المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الاختياراتإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السابع

- ‌بحثالأسوَاق المالِيَّةفيمِيزان الفقه الإسلَاميإعدَادالدكتور علي محيي الدّين القره داغي

- ‌الأسهم، الاختِيارات – المستَقبَليّاتأنواعهَا وَالمعامَلات التي تجري فيهَاإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌الاختِياراتإعدادفضيلة الشيخ محمّد المختار السّلامي

- ‌عقُود الاختياراتإعدَادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الاختِياراتإعدَادفضيلة الدكتور الصديق محمّد الأمين الضرير

- ‌الاختِياراتدَراسَة فِقهيّة تحليليّة مُقَارنَةإعدَادعَبد الوهاب ابراهيم أبو سليمان

- ‌الاختيارَات في الأسوَاق الماليَّةفي ضَوء مُقرّرات الشريعَة الإسلَاميِّةإعدَادالدكتور عبد الستار أبو غدّة

- ‌عقُود المستَقبليات في السّلعفي ضَوء الشّريعَةِ الإسلاميَّةإعداَدالقاضي محمَّد تقي العثماني

- ‌بطَاقَة الائتمان وَتكييفها الشَّرعيإعدادالدكتور عبد السّتار أبُوغُدَّة

- ‌بطَاقات الائتمانإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌بِطاقَة الائتِماندرَاسة شرعِيَّة عَمليَّة مُوجَزةإعدَادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المشاركة في شركات أصل نشَاطها حَلَالإلاّ أنّهَا تتعَامل بالحَرامإعدَادالشيخ عبد الله الشيخ محفوظ بن بية

- ‌التعامُل مَع شركات تَقوُم بأعمال مَشروعَةوَتتعامَل مَع البُنوُك بالفَوائدإعداَدفضيلة الشيخَ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بية

- ‌بَحثٌ عَن بَطاقات الائتمان المصرفيّةوالتكييف الشرعي المعمُول به فيبَيت التمويل الكويتي

- ‌دَراسَة مُقَدّمة إلىالنّدوة الثانِية للأوَراقِ المالِيّةمِن بنك البحَرين الإسلَاميحَولتَحرير محافظ الأوَراق الماليّة للبُنوك الإسلاميّةمِن المَالِ المشتبَه في حِلِّهوَالمعالجَة المالية المقترحَة لعَزل أثر التعَامُل بالفَائدةعَلى عَائداتِ الأسهُم

- ‌أسئلة عَلى الأسهم وَالاختيارات وَالمستَقَبليّاتمُقَدّمَة مِنَ البنك الإسلامي للتَنميَة

- ‌التّوصيَات الصَّادرة عَن النَّدوة الفِقهيَّة الاقتصَاديَّةالمنعقدَة بَينمجمَع الفِقِه الإسلَامي وَالبنك الإسلَامي للتِنميَة

- ‌البَيَان الخِتامي وَالتّوصيَاتللنّدوة الثانيَة للأِسَواقِ المالِيَّةالمنعقدَة بدَولة البحَرين

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الأول: (المداينة ونظرة الإسلام إليها) .المحور الثاني: (بين صلح الحطيطة وحسم الكمبيالة) .المحور الثالث: (ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار) .إعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌أحكام البيع بالتقسيطوسائله المعاصرة في ضوء الفقه الإسلاميإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثاني: الحطيطة والحلولإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌توثيق الدين والمعاملات المالية الأخرىإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثانيتوثيق الدين في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌عقد الاستصناعومدى أهميته فيالاستثمارات الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة الشيخ مصطفي أحمد الزرقاء

- ‌عقد الاستصناعإعدادالأستاذ الدكتور علي السالوس

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الاستصناع ودوره فيالعمليات التمويلية المعاصرةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌أثر الاستصناعفي تنشيط الحركة الصناعيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌عقد الاستصناعإعدادفضيلة الشيخ كمال الدين جعيط

- ‌الاستصناع والمقاولاتفي العصر الحاضرإعداد فضلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الاستصناعتعريفه - تكيفه - حكمه - شروطهأثره في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادالدكتور سعود بن مسعد بن مساعد الثبيتي

- ‌عقد الاستصناعوعلاقته بالعقود الجائزةإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌بيع الوفاء وعقد الرهنإعدادفضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌ موضوع بيع الوفاء

- ‌بيع الوفاءإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌بيع الوفاء عند الإماميةإعدادحجة الإسلام الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌(مدى انتفاع الاقتصاد من بيع الوفاء)أوتوظيف بيع الوفاء في اقتصاد العصرإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الوفاء بما يتعلق ببيع الوفاءشيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بيرم الثاني(المتوفى 1247هـ)تقديم وتحقيقمحمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌بيع الوفاءفي الفقه الإسلاميإعدادمحيي الدين قادي

- ‌بيع الوفاءإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

- ‌أحكام الرهنوحكم الإنتفاع بالمرهونإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌بيع الوفاء وحكمهإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌بيع الوفاءإعدادفضيلة الشيخ المفتي محمد رفيع العثماني

- ‌بيع الثنيا أو بيع الوفاءإعدادالأستاذ محمود شمام

- ‌عقد الرهنوأوجه الشبه بينه وبين عقد الوفاءإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العلاج الطبيمبحث التداويإذن المريض وعلاج الحالات الميئوس منهاإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌حكم التداوي في الإسلامإعدادالدكتور علي محمد يوسف المحمدي

- ‌العلاج الطبيإعدادالدكتور محمد عدنان صقال

- ‌الحقوق الدولية في الإسلامإعدادفضيلة الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌المعاهدات والاتفاقاتمنالعلاقات الدولية في أثناء السلمإعدادسماحة الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌أصول العلاقات الدوليةبين الإسلام والتشريعات الوضعيةإعدادالدكتور محمد الدسوقي

- ‌السلم، والحرب، والعلاقات الدوليةفي الإسلامإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌رسالةمعالي الدكتور محمد معروف الدواليبيحولالغزو الفكري

- ‌دراسة حول الغزو الثقافي للعالم الإسلاميبداياته، دوافعه، أبعاده، سبل مواجهتهإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الغزو الفكريفي المعيار العلمي الموضوعيإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الغزو الفكري وأساليب المواجهةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الغزو الفكريإعدادالدكتور أبو بكر دكوري

- ‌الغزو الفكرىفى التصور الإسلامىإعدادالدكتور أحمد عبد الرحيم السايح

- ‌المسلمون وتحديات الفكر المعاصرإعدادالشيخ القاسم البهيقي المختار

- ‌الغزو الفكري في حياة المسلمينمنافذ دخُوله.. وَوَسَائل مُقاومتهإعدادالدكتور عُمَر يُوسف حَمزة

الفصل: ‌الاختياراتإعدادفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي

‌الاختِيارات

إعداد

فضيلة الشيخ محمّد المختار السّلامي

مفتي الجمُهوريّة التونسيّة

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ وسلِّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

الاختيارات جمع اختيار ترجمة لكلمة (OPTIONS)، والاختيار عبارة عن وثيقة مقابل ثمن يدفعه مشتريها تخوِّله: إمَّا أن يختار شراء ما تضمنته تلك الوثيقة التي تحدد تحديدًا دقيقًا نوع المُشْتَرَى وثمنه، والأجل الذي يستعمل فيه هذا الحق، ومكان التسلم، وهذا في اختيار الشراء.

وإما أن يختار بيع ما تضمنته تلك الوثيقة، حسبما حدَّدته من نوع المبيع وثمنه، والأجل الذي يستعمل فيه هذا الحق، ومكان التسليم، فالمشتري لخيار الشراء يكون له الحق في أي وقت شاء – في أميركا – في الأجل، أو عند نهاية الأجل أن يطلب ممن نقده ثمن الخيار أن يطلب منه الوفاء بما تضمنته الوثيقة، وله الحق طبعًا أن لا يطلب ذلك، وذلك تبعًا للقيمة التي يباع بها المحتوى في السوق.

وكذلك المشتري لخيار البيع يكون له الحق في أي وقت شاء – في أميركا – في حدود أجل الخيار أو عند انتهاء أمد الخيار – في أوروبا – أن يمارس حقه فيبيع إلى الطرف الثاني ما تضمنه عقد الخيار وله الحق طبعًا أن لا يطلب ذلك.

ويتصور ذلك للتقريب بأن يشتري (بولس) وثيقة خيار لشراء خمسين وحدة من القمح الموصوف وصفًا دقيقًا بثمن قدره 1000 دولار للوحدة لأجَلِ ثلاثة أشهر يتسلمها بشيكاغو وثمن الاختيار 500 دولار (فُبولس) هذا إذا كان اختياره في أميركا فإنه من يوم شرائه للوثيَقة إلى نهاية الشهر الثالث له أن يطلب من الطرف المقابل أن يمكنه مما اشتراه، فهو إذا وَجَدَ أن سعر الوحدة من القمح قد بلغ انتهاء الأجل 1100 دولار فإنه يستعمل حق الخيار ويكون قد ربح في الصفقة 4500 دولار إذ هو يشتري القمح حسب وثيقة الخيار بخمسين ألف دولار 50000، ويضيف إلى ذلك ما دفعه ثمنًا لوثيقة الخيار 500 + 50.000 = 50.500 ويربح إذن (1100 × 50)50.500 = 4.500 وإذا وجد أن الثمن لم يتعدَّ 1010 دولار للوحدة فإنه لا يستعمل حق الخيار إذا لا يستفيد منه وخسارته لا تتجاوز ثمن شراء خيار الشراء، والقضية بالعكس، فهو إذا اشترى خيار بيع فإن وجد أن الأثمان نزلت عن مجموع الثمن المتفق عليه مضافًا إليه ثمن الخيار قام بحقه في البيع، وإن وجد الأثمان لم تنخفض أو زادت ألغي حقه في الخيار وتكون خسارته محدودة بالثمن الذي دفعه في وثيقة الخيار.

موضوع وثيقة الخيار:

ص: 170

يجرى التعامل في اختيار البيع أو الشراء:

1-

في الصرف خيار شراء يخول صاحبه شراء الدولار بثمن أربعة ريالات لمدة محدودة، فإذا ارتفع ثمن الدولار فتجاوز الأربعة ريالات مضافًا إليها ثمن الخيار استعمل المُشتري حقه فاشترى الدولار الذي يساوي خمسة ريالات مثلًا بأربعة ريالات وثمن الخيار فيكون الفارق ربحًا حققه. والأمر بالعكس لو كان قد اشترى خيار بيع.

2-

في الفائدة كأن يشتري خيارًا في مقدار مالي على أن سعر الفائدة 7 % فإذا تجاوزت الفائدة 7 % استحق الزائد على 7 % أو نسبه منه حسب الاتفاق.

3-

في المعادن الرفيعة كالذهب والفضة.

4-

في سندات الخزينة.

5-

في المؤشرات.

6-

في المواد من معادن وحبوب وغيرها.

الطريقة المتبعة في إنجاز خيار:

الخيارات أصلها أن تكون في سوق من الأسواق التي تقوم بنشاطها في هذا النوع من التقابل، وهذه الأسواق متميزة عن بعضها كل سوق لها خصائص في نشاطها ويجمع بينها أن التعامل فيها يتم في عقود نمطية أي أن المقدار هو واحد فمن يرغب في خيار شراء دولارات لا يعرض أنه يرغب في شراء عدد معين من الدولارات ولكن عليه أن يشتري وحدة والوحدة في سوق نيويورك تتراوح بين خمسة وعشرة ملايين دولار، بينما هي في سوق لندن بين مليونين وثلاثة ملايين دولار.

وهذه الخيارات يقوم بها الوسطاء في السوق الذين يربطون بين رغبتين فالذي اشترى خيار بيع أو شراء لا يدري ممن اشتراه، ولكن الوسيط هو الذي يقوم بالعملية وهو الذي يتولى تسجيلها.

ص: 171

هل تتم هذه العقود فعلًا:

إن عقود الخيارات في الأسواق لا تبلغ غايتها بالتسليم الفعلي، وإنما هي تنتهي إلى المقاصة غالبًا. فمن خسر يدفع الفارق عند مطالبة الطرف الآخر في حدود أجل الخيار في أسواق أميركا، أو عند نهاية الأجل في أسواق أوروبا والرِّبح يفوز به من كان أكثر حساسية وأقدر على استشراف وضع السوق مستقبلًا. هكذا يبدو في الظاهر ولكن في الحقيقة الأمر أعقد من هذا. إن المفاجآت التي تتسبب عن معطيات من أمر الغيب هي التي تؤثر في القيم كالحرب والسلم، والوضع الاقتصادي والعوامل السياسية التي تفرض نفسها على الواقع فتؤثر فيه، فالحقيقة أن الغنم أو الغرم في هذه الأسواق هو من المخاطرة، ولذا فإن من تقنيات هذه الصفقات الخياريّة أن تعقد بطريقة مقابلة المخاطر بعقود أخرى تغطي تلك المخاطر، بحيث يكون هامش الربح أو هامش الخسارة موزعًا بين أكثر من مؤسسة مالية.

دور الوسيط:

إنه وإن كانت عقود الخيار يمكن أن تتم داخل السوق وخارجه، إلَّا أنه بعد توفر الأسواق يكاد لا يبقى أثر للتعامل خارجها، والوسيط زيادة عن دوره في جمع إرادتين متكاملتين إرادة شراء وإرادة بيع، هو ضامن لبلوغ العقد أمده وتمكين الرابح من ربحه.

ص: 172

التصَوّر الفعلي وَالتصَوّر الفِقهي

هذه العقود التي يكون موضوعها الخيار، هي عقود حادثة تمامًا ولا عهد للعالم ولا للفقهاء بها على النمط الذي بيناه أعلاه، ولما كانت عقودًا حادثة فإن الواجب يقتضي إجراءها على قواعد التعامل لتقوم على أساسها حتى يتبين حكمها في الإسلام للفرق الواضح في مبادئ الأحكام، بين حكم التعامل في الدول اللائكية، وبين حكم التعامل في النظام الإسلامي.

ففي الأنظمة اللائكية التي تفصل بين الدين والدولة تعتبر العقود عقودًا نافذة ومقبولة ما دام كل واحد من الطرفين أمضى العقد باختياره، وبدون إكراه أو خداع، أمَّا في التعامل الإسلامي فالإرادة الحرة وعدم التغرير لا يكفيان لسلامة العقود، بل لا بد ليكون العقد مقبولًا شرعًا أن يرد ما يدل على الإذن فيه، أو أن يكون غير منهي عنه وقواعد التعامل لا تنافيه.

هذا وقد يلتبس عقد الخيار بعقود مأذون فيها شرعًا، ومن ذلك بيع العربون.

بيع العربون:

ورد النهي عنه فيما رواه مالك في الموطأ عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان.

وهذا الحديث لم يسم مالك عمن رواه، فقال ابن عبد البر الأشبه القول بأنه الزهري عن ابن لهيعة، وسماه ابن ماجه ورواه عن الفضل بن يعقوب الرخامي ثنا حبيب بن أبي حبيب أبو محمد كاتب مالك بن أنس ثنا عبد الله بن عامر الأسلمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (1) وفي هذا الإسناد حبيب كاتب مالك وعبد الله الأسلمي وكلاهما ضعيف، وروى الدارقطني والخطيب عن مالك عن عمرو بن الحرث عن عمرو بن شعيب وفي إسنادهما الهيثم بن يمان وهو مختلف فيه ورواه البيهقي من طريق عاصم بن عبد العزيز ثنا الحرث بن عبد الرحمن بن أبي ذياب عن عمرو بن شعيب – وعلق عليه البيهقي بأن عاصم بن عبد العزيز الأشجعي فيه نظر (2) .

(1) 2/2193.

(2)

السنن: 5/343.

ص: 173

كما ورد الإذن فيه (فقد أخرج عبد الرزاق في مصنّفه عن زيد بن أسلم ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِل عن العربان في البيع فأحله)) ، يقول الشوكاني وهو حديث مرسل ثم في إسناده إبراهيم بن أبي يحيى، وهو ضعيف ثم يوازن بين حديث النهي وحديث التحليل، ويرجع حديث النهي لأنه ورد من طرق يقوي بَعْضُها بعضًا (1) .

وإذا اختلف النقل فقد عمد العلماء إلى الترجيح. فذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى المنع، وذهب أحمد إلى الجواز، مع اتفاقهم على حقيقة هذا البيع فقد ذكر مالك في الموطأ " ذلك فيما نرى – والله أعلم – أن يشتري الرجل العبد أو الوليدة أو يتكارى الدابة ثم يقول للذي اشترى منه أو تكارى منه أعطيك دينارًا أو درهمًا أو أكثر من ذلك أو أقل على أني إن أخذت السلعة أو ركبت ما تكاريت منه فالذي أعطيتك هو من ثمن السلعة أو من كراء الدابة، وإن تركت ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطيت لك باطل بغير شيء "(2) .

وذكر في المجموع: وبيع العربون أن يشتري شيئًا ويعطي البائع درهمًا أو دراهم ويقول: إن تم البيع بيننا فهو من الثمن وإلَاّ فهو هبة لك (3) .

ويقول ابن قدامة: العربون في البيع: هو أن يشتري السلعة فيدفع إلى البائع درهمًا أو غيره على أنه إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن، وإن لم يأخذها فذلك للبائع، قال أحمد: لا بأس به (4) .

(1) نيل الأوطار: 5/250 – 251.

(2)

الزرقاني على الموطأ: 3/97.

(3)

المجموع: 2/335.

(4)

المغني: 4/257.

ص: 174

فتعريف بيع العربون لا يكاد يختلف في تصويره، وإنما الخلاف في حكمه، فمن ذهب إلى المنع رجح المنع بأن حديث المنع أقوى سندًا، كما رجح المنع من ناحية المعنى، يقول الزرقاني: هو باطل عند الفقهاء لما فيه من الشرط والغرر، وأكل أموال الناس بالباطل، فإن وقع فسخ فإن فات مضى لأنه مختلف فيه.

ومن ذهب إلى الجواز، رجح ذلك بما روي أن نافع بن عبد الحارث اشترى بمكة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه دار السجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم على أنه إن رضي عمر كان البيع نافذًا وإن لم يرض فلصفوان أربعمائة درهم، قال الأكرم: قلت لأحمد تذهب إليه؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر رضي الله عنه، وروي القول بالجواز عن ابن عمر رضي الله عنهما، كما استند أحمد إلى قياس بيع العربون عما روي عن سعيد بن المسيب وابن سيرين أنهما يجيزان للمشتري إذا كره السلعة أن يردها؟ ويرد معها شيئا = قال أحمد: هذا في معناه.

والمعتمد في مذهب أحمد عدم الجواز، إذ ذهب إلى ذلك أبو الخطاب ووجَّه ابن قدامة بأن العربون في حالة العدول عن الشراء يأخذه البائع بغير عوض – وإن دافعه له الرجوع فيه – ونفى ما يتوهم من أنه في مقابل انتظار البائع لتقدم المشتري لإتمام الصفقة، لأنه لو كان من أجل الانتظار للزم من ذلك أمران. أحدهما: أنه لا يطرحه من الثمن عند الشراء مع أن المشتري يطرحه عند إتمام الصفقة، وثانيهما: أنه لو كان في مقابلة الانتظار لوجب أن تكون مدة الانتظار معلومة كالإجارة فلا بد أن يكون المقابل المالي هو لمدة معلومة.

ص: 175

ولكن بعض الكتاب المعاصرين رجحوا جواز هذا العقد، فقد ذكر الشيخ مصطفى الزرقاء في كتابه المدخل الفقهي العام. " ومن المعلوم أن طريقه العربون هي وثيقة الارتباط العامة في التعامل التجاري في العصور الحديثة، وتعتمدها قوانين التجارة وعرفها، وهي أساس لطريقة التعهد بتعويض ضرر الغير عن التعطل والانتظار "(1)، وأيد هذا الاتجاه الدكتور وهبة الزحيلي فقال: وفي تقديري أنه يصح بيع العربون وأخذه عملًا بالعرف لأن الأحاديث الواردة في شأنه عند الفريقين لم تصح (2) .

يبدو أن الملحظ الذي رجح به العالمان مصطفى الزرقاء ثم الدكتور وهبة الزحيلي هو اعتبار العرف ولما كان العرف لا يصادم النص حل الدكتور وهبة الإشكال بأن الأحاديث لم تصح، والذي حقَّقه الشوكاني أن نصوص المنع وردت بطرق مختلفة يقوى بعَضُها بعضًا ويشهد لها القياس على أن العرف الحاصل في التعامل مبناه القوانين المقتبسة من القوانين الغربية التي شرعت للناس الأخذ بها والتعامل على أساسها.

والذي يقوم في نفسي هو أن كل مال يأخذه الإنسان في غير التبرعات والميراث لا بدَّ أن يكون له مقابل، وإلَاّ كان من قبيل أكل أموال الناس بالباطل، والعربون ليس له مقابل إلَّا المخاطرة التي دخل فيها المتعاملان، وكانت الضمانات أقوى في جانب البائع إذ هي إن تم البيع قبض الثمن، وإن لم يتم البيع استأثر بالعربون، أما المشتري فإنه قد يفوز بالمشترى وقد يعجز عن جمع الثمن أو تحل به مصيبة تمنعه من إتمام البيع فيخسر ماله بدون مقابل وتجتمع عليه أكثر من مصيبة، وما عرف في التعامل الإسلامي أن التشريع يكون في جانب القوي فيقوى جانبه، بل هو دومًا في جانب العدل فيلطف من تسلط القوي على الأضعف.

(1) المدخل الفقهي العام: 1/495.

(2)

الفقه الإسلامي وأدلته: 4/450.

ص: 176

المقارنة بين بيع العربون والاختيارات:

إن بيع العربون يختلف عن الاختيارات اختلافًا جوهريًّا:

أولًا: إن بيع العربون عند إنجازه يعتبر العربون المقدم جزءًا من الثمن فيطرح من المقدار الواجب دفعه للبائع، بينما حق الاختيار هو تملك لحق الشراء أو البيع ولا يحسم من الثمن عند الإنجاز.

ثانيًا: إن ثمن الاختيار قد يدفعه المشتري وقد يدفعه البائع.

ثالثًا: إن ثمن الاختيار عقد منفصل عن عقد التنفيذ إذ أن مشتري خيار الشراء أو خيار البيع يمكنه التصرف فيه بالبيع أو الهبة.

رابعًا: إن الدافع للتعامل بالخيارات ليس الغرض منه تحصيل العقد وفوز كل طرف بالثمن أوالمثمن، وإنما القصد منه تحصيل الربح، فالذي يجري في الأسواق أنه ينتهي بالمقاصة بحساب ما تحقق من ربح لأحدهما.

خامسًا: إن ما ينبني عليه ثمن الخيار هو توقعات مستندة إلى سعر الفائدة ومرتبطة بالأمد الذي إليه الخيار، وبتوقعات تذبذب الأسعار.

سادسًا: إن موضوع الخيارات ليس السلع، وإنما هي تجري حتى المؤشرات التي لا تعدو أن تكون ضربًا من القمار.

النتيجة:

هي أنه ولو أبحنا بيع العربون فإن ذلك لا يؤثر في الحكم على التصرف في الاختيارات ولا يقاس أحدهما على الآخر للفوارق الجوهرية التي ذكرناها.

ص: 177

البيع على الصفة:

إذا كان الشبه بين الاختيارات وبيع العربون قد يُخَيِّلُ قياس أحدهما على الآخر، فإن البون شاسع بين البيع على الصفة والاختيارات، لأن موضوع العقد في بيع الصفة سلعة غير حاضرة في مجلس العقد، أو في نشرها ضرر، فتوصف وصفًا كاشفًا، ويتم التعاقد على الوصف، ويكون الخيار للمشتري لو لم يطابق الوصف الواقع، أما موضوع الاختيارات فهو الاختيار ذاته – وإمضاء العقد أو فسخه في البيع على الصفة مرتبط بالتوافق بين الوصف والواقع، أما إمضاء تبادل الثمن والمثمن في الخيار فهو ليس مرتبطًا بسلامة الوصف، بل بالربح الذي يحققه صاحب الاختيار.

السَّلَم:

السلم عقد تعمر به ذمة البائع وينقد المشتري فيه كامل الثمن، أما الخيارات فإن المشتري لا ينقد أي جزء من الثمن، والمشتري في الخيارات غير ملزم ببلوغ العقد يداه، ودفع الثمن والتحصيل على المشتَرَى، بل هو مختار في ذلك، بينما في عقد السلم كل طرف ملزم بتنفيذ العقد حسبما اتفقا عليه – وإن المال المدفوع والمقبوض ليس في مقابل السلعة، وإنما هو فقط في مقابل القيام بحق الاختيار فلا شبه بين الخيارات والسلم.

الهبة:

الهبة عقد تبرع والخيارات عقد معاوضة فهما من بابين مختلفين.

ص: 178

التكييف الفِقهي للعَوض في حَقّ الاختِيار

إن الذي دفع ثمن الخيار هو قد أخذ في مقابله التزامًا من المدفوع إليه بإنجاز صفقة في أجل محدد – فهو في الحقيقة شراء التزام في الذمة، والالتزام حق والحق لا يقبل المعاوضة، يقول ابن عابدين: وبيع الحقوق بانفراده لا يجوز (1)

وقال في البدائع: الحقوق المفردة لا تحتمل التمليك ولا يجوز الصلح عنها، أقول: ولا تضمن بالإتلاف، قال في شرح الزيادات للسرخسي: وإتلاف مجرد الحق لا يوجب الضمان، لأن الاعتياض عن مجرد الحق باطل، إلَّا إذا فوت حقًّا مؤكدًا فإنه يلحق بتفويت حقيقة الملك في حق الضمان كحق المرتهن (2) ، ولأن الفقهاء يكادون يجمعون على أن المعقود عليه لا بدَّ أن يكون مالًا متقومًا وحق البيع أو حق الشراء ليس مالًا متقومًا.

وأقرب تصوير للتعامل في الخيارات هو أنه توسع في صور القمار واستنباط طرق جديدة تمكن من الحصول على الكسب، أو تحمل الخسارة تبعًا للحظ المساعد أو الكاسد، وتبدو المقامرة أوضح في بعض صور التعامل في الخيارات فهي مقامرة مكشوفة في خيارات المؤشرات، وهي ربا في الأوراق النقدية، لأن المشتري للعملة بسعر محدد بواسطة شراء خيار هو قد أمضى عقدًا موضوعه نقود من هذا ونقود من ذاك بقيمة محددة لمدة معينة، صرف إلى أجل، والصرف إلى أجل حرام، وفيه ثانيًا تعمير ذمتين في صورة اختيار المشتري لتنفيذ العقد فإن البائع ملتزم ببيع الدولار مثلًا بثلاث ريالات والمشتري يقوم بحقه هذا الذي هو أيضًا متعلق بذمته.

(1) رد المحتار 4/118

(2)

رد المحتار: 4/14.

ص: 179

التكييف الشرعي للهيئة الضامنة:

إن التعامل في الاختيارات خارج السوق أو البنوك المتخصصة تكاد تنحصر في عدد ضئيل لا يكاد يذكر لأن السوق هي الساحة التي تتحقق فيها المعاملات بيسر، وكذلك البنوك التي أفسحت المجال في تعاملها للخيارات، والسوق تقوم عليها السماسرة وهم ضامنون لإنجاز الصفقة، ولكن ضمانهم في الحقيقة لا يصل في معظم الأحوال إلى تسلم السلع ثم تسليمها، أو تسلم العملة ثم تسليم ما يقابلها من العملة الأخرى، بل يقتصر عملهم على المقاصة، على معنى أن مشتري الخيار أو بائعه يحسب له السمسار ربحه أو خسارته فيسلمه ربحه أو يحسم خسارته من الرصيد الذي تحت يده، فضمان السمسار في الحقيقة هو ضمان شكلي، وليس ضمانًا حسب المفهوم الفقهي الذي هو تبرع. فهذه الأسواق أو البنوك ليست مؤسسات خيرية حتى تتبرع، بل إن جشعها للمال واستنباطها لمختلف الطرق لتحصيله هو قوامها الذي به تحيا.

بيع خيار الاستدعاء:

إن شراء خيار الاستدعاء قد تبين أنه عقد فاسد غير صحيح والتصرف في العقد الفاسد يكون بفسخه لا ببيعه إذ إقرار البيع هو تبع لإقرار التملك السابق.

تصحيح عقود الخيارات:

وقع طرح فرضين في الورقة المقدمة.

1-

هل يمكن في صور اختيار الشراء أن يعتبر العقد مشروعًا يجعل العوض جزءًا من الثمن؟ وهذا الفرض ظاهره أنه يقلب العقد إلى بيع العربون، إذ البيع الذي يقدم فيه جزء من الثمن على أن المشتري إذا أتم البيع احتسب ما قدمه من الثمن وأكمل الباقي وإن لم يتم ذهب ما دفعه ولا رجعة له على البائع، ولكن عقود الاختيارات ليست هذه ولا التعامل يجري فيها على هذا النحو، وإذا تغير العقد فالبحث يعود إلى قبول بيع العربون أو عدم قبوله.

ص: 180

وكل الفروض التي تفرض لا بدَّ في نظري أن تقدر حسب إمكان تحققها أو عدم إمكان ذلك والأسواق العالمية تقدم عقودًا جاهزة لا تقبل فيها التصرف والتغيير، فمن قَبِلَها سرت عليه جميع أحكامها ولا يستطيع أن يعطل أي بند من بنودها، إذ المشتري والبائع لا يعرف أحدهما الآخر، وإنما الإرادتان المفوض فيهما للوكيل (السمسار) بهما يقع التعاقد.

والآلية التي أصبحت تتم بها المعاملات تقلص كل يوم من الشروط الخاصة وتفرغ هذه العقود في صورة نمطية، فهذا الفرض هو فرض غير عملي.

2-

هل يمكن تعديل هذا العقد تعديلًا يصبح به مقبولًا حسب المعيار الإسلامي؟

الغاية من هذه العقود: الاخيارات = إيجاد وسائل تستوعب السيولة المالية ويدخل بها صاحبها في باب المخاطرة التي يأمل منها التعامل بها تحقيق أرباح تفوق العائد الربوي ذلك أن إيداع الأموال في البنوك لما يصحبه من رتابة، ولتدخل الحكومات في تحديد نسبة الفائض جعلت المضاربين أصحاب رؤوس الأموال يستنبطون طرقًا أخرى للربح السريع والأوفر، ولذا كانت المجالات التي تتم فيها عقود الاختيارات بعضها حقيقي وبعضها اعتباري، ولم أجد لها فائدة ملموسة مؤثرة حركية، أو خيرًا في الاقتصاد فالبحث عن طريقة لتصحيحها لم تتبين لي، إذ أن الغاية كما بدت لي ليست غاية فيها مصلحة عامة ولا مصلحة خاصة محققة، وهي في نظري قريبة جدًا من القمار الذي اتخذ أشكالًا عدَّة ولا يوجد عقد منها ينقلب مشروعًا – والله أعلم.

ص: 181

مُلَخّص بَحث الاختِيَارات

الاختيار عبارة عن وثيقة مقابل ثمن يدفعه مشتريها تخوله: إما أن يختار شراء ما تضمنته محدَّدةً تحديدًا دقيقًا نوع المشتَرى وثمنه والأجل الذي يستعمل فيه هذا الحق، ومكانَ التسلم، وهذا في اختيار الشراء، وإما أن يختار بيع ما تضمنته حسب التحديد والضبط السابق.

وهذا التعريف معبِّر عن واقع، فالخيار خيار شراء وخيار بيع.

وحامل الوثيقة مخير في حدود الأجل في تنفيذ ما جاء في الوثيقة. أو عدم المطالبة بالتنفيذ حسب الوضع الذي عليه السوق.

موضوع وثيقة الخيار:

1-

الصرف، في شراء عملة في حدود الأجل بقيمة محددة.

2-

الفائدة: ليضمن حدًّا للفائدة يستفيد من ارتفاع أو انخفاض قيمة الفائدة حسب طبيعة العقد.

3-

في المعادن الرفيعة كالذهب والفضة.

4-

في سندات الخزينة.

5-

في المؤشرات.

6-

في المواد من المعادن وحبوب وغيرها.

طريقة إنجاز عقد الخيار:

معظم المعاملات في الاختيارات تتم في الأسواق التي يتكفل فيها الوسيط بالجمع بين إرادة بيع وإرادة شراء، ويتم ذلك في عقود نمطية.

وهذه العقود لا تنتهي عادة بالتسليم، وإنما بالمقاصة، فيستفيد الرابح ويفوز بالربح كما تتم هذه العقود لدى بعض البنوك، وكما تتم بندرة خارج السوق وخارج المصارف بين شخصين.

ص: 182

التصورالفقهي والتصور العملي:

هذه العقود هي عقود حادثة، ولذلك لا أرى وجهًا لمقارنتها بالعقود المعروفة في الفقه الإسلامي، نظمت في أواسط الثمانينات.

وقد يخيل أن هذه العقود شبه ببعض العقود المعروفة ولذلك يكون من المحتَّم التمييز بينها فمن ذلك:

* بيع العربون: بيع العربون على أن المشتري يقدم للبائع مقدارًا ماليًّا إن أخذ السلعة حسم ذلك من أصل الثمن، وإن عدل عن شراء فاز البائع بالعربون.

والفرق واضح بين بيع العربون والاختيارات:

(أ) إن المال المقدم في بيع العربون هو جزء من الثمن عند إتمام الصفقة، بينما هو في بيع الخيار لا صلة له بثمن الصفقة ولا يطرح منها عند إتمام العقد.

(ب) إن العربون مقدم من المشتري للبائع، والخيارات قد يكون الدافع لثمنها البائع وقد يكون المشتري.

(ج) إن بيع العربون لا ينتقل فيه العربون بالبيع والشراء بينما في بيع الخيار لمشتري الخيار أو بائعه أن يتصرف فيه بأنواع التصرف.

(د) إن الدافع للتعامل بالخيارات تحصيل الربح لا السلعة، بينما المقصود في بيع العربون تحصيل السلعة.

(هـ) إن مستند ثمن الخيارات توقعات مستندة إلى سعر الفائدة ومرتبطة بالأمد وبتذبذب الأسعار ولا شيء من هذا في بيع العربون.

(و) إن موضوع العقد في الخيارات كما بينا يشمل السلع – والفائدة والمؤشرات فهي في كثير من صورها أقرب إلى القمار.

ص: 183

البيع على الصفة:

بين بيع الخيار والبيع على الصفة بون شاسع، ذلك أنه وإن كان في بيع الخيار توصف السلعة وصفًا دقيقًا، ولا تكون حاضرة كما هو في البيع على الصفة، فإن بيع الخيارات لا يرتبط إمضاء العقد أو فسخه حسب الموافقة بين الوصف والواقع كما هو الحال في البيع على الصفة، بل هو مرتبط بالربح الذي يحصل عليه مستعمل حق الخيارات، فإن وجد ربحًا أتَمَّ العقد وإلَاّ ألغى الاختيار وخسر قيمته.

السَّلم:

مشتري الاختيارات هو مختار في الأجل بين إتمام الصفقة أو التخلي عنها، وأما في بيع السلم فكل طرف مُلْزَمُّ بإتمام الصفقة – وفي بيع السلم لا بدَّ من تقديم كامل الثمن، أمّا في الاختيارات فلا يقدم شيء من ثمن المبيع.

الهبة:

لا صلة بين الهبة والاختيارات لأن أحدهما مبني على التبرع والآخر على الرغبة في الربح.

التكييف الفقهي:

أقرب شيء للخيارات هو القمار، فكل مشتر لخيار بيع أو شراء يربط حظه بتقلبات الأسواق إما لفائدته أو ضده، وفي بعض أحواله إضافة إلى القمار – صرف مؤجل وتعمير ذمتين.

الهيئة الضامنة:

الضمان في عقود الاختيارات هو شكلي، لأن السمسار لا يقوم بالجمع بين الإرادتين إلَّا بعد أن يحقق لنفسه من ضمانات الدرك ما يبلغ به العقد مرحلته النهائية، فالضمان صوري لأن الضمان في الأسواق والبنوك ليس عملًا خيريًّا.

تصحيح عقود الاختيارات:

إن الاختيارات في منطلقها وغاياتها غير قابلة للتصحيح الشرعي، إذ محاولة تخريج تعامل على الوجه الصحيح لا فائدة له إلَّا إذا كان ممكن التطبيق وهذه عقود لا تقبل أي تغيير في أسواقها ولا حاجة للعالم الإسلامي بها في اقتصاده. والله أعلم.

ص: 184

شهَادة حَقّ التمَلّك

جاء في المقدمة أن صورة حق التملك صورة من صور الاختيارات

وعرفت بأنها شهادة تصدرها شركة مساهمة لبعض الأشخاص، تعطيهم الحق في شراء عدد معين من أسهم الشركة بسعر محدد وخلال فترة زمنية محددة.

الملاحظ أولًا أن شهادة حق التملك لا صلة بينها وبين الاختيارات لا في منطلقها ولا في طريقة التنفيذ.

أما المنطلق فإن شهادة حق التملك تمكن بها الشركة من قام بخدمات استفادت منها، فمنطلقها الوفاء لمن كان له فضل على الشركة، أما منطلق الاختيارات فالمخاطرة على تحقيق الربح.

وأما في طريقة التنفيذ فإن شهادة حق التملك ليست عقد معاوضة صرف، وإنما هي مكارمة من الشركة لمن قام بخدمات استفادت منها الشركة، تتمثل هذه المكارمة في عرض مرغوب فيه قطعًا. ولا يكون هذا العرض بهذه الصفة إلَّا إذا كان ثمن الأسهم المعروضة دون الثمن السوقي.

وأما الاختيارات فهي عقد معاوضة الثمن المال المدفوع من مشتري حق البيع أو حق الشراء، والمثمن هو حق الخيار، والمتعاقدان بائع الخيار ومشتريه كانا ذاتين أو شخصين معنويتين أو مركبًا منهما.

التكييف الشرعي لهذه الشهادة:

في شهادة حق التملك إيجاب من الشركة يستمر مدة معينة، لشخص يكون له الحق في إعلان قبوله للصفقة خلال الأجل والثمن معلوم، والأسهم معلومة.

ص: 185

فالسؤال الذي يستحق البحث عن حكمه هو: هل يصح أن يصدر العاقد إيجابًا يلتزم به في المجلس وفي مدة معلومة تليه؟

هذا هو بيع الخيار الذي عرفه ابن عرفة بقوله: بيع وقف بته أولًا على إمضاء يتوقع، يقول الرصاع: إن في المذهب خلافًا – ثم قال: لعل الشيخ صحح القول بأنه منحل حتى ينعقد، قال الشيخ ابن عبد السلام: - وأكثر مسائلهم تدل على ذلك (1) .

وذكر الحطاب في التنبيه الحادي عشر على قول خليل: (أو تسوق بها فقال: بكم؟ قال: بمائة فقال: أخذتها) يقول ابن عرفة: كَتَبَ موثقٌ بيع مسافر. عبَّر عنه: بعت موضع كذا من زوجتي فلانة بكذا إن قبلت وبينه وبينها مسافة شهرين، فقال ابن عبد السلام مدة قضائه: لا أجيز هذا البيع على هذه الصفة، فبدلت الوثيقة بحذف إن قبلت، فقبلها. فلعله رأى الأول خيارًا، والثاني وقفًا. اهـ كلام ابن عرفة، ثم علق الحطاب: وانظر ما معنى قوله وقفًا؟

ويمكن أن يقال: إنما لم يجز الأول لأنه بيع خيار إلى أمد بعيد، بخلاف الثاني فإنه إقرار بيع، والذي يبدو لي أنه تحريف من الناسخ، وأن الأصل والثاني بتًّا لأن البت هو مقابل الخيار كما يدل عليه تعريف ابن عرفة من قوله:" وقف بته".

فالذي يستخلص من النصوص المتقدمة أن إيجاب البائع المستمر في الزمان المستقبل جائز إذا كانت المدة محددة، والفقهاء في تحديد المدة مختلفون، اقتصر بعضهم على ثلاثة أيام للحديث الوارد في ذلك:

(فقل لا خلابة، ولك الخيار ثلاثًا) ورأى بعضهم أن الخيار هو للمشتري وهو يختلف باختلاف المبيع.

يقول ابن عاصم:

بيع الشروط جائز الوقوع

لأجل يليق بالمبيع

كالشهر في الأصل وبالأيام

في غيره كالعرض والطعام

(1) شرح الحدود، للرصاع: ص267.

ص: 186

فيكون في نظري هذا العقد جائزًا، والأجل حسب العرف الجاري المعمول به والذي يتراضى بمثله المتعاقدون في بيع الأسهم، لأن الأجَلَ إنما اختلف فيه الفقهاء لأن فيه غررًا، ولذا قَصَره بعضهم على ما ورد به النص، وقدره مالك بالحاجة فيكون مستثنى من النهي عن الغرر للحاجة إليه، والحاجة تقدر بقدرها.

المعنى الثاني: هل يجوز لمن مكن من شهادة حق التملك أن يبيع تلك الأسهم لغيره؟

إن المشتري لصفقة الخيار يعتبر العقد باتًّا بمجرد ما يختار تنفيذ الصفقة قبل انتهاء الأجل، ذلك أن الإيجاب من البائع قائم طيلة مدة الخيار، فإذا التقى هذا بقبول المشتري انبرم العقد وتم، والأكمل أن يعلم الشركة بقبوله العَرْض، وله أن يتفق مع شخص ثالثٍ ليبيعه الأقساط المملوكة له بأرفع من الثمن الذي اشتراها به.

وقد يعترض على هذا بأن البيع لا يكون تامًّا إلَّا بعد أن يسجل الوثائق المثبتة لنقل الملكية من الشركة إلى المشتري لصفقة الخيار، ولكن هذا الاعتراض لا يؤثر لأنه من قبيل الإجراءات التنظيمية للشركات اللاحقة بالعقد لا المؤسِّسَة له، لأنه بمجرد ما يقول المشتري قبلت العرض يتم العقد شرعًا، وبعد قبوله العرض يجوز له أن يتصرف فيه بالبيع وغيره.

وتسلم المبيع غير ضروري عند مالك إذ خص ذلك بالطعام لمعنى خاص به أن تعمل فيه الأيدي وينتقل أمام أعين الناس. وفي ذلك طمأنة لتوفر الأقوات.

والله أعلم.

ص: 187

حَقّ الأولويَّة

في شراء الإصَدَارات الجَديدَة مِنَ الأسهُم

هناك أسباب متعددة تدفع الشركات لإصدار أسهم جديدة فقد تكون الشركة في حاجة إلى سيولة مالية، فترى أن إصدار أسهم جديدة خير لها من الاقتراض ومشاكله. وقد تتراكم الأرباح فتصدر الشركة أسهمًا جديدة توزعها على المساهمين على نسبة الإسهام وزيادة رأس المال – وعلى كلٍّ فهي من الطرق الفنية التي تختار الشركة القيام بها في صالح المساهمين.

ولما كانت مصلحة المساهمين هي الموجه لاختيار حل الإصدارات الجديدة فإن تنفيذ هذا الاختيار لا بدَّ أن يكون محققًا لمصلحتهم، ولا يضر بحقوقهم، فإذا رأى القائمون على الشركة إصدار أسهم جديدة بثمن أقل من سعر الأسهم القديمة، ولا يفعلون هذا إلَّا إذا حتَّمت الدراسة ذلك، وإنه يترتب على عرض أسهم بقيمة أقل في السوق أن تنزل قيمة الأسهم القديمة، تبعًا لذلك، فلحماية مصالح المساهمين تعرض هذه الأسهم على المشتركين، وحتى لا يكون حيف تكون الأسهم الجديدة موزعة على المساهمين توزيعًا عادلًا متناسبًا مع ما يملكه كل واحد من أسهم قديمة، والأسئلة ثلاثة:

1-

هل يجوز للشركة أن تقوم بهذا الحل فتصدر أسهمًا جديدة بثمن أقل وتعطي لكل مشترك حصته على أنه إن رضي بها فهو مقدم على غيره، وإن لم يرض بها كانت الشركة حُرَّة في عرضها على غيره؟

ص: 188

ولما كان هذا الحل نتيجة دراسة أفادت أنه من مصلحة الشركة أن تصدر أسهمًا جديدة، فإنه لا يوجد ما يمنع الشركة من ذلك، بل لعله يكون من المحتَّم القيام به إذ إدارة الشركة من مهامها المسؤولة عنها وجلب المصالح ودفع المفاسد.

ولما كان الوضع المالي للشركة هو في الحقيقة وضع مجموع الشركاء بمقدار إسهاماتهم ولذلك فإن كل ما يؤثر سلبًا أو إيجابًا على حقوق الشريك، فإنه يجب أن يراعى فيه مصلحة أفرادهم كرعاية مصلحة الشركة عامة.

فالنتيجة أن إصدار أسهم جديدة لمصلحة الشركة أمر مشروع، وكذلك عرض هذه الأسهم على الشركاء أمر مشروع أيضًا.

2-

السؤال الثاني: هل يجوز نقل هذا الحق بعوض؟

إنه في تطبيق الاقتصاد الحديث في ميدان الشركات، يكون الوضع المالي والنشاط الواقع والمتوقع معلومًا، وعلى ذلكم الأساس تنخفض قيمة الأسهم أو تستقر أو ترتفع، فإذا انخفضت قيمة الأسهم فمعنى ذلك أن كل مساهم لحقته خسارة في رأس ماله، مقارنًا بما قبل فترة الانخفاض، وكل ارتفاع في قيمة الأسهم هو ربح حققه، فإذا أصدرت الشركة أسهمًا بقيمة ألف دينار للسهم مع أن سعره السوقي ألف وخمسمائة دينار فإن الفارق الذي هو خمسمائة دينار هو في الحقيقة ملك لصاحب السهم القديم، فإذا باع حقه في الأسهم الجديدة فهو لم يبع إلَّا حصته التي يمتلكها في الشركة، وكما لا يمنع من بيع أسهمه القديمة لا أرى مانعًا يمنعه من بيع ما يرجع إليه من الأسهم الجديدة، وله أن يتنازل عن هذا الحق ويعلن عن عدم رغبته في الشراء ولا في البحث عن مشترٍ.

النتيجة أنه يجوز نقل هذا الحق إلى غير من أُصْدِرَ له بعوض.

3-

هل ينطبق على هذه الصورة حكم الشفعة شرعًا؟

الشفعة كما عرفها ابن عرفة: استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه فالشفعة ليست عقدًا أولًا، وإنَّما هي تسلط الشريك على المشتري الجديد تسلطًا ينزع منه ما اشتراه بالثمن الذي تم به البيع الأول، فالشفعة لا تطلق فقهًا إلَّا إذا كان انتقال الملك من المشتري إلى الشريك دون نظر إلى رضاه، وفي صورة الحال لم يقع بيع الأجنبي رغب الشريك في طرده من الشركة.

والله أعلم.

الشيخ محمّد المختار السّلامي

ص: 189