الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة
معالي الدكتور محمد معروف الدواليبي
حول
الغزو الفكري
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي في منظمة المؤتمر الإسلامي، سيادة الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة، حفظه الله:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
فإنني حين استجبت لدعوتكم الكريمة لحضور هذه الدورة السابعة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي في جدة، لم أكن أنوي أن أقدم كلمة لي في أحد موضوعات هذه الدورة.. غير أنني في الأسبوع الماضي، وبتاريخ 3/ 5/ 1992، حين كنت أعد الحجز للقدوم إليكم، حملت إلينا الأخبار العالمية خبر ندوة " أمريكا والإسلام وتحديات التسعينات" التي قد نظمها قبل أيام "معهد دراسات الشرق الأوسط الأمريكي في واشنطن "، وما قد جاء فيها من توصيات أعدتها لهذه الندوة "لجنة العمل الأمريكية الإسرائيلية المعروفة ـ إيباك ـ"، والتي اعتبرت في هذا الوقت تصعيدًا جديدًا مقصودًا لتشويه حقائق الإسلام، والزعم بأنه يهدد الحضارة الغربية!! وأن الإسلام قد أصبح بعد سقوط الشيوعية هو العدو الأول، والتحدي الوحيد للغرب!! كما قد نشرته جريدة الشرق الأوسط العربية الدولية بتاريخ 3/ 5/ 1992م على الصفحة (16) منها.
ويؤسفنا جدًّا أن هذه التوصيات الإسرائيلية قد جاءت اليوم ونحن في مرحلة يسعى فيها العالم إلى إقامة نظام عالمي جديد يدعو إلى التعايش فيه بين جميع الأمم والشعوب في أجواء تسود فيها الدعوة إلى التعاون والعمل المشترك لخير المجمع الإنساني كله، بعيدًا عن الأحقاد والعصبيات والصراعات العقائدية والإيديولوجية.
كما يؤسفنا أن هذه المخاوف قد عبرت عنها اليوم عدة مراجع وشخصيات عالمية سياسية في الغرب من قبل ومن بعد.. ومنها "مجلة الشؤون الدولية" بتاريخ يناير (كانون الثاني) 1990م، التي تصدر من كمبردج في إنكلترا، وهي من أهم المجلات الأكاديمية المتخصصة. وكذلك فعل الرئيس الأمريكي السابق ريتشارد نيكسون في كتابه "الفرصة السانحة"، وخاصة ما قد جاء فيه من أن الكثيرين من الأمريكيين قد أصبحوا ينظرون إلى المسلمين كأعداء وإنهم شعوب غير متحضرة، ودمويون، وغير منطقيين!! وكذلك ما قد جاء فيه من الدعوة إلى مواجهة "الأصولية الإسلامية" المصممة على العمل لتطبيق الشريعة الإسلامية!! وعلى أن الإسلام دين ودولة.. مع شكواه أخيرًا من أن بعض زعماء المسلمين يسيطرون بالمصادفة على ثلثي البترول في العالم. ويضاف إلى ذلك كله أيضًا ما قد نشرته أخيرًا مجلة "نيوزويك" الأمريكية في عدد 2 يوليو (تموز) 1990م من حديث لوزير خارجية إيطاليا "جياني ديمكنس"، وكان حينذاك يشغل رئاسة المجلس الأوروبي للمجموعة الأوروبية، حيث قال: بلزوم "بقاء الحلف الأطلسي" بعد انهيار الشيوعية، وذلك:"لأن المواجهة بعد الشيوعية يمكن أن تكون مع العالم الإسلامي".
ولذلك كله، فقد رأيت أن أسارع إلى لفت نظر السادة أعضاء "مجلس الفقه الإسلامي" في جدة إلى تلك التوصيات الإسرائيلية الخطيرة الصادرة من ندوة "معهد دراسات الشرق الأوسط الأمريكي في واشنطن ". وكذلك أيضًا إلى تلك التشويهات لحقائق الإسلام الإنسانية من قبل شخصيات سياسية كنا نجلهم أن يقعوا فيها، راجيًا من مجمع الفقه الإسلامي الكريم أن يتخذ ما يراه مناسبًا وحكيمًا تجاه تلك التشويهات والتوصيات، لا بالرد الصحفي والإعلامي المثير، وإنما فيما أرى بدعوة "معهد الدراسات" المذكور، وكذلك تلك الشخصيات الكبرى إلى حوار علني ودي لديهم ضمن أدب الحوار القرآني الإسلامي من أجل السلام العالمي الذي أمر به الله سبحانه وتعالى حيث قال:{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، وحيث قال:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} وذلك من أجل التعارف الذي أمر به الله فيما بين الشعوب. ومن أجل التعريف بحقائق الإسلام السلمية، ورسالته العالمية الإنسانية: العقلانية الخطاب، والعلمية في الحوار، والداعية لجميع الأمم والشعوب قبل أربعة عشر قرنًا إلى نظام عالمي جديد إنساني، يقوم على التعاون والتكافل في شؤون الحياة الكريمة فيما بين جميع بني الإنسان على اختلاف الأعراق، والأجناس والأوطان، والأديان، وعلى أساس:"إن الخلق كلهم عيال الله، وإن أحبهم إليه أنفعهم لعياله" كما أعلنه رسول الإسلام عليه الصلاة والسلام، ما لم يقاتلونا في الدين أو يخرجونا من ديارنا.. ويسرنا أن نعلن أن كل ما عدا ذلك هو جهل بحقائق الإسلام، بل افتئات عليه، وداع إلى الإفساد في الأرض، وإننا لدعوة "معهد دراسات الشرق الأوسط في واشنطن" للحوار لمنتظرون، إن كانوا لخير الأسرة البشرية عاملين وفي ذلك فليتنافس المتنافسون..
الدكتور محمد معروف الدواليبي