الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عقُود الاختيارات
إعدَاد
فضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي
الأستاذ بكلية الشريعة – جامعة دمشق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فهذا بحث موجز ومحاولة حول بيان الحكم الشرعي لما يسمى حديثًا في الأسواق العالمية بالاختيارات.
والاختيار: عقد بعوض على حق مجرد، يخول صاحبه بيع شيء محدد، أو شراءه بسعر معين طيلة (طوال) مدة معينة (معلومة) أو في تاريخ محدد، إما مباشرة أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين.
وتوضيح التعريف: أن الاختيار عقد تتم فيه المبادلة بين حق مجرد لشراء أو بيع كمية محددة في زمن محدد، من سلعة موصوفة بدقة، بثمن محدد، وهذا الحق غير متعلق بعقار أو نحوه من الأشياء المادية، بل هو إرادة ومشيئة، وبين عوض محدد، دون اعتبار العوض من ثمن السلعة، بل هو ثمن للاختيار. ولا ينظر إلى وجودها بصورة معينة، فيكفي أن يمكن الحصول عليها عند التنفيذ.
والاختيار للشراء يسمى اختيار الطلب أو اختيار الاستدعاء، واختيار البيع يسمى الدفع، وكل منهما قد يكون ممتد الصلاحية منذ التعاقد إلى نهاية فترة معينة، أي يحق استخدامه في أي وقت خلالها، وقد يكون مؤجلًا لا يحق استخدامه إلَّا في تاريخ محدد.
والغالب في التعامل بالاختيارات أن يتم من أحد طريقين:
1-
طريق هيئات مخصوصة هي (الأسواق المالية) بواسطة سماسرة محصورين يجمعون رغبات الشراء والبيع بين أطراف غير معروف بعضها لبعض، ويجرون الارتباط بين المتوافق من الاختيارات.
2-
أو بواسطة متعاملين بها خارج الأسواق المالية التي تؤدي خدمة الضمان لحقوق الأطراف الملتزمة بالتنفيذ في حينه.
والجواب عن طائفة من الأسئلة حول هذه الاختيارات وحكمها فيما يلي:
س1: هل ينضوي عقد الاختيار تحت المراد من أحد العقود المسماة المعروفة أو هو نوع جديد؟ وإذا كان نوعًا جديدًا فما حكمه وما تكييفه الشرعي في الجملة؟
يشتمل الفقه الإسلامي على (21) عقدًا من العقود المسماة، يمكن تصنيفها في فئات خمس، وهي ما يلي، ذكرها القانونان المدنيان في الإمارات والأردن:
1-
عقود التمليك: وتشمل البيع والمقايضة والهبة والشركة والقرض والدخل الدائم والصلح.
2-
عقود المنفعة: وتشمل الإجارة وأنواعها كالمزارعة والمساقاة والمغارسة وإيجار الوقف وعقد الإعارة.
3-
عقود العمل: وتشمل عقد المقاولة وعقد العمل والوكالة والوديعة والحراسة.
4-
عقود الغرر: وتشمل الرهان والمقامرة، والراتب مدى الحياة والتأمين.
5-
عقود التأمينات الشخصية: وهي الكفالة والحوالة. أما الرهن فجاء تنظيمه مع الحقوق العينية التبعية، سواء أكان رهنًا رسميًّا (تأمينيًّا) أم رهنًا حيازيًّا على العقار والمنقول والديون.
وبالتأمل في طبيعة " الاختيار " لا نجده منضمًا تحت لواء تنظيم أي عقد من العقود المسماة المعروفة، فهو في تصور القائمين به بيع أو مبادلة، ولا يعد بيعًا بحسب قواعد البيع الشرعية، وإنما هو تصرف من نوع خاص يمكن وصفه بأنه مجرد (مواعدة) لتبادل حقوق مجردة، منقطعة الصلة بالأعيان أو الأشياء المادية، وتقتصر على تبادل الرغبات أو الإرادة والمشيئة، لأن محل عقد البيع أو المبيع: هو الشيء المعين الذي يقع عليه البيع، وتعيينه إما بالرؤية أو بالوصف، كبيع سلعة أو بضاعة مشاهدة، أو موصوفة بأوصاف معينة. ويشترط في المبيع أن يكون موجودًا غير معدوم، إلَّا ما استثني وهو عقد السّلم والاستصناع وبيع الثمر على الشجر بعد بدو صلاح بعضه، والعقد الوارد على منفعة تستوفى تدريجيًّا مع مرور الزمن كالإجارة، فلا يصح بيع المعدوم أو ما له خطر العدم كبيع الحمل في البطن واللبن في الضرع والثمار قبل بدو صلاحها. ويشترط أيضًا أن يكون المبيع معلومًا غير مجهول جهالة فاحشة، وتغتفر الجهالة اليسيرة، وأن يكون مقدور التسليم ليس فيه غرر (أي احتمال) كبيع شيء ضائع أو هارب أو مفقود أو بيع السمك في الماء والطير في الهواء.
ويشترط في المبيع أيضًا أن يكون مالًا متقومًا (أي يباح الانتفاع به شرعًا) وأن يكون طاهرًا غير نجس وأن يكون مملوكًا في نفسه، فلا يصح بيع ما ليس بمال كالميتة والدم، ولا غير المتقوم كالخمر والخنزير، ولا النجس أو المتجنس كالروث أو المائع الذي وقعت فيه نجاسة، ولا يصح بيع ما ليس بمملوك لأحد من الناس، مثل بيع الكلأ (العشب) ولو في أرض مملوكة، والماء غير المحرز، والحطب والحشيش وصيد البرية وتراب الصحراء ومعادنها وأشعة الشمس، والهواء، ولقطات البحر، وحيوانات البر في البراري.
وتشترط هذه الشروط على السواء عند فقهاء الحنفية والشافعية في عقود المعاوضات وعقود التبرعات. ولا يشترط عند المالكية أن يكون محل العقد موجودًا حين التعاقد في عقود التبرعات، ولكن لا يتم عقد الهبة إلَّا بالقبض، كهبة ما ينتجه البستان من الثمار في المستقبل. وأجاز متأخرو الحنابلة كابن تيمية وابن القيم بيع الشيء المعدوم، ما دام خاليًا من الغرر، إذا تعين المحل بالوصف.
وأجاز المالكية عقود التبرعات المشتملة على الجهالة، لأن مبناها على التبرع لا المساومة التي تقوم عليها عقود المبادلات المالية كالبيع والشراء.
يفهم من هذا أن المعقود عليه في عقد البيع لا بد أن يكون شيئًا ماديًّا محسوسًا معلومًا، وهذا غير متحقق في عقود الاختيارات، فلا تعد بيعًا صحيحًا.
وأما ماأجازه الفقهاء كالحنفية والشافعية من التنازل بعوض عن الاختصاصات كالوظائف الشرعية من إمامة وخطابة وأذان، فحمله عمل معين لاينطبق عليه حال عقود الاختيارات.
وكذلك التنازل عن حقوق الابتكار أو حقوق الملكية الأدبية والفنية والذهنية كحق التأليف وحق الرسام والفنان والمخترع وحق العلامات التجارية الفارقة، محله متعلق بشيء مادي عيني، متمثل بكتاب أو مرسوم أو مادة مخترعة، أو شعار فني ذي مواصفات معينة، وهذا لاينطبق عليه أيضًا عقد الاختيار.
ولايجوز بيع الحقوق المجردة كحق الشفعة، وحق الارتفاق مثل حق المرور والمجرى والمسيل والطريق، فحق الارتفاق عند الحنفية ليس مالًا، وإنما هو حق مالي يسوغ لمالكه الانتفاع به، فلا يجوز بيعه مستقلًّا عن الأرض، وإنما يباع تبعًا لها، ولا يجوز هبته أو التصدق به، لأن ذلك تمليك، والحقوق المجردة لا تحتمل التمليك. وأجاز غير الحنفية بيع بعض حقوق الارتفاق كحق العلو (بيع السطح مثلًا) . ومحل حقوق الارتفاق متمثل بأشياء مادية، يمارس صاحب الحق فيه الارتفاق أو الانتفاع على شيء مادي معين، وهذا يختلف عن طبيعة عقد الاختيار.
أما الثمن في البيع أو الأجر في الإجارة، فيشترط فيه أن يكون معلومًا للعاقدين منعًا من الوقوع في الجهالة، سواء كان نقدًا أو أعيانًا قيمية كالحيوان أو الثوب مثلًا في عقود المقايضات، أو أموالًا مثلية كالحبوب. ويشترط في الثمن أو الأجرة أيضًا أن يكون مالًا متقومًا (يباح الانتفاع به شرعًا) وإلَّا فسد العقد. ومن الطبيعي أن الثمن شرعًا يكون عوضًا في مقابل معقود عليه يجوز تبادله، وهذا لا ينطبق على (ثمن الاختيار) في عقود الاختيارات، فإنه يتحدد على أسس غير شرعية أحيانًا، يراعى فيه سعر السلعة المذكور في العقد، وطول الفترة الزمنية المحددة للعقد، وتوقعات تقلبات أسعار السلعة المبيعة أو المشتراة، والسعر المتوقع للسلعة المبيعة أو المشتراة، وسعر الفائدة. وهذه العوامل أو الأسس في تحديد (ثمن الاختيار) لا يصح مراعاتها أو النظر إليها شرعًا، لأنها إما ربًا أو احتمالية ذات غرر.
وأما ما أجازه الحنابلة من البيع بما ينقطع عليه السعر في السوق، فهو مرتبط بظرف معين محدد أي بتاريخ معين وإن لم يعرف في وقت العقد، وبتعارف الناس والتعامل به في كل زمان ومكان، كبيع القطن بما يستقر عليه سعر السوق في بورصة الأقطان في الساعة السادسة من يوم كذا، وقد أخذ به القانون المدني السوري والمصري. والمراد به سعر السوق في وقت معين، لا أي سعر في المستقبل.
وإذا كنا قد اعتبرنا عقود الاختيارات من قبيل المواعدة، فيلزم الوفاء بها ديانة باتفاق الفقهاء، وكذا قضاء في مذهب المالكية إذا ترتب على الوعد دخول الموعود في التزام مالي بناء على ذلك الوعد، كما لو وعد شخص غيره بمبلغ من المال إذا اشترى بضاعة، وتم الشراء، فيجبر الواعد قضاء على تنفيذ وعده (1) . ومن قواعد الحنفية في المجلة (م83) :" المواعيد بصورة التعاليق تكون لازمة "، فلو وعد شخص غيره ببيع أو بقرض أو بهبة إن فعل شيئًا مشروعًا كزواج أو شراء، يصير الواعد ملزمًا بالوفاء للموعود (2) اجتنابًا لتغرير الموعود، بعدما خرج الوعد مخرج التعهد. وقال ابن نجيم: لا يلزم الوعد إلَّا إذا كان معلقًا " (3) .
وقضى ابن أشوع بالوعد كما ذكر البخاري، وهو قول طائفة من أهل الظاهر وغيرهم (4) .
ويكون عقد الاختيار من قبيل الوعد بالبيع، لوجود التزام أحد العاقدين أمام الغير بتنفيذ الصفقة حينما يتم الشراء منه أو البيع له.
س2: هل هناك علاقة بين عقد الاختيار وبين البيوعات أو العقود الأخرى، مثل بيع العربون، أو البيع على الصفة أو السّلم أو الهبة؟
الواقع أنه لا صلة بين عقد الاختيار وبين أي واحد من هذه العقود، لأنها ترد على أشياء معينة مادية معلومة، وعقد الاختيار يرد على حق مجرد الشراء أو بالبيع، فبيع العربون مثلًا: عقد وارد على عقار أو سلعة، ويدفع المشتري مبلغًا من المال يعد جزءًا من الثمن إن تم البيع، وتعويضًا عن تفويت الفرصة إن عدل المشتري عن الشراء. والبيع على الصفة أو غير المرئي، أو العين الغائبة: بيع يرد على سلعة معينة بأوصاف محددة، لكن المشتري لم يرها، وبيع السلم: بيع آجل بعاجل أو بيع شيء موصوف في الذمة بثمن معجل، يكون المسلم فيه (المبيع) غير موجود عند التعاقد، وإنما يوجد في المستقبل، وهو شيء مادي محسوس، لا مجرد حق. وعقد الهبة: عقد تبرع من غير عوض، فإن كانت الهبة بعوض، فهي في معنى البيع، وهي ترد على نقود أو أشياء أو عقارات أو منقولات، وليست على حقوق، إلَّا إذا كان الحق متمثلًا بشيء عيني كحق التأليف مثلًا لكتاب أو بحث أو مقال.
***
س3: ما التكييف الشرعي للعوض مقابل إعطاء الحق في الاختيار؟
نظرًا لأن عقد الاختيار ليس عقدًا بالمعنى الصحيح، وإنما هو وعد بإبرام عقد، فإن العوض المعطي مقابل حق الاختيار مجرد تبرع مبتدأ، مقابل عمل من أعمال البر والمعروف.
(1) الفروق للقرافي: 4/24 وما بعدها.
(2)
شرح المجلة، للأستاذ على حيدر.
(3)
الأشباه والنظائر: 2/110؛ والمدخل الفقهي، للأستاذ مصطفى الزرقاء: ف646.
(4)
جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 2/482 – 486؛ طبع مؤسسة الرسالة بدمشق.
س4: هل يصلح الحق المجرد محلًّا للعقد؟
إن الحق المجرد المتمحض كونه حقًّا كحق الشفعة مثلًا، لا يصلح محلًا للعقد، وأما إذا كان للحق تعلق بعين من الأعيان كحق الابتكار وحق الارتفاق، فيجوز جعله محلًّا لعقد البيع في رأي الجمهور غير الحنفية. ومثل ذلك التنازل عن حق الاختصاص أو حق الخلو (حق الفروغ) عن العقارات المشغولة أو غير المشغولة، يجوز التنازل عنها بعوض لتعلقها بعمل في حق الاختصاص، أو تعلقها بعقار في التنازل عن حق الخلو.
أما الحق في عقود الاختيارات فهو مجرد إرادة أو مشيئة أو منحة أو أسبقية لشيء أو تخصيص بشخص، وهذا لا يصلح محلًّا للعقد بحسب قواعد العقود العامة.
***
س5: إذا جرى عقد الاختيار من خلال هيئة ضامنة، فما التكييف الشرعي لدور هذه الهيئة، وما حكم هذا الضمان؟
إذا كان إبرام العقد من الهيئة الضامنة مجرد عمل مبتدأ دون توكيل، فهو بمثابة عقد الفضولي يتوقف على إجازة صاحب الشأن، فإن أجازة نفذ، وإن لم يجزه بطل.
وأما إذا كان إبرام العقد من الهيئة الضامنة بتوكيل مسبق، فينطبق عليه أحكام عقد الوكالة والكفالة.
وأما الضمان إذا لم يكن متفقًا عليه مع المشتري أو البائع، فهو مجرد التزام بتبرع مبتدأ، ومن شرط شيئًا على نفسه طائعًا غير مكره، فهو عليه، كما يقول القاضي شريح (1) ، وهذا هو مستند ما يسمى بالشرط الجزائي الملتزم به سلفًا في عقود المقاولات ونحوها.
(1) المدخل الفقهي العام، للأستاذ الجليل مصطفى الزرقاء: ف234.
س6: هل يصح بيع اختيار الاستدعاء (اختيار الطلب) الذي هو اختيار الشراء، أو هو كبيع شيء موصوف، لا يملكه البائع بالرغم من توفره في السوق؟
لا يرد البيع إلَّا على مبيع مادي معلوم أو حق متعلق بالأعيان ولا ينطبق على المبيع في عقود الاختيار كونه بيع شيء موصوف في الذمة، لأن العقد يرد على حق في الشراء، وليس على بيع شيء موصوف، كما أن البائع يبيع ما لا يملكه بنفسه حين التعاقد، وهذان السببان يجعلان بيع اختيار الاستدعاء بيعًا باطلًا، لوروده على محل لا يصلح أن يكون معقودًا عليه، وإذا لم تتوافر شروط المعقود عليه المقررة سابقًا، أو أحد هذه الشروط، كان العقد باطلًا بسبب وجود خلل في المعقود عليه، والذي تعد شروطه المذكورة شروط انعقاد.
***
س7: هل يمكن في صورة اختيار الشراء أن يعتبر العقد مشروعًا بجعل العوض جزءًا من ثمن السلعة؟
لا يمكن ذلك، لأن هذا يكون في معنى بيع العربون، وبيع العربون الجائز عند الحنابلة بيع قائم على سلعة محددة، والعربون جزء من الثمن إذا تم البيع، أما اختيار الشراء فهو مجرد ثبوت أولوية أو حق مجرد، لا يصلح أن يكون محلًّا للعقد، كما تقدَّم، فيكون البيع من أصله باطلًا، ولا يعد المدفوع جزءًا من ثمن السلعة، في عقد باطل، لأن بيع العربون بيع صحيح مستكمل لكافة أركانه وشرائطه، كما يرى الحنابلة.
***
س8: إذا لم يكن هذا العقد مقبولًا شرعًا كليًّا أو جزئيًّا، فكيف يمكن تعديله ليكون مقبولًا شرعًا؟
إن عقد الاختيار ليس مقبولًا شرعًا، وطريق تصحيحه أو تعديله: أن يبيع الشخص شيئًا تملَّكه، وحازه أو لم يحزه، وإنما باعه بالوصف على الخيار (أي خيار الرؤية) ، فإذا تملك الشخص شيئًا، جاز له بيعه لشخص آخر، ولم يكن عمله مجرد القيام بإصدار وعود، حتى ولو كانت ملزمة.
حكم بعض الصور الخاصة من الاختيارات:
(أ) شهادة حق التملك:
هي شهادة تصدرها شركة مساهمة لبعض الأشخاص، لاعتبارات معينة، كإقراض الشركة أو تقديم خدمات لها بدون مقابل مادي، تعطيهم الحق في شراء عدد معين من أسهم الشركة بسعر محدد خلال فترة زمنية.
وحكمها: أنه لا مانع من هذه الشهادة إذا كانت الأسهم التي يشتريها بعض الأشخاص بسعر المثل أو بالسعر المعتاد، لأنه لا يعدو أن يكون هذا من المباحات وإعطاء المالك حق الأولوية لبعض الأشخاص في شراء ممتلكاته، واشتراط السعر المعتاد، دون محاباة حتى لا يكون ذلك في مقابل القرض الذي يقدمه المشتري للشركة، فيكون ذلك قرضًا جر نفعًا، وهو حرام.
(ب) حق الأولوية في شراء الإصدارات الجديدة من الأسهم:
يعطي هذا الحق من الشركات المساهمة للمساهمين بنسبة مساهماتهم السابقة، يخولهم الحق بشراء عدد معين من الإصدار الجديد لأسهم الشركة، بسعر معين خلال مدة محددة، والغرض منه حماية حقوق المساهمين القدامى في حالة إصدار أسهم جديدة بقيمة أقل من القيمة المتداولة في السوق، وقد يستعاض عنه أحيانًا بإصدار أسهم مجانية للمساهمين القدامى.
هذا الحق بصورتيه جائز لأنه تبرع أو هبة من الشركة للمساهمين القدامى، مكافأة لهم على مساهماتهم السابقة، وذلك يميزهم عن غيرهم من غير المساهمين، لكن هذا التبرع أو الهبة لا يلزم الشركة المساهمة إلَّا بالتنفيذ الفعلي للتبرع، لأن الهبة لا تلزم إلَّا بالقبض عند الحنفية والشافعية، ولاتصح الهبة إلَّا بالقبض عند بعض الفقهاء وهم الحنابلة في الراجح عن الإمام أحمد، واكتفى المالكية بجعل القبض مجرد شرط لتمام الهبة أي كمال فائدتها، فيملك الموهوب بمجرد العقد أي القول، على المشهور عندهم، والقبض أو الحيازة لتتم الهبة، لأن الهبة عندهم كالبيع وسائر التمليكات، فيملك الموهوب عند الجمهور بالقبض لا بالعقد، وعند المالكية: يملك بالعقد (1) .
(1) الفقه الإسلامي وأدلته، لصاحب هذا البحث: 5/19 – 21.
أسئلة حول شهادة حق التملك وحق الأولوية في شراء إصدارات جديدة من الأسهم:
س1: هل إصدار هذين الاختيارين جائز شرعًا؟
إن إصدار هذين الاختيارين جائز شرعًا فيما أعلم، إذ لا يترتَّب عليه ضرر أو تصادم مع حكم شرعي أو قاعدة شرعية.
س2: هل يجوز نقل هذين الاختيارين (الحقين) إلى غير من أُصدرا له بعوض؟
لا يجوز نقل هذين الحقين إلى غير من أُصدرا له بعوض، لأن الحق المجرد بالشراء لا يقبل المعاوضة كما بحثنا في عقود الاختيارات، وإنما يجوز التنازل عنه مجانًا بالتبرع إلى آخرين.
س3: هل ينطبق على صورة الأولوية في شراء الإصدارات حكم الشفعة شرعًا؟
لا ينطبق على هذه الصورة حكم الشفعة: لأن الشفعة حق تملك العقار جبرًا عن صاحبه لدفع ضرر أذى الشريك أو الجار الجديد، فهو حق ثابت في العقارات، لا في المنقولات ولا في الحقوق المحضة.
والله أعلم.
الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي