المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عقد الاستصناعإعدادالأستاذ الدكتور علي السالوس - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السابع

- ‌بحثالأسوَاق المالِيَّةفيمِيزان الفقه الإسلَاميإعدَادالدكتور علي محيي الدّين القره داغي

- ‌الأسهم، الاختِيارات – المستَقبَليّاتأنواعهَا وَالمعامَلات التي تجري فيهَاإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌الاختِياراتإعدادفضيلة الشيخ محمّد المختار السّلامي

- ‌عقُود الاختياراتإعدَادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الاختِياراتإعدَادفضيلة الدكتور الصديق محمّد الأمين الضرير

- ‌الاختِياراتدَراسَة فِقهيّة تحليليّة مُقَارنَةإعدَادعَبد الوهاب ابراهيم أبو سليمان

- ‌الاختيارَات في الأسوَاق الماليَّةفي ضَوء مُقرّرات الشريعَة الإسلَاميِّةإعدَادالدكتور عبد الستار أبو غدّة

- ‌عقُود المستَقبليات في السّلعفي ضَوء الشّريعَةِ الإسلاميَّةإعداَدالقاضي محمَّد تقي العثماني

- ‌بطَاقَة الائتمان وَتكييفها الشَّرعيإعدادالدكتور عبد السّتار أبُوغُدَّة

- ‌بطَاقات الائتمانإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌بِطاقَة الائتِماندرَاسة شرعِيَّة عَمليَّة مُوجَزةإعدَادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المشاركة في شركات أصل نشَاطها حَلَالإلاّ أنّهَا تتعَامل بالحَرامإعدَادالشيخ عبد الله الشيخ محفوظ بن بية

- ‌التعامُل مَع شركات تَقوُم بأعمال مَشروعَةوَتتعامَل مَع البُنوُك بالفَوائدإعداَدفضيلة الشيخَ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بية

- ‌بَحثٌ عَن بَطاقات الائتمان المصرفيّةوالتكييف الشرعي المعمُول به فيبَيت التمويل الكويتي

- ‌دَراسَة مُقَدّمة إلىالنّدوة الثانِية للأوَراقِ المالِيّةمِن بنك البحَرين الإسلَاميحَولتَحرير محافظ الأوَراق الماليّة للبُنوك الإسلاميّةمِن المَالِ المشتبَه في حِلِّهوَالمعالجَة المالية المقترحَة لعَزل أثر التعَامُل بالفَائدةعَلى عَائداتِ الأسهُم

- ‌أسئلة عَلى الأسهم وَالاختيارات وَالمستَقَبليّاتمُقَدّمَة مِنَ البنك الإسلامي للتَنميَة

- ‌التّوصيَات الصَّادرة عَن النَّدوة الفِقهيَّة الاقتصَاديَّةالمنعقدَة بَينمجمَع الفِقِه الإسلَامي وَالبنك الإسلَامي للتِنميَة

- ‌البَيَان الخِتامي وَالتّوصيَاتللنّدوة الثانيَة للأِسَواقِ المالِيَّةالمنعقدَة بدَولة البحَرين

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الأول: (المداينة ونظرة الإسلام إليها) .المحور الثاني: (بين صلح الحطيطة وحسم الكمبيالة) .المحور الثالث: (ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار) .إعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌أحكام البيع بالتقسيطوسائله المعاصرة في ضوء الفقه الإسلاميإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثاني: الحطيطة والحلولإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌توثيق الدين والمعاملات المالية الأخرىإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثانيتوثيق الدين في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌عقد الاستصناعومدى أهميته فيالاستثمارات الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة الشيخ مصطفي أحمد الزرقاء

- ‌عقد الاستصناعإعدادالأستاذ الدكتور علي السالوس

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الاستصناع ودوره فيالعمليات التمويلية المعاصرةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌أثر الاستصناعفي تنشيط الحركة الصناعيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌عقد الاستصناعإعدادفضيلة الشيخ كمال الدين جعيط

- ‌الاستصناع والمقاولاتفي العصر الحاضرإعداد فضلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الاستصناعتعريفه - تكيفه - حكمه - شروطهأثره في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادالدكتور سعود بن مسعد بن مساعد الثبيتي

- ‌عقد الاستصناعوعلاقته بالعقود الجائزةإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌بيع الوفاء وعقد الرهنإعدادفضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌ موضوع بيع الوفاء

- ‌بيع الوفاءإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌بيع الوفاء عند الإماميةإعدادحجة الإسلام الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌(مدى انتفاع الاقتصاد من بيع الوفاء)أوتوظيف بيع الوفاء في اقتصاد العصرإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الوفاء بما يتعلق ببيع الوفاءشيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بيرم الثاني(المتوفى 1247هـ)تقديم وتحقيقمحمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌بيع الوفاءفي الفقه الإسلاميإعدادمحيي الدين قادي

- ‌بيع الوفاءإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

- ‌أحكام الرهنوحكم الإنتفاع بالمرهونإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌بيع الوفاء وحكمهإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌بيع الوفاءإعدادفضيلة الشيخ المفتي محمد رفيع العثماني

- ‌بيع الثنيا أو بيع الوفاءإعدادالأستاذ محمود شمام

- ‌عقد الرهنوأوجه الشبه بينه وبين عقد الوفاءإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العلاج الطبيمبحث التداويإذن المريض وعلاج الحالات الميئوس منهاإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌حكم التداوي في الإسلامإعدادالدكتور علي محمد يوسف المحمدي

- ‌العلاج الطبيإعدادالدكتور محمد عدنان صقال

- ‌الحقوق الدولية في الإسلامإعدادفضيلة الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌المعاهدات والاتفاقاتمنالعلاقات الدولية في أثناء السلمإعدادسماحة الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌أصول العلاقات الدوليةبين الإسلام والتشريعات الوضعيةإعدادالدكتور محمد الدسوقي

- ‌السلم، والحرب، والعلاقات الدوليةفي الإسلامإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌رسالةمعالي الدكتور محمد معروف الدواليبيحولالغزو الفكري

- ‌دراسة حول الغزو الثقافي للعالم الإسلاميبداياته، دوافعه، أبعاده، سبل مواجهتهإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الغزو الفكريفي المعيار العلمي الموضوعيإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الغزو الفكري وأساليب المواجهةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الغزو الفكريإعدادالدكتور أبو بكر دكوري

- ‌الغزو الفكرىفى التصور الإسلامىإعدادالدكتور أحمد عبد الرحيم السايح

- ‌المسلمون وتحديات الفكر المعاصرإعدادالشيخ القاسم البهيقي المختار

- ‌الغزو الفكري في حياة المسلمينمنافذ دخُوله.. وَوَسَائل مُقاومتهإعدادالدكتور عُمَر يُوسف حَمزة

الفصل: ‌عقد الاستصناعإعدادالأستاذ الدكتور علي السالوس

‌عقد الاستصناع

إعداد

الأستاذ الدكتور علي السالوس

أستاذ الفقه والأصول كلية الشريعة – جامعة القطر

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

الحمد لله تعالى حمدًا طيِّبًا طاهرًا مباركًا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، نستغفره ونتوب إليه، ونسأل الله عز وجل أن يجنبنا الزلل في القول والعمل وأن يجعل عملنا كله خالصًا لوجهه الكريم. ونصلي ونسلم على رسله الكرام، وعلى خاتمهم، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد: فقد كثر الحديث عن الاستصناع بعد أن بدأت المصارف الإسلامية في اتخاذه وسيلة من وسائل تمويلها، واحتاج الأمر إلى وضع الضوابط الشرعية لسلامة التطبيق، وصحة العقود. وعند النظر في هذه الضوابط، وأثناء تدريس المعاملات المالية، وجدت بعض الكاتبين يعرض الموضوع بطريقة غير دقيقة، إلى جانب بعض الأخطاء.

فرأيت أن أقدم هذا البحث مستعينًا بالله عز وجل، وقسمت إلى أربعة مباحث:

المبحث الأول جعلته لتعريف الاستصناع.

والمبحث الثاني تحدثت فيه عن الاستصناع عند المالكية والشافعية والحنابلة، حيث إنهم يختلفون عن الحنفية، فلم يجعلوه عقدًا مستقلًّا، أو ما يعرف بالعقود المسماة، كما فعل الحنفية، وإنما جعلوه ضمن السلم.

وجعلت المبحث الثالث للاستصناع عند الحنفية.

أما المبحث الرابع، وهو الأخير، فقد جعلته للاستصناع في معاملاتنا المعاصرة.

وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب، وله الحمد في الأولى والآخرة.

{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

ص: 761

بسم الله الرحمن الرحيم

المبحث الأول

تعريف الاستصناع

جاء في لسان العرب تحت مادة "صَنَع":

صنعه يصنعه صنعة: عمله

واصطنعه: اتخذه

واصطنع فلان خاتمًا: إذا سأل رجلًا أن يصنع له خاتمًا. روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتمًا من ذهب كان يجعل فصه في باطن كفه إذا لبسه، فصنع الناس، ثم إنه رمى به، أي أمر أن يصنع له، كما تقول أكتتب: أي أمر أن يكتب له، والطاء بدل من تاء الافتعال لأجل الصاد.

واستصنع الشيء: دعا إلى صنعه.

وفي المعجم الوسيط: استصنع فلانًا كذا: طلب منه أن يصنعه له.

وفي مجلة الأحكام العدلية نصت المادة "388" على ما يلي: "إذا قال رجل لواحد من أهل الصنائع: اصنع لي الشيء الفلاني بكذا قرشًا، وقبل الصانع ذلك، انعقد البيع استصناعًا".

مثلًا لو أرى المشتري رجله لخفاف، وقال له: اصنع لي زوجي خف من نوع السختيان الفلاني كذا قرشًا، وقبل الصانع، أو تقاول مع نجار على أن يصنع له زورقًا أو سفينة وبين طولها وعرضها وأوصافها اللازمة، وقبل النجار، انعقد الاستصناع. كذلك لو تقاول مع صاحب معمل على أن يصنع له كذا بندقية، كل واحدة بكذا قرشًا، وبين الطول والحجم وسائر أوصافها اللازمة، وقبل صاحب المعمل، انعقد الاستصناع".

وقال سليم رستم في شرح المجلة (ص220) عقب ما سبق:

" بشرط أن يكون الحديد من الصانع، إذ لو كان من المستصنع كان العقد إجارة لا استصناعًا".

وجاء في المادة "421" من المجلة ذاتها:

"

فإن إعطاء السلعة للخياط مثلًا ليخيطها ثوبًا يعد إجارة على العمل، كما أن استخياط الثوب على السلعة من عند الخياط استصناع".

ص: 762

وقال علاء الدين السمرقندي في تحفة الفقهاء (2/538) :

" هو عقد على مبيع في الذمة، وشرط عمله على الصانع".

وقال الكاساني في بدائع الصنائع (5/2) :

" أما صورة الاستصناع فهي أن يقول إنسان لصانع من خفاف أو صفار أو غيرهما: اعمل لي خفًّا أو آنية من أديم أو نحاس من عندك بثمن كذا، ويبين نوع ما يعمل وقدره وصفته، فيقول الصانع: نعم".

وقال في موضع آخر (5/209) :

" يجوز السلم في اللبن والآجر إذا سُمِّيَ ملبنًا معلومًا، لا يختلف ولا يتفاوت إلى يسيرًا. وكذا في الطوابيق إذا وصفها بوصف يعرف على وجه لا يبقى بعد الوصف جهالة مفضية إلى المنازعة، لأن الفساد للجهالة، فإذا صار معلومًا بالوصف جاز، وكذا في طشت أو قُمْقُمة، أو خفين، أو نحو ذلك، وإن كان يعرف يجوز وإن كان لا يعرف لا يجوز، لأن المسلم فيه دين حقيقة، والدين يعرف بالوصف، فإذا كان مما يحصل تمام معرفته بالوصف بأن لم تبق فيه جهالة مفضية إلى المنازعة جاز السلم فيه، وإلا فلا. ولو استصنع رجل شيئًا من ذلك بغير أجل جاز"

وقال صاحب لهداية:

ولا بأس بالسلم في طِست أو قمقمة أو خفين أو نحو ذلك إذا كان يعرف لاستجماع شرائط السلم، وإن كان لا يعرف لا خير فيه لأنه دين مجهول.

وإن استصنع شيئًا من ذلك بغير أجل جاز استحسانًا.

وقال ابن الهمام شارحًا ما سبق في فتح القدير (6/241 – 242) : " (قوله: ولا بأس بالسلم في طِسْت أو قمقمة أو خفين أو نحو ذلك) كالكوز، والآنية من النحاس والزجاج والحديد، والقلنسوة، والطواجن، إذا ضبط واستقصى في صفته من الغلظ والسعة والضيق بحيث ينحصر فلا يتفاوت إلا يسيرًا.

(قوله: وإن استصنع شيئًا من ذلك لغير أجل جاز استحسانًا) : الاستصناع: طلب الصنعة، وهو أن يقول لصانع خُفٍّ أو مكعب أو أواني الصفر: اصنع لي خفًّا طوله كذا وسعته كذا، أو دستًا أي برمة تسع كذا، وزنها كذا، على هيئة كذا، بكذا، ويعطى الثمن المسمى أو لا يعطى شيئًا، فيعقد الآخر معه".

وقال صاحب العناية شارحًا ما سبق أيضًا:

"الاستصناع هو أن يجيء إنسان إلى صانع فيقول: اصنع لي شيئًا صورته كذا وقدره كذا بكذا درهمًا، ويسلم إليه جميع الدراهم أو بعضها أو لا يسلم

إلخ".

ص: 763

المبحث الثانى

الاستصناع عند المالكية والشافعية والحنابلة

يلاحظ فيما سبق أن التعريف الذي نقلته من كتب الفقه كان من كتب الحنفية فقط، وذلك لأن عقد الاستصناع لا يعد عقدًا مستقلًّا، أو مما يعرف بالعقود المسماة، إلا عند الحنفية، وإن كان بعض الباحثين ذكر جوازه عند المذاهب الثلاثة كلهم أو بعضهم، وضم المجيزين إلى الحنفية، وهذا غير دقيق كما سيتضح من الدراسة التالية:

أولًا – الاستصناع عند المالكية:

بالرجوع إلى كتب المالكية نرى الحديث عن الاستصناع عند الحديث عن السلم وشروطه وأحكامه، فالمدونة الكبرى للإمام مالك يبدأ المجلد الرابع بكتاب السلم، وفي ثنايا السلم يوجد عنوان "في السلف في الصناعات"، وتحت هذا العنوان نجد ما يأتي:

" (قلت) : ما قول مالك في رجل استصنع طستًا أو تورًا أو قمقمًا أو قلنسوة أو خفين أو لبدًا، أو استنحت سرجًا أو قارورة أو قدحًا، أو شيئًا مما يعمل الناس في أسواقهم من آنيتهم أو أمتعتهم التي يستعملون في أسواقهم عند الصناع، فاستعمل من ذلك شيئًا موصوفًا، وضرب لذلك أجلًا بعيدًا، وجعل لرأس المال أجلًا بعيدًا، أيكون هذا سلفًا؟ أو تفسده لأنه ضرب لرأس المال أجلًا بعيدًا؟ أم لا يكون سلفًا ويكون بيعًا من البيوع في قول مالك ويجوز؟

(قال) : أرى في هذا أنه إذا ضرب للسلعة التي استعملها أجلًا بعيدًا، وجعل ذلك مضمونًا على الذي يعملها بصفة معلومة، وليس من شيء بعينه يريه يعمله منه، ولم يشترط أن يعمله رجل بعينه، وقدم رأس المال، أو دفع رأس المال بعد يوم أو يومين، ولم يضرب لرأس المال أجلًا، فهذا السلف جائز، وهو لازم للذي عليه، يأتي به إذا حَلَّ الأجل على صفةٍ ما وصفًا.

ص: 764

(قلت) : وإن ضرب لرأس المال أجلًا بعيدًا والمسألة على حالها فسد وصار ديناً في دين في قول مالك؟ قال: نعم.

(قلت) : وإن لم يضرب لرأس المال أجلًا، واشترط أن يعمله هو نفسه، أو اشترط عمل رجل بعينه؟ (قال) لا يكون هذا سلفًا، لأن هذا رجل سلف في دين مضمون على هذا الرجل، وشرط عليه عمل نفسه، وقدم نقده، فهو لا يدري أيسلم هذا الرجل إلى ذلك الأجل فعمله له أم لا؟ فهذا من الغرر، وهو إن سلم عمله وإن لم يسلم ومات قبل الأجل بطل سلف هذا، فيكون الذي اسلف إليه قد انتفع بذهب باطلًا.

(قلت) : فإن كان إنما أسلفه كما وصفت لك على أن يعمل له ما اشترط عليه من حديد قد أراه أياه أو طواهر أو خشب أو نحاس قد أراه إياه؟ (قال) : لا يجوز ذلك.

(قلت) : لِمَ؟ (قال) : لأنه لا يدري أيسلم ذلك الحديد أو الطواهر أو الخشب إلى ذلك الأجل أم لا؟ ولا يكون السلف في شيء بعينه، فلذلك لا يجوز في قول مالك". اهـ.

وفي مقدمات ابن رشد – الجد – نجد كتاب السلم (ص51) ، وتحدث فيه أيضًا عن السلم في الصناعات (ص519 –520)، فقال:

"وأما السلم في الصناعات فينقسم في مذهب ابن القاسم على أربعة أقسام: (أحدها) : أن لا يشترط المسلم المستعمل عمل من استعمله، ولا يعين ما يعمل منه. (والثاني) : أن يشترط عمله ويعين ما يعمل منه.

(والثالث) : أن لا يشترط عمله ويعين ما يعمل منه.

(والرابع) : أن يشترط عمله، ولا يعين ما يعمل منه.

ص: 765

فأما الوجه الأول، وهو أن لا يشترط عمله ولا يعين ما يعمل منه فهو سلم على حكم السلم، لا يجوز إلا بوصف العمل وضرب الأجل، وتقديم رأس المال.

وأما الوجه الثاني، وهو أن يشترط عمله ويعين ما يعمله منه، فليس بسلم وإنما هو من باب البيع والأجرة في الشيء المبيع، فإن كان يعرف وجه خروج ذلك الشيء من العمل، أو تمكن إعادته للعمل، أو عمل غيره من الشيء المعين منه العمل، فيجوز على أن يشرع في العمل، وعلى أن يؤخر الشروع فيه بشرط ما بينه وبين ثلاثة أيام أو نحو ذلك، فإن كان على أن يشرع في العمل جاز ذلك بشرط تعجيل النقد وتأخيره، وإن كان على أن يتأخر الشروع في العمل إلى الثلاثة الأيام ونحوها لم يجز تعجيل النقد بشرط حتى يشرع في العمل.

وأما الوجه الثالث، وهو أن لا يشرط عمله بعينه ويعين على ما يعمل منه، فهو أيضًا من باب البيع والأجرة في المبيع، إلا أنه يجوز على تعجيل العمل وتأخيره إلى نحو ثلاثة أيام بتعجيل النقد وتأخيره. وأما الوجه الرابع، وهو أن يشرط عمله ولا يعين ما يعمل منه، فلا يجوز ذلك لأنه يحتويه أصلان متناقضان: لزوم النقد لكون ما يعمل منه مصونًا، وامتناعه لاشتراط عمل المستعمل بعينه، وبالله سبحانة وتعالى التوفيق". اهـ.

وفي بلغة السالك (2/103) يقول الصاوي:

" (قوله كاستصناع سيف) : أي كما أن استصناع السيف والسرج سلم، سواء كان الصانع المعقود معه دائم العمل أم لا، كأن يقول لإنسان: اصنع لي سيفًا أو سرجًا أو بابًا صفته كذا بدينار، فلا بد من تعجيل رأس المال وضرب الأجل، وأن لا يعين العامل ولا المعمول منه، إلى آخر شروط السلم". وفي الشرح الصغير يقول الدردير في الموضع السابع:

" (كاستصناع سيف) أو ركاب من حداد (أو سرج) من سروجي، أو ثوب من حياك، أو باب من نجار، على صفة معلومة بثمن معلوم، فيجوز، وهو سلم تشترط فيه شروطه، كان البائع دائم العمل أم لا (إن لم يعين العامل أو المعمول منه) ، فإن عينه فسد، نحو: أنت الذي تصنعه بنفسك، أو يصطنعه زيد بنفسه، أو تصطنعه من هذا الحديد بعينه، أو من هذا الغزل، أو من هذا الخشب بعينه، لأنه حينئذ صار معينًا لا في الذمة، وشرط صحة السلم كون المسلم فيه دينًا في الذمة".

وفي مواهب الجليل (3/349) يتحدث عن السلم فيقول:

"ويجوز فيما طبخ

والسيوف، وتور ليكمل، والشراء من دائم العمل كالخباز، وهو بيع وإن يدم فهو سلم، كاستصناع سيف أو سرج

إلخ".

ص: 766

ثانيًا – الاستصناع عند الشافعية:

لا نجد عن الشافعية بابًا خاصًّا بالاستصناع، غير أنهم يذكرونه في السلم: ففي كتاب الأم للإمام الشافعي (3/78) نجد "باب السلف والمراد به السلم". ويتصل بهذا الباب عدة أبواب، منها:"باب السلف في الشيء المصلح لغيره"، ومما قاله تحت هذا الباب الأخير (3/116) :

" قال: ولا بأس أن يسلفه في طست أو تور من نحاس أحمر أو أبيض أو شية أو رصاص أو حديد، ويشترطه بسعة معروفة، ومضروبًا أو مفرغًا، وبصنعة معروفة، ويصفه بالثخانة أو الرقة. ويضرب له أجلًا كهو في الثياب، وإذا جاء به على ما يقع عليه اسم الصفة والشرط لزمه ولم يكن له رده. (قال) :

وكذلك كل إناء من جنس واحد، ضبطت صفته، فهو كالطست والقمقم. قال: ولو كان يضبط أن يكون مع شرط السعة وزن كان أصح، وإن لم يشترط وزنًا صح إذا اشترط سعة كما يصح أن يبتاع ثوبًا بصنعة وشي وغيره بصفة وسعة، ولا يجوز فيه إلا أن يدفع ثمنه. وهذا شراء صفة مضمونة، فلا يجوز فيها إلا أن يدفع ثمنها، وتكون على ما وصفت.

(قال) : ولو شرط أن يعمل له طستًا من نحاس وحديد أو نحاس ورصاص لم يجز، لأنهما لا يخلصان فيعرف قدر كل واحد منهما، وليس هذا كالصبغ في الثوب، لأن الصبغ في ثوبه زينة لا يغيره أن تضبط صفته، وهذا زيادة في نفس الشيء المصنوع.

قال: وهكذا كل ما استصنع، ولا خير في أن يسلف في قلنسوة محشوة، وذلك أنه لا يضبط وزن حشوها ولا صفته، ولا يوقف على حد بطانتها، ولا تشتري هذه إلا يدًا بيد، ولا خير في أن يسلفه في خفين ولا نعلين مخروزين، وذلك أنهما لا يوصفان بطول ولا عرض، ولا تضبط جلودهما، ولا ما يدخل فيهما، وإنما يجوز في هذا أن يبتاع النعلين والشراكين، ويستأجر على الحذو وعلى خراز الخفين".

ص: 767

والجزء الرابع من روضة الطالبين للإمام النووي يبدأ بكتاب السلم، ومما جاء في هذا الكتاب (27) : "يجوز السلم في الزجاج، والطين، والجص، والنورة، وحجارة الأرضية، والأبنية، والأواني، فيذكر نوعها وطولها وعرضها وغلظها

ولا يجوز السلم في الحباب، والكيزان، والطسوت، والقماقم، والطناجير، والمنائر، والبرام المعمولة، لندور اجتماع الوزن مع الصفات المشروطة، ويجوز السلم فيما يصب منها في القالب، لعدم اختلافه، وفي الأسطال المربعة.

ولا يجوز السلم في العقار ".

ويقول الشيرازي في المهذب (تكملة المجموع 12/121) :

"يجوز السلم في كل مال يجوز بيعه وتضبط صفاته: كالأثمان، والحبوب، والثمار، والثياب

إلخ".

وقال أيضًا (12/139) :

"ولا يجوز فيما عملت فيه النار كالخبز والشواء، لأن عمل النار فيه يختلف فلا يضبط".

وقال (12/140) .

"ولا يجوز فيما يجمع أجناسًا مقصودة لا تتميز: كالغالية، والند، والمعجون، والقوس، والخف،

ولا يجوز في ثوب نسج ثم صبغ، لأنه سلم في ثوب وصبغ مجهول، ويجوز فيما صبغ غزله ثم نسج لأنه بمنزلة صبغ الأصل، ولا يجوز في ثوب عمل فيه من غير غزله كالقرقوبي لأن ذلك لا يضبط.

واختلف أصحابنا في الثوب المعمول من غزلين، فمنهم من قال: لايجوز لأنهما جنسان مقصودان لا يتميز أحدهما عن الآخر فأشبه الغالية. ومنه من قال: يجوز لأنهما جنسان يعرف قدر كل واحد منهما".

ص: 768

وقال أيضًا (12/145) :

"وفي السلم في الأواني المختلفة الأعلى والأسفل، كالإبريق والمنارة والكراز، وجهان

ولا يجوز السلم في العقار، لأن المكان فيه مقصود، والثمن يختلف باختلافه، فلا بد من تعيينه، والعين لا تثبت في الذمة".

وفي حواشي الشرواني وابن قاسم العبادي على تحفة المحتاج نجد مثل ما سبق.

ومما قاله ابن حجر الهيتمي: (لا يصح – أي السلم – فيما لا ينضبط مقصوده كالمختلط المقصود الأركان) الذي لا ينضبط (كهريسة ومعجون) مركب من جزءين أو أكثر (وغالية) وهي مركبة من دهن معروف مع مسك وعنبر أو عود كافور (وخف) ونعل مركبين من بطانة وظهارة وحشو، لأن العبارة لا تفي بذكر انعطافاتها وأقدارها.

ومن ثم صح – كما قاله السبكي ومن تابعه – في خف أو نعل مفرد إن كان جديدًا من غير جلد كثوب مخيط جديد لا ملبوس

(والأصح صحته في المختلط) بالصنعة (المنضبط) عند أهل تلك الصنعة، المقصود الأركان كما بأصله عند أهل تلك الصنعة، المقصود الأركان كما بأصله (كعتابي) من قطن وحرير (وخز) من إبريسم ووبر أو صوف بشرط علم العاقدين بوزن كل من أجزائه على المعتمد، وعليه يظهر الاكتفاء بالظن" (انظر 5/19 –20) .

وقال في موضع آخر (5/29) : " (ولا يصح) السلم (في مختلف) أجزاؤه (كبرمة) من نحو حجر (معمولة) أي محفورة بالآلة، واحترز بها عن المصبوبة في قالب، وهذا قيد أيضًا فيما بعد ما عدا الجلد كما يأتى (وجلد) ورق (وكوز وطَِس) يفتح أوله وكسره، ويقال فيه طست (وقمقم ومنارة) يفتح الميم من النور، ومن ثم كان الأشهر في جمعها منار لا مناير (وطَِنجير) بكسر أوله وفتحه خلافًا لمن جعل الفتح لحنًا وهو الدست، أو نحوها: كإبريق وحب ونشاب لعدم انضباطها باختلاف اجزائها.

ومن ثم صح في قطع أو قصاصة جلد دبغ واستوت جوانبه وزنًا (ويصح في الأسطال المربعة) مثلًا والمدورة وإن لم تصب في قالب لعدم اختلافهما، بخلاف الضيقة الرؤوس، ومحله إن اتحد معدنها لا إن خالطها غيره (وفيما صب منها) أى المذكورات ما عدا الجلد، أي من أصلها المذاب (في قالب) وذلك لانضباطها بالضباط قوالبها".

ص: 769

ومما قاله الشرواني في حاشيته على ما سبق: (قوله: ومحله) أي الصحة في الأسطال (قوله: لا إن خالطه غيره) أي كالمصنوع من النحاس والرصاص (وفيما صب منها) ينبغي بالشرط المتقدم بقوله: ومحله إن اتحد

إلخ".

وفي زاد المحتاج قال المؤلف (2/122) :

(فلا يصح) السلم (فيما لا ينضبط مقصوده كالمختلط المقصود الأركان) أي الأجزاء التي لا تنضبط (كهريسة ومعجون وغالية وخف وترياق مخلوط) لعدم انضباط أجزائها، لأن الغالية مركبة من مسك وعنبر وعود وكافور، والخف يشتمل على ظهارة وبطانة وحشو، والعبارة لا تفي بذكر أقدارها وانعطافاتها، واحترز بالترياق المختلف عما هو نبات واحد، فإنه يجوز السلم فيه (والأصح صحته في المختلط المنضبط) الأجزاء (كعتابي) نوع من الثياب مركب من قطن وحرير، (وخز) هو مركب من أبريسم ووبر أو صوف لسهولة ضبط كل جزء من هذه الأجزاء، ومعنى الانضباط أن يعرف العاقدان وزن كل من الجزأين:

وقال في موضع آخر (2/127) " (ولا يصح) السلم (فى مختلف) أجزاؤه (كبرمة معمولة) وهي القدر، واحترز بالمعمولة عن المصبوبة في قالب (وجلد) على هيئته (و) معمول نحو (كوز وطس) بفتح الطاء ويقال له طشت (وقمقم ومنارة) بفتح الميم (وطنجير) بكسر الطاء: الدست، ويجوز فتحها (ونحوها) كالأباريق والحباب

(ويصح) السلم (في الأسطال المربعة) لعدم اختلافهما، والمدورة كالمربعة (وفيما صب منها) أي المذكورات (في قالب) ".

ص: 770

ثالثًا – الاستصناع عند الحنابلة:

وجدنا من الحنابلة من نص على عدم جواز الاستصناع، قال ابن مفلح في كتاب الفروع (4/24) :"ذكر القاضي وأصحابه: لا يصح استصناع سلعة، لأنه باع ما ليس عنده على غير وجه السلم ".

وفي الحاشية قال مراجع الكتاب: بهامش مخطوط الأزهر ما يأتي: قوله: "استصناع سلعة" يعني يشتري منه سلعة، ويطلب منه أن يصنعها له، مثل أن يشتري منه ثوبًا ليس عنده، وإنما يصنعه له بعد العقد، فهذا قد باع ما ليس عنده.

ومع هذا النص الذي يبين المنع، نرى الحنابلة – كالمالكية والشافعية – يتحدثون عما يتصل بالاستصناع تحت باب السلم، قال ابن قدامة في المغني (4/213) : "لا يصح – أي السلم – فيما يجمع أخلاطًا مقصودة غير متميزة، كالغالية والند والمعاجين التي يتداوى بها للجهل بها

، ولا في الأواني المختلفة الرؤوس والأوساط، لأن الصفة لا تأتي عليه، وفيه وجه آخر أنه لا يصح السلم فيه إذا ضبط بارتفاع حائطه، ودور أعلاه وأسفله، لأن التفاوت في ذلك يسير. ولا يصح في القسي المشتملة على الخشب والقرن والغضب والتوز، إذ لا يمكن ضبط مقادير ذلك وتمييز ما فيه منها، وقيل: يجوز السلم فيها، والأولى ما ذكرنا".

وقال أيضًا (4/314) : "يصح السلم في النشاب والنبل، وقال القاضي: لا يصح السلم فيهما، وهو مذهب الشافعي، لأنه يجمع أخلاطًا من خشب وعقب وريش ونصل، فجرى مجرى أخلاط الصيادلة

ولنا أنه مما يصح بيعه، ويمكن ضبطه بالصفات التي لا يتفاوت الثمن معها غالبًا، فصح السلم فيه كالخشب والقصب وما فيه من غيره متميز يمكن ضبطه والإحاطة به، ولا يتفاوت كثيرًا، فلا يمنع كالثياب المنسوجة من جنسين".

وما ذكره ابن قدامة جاء أثناء بيان الشرط الأول من شروط صحة السلم وهو: أن يكون المسلم فيه مما ينضبط بالصفات التي يختلف الثمن باختلافها ظاهرًا. ثم انتقل إلى الشرط الثاني وهو: أن يضبطه بصفاته التي يختلف الثمن بها ظاهرًا.

ص: 771

ومما قاله (4/322 –323) :

"وإن أسلم في ثوب مختلف الغزول، كقطن وإبريسم، أو قطن وكتان أو صوف، وكان الغزول مضبوطة؛ بأن يقول: السدى إبريسم واللحمة كتان أو نحوه: جاز، ولهذا جاز السلم في الخز وهو من غزلين مختلفين. وإن أسلم في ثوب موشى، وكان الوشي من تمام نسجه: جاز وإن كان زيادة لم يجز لأنه لا ينضبط.

ويصح السلم في الكاغد لأنه يمكن ضبطه، ويصفه بالطول والعرض والدقة والغلظ واستواء الصنعة ما يختلف به الثمن.

وإن أسلم في الأواني التي يمكن ضبط قدرها وطولها وسمكها ودورها، كالأسطال القائمة الحيطان والطسوت، جاز، ويضبطها بذلك كله.

وإن أسلم في قصاع وأقداح من الخشب جاز، ويذكر نوع خشبها من جوز أو توت، وقدرها في الصغر والكبر، والعمق والضيق، والثخانة والرقة، وأي عمل.

وإن أسلم في سيف ضبطة بنوع حديده، وطوله، وعرضه ورقته، وغلظه، وبلده، وقديم الطبع أو محدث ماض أو غيره، ويصف قبضته وجفنه". اهـ.

وفي مطالب أولي النهي (3/210) قال المؤلف:

"ويصح – أي السلم – فيما يجمع اخلاطًا متميزة، كثوب نسج من نوعين كقطن وكتان، أو إبريسم وقطن، وكنشاب ونبل مريشين، وخفاف ورماح متوزة، أي: مصنوعة، لإمكان ضبطها بصفة لا يختلف ثمنها معها غالبًا.

ويتجه باحتمال قوي أنه لا يصح السلم في ثياب مخيطة، لاختلافها كبرًا وصغرًا وطولًا وعرضًا، والتفصيل والخياطة تختلف اختلافًا كليًّا، ولا في ثياب منقوشة بالطباعة أو التطريز أو الحياكة، لعدم انضباط عروقها كثرة وقلة، وصناعتها تختلف اختلافًا لا مزيد عليه".

ص: 772

خلاصة المبحث

مما سبق نرى أن المذاهب الثلاثة لم تجعل الاستصناع عقدًا مستقلًّا، وإنما جعلوه ضمن السلم.

فالمالكية خصصوا جزءًا من كتاب السلم للسلم في الصناعات، أو السلف في الصناعات، وضربوا أمثلة لما كان يصنع في عصرهم، وأجازوه بشروط السلم.

أما الشافعية فقد أجازوا السلم فيما صنع من جنس واحد فقط كالحديد، أو النحاس، أو الرصاص، أو غيرها، ولم يجيزوه فيما يجمع أجناسًا مقصودة لا تتميز: كطست من نحاس وحديد، وكالغالية: وهي مركبة من دهن مع مسك وعنبر أو عود وكافور، وجعلوا مثل هذا لا يجوز إلا يدًا بيد.

وإجازتهم ما صب في قالب لا يخرج عن قولهم هنا، لا كما ذكره بعض الكاتبين، فإنهم لم يجيزوه إلا بالشرط السابق، أي أن يكون الأصل المذاب في القالب من جنس واحد، وما نقلته من أقوالهم ينص على هذا الشرط، وقد جعل الإمام الشافعي هذا الشرط عامًّا حيث قال بعد ذكره:"وهكذا كل ما استصنع".

أما ما يجمع أجناسًا مقصودة تتميز، كالقطن والحرير، فهو موضع خلاف بينهم، والأصح في المذهب الجواز بشرط علم العاقدين بوزن كل ما أجزائه.

والحنابلة لا يكادون يختلفون عن الشافعية إلا في القليل من الفروع التطبيقية.

ومن هذا نرى أن المذاهب الثلاثة أجمعت على عدم جواز الاستصناع إلا بشروط السلم، غير أن المالكية أجازوا استصناع أي شيء مما يعمل الناس في أسواقهم من آنيتهم أو أمتعتهم التي يستعملون في أسواقهم عند الصناع، على حين لم يجز الشافعية والحنابلة من هذه الأشياء ما جمع اجناسًا مقصودة لا تتميز.

ص: 773

المبحث الثالث

الاستصناع عند الحنفية

أولًا – معناه:

قال الكاساني في بدائع الصنائع (5/2) :

" وأما معناه فقد اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم هو مواعدة وليس ببيع، وقال بعضهم: هو بيع لكن للمشتري فيه خيار، وهو الصحيح، بدليل أن محمدًا رحمه الله ذكر في جوازه القياس والاستحسان وذلك لا يكون في العدات، وكذا أثبت فيه خيار الرؤية، وأنه يختص بالبياعات، وكذا يجري فيه التقاضي، وإنما يتقاضى فيه الواجب لا الموعود. ثم اختلفت عباراتهم عن هذا النوع من البيع: قال بعضهم هو عقد على مبيع في الذمة وقال بعضهم هو عقد على مبيع في الذمة شرط فيه العمل.

وجه القول الأول أن الصانع لو احضر عينًا كان عملها قبل العقد ورضي به المستصنع لجاز، ولو كان شرط العمل من نفس العقد لما جاز؛ لأن الشرط يقع على عمل في المستقبل لا في الماضي. والصحيح هو القول الأخير، لأن الاستصناع طلب الصنع، فما لم يشترط فيه العمل لا يكون استصناعًا، فكان مأخذ الاسم دليلًا عليه، ولأن العقد على مبيع في الذمة يسمى سلمًا، وهذا العقد يسمى استصناعًا، واختلاف الأسامي دليل اختلاف المعاني في الأصل.

وأما إذا أتى الصانع بعين صنعها قبل العقد ورضي به المستصنع فإنما جاز لا بالعقد الأول بل بعقد آخر، وهو التعاطي بتراضيهما". اهـ.

ويؤخذ من كلام الكاساني أن الحنفية اختلفوا في تحديد معنى الاستصناع: أيعد مواعده أم بيعًا؟

وذكر أن الصحيح أنه بيع، واستدل لقوله، ثم بيَّن أنهم اختلفوا في بيان هذا النوع من البيع: أهو عقد على مبيع في الذمة، أم عقد على مبيع في الذمة شرط فيه العمل؟

وذكر أن الصحيح هو اشتراط العمل.

وقال ابن الهمام في فتح القدير (6/242) :

(اختلف المشايخ أنه مواعدة أو معاقدة. فالحاكم الشهيد والصفار ومحمد بن سلمة وصاحب المنثور "مواعدة" وإنما ينعقد عند الفراغ بيعًا بالتعاطي، ولهذا كان للصانع أن لا يعمل ولا يجبر عليه بخلاف السلم، وللمستصنع أن لا يقبل ما يأتي به ويرجع عنه، ولا تلزم المعاملة، وكذا المزارعة على قول أبي حنيفة، لفسادها مع التعامل لثبوت الخلاف فيهما في الصدر الأول، وهذا كان على الاتفاق. والصحيح من المذهب جوازه بيعًا لأن محمدًا ذكر فيه القياس والاستحسان

إلخ) . اهـ.

وابن الهمام هنا ذكر أربعة من الحنفية ذهبوا إلى أنه مواعدة، بَيَّنَ أدلتهم، ثم انتهى إلى ما انتهى إليه الكاساني.

ص: 774

ثانيًا – دليل مشروعيته:

ذهب الحنفية – عدا زفر – إلى جواز الاستصناع، واستدلوا على مشروعيته بما يأتى:

1-

إن الرسول صلى الله عليه وسلم استصنع خاتمًا ومنبرًا.

2-

الإجماع الثابت بالتعامل.

3-

الاستحسان.

وذكروا أن المانعين استدلوا بأنه بيع معدوم، وبيع ما ليس عند البائع على غير وجه السلم، فهو مخالف للقياس، وردوا بالإجماع المؤيد بالسنة المطهرة، فلننظر فيما ذكر من الأدلة.

السنة المطهرة والإجماع:

لو كان الاستصناع الذي ذهب إليه جمهور الحنفية ثابتًا بالسنة والإجماع فكيف خالفهم باقي الأئمة الأعلام؟

واستصناع الخاتم والمنبر جاء في الصحيحين وغيرهما، ولا خلاف في أن الرسول صلى الله عليه وسلم اصطنع خاتمًا كتب عليه "محمد رسول الله" واصطنع منبرًا، أَفَتَرَكَ الأئمة هذه السنة الصحيحة الثابتة، وخرجوا على الإجماع؟

هذا أمر مستبعد كل الاستبعاد، ولذلك لم يثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم اصطنع الخاتم والمنبر بطريقة الاستصناع التي قال بها الحنفية، وليس هناك إجماع على هذه الطريقة، بل الأقرب إلى الإجماع هو مخالفتها وعدم جوازها، فما مراد الحنفية من هذا الاستدلال؟

قال صاحب الهداية: (ولا بأس بالسلم في طست أو قمقمة أو خفين أو نحو ذلك إذا كان يعرف) لاستجماع شرائط السلم، (وإن كان لا يعرف فلا خير فيه) لأنه دين مجهول، قال:(وإن استصنع شيئًا من ذلك بغير أجل جاز استحسانًا) للإجماع الثابت بالتعامل) . (فتح القدير: 6/241 – 242) .

قال صاحب الكفاية في شرحه بعد ما سبق مباشرة:

(الجواز ثابت بالإجماع، وإنما الاختلاف في أنه بيع، أو عدة، أو إجارة) . اهـ.

ولو كان العقد إجارة فلا خلاف حول جوازه، ولكن شرط الاستصناع عندهم أن يكون ما يصنع من عند الصانع لا المستصنع، وهذا خلاف الإجارة.

ولو كان عدة، ولا يتم التعاقد إلا بعد انتهاء الصانع، فهو بيع لمبيع حاضر غير معدوم، ومن المعلوم أن هذا جائز، غير أن جمهور الحنفية رفضوا القول بأنه وعد، والصحيح من المذهب أنه بيع، ولذلك قالوا بأنه مخالف للقياس.

وقال صاحب الهداية: (جواز السلم بإجماع لا شبهة فيه، وفي تعاملهم الاستصناع نوع شبهة) .

وقال صاحب العناية في شرحه:

[ (قوله: وجواز السلم بإجماع لا شبهة فيه) أي بإجماع الصحابة (وقوله وفي تعاملهم نوع شبهة) ، فإن عند زفر والشافعي – رحمهما الله – لا يجوز، ولأنه نقل من الصحابة – رضي الله عنهم – تعاملهم السلم، وتأيد الإجماع في السلم بظاهر الكتاب والسنة المشهورة، وفي نقل الصحابة في تعاملهم الاستصناع شبهة] . اهـ. (راجع فتح القدير: 6/245) .

إذن رأي الحنفية في الاستصناع لا يؤيده سنة ولا إجماع.

ص: 775

الاستحسان:

الخلاف حول الأخذ بالاستحسان مشهور، والحديث عنه يطول، ويخرجنا عن الموضوع. ولذلك أكتفي ببيان مراد الحنفية من هذا الدليل.

الاستحسان عند الحنفية – كما عرفه أبو الحسن الكرخي: (هو أن يعدل المجتهد عن أن يحكم في المسألة بمثل ما حكم به في نظائرها لوجه أقوى يقتضي العدول عن الأول) .

قال شيخي الإمام محمد أبو زهرة – رحمه الله: (وهذا التعريف هو أبين التعريفات لحقيقة الاستحسان عند الحنفية، لأنه يشمل كل أنواعه، ويشير إلى أساسه ولبه، إذ أساسه أن يجيء الحكم مخالفًا قاعدة مطردة لأمر يجعل الخروج عن القاعدة أقرب إلى الشرع من الاستمساك بالقاعدة، فيكون الاعتماد عليه أقوى استدلالًا في المسألة من القياس) . (أصول الفقه، لشيخنا: ص207 – 208) .

والاستحسان نوعان:

أحدهما: ترجيح قياس خفي على قياس جلي بدليل.

وثانيهما: استثناء جزئية من حكم كلي بدليل. والدليل قد يكون من السنة أو للإجماع، أو للضرورة.

والاستحسان هو عمدة أدلة الحنفية في الاستصناع، والمراد به هنا النوع الثاني: فالشرع نهى عن بيع المعدوم والتعاقد عليه، والاستصناع الذي يراه جمهور الحنفية بيعًا ومعاقدة، يعد من المعدوم وقت التعاقد، فأجازوه استحسانًا للإجماع الثابت بالتعامل بحسب قولهم. ولبيان استدلالهم نذكر أقوال بعضهم.

ص: 776

قال الكاساني في البدائع (5/2 – 3) :

(وأما جوازه فالقياس أن لا يجوز، لأنه بيع ما ليس عند الإنسان لا على وجه السلم، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم ويجوز استحسانًا لإجماع الناس على ذلك، لأنهم يعملون ذلك في سائر الأعصار من غير نكير، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)) ، وقال عليه الصلاة والسلام:((ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون قبيحًا فهو عند الله قبيح)) . والقياس يترك بالإجماع، ولهذا ترك القياس في دخول الحمام بالأجر من غير بيان المدة ومقدار الماء الذي يستعمل، وفي قصعة الشارب للسقاء من غير بيان قدر المشروب، وفي شراء البقل وهذه المحقرات، كذا هذا.

ولأن الحاجة تدعو إليه؛ لأن الإنسان قد يحتاج إلى خف أو نعل من جنس مخصوص ونوع مخصوص على قدر مخصوص وصفة مخصوصة، وقلما يتفق وجوده مصنوعًا، يحتاج إلى أن يستصنع، فلو لم يجز لوقع الناس في الحرج.

وقد خرج الجواب عن قوله إنه معدوم لأنه ألحق بالموجود لمساس الحاجة، كالمسلم فيه، فلم يكن بيع ما ليس عند الإنسان على الإطلاق، ولأن فيه معنى عقدين جائزين وهو السلم والإجارة، لأن السلم عقد على مبيع في الذمة، واستئجار الصناع يشترط فيه العمل، وما اشتمل على معنى عقدين جائزين كان جائزًا) . اهـ.

وقال صاحب الهداية في جوازه استحسانًا: (للإجماع الثابت بالتعامل، وفي القياس لا يجوز لأنه بيع المعدوم) .

وقال ابن الهمام في شرح ما سبق: (اصنع لي خفًّا طوله كذا وسعته كذا، أو دستًا أي برمة تسع كذا ووزنها كذا على هيئة كذا بكذا، ويعطى الثمن المسمي أو لا يعطى شيئًا، فيعقد الآخر معه، جاز استحسانًا تبعًا للعين.

ص: 777

والقياس ألا يجوز، وهو قول زفر والشافعي، إذا لا يمكن إجارة، لأنه استئجار على العمل في ملك الأجير وذلك لا يجوز، كما لو قال أحمل طعامك من هذا المكان إلى مكان كذا بكذا، أو أصبغ ثوبك أحمر بكذا، لا يصح، ولا بيعًا لأنه بيع معدوم، ولو كان موجودًا مملوكًا لغير العاقد لم يجز.

فإذا كان معدومًا فهو أولى بعدم الجواز، ولكنا جوزناه استحسانًا للتعامل الراجح إلى الإجماع العملي من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليوم بلا نكير.

والتعامل بهذه الصفة أصل مندرج في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)) ، وقد استصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا، واحتجم صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام، مع أن مقدار عمل الحجامة وعدد كرات وضع المحاجم ومصها غير لازم عند أحد، وثله شرب الماء من السقاء.

وسمع صلى الله عليه وسلم بوجود الحمام، وأباحه بمئزر، ولم يبين له شرطًا، وتعامل الناس بدخوله من لدن الصحابة والتابعين على هذا الوجه إلى الآن، وهو ألا يذكر عدد ما يصبه من ملء الطاسة، ونحوها، فقصرناه على ما فيه تعامل، وفي ما لا تعامل فيه رجعنا فيه إلى القياس كأن يستصنع حائكًا أو خياطًا لينسج له، أو يخيط قميصًا بغزل نفسه) . (فتح القدير: 6/242) .

وفي الصفحة المذكورة من المرجع السابق قال الكبرلاني في الكفاية: (الجواز ثابت بالإجماع، وإنما الاختلاف في أنه بيع أو عدة أو إجارة) .

ثم قال:

(كان على الاتفاق كذا ذكره الإمام قاضيخان رحمه الله، وفي القياس لا يجوز لأنه بيع المعدوم، وقد نهى النبي – عليه الصلاة والسلام 0 عن بيع المعدوم.

وجه الاستحسان أن النبي – عليه السلام – استصنع خاتمًا ومنبرًا، ولأن المسلمين تعاملوه من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من غير نكير، فنزل منزلة الإجماع، وهو كدخول الحمام بأجر، فإنه جائز استحسانًا لتعامل الناس، والقياس يأبى جوازه لأن مقدار المكث وما يصب من الماء مجهول. وكذا لو قال لسقاء: أعطني شربة ماء بفلس، أو احتجم بأجر، فإنه يجوز لتعامل الناس، وإن لم يعرف قدر ما يشرب، ولم يكن قدر ما يحتجم من ظهره معلومًا. والأصل فيه قوله عليه السلام:((ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن، وقد رأوا الاستصناع حسنًا فكان حسنًا)) . اهـ.

ص: 778

انتهى المطلوب من أقوال الحنفية.

وسبق من قبل القول في المنبر والخاتم.

أما ما ذكر من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ((لا تجتمع أمتي على ضلالة)) فهو كما يقول السخاوي في المقاصد الحسنة (ص460 – حديث 1288) : (حديث مشهور المتن، ذو أسانيد كثيرة، وشواهد متعددة في المرفوع وغيره) .

وأما قولهم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن)) ، فهذا ليس بمرفوع، وإنما موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه، (رواه أحمد في مسنده، والبزار، والطبراني في الكبير، وإسناده صحيح) .

(انظر المسند تحقيق شاكر: 5/211، رواية رقم 3600، من الأخطاء القليلة للسخاوي قوله في المقاصد: ص367 وهم من عزاه للمسند) .

والحديث الشريف والأثر ليسا بحجة للحنفية، فليس هناك إجماع على جواز الاستصناع الذي قال به جمهور الحنفية كما أشرت من قبل، والذين رأوا أنه غير جائز، وغير حسن، أكثر من الذين رأوا أنه جائز وحسن.

وما قيل في السلم والحجامة والحمام ليس حجة لهم، فهذه المعاملات شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد بعده حق التشريع، فيبقى الأصل كما هو إلى بدليل شرعي يجيز الاستثناء.

وأما قولهم "ولأن الحاجة تدعو إليه لأن الإنسان

فلو لم يجز لوقع الناس في الحرج"، ففيه نظر:

لأن هذا الحرج يمكن أن يرفع بالسلم في الصناعات، والإجارة، والمواعدة.

وأما قول الكاساني: "ولأن فيه معنى عقدين جائزين، وهو السلم والإجارة

وما اشتمل على معنى عقدين جائزين كان جائزًا) ، فقيه نظر أيضًا:

لأن هذا القول يؤيد جمهور الفقهاء الذين خالفوا الحنفية، حيث ألحقوا الاستصناع بالسلم، واشترطوا له شروطه، وسبق قول الحنفية في التفرقة بين الاستصناع والسلم. كما أن الاستصناع عند الحنفية في بعض حالاته يدخل تحت بيع الكالىء بالكالىء – المجمع على منعه – حيث لا يتم تسليم ثمن ولا مبيع وقت التعاقد، فهم لا يشترطون تسليم الثمن – كله أو بعضه – عند التعاقد، فله أن يسلم الثمن كله أو بعضه، أو لا يسلم. (انظر مثلًا العناية مع فتح القدير: 6/244؛ ومجلة الأحكام العدلية المادة: ص391 ونصها: "لا يلزم في الاستصناع دفع الثمن حالًا، أي وقت العقد") .

ومن كل ما سبق نرى أن ما ذكره الحنفية من الأدلة لا يؤيد ما ذهب إليه جمهورهم من أنه عقد بيع على غير وجه السلم. والاستصناع ليس كالصرف الذي لا يجوز فيه المواعدة، ولذلك يمكن الأخذ بقول من ذكر من الحنفية القائلين بأنه وعد وليس عقد بيع، مع النظر فيا يترتب على هذا الوعد.

ص: 779

ثالثًا – شروط جوازه:

وجدنا أن المذاهب الثلاثة تشترط للاستصناع شروط السلم، والمالكية أجازوا استصناع أى شيء مما يعمل الناس في أسواقهم من آنيتهم أو أمتعتهم التي يستعملون في أسواقهم عند الصناع. أما الشافعية والحنابلة فلم يجيزوا من هذه الأشياء ما جمع أجناسًا مقصودة لا تتميز. وسبق بيان هذا من قبل.

والحنفية هم الذين جعلوه عقدًا مستقلًّا من العقود المسماة، ووضعوا شروطًا لجوازه عندهم.

قال الكاساني في البدائع (5/3) : (وأما شرائط جوازه:

(فمنها) بيان جنس المصنوع ونوعه وقدره وصفته؛ لأنه لا يصير معلومًا بدونه.

(ومنها) : أن يكون ما يجري فيه التعالم بين الناس من أواني الحديد والرصاص والنحاس والزجاج والخفاف والنعال ولجم الحديد للدواب ونصول السيوف والسكاكين والقسي والنبل والسلاح كله والطشت والقمقمة ونحو ذلك، ولا يجوز في الثياب لأن القياس يأبى جوازه، وإنما جوازه استحسانًا لتعامل الناس ولا تعامل في الثياب.

(ومنها) أن لا يكون فيه أجل، فإن ضرب للاستصناع أجلًا صار سلمًا حتى يعتبر فيه شرائط السلم وهو قبض البدل في المجلس، ولا خيار لواحد منهما إذا سلم الصانع المصنوع على الوجه الذي شرط عليه في السلم

(وهذا) قول أبي حنيفة رحمه الله.

. وقال أبو يوسف ومحمد: هذا ليس بشرط؛ وهو استصناع على كل حال، ضرب فيه أجلًا أو لم يضرب، ولو ضرب للاستصناع فيما لا يجوز فيه الاستصناع – كالثياب ونحوها – أجلًا ينقلب سلمًا في قولهم جميعًا.

(وجه) قولهما: أن العادة جارية بضرب الأجل في الاستصناع، وإنما يقصد به تعجيل العمل لا تأخير المطالبة، فلا يخرج به كونه استصناعًا، أو يقال: قد يقصد بضرب الأجل تأخير المطالبة، وقد يقصد به تعجيل العمل، فلا يخرج العقد عن موضوعه مع الشك والاحتمال، بخلاف ما لا يحتمل الاستصناع لا يقصد بضرب الأجل فيه تعجيل العمل، فتعين أن يكون لتأخير المطالبة بالدين وذلك بالسلم – ولأبي حنيفة – رضي الله عنه أنه إذا ضرب فيه أجلًا فقد أتى بمعنى السلم، إذ هو عقد على مبيع في الذمة مؤجلًا، والعبرة في العقود لمعانيها لا لصور الألفاظ، ألا ترى أن البيع ينعقد بلفظ التمليك، وكذا الإجارة، وكذا النكاح، على أصلنا (ولهذا) صار سلمًا فيما لا يحتمل الاستصناع، كذا هذا، ولأن التأجيل يختص بالديون، لأنه وضع لتأخير المطالبة. وتأخير المطالبة إنما يكون في عقد فيه مطالبة وليس ذلك إلا السلم، إذ لا دين في الاستصناع:

(ألا ترى أن لكل واحد منهما خيار الامتناع من العمل قبل العمل بالاتفاق؟ ثم إذا صار سلمًا يراعى فيه شرائط السلم فإن وجدت صح وإلا فلا) . اهـ.

ص: 780

وقال السمرقندي في تحفة الفقهاء (2/539) : "فإذا ضرب الأجل في الاستصناع ينقلب سلمًا عند أبي حنيفة، خلافًا لهما، لأنه إذا ذكر فيه الأجل يكون فيه جميع معاني السلم، والعبرة للمعنى لا للفظ، ولهذا لو استصنع ما لا يجوز استصناعه حتى يكون استصناعًا فاسدًا، وشرط فيه الأجل: ينقلب سلمًا بلا خلاف – كذا هذا، والله أعلم) .

وقال صاحب الهداية: (ولو ضرب الأجل فيما فيه تعامل يصير سلمًا عند أبي حنيفة خلافًا لهما، ولو ضربه فيما لا تعامل فيه يصير سلمًا بالاتفاق". (انظر فتح القدير: 6/244) .

وقال صاحب الكفاية في شرح ما سبق: (قوله: لأنه لو ضرب الأجل فيه تعامل يصير سلمًا عند أبي حنيفة – رحمه الله فيشترط فيه شرائط السلم من قبض رأس المال في المجلس، وعدم الخيار لرب السلم إذا أتى بالمصنوع على الوصف الذي وصفه.

والمراد الأجل الذي يضرب للسلم، فقال في المبسوط: هذا إذا ذكر المدة على سبيل الاستمهال، أما إذا كان على سبيل الاستعجال بأن قال: على أن يفرغ عنه غدًا أو بعد غدٍ فهذا لا يكون سلمًا، لأن ذكر المدة للفراغ من العمل لا لتأجيل المطالبة بالتسليم، ألا ترى أنه ذكر أدنى مدة يمكنه الفراغ فيها من العمل؟ ويحكى عن الهندواني أن ذكر المدة من قبل المستصنع فهو الاستعجال فلا يصير به سلمًا.

وإن كان الصانع هو الذي ذكر المدة فهو سلم لأنه يذكره على سبيل الاستمهال. وقيل: إن ذكر أدنى مدة يتمكن فيها من العمل فهو استصناع، وإن كان أكثر من ذلك فهو سلم، لأن ذلك لا يختلف باختلاف الأعمال، فلا يمكن تقديره بشيء معلوم) . اهـ.

ومن هذا نرى أن الحنفية يشترطون لجواز الاستصناع ما يأتي:

1-

بيان جنس المستصنع، ونوعه، وقدره، وصفته، لأنه لا يصير معلومًا بدون هذا البيان. وهذا الشرط لا ينفردون به، حيث إنه من شروط السلم.

2-

أن يكون مما يجري فيه التعامل بين الناس.

3-

ألا يكون فيه أجل، وهذا قول أبي حنيفة، وخالفه الصاحبان، وفي المذهب أقوال تتصل بهذا الشرط كما يظهر مما نقل من كتبهم.

ويلاحظ عند ذكر الأجل فيما يجري فيه التعامل – أن رأي الإمام أبي حنيفة لا يختلف عن السلم في الصناعات عند المالكية.

ص: 781

رابعًا – حكمه:

حكم الاستصناع عند الجمهور هو حكم السلم تبعًا لرأيهم في الاستصناع كما بينا من قبل. أمَّا الحنفية فيبين الكاساني رأيهم حيث يقول:

(وأما حكم الاستصناع فهو ثبوت الملك للمستصنع في العين المبيعة في الذمة، وثبوت الملك للصانع في الثمن ملكًا غير لازم – على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.

وأما صفة الاستصناع فهي أنه عقد غير لازم قبل العمل في الجانبين جميعًا بلا خلاف، حتى كان لكل واحد منهما خيار الامتناع قبل العمل، كالبيع المشروط فيه الخيار للمتبايعين أن لكل واحد منهما الفسخ، لأن القياس يقتضي أن لا يجوز لما قلنا، وإنما عرفنا جوازه استحسانًا لتعامل الناس، فبقي اللزوم على أصل القياس، (وأما) بعد الفراغ من العمل قبل أن يراه المستصنع فكذلك، حتى كان للصانع أن يبيعه ممن شاء كذا ذكر في الأصل، لأن العقد ما وقع على عين المعمول بل على مثله في الذمة لما ذكرنا أنه لو اشترى من مكان آخر وسلم إليه جاز. ولو باعه الصانع وأراد المستصنع أن ينقض البيع ليس له ذلك. ولو استهلكه قبل الرؤية فهو البائع إذا استهلك المبيع قبل التسليم، كذا قال أبو يوسف.

فأما إذا أحضر الصانع العين على الصفة المشروطة فقد سقط خيار الصانع وللمستصنع الخيار، لأن الصانع بائع ما لم يره، فلا خيار له، وأما المستصنع فمشتري ما لم يره، فكان له الخيار، وإنما كان كذلك لأن المعقود عليه وإن كان معدومًا حقيقة فقد ألحق بالموجود ليمكن القول بجواز العقد، ولأن الخيار كان ثابتًا لهما قبل الإحضار لما ذكرنا أن العقد غير لازم، فالصانع بالإحضار أسقط خيار نفسه، فبقي خيار صاحبه، على حاله؛ كالبيع الذي فيه شرط الخيار للعاقدين إذا أسقط أحدهما خيار، أنه يبقى خيار الآخر، كذا هذا. (هذا) جواب ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رضي الله عنهم.

وروي عن أبي حنيفة – رحمه الله – أن لكل واحد منهما الخيار، وروي عن أبي يوسف أنه لا خيار لهما جميعًا.

(وجه) رواية أبي يوسف أن الصانع قد أفسد متاعه وقطع جلده وجاء بالعمل على الصفة المشروطة، فلو كان للمستصنع الامتناع من أخذه لكان فيه إضرار بالصانع، بخلاف ما إذا قطع الجلد ولم يعمل، فقال المستصنع: لا أريد، لأنا لا ندري أن العمل يقع على الصفة المشروطة أو لا، فلم يكن الامتناع منه إضرارًا بصاحبه، ثبت الخيار.

(وجه) رواية أبي حنيفة – رحمه الله – أن في تخيير كل واحد منهما دفع الضرر عنه، وأنه واجب. والصحيح جواب ظاهر الرواية، لأن في إثبات الخيار للصانع ما شرع له الاستصناع: وهو دفع حاجة المستصنع، لأنه متى ثبت الخيار للصانع فكل ما فرغ عنه يبيعه من غير المستصنع، فلا تندفع حاجة المستصنع.

ص: 782

وقول أبي يوسف أن الصانع يتضرر بإثبات الخيار للمستصنع مسلم، ولكن ضرر المستصنع بإبطال الخيار فوق ضرر الصانع بإثبات الخيار للمستصنع، لأن المصنوع إذا لم يلائمه وطولب بثمنه لا يمكنه بيع المصنوع من غيره بقيمة مثله، ولا يتعذر ذلك على الصانع لكثرة ممارسته وانتصابه لذلك، ولأن المستصنع إذا غرم ثمنه ولم تندفع حاجته لم يحصل ما شرع له الاستصناع وهو اندفاع حاجته، فلا بد من إثبات الخيار له، والله سبحانه وتعالى الموفق.

فإن سلم إلى حدادٍ حديدًا ليعمل له إناء معلومًا بأجر معلوم، أو جلدًا إلى خفاف ليعمل له خفًّا معلومًا بأجر معلوم، فذلك جائز ولا خيار فيه، لأن هذا ليس باستصناع بل هو استئجار، فكان جائزًا فإن عمل كما أمر استحق الأجر، وإن أفسد فله أن يضمنه حديدًا مثله، لأنه لما أفسده فكأنه أخذ حديدًا له، واتخذ منه آنية من غير إذنه، والإناء للصانع لأن المضمونات تملك بالضمان) . اهـ.

(البدائع: 5/3 – 4، وراجع ما كتبه أيضًا في ص209، 210) .

وقال السمرقندي في تفسير الاستصناع:

"وهو عقد غير لازم، ولكل واحد منهما الخيار في الامتناع قبل العمل، وبعد الفراغ من العمل: لهما الخيارن حتى إن الصانع لو باعه قبل أن يراه جاز لأنه ليس بعقد لازم.

فأما إذا جاء به إلى المستصنع فقد سقط خياره، لأنه رضًى بكونه للمستصنع، حيث جاء به إليه.

فإذا رآه المستصنع فله الخيار: إن شاء أجاز، وإن شاء فسخ عند أبي حنيفة ومحمد.

وقال أبو يوسف: لا خيار له، لأنه مبيع في الذمة بمنزلة السلم.

وهما يقولان: إنه بمنزلة العين المبيع الغائب.

(تحفة الفقهاء: 2/538 – 539)

ص: 783

وقال المرغيناني في الهداية:

"وهو بالخيار إذا رآه إن شاء أخذه وإن شاء تركه"، لأنه اشترى شيئًا لم يره، ولا خيار للصانع، كذا ذكره في المبسوط وهو الأصح، لأنه باع ما لم يره.

وعن أبي حنيفة – رحمه الله – أن له الخيار أيضًا، لأنه لا يمكنه تسليم المعقود عليه إلا بضرر، وهو قطع الصرم وغيره.

وعن أبي يوسف أنه لا خيار لهما: أما الصانع فلما ذكرنا، وأما المستصنع فلأن في إثبات الخيار له إضرارًا بالصانع، لأنه ربما لا يشتري غيره بمثله.

وقال صاحب العناية في شرح ما سبق:

"وهو بالخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه

إلخ": أي المستصنع بعد الرؤية بالخيار: إن شاء أخذه وإن شاء تركه لأنه اشترى ما لم يره، ومن هو كذلك فله الخيار كما تقدم. ولا خيار للصانع، كذا ذكر في المبسوط، فيجبر على العمل، لأنه بائع باع ما لم يره، ومن هو كذلك لا خيار له، وهو الأصح بناء على جعله بيعًا لا عدة.

وعن أبي حنيفة أن له الخيار أيضًا إن شاء فعل وإن شاء ترك دفعًا للضرر عنه، لأنه لا يمكنه تسليم المعقود عليه إلا بضرر، وهو قطع الصرم وإتلاف الخيط.

وعن أبي يوسف أنه لا خيار لهما: أما الصانع فلما ذكرنا أولًا، وأما المستصنع فلأن الصانع أتلف ماله بقطع الصرم وغيره ليصل إلى بدله، فلو ثبت له الخيار تضرر الصانع لأن غيره لا يشتريه بمثله، ألا ترى أن الواعظ إذا استصنع منبرًا ولم يأخذه فالعامي لا يشتريه أصلًا.

فإن قيل الضرر حصل برضاه فلا يكون معتبرًا؟ أجيب بجواز أن يكون الرضا على ظن أن المستصنع مجبور على القبول، فلما علم اختياره عدم رضاه.

فإن قيل ذلك لجهل منه وهو لا يصلح عذرًا في دار الإسلام؟ أجيب بأن خيار المستصنع اختيار بعض المتأخرين من أصحابنا، ولم يجب على كل واحد من المسلمين في دار الإسلام علم أحوال جميع المسلمين، وإنما الجهل ليس بعذر في دار الإسلام في الفرائض التي لا بد لإقامة الدين منها

إلخ (راجع فتح القدير: 6/243 – 244) .

وفي المرجع السابق (ص243) جاء في الكفاية والعناية أن الاستصناع يبطل بموت أحد المتعاقدين لشبهة بالإجارة.

وجاء في شرح المجلة (ص221 شرح المادة 392) :

"يبطل الاستصناع بوفاة الصانع أو المستصنع لمشابهته للإجارة. والإجارة تنفسخ بالموت".

ص: 784

وقال ابن عابدين في حاشيته (4/213) :

"للصانع أن يبيع المصنوع قبل أن يراه المستصنع، لأن العقد غير لازم ".

وقال: إذا أحضره الصانع على الصفة المشروطة سقط خياره، وللمستصنع الخيار – هذا جواب ظاهر الرواية، - وروى عنه ثبوته لهما، وعن الثاني عدمه لهما، والصحيح الأول".

وقال أيضًا:

"

فقد ظهر لك بهذه النقول أن الاستصناع لا جبر فيه إلا إذا كان مؤجلًا بشهر فأكثر فيصير سلمًا، وهو عقد لازم يجبر عليه ولا خيار فيه، وبه علم أن قول المصنف: فيجبر الصانع على عمله ولا يرجع الآمر عنه – إنما هو فيما إذا صار سلمًا، فكان عليه ذكره قبل قوله: وبدونه، وإلَّا فهو مناقض لما ذكره بعده من إثبات الخيار للآمر، ومن أن المعقود عليه العين لا العمل، فإذا لم يكن العمل معقودًا عليه فكيف يجبر عليه؟

وأما ما في الهداية عن المبسوط من أنه لا خيار للصانع في الأصح فذلك بعد ما صنعه ورآه الآمر، كما صرح به في الفتح، وهو ما مر عن البدائع، والظاهر أن هذا منشأ توهم المصنف وغيره كما يأتي. وبعد تحريري لهذا المقام رأيت موافقته في الفصل الرابع والعشرين من نور العين إصلاح جامع الفصولين حيث قال:"بعد أن أكثر من النقل في إثبات الخيار في الاستصناع: فظهر أن قول الدرر تبعًا لخزانة المفتي أن الصانع يجبر على عمله والآمر لا يرجع عنه سهو ظاهر. اهـ فاغتنم هذا التحرير ولله الحمد".اهـ (4/213) .

ويؤخذ مما سبق ما يأتي:

1-

الاستصناع عقد غير لازم قبل العمل لكل من المتعاقدين، وهذا لا خلاف حوله عند الحنفية.

2-

وهو كذلك لازم بعد الفراغ من العمل قبل أن يراه المستصنع.

3-

اختلف الحنفية في الحكم إذا أحضر الصانع العين على الصفة المشروطة:

(أ) فظاهر الرواية عن الإمام والصاحبين: أن الصانع يسقط خياره، ويبقى للمستصنع الخيار.

(ب) وروي عن الإمام أن لكل واحد منهما الخيار.

(ج) وروي عن أبي يوسف أنه لا خيار لهما جميعًا.

والأول هو الأصح كما قال ابن عابدين.

ونلاحظ أن الأدلة تنبني أساسًا على القول بمنع الضرر، استدل بهذا من قال بالخيار، ومن قال بالإلزام.

ص: 785

4-

يبطل الاستصناع بوفاة أحد المتعاقدين.

هذا هو حكم الاستصناع كما جاء في كتب الحنفية، ولكن مجلة الأحكام العدلية جاءت برأي في الإلزام يخالف طبيعة العقد عند الحنفية حيث نصت المادة (392) على ما يأتي:

"إذا انعقد الاستصناع فليس لأحد العاقدين الرجوع عنه.

وإذا لم يكن المصنوع على الأوصاف المطلوبة المبينة كان المستصنع مخيرًا". اهـ.

ومن الخطأ ما قاله بعض الكاتبين من أن المجلة أخذت برأي أبي يوسف فقبل العمل، وكذلك بعده وقبل أن يراه المستصنع. لا خلاف أن العقد غير لازم عند أبي يوسف وغيره، والمجلة نفسها قالت في المادة (388) :"إذا قال رجل لواحد من أهل الصنائع: اصنع لي الشيء الفلاني بكذا قرشًا، وقبل الصانع ذلك، انعقد البيع استصناعًا ".

ومعنى هذا أن الاستصناع عقد لازم من بداية الإيجاب والقبول قبل العمل، وهذا لا يكون إلا إذا أصبح سلمًا، خلافًا للاستصناع عند الحنفية.

ولذلك يجب أن يضاف للمادة (392) بعد العبارة الأولى: إحضار الصانع المصنوع على الأوصاف المطلوبة المبينة، فيكون اللزوم حينئذٍ، ويكون هذا موافقًا لرواية عن أبي يوسف خلافًا لظاهر الرواية عنه، ولا يقال إنه موافق لرأي أبي يوسف.

ص: 786

النتائج والاقتراحات

أولًا: الاستصناع عند المالكية والشافعية والحنابلة جزء من السلم لا يصح إلا بشروطه، وهو عند الحنفية - عدا زفر – عقد مستقل له شروطه وأحكامه الخاصة.

ثانيًا: الشافعية والحنابلة نظروا إلى مادة المصنوع، فأجازوا ما كان من جنس واحد، واختلفوا فيما يجمع أجناسًا مقصودة تتميز بحيث يعلم العاقدان وزن كل من أجزائه، والراجح الجواز، ولم يجيزوا ما جمع أجناسًا مقصودة لا تتميز.

والمالكية نظروا إلى تعامل الناس فأجازوه، ولم ينظروا إلى مادة المصنوع، وإنما إلى المصنوع نفسه، سواء أكان من جنس واحد أم من أجناس مختلفة.

والحنفية أيضًا نظروا إلى ما فيه تعامل، فأجازوه استصناعًا، غير أنهم أجازوا ما ليس فيه تعامل سلمًا لا استصناعًا.

ثالثًا: إذا ذكر الأجل في الاستصناع أصبح سلمًا عند أبي حنيفة خلافًا للصاحبين، وهذا يعني أن رأي الإمام هنا كالسلم في الصناعات عند المالكية.

رابعًا: لعل الأولى النظر إلى تعامل الناس في الصناعات في مختلف العصور والأمصار، وبهذا نرجح ما ذهب إليه الحنفية والمالكية، والعرف – بضوابطه الشرعية- مصدر يحتج به في الأحكام.

خامسًا: لم نجد ما يجيز رأى الحنفية في جعل الاستصناع بيعًا على غير وجه السلم، وهو معدوم وليس عند البائع. كما أنهم أجمعوا على أنه عقد غير لازم قبل أن يراه المستصنع، وهذا لا يرفع حرجًا، ولا يحل مشكلة، وعلى الأخص في صناعات العصر التي قد تكون بآلاف الآلاف، و (بالمليارات) .

ولذلك رأينا مجلة الأحكام العدلية – وهي في الفقه الحنفي – تجعل الاستصناع عقدًا لازمًا منذ البداية، وهذا يخالف إجماع المذهب الحنفي، فضلًا عن باقى المذاهب.

ص: 787

ولهذا أقترح ما يأتي:

1-

إذا اعتبر عقد الاستصناع بيعًا ألحقناه بالسلم بجميع شروطه، ويصح في الصناعت التي يتعامل بها في أي عصر.

2-

ما لم يكن سلمًا – حيث يتعذر تطبيق شروطه، ويقع الناس في حرج ومشقة – يعتبر وعدًا لا بيعًا، حتى لا نقع في محظور شرعي. وفي هذه الحالة نطبق قرار مجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الخامسة بشأن الوفاء بالوعد في المرابحة للآمر بالشراء، ونجعل حكم الوفاء بالوعد في الاستصناع كالوعد في المرابحة.

وما يتصل بالوعد في القرار المذكور هو ما يأتي:

ثانيًا: الوعد (وهو الذي يصدر عن الآمر أو المأمور على وجه الانفراد) يكون ملزمًا للواعد ديانة إلا لعذر، وهو ملزم قضاء إذا كان معلقًا على سبب ودخل الموعود في كلفة نتيجة الوعد. ويتحدد أثر الإلزام في هذه الحالة إما بتنفيذ الوعد، وإما بالتعويض عن الضرر الواقع فعلًا بسبب عدم الوفاء بالوعد بلا عذر.

ثالثًا: المواعدة (وهي التي تصدر عن الطرفين) تجوز في بيع المرابحة بشرط الخيار للمتواعدين كليهما أو أحدهما، فإذا لم يكن هناك خيار فإنها لا تجوز لأن المواعدة الملزمة في بيع المرابحة تشبه البيع نفسه حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكًا للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الإنسان ما ليس عنده". انتهى المطلوب نقله.

ويعدل القرار بوضع كلمتي (المستصنع أو الصانع) بدلًا من (الآمر أو المأمور) في ثانيًا، وفي ثالثًا: يحذف (بيع المرابحة) ونضع الاستصناع في الموضعين.

وبعد: أظن أن هذا أكثر رفعًا للحرج، ودفعًا للمشقة، وأقرب للصواب.

والله عز وجل هو الأعلم.

ص: 788

المبحث الرابع

الاستصناع في معاملاتنا المعاصرة

من الواضح في عصرنا كثرة الصناعات، وتنوعها، وتطورها تطورًا مذهلًا، ولا حاجة للحديث عن هذا الموضوع في مثل هذه الدراسة، ولكن الذي نريد أن نشير إليه هو دور عقد الاستصناع في هذا المجال، وفي التمويل الإسلامي.

بعض المصنوعات تكون حاضرة، فتباع بيعًا حالًّا أو آجلًا أو بالتقسيط، ولكن في كثير من الحالات تتم الصناعة بناء على طلب من مستصنع، وقد يكون المستصنع فردًا، أو جماعة أو شركة، أو وزارة، أو دولة.

وقد يكون الاستصناع لأحذية كما كان في النعال من قبل، وقد يكون لأثاث، أو أجهزة منزلية، أو سيارات، أو طائرات أو أسلحة حربية وغيرها.

والاستصناع هنا – يجعل الصانع يزيد من مصنوعاته كلما زاد الطلب، وهو لذلك يلبي حاجة المستصنع.

كما أن الاستصناع أصبح وسيلة هامة من وسائل التمويل الإسلامي في عصرنا. وأضرب هنا بعض الأمثلة من الواقع العملي لمصرف قطر الإسلامي.

قامت إحدى الشركات ببناء مبنى كبير، واحتاجت إلى تمويل لتوريد وتنفيذ أعمال الألمنيوم والزجاج، فلجأت إلى المصرف، وقدمت له المواصفات والمخططات وجداول الكميات.

عرض على المصرف هذا الموضوع، وطلب مني دراسته من الناحية الشرعية، وهل يوجد في الفقه الإسلامي عقد يمكن المصرف من قبول طلب هذه الشركة؟

ص: 789

وبالبحث وجدنا أن ما طلبته الشركة ليس موجودًا بالأسواق، وبذلك استبعدنا عقد البيع.

وأخبرني المصرف بأن في قطر شركة صناعية يمكن أن تقوم بهذه الأعمال، ولكن تحتاج إلى استيراد بعض الخامات قبل البدء في التصنيع. لو أن الخامات كانت موجودة لأمكن شراؤها من هذه الشركة أو من غيرها، ثم إبرام عقد إجارة مع الشركة، لكن الخامات غير موجودة.

لهذا اقترحت على المصرف إبرام عقد استصناع مع الشركة الصناعية، ويذكر فيه، أو يلحق به، المواصفات والمخططات وجداول الكميات.

ويدفع المصرف جزءًا من الثمن عند التعاقد أو أثناء العمل، والباقي عند إتمام العمل.

وفي الوقت نفسه يبرم مع شركة البناء عقد استصناع أيضًا، ولكن يكون المصرف هنا هو الصانع وليس المستصنع، وبعد إتمام المشروع يبيع المصرف بيعًا بالتقسيط.

ويلاحظ هنا أن شركة البناء لا علاقة بينها وبين الشركة الصناعية، والأخيرة ليست ملزمة بأي شيء تجاهها، وإنما علاقتها بالمصرف، ولذلك إذا لم تف الشركة الصناعية بما التزمت به فعلى المصرف أن يلجأ لشركة أخرى حتى يفي بالتزاماته تجاه شركة البناء.

وأذكر مثلًا آخر:

يملك أحد القطريين قطعة كبيرة من الأرض، أراد أن يبني عليها مجموعة من البيوت (الفلل) ، وطلب من المصرف تمويل المشروع، عرض المصرف أن يبيع له ما يحتاج إليه من مواد البناء بيعًا آجلًا، فقال: إن هذا يحل جزءًا من المشكلة، فكيف يحل باقي المشكلة وتكلفتها ليست قليلة؟

عرفت من المصرف أنهما لا يريدان أي نوع من الشركة، فالشركة المنتهية بالتمليك مثلًا، فقلت: يدخل المصرف مع الطرف الآخر في عقد استصناع، ويكون الاتفاق معه على الثمن مقسطًا، وتبدأ الأقساط بعد الانتهاء من البناء، وتسليمه كاملًا موافقًا لرخصة البناء، والتصاميم والمخططات والرسومات، والمواصفات الهندسية، وجداول الكميات، والشروط العامة والخاصة للمشروع.

ص: 790

وحيث إن المصرف لا يملك شركة للبناء، فعليه إذن الاتصال بشركات البناء، واختيار أفضلها لتولي العمل المطلوب. ومعنى هذا أن المصرف عليه أن يحضر مواد البناء، ويدخل مع إحدى الشركات في عقد إجارة، أو أن تقوم الشركة بعملية البناء وتحمل جميع النفقات على أساس عقد الاستصناع، ويكون المصرف هنا هو المستصنع، مع أنه الصانع بالنسبة لصاحب الأرض.

ويستطيع المصرف دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، وعلى الأخص أنه سيعجل بدفع الثمن للصانع، وفي العقد الآخر البيع بالتقسيط.

رأى المصرف أن هذا العقد يحل مشكلة طالب البناء كاملة، ويمكن أن يحقق ربحًا معقولًا، ولكن توجد مشكلة تمنع المصرف من قبول عقد الاستصناع في البناء بصفة عامة، وهي ضمان المبنى، فبعد تسليم المبنى يظل الباني ضامنًا لمدة طويلة لا تقل عن عشر سنوات، وفي بعض البلاد تزيد كثيرًا على عشر سنوات. والمصرف لا يستطيع تحمل مثل لهذا الضمان.

فاقترحت عليهم أن تقوم الشركة – وهي الصانع – بضمان المبنى للمصرف أو لمن يحدده المصرف، ويشترط في العقد الآخر قبول صاحب الأرض ضمان المبنى من المصرف، أو من أي طرف آخر يحدده المصرف ويقبل إعطاء هذا الضمان.

وعندئذ قبل المصرف الدخول في عقدي الاستصناع، وبعد الانتهاء من البناء تقوم الشركة بضمان المبنى للطرف الذي حدده المصرف، ويخلى هذا الطرف المصرف من تحمل أية مسؤولية.

وبالفعل تم تنفيذ كل من العقدين، وأصبح المصرف مستعدًّا للدخول في مثل هذه العمليات.

وأذكر هنا أن المصرف بعد أن تعاقد مع صاحب الأرض قام بمناقصة لشركات البناء، فجاءت العطاءات متفاوتة لدرجة كبيرة: فأحدهما طلب مبلغًا يقترب من المبلغ الذي سيأخذه المصرف من طالب البناء، مع أن طريقة الدفع تختلف اختلافًا بينًا، فالمصرف يأخذ الثمن مقسطًا على ثمانية أعوام، والشركة تأخذ الثمن من المصرف نقدًا دون تأجيل.

وأنسب عطاء كان أقل من هذا بنسبة كبيرة تجعل المصرف يربح 50 % تقريبًا.

وأحب أن أختم هذا المبحث بعرض صورة لنموذج عقد من عقود الاستصناع في البناء.

الدكتور على السالوس.

ص: 791

بسم الله الرحمن الرحيم

عقد استصناع

في يوم الموافق / / قد تحرر هذا العقد.

بين كل من:

1-

مصرف قطر الإسلامي ومركزه الرئيسي بشارع حمد بالدوحة قطر ويمثله في التوقيع على هذا العقد السيد /

طرف أول

2-

ووعنوانه:

طرف ثاني

أقر الطرفان بصفتهما وأهليتهما الكاملة للتعاقد واتفقا على ما يلي:

تمهيد

تقدم الطرف الثاني إلى الطرف الأول بطلب يعلن فيه عن رغبته في أن يقوم الأخير بتنفيذ مشروع بناء لحسابه على قطعة الأرض التي يملكها على مساحة متر مربع لموجب سند الملكية رقم كما قدم الطرف الثاني إلى الطرف الأول رخصة البناء والتصاميم والمخططات والرسومات والمواصفات الهندسية وجداول الكميات والشروط العامة والخاصة للمشروع والتي تم إعدادها من قبل المكتب الهندسي.

وقد وافق الطرف الأول على طلب الطرف الثاني وتحرر بين الطرفين هذا العقد وفقًا للبنود التالية:

ص: 792

البند الأول

يعتبر التمهيد السابق والطلب المقدم من الطرف الثاني المؤرخ وكذلك رخصة البناء والتصاميم والمخططات والرسومات والمواصفات الهندسية وجداول الكميات المرافقة للطلب المذكور والمعتمدة من الطرف الثاني جزءًا لا يتجزأ من هذا العقد ومتممًا له.

البند الثاني

اتفق الطرفان على أن يقوم الطرف الأول بكافة الأعمال اللازمة لإنشاء المشروع وتسليمه صالحًا للاستعمال وأن يلتزم بتنفيذ جميع الأعمال وفقًا للتصاميم والمخططات والرسومات والمواصفات الهندسية وجداول الكميات المقدمة من الطرف الثاني ووفقًا للشروط العامة وكذلك الشروط الخاصة المبينة في هذا العقد.

البند الثالث

قيمة هذا العقد مبلغ ريال ويلتزم الطرف الثاني بدفعة للطرف الأول على () قسطًا شهريًا قيمة كل قسط

ريال يستحق القسط الأول بعد سنة من تاريخ هذا العقد.

ويخضع سريان هذا العقد لإجراء الرهن لصالح المصرف على العقار رقم

والذي يمثل أرض المشروع وما عليها من مشتملات وبناء حيث أن الطرف الثاني لم يقدم ضمانًا آخر غير المشروع نفسه.

البند الرابع

يلتزم الطرف الأول بتنفيذ جميع الأعمال اللازمة لتشييد المشروع خلال مدة أقصاها

شهرًا تبدأ من تاريخ تسليم الموقع ويتعهد بتسليم المشروع صالحًا للاستعمال في نهاية المدة المحددة.

ص: 793

البند الخامس

قام الطرف الثاني بتعيين المكتب الاستشاري

ليكون وكيلًا عنه في الإشراف على تنفيذ مراحل المشروع المختلفة وتسلم المشروع بعد إتمام التنفيذ بالكامل ووافق الطرف الأول على ذلك المكتب. ويقوم هذا الوكيل بالإشراف على جميع أعمال المشروع ومراحل التنفيذ المختلفة واعتماد جميع المواد المستخدمة في المشروع والتأكد من أن الأعمال المنجزة نفذت طبقًا للمواصفات المطلوبة والشروط المتفق عليها. وأن يقوم كذلك بإعداد شهادات الإنجاز وأن توقيعه عليها كوكيل عن الطرف الثاني بمثابة شهادة من الطرف الثاني بتسلم الأعمال المنجزة وقبوله لها وإقرار منه بأنها نفذت وفقًا للمواصفات المطلوبة والشروط المتفق عليها.

البند السادس

يعتبر المشروع متسلمًا من قبل الطرف الثاني بمجرد إصدار شهادة إتمام البناء الابتدائية من قبل المكتب الاستشاري المعتمد حيث تعتبر شهادة إتمام البناء الابتدائية الصادرة عن المكتب الاستشاري بمثابة تسليم ابتدائي من وكيل الطرف الثاني.

البند السابع

يحق للطرف الأول التعاقد مع إحدى شركات المقاولات لتنفيذ المشروع حسب الشروط والمواصفات المتفق عليها مع الطرف الثاني. كما يحق للطرف الأول في حالة مخالفة شركة المقاولات للشروط المتفق عليها وعدم الوصول إلى اتفاق لحل الخلاف مما يؤثر على سير العمل، استبدالها والتعاقد مع شركة أو شركات أخرى لإكمال تنفيذ المشروع.

البند الثامن

يقبل الطرف الثاني قبولًا غير قابل للنقض أو الإلغاء ضمان تنفيذ جميع الأعمال بالمشروع من الطرف الأول أو من الجهة التي يتعاقد معها الطرف الأول لتنفيذ المشروع وتقبل تقديم هذا الضمان وحيث إن شركة قد ضمنت المشروع للطرف الأول أو لأي طرف آخر يقبل هذا الضمان فإن الطرف الأول يجعل هذا الضمان لصالح الطرف الثاني وبناء على هذا فإن الطرف الثاني يتنازل عن حقه في الرجوع على الطرف الأول في أية مطالبة أو ادعاء قد ينشأ مستقبلًا بعد تسليم المشروع نتيجة سوء تنفيذ شركة المقاولات أو لأي سبب آخر، ويلتزم الطرف الثاني بناء على ذلك بالرجوع على شركة المقاولات في أية مطالبة أو ادعاء.

ص: 794

البند التاسع

في حالة تأخر الطرف الأول أو من يتعاقد معه عن إتمام المشروع في الموعد المحدد فإنه يتحمل جميع الأضرار التي تنتج عن هذا التأخير ما لم يكن هناك أسباب قهرية لم يتسبب فيها الطرف الأول وتكون خارجة عن إرادته.

البند العاشر

على الطرف الأول أو من يتعاقد لتنفيذ المشروع اعتماد جميع المواد اللازمة للمشروع قبل استعمالها من الطرف الثاني أو وكيله.

البند الحادي عشر

يلتزم الطرف الأول أو من يتعاقد معه بتأمين وتوفير جميع ما يلزم المشروع من مواد ومعدات بشكل يكفل إنهاء المشروع في موعده المحدد.

البند الثاني عشر

على الطرف الأول أو من يتعاقد معه تقديم جدول زمني تفصيلي لسير الأعمال ومراحل تقدمها خلال فترة التنفيذ المحددة والحصول على موافقة الطرف الثاني أو وكيله على ذلك قبل مباشرة العمل في الموقع.

البند الثالث عشر

في حالة وجود أية أعمال إضافية أو تعديلات يقترح الطرف الثاني أو المكتب الاستشاري أو كلاهما معًا ضرورة إدخالها مما قد يؤثر على شروط وقيمة هذا العقد، فإن على الطرف الثاني مراجعة الطرف الأول والاتفاق على تعديل العقد أو أخذ موافقته على التعديل المقترح قبل تنفيذ أية أعمال خلاف الأعمال المعتمدة سواء كان بالزيادة أو النقصان، كما أن عليه تزويد الطرف الأول بموافقة المكتب الاستشاري على التعديلات المطلوبة وتعديل المخططات والتصاميم والمواصفات تبعًا لذلك.

ص: 795

البند الرابع عشر

في حالة توقيع هذا العقد من قبل أكثر من شخص واحد بصفة طرف ثان، يكون جميع الموقعين مسؤولين وضامنين متضامنين، منفردين أو مجتمعين، تجاه الطرف الأول عن تسديد المبالغ المطلوبة له بموجب هذا العقد.

البند الخامس عشر

ما لم ينص على خلاف ذلك في العقد نفسه فإن الأحكام والشروط الواردة في الشروط العامة للتعاقد والصادرة من وزارة الأشغال العامة بدولة قطر تسود على أحكام أي مستند آخر يمثل جزءًا من العقد.

البند السادس عشر

(أ) يتم الفصل في النزاع على أساس الشريعة الإسلامية.

(ب) أي خلاف ناشئ عن تطبيق أحكام هذا العقد و/ أو متعلق به، يعرض على لجنة تحكيم تشكل من ثلاثة أعضاء على الوجه التالي:

1-

حكم يختاره الفريق الأول.

2-

حكم يختاره الفريق الثاني.

3-

حكم يختاره المحكمان الأولان.

ويكون حكمهم، سواء صدر بالإجماع أم بالأغلبية، ملزمًا للطرفين، وغير قابل للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن الجائزة قانونًا وبشرط إقرار هيئة الرقابة الشرعية للمصرف بعدم تعارض الحكم الصادر مع أحكام الشريعة الإسلامية.

وفي حالة عدم توافر الأغلبية، يحال الخلاف موضوع التحكيم إلى المحاكم القطرية.

وتكون محاكم دولة قطر هي المختصة دون سواها، بالفصل في أية طلبات و/ أو قضايا تنشأ بمقتضى التحكيم و/ أو ناشئة و/ أو متعلقة به و/ أو بهذا العقد.

البند السابع عشر

تسري أحكام القانون القطري، والقوانين والأنظمة المرعية على هذا العقد فيما عدا ما نص عليه من اتفاق بين الطرفين وبما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.

البند الثامن عشر

حرر هذا العقد من نسختين أصليتين موقعتين من قبل الطرفين بإرادة حرة خالية من العيوب الشرعية والقانونية بتاريخ / / 14هـ الموافق / / 19م ويسقط الطرف الثاني حقه في الادعاء بكذب الإقرار و/ أو أي دفع شكلي و/ أو موضوعي، ضد ما جاء في هذا العقد.

الطرف الثاني الطرف الأول

مصرف قطر الإسلامي

ص: 796