المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بيع الوفاءإعدادد. عبد الله محمد عبد الله - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السابع

- ‌بحثالأسوَاق المالِيَّةفيمِيزان الفقه الإسلَاميإعدَادالدكتور علي محيي الدّين القره داغي

- ‌الأسهم، الاختِيارات – المستَقبَليّاتأنواعهَا وَالمعامَلات التي تجري فيهَاإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌الاختِياراتإعدادفضيلة الشيخ محمّد المختار السّلامي

- ‌عقُود الاختياراتإعدَادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الاختِياراتإعدَادفضيلة الدكتور الصديق محمّد الأمين الضرير

- ‌الاختِياراتدَراسَة فِقهيّة تحليليّة مُقَارنَةإعدَادعَبد الوهاب ابراهيم أبو سليمان

- ‌الاختيارَات في الأسوَاق الماليَّةفي ضَوء مُقرّرات الشريعَة الإسلَاميِّةإعدَادالدكتور عبد الستار أبو غدّة

- ‌عقُود المستَقبليات في السّلعفي ضَوء الشّريعَةِ الإسلاميَّةإعداَدالقاضي محمَّد تقي العثماني

- ‌بطَاقَة الائتمان وَتكييفها الشَّرعيإعدادالدكتور عبد السّتار أبُوغُدَّة

- ‌بطَاقات الائتمانإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌بِطاقَة الائتِماندرَاسة شرعِيَّة عَمليَّة مُوجَزةإعدَادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المشاركة في شركات أصل نشَاطها حَلَالإلاّ أنّهَا تتعَامل بالحَرامإعدَادالشيخ عبد الله الشيخ محفوظ بن بية

- ‌التعامُل مَع شركات تَقوُم بأعمال مَشروعَةوَتتعامَل مَع البُنوُك بالفَوائدإعداَدفضيلة الشيخَ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بية

- ‌بَحثٌ عَن بَطاقات الائتمان المصرفيّةوالتكييف الشرعي المعمُول به فيبَيت التمويل الكويتي

- ‌دَراسَة مُقَدّمة إلىالنّدوة الثانِية للأوَراقِ المالِيّةمِن بنك البحَرين الإسلَاميحَولتَحرير محافظ الأوَراق الماليّة للبُنوك الإسلاميّةمِن المَالِ المشتبَه في حِلِّهوَالمعالجَة المالية المقترحَة لعَزل أثر التعَامُل بالفَائدةعَلى عَائداتِ الأسهُم

- ‌أسئلة عَلى الأسهم وَالاختيارات وَالمستَقَبليّاتمُقَدّمَة مِنَ البنك الإسلامي للتَنميَة

- ‌التّوصيَات الصَّادرة عَن النَّدوة الفِقهيَّة الاقتصَاديَّةالمنعقدَة بَينمجمَع الفِقِه الإسلَامي وَالبنك الإسلَامي للتِنميَة

- ‌البَيَان الخِتامي وَالتّوصيَاتللنّدوة الثانيَة للأِسَواقِ المالِيَّةالمنعقدَة بدَولة البحَرين

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الأول: (المداينة ونظرة الإسلام إليها) .المحور الثاني: (بين صلح الحطيطة وحسم الكمبيالة) .المحور الثالث: (ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار) .إعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌أحكام البيع بالتقسيطوسائله المعاصرة في ضوء الفقه الإسلاميإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثاني: الحطيطة والحلولإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌توثيق الدين والمعاملات المالية الأخرىإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثانيتوثيق الدين في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌عقد الاستصناعومدى أهميته فيالاستثمارات الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة الشيخ مصطفي أحمد الزرقاء

- ‌عقد الاستصناعإعدادالأستاذ الدكتور علي السالوس

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الاستصناع ودوره فيالعمليات التمويلية المعاصرةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌أثر الاستصناعفي تنشيط الحركة الصناعيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌عقد الاستصناعإعدادفضيلة الشيخ كمال الدين جعيط

- ‌الاستصناع والمقاولاتفي العصر الحاضرإعداد فضلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الاستصناعتعريفه - تكيفه - حكمه - شروطهأثره في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادالدكتور سعود بن مسعد بن مساعد الثبيتي

- ‌عقد الاستصناعوعلاقته بالعقود الجائزةإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌بيع الوفاء وعقد الرهنإعدادفضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌ موضوع بيع الوفاء

- ‌بيع الوفاءإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌بيع الوفاء عند الإماميةإعدادحجة الإسلام الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌(مدى انتفاع الاقتصاد من بيع الوفاء)أوتوظيف بيع الوفاء في اقتصاد العصرإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الوفاء بما يتعلق ببيع الوفاءشيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بيرم الثاني(المتوفى 1247هـ)تقديم وتحقيقمحمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌بيع الوفاءفي الفقه الإسلاميإعدادمحيي الدين قادي

- ‌بيع الوفاءإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

- ‌أحكام الرهنوحكم الإنتفاع بالمرهونإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌بيع الوفاء وحكمهإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌بيع الوفاءإعدادفضيلة الشيخ المفتي محمد رفيع العثماني

- ‌بيع الثنيا أو بيع الوفاءإعدادالأستاذ محمود شمام

- ‌عقد الرهنوأوجه الشبه بينه وبين عقد الوفاءإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العلاج الطبيمبحث التداويإذن المريض وعلاج الحالات الميئوس منهاإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌حكم التداوي في الإسلامإعدادالدكتور علي محمد يوسف المحمدي

- ‌العلاج الطبيإعدادالدكتور محمد عدنان صقال

- ‌الحقوق الدولية في الإسلامإعدادفضيلة الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌المعاهدات والاتفاقاتمنالعلاقات الدولية في أثناء السلمإعدادسماحة الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌أصول العلاقات الدوليةبين الإسلام والتشريعات الوضعيةإعدادالدكتور محمد الدسوقي

- ‌السلم، والحرب، والعلاقات الدوليةفي الإسلامإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌رسالةمعالي الدكتور محمد معروف الدواليبيحولالغزو الفكري

- ‌دراسة حول الغزو الثقافي للعالم الإسلاميبداياته، دوافعه، أبعاده، سبل مواجهتهإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الغزو الفكريفي المعيار العلمي الموضوعيإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الغزو الفكري وأساليب المواجهةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الغزو الفكريإعدادالدكتور أبو بكر دكوري

- ‌الغزو الفكرىفى التصور الإسلامىإعدادالدكتور أحمد عبد الرحيم السايح

- ‌المسلمون وتحديات الفكر المعاصرإعدادالشيخ القاسم البهيقي المختار

- ‌الغزو الفكري في حياة المسلمينمنافذ دخُوله.. وَوَسَائل مُقاومتهإعدادالدكتور عُمَر يُوسف حَمزة

الفصل: ‌بيع الوفاءإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

‌بيع الوفاء

إعداد

د. عبد الله محمد عبد الله

الكويت - محكمة التمييز

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على خير الخلق سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه.

توطئة:

ظهر بيع الوفاء بصورته المعهودة إثر الكساد والديون التي تراكمت على التجار في بخارى وفي بعض البلاد الأخرى، فأظهروا التعاقدية تحت ضغط الحاجة وفي العصر الحديث مر بثلاثة أدوار تشريعية:

الدور الأول: كان القانون المدني المصري القديم قبل سنة 1923 تنقسم بعض أحكامه فقسمته باعتبار القرض المقصود منه إلى نوعين:

الأول - ما يكون الغرض منه الرهن الحيازي.

الثاني - ما يكون الغرض منه البيع الوفائي.

وتجري في كل نوع أحكامه.

الدور الثاني: عندما استغله المتعاملون بالربا أسوأ استغلال وأخذوا يتقاضون عن طريقه فوائد فاحشة أدخل المشرع بعض التعديل عليه يقضي بأنه متى اتضح أن بيع الوفاء يخفي رهنًا حيازيًّا عقاريًّا فإنه يكون باطلًا ولا ينتج أي أثر سواء باعتباره بيعًا أو باعتباره رهنًا غاية الأمر أنه يصلح سندًا بدين عادي.

أما الدور الثالث: فهو عهد التقنين المدني الجديد الذي نص على منع بيع الوفاء وتحريم التعامل به فقد نصت المادة 465 على أنه إذا احتفظ البائع عند البيع بحق استرداد المبيع خلال مدة معينة وقع البيع وقالت لجنة القانون المدني في تعليل ذلك (إن هذا النوع من البيع لم يعد يستجيب لحاجة جدية في التعامل إنما هو وسيلة ملتوية من وسائل الضمان قيد أستار الرهن وينتهي الرهن إلى تجريد البائع من ملكه بثمن بخس

إلخ) . وهذا القول فيه إجحاف بالمشتري الذي ترك ماله في ذمة البائع دون توثيق. ولكن اعتباره رهنًا يحقق مصلحة البائع في الاحتفاظ بملكه للمبيع ومنافعه ويحقق مصلحة المشتري يحفظ ما دفعه ثمنًا للبائع باستيفائه عند الأجل من المبيع.

ولهذا أحسنت المجلة صنعًا عندما أخذت بالقول الذي يجعل بيع الوفاء صحيحًا في بعض الأحكام فاسدًا في بعضها الآخر ورهنًا في حق البعض من الأحكام على نحو ما ذكره الأتاسي عند كلامه على المادة 398 من المجلة، التي نصت على أنه إذا شرط في بيع الوفاء أن يكون قدر من منافع المبيع للمشتري صح ذلك) .

ويترتب على هذا القول أنه يملك كل من البائع والمشتري الحق في فسخ البيع باعتبار العقد فاسدًا وحل الريع ومنافع المبيع باعتباره بيعًا صحيحًا وحفظ المبيع لصاحبه فلا يتسطيع المشتري بيعه من آخر ولا رهنه باعتباره رهنًا (1) .

هذا وسنتناول الكلام على هذا العقد حسب الخطة الواردة إليه وبالله التوفيق وهو حسبي عليه توكلت وإليه أنيب.

(1) شرح الأتاسي: 2/421.

ص: 1391

بسم الله الرحمن الرحيم

المحور الأول

تعريفه عند الحنفية

عرفته مجلة الأحكام العدلية في المادة 118 بقولها:

بيع الوفاء هو البيع بشرط أن البائع متى رد الثمن يرد المشتري إليه المبيع.

قال منير القاضي في شرحه لهذه المادة:

هو أن يبيع شخص عينًا لشخص آخر بثمن معين أو بالدين الذي عليه له بشرط أنه متى رد البائع الثمن على المشتري أو أدى دينه يرد إليه المبيع. ثم قال: ولبيع الوفاء نوع آخر. وهو البيع بالوجه المذكور على أن يستأجر البائع المبيع من المشتري ويسمى هذا النوع البيع بالاستقلال.

وقد عرفت المجلة في المادة 119 هذا النوع بقولها:

بيع الاستغلال هو بيع المال وفاء على أن يستأجره البائع.

قال الأستاذ المحاسني في شرحه للمجلة: وهو بحكم البيع بالوفاء وأخص منه ويجوز إيجار المبيع للبائع ولغيره وهذا البيع مؤلف من البيع الوفائي والاستئجار (1) .

المصطلح المساوي له في المذاهب الأخرى:

أولًا - المالكية: عبَّروا عنه ببيع الثنيا.

قال في تحفة الحكام: والبيع بالثنيا لفسخ داع والخرج بالضمان للمبتاع

والبيع بالثنيا لفسخ داع

والخرج بالضمان للمبتاع

ولا كراء فيه هبه لأجل

أولا وذا الذي به جرى العمل

قال شارحه أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي:

بأن يقول في صلب العقد أبيعك هذه السلعة على شرط أني إن أتيتك بثمنها وقت كذا، أو مهما أتيتك بثمنها فهي مردودة علي (2) .

ثانيًا - الشافعية: أطلق الشافعية على بيع الوفاء بيع العهدة قال صاحب قلائد الخرائد وفرائد الفوائد: بيع العهدة المعروفة بحضرموت وغيرها: وهي أن يتفق المتبايعان أن البائع متى أراد رجوع المبيع له أتى بمثل الثمن المعقود به وفسخ البيع، أو يفسخ عليه رضي المشتري أو لا، وكذا إن اتفقا أنه إن أراد فك البعض فله ذلك (3) .

كما يسمونه أيضًا الرهن المعاد (4) .

(1) الدر المختار وحاشية رد المحتار: 5/276، جامع الفصولين: 1/234، قلائد الخرائد: 1/317.

(2)

البهجة شرح التحفة: 2/60.

(3)

قلائد الخرائد وفرائد الفوائد للفقيه عبد الله محمد باقشير الحضرمي: 880 - 958، 1/317، الموسوعة الفقهية: 9/260.

(4)

رد المحتار حاشية در المختار: 5/276.

ص: 1392

ثالثًا - ويسميه الحنابلة بيع الأمانة: قال في كشاف القناع: بيع الأمانة هو الذي مضمونه اتفاقهما أي اتفاق البائع والمشتري على أن البائع إذا جاء بالثمن أعاد إليه المشتري ملك ذلك ينتفع به أي بالملك المبيع المشتري بالإجارة والسكنى ونحو ذلك كركوب ما يركبه أو حلبه (1) .

وقال في رد المحتار: سماه الشافعية بالرهن المعاد، ويسمى في مصر بيع الأمانة وبالشام بيع الإطاعة (2) .

حكمه:

اختلف الفقهاء في حكم بيع الوفاء اختلافًا كثيرًا حتى بلغت في المذهب الحنفي تسعة أقوال وخلاصة ما ذكر فيه:

أولًا: إن بيع الوفاء بيع باطل وهو رهن حقيقة يأخذ أحكام الرهن، قال في درر الحكام لملا خسرو: قال الشيخ الإمام نجم الدين النسفي في فتاواه: البيع الذي تعارفه أهل زماننا احتيالًا للربا وسموه بيع الوفاء هو في الحقيقة رهن وهذا المبيع في يد المشتري كالرهن في يد المرتهن لا يملكه ولا يطلق له في الانتفاع إلا بإذن مالكه وهو ضامن لما أكل من ثمره واستهلكه من شجره والدين يسقط بهلاكه إذا كان به وفاء بالدين ولا ضمان عليه بالزيادة إذا هلك عن غير صنعه وللبائع استرداده إذا قضى دينه لا فرق عندنا بينه وبين الرهن في حكم من الأحكام نقل ابن عابدين في حاشيته عن الخيرية: والذي عليه الأكثر أنه رهن لا يفترق عن الرهن في حكم من الأحكام.

قال السيد الإمام: قلت للإمام الحسن الماتريدي: قد فشا هذا البيع بين الناس، وفيه مفسدة عظيمة. وفتواك أنه رهن وأنا أيضًا على ذلك فالصواب أن نجمع الأئمة ونتفق على هذا ونظهره بين الناس. فقال: المعتبر اليوم فتوانا وقد ظهر بين الناس فمن خالفنا فليبرز نفسه وليقم دليله، واستدلوا عليه بأن المتعاقدين وإن سمياه بيعًا لكن غرضهما الرهن والاستيثاق بالدين، فإن البائع يقول لكل أحد بعد هذا العقد: رهنت ملكي لفلان، والمشتري يقول: ارتهنت ملك فلان والعبرة في التصرفات للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني فإن أصحابنا قالوا: الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة، والحوالة بشرط أن لا يبرأ كفالة والاستصناع الفاسد إذا ضرب فيه الأجل سلم ونظائره كثيرة.

(1) كشاف القناع: 3/149.

(2)

5/276.

ص: 1393

قال وكان الإمام السيد أبو شجاع على هذا وهو قول أبي الحسن الماتريدي (1) : وهذا وجه من أطلق عليه بيع الأمانة لأنه أمانة عند المشتري بناء على أنه رهن أي الأمانة (2) .

القول الثاني: أنه بيع فاسد إن شرطا الفسخ في البيع أو تلفظا بلفظ البيع بشرط الوفاء، أو تلفظا بالبيع الجائز وعندهما هذا البيع عبارة عن بيع غير لازم (3) لأن كلا منهما عقد مستقل شرعًا لكل منهما أحكام مستقلة ويوجب الملك إن اتصل به القبض.

القول الثالث: هو بيع جائز صحيح إن ذكرا البيع من غير شرط ثم ذكرا الشرط على وجه المواعدة ويلزم الوفاء بالوعد لأن المواعيد قد تكون لازمة وتجعل لازمة لحاجة الناس (4) .

قال في درر الحكام نقلًا عن مجموع النوازل: اتفق مشايخنا في هذا الزمان على صحته بيعًا على ما كان عليه بعض السلف لأنهما تلفظا بلفظ البيع من غير ذكر شرط فيه والعبرة للملفوظ نصًّا دون المقصود فإن من تزوج امرأة ومن نيته أن يطلقها بعدما جامعها صح العقد وهذا القول لقاضيخان، قال ابن عابدين: والظاهر أنه مبني على قولهما بأن ذكر الشرط الفاسد بعد العقد لا يفسد العقد (5) .

وقال في اللآلئ الدرية في الفوائد الخيرية على جامع الفصولين: أقول: ذكر في الحاوي الزاهدي ما لفظه: فصل: فيما يتعلق ببيع الوفاء الفتوى على أن البيع إذا أطلق ولم يذكر فيه الوفاء إلا أن المشتري وَكِّلَ بعد العقد وكيلًا يَنْسَخَهُ مع البائع عند أداء مثل الثمن فهو بيع بات لا رهن إذا كان البيع بمثل الثمن أو بغبن يسير وإن كان بغبن فاحش فهو رهن، وشرط بعضهم أن يعلم البائع بالغبن وقت البيع، فأما إذا ظن وقت البيع بعشرين أن قيمته عشرون وهو يساوي أربعين فهو بيع بات لأنه إنما نجعل البيع بنقصان فاحش رهنًا بظاهر حاله إنه لا يقصر البيع البات مع علمه بالغبن الفاحش وإذا لم يعلم فظاهر حاله لا ينفي ذلك.

(1) درر الحكام شرح غرر الأحكام لملا خسرو: 2/207، فتاوى الأنقروي، المجلد 1 ص305، 306، الفتاوى الهندية: 3/209، الدر المختار وحاشية رد المحتار: 5/276، جامع الفصولين: 1/234.

(2)

رد المحتار: 5/276.

(3)

الفتاوى الأنقروية المجلد الأول ص305، 306، درر الحكام: 2/207، 208.

(4)

الفتاوى الأنقروية المجلد الأول ص305، 306.

(5)

درر الحكام لملا خسرو 2/207، 208، رد المحتار: 5/217.

ص: 1394

القول الرابع: نقله الشرنبلالي في حاشيته المسمى غنية ذوي الأحكام في بغية درر الحكام (1) ، ومن الأقوال التسعة قول جامع لبعض المحققين إنه فاسد في بعض الأحكام حتى ملك كل منهما الفسخ وصحيح في حق بعض الأحكام كحل الإنزال ومنافع المبيع ورهن في حق البعض حتى لم يملك المشتري بيعه من آخر ولا رهنه ولا يملك قطع الشجر ولا هدم البناء وسقط الدين بهلاكه وانقسم الثمن إن دخله نقصان كما في الرهن، قال صاحب البحر بعد نقله عن البزازية: وينبغي أن لا يعدل في الإفتاء عن القول الجامع.

قال ابن عابدين في حاشيته: فهو مركب من العقود الثلاثة كالزرافة فيها صفة البعير والبقر والنمر، قال في البحر: ينبغي أن لا يعده في الإفتاء، عن القول الجامع.

والقولان الثالث والرابع عبر عنهما صاحب الرد المختار. وقيل: إن بلفظ البيع لم يكن رضا. قال ابن عابدين في حاشية رد المختار: هذا محتمل لأحد قولين:

الأول: أنه بيع صحيح مفيد لبعض أحكامه من حل الانتفاع به إلا أنه لا يملك بيعه. قال الزيلعي في الإكراه وعليه الفتوى.

الثاني: القول الجامع لبعض المحققين أنه فاسد في حق بعض الأحكام حتى ملك كل منهما الفسخ صحيح في حق بعض الأحكام

إلخ.

قال في الدرر: وصح بيع الوفاء في العقار استحسانًا للتعامل، واختلف في المنقول قيل: يصح لعموم الحاجة، وقيل: لا يصح لخصوص التعامل (2) .

نكتفي بهذا القدر من أقوال أئمة الحنفية في هذا البيع، ونوجز القول في موقف المذاهب الأخرى من هذا العقد.

(1) 2/207 هامش رد المحتار: 5/277.

(2)

حاشية رد المحتار: 5/277، درر الأحكام شرح غرر الأحكام: 2/208، الموسوعة الفقهية: 9/260.

ص: 1395

أولًا - مذهب المالكية:

قالوا في أحد القولين أنه بيع فاسد يفسخ ولو أسقط الشرط على المذهب ما لم يفت فيمضي بالقيمة، قال: ويفهم من قول الناظم (والخرج بالضمان) إن الغلة إنما تكون للمشتري على القول بأنها بيع فاسد إذا قبض ذلك المبيع، لأن الضمان إنما ينتقل للمشتري في الفاسد بالقبض، وأما إذا لم يقبض المشتري ذلك المبيع بل تركه بيد البائع بإيجاره أو اشترى منه البستان ونحوه بالثنيا وتركه بيده بمساقاة ونحوها ليأتيه بغلة، فإنه لا غلة للمشتري قولًا واحدًا لأنه لم ينتقل ضمانه إليه وسواء كان الشراء بالثمن المعتاد أو بأقل بكثير أو قليل بدليل التعليل بل لو قبضه ثم رده إليه عقد إجارة أو مساقاة ونحوها لم تكن له غلة لأن ما خرج من اليد وعاد إليها لغو كما هو مقرر في بيوع الآجال.

ويترتب على القول بأنه بيع فاسد إذا وقع الإمضاء قبل فسخ العقد الفاسد فإنه لا يصح لأنه تتميم للفساد.

قال أبو الحسن: المنصوص في كل موضع أن البيع الفاسد لا يصح إمضاء البيع فيه بعد فسخ العقدة الفاسدة وإذا لم يتعرض لفسخها فسخت الثانية وبقيت الأولى على فسادها (1) .

القول الثاني: إنه رهن قاله الشيخ أحمد زروق وهو المشهور قال عبد الباقي: وهو ظاهر من جهة المعنى وهو توافقه مع المشتري على أن يرد له المبيع (2) .

ونقل عن وثائق ابن مغيث عن القابسي: أن حكمه قبل انقضاء أجل الثنيا حكم البيع الصحيح فالغلة فيه للبائع لأنه بمنزلة الرهن، وهو بعد انقضاء الأجل بمنزلة البيوع الفاسدة، أي: فالغلة فيه للمشتري.

ثم نبه على أنه يجب أن يقيد الخلاف المذكور بما إذا لم يجر العرف بالرهنية كما عندنا اليوم ولذا يقع بأقل من الثمن المعتاد بكثير ويسمونه بيعًا وإقالة، فيبيع الرجل بالإقالة ما يساوي الألف بخمسمائة أو ما يساوي المائة بستين أو بثلاثين ونحو ذلك فلا يختلفون أنها رهن حيث اشترطت الإقالة في العقد إذا لم يسمح البائع بسلعته إلا على ذلك، وتجد البائع إذا سئل عن سلعته أو أرضه يقول: إنها مرهونة ويطلب زيادة الثمن فيها ويعرضها للبيع وهي بيد مشتريها، وإذا سئل المشتري عنها أيضًا قال: إنها مرهونة عندي أو عندي فيها بيع وإقالة وإن البائع لم يكمل البيع فيها ونحو ذلك فالبيع والإقالة عندهم مرادف للرهن يعبر بأحدهما عن الآخر.

مفرق الناس اليوم ومقصودهم في هذا البيع إنما هو الرهنية كما هو مشاهد بالعيان وإذا كان العرف فيها الرهنية فيتفق على رد الغلة وعدم الفوات لأن الأحكام تدور مع الأعراف ومقاصد الناس، ومن أدل دليل الرهنية كونه بأقل من الثمن المعتاد بكثير إلى غير ذلك. وقد قالوا: كما للقرافي وغيره إن حمل الناس على أعرافهم ومقاصدهم واجب والحكم عليهم بخلاف ذلك من الزيغ الجور (3) .

(1) البهجة شرح التحفة: 2/61، 62.

(2)

البهجة شرح التحفة: 2/60، 61.

(3)

البهجة شرح التحفة: 2/61.

ص: 1396

ثانيًا - مذهب الشافعية:

قال صاحب قلائد الخرائد: بيع العهدة المعروفة بحضرموت وغيرها، وهي أن يتفق المتبايعان أن البائع متى أراد رجوع المبيع له أتى بمثل المعقود به وفسخ البيع، أو يفسخ عليه، رضي المشتري أو لا، وكذا إن اتفقا أنه إن أراد فك البعض فله ذلك كما صرح به بعض الفقهاء، وهو فاسد إن وقع الشرط في نفس العقد أو بعده في زمن الخيار.

فإن وقع قبل العقد بالمواطأة، ثم عقدا مضمرين ذلك فهو وعد لا يلزم على مذهب الشافعي رحمه الله، ولكن رأى جماعة من أهل العلم تنفيذه بناء على وجوب الوفاء بالوعد، كما هو مذهب مالك وغيره، وأقاموا ذلك مقام الحقوق اللازمة حتى ينوب الحاكم في الفسخ أو قبوله حيث غاب المشتري أو امتنع فلو شرطا أنه لا يفك إلا بعد سنتين أو أقل أو أكثر: فلم أر من ذكرها، غير أن من المعلوم أن الوعد يكون مطلقًا ومقيدًا بشرط أو بزمن. وعلى ذلك عمل أهل الجهة من غير نكير أعني أنه إذا شرط أنه لا يفك المعهد إلا بعد مدة معينة اعتبر نصبها للزوم الفكاك.

ومثل ذلك لو شرط أن لا يفك إلا بعد أن يستغل المتعهد طريقًا أو موسمًا في الزرع أو أكثر (1) .

وقال صاحب بغية المسترشدين: لم أر من صرح بكراهة بيع العهدة المعروف بين الناس فإن نَصَّ أحد على الكراهة فلا يبعد أن يكون وجهها إما إخلاف الوعد إن عزم عليه لأنه مكروه أو الاستظهار على المشتري لغير ما عللوه به كراهة بيع العهدة.

ثم قال: بيع العهدة المعروف صحيح جائز وتثبت به الحجة شرعًا وعزمًا على قول القائلين به، وقد جرى عليه العمل في غالب جهات المسلمين من زمن قديم وحكمت بمقتضاه الحُكَّام وأقره من يقول به من علماء الإسلام مع أنه ليس من مذهب الشافعي وإنما اختاره من اختاره ولفق من مذاهب للضرورة الماسة إليه ومع ذلك فالاختلاف في صحته من أصله وفي التفريع عليه لا يخفى على من له إلمام باللفق.

ثم قال: وصورته أن يتفق المتبايعان على أن البائع متى أراد رجوع المبيع إليه أتى بمثل الثَّمن المعقود عليه، وله أن يقيد الرجوع بمدة فليس له الفك إلا بعد مضيها ثم بعد المواطأة يعقدان عقدًا صحيحًا بلا شرط إذ لو وقع شرط العهدة المذكور في صلب العقد أو بعده في زمن الخيار أفسده، فليتنبه لذلك فإنه مما يغفل عنه (2) .

قال في نهاية المحتاج: والحاصل من كلامهم: إن كل شرط مناف لمقتضى العقد إنما يبطله إذا وقع في صلبه أو بعده قبل لزومه من خلاف ما لو تقدم عليه ولو في مجلسه (3) .

(1) قلائد الخرائد وفرائد الفوائد: 2/317، 318.

(2)

بغية المسترشدين: ص133، الموسوعة الفقهية: 9/261.

(3)

نهاية المحتاج: 3/434، 435.

ص: 1397

ثالثًا - مذهب الحنابلة:

جاء في كشاف القناع: بيع الأمانة هو الذي مضمونه اتفاقهما أي البائع والمشتري على أن البائع إن جاء بالثمن أعاد المشترى إليه ملكه ذلك ينتفع أي بالملك المبيع المشتري بالإجارة والسكنى ونحو ذلك كركوب ما يركبه أو حلبه وهو أي البيع عقد باطل بكل حادث. ومقصودهما إنما هو الربا بإعطاء دراهم إلى أجل ومنفعة الدار ونحوها هي الريع فهو في المعنى قرض بعوض. والواجب رد المبيع إلى البائع وأن يرد البائع إلى المشتري ما قبضه منه لكن يحسب للبائع في ما قبضه المشتري من المال الذي سموه أجرة وإن كان المشتري هو الذي سكن حسب عليه أجرة المثل فتحصل المقاصة بقدره (1) .

الأصل المستند إليه في التحليل أو المنع:

ذكر الأستاذ المحاسني في شرحه على المجلة: إن بيع الوفاء حدث اعتباره والقول به بين العصر الخامس والسادس في ديار بخارى، وقد جوز للاحتياج في تلك الديار التي تراكمت فيها الديون على أصحاب العقارات بدرجة كادت تذهب بها، وقد تعامل عليه أهل اليمن وسموه بيع الرجاء وكذلك أهل طرابلس الغرب وسمونه بيع الوعدة (2) .

وقال ابن عابدين: جوز لحاجة الناس إليه بشرط سلامة البدلين لصاحبهما كما علل آخرون الجواز بأنه من قبيل المواعدة وأنه يلزم الوفاء بالوعد (3) .

هذه وجهة من قال بالتحليل أما من قال بالمنع قال في البهجة واختلف في علة الفساد فعلله في بيوع الآجال منها بالبيع والسلف أبو الحسن معناه تارة يكون بيعًا وتارة يكون سلفًا أي لأنه خيار بشرط النقد، وجعلا مدته أكثر من مدة الخيار إن حداه بأجل أو لمدة مجهولة إن لم يحداه.

وعلله سحنون وابن الماجشون وغيرهما بأنه سلف جر نفعًا وبه عللت المدونة بنصها المنقول عند قوله (والثنيا)(4) .

ثم قال فهو بيع فاسد يفسخ ولو أسقط الشرط على المذهب

وعلى الثاني فهو رهن يفسخ أبدًا ولا يفوت بشيء بهدم ولا غيره ويرد المشتري فيه الغلة ولو طال الزمان (5) . وقال في فتاويه الأنقروية: وذكر في فتاوى مشايخ سمرقند أن بيع الوفاء فاسد وأنه بيع بشرط (6) . قال والصحيح أن العقد الذي جرى بينهما إن كان بلفظ البيع لا يكون رهنًا ثم ينظر إن ذكرا شرط الفسخ في البيع فسد البيع، وإن لم يذكرا ذلك في البيع وتلفظا بلفظ البيع بشرط الوفاء أو تلفظا بالبيع الجائز وعندهما هذا البيع عبارة عن بيع غير لازم فكذلك (7) ونحوه في الفتاوى الهندية وكذلك علل الشافعية من قال بفساده. قال في بغية المسترشدين: إذ لو وقع شرط العهدة المذكور في صلب العقد أو بعده في زمن الخيار أفسده فليتنبه لذلك (8) .

(1) كشاف القناع: 3/149، 150.

(2)

شرح المحاسني على المجلة: ص333.

(3)

حاشية رد المحتار: 5/276، الفتاوى الهندية: 3/209، قلائد الخرائد: 1/317.

(4)

البهجة شرح التحفة: 2/60، 61.

(5)

البهجة شرح التحفة: 2/60، 61.

(6)

فتاوى الأنقروية، المجلد الأول ص305.

(7)

الفتاوى الهندية: 3/209.

(8)

بغية المسترشدين: ص133.

ص: 1398

وعلل الحنابلة المنع بقولهم هو عقد باطل بكل حال ومقصودهما: إنما هو الربا بإعطاء دراهم إلى أجل ومنفعة الدار أو نحوها هي الربح فهو في المعنى قرض بعوض (1) .

قال ابن رشد: وأما من قال له البائع: متى جئتك بالثمن رددت عَلَيَّ المبيع فإنه لا يجوز عند مالك لأنه يكون مترددًا بين البيع والسلف. إن جاء بالثمن كان سلفًا، وإن لم يجئ كان بيعًا.

واختلف في المذهب، هل يجوز ذلك في الإقالة أم لا؟ فمن رأى أن الإقالة بيع فسخها عندما يفسخ سائر البيوع، ومن رأى أنها فسخ فرق بينهما وبين البيوع.

واختلف أيضًا فيمن باع شيئًا بشرط أن لا يبيعه حتى ينتصف من الثمن فقيل عن مالك، يجوز ذلك، لأن حكمه حكم الرهن ولا فرق في ذلك بين أن يكون الرهن هو المبيع أو غيره.

وقيل عن ابن القاسم لا يجوز ذلك لأنه شرط يمنع المبتاع التصرف في المبيع المدة البعيدة التي لا يجوز للبائع اشتراط المنفعة فيها فوجب أن يمنح صحة البيع، ولذلك قال ابن المواز: إنه جائز في الأمد القصير (2) .

(أثر فوت المبيع ما يعتبر فوتًا وما لا يعتبر) :

فوات المبيع قد يكون بهلاكه أو بعضه أو بالتصرف فيه:

فإن كان الفوات بسبب الهلاك:

فقد نصت مجلة الأحكام العدلية في المادة 399 على أنه إذا كانت قيمة المال المبيع بالوفاء مساوية للدين وهلك المال في يد المشتري سقط الدين في مقابلته.

قال شارحه علي حيدر: يعني إذا هلك المال في يد المشتري أو أتلفه سقط من الدين بقدر قيمة المال الهالك أو المتلف.

(1) كشاف القناع: 3/149، 150.

(2)

بداية المجتهد: 2/160.

ص: 1399

فإن لم يتلف المال بل طرأ عليه عيب أوجب نقصان قيمته قسمت قيمة الباقي منه على قيمة ما هلك منه، فيسقط الدين الذي يصيب الحصة التي تلفت ويبقى ما يلحق الحصة الباقية منه.

مثلًا - إذا اشترى إنسان دارًا قيمتها ألف قرش بمئة قرش وفاء وتسلمها فطرأ عليها خراب أنزل قيمتها إلى خمسمائة قرش فيسقط من ذلك الدين خمسون قرشًا.

قال: وقد قيدت القيمة في هذه المادة وفي المادتين الآتيتين بالقيمة يوم القبض، لأن سبب الضمان هو القبض فيجب أن تعتبر القيمة وقت القبض (1) .

وقال الأتاسي في شرحه عند كلامه على المادة 399 هذه المادة وما بعدها إلى آخر الفصل مفرعة على كون المبيع وفاء له حكم الرهن. لكنه ذكر أن بيع الوفاء يخالف الرهن في الأحكام التالية:

1 -

القبض شرط جواز الرهن في الأصح حتى لا يصح الارتهان ولا يترتب عليه حكم بمجرد الإيجاب والقبول، كما في الأنقروية وغيرها. بخلاف بيع الوفاء فإنه لا يشترط لجوازه قبض المبيع، حتى صَحَّتْ إجارته قبل قبضه عند البعض.

2 -

رهن المشاع غير صحيح ولو من الشريك سواء احتمل القسمة أو لا، بخلاف المبيع وفاء، فإن بيعه صحيح إذا كان مشاعًا مطلقًا كما صرحوا به.

3 -

من حيث التأجيل فإن الأجل في الرهن مفسد له، لأن حكمه حبس مستدام، بخلاف الأجل في بيع الوفاء، فإنه صحيح فإن بيع الوفاء بالنسبة لهذه الأحكام ملحق بالبيع الصحيح (2) .

ونصت المادة 400 على ما إذا كانت قيمة المال المبيع ناقصة عن الدين وهلك المبيع في يد المشتري، فإنه يسقط من الدين بقدر قيمته واسترد المشتري الباقي وأخذه من البائع. ونصت المادة 401 على ما إذا كانت قيمة المال من المبيع وفاء زائدة عن مقدار الدين وهلك المبيع في يد المشتري سقط من قيمته قدر ما يقابل الدين وضمن المشتري الزيادة إن كان هلاكه بالتعدي، وأما إن كان بلا تعد فلا يلزم المشتري إذًا تلك الزيادة.

جاء في شرح الأتاسي تعليقًا على المواد سالفة البيان أنه إذا باع وفاء ما قيمته عشرة بعشرة فهلك عند المشتري سقط الدين، ولو قيمته خمسة رجع على البائع بخمسة أخرى. ولو خمسة عشر، فالفضل أمانة لا يضمن إلا بالتعدي. ثم إن قيمته تعتبر يوم القبض لا يوم الهلاك لكن إذا كان هلاكه بالتعدي من المشتري تعتبر قيمته يوم الهلاك لا يوم القبض لوروده على العين المودعة.

أما لو أتلفه أجنبي فيضمن قيمته يوم هلك باستهلاكه وتكون القيمة في يد المشتري إلى أن يأخذ دينه (3) .

(1) درر الحكام شرح مجلة الأحكام: 1/366.

(2)

شرح المجلة لمحمد خالد الأتاسي: 2/425.

(3)

شرح الأتاسي: 2/426.

ص: 1400

أما فواته عن طريق التصرف فيه:

فقد نصت المادة 397 من مجلة الأحكام العدلية: على أنه ليس للبائع ولا للمشتري بيع مبيع الوفاء لشخص آخر.

قال الأتاسي في شرحه: لكن لو صدر من أحدهما لا ينفذ بل يتوقف على إجازة الآخر لكونه في حكم الرهن، أما البائع فلأن المرهون وإن يكن ملكه لكن تعلق به حق للدائن وهو الحبس الدائم إلى أن يستوفي دينه، والرهن وثيقة في الدين فيتوقف على إجازة المرتهن أو إبرائه من الدين، فإن أجاز صار ثمنًا رهنًا، وإن لم يجز وفسخ لا ينفسخ بفسخه في الأصح بل يبقى موقوفًا، والمشتري بالخيار إن شاء صبر إلى فكاك الرهن أو رفع الأمر إلى القاضي ليفسخ البيع، وأما الدائن فلأنه ليس مالكًا للرقبة فيتوقف على إجازة المديون المالك، فإن باعه المديون فأجازه المشتري الدائن وله حق الشفعة بطلت شفعته بخلاف إجازة المستأجر (1) .

وعند المالكية كما في المقدمات الممهدات لابن رشد الجد المتوفى سنة 520هـ، القسم الرابع وهي بيوع الشروط التي يسميها أهل العلم بيوع الغنيا

فهذا النوع من البيوع اختلف فيه إذا وقع شيء منها على قولين:

أحدهما: أنه يفسخ ما دام البائع متمسكًا بشرطه وإن ترك الشرط صح البيع وإن فاتت السلعة كان فيها الأكثر من القيمة أو الثمن.

وقيل: إنه يرجع البائع على المشتري إذا فاتت بمقدار ما نقص من الثمن بسبب الشرط على كل حال ولا ينظر في ذلك على هذا القول أن تقوم السلعة بشرط وما كان بين القيمتين من الأجزاء رجع البائع على المبتاع بذلك من الثمن فهذا الباب: على هذا القول وهو المشهور في المذهب إلا في مسألة واحدة وهي شراء الرجل السلعة على أن فيها بالخيار إلى أجل بعيد لا يجوز الخيار إليه فإنه يفسخ فيها البيع على كل حال ولا يمضي ولو رضي مشترط الخيار بترك الشرط لأن رضاه بذلك ليس تركًا منه للشرط وإنما هو مختار للبيع على الخيار الفاسد الذي اشترط.

(1) شرح الأتاسي: 2/420.

ص: 1401

القول الثاني: إن حكم هذه البيوع كلها حكم ما فسد من البيوع للإخلال بشروط ضمنها فتفسخ على كل حال كانت قائمة أو فائتة شاء المتبايعان أو أبيا ولا خيار في ذلك لواحد منهما، فإن كانت السلعة قائمة ردت بعينها وإن كانت فائتة ردت قيمتها على البائع بالغةً ما بلغت ورد الثمن على المشتري (1) .

وقال في البهجة: على اعتباره بيعًا فهو بيع فاسد يفسخ ولو أسقط الشرط على المذهب ما لم يفت فيمضي بالقيمة، وفوات الأصول بالهدم والبناء والغرس لا بحوالة الأسواق، وهل يفوت بطول الزمان كالعشرين سنة؟ قولان:

أرجحها على ما قاله في (تحفة الإخوان) فواته بذلك وقال في المهذب الرائق: ولا يفوت الأصول حوالة الأسواق ولا طول الزمان، وبه القضاء، قال ابن زفين: إلا ما كان مثل عشرين عامًا ونحوها.

وعلى اعتباره سلفًا فهو رهن يفسخ أبدًا ولا يفوت بشيء ولا غيره ويرد المشتري فيه الغلة ولو طال الزمان، والناظم درج على الأول لأنه المشهور المعمول به في وقته ولذا قال (والخرج

البيت) (2) .

الشافعية:

قال صاحب الخرائد: إذا تلف المال المعهد بيد المشتري بلا سبب من جهته ولو من غيره سقط حق العهدة فيه، ولا يلزم المشتري بذلك شيء لأنه إنما وعد بقبوله الفكاك ما لم تغب عينه أو بدلها، وإن كان بسبب منه أو من غيره. فالظاهر تعلق الحق ببدله، فإذا أراد البائع الفك بذل الثمن ورجع إلى بدل المبيع. وإن تلف بعضه أخذ الباقي وبدل المتلف إذ لا أرش هنا، كما هو قضية قواعدهم أما إذا تغيب بنفسه أو بفعل فسيأتي في المسألة 396 (3) .

وإن باع المشتري عهدة ما اشتراه فأبطل جمع البيع الثاني، ومثله: لو وقفه أو أعتقه أو وهبه ونحوه (4) .

قال: وجوزه الأكثر وهو الأصح الذي أفتى به غير واحد، وعليه عمل الناس لتمام ملكه من غير حجر، وليست كل علقة مانعة من التصرف، كحق الشفعة وحق الرد بالعيب ثم اختلفوا، فمنهم من قال: له أن ينقضه وإن كان وقفًا أو عتقًا. وإذا قبض الثمن العائد بالفسخ كان كثمن الشفعي المشفوع إذا فك بعد أن بيع أو وقف.

ويشترى به في الوقف شيء يجعل مكانه. وقال بعضهم في الوقف تعود القيمة للمتعهد ملكًا إن شاء (5) .

(1) المقدمات الممهدات: 2/542.

(2)

البهجة شرح التحفة: 2/60، 61.

(3)

قلائد الخرائد: 1/321، 322.

(4)

قلائد الخرائد: 1/321، 322.

(5)

قلائد الخرائد: 1/321، 322.

ص: 1402

حكم اشتراط البائع الضمان من المشتري للوفاء بيع الوفاء:

جاء في شرح علي حيدر على المادة 398: إذا لم تشرط المنافع للمشتري واستهلكها بدون إذن فعليه الضمان لأن المشتري لا يملك ما ينتج من المبيع بيع وفاء.

لكن ذهب الأتاسي في تعليقه على المادة سالفة البيان: ونصها 398 (إذا شرط في بيع الوفاء أن يكون قدر من منافع المبيع للمشتري صح ذلك، مثلًا لو تقاول البائع والمشتري وتراضيا على أن الكرم المبيع بيع وفاء تكون غلته مناصفة بين البائع والمشتري صح ولزم الوفاء بذلك على الوجه المشروح) .

قال: ولو لم يشترط ذلك لكان للمشتري جميع منافع المبيع، لأن بيع الوفاء له حكم البيع الجائز بالنظر إلى انتفاع المشتري به، كما صرحت به المادة (118) ولما صرح به في البزازية وجامع الفصولين وذكره في البحر ورد المحتار من أن القول الجامع لبعض المحققين إن بيع الوفاء فاسد في حق بعض الأحكام حتى ملك كل منهما الفسخ، صحيح في حق بعض الأحكام كحل الإنزال (1) ومنافع المبيع، رهن في حق البعض حتى لم يملك المشتري بيعه من آخر ولا رهنه

إلخ، وقد علمت أن المجلة اختارت هذا القول فاتضح بما ذكرنا أن منافع المبيع ثابتة للمشتري وفاء بدون اشتراط بالنظر لكونه رهنًا في حق بعض الأحكام صح الاشتراط حصته من المنافع للمشتري وباقيها للبائع لأن منافع الرهن لا يملكها المرتهن بدون إذن الراهن.

قال: ثم رأيت في جامع الفصولين ما نصه: واقعة: باعه كرمه وفاء حتى استحق المشتري كل غلته ثم بعد البيع شرط أن يكون للمشتري ربع الغلة أو نحوه يأخذ كل الغلة أو ما شرطاه بعد البيع؟ ينبغي أن يكون له المشروط خصوصًا على قول أبي حنيفة رحمه الله: إن الشرط اللاحق يلتحق بأصل العقد، فكأنه شرط وقت العقد عنده.

قال: وهو صريح فيما قلناه والحمد لله.

وأما ما ذكره في الهندية وغيرها من أن المشتري وفاء لا يملك الانتفاع بالمبيع إلا بإذن مالكه، وهو ضامن لما أكل من ثمره

إلخ، فهو مفرع على القول بأن بيع الوفاء في حكم الرهن لا يختلف عن الرهن بشيء من الأحكام وهو قول آخر غير ما مشت عليه المجلة من الأقوال التسعة المذكورة في البحر والبزازية (2) .

وقال المحاسني في شرحه وإذا لم يتقاولا على شيء تكون المنافع إلى البائع وإذا استهلكها المشتري يضمنها (3) .

وقال منير القاضي في شرحه للمادة السابعة: لا يجوز للمشتري وفاء أن ينتفع بالمبيع بدون إذن البائع. فإذا انتفع به بدون إذنه فهلك ضمنه بقيمته يوم هلاكه إن كان مثليًّا لاعتباره حينئذ متعديًا (4) .

(1) معناه الربع.

(2)

شرح الأتاسي: 1/423، 424 - شرح علي حيدر: 1/366.

(3)

شرح المحاسني: 1/334.

(4)

شرح منير القاضي: 1/212.

ص: 1403

المحور الثاني

بيع الوفاء وعقد الرهن

العلاقة بين العقدين ووجه التطابق بينهما

قد يعقد بيع الوفاء بين بائع ومشتر دون أن يكون عندهما نية القرض والرهن، وفي هذه الحالة يختلف بيع الوفاء عن الرهن مع أن البائع وفاء لا يكون منهما. وله الحق في أن يرد الثمن ليسترد ملكية المبيع، أما الراهن فيكون مدينًا بالمبلغ الذي يرهن له ويجبر على سداده.

كما أن البائع وفاء لا تبقى له ملكية المبيع، غاية الأمر أن له أن يسترد هذه الملكية إذا رد الثمن في الأجل المعين، أما الراهن فيظل مالكًا للعين المرهونة.

ويتفق بيع الوفاء والرهن في الفقه الحنفي في أن كلًّا منهما يفسده الشيوع الأصلي والشيوع الطارىء فيجب أن يكون المبيع في البيع الوفائي غير مشاع فلا يجوز بيع نصف العقار وفاء بخلاف الشافعي، فإنه يجوز رهن المشارع عندهم وكذلك الحنابلة، قال في المغني: وإن رهنه سهمًا مشاعًا مما لا ينقل خلى بينه وبينه سواء حضر الشريك أو لم يحضر وإن كان منقولًا كالجوهرة يرهن نصفها فقبضها تناولها ولا يمكن تناولها إلا برضا الشريك، فإن رضي الشريك تناولها، وإن امتنع الشريك قرض المرتهن والراهن بكونها في يد الشريك جاز وناب عنه في القبض، وإن تنازع الشريك والمرتهن نصب الحاكم عدلًا تكون في يده لهما (1) .

وإن الرهن لا يتم ولا يقوم إلا بالتسليم فللراهن أن يرجع عن الرهن قبل التسليم عملًا بالمادة 706 من مجلة الأحكام العدلية وكذلك البيع بالوفاء، فإنه لا يتم إلا بالتسليم ولا تسمع دعوى المشتري يطلب تسليمه جبرًا من البائع (2) .

كذلك يتفق العقدان أنه إذا مات البائع والمشتري في البيع بالوفاء أو الراهن والمرتهن في الرهن فورثتهم يقومون مقامهم.

وإن البائع والمشتري ببيع الوفاء ليس لهما بيع المبيع أو رهنه من آخر فالراهن والمرتهن ليس لهما بيع المرهون أو رهنه من آخر.

ويصح اشتراط بعض منافع البيع بالوفاء إلى المشتري يصح اشتراط بعض منافع المرهون وإباحتها للمرتهن (المادة 750) من المجلة، وإن المشتري بالبيع بالوفاء والمرتهن أحق من سائر الغرماء في المبيع والمرهون ينظر المادة 729 والمادة (403) .

وإن مصاريف تعمير المبيع بالوفاء والمرهون على البائع والراهن (المادة 224) من المجلة.

(1) شرح المحاسني على المجلة: 1/333. شرح علي حيدر: 2/67، حاشية الشرقاوي على التحرير: 2/123 - المغني: 4/297، 298.

(2)

شرح المحاسني على المجلة: 2/65، بيع الوفاء. د. إبراهيم دسوقي الهاوي بحث في مجلة الأزهر ذو القعدة 1393هـ - ديسمبر 1973م.

ص: 1404

ويفترقان أيضًا في الوجوه التالية:

1-

إذا آجر المشتري المبيع بالوفاء من البائع بعد التسليم فالإيجار صحيح والأجرة لازمة، وإذا أجر المرتهن الرهن إلى الراهن فالإيجار باطل ويبقى الرهن مرهونًا.

2-

إذا أجر المشتري المبيع بالاستغلال من البائع بعد التسليم فالإيجار صحيح والأجرة لازمة أما مقاولة الاستغلال في الرهن وإيجاره فغير جائزة (1) .

انتفاع الراهن أو المرتهن بالعين المرهونة، بالنسبة للراهن:

يقول الشيخ أحمد إبراهيم: الراهن مالك للرهن والمرتهن متعلق حقه به فلا يجوز لأحدهما أن يتصرف في الرهن تصرفًا يفوت حق الآخر إلا بإذنه. وتفصيله:

إذا باع الراهن الرهن أو آجره أو وهبه أو أعاره أو رهنه إلى غير ذلك من التصرفات المحتملة للفسخ. فإن نفاذه يقف على رضا المرتهن فإذا أجازه المرتهن أو فض الراهن دينه نفذت هذه التصرفات وخرج المرهون عن عهدة المرتهن، ولكن في صورة البيع يتحول حق المرتهن إلى الثمن بخلاف غيره من التصرفات الأخرى، وذلك لأن البدل في البيع في مقابلة المبيع نفسه فيقوم مقامه عند المرتهن لاستوائهما في المالية، وعن أبي يوسف أن المرتهن إن شرط عند الإجازة أن يكون الثمن رهنًا كان رهنًا وإلا فلا لأنه بإجازته نفذ البيع وملك الراهن الثمن وأنه مال آخر ملكه بسبب جديد فلا يصير رهنًا إلا بالشرط.

وأما بدل الإجارة فهو في مقابلة المنفعة، وحق المرتهن إنما هو في مالية العين لا في المنفعة، فكانت إجارته إسقاطًا لحقه في حبس الرهن.

والتصرفات الأخرى ليس بمقابلها بدل حتى يقوم مقامها. وكذلك المرتهن لا يجوز له بيع الرهن إلا إذا أوكله الراهن ببيعه وليس له إيداءه ولا إجارته بلا إذن الراهن فإن فعل ذلك كان متعديًا فيضمن قيمة الرهن بالغة ما بلغت وعند الشافعي الرهن أمانة بيد المرتهن لا يلزمه ضمانه ولا يسقط تبلغه شيء منه الدين لخبر: الرهن من راهنه أي من ضمانه له غنمه وعليه غرمه (رواه ابن حيان والحاكم وقال: على شرط الشيخين إلا في مسائل)(2) .

ونصت المادة (750) من المجلة على أنه ليس للمرتهن الانتفاع بالرهن دون إذن الراهن. قال الأتاسي: لا باستخدام ولا سكنى ولا بلبس ولا بأخذ ثمرة ولا لبن ولا بإجارة ولا بإعارة، ولو فعل فهلك الرهن في تلك الحالة ضمنه ضمان الغصب (3) .

(1) شرح الأتاسي: 2/93.

(2)

المعاملات الشرعية المالية: 187، 188 - حاشية الشرقاوي على التحرير: 2/127.

(3)

شرح الأتاسي: 3/193، 194.

ص: 1405

وقال ابن جزي: المنفعة في الرهن للراهن، فإذا اشترطها المرتهن جاز إن كان الدين من بيع أو شبهه ولم يجز إن كان سلفًا، لأنه سلف جر منفعة، فإن لم يشترطها المرتهن ثم تطوع له الراهن بها لم يجز لأنها هدية بديلة (1) .

وقال ابن رشد: والجمهور على أنه ليس للمرتهن أن ينتفع بشيء من الرهن، وقال قوم: إذا كان الرهن حيوانًا فللمرتهن أن يحلبه ويركبه بقدر ما يعلفه وينفق عليه وهو قول أحمد وإسحاق واحتجوا بما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الرهن محلوب ومركوب)(2) .

وفي المغني: ليس للراهن الانتفاع بالرهن باستخدام ولا سكنى ولا غير ذلك ولا يملك التصرف فيه بإجارة ولا إعارة ولا غيرهما وبغير رضا المرتهن، وبهذا قال الثوري: وأصحاب الرأي، لأنها عين محبوسة فلم يكن للمالك الانتفاع بها كالمبيع المحبوس عند البائع على استيفاء ثمنه.

وقال مالك وابن أبي ليلى والشافعي وابن المنذر: للراهن إجارته وإعارته مدة لا يتأخر انقضاؤها عن حلول الدين، وهل له أن يسكن بنفسه؟ على اختلاف بينهم فيه، وليس له إجارة الثوب ولا ما ينقص بالانتفاع وبنوه على أن المنافع للراهن لا تدخل في الرهن ولا يتعلق بها حقه (3) .

ثم قال: فإن المتراهنين إذا لم يتفقا على الانتفاع بها لم يجز الانتفاع بها وكانت منافعها معطلة، فإن كانت دارًا أغلقت، وإن اتفقا على إجارة الرهن أو إعارته جاز ذلك (4) . أما بالنسبة للمرتهن، فقد قال: إن ما لا يحتاج إلى مؤونة كالدار والمتاع ونحوه فلا يجوز للمرتهن الانتفاع به بغير إذن الراهن بحال، لا نعلم في هذا خلافًا لأن الرهن ملك الراهن فكذلك نماؤه ومنافعه فليس لغير أخذها بغير إذنه، فإن إذن الراهن للمرتهن في الانتفاع بغير عوض وكان دين الرهن من قرض لم يجز لأنه يحصل قرضًا يجر منفعة وذلك حرام.

قال أحمد: أكره قرض الدور والربا المحض، يعني: إذا كانت الدار رهنًا في قرض ينتفع به المرتهن، وإن كان الرهن بثمن مبيع أو أجر دار أو دين غير القرض فأذن له الراهن في الانتفاع جاز ذلك.

روى ذلك عن الحسن وابن سيرين وبه قال إسحاق.

فأما إن كان الانتفاع بعوض مثل أن استأجر المرتهن الدار من الراهن بأجرة مثلها من غير محاباة جاز القرض وغيره لكونه ما انتفع بالقرض بل بالإجارة. وإن حاباه في ذلك فحكمه الانتفاع بغير عوض، ولا يجوز في القرض ويجوز في غيره (5) .

(1) القوانين الشرعية: ص213.

(2)

بداية المجتهد: 2/273.

(3)

المغني: 4/349.

(4)

المغني: 4/349.

(5)

المغني: 4/344.

ص: 1406

شرط الانتفاع في عقد الرهن:

قال: أما إن اشترط في الرهن أن ينتفع به فالشرط فاسد لأنه ينافي مقتضى الرهن. وعن أحمد أنه يجوز في المبيع.

وقال مالك: لا بأس أن يشترط في البيع منفعة الرهن إلى أجل في الدور والأرضين، وكرهه في الحيوان والثياب وكرهه في القرض.

أما ما يحتاج إلى مؤنة:

قال في المغني: إن أذن في الإنفاق والانتفاع بقدره جاز لأنه نوع معاوضة، أما عدم الإذن فإن الرهن ينقسم إلى قسمين محلوبًا ومركوبًا وغيرهما.

فأما المحلوب والمركوب فللمرتهن أن ينفق عليه ويركب ويحلب بقدر نفقته متحريًا للعدل في ذلك.

وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي وهو قول لأحمد لا يحتسب له بما أنفق وهو متطوع بها ولا ينتفع من الرهن بشيء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يغلق الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه)) ولأنه ملك غيره لم يأذن له في الانتفاع به ولا الإنفاق عليه فلم يكن له ذلك كغير الرهن (1)، وأما غير المحلوب والمركوب: كالدار استهدمت فعمرها المرتهن لم يرجع بشيء وليس له الانتفاع بها بقدر نفقته. فإن عمارتها غير واجبة على الراهن فليس لغيره أن ينوب عنه فيما لا يلزمه، فإن فعل كان متبرعًا (2) .

وقال: إنه إذا انتفع المرتهن بالرهن حسب من دينه بقدر ذلك، قال أحمد: يوضع عن الراهن بقدر ذلك، لأن المنافع ملك الراهن فإذا استوفاها فعليه قيمتها في ذمته للراهن فيتقاضى القيمة وقدرها من الدين ويتساقطان (3) .

(1) المغني: 4/345.

(2)

المغني: 4/346، 347.

(3)

المغني: 4/346، 347.

ص: 1407

الصور التي يمكن للاقتصاد أن ينتفع بها من بيع الوفاء:

بيع الوفاء وثيق الصلة بخيار النقد حتى أن بعضهم أدخل بيع الوفاء في خيار النقد وأنه فرد من أفراد مسائله كابن نجيم.

وخيار النقد له صورتان كما أن لبيع الوفاء صورتين:

الأولى: أن يشترط المشتري إذا لم ينقد الثمن إلى مدة معلومة فلا عقد بينهما ومستعمل الخيار في هذه الصورة هو المشتري وإن كانت فائدته ترجع إلى البائع. ووصفوا هذه الصورة أنها بمنزلة اشتراط خيار الشرط للمشتري.

والصورة الأخرى: أن يتعاقد الطرفان وينقد المشتري الثمن ويتفقان على أن البائع إذا رد العوض في مدة معلومة فلا عقد بينهما ومستعمل الخيار هنا البائع وهو وحده المنتفع بالخيار وهذه الصورة ذات شبه تام ببيع الوفاء (1) .

وإن في بيع الوفاء مندوحة عن الربا المحرم حيث يصح اشتراط بعض منافع المبيع بالوفاء إلى المشتري كما يصح اشتراط بعض منافع المرهون وإباحتها للمرتهن.

وإن له أن يؤجر المبيع بالوفاء من البائع بعد التسليم وتكون الأجرة لازمة.

هذا ما يسر الله إليه في هذه العجالة والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على خاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

(1) الموسوعة الفقهية: 20/181، 183 - المجلد: 9/260، 262.

ص: 1408

الخلاصة لبيع الوفاء

أولًا - بيع الوفاء بصورته المعهودة:

ظهر أثر الكساد والديون التي تراكمت على التجار في بخارى وبعض البلاد الأخرى فأظهروا التعاقد به تحت ضغط الحاجة.

وقد أخذت به مجلة الأحكام العدلية التي كانت تطبق على بلاد كثيرة في الدولة العثمانية.

وقد أخذت المجلة المذكورة بالقول الذي يقضي بصحته في بعض الأحكام وفساده في بعض الأحكام واعتباره رهنًا في بعض الأحكام وذلك طبقًا للمادة 398 من المجلة وشروحها.

ثانيًا - بيع الوفاء له صورتان:

الأولى: البيع بشرط أن البائع متى رد الثمن يرد المشتري إليه المبيع طبقًا للمادة 118 من المجلة.

الثانية: هي بيع المال وفاء على أن يستأجره البائع طبقًا للمادة 119 من المجلة.

ثالثًا - المصطلح المساوي له في المذاهب الأخرى:

(أ) يقول في صلب العقد: أبيعك هذه السلعة على شرط أني إن أتيتك بثمنها وقت كذا أو مهما أتيتك بثمنها فهي مردودة علي.

(ب) وأطلق الشافعية عليه بيع العهدة.

(ج) ويسميه الحنابلة بيع الأمانة.

ص: 1409

رابعًا - حكمه:

اختلف الفقهاء فيه على أقوال وخلاصته:

(أ) أنه بيع باطل وهو رهن ويأخذ أحكام الرهن.

(ب) بيع جائز صحيح من غير شرط ثم يذكر الشرط بعد ذلك على وجه المواعدة ويلزم الوفاء بالوعد.

(ج) بيع فاسد إن شرط الفسخ من البيع لكنه يوجب به الملك إن اتصل به القبض.

(د) إنه يأخذ أحكام البيع الصحيح والفاسد والرهن وقد سبق بيانه.

خامسًا - الأصل المستند إليه في المنع والتحليل:

من منعه قال: إنه سلف جر نفعًا وإنه بيع بشرط ومن أجازه، قال: إنه جوز للحاجة أو إنه من قبيل المواعدة وأنه يلزم الوفاء بالوعد.

أثر فوت المبيع وما يعتبر فوتًا وما لا يعتبر:

قالوا: إنه إذا كانت قيمة المال المبيع بالوفاء مساوية للدين وهلك المال في يد المشتري سقط الدين في مقابلته أما إذا لحقه عيب أنقص قيمته قسمت قيمة الباقي منه على قيمة ما هلك منه فيسقط الدين الذي يصيب الحصة التي تلفت ويبقى ما يلحق الحصة الباقية منه.

أما إذا كانت قيمة المال المبيع ناقصة عن الدين وهلك المبيع في يد المشتري فإنه يسقط من الدين بقدر قيمته واسترد المشتري الباقي.

وأما إذا كانت قيمة المال زائدة عن الدين وهلك المبيع في يد المشتري سقط من قيمته قدر ما يقابل الدين وضمن المشتري الزيادة.

أما لو أتلفه أجنبي يضمن قيمته يوم هلك وتكون القيمة في يد المشتري إلى أن يأخذ دينه.

وقال المالكية: إن فاتت السلعة كان فيها الأكثر من القيمة والثمن.

أما الفوات عن طريق التصرف، فإنه لا ينفذ بل يتوقف على إجازة الآخر.

ص: 1410

سادسًا - حكم اشتراط البائع الضمان من المشتري:

إذا نص في العقد على أن يكون قدر من منافع المبيع بيع وفاء للمشتري صح ذلك إذ لو لم يشترط لكان جميع منافع المبيع للمشتري وهذا على القول بأنه حكم المبيع وفاء حكم البيع الجائز.

سابعًا - العلاقة بين بيع الوفاء وعقد الرهن ووجه التطابق بينهما:

قد يعقد بيع الوفاء بين بائع ومشتر دون أن يكون عندهما نية القرض والرهن ومن هذه الحالة يختلف بيع الوفاء عن الرهن وله الحق في أن يرد الثمن ليسترد ملكية المبيع، أما الراهن فيكون مدينًا بالمبلغ الذي يرهن له ويجبر على سداده. وإن البائع وفاء لا تبقى له ملكية المبيع. غاية الأمر أن له أن يسترد هذه الملكية إذا رد الثمن.

ويتفق الرهن وبيع الوفاء عند الحنفية في أنه يفسده الشيوع بخلاف الشافعية والحنابلة، فإنه يجوز رهن المشاع.

ويتفق العقدان في أن كلًّا منهما لا يتم إلا بالتسليم، وأنه ليس لهما بيع المبيع أو رهنه من آخر، كذلك الراهن والمرتهن ليس لهما بيع المرهون أو رهنه من آخر.

كما يصح اشتراط بعض منافع المبيع وفاء للمشتري كاشتراط بعض منافع المرهون وإباحتها للمرتهن.

وإن مصاريف تعمير المبيع وفاء والمرهون على البائع والراهن، هذا وقد اعتبر بعض الفقهاء أن بيع الوفاء وثيق الصلة بخيار النقد وأنه فرد من أفراد مسائله، كابن نجيم.

وأن في بيع الوفاء مندوحة عن الربا المحرم. اهـ.

الدكتور عبد الله محمد عبد الله

ص: 1411