إليها، وأخرى شارك فيها. فمن الندوات التي قام بها بالمشاركة مع البنك الإسلامي للتنمية، استجابة لدعوة مجلسكم الموقر:

1-

ندوة لبحث الاستفتاء المتعلق بإسهام البنك الإسلامي للتنمية في صندوق الحصص الاستثمارية الذي أنشأه بوصفه بنكًا لا مضاربًا، والاستفتاء عن مساهمة البنك في رؤوس أموال المشروعات الإنتاجية في الدول الأعضاء المتعاملة بالفائدة، وعن الإسهام في الشركات الموجودة في أسواق المال المتعاملة بالفائدة أيضًا. وقد عقدت هذه الندوة فيما بين 16-17 من جمادى الأولى 1411هـ. وأصدرت في ذلك توصياتها التي ستعرض على مجلسكم الموقر.

2-

ندوة استخدام الحاسب الآلي في العلوم الشرعية التي عقدت بالاشتراك بين البنك الإسلامي للتنمية ومجمع الفقه الإسلامي فيما بين 24-26 ربيع الثاني 1411هـ، وقد تكفل البنك بإصدار كتاب جامع لما عرض فيها من بحوث ودار بها من مداولات ومناقشات وختمت به من توصيات.

3-

الندوة الثانية للأسواق المالية التي انعقدت بالبحرين باستضافة كريمة من معالي الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة رئيس مجلس إدارة بنك البحرين الإسلامي، وسعادة الأستاذ عبد اللطيف جناحي المدير العام والعضو المنتدب بالبنك، وذلك فيما بين 19-21 جمادى الأولى 1412هـ. وقد بحثت فيها جملة من القضايا المهمة كالأسهم والاختيارات والسلع وبطاقات الائتمان ونحو ذلك. وصدرت بشأنها جميعًا توصيات مهمة.

4-

الحلقة الدراسية التي ضمت مجموعة من فقهاء الشريعة ورجال الاقتصاد الإسلامي، وأقيمت بالتعاون مع فضيلة الدكتور عبد الحميد الغزالي مدير المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية، وقد أسهم في أعمالها العلمية ثلة من رجال المعهد وأساتذة من جامعة أم القرى بمكة المكرمة ومن جامعة الملك عبد العزيز بجدة، فتتبعوا توصيات الندوة البحرينية السابقة، وصاغوها بعد دراستها صياغة فقهية جديدة، ميسرين بذلك إعادة درس موضوعاتها والإجابة عن الاستفسارات المطروحة حولها.

5-

المشاركة في الندوة العلمية التي نظمتها الإيسسكو بكوالالمبور بماليزيا، حول الإمام الشافعي ومنهجه الأصولي والفقهي، وذلك فيما بين 22-25 محرم 1411هـ.

6-

المشاركة في ندوة الأزهر ورابطة الجامعات الإسلامية المنعقدة بالقاهرة بين 6-9 ذي القعدة 1411هـ حول الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتربوية لأزمة الخليج.

7-

والمشاركة في الندوة العلمية التي قام بها المعهد الأعلى لأصول الدين بالجزائر في ربيع العام الماضي حول النظريات الشرعية وفلسفة التشريع التي تناولها الإمام الشاطبي في الموافقات والأستاذ الإمام الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في كتابه مقاصد الشريعة.

ص: 26

وستوزع على حضراتكم بعض نتائج هذه الأعمال إكمالًا للفائدة وتعريفًا بما انتهت إليه تلك الجهود العلمية المباركة من آثار.

وإنه ليسعدني هنا، وقد وقع الفراغ من تحقيق كتاب عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لابن شاس، أن أحيط حضراتكم علمًا بأننا بعد وقوفنا على هذا العمل الجليل، واطلاع فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبي زيد عليه وتتبعه الدقيق لما ورد فيه، أوكلنا مراجعة التحقيق في النهاية للجنة علمية برئاسة فضيلة الشيخ مصطفى الغزالي: أصلحت ما في الأجزاء الثلاثة من أخطاء، واستدركت ما بها من أنقاص، وقومت ما حصل فيها من أوهام، وضبطت أكثر نصوص الكتاب، وخرجت أحاديثه وآثاره باعتماد أمهات كتب الفقه المالكي، وما تضمنته مصادر كتب السنة ومعاجمها. وهكذا أصبح هذا الكتاب الجليل الذي ينفق على طبعه خادم الحرمين الشريفين، دعمًا منه – أحسن الله جزاءه – لعمل المجمع وجهوده في خدمة الإسلام وشريعته الطاهرة، جاهزًا للنشر، معدًا أكمل الإعداد للانتفاع به والإفادة منه.

أما بقية مشاريع المجمع من تيسير الفقه، ومعجم مصطلحات الفقه المالكي، والموسوعة الفقهية الاقتصادية، ومعلمة قواعد الفقه الإسلامي، ومدونة الأدلة، وتقنين الشريعة الإسلامية فقد خطا المجمع بحمد الله خطوات جيدة للقيام بأكثرها. وستبحث هذه المشاريع بحثًا تحليليًّا جديدًا ودقيقًا في هذه الدورة عن طريق اللجان المتخصصة ويتخذ مجلسكم الموقر بعد ذلك بشأنها قراراته المناسبة.

ص: 27

والأمل في الله عظيم أن تجد موضوعات هذه الدورة من إسهامكم واهتمامكم ما هي جديرة به كما عودتمونا ذلك في الدورات السابقة. وموضوعات الدورة السابعة هذه كما هو في شريف علمكم منها موضوعات فقهية في المعاملات والعلاقات الدولية، مثل بيع الوفاء، وعقود الاستصناع، والبيع بالتقسيط، والحقوق الدولية في نظر الإسلام، وموضوعات أخرى اقتصادية كالأسواق المالية، وطبية كأحوال العلاج وملابساته، واجتماعية كالغزو الفكري آثاره وأبعاده.

وإني في ختام هذه الكلمة لأتوجه بخالص الشكر وعظيم الامتنان لمعالي الدكتور حامد الغابد الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي على كريم رعايته للمجمع وسديد توجيهاته له وتعزيزه المتجدد لنشاطاته وأعماله، كما أرحب بالسادة العلماء والمشائخ الفقهاء متمنيًّا لهم طيب الإقامة بيننا، وأشكر حضراتهم على ما قدموا ويقدمون من عمل جاد ونظر دقيق في قضايا الفقه المعاصر، وإني أيضًا لأنوه باجتهادهم الجماعي القائم على أصول الشريعة ونصوصها الثابتة، وعلى الأصول المساعدة على ذلك، وعلى القواعد والنظريات الفقهية المعتمدة، وعلى دراسة الواقع دراسة لا تغفل المصالح الشرعية المعتبرة ولا تميع ولا تنقض الأحكام الفقهية المجمع عليها مما تسنده الأدلة ويشهد له روح الدين ويقضي به الانتساب لهذه الملة. ولا يفوتني وأنا أذكر بكامل التقدير والعرفان جهود العلماء الأجلاء أعضاء هذا المجمع وخبراءه أن أخص بالتنويه جهود رئيس مجمعنا العلامة الشيخ بكر بن عبد الله أبي زيد وذلك كفاء ما يقوم به من جلائل الأعمال ولقاء تعاونه الصادق ورعايته الدائمة لنشاطنا وحرصه الأكيد على تحقيق مشاريع المجمع والمضي في إنجازها على أكمل وجه، بارك الله رعايته وجزاه عنا أحسن الجزء.

ص: 28

وإنا لا نوفي حق معالي الدكتور رضا محمد سعيد عبيد من الشكر على استضافته الكريمة لأعمال دورتنا في رحاب جامعة الملك عبد العزيز، فقد أضفى حفظه الله ورعاه كامل عنايته، وقدم لنا كل أسباب نجاح هذا اللقاء العلمي الشريف. فالله يكلؤه برعايته ويمده بتوفيقه ويحفظه لإخوانه.

ولا أنسى أبدًا شكر ضيوفنا الكرام أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة على استجابتهم لدعوتنا، وحضورهم افتتاح دورتنا، تشجيعًا منهم لمجمعنا وثقة منهم بنتائج أعمالنا، وحرصًا أكيدًا على استمرار مسيرتنا لخدمة الدين والملة والإسلام والمسلمين.

والله ولي التوفيق وهو من وراء القصد. وصلى الله على سيدنا ورسولنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

معالي الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة

الأمِين العام لمَجمَع الفِقه الإسلَامي بجَدة

ص: 29

كلمَة

سَمَاحة الشيخ محمَّد المختار السّلامي

مُفتي الجمهُورية التّونسية

يلقيها نيابة عن الوفود المشاركة في الدّورة

السابعة لمجلس مجمَع الفقه الإسلامي

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى الله العلي الأعلى نرفع من خالص المحامد أزكاها. ومن آيات الشكر لجلال قدسيته أشرقها تألقًا وأسناها. أن تداركنا بفضله فجعلنا ورثة حملة شريعته للعالمين. ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين. وشد العزائم ثقة بتأييده، ولنعم الولي المعين. فتوكل على الله إنك على الحق المبين، فسبحانه جل في نعمائه أقامه صراطًا مستقيمًا. فاتبعوه ولا تفرقوا. هو فطرتُه التي ألهمها عباده الصالحين فَشَدّوا عليها وبها وثقوا.

ثم الصلاة والسلام الأتمان الأكملان. على من عمت بعثته للعالمين في جميع الأعصر. وميز أمته بأنها خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر. وكتب لشريعته الهيمنة على السابقين واللاحقين. والفضل أولًا وآخرًا لله رب العالمين.

حضرة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز آل سعود

أمير منطقة مكة المكرمة الموقر

حضرة صاحب المعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدكتور حامد الغابد المبجل

أصحاب المعالي والسعادة،

إخواني أسرة المجمع برئيسها المحترم، وبأمينها العام الأفضل، وبأعضائها الأكرمين، بلسانكم أخاطب تعبيرًا عن المشاعر التي نطق بها البشر البادي. والابتهاج المشرق والرضا الأسعد. بيومنا هذا الذي طال شوقنا إليه لينضم إلى كواكب لامعة سبقته من أيام دورات هذا المجمع، وليمتد معدًّا ومحتضنًا للقاءات وافدة. يتواصل بها المسير. ويتولاها الرب الكريم بلطائف التقدير.

ص: 30

إن مجمعنا هذا لهو تجسيم لإرادة نبعت من ضمير الأمة الإسلامية، ومظهر شعور حاد بالحاجة إلى بحوثه ومناقشاته، المولدة للقرارات التي ينتهي إليها مطمئنًا. ويصوغها ضابطًا محكمًا. ذلك أن الله كلف هذه الأمة بتبليغ أمانة شريعته. ترددت بذلك أصداء صوت النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم في فضاء مني، يوم النحر، ليبلغ الغائب من شهد وحضر، ورحمة من رب العالمين، وإكرامًا آخر لأمة سيد المرسلين، تكفل سبحانه بحفظ وحيه. إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون. فكان بذلك لعلماء الأمة من نصوص الوحي الثوابت، التي تضمن الوحدة بين عصر النبوة وما يليه من الأعصار. وكان لهم بما كلفوا به من إعمال النظر والإجتهاد في نصوصه، العهد الذي وفوا به وما نكثوا. وطبقوا عمليًّا القاعدة الضامنة لمواكبة التشريع للحياة وتحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا. وإذا كانت الحضارة في مختلف أوجه النشاط البشري في عهود سيادة الأمة الإسلامية، كانت نتاجًا للصياغة التي صاغ عليها الإسلام مجتمعه. فكانت التطورات الحاصلة مصطبغة عند تولدها بصبغة الذين أحدثوها وأبرزوها للوجود، وعملوا على إعطائها مقوماتها الخاصة، باعتبار أنها في شكلها وفي بيئتها إسلامية المنشأ، إسلامية التصور تلتصق بها مع ولادتها الأحكام المستمدة من الوحي، تطبيقًا لنصه أو استنباطًا معمّمًا باللفظ أو بالمعنى. فكان الفقه والتطور الحضاري متلازمين قرينين لا ينفك أحدهما عن الآخر.

ولله الأمر من قبل ومن بعد. انقلب حال الأمة الإسلامية من فحولة العطاء، إلى فسولة الأخذ والتلقي. فانهالت عليها منتجات الحضارة التي لم ترتبط بالله. منشأ ولا غاية. وتراكمت مستجداتها في كل ميدان من ميادين الحياة. وكان التحدي الذي ما عرفته الأمة في تاريخها. وإنه وإن كان إقبالها على ما أنجزته في المرافق المادية سهلًا. وتعامُلُها معها بالتقليد أو الاستعمال ميسورًا.

ص: 31

فإن المناهج التي قامت عليها، والنمط الفكري والاجتماعي، والحقوق والواجبات، فيما تضطرب به الحياة باعتبار صدوره عن فكر يختلف جوهرًا وغاية، أحدث في العالم الإسلامي اضطرابًا. إذ معطيات الحضارة كان لها أثرها في العبادة، وفي الذات البشرية وفي العلاقات الاجتماعية. ففي العبادات مثلًا جدت قضايا كالصلاة في الطائرة. أو خارج كوكب الأرض والرؤية للهلال بعد استقلال الفلك عن التنجيم، وبلوغه درجة اليقين في مسائله وقواعده ونتائجه، وهل الإحرام يتم عند عبور الميقات جوًا، أو بجدة إلى آخره، وفي الميادين المتصلة بالذات البشرية تتلاحق المكتشفات، ففي الطب فرضت قضايا نفسها كنقل الأعضاء، ونقل الدم، وتحديد الموت، وأجهزة الإنعاش، وسوف يكون للجينات تأثيرات أوسع، ومدى أبلغ. وفي الميدان الاقتصادي تَعقَّد التعامل وتركبت العقود ولم يعد يسير العالم عقود بسيطة، بل ينحل العقد الواحد إلى عقود تتلاحم فيما بينها، فلا تجد لها في تاريخ التعامل شبيهًا ولا نظيرًا فقام لهذا الأمر الملك الصالح الملهم خادم الحرمين الشريفين، أجزل الله مثوبته وأدام عزته، وحفظ دولته، فوصل الرأي السديد بالدعوة إليه والعون، والتأييد، إلى أن ولد مجمعنا هذا، خدمة للدين الإسلامي. وتحقيقًا للقاعدة الأساس، إنه الدين الخاتم الصالح لكل زمان ومكان، الذي يحقق المعنى الرفيع من العبودية لله، والارتباط بجلاله، والخضوع الراغب لأمره ونهيه. فأرجوكم صاحب السمو أن تبلغوا جلالته ما يقربه عينًا من وضع المجمع، وهو يدرج ناميًا في عقده الثاني، متطورًا في نهج الحق يحفه عون سام ومدد ذكي رباني. وهل يتصور لقاء متجدد أنصع مظهرًا، وأنبل وأتقى مخبرًا، من مجمعنا هذا في دوراته. يشهد الله أنه عقد بين أعضائه الذين يمثلون أصدق تمثيل العالم الإسلامي، في قلبه وجنباته، عقد بينهم صلة مودة في الله، وتعاونًا يبلغ بهم الاطمئنان، حتى غدا كل واحد يرى في أخيه مكملًا لذاته، لا يتم له ما يريد من الحق، إلَّا بالرأي والدليل الذي يسهم به صنوه، والبحث المعمق الذي يقدمه زميله. فأصبحنا بنعمة ربنا إخوانًا. وصدرت قرارات المجمع مستندة أولًا إلى البحوث التي أعدت في سعة من الوقت ليس فيها أحد معجلًا ولا عجولًا، ثم إلى مناقشات علمية رفيعة المستوى، تنشطها الرغبة في رضوان الله. ثم تدقيق في صياغتها، وحساب ناقد لكل لفظة وتركيب. فكانت قرارات مجمعية قوية الأساس واضحة الصيغة، مطهرة من الأهواء. وقرارات المجمع تفرض أولًا على كل عالم ومفت أن يحترمها والحق فوق كل أحد. فقد يتوقف عالم في الاقناع بما أصدره المجمع وله ذلك. ولكن الأمانة تقتضي منه أن لا يعلن رأيًا مخالفًا للبارقة التي قد تكون خليًّا، ولا يأخذ أحدنا العزة بالرأي بل يقدم لأمانة المجمع ما انتهى إليه بمستنداته. ليراجع أعضاؤه على ضوء ما يبسطه قرارهم. فإن الحق قديم لا يبطله شيء ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل كما قال عمر الفاروق رضي الله عنه. وما كان لتلكم القرارات التي ألتمس المعذرة إن قصر لفظي عن تجلية قيمتها العلمية. ما كان لها أن يكتب لها الظهور، لولا سندها في سماحة رئيسها الجامع بين العلم وبعد النظر، والصبر والنباهة، وحضور الذهن. فندعو الله له بالعون وحسن الجزاء.

ص: 32

ولولا الأمانة العامة بهياكلها وعلى رأسها سماحة الأمين العام الذي أحب المجمع حبًّا، فامتزج بكيانه وأصبح جزءًا من عقله وروحه. تتجاوز نظرته وبرامجه دومًا إمكانات المجمع المادية. ويشهد التاريخ ونحن نشهد أنه لولا مدد إلهي، ثم شخصيته الفذة، ودأبه الذي يشتد مراسه كلما واجهته المصاعب والعقبات، ما كان لمجمعنا هذا أن يبلغ مبلغه. ولا أن ينجز ما أنجزه، من محكم إعداد وتنظيم لدوراته، ومن موثق المجمع الأمين المجلة المثبتة بلسان المحتوى والحال ما يغني عن التنويه بالمقال لها منها عليها شواهد. ومن المشاريع السائرة في طريق الإنجاز من نشر الكتب الأمهات إلى معلمة القواعد.

فالله ندعو أن يتولاه بعونه، ويرزقه قوة على المضي، ويجزل ثوابه الثواب الأوفى الرضي.

وختامًا لكم خالص التقدير وجميل الثناء.

سمو الأمير وأصحاب المعالي والسماحة والسعادة السادة الأمجاد. بما شرفتم به حفل افتتاح هذه الدورة، فتألقت ببهجة الأعياد.

ونسألك اللهم أن تهدينا سبيلك سبيل الذين جاهدوا فيك حق الجهاد. ويسّر لنا ظهيرًا من صدق المعارف، وأيدًا متلاحقًا من فيض العوارف.

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

سَماحَة الشيخ محمَّد المختار السّلامي

مُفتي الجُمهُورية التونسيّة

ص: 33