الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِطاقَة الائتِمان
درَاسة شرعِيَّة عَمليَّة مُوجَزة
إعدَاد
الدكتور رفيق يونس المصري
مَركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
جامعة الملك عبد العزيز – جدّة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
فهذه دراسة شرعية عملية موجزة لبطاقة الائتمان، أعددتها منذ أكثر من سنة، جزءًا من بحث لا يقتصر عليها. ولم تكن وقتئذٍ تحت أيدي أي دراسة شرعية أخرى لهذا الموضوع، ولا أي ورقة لمؤتمر، أو فتوى لمستفتٍ.
ولذلك لا يرى القارئ ذكرًا، في هذه الدراسة، لأي مصدر أو مرجع علمي، فأما من الناحية الشرعية فظاهر لما تقدم، وأما من الناحية الفنية فلاعتمادنا على المعرفة العملية بالبطاقة، بما يتناسب مع الإيجاز المقصود في هذه الدراسة.
استفدت قبل إعدادها من مناقشات علمية شفهية بين الباحثين في مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، على عدد من الجلسات العلمية، واستفدت أيضًا من مشاورات مع الأخ الدكتور عبد الرحيم الساعاتي، نائب مدير المركز.
أرجو أن يكون في هذه الورقة المتواضعة ما يوطئ لاتخاذ قرار شرعي سليم في شأن هذه " المنظومة " المستحدثة، والله المستعان.
تعريف:
المسافرون من رجال أعمال وغيرهم، إما أن يحملوا نقودًا أو شيكات أو شيكات سياحية أو بطاقات ائتمان، إذ يستطيع المسافر، بموجب بطاقة الائتمان، أن يشتري بعض السلع والخدمات (في محطات البنزين، والمطاعم، والفنادق، وشركات تأجير السيارات
…
إلخ) ، وما عليه إلَّا أن يبرز بطاقته لدى المنشأة القابلة لها (1) ، ويوقع على بعض الفواتير التي تحصلها المنشأة من المصرف أو الشركة مُصْدرة البطاقة.
الأطراف:
ففي بطاقة الائتمان إذن ثلاثة أطراف:
1-
الجهة المصدرة للبطاقة، أو وكيلها المحلي (مصرف مثلًا) .
2-
المنشأة التجارية.
3-
المستهلك حامل البطاقة.
المنافع:
ولهذه البطاقة منافع لكل من أطرافها الثلاثة:
1-
للجهة المصدرة توفر بعض الإيرادات، مثل رسوم الاشتراك السنوي (120 دولارًا في السنة مثلًا لكل بطاقة) التي تتقاضاها الجهة المصدرة (أو وكيلها) من العميل. كما تتقاضى هذه الجهة أيضًا نسبة مئوية من قيمة الفواتير 4-6 %، تحصلها من المنشأة.
2-
للمنشأة التجارية تروج مبيعاتها، مع شعورها بالاطمئنان إلى أنها ستحصل قيمة الفواتير من الجهة المصدرة أو وكيلها، وهي جهة مليئة: مصرف.
3-
للمستهلك حامل البطاقة، توفر عليه حمل النقود ومخاطر ضياعها أو سرقتها. وربما توفر له الائتمان أي القرض، كما توفر له إمكان الحصول على حطيطة (=خصم) من المنشآت التجارية، بنسبة 5-30 %، حسب السلعة والمنشأة.
(1) هي بطاقة مُمَغْنَطَة، عليها الاسم والرقم وتاريخ المنح وتاريخ الصلاحية، يتم إدخالها في جهاز حاسب (كمبيوتر) ، لكي يتأكد البائع من أن رصيد المشتري أو ائتمانه يسمح له بعقد هذه الصفقة بالبطاقة.
التكاليف:
ولهذه البطاقة تكاليف:
1-
فالمنشأة التجارية تدفع إلى الجهة المصدرة نسبة مئوية من قيمة الفواتير 4-6 %.
2-
والعميل يدفع رسم الاشتراك السنوي.
تأمين على الحياة:
والبطاقة، إذا اشتُريت بها تذكرة سفر، تضمنت تأمينًا حُكْميًّا لصالح العميل، حال سفره (تأمين على حياته) .
الأنواع:
والبطاقة نوعان:
1-
نوع قد ينطوي على قرض ربوي، بحيث إن العميل إما أن يسدد قيمة الفواتير بالكامل نقدًا، أو يمنح بقيمتها قرضًا يسدد على نجوم (= أقساط) ، تتضمن فوائد تعويضية لقاء الأجل الأول، وفوائد تأخيرية، إذا ما تأخر عن الدفع في الأجل الأول. ومن الواضح أن هذا النوع ربوي غير جائز في الإسلام.
2-
نوع لا ينطوي على قرض، بحيث إن المصرف يسدد للمنشأة قيمة الفواتير من حساب العميل المفتوح لديه، فور تسلمها من المنشأة، ويمكن أن يتم ذلك كل يوم مرة أو أكثر.
الجوانب المالية:
وبناء على ما تقدم، يجب النظر في المعاوضات (التكاليف والإيرادات) التالية:
1-
رسم الاشتراك الذي يدفعه العميل، سواء استفاد من البطاقة أو لا.
2-
الحطيطة (=الخصم) التي يحصل عليها حامل البطاقة من المنشأة.
3-
النسبة المئوية التي تسددها المنشأة، أو تتنازل عنها، للجهة المصدرة، من قيمة الفواتير.
4-
التأمين الذي يحصل عليه حامل البطاقة عند سفره.
5-
الكفالة التي تقدمها الجهة المصدرة للمنشأة لصالح العميل (الاستعداد للدفع) .
المشروعية:
هل في هذه الأمور: غَرَر أو ربا أو حرام آخر؟ هل التأمين تأمين تجاري أم تعاوني أم تبرعي؟ للإجابة عن هذا نقول:
1-
رسم الاشتراك ليمكن اعتباره ثمنًا للبطاقة وخدمتها، فهو بذلك جائز شرعًا.
2-
الحطيطة يمكن اعتبارها تخفيضًا للثمن، فالثمن هو الصافي بعد الخصم، وهذا جائز، لأن البائع يمكنه البيع بالثمن الذي يتفق عليه مع المشتري ويتراضيان به، ولا فرق بين أن يعقد البيع بمائة، أو بمائة وعشرين مع حطيطة عشرين.
2-
النسبة المئوية التي تسددها المنشأة للجهة المصدرة، من قيمة الفواتير، يمكن اعتبارها أجور سمسرة. فمن الجائز أن أرسل إليك زبائن، على أن أتقاضى منك أجرًا مقطوعًا عن كل زبون يصل إليك، أو عن كل زبون يشتري منك، حسب الشرط، ومن الجائز أيضًا أن يكون هذه الأجر في صورة جعالة، أي نسبة مئوية من قيمة مشتريات الزبون.
4-
التأمين الذي يستفيد منه العميل حامل البطاقة، حال سفره، يعد تأمينًا تجاريًّا، لأنه مُقابَل بجزء من الاشتراك (= القسط) السنوي، وهذا جائز عند بعض الفقهاء المعاصرين الذين أجازوا التأمين التجاري، وإذا أمكن تعديله بحيث يصبح تأمينًا تعاونيًّا، بلا أرباح، جاز عند عدد أكبر من الفقهاء المعاصرين، يضم الفقهاء الذين أجازوا التأمين التعاوني بالإضافة إلى الذين أجازوا التأمين التجاري، وإذا لم يمكن تعديله، أمكن إلغاؤه في مقابِل تخفيف مبلغ الاشتراك السنوي في البطاقة، بمقدار الجزء المقابل للتأمين.
5-
الجهة المصدرة لا تعتبر كفيلًا للعميل حامل البطاقة حيال المنشأة التجارية، فلو اعتبرت كذلك لكانت كفالة بأجر، لأنها مُقابلة بالاشتراك السنوي، فهي إذن غير جائزة، لأن الكفالة في الإسلام هي كالقرض من أعمال الإرفاق (= الإحسان) .
إنما تعتبر هذه العملية حوالة، والحوالة في الإسلام جائزة، لا سيما إذا كانت على مليء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا أُتبع أحدكم على مليء فَلْيَحْتَلْ)) [رواه الجماعة، نيل الأوطار 5/266] .
وهذه الحوالة هي من نوع الحوالة على مدين، وهي جائزة، ولو كانت حوالة على شخص ليس مدينًا ولا وديعًا، لصارت حوالة على مقرض، وإذن لأصبحت غير جائزة، لأنه قرض مُقابَل باشتراك، تصير فيه شبهة الربا.
الخلاصة:
والخلاصة فإن بطاقة الائتمان التي لا تتضمن قرضًا ربويًّا للعميل من الجهة المصدرة، تعتبر جائزة، إذ أن قيمة الفواتير، فور تسلمها من المصرف، تسجل في الجانب المدين من حساب العميل لدى المصرف، فهي بطاقة ائتمان مدينة، أي تنتهي إلى الطرف المدين من حساب العميل.
ويبدو أن بيت التمويل الكويتي يقدم خدمة بطاقات الائتمان، لكنه لم ينشر حولها أي فتوى. وكذلك لا نعلم حتى الآن أي دراسة شرعية أو فتوى منشورة حولها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الدكتور رفيق يونس المصري