الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوفاء بما يتعلق ببيع الوفاء
شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بيرم الثاني
(المتوفى 1247هـ)
تقديم وتحقيق
محمد الحبيب ابن الخوجة
الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بجدة
[تقديم]
بسم الله الرحمن الرحيم
بحمدك اللهم أستوهب العون والتوفيق والرضى، مستهديًا بهديك متدبرًا لكتابك، منصرفًا إلى تقرير أحكامك على الوجه الذي جنح إليه المجتهدون، وسار عليه الفقهاء المقدمون من أهل الملة المصطفاة، الأمة الخيرة التي أخرجْتها للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، معتزة بدينك، متمسكة بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها.
وأصلي وأسلم على خير خلقك عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وصحبه مبلغ الشريعة العظمى ومصدرها الذي نوه بمقامه الرفيع ومنزلته العالية ودرجته السامية بين الأنبياء والمرسلين ربه عز وجل، حيث بعثه للناس كافة بل للعالمين، وجعل طاعته من طاعته في قوله:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (1) .
ولما أمرنا به من التزام منهجه واتباع سبيله في قوله سبحانه: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (2) .
فجازاه الله عنا أحسن ما جازى به نبيًّا عن أمته وحشرنا جل جلاله يوم القيامة في حزبه بفضله وتحقيق شفاعته.
(1) سورة النساء: الآية 80.
(2)
سورة الحشر: الآية 7.
(3)
سورة النساء: الآية 59.
وبعد، فقد جرى الحديث بين الدارسين والباحثين حول بيع الوفاء في جلسة من جلسات الندوة الفقهية الثانية لبيت التمويل بالكويت 1410هـ. وكان الكلام في ذلك عند الحديث عن خيار النقد وتطبيقاته في معاملات المصارف الإسلامية، ورأيت من قبل من كتبوا في هذا الموضوع مختلفة آراؤهم متباينة وجهاتهم (1) وخاصة في الأخذ به وتطبيقه في هذا العصر (2) . كما رأيت طائفة من القوانين المدنية الوضعية قد فصلت القول فيه مقرَّة له ابتداء ثم ألغته كما ذكر ذلك السنهوري في الوسيط (3) ومجلة العقود والالتزامات التونسية (4) فذكرت بكل ذلك عمل أحد أعلام الفقه الحنفي بتونس من رجال القرن الثالث عشر. وحين تقرر بحث هذا الموضوع بمحاوره الثلاثة: - تعريفه، المقارنة بين بيع الوفاء وعقد الرهن، الصور التي يمكن للاقتصاد الإسلامي أن ينتفع بها من بيع الوفاء - في المؤتمر السابع لمجمع الفقه الإسلامي بجدة، عزمت أن أضع بين أيدي الزملاء وثيقة في هذا الموضوع تتمثل في تقديم وتحقيق الرسالة الوفائية لشيخ الإسلام محمد بيرم الثاني الموسومة بالوفاء ببيع الوفاء. وقد كان كتبها رحمه الله لبيان موضوع بيع الوفاء، وذكر آراء الأئمة فيه، وتفصيل ما يترتب على القول به عند الحنفية من التزام بأحكامه وأخذ بها.
وإني أرجو أن أكون بهذا العمل قد وفقت لعرض صورة متكاملة من آراء الأئمة في هذا النوع من المعاملات الذي اشتهر من القرن الخامس ببخارى وسمرقند، وفشا العمل به لحاجة الناس إليه في كثير من البلاد بأطراف العالم الإسلامي. وهكذا ضبطت أحكامه وصدرت الفتاوى في نوازله عن شيوخ من أعلام الفقه المتقدمين.
ولعل في هذا الجهد المتواضع ما يكون به بعض الإسهام في خدمة الفقه المعاصر فينفع الله به طلاب المعرفة من المشتغلين بالدراسات الإسلامية وعلوم الشريعة الغراء. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.
محمد الحبيب ابن الخوج
(1) أصحاب المذاهب الفقهية في القديم والحديث، منهم من اتفق على منعه كالمالكية والحنابلة والظاهرية، ومنهم من أجازه كمتأخري الحنفية والشافعية والإمامية.
(2)
مثل محمد يوسف موسى وعلي الخفيف.
(3)
السنهوري، الوسيط: 4/142 - 170.
(4)
الكتاب الثاني في العقود وشبهها: الباب الثالث، القسم الأول، بيع الثنيا: 127 - 130.
البلاد التونسية
من بداية القرن الثاني عشر
إلى منتصف القرن الثالث عشر
انقرضت الدولة المرادية بتونس بفتك إبراهيم الشريف باي بآخر رجالها ومساعدة الجند له على ذلك 1113. ولم يكن مصير الوالي الجديد، رغم تقلده منصب الباشوية الذي وافاه به وكيله محمد بن سليمان 1115 من الدولة العثمانية، بأحسن حالًا من مصير مراد باي الثالث بن علي بن حموده باشا. فقد أُسِرَ وقُتِلَ، واجتمع الناس من بعده على كاهيته حسين بن علي تركي الذي سبق له أن تقلد في عهد المراديين الولايات الجليلة، وتسنم الخطط الرفيعة مثل خطة خزندار، وكاهية الخلافة، وولاية الأعراض والجريد ونحوها، واختاروه أميرًا عليهم، وتمت له البيعة في ربيع الأول 1117.
وهكذا تكونت الدولة الحسينية "بالإيالة" الولاية التونسية مرتبطة بالدولة العثمانية ومنفصلة عنها، تكتسب قوتها ومنعتها من مجادة الأمير الحاكم وألمعيته، ومن حصافة رجال "المخزن" الدولة وحذقهم، ومن جلالة أهل العلم ومهابتهم، ومن تعالق الرعية بالعرش والتفافها حوله. وهذه المعاني، وإن تحقق وجودها وطمع الخاص والعام في استقرارها واطرادها، كانت تلمع وتخبو وتقوى وتضعف بحسب الظروف التي مرت بها البلاد التونسية والأحوال التي خضعت لها في هذه الأثناء.
فمن ذلك الهجومات العدائية من الخارج من خصوم الأمير حسين بن علي والمناوئين له مثل داي الجزائر، وقد مكنه الله من الظفر، ونصره عليهم في لقاءاته المتكررة بهم ومعاركه معهم (1) .
ومنها الفتن الداخلية التي أشعل أوارها وألهب نارها الداي محمد خوجه الأصغر (2) والدعي سليمان (3) ودعي المراديين محمد بن مصطفى ابن فطيمة (4) ثم ما كان من ثورة الأعراب (5) ومن خروج الباشا علي بن محمد تركي ربيب الأمير حسين وصهره وابن أخيه الذي كان حظيًّا عنده وأثيرًا لديه (6) .
(1) السراج، الحلل السندسية: 3/23 - 33.
(2)
السراج، الحلل السندسية: 3/60 - 63.
(3)
السراج، الحلل السندسية: 3/232 و 233.
(4)
السراج، الحلل السندسية: 3/257 - 271.
(5)
السراج، الحلل السندسية: 3/272 - 273.
(6)
مخلوف، شجرة النور: 2/163.
ذلك أن هذا الشاب الطموح قد ولَّاه عمه حين بلغ عمره السابعة عشرة أمير أمراء الأمحال 1118، وهذا في العرف لدى البايات تقليد لا يسند إلا لولي العهد. ولما ولد الأمير حسين بن علي من صلبه ابنه محمد الرشيد، وشَبَّ وَبَلَغَ الخامسة عشر من عمره أحله محل ابن عمه، صارفًا علي بن محمد عن ولاية العهد، مسندًا إليه لقب الباشا استرضاء له، لكن علي باشا أنف من تصرف عمه ورغب عن البقاء معه، وهرب وابنه يونس إلى جبل وسلان 1140. وحين أحس بعمه يتابعه لحق بالجزائر مستنجدًا، ثم عاد للقاء خصمه في وقعة شديدة كان فيها انتصاره على عمه الأمير حسين بن علي 1147. وتنقل إثر ذلك هذا الأخير في أطراف البلاد مصحوبًا ببنيه لاجئًا أولًا إلى القيروان، وباسطًا نفوذه بعد ذلك على غالب بلاد الساحل، ودامت الحرب سجالًا بين الباشية أتباع علي باشا والحسينية أنصار حسين بن علي حتى استشهد هذا الأخير في صفر 1153، وَفَرَّ بنوه إلى المغرب، فاستبد بالحكم علي باشا دونهم وامتدت إمارته واحدًا وعشرين عامًا من سنة 1148 تاريخ بيعته إلى حين قتله سنة 1169. وهو في تلك المدة لم يهنأ بالًَا لتفرق كلمة أبنائه وخروج يونس عنه وقيامه عليه ثم فراره إلى قسنطينة، ولقتل ابنه محمد أخاه سليمان 1168.
تلك هي الظروف السياسية التي عاشتها تونس عند تأسيس الدولة الحسينية وقيامها بها. وإنما عرفت الاستقرار والأمن بدخول صقر الدولة الحسينية محمد الرشيد ابن حسين بن علي إليها راجعًا من الجزائر يصحبه أخوه علي بن حسين. ومضت أيامه سعيدة حافلة بالأمجاد إلى أن وافاه المنون 1172.
وبويع أخوه الأمير الباشا علي من بعده وسار سيرة أخيه وأبيه من قبل، لولا أن ثار عليه إسماعيل مستعديًا شيعته وشيعة أبيه يونس أهل جمال ووسلات على الباشا. وبالقضاء على هذه الفتنة وتتبع أصحابها وتفريقهم على القرى وإخلاء جبل وسلات منهم استتب الأمن واستقرت الأوضاع.
وفي المحرم 1191 قدم الأمير علي بن الحسين ابنه حموده للولاية وجاءته الخلعة والتقليد من الدولة العلية، وتمت بيعته عند وفاة والده 1196. فكان من أصلح الأمراء وأكملهم وأحسنهم سيرة وسلوكًا. وقد كانت له حروب مع الجزائريين مثل غيرهم ممن سبقهم من الملوك. وانهزم جيشه عند اللقاء لكنه ما لبث بحسن سياسته وحكمة تدبير رجال دولته أن أعاد الكرة على خصومه وكانت له الدائرة عليهم.
وبقدر ما طالت مدة ولاية الأمير حموده إذ كانت وفاته مفتتح شوال 1229 قصرت ولاية أخيه عثمان من بعده الذي خلع وقتل ليلة عاشوراء 1230.
ثم تقدم للإمارة من بعده ابن عمه محمود باشا ابن محمد الرشيد ودامت ولايته تسع سنين.
وتسلم مقاليد الدولة عند وفاته ابنه حسين باشا ابن محمود الذي نجمت في عهده أحداث منها: إمداده الدولة العليا بالعساكر والميرة لتقويتها على مقاتلة العدو المحارب لها، وعقده الصلح مع حكومة سردينيا بعد وحشة طالت بين البلدين، وفي المحرم 1246 استولت فرنسا على الجزائر ثم على باقي الثغور شيئًا فشيئًا، ونزل في كنف الأمير حسين بن محمود عدد كبير من اللاجئين والمهاجرين الجزائريين، وحملته الظروف على ترتيب الجند النظامي وإحكام أسسه وضبط قواعده وقوانينه (1) .
وما من شك في أن ألوان التعامل التي كانت بين الأمراء والرعية من جهة، والتصرفات والمواقف المتباينة التي سجلها التاريخ لهم هي التي ظهرت بارزة واصطبغت بها حياة البلاد والعباد في هذه الفترة من الزمن.
فإبراهيم الشريف باي، وإن جاء لإنقاذ تونس من مكر "مراد أبو باله" وظلمه، سار أول الأمر سيرة حسنة، ولما اشتد حرصه على ما في أيدي الناس، وتملكه الغرور، وسلك سبيل المستبدين، ظلم الرعية وأعمل السيف، وذبح النساء والأطفال، واستصفى الأموال، وكاد يستأصل العرب جميعهم لشدة بغضه لهم، فالدولة عنده والحكم لديه ليسا رعاية للشعب وتفقدا لأحواله، ونشرًا للأمن والعدل بين الناس، ولكنهما الاستبداد بالأمر والاختصاص بالنفوذ، وتسخير كل ما حوله له ولأفراد أسرته. وطبيعي أن تكون عاقبته الخزي والهوان والموت.
وهكذا التف كل من في البلاد حول الأمير الجديد حسين بن علي الذي اختلفت الحياة في عهده عنها في عهد سلفه. فكانت على حد قول بعضهم خصبًا بعد الجدب، وأمنًا بعد الرعب، وسلمًا بعد الحرب، وبقدر تمكنه من السلطة وتحكمه في أمر الدولة كان إقبال الخاصة والعامة على العمل والجد، فكثرت العمارة وانتشرت الزراعة وتقدمت الصناعة، والتزم الناس في معاملاتهم وتقاضيهم أحكام الشريعة، يرعونها حق رعايتها ويقفون عندها التزامًا وتطبيقًا، وأكبر الشعب التونسي تصرفات حسين بن علي. وبهرته أعماله الجليلة ومناقبه الشريفة، مثل إحيائه مدينة القيروان ومساجدها وزواياها، وبنائه عددًا كبيرًا من المدارس بصفاقس ونفطة والقيروان، وإنشائه بتونس مدرسة النخلة والحسينية الصغرى والجامع الجديد، وفسقية الملاسين.
(1) محمد السنوسي، المسامرات: 1/7 - 48.
ولما صار الأمر إلى ابن أخيه الباشا علي بن محمد امتهن الخاصة وأدرك العامة العنت وهالتهم تصرفات الأمير الجديد ومظالمه في تتبعه لشيعة عمه ومواليه، ولكنه مع ذلك حصن البلاد، وجهز الثغور، وأجرى السقايات العظيمة النفع، وهدم الحانات، وشيد المباني الفاخرة بباردو. وقدر لأهل العلم والأدب منازلهم وراعى مقامتهم، وبنى للطلاب مدارس عديدة كالباشية والسليمانية ومدرسة بئر الحجار، ومدرسة حوانيت عاشور، وشيد تربة لهم بالقشاشين، ومباني كثيرة أحاط بها الجامع الأعظم، ولم يفسد عليه خطته الإصلاحية ويقوض آماله غير تنازع أبنائه على الحكم وتقاتلهم، وثورة ابنه الأكبر يونس عليه الذي برز لمحاربته ورمى بكور مدافعه الحاضرة وأرباضها والدور والمعالم ناشرًا الرعب والخراب والموت.
ولما أحس أهل الحل والعقد بتعاقب الأحداث وتفاقم الأخطار كتبوا إلى ابني أميرهم حسين بن علي مستنجدين بهم لتخليص بلدهم مما لحقه وحل به.
وعاد الأمر بعد ذلك إلى نصابه، وقرت العيون برجوع محمد الرشيد وأخيه علي ابني حسين إلى السلطة والحكم، وسرت العافية والطمأنينة في كل الربوع، وابتهجت الحياة للرعية من جديد، وولت المخاوف والأنكاد تعوضها مواسم بواسم وأيام مشرقة زاهية، وهكذا انتعشت المملكة بحسن سياسة محمد الرشيد، وتجاوب معه أهل البلاد، والتفوا حوله وحول أخيه من بعده ينشدون مفاخرهم، ويترنمون بكريم خصالهم وعظيم مناقبهم، لما وجدوه لديهم من تودد إليهم وعناية بهم وحماية لهم. وقد سجل الشعراء والكتاب كل ذلك في قصائدهم البديعة وتواريخهم الموثقة. فذكروا من مآثر الباشا علي بن الحسين الأثيرة مدرسته الشهيرة، وتربته وتكيتيه المشهورتين للفقراء والمساكين، وبناءه المحكمة الشرعية، وإجراءه المياه العذبة لمدينة تونس، وبناءه لسور القيروان، وإقامته لمكتبة مسجد دار الباشا، وتجديده الجامع الأعظم بالمنستير، وبناءه الجامع الحنفي وكذلك سور الربض الجوفي بها، ومقام الإمام المازري وإقامته مدرسة به، ومقام أبي علي يونس بن السماط، وبدأ يستقل في تصرفاته السياسية عن الدولة العثمانية فأبطل تولية القضاء من طرفها وتولى تنصيب قاض حنفي من الحاضرة، وقاض مالكي، كما صرف اهتمامه للأحوال الاجتماعية فعطل الخمر وهدم الحانات، وأجرى على الفقراء والمحتاجين الصدقات.
وفي عهد الأمير حموده باشا الحسيني ظهرت بجانب الحروب والأزمات بتونس مجاعة كبرى أرسل الأمير بسببها العلامة الشيخ إبراهيم الرياحي إلى سلطان المملكة المغربية بفاس مولاي سليمان يستمد الميرة. وهو أول من جعل ثبوت الأهلة من اختصاص القاضي المالكي، وقد اتخذ الأساطيل لمواجهة العدو في غاية المنعة، ومن مآثره الأبراج الضخمة التي ابتناها، والثكنات الكثيرة التي اتخذها داخل العاصمة وخارجها، والأسواق والقصور.
وتميزت أيام أخيه عثمان خصبًا ورخاء وإن لم تطل.
وسار محمود باشا ابن محمد الرشيد على سنن أبيه وعمه، فدانت له القلوب بالطاعة وأمنت في أيامه السبل لولا أن هدد البلاد طاعون دام عامين، حلت بإثره المجاعة. فأنفق الأمير أموالًا طائلة لمواجهة الوضع، وجلب ما يكفي من الأقوات لسد خلة المنكوبين والمحتاجين. ومن مآثره الرائعة البيت الذي أنشأه بقصر باردو على نمط فريد.
ولما ولي الحكم من بعده ابنه حسين باشا تبع منهج أبيه فكان خليقًا بالأمارة حسن السياسة. أمنت البلاد في عهده كل سوء وكان حذرًا يقظًا. ابتنى لسكناه ثكنة المركاض، وجدد رباط المنستير، وهو إلى ذلك ذو عاطفة دينية وإيمان وخشية. ولما جذع الناس اشتد بهم البلاء بسبب انحباس الغيث أشفق على بلده، وأحزنه حال رعيته فجعل لجوءه إلى الله وتوسله إليه سبحانه بقراءة حديث الرسول صلى الله عليه وسلم، جاعلاً ذلك مفزعًا له، وسبيلاً لكشف الغمة، فجمع العلماء بجامع الزيتونة، وفرق عليهم أسفار صحيح البخاري، وطلب منهم قراءته كاملًا، فأتموا ذلك في مجلس واحد، ومن ذلك الوقت جرت العادة بتونس بهذا العمل، سنة ماضية فيهم عند نزول الشدائد (1) .
وقد يدعو الأمر بعد تصوير الحالة السياسية والاجتماعية للمملكة التونسية في ذلك الظرف إلى ملاحظة أن الحاكمين في البلاد بإثر فتح سليم الأول لها وطرد الأسبان منها على يد سنان باشا 981 كانوا ولاة عثمانيين ومن موالهيم. وهم في الأصل أعاجم من كرسيكة وجزر الكريت ونحوها، عملوا عهدًا طويلًا غزاة في البحر ثم اعتنقوا الإسلام وانضموا للجيوش العثمانية. فاستقروا بالولايات وتقلبوا في المناصب إلى أن كان منهم البايات والباشوات والدايات والأغوات. وارتباطهم بالدولة العلية كان على أساس اعترافها بهم ولاة عنها، تأتيهم من خلفائها وسلاطينها التقليدات والفرمانات، فتعينهم في مناصبهم أو تقرهم بها كما تنظم العلاقات الدولية فيما بين بلد الخلافة والولاية. وبحكم بعد بعض الولايات عن مركزية الدولة، وبسبب ما كان يعرض أحيانًا من ضعف السلاطين وانشغالهم عن أطراف بلاد الخلافة، كان البايات والدايات يتصرفون تصرف الملوك تصرفًا مطلقًا، ويجعلون الأمر وراثة بينهم في أسرهم وأهليهم. وهكذا كان شأن دايات الدولة المرادية، "فلما انقرضوا عن آخرهم دخلت الإيالة التونسية في حكم البيت الحسيني بطلب من أهل تونس وعن طيب نفس منهم وأخذت سلطة الباي في النمو والظهور وسلطة الداي في التراجع والتضاؤل بتغلب الأولى على الثانية"(2) .
(1) محمد مخلوف، الشجرة: 2/158 - 169؛ ومحمد رشاد الإمام، سياسة حموده باشا: ص 58 - 80.
(2)
محمد ابن الخوجة، صفحات من تاريخ تونس، الألقاب والنعوت الملكية في البيت الحسيني: ص58.
المجتمع الجديد وعناصره:
كان حكام البلاد وقادتها مزيجًا من الأعاجم والموالي الملتحقين بالجيش العثماني تضرب أصولهم في النصرانية قبل دخولهم الإسلام، ويتسمون بأسماء سلاطين آل عثمان ويتلقبون بألقابهم (1) ، وعلى هذا النحو كان سكان الإيالة التونسية، فقد اختلطت عناصرهم وتلاشت جنسياتهم في مجتمع أصله من البربر، وفد عليه من سواحل الشام ومن روما أعداد كثيرة من الفينيقيين والرومان، والتحق بهم في الفتح الإسلامي عناصر جديدة منها الفارسي والمصري والسوري والطرابلسي، ثم غلب العنصر العربي على العنصر البربري وانضم إليهم مهاجرو صقلية والأعراب من بني هلال ورياح ودريد وأولاد سعيد، وتبعهم الأندلسيون في هجراتهم المتعاقبة فكان من بين هؤلاء أيضًا عرب وبربر وفوط وفندال ولحقت بهؤلاء جميعًا جموع من الطليان. وفي العهد التركي اكتسحت البلاد جموع غفيرة من عساكر الانكشارية امتزجوا بالأُسَر العربية من سكان البلاد وتكون من زيجاتهم ومصاهراتهم الكوالغلية (2)، كما قدم إلى تونس لحاجة الحكام وبدعوة منهم عساكر زواوة وعلوج أكثرهم من القرج والروم. وهذا ما حمل صاحب "صفحات من تاريخ تونس" على القول:"بأن العنصر التونسي عبارة عن مزيج مركب من عناصر نشيطة مختلفة الأجناس أكثرهم في العدد البربر فالعرب فالأندلس فالترك فالزنوج فالنورمانديون فبقية عناصر الأقليات التي اندمجت في عناصر الأكثريات، وبحكم الضرورة لا بد وأن تلك العناصر تكون متباينة في القوة والإدراك والأخلاق ولكنهم متحدون كلهم في حب بلادهم تونس على السواء"(3) .
ونحن نلاحظ بوجه عام تمايز عناصر ثلاثة في الفترة التي نؤرخها كلها، على تفاوت بينها، لها تأثير في الحياة العلمية والفكرية كما لها ارتباط بالدولة وعلاقة بها. وهذه العناصر هي التونسي والأندلسي والتركي بحسب الظهور والترتيب الزمني.
(1) محمد ابن الخوجة، صفحات من تاريخ تونس، بآيات الدولة المرادية: ص48 - 56.
(2)
واحده كولغلي، وهو من يكون أبوه تركيًّا نتيجة هذه الارتباطات.
(3)
محمد ابن الخوجة، صفحات من تاريخ تونس، عناصر الشعب التونسي وامتزاجها: ص221 - 227.
فالعنصر التونسي يتألف منه سكان البلاد الأصليون الذين مضت عليهم قرون وقرون بهذه الديار، قبل دخول الأندلسيين، وقبل نزول عساكر سنان باشا بحلق الوادي، وقد اشتبكت بين أفراد هذا العنصر الأَوَاصِر، وَامْتَزَجَتْ فئاتهم، واختلطت أسرهم وأنسابهم وأصبحوا أكثر شعورًا بتلاحمهم وارتباط بعضهم ببعض وتميزهم عن غيرهم.
والعنصر الأندلسي هو الذي لجأ إلى تونس آلاف منه في الهجرة الأولى في القرن السابع أيام قيام الدولة الحفصية وذلك بالخصوص بعد سقوط قرطبة وإشبيلية (1) وبعد ذلك بقرنين كانت الهجرة الثانية في القرن التاسع بعد سقوط غرناطة. والهجرة الثالثة والأخيرة منهم إلى الإيالة التونسية كانت سنة 1016 و1017 عند الجلاء الأخير للمسلمين كافة عن إسبانيا بسبب قيام ديوان التحقيق ومحاكم التفتيش وصدور قرار التنصير الإلزامي بها.
والعنصر التركي هو عبارة عن الجند الغازي العثماني والأتراك الذين وفدوا مع العساكر، ومن انضم إليهم من الأوروباويين المقيمين بالولايات العثمانية والذين كان منهم في الغالب قضاة الجند والشيوخ العلماء والمستشارون وأصحاب الوظائف الإدارية والسياسية الذين اعتمدهم الولاة فالمراديون ثم الحسينيون من بعدهم.
ولو رجعنا إلى كتب الطبقات وما وضعه التونسيون من سير وتواريخ وتراجم (2) ، أو جمعوه من مسائل، ودونوه من آثار ورسائل، لم يقع حتى اليوم استخدامها على الوجه الكامل، لتجلت لنا الحياة الفكرية الثقافية العلمية في أدق خصائصها وأبرز مميزاتها.
(1) محمد الحبيب الخوجة، الحياة الثقافية بأفريقية، صدر الدولة الحفصية، نشرة مؤتمر مجمع اللغة العربية.
(2)
يمكن أن نذكر من ذلك: الحلل السندسية للوزير السراج؛ والمشرع الملكي في سلطنة أولاد علي تركي لمحمد الصغير الباجي؛ والشهب المخرقة لأحمد برناز؛ وسمير الأصحاب ونزهة ذوي الألباب لمحمد بن تاج العارفين البكري؛ والتاريخ الباشي لحمودة بن عبد العزيز؛ وبرنامج من ولي الإمامة بالجامع الأعظم لإسماعيل التميمي؛ وبشائر أهل الإيمان وذيله لحسين خوجة؛ والمونس لابن دينار؛ وقرة العين بنشر فضائل الملك حسين لمحمد سعادة؛ ومفاتح النصر في التعريف بعلماء العصر للباجي العياضي؛ والإتحاف لابن أبي الضياف؛ والخلاصة النقية للباجي المسعودي؛ ووسائل التعريف بالولاة من طرق الدولة العثمانية بتونس للشيخ بيرم الثاني؛ والتعريف بالمفتيين الحنفيين له أيضًا؛ ورسالة التراجم المهمة للخطباء والأئمة لمحمد بيرم الرابع؛ وعنوان الأريب لمحمد النيفر؛ وشجرة النور الزكية لمخلوف وغير ذلك.
الحياة الفكرية والعلمية من بداية الدولة الحسينية إلى عهد حسين بن علي الثاني:
لقد كانت بحق بداية الدولة الحسينية موعدًا لإقامة سوق العلم ونفاقها، ونشر المعرفة وإعادة النشاط الثقافي والفكري للبلاد. فالبرغم من انقطاع المدارس القديمة والمساجد وجامع الزيتونة الأعظم في مقدمتها عن الدور العلمي الكبير الذي اضطلعت به إلى أوائل المائة العاشرة (1) ، ورغم ما لحق خزائن العبدلية والجامع الأعظم من عبث بالكتب القيمة التي لم تكن تقل عن ستة وثلاثين ألف مجلد عاث بها الإسبان فسادًا وداسوها بسنابك خيلهم وألقوها خارج المسجد الجامع وأتلفوها، ورغم ارتباك الأحوال ومكابدة أهل تونس وسائر مدن القطر المصائب والأهوال التي حملت أكثر العلماء وذوي القدر على الهجرة إما إلى المشرق وإما إلى المغرب، وما تبع ذلك في أواخر دولة بني مراد من فتن متتالية وأوبئة متعاقبة فإن بقية باقية من أهل العلم بتونس العاصمة وبآفاق البلاد كانت ما تزال تضطلع بدورها عند مبايعة حسين بن علي تركي. ومن أبرز هؤلاء:
الشيخ المقري المحدث والفقيه المتكلم أبو الحسن علي بن سالم بن محمد النوري. 1053 - 1118 بصفاقس. كان تخريجه على مرحلتين الأولى ببلده أخذ عن الشيخ الكراي الصوفي المربي، والثانية بتونس حيث التحق بالمدرسة المنتصرية والشماعية وأخذ عن عدد من الشيوخ مثل عاشور القسطنطيني وسليمان الأندلسي ومحمد القروي وأثنى عليهم. ولما أراد الاستزادة من العلم واستكمال ما يتطلع إليه من المعارف توجه إلى القاهرة. فلقي هنالك المسند أبا إسحاق المأموني الشافعي والشيخ أحمد السنهوري المالكي والمحقق أبا بكر الشنواني وشيخ الشيوخ محمد بن محمد بن ناصر الدرعي وغيرهم كما أخذ عن الخرشي والشبرخيتي، وعمن لقي هناك من علماء المغرب مثل الشيخ الشاوي الجزائري والشيخ الإفراني المغربي فتضلع بالعلوم الشرعية واللسانية. وله في ذلك فهرست تضمنت أسماء الكتب التي قرأها على شيوخه وفنون العلم التي أخذها عنهم. وهي ثبت علمي لذلك العصر. وعند عودته إلى صفاقس أحيا العلوم القرآنية والحديثية، وأخذ عنه ابنه أحمد ومحمد المؤدب الشرفي وأبو الحسن المؤخر وعلي بن خليفة المساكني ومحمد الجمل والحركافي وأحمد العجمي المكني. ومن مصنفاته الشهيرة: غيث النفع في القراءات السبع، وتنبيه الغافلين وإرشاد الجاهلين عما يقع لهم من الخطأ خلال تلاوتهم لكتاب الله المبين، والعقيدة النورية في معتقد السادة الأشعرية، ومعين السائلين من فضل رب العالمين، ومقدمة في الفقه، ومناسك الحج، والمنقذ من الوحلة في معرفة السنين وما فيها من الأوقات والقبلة، ورسالة في الكلام عن مسألتين تتعلقان بالسماع، وإجازة، ووصية، وفتاوى مشهورة.
(1) من المدارس القديمة بالعاصمة التونسية قبل الدولة الحسينية: (الشماعية: 633؛ والتوفيقية: 650؛ والعصفورية: 666؛ والمرجانية: 696؛ والمغربية في المائة السابعة، والعنقية: 733؛ ومدرسة سيدي يحيى: 747؛ والمنتصرية: 841؛ والأندلسية: 1034؛ والبكرية أوائل القرن الحادي عشر؛ والمرادية: 1084؛ ومدرسة القائد مراد: 1193؛ واليوسفية: 1122.) ومحمد ابن الخوجة، معالم التوحيد: ص282 - 283. وأما المساجد والجوامع فهي كثيرة جدًّا وقد تنوعت الثانية منها إلى جوامع خطبة للمالكية وأخرى للحنفية، وأقدم الجوامع بمدينة تونس جامع الزيتونة، وأحدثها في العصر الحسيني من بدايته إلى نهاية إمارة حسين بن محمود: الجامع الجديد المعروف اليوم بجامع الصباغين تأسيس حسين بن علي تركي 1139، وجامع صاحب الطابع، تأسيس الوزير يوسف صاحب الطابع 1229، وقد كان أكثرها محل تدريس للعلم أو مقرًّا لمجالس الوعظ للعامة، والمساجد التي كان يؤم الناس في الصلاة بها عدد غير قليل من العلماء بالسكنى، والتي اشتهرت أحيانًا بنسبتها إليهم، كمسجد ابن حبيش الذي كان في باب سويقة وقد اندثر اليوم، كانت كما صرح بذلك ابن رشيد في رحلته، الجزء الثاني والخامس، إلى جانب دورها الأصلي وهو كونها محل عبادة مقرًّا لمجالس العلم التي يلتقي فيها الطلاب بأشياخهم للسماع منهم، أو للرواية والأخذ عنهم، وهذا أمر شائع بديارنا منذ العهود الإسلامية الأولى لا في خصوص ما يوجد من تلك المساجد والجوامع بالحاضرة بل بعامة ما هو مشهور أو مقصود منها في مدن البلاد التونسية، راجع في ذلك رحلات البلوي والعبدري وابن رشيد. محمد ابن الخوجة، معالم التوحيد.
وإلى جانب هذا الدور الريادي الكبير الذي اضطلع به المرحوم الشيخ على النوري في مجالي التدريس والتأليف، نذكر عمله الجهادي المتمثل في تصديه لهجمات القراصنة النصارى على السواحل التونسية، وذوده عن حمى الوطن بما بذل من أموال وجهز من مراكب ورد من أعداء "فرسان مالطة"، وهو ما جلب له من حاسديه ضروبًا من الإحن والمحن (1) .
وقد سار على أثر هذا العالم الصالح والإمام المجاهد العلامة الفقيه والداعية الورع أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن إبراهيم الجمني النفزاوي الذي ينتهي نسبه إلى الصحابي الجليل المقداد بن الأسود. كانت ولادته 1038هـ بجمنة الواقعة بالجنوب التونسي بين دوز وقبلي، وتوفي 1134هـ بجربة. درج في العلم والمعرفة، وذهب في صغره إلى القيروان وأخذ عن الوحيشي، ثم توجه هذا الإمام 1066 إلى مصر. فدخل الأزهر وقرأ على الشيخ عبد الباقي الزرقاني والخرشي والشيخ سلطان والشبراخيتي وأبي الحسن اللقاني. وعندما استكمل العدة واستوفى الرواية عن هؤلاء الأئمة عاد إلى بلده عن طريق زواوة، وأخذ بها عن الشيخ عبد الله الجبالي والشيخ اليوسي، ومنها ذهب إلى زاوية الحمارنة بمارث قرب قابس، ودرس بها. ثم انتقل إلى جزيرة جربة فذاع صيته ونفق علمه بها، وأقبل عليه الطلاب من كل فج. وبنى له الأمير مراد باي بن حمودة المرادي بحومة السوق مدرسة سنة 1115 تصدر بها للتدريس. وممن أخذ عنه ابن أخيه إبراهيم بن محمد وعلي الشاهد وعلي الفرجاني، وبه تفقه الشيخ محمد الغرياني. وكان همه الأول نشر العلوم الدينية ومقاومة الضلالات والبدع، فعنه تلقى أكثر من نصف سكان الجزيرة المذهب المالكي. أقرأ المختصر الخليلي وكتب عليه شرحًا.
ومما ترجم له به الرحالة الجزائري الشيخ حسن الورتلاني قوله: "وفضائل سيدي إبراهيم الجمني من زهده وورعه وتواضعه وتهجده ونصحه للطلبة وتحمله الأذى من خوارج جربة، وصبره وتصبره على إظهار السنة وإخماد البدعة وغير ذلك من أخلاقه السنية كثير لا يعد ولا يحصى. وقد انفعلت سيرته وأثرت همته في أصحابه الآخذين عنه". كان رحمه الله كلما ظهرت مخائل النجابة على أحد من طلابه أجازه وبعث به إلى أقاصي البلاد، حيث لا علم ولا إرشاد، ليكون داعية مربيًا عالمًا موجهًا. فكان بذلك ينور ظلمة الجاهلين ويرفع عن الناس حجاب الغافلين ويهدي العامة والخاصة سبيل المتقين الهداة المهديين (2) .
(1) مخلوف: 1/321، 1255؛ حسن حسني عبد الوهاب، كتاب العمر: 1/1، 179 - 184، 24.
(2)
مخلوف، شجرة النور: 1/324، 1266؛ وحسن حسني عبد الوهاب، كتاب العمر: 1، 2/833 - 835، 233.
هذا وإن المساجد وإن خلت زمنًا من الطلاب، والمدارس وإن أقفرت من الشيوخ ورواد المعرفة فإنها قد تهيأت كلها من جديد وانضافت إليها مثيلاتها في تونس العاصمة وبمختلف مدن الإيالة. وعادت الحياة الفكرية شيئًا فشيئًا - كما قدمنا - إلى الظهور على أيدي ثلة من الأئمة الفضلاء والشيوخ العلماء والحكام الوجهاء. فكان الناس بدافع تلقائي سببه الحرمان أو ما ورثوه عن آبائهم من تقدير ومهابة للعلم وأهله، يريدون الاختلاط بأولئك النفر تحقيقًا لمنازلهم واستمرارًا لانتسابهم إلى أهل الشرف والمروءات والفضل. فكان التعظيم لهم من الخاصة والعامة، والتردد عليهم والجلوس إليهم ابتغاء الإفادة منهم والانتفاع بهم، وطلبًا لخيري الدنيا والآخرة عن طريقهم.
وكان من أعلى الناس منزلة بين أهل تونس من ارتبطوا بخدمة جامع الزيتونة، الجامع العتيق، أقدم مسجد بديارهم، كان مركزًا دينيًا للعبادة من بداية القرن الثاني، ومدرسة لتلقين علوم الدين والتبحر في فنون العلوم النقلية والعقلية (1) .
وعلم الأمير حسين بن علي تركي مدى تعلق الناس بهذا الجامع، وبما يبث به من علوم فعني به عناية فائقة وحاول أن يعيده إلى سالف عهده. وهذا ما جعل الوزير السراج يقول عنه في هذا الصدد:"فكم أحيا من مدارس دوارس، وكم أحيا من دروس بعد الاضمحلال والدروس، بحيث إن الجامع الأعظم جامع الزيتونة غاية ما بلغ فيه قبل من عدد المدرسين من الشروق إلى الغروب نحو ثمانية بين مبتدئين ومنتهين فقط. والحمد لله أنه اليوم به نيف وأربعون مدرسًا عدا ما لبعض المدرسين من مجالس مكررة في كل يوم". وهذه الإشارة من صاحب الحلل تصف الدروس النظامية لا غير التي كان الأمير يرعاها ويعين فيها من يختاره من العلماء والمدرسين ويجري عليهم عن طريق الوزير السراج المرتبات والجرايات المستحقة (2) . والحق أن حركة العلم كانت أنشط بهذا الجامع وغيره من دور العلم بتونس في هذا الظرف بدليل إقبال الكثير من العلماء والشيوخ على التدريس والتشرف بالتصدر للإفادة به، يعتبرون ذلك واجبًا دينيًا، ويرفع من مكانتهم ويعلي من أقدارهم أن يعرفوا بهذه النسبة الشريفة ويذكروا فيمن يعد من حفظة هذا الدين القائمين عليه المبلغين لهديه، الناشرين لأنواره. ولذلك تطوعوا بالتدريس وبالوعظ ونشر المعارف الإسلامية وخاصة القرآن والفقه لما ورد من حث على ذلك. قال عقبة بن عامر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا القرآن كتاب الله وتعاهدوه وتغنوا به، فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتًا من المخاض في العقل"(3) . وحدث معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أراد الله بعبد خيرًا فقهه في الدين"(4) .
(1) محمد ابن الخوجة، صفحات من تاريخ تونس، جامع الزيتونة: ص283 - 308.
(2)
السراج، الحلل السندسية: 3/132 - 133
(3)
أخرجه الدارمي في سننه: 2/439؛ النسائي في السنن الكبرى.
(4)
أخرجه البخاري في كتاب الاعتصام، ومسلم في كتاب الزكاة، وابن ماجه في باب فضل العلماء، والدارمي في كتاب العلم، باب الاقتداء بالعلماء.
ويشهد لوجود عدد كبير آخر من المدرسين بالجامع الأعظم جامع الزيتونة من غير الشيوخ النظاميين الشيخ محمد سعادة مؤرخ دولة حسين بن علي. فقد جعل عدد المتطوعين للتدريس والإقراء بجامع الزيتونة ثلاثة وثمانين. وقال بأن أميره قسم عليهم أحباسًا إعانة لهم وتشجيعًا. وهذا ما حمله على المقارنة بين الأزهر وما شاهده به وبين الزيتونة في قوله: يفوق هذا الجامع بذلك الجامع الأزهر (1)، ويتمثل هؤلاء النقباء في أنواع وفئات من العلماء كانوا شموس معارف ودعاة هداة نضع في مقدمتهم شيوخ المالكية الذين تولوا الخطبة بجامع الزيتونة وتداولوا على منبره وأموا الناس به عهدًا طويلًا. وقد ظهر على التعاقب في هذه الفترة ثلة كريمة من بينها:
الشيخ أبو عبد الله محمد حمودة الريكلي الأندلسي التونسي قاضي تونس، المتميز علمًا وديانة وعدالة وصلاحًا. كان قليل الكلام رغم ما عرف به من كثرة المحاورة في العلم مع صحة العبارة وحسن التقرير والتثبت، وكان ثالث شيوخ المدرسة المرادية، تولى مشيختها بعد الفقيه الشيخ أبي عبد الله محمد الغماد، وبعد شيخه العلامة أبي عبد الله محمد زيتونة. وهو لعلو منزلته كان يحضر مجالس الباشا العلمية مع أعيان العلماء. ولم تكن تأخذه في الحق لومة لائم. انتدبه علي باشا، لرفيع منزلته وعلو درجته، إمامًا خطيبًا للجامع الأعظم بعد وفاة أبي الغيث البكري وإلى أن صلح لللإمامة ابنه الشيخ عثمان (2) . وذلك أن إمامة جامع الزيتونة كانت محصورة في أسر شريفة علمية معروفة لا يجرؤ أحد على تغيير قواعدها أو مخالفة نظامها. وللعلم فإن أسرة البكري هذه قد تداول أبناؤها إمامة جامع الزيتونة كابرًا عن كابر مدة 193 عامًا (3) .
وبإثر العلامة الإمام الشيخ محمد حمودة الريكلي المتوفى 1161 رجعت هذه الخطة السنية إلى بيت البكريين. فوليها الشيخ عثمان كما قدمنا فمن تبعه من أفراد أسرته، فالشيخ حسن بن عبد الكبير الشريف، فالشيخ محمد بن عبد الكبير الشريف (4) .
(1) محمد سعادة، قرة العين: ص152.
(2)
محمد السنوسي، المسامرات: 1/117، 253؛ ومخلوف، شجرة النور الزكية: 1/345، 1363.
(3)
أول من تقلد إمامة وخطبة جامع الزيتونة من البيت البكري الشيخ تاج العارفين البكري الذي كان حيًّا 1037، وقد كان ذلك بعد وفاة أبي يحيى رصاع، وجاء عقبه من ذريته على التوالي الشيخ أبو بكر البكري فالشيخ أبو الغيث بن أبي بكر، وبعد تولي الشيخ علي بن حميدة الرصاع الإمامة والخطبة به، عادت هذه الوظيفة إلى البيت البكري فتقلدها الشيخ علي بن أبي بكر البكري، فالشيخ حمودة البكري فالشيخ أبو الغيث بن علي البكري، محمد السنوسي، المسامرات: 1/106 - 116؛ ومحمد ابن الخوجة، معالم التوحيد: ص64 - 66.
(4)
محمد ابن الخوجة، معالم التوحيد: ص66 - 69.
والعلامة الفقيه الشيخ الإمام أبو محمد حسن بن عبد الكبير الشريف 1234. وهو أول من تولى إمام جامع الزيتونة من آل بيت الأشراف الموجودين لهذا الزمان (1) . وقد وصفه مخلوف في طبقاته بقوله: أحد شيوخ الإسلام قدوة الخاص والعام فارس المنبر والمحراب الجامع بين شرفي النسب والاكتساب 1234. أخذ عن أبيه بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الشيوخ الشحمي والغرياني وعبد الله السوسي وقاسم المحجوب وجماعة، وعنه الشيوخ إبراهيم الرياحي والبحري وابن ملوكه والخضار والعذار ومحمد السقاط وحسن الخيري وغيرهم. ومن بين الوظائف التي ارتقى إليها وتقلب فيها التدريس بجامع الزيتونة، والكتابة للأمير أبي محمد حمودة باشا ثم الإمامة والخطابة بجامع الزيتونة، وفي 1230 الفتيا وعنها كانت وفاته. وله من التحقيقات والمصنفات الدالة على مشاركاته العلمية وضلاعته: حاشيته على شرح مياره للامية الزقاق، وحاشيته على شرح ابن هشام على قطر الندى، وكتابته على شواهد المغني، واختصاره لحاشية البناني، وتعاليقه على شرح مياره على العاصمية، وكتابه معين المفتي، وخطبه المنبرية، ومجموعة صالحة من أشعاره تضمنها مجمع الدواوين لمحمد السنوسي (2) .
وممن بلغ المراتب المنيفة العلمية والمنازل الشريفة الاجتماعية في هذا العهد أولئك الشيوخ العلماء الذين كان الأمراء أو ملوك الدولة الحسينية يولونهم قضاة أو مفتيين أو يحلونهم رتبة الرئاسة فيهما كقاضي الجماعة ورئيس المفتيين وشيخ الإسلام ونحوها من الوظائف.
(1) وقد وليه في الإمامة من أفراد هذه الأسرة المشايخ محمد بن عبد الكبير الشريف، محمود بن علي محسن، محمد بن محمد محسن، ومحمد الشريف، أحمد الشريف، محمد حمدة بن أحمد الشريف، محمود حسن، مصطفى محسن، عبد الكبير الشريف، أحمد الشريف. محمد ابن الخوجة، معالم التوحيد: ص67 فما بعدها.
(2)
محمد السنوسي، المسامرات: 1/126، 266؛ ومخلوف، الشجرة: 1/367، 1464؛ وحسن حسني عبد الوهاب، كتاب العمر: 1/2، 245، 858 - 860.
وأول قاض حنفي تولى هذا المنصب هو الفقيه الشيخ أحمد الطرودي 1157 (1) . وأول من تولى قضاء المذهب المالكي في نفس الفترة الشيخ محمد سعادة كلاهما في مدة الباشا علي باي الأول (2) ، وكان هذا الاختيار مبنيًّا في الغالب على المقدرة العلمية والشهرة الفائقة بين المدرسين من أهل العلم والفضل، أو على تقدير الناس وتقديمهم لمن هو أكثر نفعًا وإفادة لهم وأعلى منزلة لديهم من حيث الحزم والورع والتقوى. وقد كان للسياسة دخل في التقريب والإقصاء كما لها مواقف مختلفة أملتها تصرفات القضاة والمفتيين. ولعل من أصدق مقالات العلماء في تصوير ما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بينهم وبين الساسة هو ما ذكره محمد ابن الخوجة عن جده مجيبًا عن عتاب وجهه له الأمير لتأخره عن زيارته:
قل للأمير نصيحة
لا تركنن إلى فقيه
إن الفقيه إذا أتى
أبوابكم لا خير فيه
(3)
.
ومن أبرز العلماء الأحناف الذين أسندت إليهم هذه الوظائف في عهد مؤسس الدولة الحسينية ومن بعده:
1-
الفقيه المحدث الإمام الزغواني، وهو الشيخ يوسف بن محمد بن سليمان بن عبد الله برتقيز. كان جده عبد الله من أسرى البحر، ولقبه يدل على أصله ونسبته إلى البرتغال 1092 بزغوان - 1148 بتونس. قرأ ببلده على الشيخ أحمد الهرميلو الأندلسي، وبباجة على الشيخ حميدة المفتي، ثم رحل إلى الأزهر بمصر وذهب إلى الحج ولازم الحرم المكي. وبفضل هذه الرحلة لقي الإمام مسند الحجاز عبد الله بن سالم البصري المكي وروى عنه بإسناده. وقد انتخبه لفضله وعلمه حسين بن علي تركي لتربية أولاده، وتقلب في المناصب الشرعية كالإمامة ورئاسة الفتوى. له في شرح مختصر القدوري كتاب المنن، ونظم متن هداية الصبيان في العبادات، وكتاب تيجان العقيان في تجريد جامع مسانيد النعمان، وشرحه اليواقيت الحسان، وتلخيص التراجم الواردة في الطبقات الكبرى للشعراني، ورياض الفنون في شرح رسالة ابن زيدون الجدية، والمعالم في ألقاب ملوك العالم. ولقربه من حسين بن علي تركي وما ناله من حظوة لديه أمر علي باشا بن محمد بالقبض عليه وولده وبعد سجنهما أمر بقتلهما (4) .
(1) الوزير السراج: 3/117؛ وحسين خوجه، ذيل البشائر: ص252 - 253؛ والعياضي، مفاتح النصر: ص179.
(2)
محمد ابن الخوجة، صفحات من تاريخ تونس: ص186، 187.
(3)
محمد ابن الخوجة، صفحات من تاريخ تونس: ص200.
(4)
حسن حسني عبد الوهاب، كتاب العمر: 1، 2/921 - 923، 264.
2-
الفقيه المفتي الحاج أبو عبد الله حسين بن إبراهيم بن محمد البارودي. أصله من إقليم مورة ببلاد اليونان. قدم أبوه إلى تونس مع الأجناد المرتزقة بيكي شارية 1112 بتونس - 1186. تفقه في المذهب الحنفي وتصدر للتدريس. امتحنه علي باشا بالسجن والنفي إلى زغوان لما اتهمه به من موالاته لعمه حسين بن علي. وحين عاد الأمر إلى محمد الرشيد وأخيه علي ابني مولاه حسين رجع إلى التدريس وتولى الإفتاء 1177. له مجموعة كبيرة من الرسائل في الفقه الحنفي والتفسير والحديث. من أهمها:
الرد على من قال بإبطال حكم القاضي بعد الإمضاء، رسالة فيمن قال لزوجه: أنت طالق يا زانية، أو أنت طالق إن شاء الله، رسالة في ثبوت أبوة زوج المرضعة، رسالة في نقل الأم الحاضنة محضونها، مسألة دعوى الجواري المشتريات بعيب انقطاع الحيض، حكم الكتابي والصابي والمجوسي، بيان حكم الزائغة إذا تشعب عنها زائغة أخرى وتفاريق صورها، تقويم الشجر المغروس في الأرض المغصوبة، القسطاس السوي في تحرير الصاع النبوي، والغيث المدرار في رهن المصوغ على تقدير الهلاك والانكسار، بيان طريق قبض الديون وشرح قولهم: الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها (1) .
3-
الشيخ المحقق المفتي الأكبر محمد بن حسين بن أحمد بن محمد بن حسين بيرم الأول 1130 - 1214 بتونس. عميد الأسرة البيرمية. دخل جده مع الفتح العثماني لتونس 981. نشأ ودرس بها وأخذ عن كبار علمائها، وتفنن في علوم كثيرة شرعية ولسانية. وتصدر للتدريس بعد ذلك حتى فاق نظراءه. وقد تولى الخطابة والإمامة وأسندت له الفتوى نحو نصف قرن ثم أولاه علي باشا الحسيني رئاستها. له: بغية السائل اختصار أنفع الوسائل في تحرير المسائل للطرسوسي في الفقه، الرسالة البيرمية في السياسة الشرعية، تحرير رسالة في موضوعات الحديث، الحمامات المعدنية بالديار التونسية (2) .
4-
الفقيه المدرس المفتي الشيخ محمد بن حسين البارودي 1216. أخذ عن والده وعن عدد من الشيوخ في عصره فتضلع من العلوم الشرعية. درس بالشماعية، وتولى رئاسة الفتوى الحنفية خلفًا للشيخ بيرم الأول 1214. وكان صهرًا للأمير حمودة باشا زوَّجه ابنته. ونال بذلك حظوة كبيرة في القصر. وهو من أصحاب التآليف. له رسالة في رؤية الهلال، ورسالة بعنوان فتح الرحمن في مسألة التنازع في الحيطان قرظها الشيخ محمد بيرم الثاني في ترجمة البارودي من كتابه التعريف بالمفتيين، وتقاييد وحواش على بعض ما درسه من كتب، وأختام مجالس الحديث، وديوان خطب منبرية هذب فيه خطب يحيى بن زكرياء الأنصاري (3) .
(1) محمد بيرم الثاني، التعريف بالمفتيين: ص43؛ والسنوسي، مسامرات الظريف: 2/18؛ وحسن حسني عبد الوهاب، كتاب العمر: 1، 2/924 - 927، 265.
(2)
ابن أبي الضياف، الإتحاف: 7/30؛ وحسن حسني عبد الوهاب، كتاب العمر: 1، 2/928، 929، 266.
(3)
ابن أبي الضياف، الإتحاف: 3/40؛ والسنوسي، مسامرات الظريف: 2/33؛ وبيرم الثاني، التعريف بالمفتيين: ص63 - 66؛ وحسن حسني عبد الوهاب: 1، 2/930، 931، 267.
5-
العلامة القاضي والمفتي أبو العباس الشيخ أحمد ابن الخوجة الأول المشهور بحميدة 1241. مؤسس البيت الخوجي. تخرج بالشيخ بيرم الثاني ونجم الدين بن سعيد. وتولى التدريس بمدارس تونس ومساجدها. فأقرأ بالشماعية شرح المحلي على جمع الجوامع في أصول الفقه، كما أسندت إليه الخطابة والإمامة. وهو أول من أحيا الأختام دراية بالجامع المرادي في رمضان. وتدرج في الخطط الشرعية فولي قضاء الجماعة ثم الإفتاء على المذهب الحنفي. ومن تحريراته شرح منظومة المحبي في الفقه (1) .
فإلى هؤلاء العلماء والأئمة وأمثالهم من فقهاء الحنفية بتونس من شيوخ المجلس الشرعي ومن المدرسين يرجع الفضل في نشر المذهب وتدريس كتبه واعتماده في الفتاوى والأحكام كما أن لهم الفضل فيما دبجوه من شروح وتحقيقات وحواش وتعليقات على الكتب والمصنفات المعتبرة التي تولوا تدريسها أو وقفوا بالمراجعة والمطالعة عليها، وما أنشأوه نظمًا ونثرًا من مختصرات أو حرروه من رسائل وفتاوى في القضايا المطروحة عليهم والنوازل الجارية بينهم.
وقد كان إلى جانب هؤلاء الأعلام قضاة ومفتون وأئمة بارزون من المالكية كان لهم من التقدير والإكبار والإجلال والاحترام من الخاص والعام ما قضى بتقديمهم على نظرائهم وإسناد أعلى الخطط الشرعية إليهم. وقد تضمنت الطبقة الرابعة والعشرون والخامسة والعشرون من شجرة النور الزكية في طبقات المالكية طائفة منهم في طليعتهم:
1-
الفقيه الأديب اللغوي الإمام أبو عبد الله محمد سعادة قاضي الجماعة ومفتي تونس وعالمها ومؤرخها 1088 بالمنستير - 1171 بتونس. تفقه بجماعة منهم بتونس الشيوخ محمد زيتونة والحجيج والغماري وسعيد الشريف والمحجوز، وأخذ بمصر عن الأئمة محمد الزرقاني وإبراهيم الفيومي والطولوني ومنصور المنوفي. ورحل إلى الأستانة ولقي أشياخها، ثم عاد إلى بلده تونس وتصدر للتدريس. وممن أخذ عنه الشيخ علي الغراب. له: تنوير المسالك حاشية على الأشموني، ومنظومة في المناسك (2) .
2-
الفقيه المفتي أبو عبد الله محمد الشحمي. توفي بعد 1990. عالم عصره وفقيه مصره المبرز في العلوم العقلية. أخذ عن الشيخ محمد زيتونة وغيره. وجرت بينه وبين الشيخ لطف الله العجمي شارح أسماء الله الحسنى مناظرة شهد مجلسها الأمير علي باشا الحسيني تكريمًا له واعترافًا بعلمه وفضله (3) .
(1) ابن أبي الضياف، الإتحاف: 7/142 - 143؛ وابن الخوجة، معالم التوحيد: ص278، 341؛ وحسن حسني عبد الوهاب، كتاب العمر: 1، 2/933، 269.
(2)
محمد النيفر، عنوان الأريب: 2/65؛ ومخلوف، شجرة النور: 1/346؛ 1370.
(3)
مخلوف، شجرة النور: ص349، 1385.
3-
الفقيه العلامة كبير المفتيين الشيخ أبو الفضل قاسم المحجوب من مساكن توفي 1190 بها. قرأ ببلده على الشيخ علي بن خليفة. ثم رحل إلى تونس. وأخذ عن محمد زيتونة وأمثاله. وتخرج به أبناؤه محمد وعمر والشيخ صالح الكواش ومحمد بن سعيد الحجري. تولى التدريس أيام علي باشا، وتدرج في الوظائف الشرعية: ولاه علي باشا الحسيني مفتيًا ثم رئيسًا للمفتيين (1) .
4-
العلامة الصالح العارف بالله الشيخ أبو العباس أحمد الشريف الثعالبي المعروف بالبرانسي 1127. كان متبحرًا في المعقول والمنقول. درس بالجامع الأعظم وبغيره من مراكز العلم وكان من الشيوخ المعدودين (2) . وتصدر للفتوى وتولى رئاستها.
5-
الإمام الفقيه قاضي الجماعة الشيخ عمر بن قاسم المحجوب 1222. أصيل مدينة مساكن، من بيت علم وشرف. أخذ عن والده الشيخ قاسم وعن الشيخ حمودة بن عبد العزيز والشيخ الغرياني، وعنه الشيخ إبراهيم الرياحي والشيخ إسماعيل التميمي وغيرهما. تصدر للتدريس بالمدارس مثل مدرسة السواري أو مدرسة القائد مراد التي كانت له مشيختها. واتخذه حمودة باشا الحسيني كاتبًا، وكان من خاصة الوزير يوسف صاحب الطابع. له: التأييدات القدسية، وكناش مفيد، ورسالة استفراغ الخلط بين الشك في المانع والشك في الشرط. وله شعر تضمن جملة منه مجمع الدواوين للسنوسي (3) .
6-
العلامة أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن حمودة التميمي. 1165 - 1248. الفقيه الأصولي النحوي. أخذ عن كبار شيوخ عصره بالجامع الأعظم أمثال الشيخ صالح الكواش والشيخ عمر المحجوب والشيخ الشحمي، وعنه الشيخ إبراهيم الرياحي والشيخ البحري والشيخ صالح الغنوشي السوسي وشيخ الإسلام محمد بن أحمد ابن الخوجة وجماعة. تولى التدريس بجامع الزيتونة ثم القضاء في صفر 1221، والفتوى في ربيع الثاني 1231، ثم استقضي من جديد في رجب 1231، وعين رئيسًا لفتوى المالكية 1243. وقد امتحن بالعزل والنفي، فلزم بيته يدرس ويفتي. فعلا كعبه وظهر على الكائدين أمره. له جملة فتاوى ورسائل نذكر منها: رسالة في الحبس، ورسالة في الخلو عند المغاربة والمصريين، وأخرى في حكم طعام أهل الكتاب، ورسالة في ضريبة العشر الموظفة على بعض الحبوب، ورفع التحرية عن يمين التسوية، والمنح الإلهية، وبرنامج المقدمين للإمامة والخطابة بالجامع الأعظم، ورسالة في الأوقاف (4) .
(1) مخلوف، شجرة النور: ص348، 1383.
(2)
أحمد بن أبي الضياف، الإتحاف: 7/13، 1
(3)
مخلوف، شجرة النور: 1، 366، 1459؛ وابن الخوجة. معالم التوحيد: 55، 275، 304؛ وحسن حسني عبد الوهاب. كتاب العمر: 1/1، 440، 109.
(4)
ابن أبي الضياف، الإتحاف: 8، 11 - 14، 197؛ ومخلوف. شجرة النور: 1، 370، 1477؛ وحسن حسني عبد الوهاب. كتاب العمر: 1/2، 861 - 864، 246.
ومن الممكن أن نلحق بهذه الطائفة الموقرة والفئة المقدمة شيخ الجماعة رئيس المفتين بتونس وإمام جامعها الأعظم وخطيبه العلامة المحقق أبا إسحاق إبراهيم بن عبد القادر الرياحي الطرابلسي 1180 بتستور - 1277 بتونس. تلقى مبادىء العلوم بمسقط رأسه ثم انتقل إلى الحاضرة فأخذ عن المشائخ حمزة الجباس وصالح الكواش وحسن الشريف ومحمد المحجوب وأخيه عمر وأحمد بوخريص والطاهر بن مسعود ومحمد الفاسي وإسماعيل التميمي. ثم تنقل في البلاد مغربًا ومشرقًا. وحج مرتين وتلقى الإجازات عن أئمة عصره أمثال الشيخ محمد الطاهر المير السلاوي والشيخ عمر بن عبد الصادق الششتي والشيخ محمد عابد بن أحمد السندي، وأخذ عنه أبناؤه الطيب وعلي، والشيخ بن ملوكه والشيخ محمد النيفر وابناه الطاهر والطيب. أسندت إليه الفتوى 1248 بعد وفاة شيخه إسماعيل التميمي، ثم خطة الإمامة والخطابة بجامع الزيتونة 1255. وقد تقلد من الوظائف السياسية السفارة لحمودة باشا الحسيني 1218 إلى المغرب الأقصى، وأنابه مصطفى باشا للحج عنه، وأرسله المشير أحمد باشا الأول في مهمة للدولة العثمانية. له: ديوان شعر، ونظم للأجرومية، والنرجسة العنبرية في الصلاة على خير البرية، واختصار لقصة المولد، وديوان خطب، ورسالة قطع اللجاج في نازلة أولاد سليمان بن الحاج، وتعقيب على حكم الغبريني فيما وقع بين الشبيبي والبدر المغربي، والقول الحاوي في الجواب عن توقف الشيخ الشاوي في الفرق بين السبب والشرط، ورسالة في الإعذار، وحاشية على شرح القاضي زكرياء على الخزرجية في العروض ورسائل أخرى (1) .
ولم يكن شأن أكثر المدرسين الذين أفاد جماهير الطلاب منهم أدبًا وسلوكًا وعلمًا ودراية وفقهًا وبيانًا بأقل من زملائهم الذين التحقوا بالوظائف الشرعية وتقلبوا بين الخطابة والإمامة والقضاء والفتوى. ويكفي دليلاً على ذلك تلك الطائفة التي تقطعت دون الجلوس إليها الأعناق فكانت قبلة القصاد وبغية الرواد. ومن أبرز هؤلاء العلماء:
(1) محمد السنوسي. المسامرات: 1، 139، 277. مخلوف. شجرة النور: 1، 386 - 389، 1555؛ وحسن حسني عبد الوهاب. كتاب العمر: 1/2، 869 - 874، 249.
1-
شيخ الإسلام حافظ المغرب خاتمة العلماء الكبار أبو عبد الله محمد بن أحمد زيتونة. 1081 بالمنستير - 1138 بتونس. حفظ القرآن الكريم في صغره، وكف بصره. قصد أولًا القيروان وأخذ عن شيخها محمد عظوم والشيخ سلطان، ثم قدم مدينة تونس فأخذ عن الشيوخ محمد الغماد والجمل وأحمد الشريف الحفيد والمحجوز والحجيج ومحمد فتاتة وسعيد الشريف وعبد القادر الجبالي ومحمد الغماري. وفي طريقه إلى الحج توقف بالإسكندرية ومصر، وأجاز أبا العباس أحمد الصباغ، كما أخذ عن الشيخ محمد الزرقاني وأبي العباس أحمد المنوفي والشيخ سليمان الشبرخيتي. ولقي بمكة المكرمة مسند الحجاز عبد الله بن سالم البصري، وأخذ بالمدينة عن الشيخ الزلفي. وبعد استقراره بتونس درس بالمرادية التي تولى مشيختها بعد مناظرة شهدها الأمير وفاق فيها الشيخ زيتونة زميله الشيخ محمدًا الخضراوي. ودرس بالزيتونة وبجامع باب البحر الذي كان يتولى إمامته. وقد تخرج به من الفحول محمد سعادة وحمودة الريكلي والسويسي ومحمد عزوز. وكان محل استشارة الأمير حسين بن علي وموضع سره يعامله بأقصى الرعاية ويوليه جميل العناية: يخرج إليه عند قدومه ويأخذ بيده ويجلسه حذوه وينفرد به فلا يجلس معه أحدًا. وهو صاحب مصنفات شهيرة نذكر منها مطالع السعود وفتح الودود على تفسير شيخ الإسلام أبي السعود العمادي، ولمعان السراج في إبداء بعض لطائف المعراج، وحاشية على الوسطى في العقيدة، وشرح السلم في المنطق، وشرح على البيقونية، وشرح على خطبة المطول، وشرح على مختصر السعد، وكتاب على ألفية ابن مالك، وأختام على جملة من أحاديث صحيح مسلم (1) .
2-
عالم إفريقية الإمام المتمكن الحجة أبو عبد الله محمد بن الشيخ محمد الخضراوي. 1087 - 1144. حفظ القرآن الكريم على والده، وجوده بالسبع على الشيخ إبراهيم الجمل، وأخذ العلوم عن جلة من الفقهاء والمحدثين منهم الشيخ سعيد الشريف والشيخ محمد الغماد والشيخ قاسم الغماري والشيخ سعيد المحجوز الذي روى عليه الكتب الستة، والشيخ محمد قويسم، والشيخ علي الصوفي والشيخ محمود مِهتار، وعنه جماعة. أولاه الأمير أمانة خزائن العلم، ودرس بالنخلة وبالحسينية الكبرى وبجامع الزيتونة. وقد اشتهر هذا الإمام بشرحه لكتاب التسهيل المنسوب لعلي باشا (2) .
(1) مخلوف. شجرة النور: 1، 324، 1267؛ ومحمد النيفر. عنوان الأريب: 2، 9؛ وحسن حسني عبد الوهاب. كتاب العمر: 1/1، 185 - 188.
(2)
الوزير السراج. الحلل السندسية: 3، 141 - 144؛ ومخلوف: 1، 325، 1269.
3-
شيخ التربية والحقيقة العالم الصالح أبو عبد الله محمد بن علي الغرياني. أصله من غريان بطرابلس. 1195 بتونس. أخذ بجربة عن الشيخ إبراهيم الجمني ثم عن جملة من أعيان تونس مثل المشايخ محمد زيتونة وحمودة الريكلي ومنصور المنزلي. ثم قصد إلى الحج وأخذ عن أعلام بالمشرق منهم المشايخ محمد الحفناوي ومحمد البليدي ومحمد بن علي بن فضل الطبري وإدريس بن أحمد الصعدي ومفتي مكة المكرمة تاج الدين بن عبد المحسن بن سالم وأحمد العماري ومحمد بن عقيلة والدمنهوري. وله فهرست حافلة، وممن أخذ عنه ابنه أحمد ومحمد بن قاسم المحجوب وعلي البقلوطي الملّولي وأحمد بن محمد المنزلي وعلي البارع وعثمان بالمه ومحمد كمون وأحمد العصفوري. وكانت دروسه بجامع الزيتونة، وبالسليمانية التي بناها علي باشا. أقرأ المختصر والبخاري والشمائل والمواهب اللدنية والتفسير وكبرى السنوسي والأشموني. وكانت مجالسها مشهورة مشهودة، وأختامها رائعة مدونة أنشدت فيها القصائد والأشعار تمجيدًا للشيخ وتسجيلًا للمعارف والعلوم والآداب والأذواق. وقد كانت بينه وبين الشيخ مرتضى الزبيدي مراسلات وأجازه بما تضمنته فهرسته. ومن تآليفه المعروفة: شرحه على مقدمات السنوسي في التوحيد، وحاشيته على الخبيصي على متن التهذيب في المنطق، وفيض الخلاق في الصلاة على راكب البراق، وشروحه على مقدمة مختصر خليل، وتفسير البسملة، وتعليق على شمائل الترمذي، ورسالة في حكم الخنثى المشكل. وقد وضع بعض حفدته رسالة في مناقبه (1) .
وعدد آخر من العلماء الحفظة القراء أمثال أبي إسحاق إبراهيم الحميري وأبي العباس أحمد الوافي من التونسيين ومحمد بن مصطفى قاره طاباق من أبناء جند الترك 1292. وقد نشأ هذا الأخير في طلب العلم وبرع في القراءات والتجويد. ودرس بجامع الزيتونة ثم ولاه حسين بن علي تركي التدريس بالجامع المرادي. وانتفع به عدد كبير من الطلاب. له: تحفة البررة بقراءة الثلاثة المتممين للعشرة، والجواهر النضرة والرياض العطرة في متواتر القراءات العشرة (2) .
(1) مخلوف. شجرة النور: 1، 349، 1387؛ وحسن حسني عبد الوهاب. كتاب العمر: 1/2، 840 - 842، 236.
(2)
حسن حسني عبد الوهاب. كتاب العمر: 1/1، 189 - 190، 26.
وبرز في عامة العلوم سادة أئمة مثل:
1-
العالم الفقيه الفرضي القدوة أبو عبد الله محمد بن حسن الدرناوي 1199. أخذ عن الشيخ الغرياني وغيره. له تعاليق على شرح الزرقاني على المختصر، وحاشية على الدرة (1) .
2-
شيخ الشيوخ العلامة الفقيه صالح الكواش 1137 - 1218. أصله من الكاف، دخل جده تونس واشتغل بها فرانًا. وهو من أحد الناس ذكاءً وثقوب فكر. قرأ بالزيتونة ودرس بها. ومن شيوخه الغرياني وعبد الكبير الشريف والريكلي وقاسم المحجوب ومحمد المنصوري شارح مختصر خليل وعبد الله الغدامسي، وعنه شيوخ جلة منهم إسماعيل التميمي وإبراهيم الرياحي وأحمد زروق الكافي السنوسي وحسن الهدة. خشي بطش علي باشا به لميله إلى ابن عمه حسين بن علي فخرج هاربًا إلى طرابلس، ولقي هناك الشيخ التاودي فأخذ عنه الحديث وأجازه بما ثبتت عنده روايته كالكتب الستة والموطأ والشفاء وجامعي السيوطي: بعضها قراءة، وبعضها إجازة عن عدد من العلماء كالشيخ حمودة الريكلي عن أبي عبد الله الصفار عن الشيخ عبد الباقي الزرقاني عن النور الأجهوري بسنده، والشيخ المنصوري عن الهستوكي عن اليوسي. وامتدت رحلته فدخل الآستانة وظهر أمره بها كما دخل مدينة إزمير. ثم استقدمه محمد الرشيد فعاد إلى بلده. وحصلت له وحشة مع علي باشا الحسيني فنفاه إلى منزل تميم ثم عفا عنه وأسند إليه مشيخة المدرسة المنتصرية 1175. وله: شرح بديع على الصلاة المشيشية، وشرح لقصيدة الأمير محمد الرشيد غير القافية اسمه "التحفة السنية على نظم الفريدة الحسينية"، ورسالة في علم الكلام أجاب فيها عن ثلاثة أسئلة تقدم بها المختالي إلى علماء تونس، وكذلك رسالة أخرى نفيسة في المذاهب العقدية (2) .
وكذا الشيخ علي بن سلامة.
وإلى جانب المفسرين والمحدثين والفقهاء والأصوليين طائفة من اللغويين ومن الكتاب المؤرخين ومن الشعراء المبدعين.
(1) مخلوف. شجرة النور: 1، 350، 1393.
(2)
ابن أبي الضياف: 7، 44، 47؛ ومخلوف. شجرة النور: 1، 365، 1454؛ وحسن حسني عبد الوهاب. كتاب العمر: 1/2، 546 - 548، 144.
فمن علماء اللغة والأدب:
الإمام الألمعي أبو عبد الله محمد بن علي بن سعيد الحجري اللغوي النحوي المتفنن، الشاعر. 1199 بتونس. أخذ عن قاسم المحجوب وابنه محمد وعن الشيخ صالح الكواش. له من المصنفات حاشية على الأشموني في شرح الخلاصة، وحاشية على السكتاني في علم الكلام وأخرى على شرح الخبيصي، ورسالة في المنطق، وديوان شعر (1) .
ومثله اللغوي النحوي الشيخ أحمد السدوسي.
ومن الأدباء الحذاق والشعراء الكتاب الشيخ أبو العباس أحمد الأصرم القيرواني الأصل، الذي لزم خدمة الدولة الحسينية منذ نشأتها، وواكب ما جرى في أولها من أحداث، وذهب إلى الجزائر مصاحبًا ابني حسين بن علي ثم عاد مع محمد الرشيد وأخيه علي بعد انتصارهم على عدوهم، وأسندوا إليه رئاسة الكتابة. وهي وظيفة سامية في الدولة، وجعلوها في بنيه من بعده يتداولها خلفهم عن السلف إلى أن خف قطين تأهلهم وجف بها زرع اضطلاعهم (2) .
ومن أصحاب المواهب العالية والقدرة الفائقة في فني الأدب شعره ونثره الشيخ الجليل الفقيه الأصولي المقدم في فنون البلاغة نظرًا وعلمًا وإبداعًا ونظمًا محمد الشافعي بن محمد بن القاضي الباجي. درس بالزيتونة وتخرج بكبار علمائها. ففاق نظراءه وكان مواليًا للأمير حسين بن علي تركي وأبنائه. لم يقبل ما أسند إليه من الوظائف، وانقطع مبجلًا مكرمًا بجبل المنار فتفرغ للعبادة والكتابة. ومما أثر عنه "إبداء النكات شرح قصيدة محمد الرشيد المسمات بمحركات السواكن" وله شعر بديع (3) .
(1) مخلوف. شجرة النور: 1/350، 1392.
(2)
محمد النيفر. عنوان الأريب: 2، 30 - 32، وخطة رئيس ديوان الإنشاء وهي خطة باش كاتب في الدولة الحسينية وقد لقب صاحبها بعد ذلك بوزير القلم والاستشارة. وهي دون غيرها من الخطط لم تكن تسند لأحد من المماليك ولكن ينتخب لها رجل من أهل العلم ومن أبناء البيوت التونسية. فقد تولاها في عهد حسين بن علي الحاج بلحسن السهيلي، وفي أيام علي باشا الشيخ عبد اللطيف السهيلي والشيخ عبد الرحمن البقلوطي، وفي دولة محمد الرشيد الشيخ أحمد بن محمد الأصرم، ومن بعده في عهد علي بن حسين أعيد إليها الشيخ عبد الرحمن البقلوطي واستمر عليها قترة من عهد حمودة باشا الحسيني، ثم تعاقب عليها من الوزراء بعده الشيخ الحاج حمودة بن عبد العزيز فالشيخ محمد بن حسين الدرناوي فالشيخ محمد بن محمد الأصرم فالشيخ محمود الأصرم. محمد ابن الخوجة، صفحات من تاريخ تونس: ص121.
(3)
محمد النيفر. عنوان الأريب: 2، 27 - 30.
ومن الأدباء المهرة والكتاب الحذاق أبو عبد الله محمد بن حسين الدرناوي الطرابلسي الأصل 1254. تخرج من الزيتونة وكان يملك عنان قلم الإنشاء. فولاه علي باشا الحسيني رئاسة الديوان بعد وفاة الشيخ أبي العباس الأصرم لكفائته ثم أقصي عنه مع احتفاظه بمهابته وتقدير الناس له وتنويههم بسلوكه وسيرته (1) .
1-
وأما المؤرخون الكتاب والعلماء الأدباء فأبرزهم الوزير العالم الأديب أبو عبد الله محمد بن محمد السراج الأندلسي الأصل 1149. أخذ العلم عن الشيخ الغماد والحديث عن الشيخ الحجيّج، وجملة من الفنون عن الشيخ سعيد الشريف والشيخ فتاتة. وتصدر للتدريس في أماكن متعددة، منها جامع الزيتونة الأعظم. وكان القيم على مرتبات المدرسين به. وهو رجل عفيف ورع دين. له الحلل السندسية في الأخبار التونسية، أهم تأليف في تاريخ تونس للفترة الواقعة بين الفتح العثماني وقيام علي باشا ضد عمه حسين بن علي. وقد أتلف الباشا علي بن محمد الجزء الرابع من هذا الكتاب لما فيه من ذكر مساويه (2) .
2-
وسبق لنا ذكر العلامة محمد سعادة من بين هؤلاء المؤرخين. فهو صاحب المصنف البديع في تاريخ بداية هذه الدولة المعروف بـ"قرة العين في فضائل الأمير حسين وابنه محمد الرشيد". وهذا كما يدل عليه عنوانه كتاب مناقب وأخبار كثيرة جمعها صاحبه لتكون سيرة لمليكه.
3-
العلامة الأديب المؤرخ الكاتب الشاعر أبو محمد حمودة بن عبد العزيز 1202. أخذ عن والده وعن عدة من الشيوخ أمثال قاسم المحجوب والماكودي والغرياني والشحمي، وعنه الشيخ محمد بيرم الثاني وعمر ومحمد ابنا المحجوب. تولى رئاسة الكتابة، وسافر لحمل الصرة صحبة أبي الفلاح صالح زيد في عهد حمودة باشا الحسيني بوصفه قاضي الركب. وأرسله الأمير علي بن حسين سفيرًا عنه لدار الخلافة، وللجزائر، وتولى تعليم حمودة بن علي بن حسين. وشعره أبلغ من نثره، وله تحرير في بعض المسائل الكلامية، وشرح لموشح ابن سهل، وحاشية على الوسطى، ورسالة في القبلة. وأعظم كتبه التي اشتهر بها التاريخ الباشي في أيام علي باشا الحسيني (3) .
(1) ابن أبي الضياف. الإتحاف: 7، 29، 36؛ ومحمد النيفر. عنوان الأريب: 2، 62 - 63.
(2)
حسين خوجة. ذيل بشائر أهل الإيمان: ص180؛ ومخلوف. شجرة النور: 1، 326، 1272/2، 164.
(3)
ابن أبي الضياف. الإتحاف: 7، 1622؛ ومخلوف. شجرة النور: 1، 364، 1450؛ ومحمد ابن الخوجة. معالم التوحيد: ص67؛ ومحمد ابن الخوجة. صفحات من تاريخ تونس: ص263.
4-
العلامة المؤرخ والفقيه المتكلم أبو الثناء محمود مقديش الصفاقسي. 1338. أخذ ببلده عن اللومي والفراتي والمصمودي وأبي عصيدة. وقرأ المختصر على أحمد بن عبد الصادق الطرابلسي وعلى إبراهيم الجمني الحفيد، وتخرج بتونس بالشيخ الشحمي وقاسم المحجوب وعبد الله السوسي وأحمد بن ناصر الدرعي، وأخذ بمصر عن أحمد الدمنهوري وعلي الصعيدي. له حاشية على أبي السعود، وشرح على المرشد المعين، وشرح على القلصادي، وشرح على الوسطى، وتاريخ صفاقس وعلمائها (1) .
وإلى هذه الزمرة المتقدمة من العلماء والأدباء ينتسب عدد كبير من الشعراء سجلوا أحداث هذا العصر فكانت أشعارهم له صورة، وقصائدهم لمجتمعاتهم مرآة. في مقدمتهم:
1-
أبو الحسن علي الغراب الصفاقسي. 1183. أخذ عن أبي الحسن اللومي وعن الشيخ محمد سعادة. كان فقيهًا عدلًا ذا حظ من علم الحساب والمنطق والبلاغة والتاريخ. وله قصائد رائجة في المشرق والمغرب، مدح العلامة أبا المحاسن يوسف الحفني المصري محشي الأشموني. وكان أثيرًا لدى علي باي. له مقامات كالعبائية والهندية. وله أشعار، وديوانه مطبوع (2) .
2-
أبو عبد الله محمد بن أحمد الوزغي. 1190. الأديب اللغوي الكاتب الشاعر. أخذ عن الشيخ محمد سعادة بجامع الزيتونة، وبرز في علمي الكلام واللسان. انتظم في سلك كتاب الدولة. له مقامات جيدة كالمقامة الخمرية التي مدح بها علي باشا حين هدم الحانات الواقعة جوار جامع الزيتونة وبني مكانها مدرسة لسكنى الطلبة، وله أشعار رائعة مثيرة فيه وفي علي بن حسين بن علي من بعده. كتب نسخة من القاموس بخطه البديع تقع في مجلد واحد هي من محفوظات الخزانة العاشورية. وله ديوان مطبوع (3) .
3-
الشيخ أبو محمد عبد اللطيف بن محمد الطوير المذحجي القيرواني. 1199. قاضي القيروان ومفتيها. أخذ ببلده عن علماء القيروان ثم دخل تونس فدرس بالجامع الأعظم ودرّس به. وكانت له مشاركة في كثير من العلوم وبخاصة الأدبية. وكان علي باي يستدنيه ويحضره مجلسه لمؤانسته. له رسائل انتصر فيها للشيخ البارودي على مناظره الشيخ لطف الله العجمي، وله ديوان مطبوع (4) .
(1) ابن أبي الضياف. الإتحاف. 8، 24، 219؛ ومخلوف. شجرة النور: 1، 366، 1462؛ ومقدمة نزهة الأنظار: 63 - 25.
(2)
محمد النيفر. عنوان الأريب: 2، 32 - 35؛ ومخلوف. شجرة النور: 1/348، 1382.
(3)
محمد النيفر. عنوان الأريب: 2، 36 - 39؛ ومخلوف. شجرة النور: 1، 348، 1384؛ ومحمد الحبيب ابن الخوجة. ديوان الورغي.
(4)
محمد النيفر. عنوان الأريب: 2، 41 - 43؛ ومخلوف. شجرة النور: 1، 350، 1394.
ففي هذا المحيط المضطرب من السياسات الذي كان يتنازع فيه على الظهور والغلبة والسلطة والحكم الأبناء مع الآباء، وبنو العمومة فيما بينهم مستنجدين في غالب الأحيان بالأجانب أو بالمرتزقة من الجند، ومعرضين ما يقيمونه من أنظمة ويتولونه من سلطان لما كان يهددهم من ثورات عنيفة وردود فعل ساحقة في داخل البلاد. فمن هجومات عسكرية غربية وحملات خارجية تنشر الرعب والدمار، إلى فتن تسبب تعاقبها فيما نكبت به البلاد والعباد من أوبئة ولحقهم من مسغبة وأفقد حياتهم الأمن والاستقرار وعاق المجتمع عن النهوض والتقدم. وفي ظل بعض الأمراء الذين كانوا رغم تلك الظروف والأحوال يعملون جاهدين من أجل التعمير والبناء وتحصين البلاد وتحقيق المنعة فكانت أوقافهم ومبراتهم سبيلًا للتخفيف على الناس ونشر السعة والرخاء بينهم، ومواقفهم الرشيدة وتطلعاتهم الشريفة سببًا في قيام حياة متميزة يتسابق إلى قيادتها المتنافسون من أولي العزم والحزم ورجال العلم والفكر، تكونت أسر علمية من أهل تونس ومن أبناء الجند التركي الوافد على البلاد فلمعت شخصيات فكرية حاولت قدر الطاقة خدمة البلاد ونشر المعرفة ووصل الثقافة المغربية المتوارثة عن الأزمنة الماضية المتقدمة والأدوار السابقة الراقية بما لقنوه من فقه وأقرأوه من كتب وبما تلقوه من أسانيد وإجازات وجمعوه من مصادر وأمهات وقرأوه من دواوين ومؤلفات على أئمة المشرق وشيوخه الذين التقوا بهم في مواسم الحج بالحرمين الشريفين فأقاموا عندهم ونزلوا بديارهم قبل الحج وبعده بمصر والإسكندرية يربطون الصلة العلمية بهم ويتعرفون إليهم ويجيزونهم بما عندهم من أسانيد وأثبات لم تكن تعرف في ديار المشرق.
الشيخ محمد بيرم الثاني
هو القاضي والمفتي شيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بن محمد بن حسين بن أحمد بن محمد بن حسين بيرم. الفقيه الحنفي التونسي. وهو أحد أفراد الأسرة العلمية المجيدة الموجودة إلى اليوم بتونس. وقد أسندت إليها رئاسة المفتيين الأحناف. وتولى هذا المنصب العلمي والشرعي الخطير منها مؤسسها شيخ الإسلام محمد بيرم الأول 1186، ومن بعده مترجمنا الشيخ محمد بيرم الثاني 1215، فابنه الشيخ محمد بيرم الثالث 1247، فالشيخ محمد بيرم الرابع 1259 وثلاثتهم على التعاقب دون انقطاع أو فصل. وآخر من أسندت إليهم مشيخة الإسلام من فقهاء البيت البيرمي الشيخ محمد الطيب بيرم 1357.
قدم جد والد الشيخ محمد بيرم الثاني وهو أحمد بن محمد بن حسين بيرم مع الجند الذي قاده سنان باشا إلى تونس لطرد الإسبان سنة 981، وأمه هي ابنة الشيخ حسن بن إبراهيم بن محمد البارودي من بيت البارودي إحدى بيوتات العلم والفضل بتونس، ويمتد نسبها إلى الكاتب الشاعر المؤرخ الحافظ أبي عبد الله محمد ابن الأبار القضاعي البلنسي.
ولد الشيخ بتونس في 16 ذي القعدة 1162، وتوفي بها في 16 جمادى الأولى 1247.
وبعد أن أتم حفظ القرآن الكريم توجه إلى طلب العلم. فأخذ القراءات والتجويد عن شيوخ جلة منهم: محمد قاره باطاق وإبراهيم الحميري وأحمد الوافي، وأخذ الحديث والفقه عن والده، وأخذ النحو عن الشيخ أحمد السوسي، أما بقية العلوم فتلقاها عن الشيوخ صالح الكواش وأحمد الشريف الثعالبي الشهير بالبرانسي ومحمد الدرناوي وعلي بن سلامة، كما أخذ عن الشيخ محمد الشحمي، وتخرج بالوزير الكاتب الشاعر الناثر الحاج حمودة بن عبد العزيز صاحب التاريخ الباشي.
وقد برع الشيخ محمد بيرم الثاني في الفقه الحنفي على طريقة المحققين من رد الفروع إلى أصولها حتى عد من مجتهدي المذهب وكان بالمغرب بمنزلة ابن عابدين في المشرق. وقد لقبه شيخ الإسلام محمد ابن الخوجة الأكبر بأبي يوسف الثاني.
درس بالمدرسة الباشية وبجامع الزيتونة الأعظم. وأخذ عنه كثير من طلبة العلم ورواد الفكر، وولي القضاء بتونس لستٍّ بقين من شهر ربيع الأول 1192 ثم استعفى منه في الرابع من رجب 1193، وعُيِّن ثانية فيه لأربع بقين من ربيع الثاني 1194، ثم استقال وولي الإشراف على الأشراف أي نقابة الأشراف بعد موت الشيخ عبد الكبير الشريف 1206، وارتقى بعد ذلك إلى رئاسة الفتوى بعد وفاة والده 1215.
وقد كان إلى جانب مقامه العلمي ومنزلته الفقهية أديبًا شاعرًا. له نظم في التوحيد.
وله مصنفات تاريخية وكتب تراجم هي تقييدات مفيدة ومعلومات لا غنى عنها لمن يهتم بتاريخ تونس والترجمة لأعلامها. منها:
عقد الدرر والمرجان في سلاطين آل عثمان. وهو قصيدة جمع فيها أسماء سلاطين آل عثمان من بداية ظهورهم 699 إلى السلطان سليم خان الثالث. وعلى هذه القصيدة ذيول أولها لابنه الشيخ محمد بيرم الثالث وهو من قسمين، والثاني للشيخ محمد بيرم الرابع، وذيل للشيخ محمد بن مصطفى بيرم صاحب صفوة الاعتبار دفين حلوان، وآخر بعنوان ملحق للقصيدة البيرمية نظمه الأديب التونسي الشيخ محمد التطاوني، وأخيرًا إتمام وإكمال من نظم محمد ابن الخوجة (1) .
التعريف بالولاة من طرف الدولة العثمانية بتونس. وهو نظم تضمن ذكر جميع البايات من تاريخ الفتح العثماني 981 إلى محمود باي. ولهذه القصيدة أيضًا ذيل صنعه الجنرال ابن الخوجة (2) .
التعريف بنسب الأسرة البيرمية:
التعريف بالمفتيين الحنفيين بتونس من الفتح العثماني إلى عهد المؤلف.
وللشيخ بيرم الثاني شروح وتعاليق على الرسائل والكتب والمباحث العلمية الفقهية والأصولية المتداولة بين فقهاء الحنفية مثل:
تعقيب على البحث الذي نقله الشرنبلالي في باب سجود التلاوة من شرحه الصغير عن العلامة الكمال بن الهمام.
شرح رسالة لطف الله الأزمرلي، "العجمي" في تحرير كلام الحنفية في باب صلاة الفوائت.
شرح شفاء الغليل في وقف العليل لابن نجيم.
حاشية على شرح قاسم بن قطلوبغا على مختصر المنار لابن حبيب الحلبي لكتاب الأنوار للنسفي.
(1) محمد ابن الخوجة. صفحات من تاريخ تونس. وعقد الدر والمرجان: ص39 - 47.
(2)
محمد ابن الخوجة. صفحات من تاريخ تونس. والنعوت والألقاب الملكية في البيت الحسيني: ص59 - 61.
وله رسائل كثيرة تكشف عن عمق نظره الفقهي واجتهاداته، وأكثرها تحريرات فقهية وفتاوى. من أهمها:
بذل المجهود في إبطال افتراض توجيه أصابع القدم للقبلة في السجود.
تحقيق الكلام فيما لإجارة متولي الوقف المنحصر استحقاقه فيه إذا مات أثناء المدة من الأحكام.
تحقيق المقال في حكم ما يعبر عنه في ديارنا بالمغارسة والاستنزال.
تحقيق المناط في عدم إعادة الساباط.
تلخيص الكلام في الحائط المنهدم إذا تنازع شركاؤه في بنائه.
حسن الحط على توهم الاحتجاج عندنا بالخط.
حسنة المنزع فيما يرجع به على المدفوع وما لا يرجع.
حسن النبا في جواز التحفظ من الوبا، وهو كما نبه عليه مخلوف رسالة في نقض ما ذهب إليه الشيخ أبو عبد الله محمد بن سليمان المناعي في رسالته تحفة الموقنين من منع إقامة المحجر الصحي.
رسالة في صحة الرجوع عن الوصية الملتزم فيها عدمه.
رسالة فيما يحدث من الطلاق المردف.
طلوع الصباح في المتحير على أجر الملاح.
قلائد اللآل في نظم حكم رؤية الهلال.
القول الأسد في حكم نصيب الميت من غير الولد.
نيل المنى من مسألة استحقاق المشتري بعد البنا.
نظم في عيوب الأضحية.
الوفاء بما يتعلق ببيع الوفاء.
وقد رزق هذا الإمام محمدًا بيرم الثاني ولدًا صالحًا أسماه باسمه وباسم أبيه محمدًا. ولد له سنة 1201، ونشأ في بيته البيرمي تحوطه الرعاية والعناية. وتخرج بوالده وبالشيخ حسن الشريف. وكان ماهرًا في علوم البلاغة والمنطق، بارعًا في المعقول والمنقول. تصدر للتدريس بالمدرسة العنقية وبجامع الزيتونة. فَبَزَّ أقرانه. وولي الإفتاء في حياة والده ثم رئاسة المجلس الشرعي عند وفاته 1247. وكان إمامًا خطيبًا بجامع صاحب الطابع ونقيبًا للأشراف. له تحريرات فقهية وتعاليق على حاشية والده على شرح ابن قطلوبغا لمختصر المنار، وشرح الفواكه البدرية في أطراف القضايا الحكمية لابن غرس، وشرح على إيساغوجي في المنطق، وشرح نيل الأماني على مقدمة القسطلاني، ورسالة في كروية الأرض. ولم يعمر محمد بيرم الثالث إذ كانت وفاته 1250 (1) .
ومما أكرم الله به مترجمنا أن شهد ولادة حفيده محمد بيرم الرابع 1220 - 1278، وسعد بالمشاركة الفعلية في تربيته وتلقينه العلم وتخريجه كما أراد فحلًا في حلبة البيان بارعًا في التدريس والتأليف ومفتيًا. وقد أسندت لهذا الإمام الرابع مشيخة الإسلام إثر وفاة والده. وهو من ذوي الوجاهة والكمال، شغوف بالعلم مولع بالكتب بارع في الكتابة. تولى عن الأمير محمد باشا الإجابة عن الرسالة السلطانية الفاسية الموجهة إليه، وهو واضع ترتيب الديوان الشرعي، وله تراجم خطباء الحنفية، والجواهر السنية في شعر المتأخرين، ورسالة في شرح قواعد عهد الأمان، ومحررات فقهية في قضايا مهمة (2) .
وهكذا تداول أعلام هذه الأسرة على نسق عجيب:
تتابعوا كأنابيب القنا ولهم
مفاخر ومزايا تبلغ الشهبا
(3)
.
(1) محمد النيفر. عنوان الأريب: 2/87 - 90؛ وحسن حسني عبد الوهاب. كتاب العمر: 1/2، 940 - 941، 271.
(2)
محمد النيفر. عنوان الأريب: 2/117 - 121.
(3)
محمد النيفر. عنوان الأريب: 2/78 - 83؛ ومحمد البشير النيفر. ترجمة بيرم الثاني؛ ومحمد ابن الخوجة. صفحات من تاريخ تونس: ص39 - 47، 59 - 61؛ وحسن حسني عبد الوهاب: 1/2، 934 - 939، 270.
رسالة الوفاء بما يتعلق ببيع الوفاء
تقدم لنا في ختام الحديث على الرسائل الفقهية من مؤلفات شيخ الإسلام المحقق العلامة محمد بيرم الثاني، ذكر هذه الرسالة الوفائية (1) التي نقدمها اليوم هدية للدورة السابعة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي بجدة. وهي الرسالة الموسومة بالوفاء بما يتعلق ببيع الوفاء.
وقد يكون حمل المؤلف على تحريرها والكتابة في مسائلها شدة الحاجة إليها في زمانه وبين فقهاء مصره وعصره، وحرص الخاصة منهم على معرفة قضاياها وموضوعاتها التي كانت من القرن الخامس موضع بحث ونظر، وبيان وشرح، وتقرير وفتوى، مع ما يتطلبه ذلك من إعمال لمختلف القواعد، وتخريج للفروع على الأصول، وإيجاد للمخارج الصحيحة المقبولة في المضايق التي تعترض الناس في معاملاتهم.
ومن المعلوم أن الفقهاء انقسموا بوجه عام إزاء بيع الوفاء فريقين كبيرين:
الأول: يقول بفساد هذا النوع من البيوع لمخالفة شرط الوفاء فيه مقتضى البيع وحكمه، كما أن في هذا الشرط منفعة للبائع، ولا دليل على جوازه، ولأن متعاطي هذه المعاملة لا يقصد في واقع الأمر البيع بشرط الوفاء وإنما يريد من وراء ذلك الوصول إلى الربا المحرم.
والثاني: يرى جواز هذا البيع ويقول بأنه مفيد لبعض أحكامه كانتفاع المشتري بالمبيع دون بيعه لآخر، وأن البيع بشرط الوفاء قد تعارفه الناس وتعاملوا به لحاجتهم إليه وتخلصًا به من الربا. وهو وإن خالف القواعد لكن هذه كما هو معلوم تترك بالتعامل كما في الاستصناع.
ونحن نجد بحث مسائل الوفا تفاريق في كتب الحنفية. قال ابن نجيم في البحر: واعلم أن بالقاهرة بيعًا يسمى بيع الأمانة كما ذكره الزيلعي، ويسمى أيضًا الرهن المعاد كما في الملتقط، وسماه الفقهاء بيع الوفاء، ويذكرونه في موضع من ثلاثة: فمنهم من ذكره في البيع الفاسد كالبزازي، ومنهم من ذكره عند خيار النقد كقاضيخان، ومنهم من ذكره في الإكراه كالزيلعي (2) .
(1) صفحات من تاريخ تونس: ص33.
(2)
ابن نجيم. البحر: ص6، 7.
وقد ورد الحديث عن هذا البيع مفصلًا ومقتضبًا مرة في آخر باب الصرف كما في درر الحكام شرح غرر الأحكام لحسن الشرنبلالي وفي الدر المختار في شرح تنوير الأبصار للحصكفي، ومرة في باب خيار الشرط من أول كتاب البيوع كما في البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم، وخصه صاحب القنية الإمام الزاهدي بباب قبل باب البيع الفاسد، وأورد مسائله البزازي في الباب الرابع في البيع الفاسد من كتابه الجامع الوجيز، وكذلك صنع ابن عابدين في رد المحتار، وعقد له صاحب الفصول العمادية الفصل التاسع عشر، وأفرده جامع الفصولين بفصل أيضًا هو الفصل الثامن عشر، كما عقد له الزاهدي فصلًا في البيوع من فتاواه.
وقد عاد المؤلف إلى جميع هذه المصادر والمراجع، ووقف على كثير غيرها من أمهات الكتب ناقلًا ومقارنًا، مناقشًا ومحررًا، معترضًا ومجيبًا، محققًا ومرجحًا، مبينًا ومفتيًا، فجاءت رسالته الوفائية رسالة علمية دقيقة على غرار ما كتبه العلماء المتقدمون من مباحث فقهية تعتمد في لغتها ومنهجها الجدل، وتكتسي طبيعة التقرير في عرضها حتى لكأنها أمالي دروس أو صورة مجالس، جمعت أكثر ما قيل في الموضوع على نحو فريد بديع، أعجب به معاصروه ونوه به زملاؤه وطلابه، فاتخذوه في عمله هذا أسوة لهم، واعتمدوا أقواله وأفهامه كما يشهد لذلك قول أحدهم في رسالة له في الوفاء أيضًا، تضمنت تسع مسائل:"صرح بذلك شيخ مشائخنا العلامة الفريد في نقله وفهمه شيخ الإسلام سيدي محمد بيرم الثاني قدس الله قبره وضاعف يوم الجزاء أجره في رسالته الوفائية"(1) .
(1) انظر المسألة الأولى من مسائل بيع الوفاء الجاري بها العمل في تونس للفقيه محمد البارودي.
تحليل الرسالة
اقتصر المؤلف في خطبتها على الإشارة إلى بعض ما اعتمده من أمهات الكتب والمصادر الفقهية في المذهب الحنفي، في بحث موضوع الوفاء والتعريف بالآراء المختلفة بشأنه، وتقديم ما يراه معتبرًا من الأحكام في مختلف الفروع المتصلة بهذا النوع من المعاملات. وتلك المصادر التي وصفها بثبوت الاصطفاء لها بين فقهاء الحنفية أربعة: هي الخانية والعمادية وجامع الفصولين والبزازية.
ثم تولى بيان محتوى الرسالة منبهًا فيه على ما اشتملت عليه المقدمة والفصول العشرة والخاتمة من مسائل ونقول وأحكام وفتاوى: 1 -2.
ففي المقدمة تناول أولًا غرضين:
أحدهما: بيان الاسم المطلق على هذا البيع في اصطلاح أكثر الفقهاء وبمختلف الأمصار. فهو بيع الوفاء، والبيع الجائز. وبيع المعاملة، وبيع الأمانة، والرهن، والبيع البات.
ثانيهما: تحديد المصطلح وبيان مسماه وحقيقته. فهو عقد وضع للتوثيق للدين والانتفاع بالعين.
وبإثر هذا التعريف يشير المؤلف إلى أن هذه المعاملة مستحدثة، لم تكن موجودة في صدر الإسلام لوجود ما يغني عنها من القرض الحسن. ولما تغيرت الطباع، وأحضرت الأنفس الشح أحدث بيع الوفاء "تحيلًا لتحصيل الأرباح بطريق مباح ". وكان أول ظهوره بسمرقند. ومن أجل ذلك كثر الحديث فيه بين فقهائهم واختلفوا بين قابل له وغير قابل. وفي هذا كلام نفيس لأئمتهم من أهل الترجيح مثل النسفي والصدر الشهيد والمرغيناني وأولاده: 2 - 3.
وتأتي فصول الرسالة متوالية بعد ذلك مشتملة على فروع مختلفة تتصل بما يعرض للناس بسبب حاجاتهم أو تصرفهم في معاملاتهم، فتبين أحكام تلك الفروع وتذكر الفتاوى في المسائل المطروحة معتمدة في كل هذا النقول المحررة، ومركزة نتائج البحث على إعمال النظر والمناقشة والترجيح. وجملة هذه الفصول عشرة:3.
الفصل الأول - في بيان ما يرجع إليه الوفاء من العقود:
وهو من أهم الفصول لبحثه في طبيعة هذا العقد. وقد ذكر الشيخ بيرم أن البزازي في جامعه جعل جملة الآراء في ذلك تسعة. وهي في نظره قابلة للاختصار وردها إلى خمسة أقوال، لأنها عند التحرير لا تعدو أن تكون رهنًا، أو بيعًا جائزًا لازمًا، أو بيعًا جائزًا غير لازم، أو بيعًا فاسدًا، أو عقدًا مركبًا. وقد فصل القول في جملة تلك العقود عقدًا عقدًا مع نسبة الأقوال لأصحابها:3.
1-
فاعتبار بيع الوفاء رهنًا هو ما درج عليه الإمام أبو شجاع وابنه والسغدي والماتريدي والقاضي والأمير. ودليلهم أن العبرة في العقود بمعانيها لا بمبانيها. فهو رهن حكمًا وإن كان بيعًا اسمًا. وقد أوردوا تنظيرًا لذلك: وقالوا الكفالة بشرط براءة الأصل حوالة، والحوالة بشرط عدم براءته كفالة.
ونقل المؤلف ما اعترض به على هذا الرأي من أن الانتفاع بهذا البيع مقصود كما أن الاستيثاق به مقصود، وأجاب بأن الرهن لا تبطله الشروط الفاسدة، منبهًا إلى أن العقد في صورة الحال عنوان له ببيع لا برهن.
وأردف ذلك بنقول من فتاوى صاحب التنوير ومن جواهر الفتاوى تقتضي تصحيح القول بأنه رهن محض، وأن للقاضي الحنفي أن يحكم بكونه رهنًا بعد الدعوى الشرعية: 3 - 4.
2-
واعتباره بيعًا جائزًا لازمًا لا يختلف في شيء من أحكامه عن البيع البات هو ما ذهب إليه الإمام النسفي، ونقل اتفاق شيوخه عليه بشرط أن يكون هذا البيع خاليًا عند العقد من ذكر شرط الفسخ. ومعروف أن القاعدة عند فقهائنا تنص على أن العبرة في الشرط المفسد بقرانه للعقد ذكرًا باللسان دون تقدمه ذكرًا عليه، ولا قرانه به مضمرًا في الجنان.
وقد أعقب هذا البيان بنقل عن العمادية، ينظر حكم صحة عقد هذا البيع بصحة نكاح من تزوج امرأة على نية تطليقها إثر الوطء، فنكاحه صحيح نظرًا لصيغة العقد وليس نكاح متعة باعتبار قصده، لأن العبرة في مثل هذا بالملفوظ دون المقصود.
ثم ختم بيان هذا الوجه بذكر فتوى النسفي الضابطة لصورة هذا العقد والمبينة لحكمه: 4 - 5.
3-
واعتباره بيعًا جائزًا غير لازم لخلوه عن المفسد أولًا، وللوفاء بالوعد ثانيًا. وصورته أن يعقد البيع بلا شرط ثم يذكر الشرط على وجه المواعدة. صرح بذلك قاضيخان وبنى عليه أنه يحل للمشتري الانتفاع بالمبيع لجوازه بإذن المالك، وأنه يفسخ بطلب أحد المتعاقدين. وقد أتى المؤلف بتحرير لصيغة المواعدة وتعليل لوصفه بالجواز، وبعدم اللزوم.
ثم أورد مناقشة الحاوي لكلام قاضيخان في ما ذهب إليه، والخلاف بين الزاهدي في اعتباره البيع باتًّا إذا كان بثمن المثل أو بغبن يسير، واعتبار قاضيخان له بيعًا غير لازم في هذه الصورة: 5 - 6.
4-
واعتبار الوفاء بيعًا فاسدًا في صورة ما إذا عبر المتعاقدان بالبيع، وشرطا فسخه في العقد، أو عبرا بالبيع بشرط الوفاء، أو أطلقا البيع. وهذا القول يعبر عن رأي صاحب العدة ورأي ظهير الدين المرغيناني. وهذا بيع جائز غير لازم عند الإمامين، أعطاه القائلون بفساده أحكام البيع الفاسد كلها، وألحقه الصدران السعيد والشهيد ببيع المكره، وتبعهم في ذلك الزيلعي.
وختم بيانه هذا بنقل كلام العمادي: "بأن الفتوى فيما يترتب على هذا العقد على القول بالفساد مع عدم فواته، وبأن زوائد المبيع على القول بالفساد مضمونة على المشتري ضمان زوائد المغصوب بالاستهلاك لا بالهلاك: 6 - 7".
5-
واعتبار بيع الوفاء عقدًا مركبًا من رهن بالنظر للبائع فلا يملك المشتري تحويل يده وملكه إلى غيره ويجبر على الرد إذا حضر الدين، ومن بيع صحيح في حق المشتري حتى يملك هذا النزل والمنافع كالسكنى والزراعة والإيجار. وهو مذهب شيوخ النسفي، ويعرف عند الفقهاء بالقول الجامع. وبه قال برهان الدين المرغيناني، وعليه استقر قول الأئمة والفقهاء في عصره.
وينوه الشيخ بيرم في هذا المقام بعلو درجة صاحب الهداية في العلم مقارنًا له بالقدروي وأضرابه من أئمة الترجيح، اعتمادًا على شهادة ابن كمال باشا له.
ثم يعود المصنف إلى ذكر الأسباب الحاملة على اختيار هذا الوجه لبيع الوفاء معللًا الاختيار بحاجة الناس إلى هذا البيع، وتعاملهم به، ومذكرًا بأن القواعد تترك بالتعامل كما في الاستصناع، وأن ما ضاق على الناس اتسع، وأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، ولتأييد وجهة النظر هذه ينقل كلام صاحبي النهاية والأشباه.
وفي الرد على من ينكر احتمال التركيب ينظر بيع الوفاء على هذا التأويل بالهبة التي تتقلب بشرط العوض بيعًا، وتصير في حال المرض وصية: 7 - 8.
وبعد إيراد الآراء الخمسة حول طبيعة عقد بيع الوفاء، وقبل الفراغ من هذا الفصل يتعرض شيخ الإسلام لجملة من المسائل المرتبطة بهذا الموضوع. فيقارن أولًا بين حاجة الناس في القرن الخامس إلى هذا النوع من البيوع وحاجتهم إليه الآن. وهو ما قضى باشتغال الفقهاء به، وانكبابهم على درس صوره والفتوى فيه.
وينكر ثانيًا الخلط بين المذاهب بتطبيق الأحكام المخالفة لما جرى عليه المذهب المعتمد في أصل المسألة، ويبين أن العمل بتونس في بيع الوفاء على المفتى به من كلام المتأخرين من الحنفية في عصره.
ويقرر ثالثًا أن القائلين بالتركيب جعلوه من الرهن ومن البيع الصحيح، ومنهم من جعله من أنواع ثلاثة هي الرهن والبيع الصحيح والبيع الفاسد. وينقل في هذا المحل كلام البزازي معقبًا على القول بتركيبه الثلاثي بأنه لا يعتد به ولا يوافق عليه.
وينتهي من ذلك إلى تأكيد أن الوفاء لا يصلح طريقًا للتحيل إلا على القول الثالث الذي يجعله بيعًا جائزًا غير لازم، أو على القول الخامس الذي يعتبره مركبًا من الرهن ومن البيع الجائز الصحيح.
ويصرح بأن تسلمات أهل تونس جارية على هذين القولين في القضاء والفتوى، وبعد المقارنة بينهما يختار الخامس ويرجحه على الثالث.
وفي ختام الفصل يتحدث عن بيع الثنيا أو التطوع بالثنيا المتعارف بين مواطنيه فيعرف به وبصوره الأربعة، ويطبق عليها القواعد المتقدمة مع بيان الأحكام في جميعها: 8 - 11.
الفصل الثاني - فيما يصح عقد الوفاء فيه وما لا يصح:
يبدأ هذا الفصل بذكر الاتفاق على صحة عقد بيع الوفاء في عقار البالغ العاقل. ويذكر إثره الخلاف في صحة عقده في عقار الصبي والمجنون، منبهًا إلى منع العلامة علاء الدين وأئمة سمرقند ذلك لما فيه من تمليك الولي منافع عقار المولى عليه للمشتري بلا عوض، وحاكيًا إجازة صاحب العدة لبيع الوفاء في عقار الصبي والمجنون عند اضطرار المولى عليه إلى ثمنه. هو القول المعتمد والمفتى به في تونس.
وينتقل المؤلف بعد ذلك إلى الحديث عن حكم بيع الوفاء في المنقول، فيحكي منعه عن العدة، وجوازه عن النوازل، مبينًا في هذا المجال دليل القولين. ومخصصًا منع بيع المنقول وفاء بما لا ينتفع به إلا باستهلاك عينه: 11 - 12.
وفي شكل اعتراض على هذا الحكم يتحدث عن النصبة المعروفة عند الفقهاء بالسكنى فيجيز بيع الوفاء فيها قياسًا بشرط أن لا يدخل فيها على شرط القرار، ولكنه ينبه هنا على أن القرار مدخول عليه فيها عرفًا، فيترتب على ذلك عدم صحة الوفاء فيها، كما لا يصح فيها البيع البات والرهن والهبة والوقف. ويحمل على حكم النصبة عند الأحناف حكم الخلو والمفتاح:12.
الفصل الثالث - ما يمتنع على المشتري من فعل في مبيعه وما يجوز:
وهذا الفصل من أطول الفصول وأكثرها مسائل. وهو يشتمل على قسمين ظاهرين من العنوان، وعلى مباحث وملحقات فيها تفاصيل وأحكام.
فالقسم الأول ينقل فيه كلام البزازي وهو ما لا يجوز للمشتري وفاء أن يتصرف به في المبيع وذلك نقل ملكه لآخر ببيع بات أو هبة، ونقل اليد ببيع وقائي ثان، وأضاف المؤلف: أو نقل اليد برهن محض أو إعارة.
وبناء على ذلك لا يصح تولية المشتري وفاء شراءه غيره إذا لم يكن بإذن البائع. وتكون يد المتولي على المبيع غير محقة، 9 وللبائع أن ينتزع منه المبيع ولو بغيبة المشتري الأول. وعلق الشيخ على ذلك بأن في نزع المبيع من اليد الغير المحقة إشكالًا قائمًا وهو تعذر المنازعة لأن ذا اليد لا يدعي ملكًا فلا يكون طرفًا في الخصومة.
ونقل عن صاحب الفصول أن حكم وارث كل واحد من البائع والمرتهنين اللذين هما المشتري الأول والمشتري الثاني حكم مورثه وهو ما قضى به الأمير.
وفي آخر هذا القسم تعرض لجملة مسائل منها:
- التساؤل عن ثبوت حق المتولي في مطالبة البائع بالمال الذي قبضه من المشتري الأول باعتبار كونه يتنزل منزلته أو لأنه غريم وغريم الغريم غريم، وبعد الإجابة عن الوصفين وما يترتب عليهما من آثار حكمية متوهمة ينفي أن يكون هناك دين مستحق لأن مال الوفاء لا يصير دينًا في ذمة البائع إلا بعد فسخ الوفاء
- ومنها عدم صحة الكفالة بمال الوفاء منجزة وإنما تكون مضافة إلى وقت الفسخ.
- وأنه لا يصح التفاسخ بين المشتري الثاني والبائع الأول إذ لا عقد بينهما.
- ولو دفع البائع للمشتري الثاني مال وفائه عن المشتري الأول كان متطوعًا، ولا يرجع به على الأول لانتفاء سببي الرجوع اللذين هما الأمر أو الضرورة: 12 - 15.
والقسم الثاني: وهو ما يجوز للمشتري القيام به من التصرفات في المبيع الوفائي، يتضمن ثلاثة مباحث هي الزراعة والإجارة والانتفاع بالثمرة.
المبحث الأول: في زراعة المشتري وفاء الأرض التي عقد الوفاء عليها وفيه مسألتان:
الأولى: تتعلق بفسخ العقد وفي الأرض زرع لمشتري الوفاء.
والثانية: فسخ العقد قبل الزراعة وقد كرب المشتري الأرض.
وفي بحث المسألتين ناقش المؤلف رأي البزازي، ونقل واقعة الفتوى عن العمادي، محررًا موقفه من كلاميهما.
وقد فصل القول في الأولى بأن الزرع يقلع إن كان الفسخ بطلب المشتري، ويبقى الزرع في الأرض بأجر المثل إن كان طلب الفسخ من البائع. وبعد توجيه الحكم وتعليله في هذه المسألة ذكر أن من الفقهاء من يرى الإبقاء بأجر المثل إلى الإدراك مطلقًا، منظرًا صورة طلب المشتري الفسخ هنا بمسألة المزارعة التي أخر فيها الزارع الزراعة إلى آخر السنة، وحكموا فيها بإبقاء الزرع بأجر المثل.
وفي المسألة الثانية وهي إذا تفاسخا بعد كرب المشتري الأرض وقبل الزرع هل يجب على البائع قِبَل المشتري أجر كرابه قياسًا على مسألة المزارعة، أم أن عمل المشتري من غير عقد ولا دلالة حال يعتبر من المنافع وهي لا تقوم ولا تضمن فلا يجب على البائع شيء، أم أنه يجب الإحسان تطييبًا لخاطر المشتري في هذه الصورة 15 - 17.
المبحث الثاني: في إجارة المشتري المبيع وفاء إما إلى غير البائع أو للبائع. ففي الصورة الأولى الأجرة للمشتري لكونه العاقد، وفي حلها له على القول بالتركيب وجه. وهنا يتعرض الشيخ بيرم إلى جملة مسائل منها:
- التفاسخ فيما هو مستأجر قبل نهاية مدة الإجارة تنفسخ به الإجارة أم لا.
- تفصيل القول في ذلك، ونقل كلام صاحب الفصول فيه، وجعل مدار الحكم بانفساخ الإجارة عند طلب المشتري الفسخ للعذر، وعند طلب البائع الفسخ لجهالة المدة.
- أن الفسخ لعقد الوفاء من المشتري الذي لا دين عليه، أو من البائع مع معرفة مدة الإجارة، لا يقضي بدفع البائع مال الوفاء قبل انقضاء مدة الإجارة وتمكنه من قبض المبيع. فإن دفع قبل نهاية المدة وأراد الاسترداد وكان عالمًا بمدة الإجارة لم يكن له الرجوع، ومع الجهل بها يثبت له هذا الحق. وينبه الشيخ بيرم هنا على أن قوله هذا استظهار منه يحمل على التأمل.
- التساؤل عن أجرة المدة المستحقة من وقت فسخ الوفاء إلى آخر وقت الإجارة لمن تكون؟ جعلها من حق المشتري لأنه هو العاقد لهذه الإجارة. ثم أورد اعتراضًا على هذا الحكم، منشؤه كلام صاحب الفصول، الذي يجعل الأجرة قبل الفسخ للمشتري وبعده للبائع. فيبين اختلاف الصورتين في الحكم لأن قوله منصب على المسألة والإجارة لأجنبي، وما نقله المعترض عن صاحب الفصول وارد على الإجارة حال كونها للبائع على فرض صحتها.
وفي الصورة الثانية وهي إجارة المشتري المبيع للبائع يقرر أولًا: أنها لا تصح إلا على وجه واحد من وجوه تأويل عقد الوفاء الخمسة، وذلك على اعتباره بيعًا صحيحًا باتًّا. ثم يبين أسباب عدم جواز الإجارة للبائع على الأوجه الأربعة الباقية مفصلاً ومقررًا وموردًا ما اعترض به على هذا البيان ومجيبًا عنه ثم ينتهي من ذلك كله إلى أنه:
- لا يجوز بيع المبيع وفاء بيع وفاء ولا رهنه ولا إيداعه.
- وأن للبائع أن يحسب ما دفعه للمشتري من أجر كراء ملكه من مال الوفاء.
ثم يتخلص إلى ذكر أن الحيلة في تصحيح الإجارة للبائع أو لصاحب الملك تكون بتوسط أجنبي بين المشتري والبائع في الإجارة، وينظر ذلك بالإجارة المرسومة بسمرقند. ويذكر استحسان فقهاء الحنفية لذلك مشيرًا إلى كلام الهندية.
ويتعرض إثر ذلك إلى دعوى البائع أن الإجارة للأجنبي تلجئة، وأنها غير مسموعة معللًا الحكم، وبأن من لا يلزمه شيء مع الإقرار لا تتوجه إليه يمين مع الإنكار، وأن التلجئة والهزل لا يفيدان العقد سوى وجود لفظي وهو معدوم شرعًا فكذا حسًّا.
التفريق بين بيع الرغبة وبيع التلجئة وحمل صورتي إجارة الرغبة وإجارة التلجئة عليهما، مع بيان ما ينبني عليهما من أحكام.
ويختم المبحث الثاني بنقل كلام البزازي في التحيل على إسقاط الشفعة: 17 - 26.
مبحث الانتفاع بثمرة المبيع وفاء:
وهنا لا يخلو الأمر من كون هذه الثمرة موجودة على رؤوس الشجر عند البيع ومسكوتًا عنها عند التعاقد، أو موجودة مشروطة للمشتري في العقد، أو حدثت بعد العقد.
ففي الحالة الأولى تكون للبائع، وفي الثانية للمشتري. وتكون مضمونة عليه عند الفسخ بجميع قيمتها بالغة ما بلغت. وذلك عند من يعتبر الوفاء بيعًا فاسدًا، وبحصتها من ثمن الوفاء عند من يراه صحيحًا، ونقل كلام الفصول في ذلك وتعليله الفساد، وفي الثالثة إذا حدثت بعد البيع تكون للمشتري مجانًا لأنها نزل مبيعه الوفائي.
وبعد تحقيق ذلك وتفصيله وإقامة الأدلة عليه، وبيان أن العقد في هذه الصور الثلاث وإن كان واحدًا في الظاهر لكنه متعدد مركب في الباطن من عقد على الشجر وهو محل بيع الوفاء، وعقد على الثمر وهو محل بيع الثمر، وهو بيع بات، يتعرض المؤلف لجملة مسائل ترتبط بالموضوع، منها:
- تجاذب الوفاء الرهن والبيع، واعتبار عقده لذلك من باب بيع الصفقة في الصفقة المفسدة أم لا.
- معنى كون الثمرة مضمونة بحصتها من الثمن، وظهور ذلك بالتقويم وضبطه النسبة، وتسقط من ثمن الوفاء لأن ما قابلها بيع بات، ولا تسقط حصة الشجر لأنها موضع الوفاء.
- اعتراضات وأجوبة.
- حكم الزرع القائم في الأرض عند عقد الوفاء حكم الثمر.
- طلب المشتري الفسخ ليأخذ الثمن بعد أخذه الغلة الحادثة.
وأتى بعد ذلك بمسألتين رتب عليها صورًا ثلاثًا من هذه المعاملة مبينًا حكمها ومفصلًا ما دار حولها من نقاش بين الفقهاء:
1-
هل يجاب المشتري لطلبه الفسخ بعد أخذه الغلة مطلقًا أم مقيدًا بمضي سنة من وقت العقد، أو بشرطه على البائع عند العقد أنه متى رفع الغلة فسخ العقد وطالبه بالثمن. نقل كلام العمادي وخُواهَر زاده في ذلك وبيانه.
2-
لمن تكون الغلة إذا وقع التفاسخ قبل أخذها؟ هل تكون كلها له أو للبائع أو تسقط بينهما؟ وهل في التقسيط فرق بين أن تكون الثمرة موجودة عند الفسخ؟ - وأورد في هذا كلامًا للبزازي نقلًا عن الديناري - أو حادثة بعده؟
1-
صورة كون طلب الفسخ من المشتري قبل رفعه الغلة، وأشار هنا إلى كلام الفصول.
2-
صورة كون الطلب من البائع بعد رفعه الغلة، وعلى المشتري مساعدة البائع على الفسخ بعد أخذه الغلة ورضا البائع بتعجيل الثمن قبل انتهاء السنة.
3-
صورة كون الطلب من البائع قبل رفع المشتري للغلة وتفسير القول فيها نقلًا عن البزازية فيما روته من كلام الديناري باعتبار كون الطلب من البائع واقعًا قبل مضي شهر من وقت العقد أو بعده.
4-
إيراد اعتراض بأن هذه التقييدات في الإجابة لطلب الفسخ تتنافى مع إطلاق صاحب الفصول القول في ذلك، والجواب عن هذا بكون ما ههنا في مسألة الغلة، وما ورد في الفصول في مسألة الإجارة.
وعند الحديث عن الغلة وتقسيطها بين البائع والمشتري إذا تفاسخا برضاهما يذكر أن الغلة تقسم على اثني عشر جزءًا مقابل أشهر السنة.
ومبدأ السنة الموزعة عليها الغلة هو وقت عقد الوفاء. وما وازى الأشهر التي كان الوفاء قائمًا فيها بينهما يكون للمشتري، وما وازى فترة ما بعد الفسخ إلى آخر السنة يكون للبائع.
وأن المقسوم على السنة قيمة الغلة لا عينها. ونقل كلام الفصول بخصوص البائع فليرجع إليه. وأن البائع يضمن للمشتري قدر حصته من قيمة الغلة دراهم.
تنظير هذا التفسير بوضوء المستحاضة وقت كل صلاة.
وقد حرر المؤلف الخلاف في جريان التوزيع في الغلة المعدومة وقت الفسخ، وحكى رأي علاء الدين السمرقندي وبرهان الدين المرغيناني ناقلًا فيه كلام البزازي، ومرجحًا قول صاحب الهداية أن العقد يعتبر باقيًا إلى حين أن تصير للغلة قيمة.
وقد أعقب ما ذكره هنا بتفصيلات وأحكام، في هذه الموضوعات. وأورد مسألة ما يقطع من حطب الشجر، ومنه قوائم الخلاف، بأنه لا يدخل في الوفاء بلا ذكر إن كان موجودًا وقت البيع بخلاف ما يحدث بعد البيع فهو للمشتري.
وذكر عدة مسائل أخرى منها:
- مسألة حطب الزيتون، وأن الشجرة الميتة تكون للبائع.
- وأن القص مع كونه للبائع فإن للمشتري حبسه عنه حتى يدفع مال الوفاء، وليس له منع البائع من أصل قطعه.
وأن لمؤجر الدار أن يدخلها لإصلاحها وإن كان بغيبة المستأجر وبلا إذنه، وأن الحرث والسقي والرم لا يجب لا على البائع ولا على المشتري.
وأن السقف ملك صاحب السفل وأن تطيينه لا يجب على ذي العلو ولا على ذي السفل. ونقل آراء وفتاوى مشاهير الفقهاء في ذلك مثل ما ورد في الخيرية وفي الفصول نقلًا عن الذخيرة: 26 - 38.
الفصل الرابع - في انتقاض المبيع في عقد الوفاء عند مشتريه:
ويتضمن الآراء المختلفة بين الفقهاء في حكم ذلك.
فالمرغيناني يقول: ليس للبائع أن يأخذ المبيع ويضمن المشتري من نقصانه شيئًا، ولكنه مخير بين أخذ المبيع ودفع ثمن الوفاء كاملًا من غير رجوع على المشتري بما نقص، وبين أن يترك المبيع للمشتري يتملكه بما دفع من ثمن الوفاء ولا يرد عليه من الثمن شيئًا.
ومشايخ سمرقند والإمام علاء الدين يرون تضمين المشتري ما نقص من قيمته بالغًا ما بلغ.
والرأي المعتمد في هذه المسألة هو ما ذكره العمادي من فتوى أهل عصره فيها، وذلك بحمله في الحكم على الرهن. فإذا انتقص المبيع وفاء في يد المشتري يسقط حصة النقصان من مال الوفاء.
فإن استهلك المشتري بناءه أو أشجاره يضمن قيمته بالغة ما بلغت كالمرتهن ضمان الغصب لا ضمان الرهن، وبيّن الفرق بين الضمانين: 38 - 39.
الفصل الخامس - في بيع البائع وفاء مبيعه الوفائي قبل فسخ الوفاء فيه:
طرح المؤلف في هذا الفصل عدة مسائل:
- بيع البائع مبيعه الوفائي باتًّا أو وفاءً قبل فسخه الوفاء مع المشتري الأول موقوف مطلقًا على إجازة المشتري الأول، مثل توقف بيع الراهن الرهن على إجازة المرتهن ينفذ بإجازته ولا ينفسخ بفسخه.
- اختلاف توقف الأول عن توقف الثاني في الإجازة بأن ما عدا الإجازة في الوفاء يبطل به البيع الموقوف، وفي الرهن ينفذ به.
- الإجازة نوعان قولية وفعلية. نقل عن الهداية.
- تعدد المبيع متفقًا أو مختلفًا كتوحده في التوقف على الإجازة.
- حصول الإجازة من مشتري الوفاء بقبضه ماله من مشتري الوفاء مثل حصولها بقبض المشتري مال الوفاء من البائع وقد باع باتًّا مبيعه الوفائي من آخر. كلام الهداية والعمادية.
لمشتري البات قبل أن يدفع ثمن المبيع للبائع أن يدفع مال الوفاء لمشتري الوفاء بلا إذن البائع ولا يطالبه هذا، ويقام له ما دفعه للمشتري مما عليه من ثمن البات. كلام العمادية.
- إذا دفع مشتري البات ثمن الوفاء للمشتري الأول بغير إذن البائع بعد دفعه للبائع ما عليه من ثمن المبيع باتًّا لا يرجع، ويكون متبرعًا بخلاف معير الرهن.
نقول من كلام الفصول ومن جامع الفصولين ومناقشتها.
- بيع المبيع وفاء لمشتريه الأول باتًّا لا يتوقف على إجازة (إجازته نفسه) ويتضمن فسخ الوفاء.
إيراد مسألتين من الفصول في حصة ما بقي من الثمر: بعد البيع البات تكون للبائع عند عدم ذكر الثمار.
والتي خرجت بعد البيع الجائز، وقت البيع البات، تكون للبائع: 39 - 44.
الفصل السادس - في الشفعة بالمبيع وفاء، وفيه إذا بيع باتًّا قبل الفسخ:
وفيه مسائل:
1-
الشفعة بالمبيع وفاء لبائعه دون مشتريه.
نقل من الفصول عن محمد بن الفضل لفتوى بذلك.
بيع المعاملة وبيع التلجئة حكمهما حكم الرهن، وللراهن حق الشفعة إن كان الرهن في يد المرتهن.
صحة الوفاء مع الشيوع وعدم القبض بخلاف الرهن. بيان كلام محمد بن الفضل.
2-
الشفعة في المبيع وفاء إذا بيع باتًّا قبل الفسخ. ولهذه الصورة ثلاثة أحوال:
(أ) حالة ثبوت التوقف للبيع عند انتفاء الإجازة من المشتري في الحال مع إمكان حصولها في المستقبل.
(ب) حالة انتفاء التوقف للبيع عند تعذر الإجازة من المشتري بفسخه الوفاء قولًا أو فعلًا.
(ج) حالة انتفائه بحصول الإجازة. الشفعة منفية في الحالتين الأوليين، ثابتة في الحالة الثالثة.
إيراد على كلام الفصول وإجابة عنه مع التعليق على قول العمادي.
الوكيل بالبيع لا يشفع فيما باعه بالوكالة.
تفصيل القول في أحكام الصور الثلاث المتقدمة.
لا تثبت الشفعة في المبيع وفاء إذا بيع باتًّا إلا بعد الإجازة.
المعتبر في طلب الشفعة وقت العلم بالإجازة لا العلم بالبيع: 44 - 48.
الفصل السابع - في ادعاء المشتري وفاء على مشتريه، وادعاء مشتريه له على غيره:
إذا ادعى في هذه الصورة خارج على ذي اليد أن هذا ملكي كان لذي اليد دفعه بقوله: لستُ بخصم فيه لأني لا أملكه، وإنما هو في يدي بحق الوفاء.
وورد سؤال من فرغانة: هل يشترط لسماع هذه الدعوى حضور البائع والمشتري؟ يشترط عند المرغيناني وغيره من السمرقنديين، وذهب القاضي علاء الدين إلى عدم اشتراطه.
سبب اختلاف القول في ذلك: عدم خلوص الوفاء للبيع البات ولا للرهن، والقضية من المخمسة.
من نظر إلى جهة الرهن لم يسمع الدعوى إلا بحضور البائع، ومن نظر إلى صيغة البيع سمعها بدون توقف على حضوره. ترجيح ما ذهبت إليه الجماعة.
المعتبر في بيع الوفاء جهة الملك في حق الانتفاع خاصة وفيما سواه جهة الرهن.
عدم سماع الدعوى على المشتري وفاء في الملك المطلق والوقف أو الحق كما في الوفاء والرهن والإجارة.
الدعوى على المشتري باتًّا فيما في يده مسمومعة قطعًا.
الدعوى على المرتهن غير مسموعة قطعًا.
المخمسة المتضمنة وجه دفع الخصومة. لا إشكال في سماع دعوى المشتري وفاء له على غير المشتري.
المقارنة بين مشتري الوفاء والمستأجر في ملكهما المنفعة فقط.
تسمع الدعوى من المشتري وفاء بغيبة البائع بلا إشكال لأنها من دعوى الحق.
ذو اليد إذا ادعى في العين ملكًا لنفسه سمعت عليه دعوى الملك والحق.
وإذا ادعى في العين حقًّا فقط لنفسه لم تسمع عليه دعوى ملك ولا حق.
إحالة على ثالث فصول الفصول لمعرفة من يصلح خصمًا لغيره ومن لا يصلح، ومن يشترط حضوره لسماع الدعوى ومن لا يشترط حضوره.
لا تسمع دعوى أجنبي الوفاء على ذي اليد المدعي الوفاء لو كان تاريخ الأجنبي أسبق إلا بحضور بائعيهما إذا ثبت ما يدعيه ذو اليد من الوفاء: 48 - 50.
الفصل الثامن - الكفاة بمال الوفاء، والحوالة به، والصلح عنه:
(أ) تصح الكفالة بمال الوفاء عن المشتري للبائع منجزة.
تصح الكفالة بمال الوفاء عن البائع للمشتري مضافة لوقت الفسخ. بيان الصورتين. ثمن المبيع لا يكون دينًا للمشتري على البائع وعقد البيع قائم، ويصير دينًا بعد الفسخ.
لا فرق في جعل الكفالة مضافة لحين الفسخ بين كون الكفيل به أجنبيًّا عن عقده أو مشتريًا فيه.
تفصيل ذلك بنقل ما ورد بالفصول، دفع توهم.
ذكر تكرر الوفاء من البائع مرتين وخوف المشتري الثاني أن يتوى حقه على البائع فطلب كفيلًا به فكفله المشتري الأول وذلك صورتان:
1-
بين البائع والكفيل الذي هو المشتري الأول وهو الذي انفسخ بالإجازة وترتب ماله دينًا على البائع لكن الكفالة لم تقع به.
2-
بين البائع والمكفول له وهو المشتري الثاني، والوفاء لم ينفسخ ولم يصر ماله دينًا وهو الذي وقعت به الكفالة.
(ب) تنقسم الحوالة إلى ما يكون المحال عليه فيها المشتري، وإلى ما يكون المحال عليه فيها هو البائع. نقل الصورة الأولى عن صاحب الهداية، وصور الشيخ بيرم الثانية التي يكون المحال عليه فيها هو البائع بأن أحال المشتري غريمه عليه. ثم بين الحكم في الصورتين.
(ج) الصلح عن مال الوفاء. نقل عن المرغيناني صورته. وهي إذا ادعى أحدهما البيع الجائز والآخر البيع البات وادعى سبق الجائز فصالح المشتري باتًّا مدعي الجائز على بدل. فلا يخلو أن يكون الصلح عن إنكار أو عن إقرار. ففي الأولى يجوز ويلزم، وإذا كان الثاني لا يلزم بدل الصلح لئلا يكون بمنزلة الرشوة لإجازة البيع عندما يكون عن مال بعينه.
توقف الشيخ بيرم فيما نقله عن العمادي.
تحرير الكلام في هذه الصورة مع بيان الخطأ الوارد في نسخته بالمقابلة بين الصورتين: 50 - 53.
الفصل التاسع - في فسخ عقد الوفاء، ورجوع المشتري على البائع فيما إذا كان دفع خلاف ما سمى بما يكون منهما:
في هذا الفصل جملة مباحث:
1-
الفسخ قولي وفعلي. والفعلي حقيقة وحكمًا، يصح الفسخ ويحصل القبض، والقبض بالتخلية. ويشترط في القولي التصريح بالقبول.
إيراد تساؤل عن صورة الفسخ الفعلي الذي يتم بالقبض أو التخلية لمخالفة ذلك لقول العمادي: لو أبى المشتري قبض الثمن هل يجبر وهل يفسخ بدون قبول؟ والجواب عن هذا التوقف.
2-
إذا قبض المشتري مال الوفاء كله انفسخ العقد في المبيع كله، وإن قبض بعضه انفسخ بقدره. نقل كلام صاحب الفصول المفيد تجزأ الفسخ.
3-
يحمل التجزي في الفسخ على كونه في أحد المقصودين في بيع الوفاء من تصرف المشتري فيه. فلا يبقى له حق التصرف فيه في القدر الذي انفسخ فيه الوفاء من المبيع، ويبقى له المقصود الآخر وهو حق حبسه للتوثق به للدين كالمرهون فإنه يبقى محبوسًا كله إلى تمام قبض الدين.
4-
الرجوع يكون بالمسمى في العقد لا بالمقبوض عند تغير المصارفة: ذكر صورة محلية تطبيقية: 53 - 54.
الفصل العاشر - حكم المبيع وفاء بعد الفسخ، ومطالبة المشتري مال الوفاء بغير بلده أو بعد ما غصب المبيع من يده:
الفسخ قولًا وفعلًا وضمنًا بحصول الإجازة للبيع من المشتري.
مسألتان:
1-
المشتري الذي انفسخ شراؤه الوفائي قصدًا بالقول أو بالفعل أو ضمنًا بإجازته بيع المبيع، ولم يقبض مال وفائه، هل يحبس المبيع عن البائع في صورة الفسخ القصدي القولي، وعن المشتري في صورة الفسخ الضمني أم لا؟
2-
هل يختص مشتري الوفاء بقدر مال وفائه من ثمنه من بين الغرماء إن كان على البائع دين يستغرق تركته.
الحكم في الصور المختلفة المتفرعة عن هذه المسألة.
إن لمشتري الوفاء بعد فسخه حبس المبيع عن البائع حتى يدفع له ثمنه، وليس له حبسه عن المشتري بعد الإجازة. نقل كلام العمادية في ذلك.
إيراد اعتراض على ما تقدم والإجابة عنه.
له أخذ الثمن من المشتري وحبسه عن البائع، الإشارة إلى كلام الطرطوسي والشيخ محمد بيرم الأول في ذلك. الاختصاص بالثمن: أينما ثبت للشخص حق الحبس ثبت له الاختصاص.
للمشتري مطالبة البائع بثمن المبيع وفاء في غير بلده محل العقد.
ليس له طلب مال الوفاء والمبيع في يد غاصبه: 55 - 57.
الخاتمة - تناولت حكم اختلاف المتعاقدين في العقد: أهو بات أو وفاء؟
وفيها بسط الكلام في مسائل وقواعد صدرها بنقل من الفصول يتعلق بالاختلاف في البيع بين المتعاقدين، وقد أجاب عنه بأن القول في ذلك قول مدعي البتات وهو ما ذهب إليه المرغيناني وأئمة بخارى، وإن كان أفتى صاحب الهداية من قبل بأن القول قول مدعي الجائز، ثم أعلن رجوعه إلى قول الجماعة.
تحرير القول في الوجهين وتعليل الرجوع إلى كلام المرغيناني وجماعته تعليلًا فقهيًّا.
مناقشة الرأي وتفصيل القول فيما إذا كان الاختلاف بين المتعاقدين قبل قبض البائع الثمن في البيع البات وفي بيع الوفاء أو بعده.
وجه رجوع صاحب الهداية عما كان يفتى به إلى قول أئمة بخارى.
مناقشة المؤلف هذا الوجه، وترجيح قول مدعي البتات بالنقل عن قاضيخان ومن الخيرية.
تقبل بينة مدعي الوفاء لأنها لإثبات خلاف الظاهر، وتقدم على بينة مدعي الثبات.
الاعتراض على اختيار وترجيح الخانية بأنه رهن في الحقيقة وذكر أن بينة البيع مقدمة على بينة الرهن. والجواب عن ذلك بأن الوفاء وإن كان في الصورة رهنًا غير أن فيه شرطًا زائدًا هو الانتفاع بخلاف الرهن.
تنويه صاحب الخيرية بتحرير القول في هذه المسألة.
تاريخ الفراغ من تأليف هذه الرسالة: 58 - 60.
تحقيق الرسالة
كانت لدي بمكتبتي الخاصة نسخة مصورة من الرسالة الوفائية البيرمية المحفوظة بالكلية الزيتونية تحت عدد 55 وأصلها من الخزانة الرضوانية. وهي بحسب الظاهر مقتطعة من مجموع تضمن نحو أربع عشرة رسالة أكثرها فقهية منها رسالة منسوبة للشيخ بيرم في أحكام الرهن. وجدول محتوى المجموع مثبت بخط مغاير لخط الرسالة على ظهر الورقة المتقدمة على نص الوفاء بما يتعلق ببيع الوفاء، وبآخر الرسالة في وجه الورقة 32 عنوان نصه: جواب سؤال في الوقف تأليف الشيخ بيرم أدام
…
تملكه الشيخ سيدي حسين البارودي.
وتقع هذه النسخة من رسالة الوفاء بمسائل بيع الوفاء في إحدي وثلاثين ورقة غير مرقمة، مقاس:15.5/9، وعدد سطور الورقة بها: 22. وقع الفراغ من نسخها في حياة المؤلف في 19 شوال 1243 على يد محمد بن سالم البداي. خطها تونسي جميل وبها توقيفات قليلة. وهي نسخة مراجعة بها استدراكات وتكميل كما في ورقة 8 أوعليها طرر منقولة من بعض النسخ الأخرى كما في 16أ، لا يعيبها إلا نقصان بعض أوراق سقطت منها، وطمس حديث لأكثر ما بورقة 20 أ، وبعض أسطر من ورقتي 20 ب، 21 أ، 21 ب.
ولهذه الأسباب ولما تقتضيه صناعة التحقيق من مراجعات وضبط وأمانة في إخراج الرسالة اضطررت للبحث عن نسخ أخرى منها. وقد وجدت في كتاب العمر لحسن حسني عبد الوهاب: 1/2، 939 سردًا بنسخ الرسالة ومظان وجودها بتونس نصه:
تونس دار الكتب الوطنية: رقم 198، 3642، 23/187، 6/12086 (أحمدية: 6/2533، 3/14784) - (أحمدية: 3/2534، 2/18156) ، عبد الوهاب: 2/256، العاشورية:(ف ح)132.
ولما عدت في شهر المحرم إلى تونس بحثت عن جملة من النسخ تحصل لي منها بالإضافة إلى الرضوانية الأولى التي سبق ذكرها ووصفها ست نسخ أخرى هي على حسب الأهمية في الترتيب: البيرمية والخوجية والرضوانية فالصادقية فالوطنية فالوهابية.
البيرمية (ب) : تفضل بتصويرها لنا من خزانة آل بيته الأخيار السيد الكريم الماجد الأستاذ أحمد بن المنعم شيخ الإسلام محمد الطيب بيرم جازاه الله عنا خير الجزاء. وهي كما هو مرسوم على الصفحة الأولى منها: مما أنعم به سبحانه على عبده الفقير إلى رحمته محمود بن مصطفى بيرم 1294. فهي من تملك الخطيب المدرس الشيخ محمود بن الفقيه الشيخ أبي النخبة مصطفى (1) بن شيخ الإسلام محمد بيرم الأول، ومتبني شيخ الإسلام محمد بيرم الثاني إذ كفله أخوه الأكبر لصغره بعد وفاة أبيه.
وهذه النسخة من مجموع بصدره فهرس يتضمن سردًا بأسماء الرسائل الفقهية البيرمية التي تضمنها، ويقع جملته في 428 صفحة، موضع الرسالة الوفائية منه 364 - 428 أي في أربع وستين صفحة. مقاس هذه النسخة:16.5/ 8.50. وفي كل صفحة منها واحد وعشرون سطرًا. خطها تونسي جميل في الجملة مقروء بغاية اليسر. لم تتضمن في آخرها سوى تاريخ انتهاء الشيخ بيرم الثاني من تأليف الرسالة، لم يذكر ناسخها ولعله الشيخ محمود نفسه. وهي تتميز بعدد غير قليل من التعاليق البيانية. وبها نقول من خط والد ناسخها الشيخ مصطفى بيرم إذ يقول في الهامش: من خط والدي، ومن خط الوالد. وتعاليق للشيخ بيرم الثالث ابن المؤلف، وطرر كثيرة ينقل فيها عن الخوجيين شيخ الإسلام محمد ابن الخوجة الأكبر وابنه شيخ الإسلام أحمد ابن الخوجة الثاني. وسيأتي الحديث عنها مفصلًا عند المقارنة بين أهم النسخ التي بين أيدينا. وقد اعتمدناها أساسا في دراسة النص وتحقيقه.
الخوجية (ج) : هي من نسخ الوطنية، تحمل رقم 3642، أشرنا إليها أعلاه. تقع في 36 ورقة مقاس 16/9 وتحتوي كل صفحة منها على 21 سطرًا. خطها تونسي عادي. كان الفراغ من نسخها في 27 صفر 1328 على يد كاتبها الشيخ محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حمودة بن محمد بن علي خوجة الآستاني الشريف. ومن ثم سميناها الخوجية، وهي مراجعة وبها توقيفات بالهوامش تمتاز بتقريرات الشيخ محمد ابن الخوجة الأكبر (2) ، وإحالاته في كثير من المواضيع على المصادر التي يحسن بالقارىء الرجوع إليها، وبتعاليق ابنه الشيخ أحمد بن محمد بن أحمد ابن الخوجة الثاني (3) .
(1) هو القاضي الحنفي المتضلع بالعلوم النقلية والعقلية، المرموق بعين الإجلال والتعظيم 1286. تأدب وتخرج أولًا بأخيه الأكبر الشيخ بيرم الثاني، وأخذ عن ابن أخيه الشيخ بيرم الثالث وعن أعلام من الفقهاء والعلماء والشيوخ مثل السنوسي الكافي وأحمد زروق وأحمد العوادي وأحمد الأبي الحنفي وحسن الشريف وإبراهيم الرياحي والطاهر بن مسعود وأحمد بوخريص وإسماعيل التميمي. ابن أبي الضياف، الإتحاف: 8/674، 404.
(2)
هو شيخ الإسلام محمد بن حميدة ابن الخوجة - 1279. العلامة الفقيه المحقق والمحدث. أخذ العلم عن والده وعن الشيوخ حسن الشريف ومحمد بيرم الثاني ومحمد بيرم الثالث. ولي التدريس والخطابة والقضاء والفتوى ورئاسة الدائرة الحنفية من المجلس الشرعي. وكان كثير الرواية لصحيح البخاري إذ جعله هجيراه حتى كاد يستظهره. له مؤلفات جيدة مثل حاشية على مختصر السعد، وشرحه لحكم أرسطو "العالم بستان"، ومحررات فقهية تقع في ثلاث مجلدات، وعدد كبير من الإجازات العلمية والحديثية، وتعاليق على كتاب الدرر، وفتاوى وأحكام. ابن أبي الضياف، الإتحاف: 8/128، 350؛ حسن حسني عبد الوهاب. كتاب العمر: 1/2، 942، 272؛ محفوظ. تراجم المؤلفين: 2/257، 172.
(3)
هو شيخ الإسلام حميدة بن الشيخ محمد بن الشيخ أحمد ابن الخوجة. الفقيه المفكر والأديب الشاعر. 1245 - 1313. أخذ عن والده وعن شيخ الإسلام بيرم الرابع وعن محمد بن عاشور ومحمد بن سلامة ومحمد بن حمدة الشاهد ومحمد الطاهر ابن عاشور الأول ومحمد النيفر. تولى الإمامة والخطابة والتدريس، وتدرج في المناصب الشرعية فكان قاضيًا ومفتيًا وشيخ إسلام. وقد ترك من التصانيف تقارير على حاشية السالكوتي على البيضاوي، وحاشية على الدرر أكمل بها صنيع والده والكردار والحبس على المذهب الحنفي، وأختام وتحقيقات وفتاوى، وكشف اللثام عن محاسن الإسلام ونحوها. ابن أبي الضياف، الإتحاف: 8/135، 359؛ حسن حسني عبد الوهاب، كتاب العمر: 1/2، 946، 274؛ محفوظ، تراجم المؤلفين: 2/244، 169.
الرضوانية (ر) : من المكتبة العبدلية. ورقمها الذي تحمله بها: 7127. وهي نسخة جيدة من الرسالة تقع ضمن مجموع، تشغل منه خمسًا وستين صفحة: 346 - 401، مقاس 16.50/10، وعدد السطور في كل صفحة 19. وهي كسابقاتها تونسية الخط جميلته، ولكنها غفل من اسم الناسخ ومن تاريخ النسخ. والتعاليق التي اشتملت عليها قيمة فيها مسائل مهمة وفتاوى للمشائخ محمد بيرم الثاني ومحمد ابن الخوجة الأكبر وابنه أحمد الثاني والمفتي الشيخ حسن عباس.
ووجه تعريفها بالرضوانية أنها في الأصل من خزانة العالم الفقيه الأديب الشيخ مصطفى بن علي رضوان (1) ، أحيلت ضمن خزانته إلى العبدلية بجامعة الزيتونة لينتفع بها رواد المكتبة ويستفيدوا منها.
(1) هو الفقيه الأديب الرياخي السوسي. من أبناء جنود الترك. 1244 بسوسة - 1322 بتونس. تعلم في الأول ببلده، وحفظ القرآن الكريم. ثم تحول إلى جامع الزيتونة فأخذ عن عدد من الأعلام مثل شيوخ الإسلام محمد ابن الخوجة ومحمد معاوية. كان مولعًا بنسخ الكتب النادرة ويعيش من عمله هذا إلى أن لمع نجمه واستدناه محمد خزندار واتخذه كاتبًا له. وبعد ذلك كلف بمهام سامية في الدولة، لكنه رغب عن ذلك في الأول، واختار الالتحاق بالتدريس في جامع الزيتونة وتناظر مع الشيخ محمود بن مصطفى بيرم وتقدم عليه، ولضلاعته في الأمور المالية عين بعد ذلك منشئًا في قسم العمل من الكومسيون المالي، كما اختير عضوًا في لجنة تنظيم الدروس بجامع الزيتونة، وبمجلس تأسيس المدرسة الصادقية. وشارك الوزير خير الدين في كثير مما أنجزه من أعمال إصلاحية في تونس. ثم عين في وظائف كثيرة فكان عضوًا في لجنة الخط الحديدي، وعضوًا للجنة العليا للسكك الحديدية، وعضوًا في لجنة التحكيم في نازلة هنشير سيدي ثابت وأخيرًا عضوًا لمجلس شورى الملك. ومن مؤلفاته الفقهية رسالة في تقرير نصاب العين من الدراهم والدنانير بحسب صرف الوقت، ورسالة في حكم مسح الجوارب. محمد النيفر، عنوان الأريب: 2/167، 175؛ محفوظ، تراجم المؤلفين: 2/365، 206.
الصادقية (ص) : المحتفظ بها في الوطنية: 9256. عدد أوراقها: 30 مقاس: 14.5/ 9.5، وفي كل ورقة 21 سطرًا. وهي أجود النسخ خطًا، مراجعة وعليها توقيفات بخط مغاير. في الورقة 1 أفهرس الرسالة، وذكر لمحتوى المجموع الذي منه هذه النسخة، وهو يشتمل على مسائل وفائية: كالدلالة على المظان التي يوجد بها بحث الوفاء في كتب الحنفية، نظم في من تجب عليه الزكاة فيه، ومخالفة الوفاء الرهن في الشيوع، ومسألة الوكيل ببيع الوفاء، ومسألة القانون المرتب على المبيع وفاءً. وبعد هذا إشارة إلى جملة من البحوث الأخرى كالرسالة البيرمية في عدم الاحتجاج بالخط، وكشف القناع فيما يثبت به الرضاع للعلامة سعيد بن سعيد السفطي الحنفي، وتحرير في شهادة الوقوف على الخط للشيخ إسماعيل التميمي، وبنفس الخط أضيف إلى آخر الرسالة في السطر الأخير منها 30 ب: تم نسخه في جمادي الأولى 1305، وبالورقة 31 و 32 وجهًا وظهرًا ما أشير إليه قبل من المسائل الوفائية ما عدا النظم، وفي 32 أخاصة ذكر واقعة رفعت إلى مجلس دار الشريعة بتونس من الوزارة تتعلق بما هو مرتب على رقاب الزيتون المبيع وفاءً. وقد عُلق النظرُ فيها وأرجعت إلى الوزارة، وإن كان الكاتب قد أبدى وجه الحكم في القانون المرتب على رقاب الزيتون بآخرها متحريًا في فتواه وجاريًا على نصوص المذهب منهيًا كلامه بقوله:"والضريبة على من ضربت عليه وهو المالك حقيقة، وبيع الوفاء يأخذ جميع أحكام الرهن إلا ما استثني، والخراج على الراهن لا على المرتهن كما هو معلوم".
الوطنية (و) : رقم 187 عدد أوراقها 44 مقاس 20.8/15، في كل صفحة 19 سطرًا. خطها خط جميل غاية في الوضوح. تم نسخها في السابع من رمضان 1330 بيد الشيخ محمد التميمي. وهي من مجموع تحوز منه 234 ب - 278 أ.
الوهابية: من خزانة حسن حسني عبد الوهاب الملحقة بدار الكتب الوطنية. وهي جيدة الخط واضحته. تقع في 28 ورقة من المجموع عدد 1312، 150 ب - 178 ب. وعلى ظهر الورقة الأولى فهرس لمحتوى المجموع يذكر رسائل للشيخ بيرم الثاني تتصدرها بغية السائل باختصار أنفع الوسائل للشيخ محمد بيرم الأول.
وقد كنا في غنى عن استخدام هذه النسخة الوهابية وكذا الرضوانية الأولى في إقامة نص الرسالة الوفائية ومقابلة نسخها. وكان الاعتماد على النسخ الخمس الأخرى وبخاصة على الثلاثة الأولى منها وهي البيرمية والخوجية والرضوانية الثانية.
مقارنة بين النسخ المعتمدة
لتحقيق رسالة الوفاء بما يتعلق ببيع الوفاء
لا شك أن حديث الناس إثر الفراغ من تأليف الشيخ بيرم الثاني لرسالته الوفائية 1238 وحتى قبل ذلك أثناء الإعداد لها، وتحرير فصولها، وتقريره لمسائلها بين زملائه ورواد مجالسه من أهل العلم، قد كان له عظيم الأثر في إقبال الشيوخ والطلاب على انتساخها واستنساخها.
وقد كانوا معتمدين في تلك الأثناء بدون شك على أصل الشيخ أو على ما أخذ منه من نسخ تعد قريبة منه وأسلم من الخطأ والتحريف مما نقل عنها أو جاء بعدها. ولا يفوتنا أن ننبه هنا على أن بيرمًا الثاني وابنه الثالث وتلميذهما محمد ابن الخوجة الأكبر ونجله أحمد الثاني وكذلك الشيخ مصطفى بن بيرم الأول والشيخ مصطفى رضوان وزميله الشيخ محمود بن مصطفى بيرم كان يلتقي جميعهم على هذه الرسالة لشدة اهتمامهم المتعاقب بموضوعها، ولما توارثوه بينهم من عناية فائقة بها، تأليفًا ودراسة ومراجعة ودراية وتعليقًا. وتأتي النسخ المحررة من طرفهم أو المنقولة عما حرروه مشتملة على فوائد وملاحظات وتنبيهات وتأويلات وتعليقات وإحالات. فذلك هو القاسم المشترك بينها وإن تميزت كل نسخة من النسخ بمميزات مفردة تعتبر خصيصاها الدالة عليها.
وبالمراجعة والمقابلة أمكن لنا أن نلاحظ اختلافًا واتفاقًا بين النسخ:
فمن الأول اختلاف ج عن ب وب عن ر. انظر تعليق: 39، 188.
واختلاف ب عن بقية النسخ. انظر تعليق: 186، 232.
واختلاف ب، ر عن بقية النسخ. انظر تعليق:85.
واختلاف ج، وعن بقية النسخ. انظر تعليق:158.
واختلاف ب، ر عن ج. انظر تعليق:353.
واختلاف ب عن ج، ص، و. انظر تعليق:182.
واختلاف ج عن ب، ر، ص، و. انظر تعليق:216.
ومن الثاني أن ج، ر يتحدان في نقص حرف أو سقوطه من الأصل. انظر تعليق: 34 ونسختي ج، وتتحدان في نقص جملة أو سقوطها. انظر التنبيه على ذلك في تعليق 209 تتحدان في نقص فقرة كاملة أو سقوطها من الأصل. انظر تعليق:154.
وربما كان الاتفاق بين النسخ بالزيادة على الأصل لا بالنقصان كما في:
ب، ر، ص زيادة حرف. انظر تعليق:278.
ج، ر زيادة جملة أو بعض جملة. انظر تعليق:328.
وهناك تعاليق مشتركة تدل على أن بعضها منقول عن البعض بلفظه أو عن أصل واحد وذلك كما في:
ب، ج، ر انظر التعاليق: 62، 72، 98، 188، 204، 362.
ب، ج انظر تعليق:188.
ب، ر انظر تعليق:127.
ج، ر انظر التعاليق: 111، 133، 152، 195، 380، 385.
وقد يكون من هذا الباب ما نجده في:
من تعاليق تدل على النقل كتلك التي تنتهي ب أهـ أو أهـ منه انظر التعاليق: 109، 161، 242، 290، 301، 303، 309، 315، 341.
ومنه في ب ما ينتهي من التعاليق فيها بلفظ 1 هـ. تقرير. انظر تعليق: 143.
ومنه أيضًا في ب الطرر المعلم في بدايات التعاليق عليها بحرف ط. انظر التعاليق: 6، 7، 217، 219، 223، 239، 245، 248، 305، 306، 335، 376، 390.
ومنه أيضًا ما يجمع فيه بين العلامتين ط. و1 هـ منه. انظر تعاليق: 290، 303، 341.
ولعل أكثر هذه التعاليق تمثل نقولًا عن الخوجية أو عن الأصل الذي نسخت منه، أو عما استمع له أصحابها في بعض المجالس العلمية.
ولكشف أهمية كل نسخة من النسخ بما تحتوي عليه من ملاحظات خاصة بها - لم ترد في غيرها من بقية النسخ التي بين أيدينا - نقدم ملاحظات خاصة بالبيرمية والخوجية والرضوانية الثانية والصادقية.
البيرمية بها:
1-
تنبيه على روايات انفردت بالإشارة إليها في قراءة بعض الكلم. انظر التعاليق: 162، 173، 176، 232، 275، 296، 384.
2-
ما لا يقل عن خمسة وتسعين تعليقًا بيانيًّا، كانت نتيجة قراءة متأنية للنص من صاحب النسخة، ومحاولة منه لإيضاح جمله ومقاصده كلمة كلمة وجملة جملة كما هو المعتاد في قراءة النصوص من الكتب العلمية بعد الاستماع إلى تقرير الدرس ومحاولة التطبيق على الكتاب للتنبيه على الإشارات الخفية والاستدراك بما فات عند التقرير.
ونحو ذلك مما يتأكد بيانه. وبهذا يصبح العمل المتميز في هذه النسخة بمنزلة شرح صغير للكتاب، أمثلة لذلك:
تعليق ببيان الاسم الذي يعود عليه الضمير في الذهن من قوله: فلا وجه لجعله رهنًا مع رضاه بالانتفاع وذلك بقوله بعد رضاه أي البائع: 31.
وببيان المعترض في نفس الجملة بتعليق 32 الذي يصرح فيه بأنه صاحب جامع الفصولين.
وببيان معنى قوله على وجه المواعدة في التعليق 50 بقوله: أي لا بصيغة الشرط. وبالإخبار عن الصدرين السعيد والشهيد في تعليق 71.
وببيان قول المؤلف: ثم يتفقان على رد المشتري للبائع المبيع عند رده عليه الثمن، بقوله في تعليق 105: إن بثمن المثل لزم البيع. وإن بغبن فاحش لزم الرد، واليسير ملحق بالمثل فيما يظهر.
والتوقفات التي تعرض للقاري المتخصص - في مثل هذه النصوص - غير محصورة ومتنوعة فكيف بما يحصل منها للقاري العادي. ولذلك فقد أحسن بشرحه أقوال المؤلف وبيان مقاصده. نستطيع أن نتبين ذلك بتتبع تعاليقه: 31، 32، 33، 39، 44، 47، 48، 50، 58، 71، 105، 106، 107، 110، 122، 123، 129، 134، 136، 140، 146، 147، 155، 160، 165، 166، 167، 168، 171، 174، 175، 177، 180، 181، 184، 186، 189، 191، 196، 203، 207، 210، 220، 221، 224، 225، 227، 228، 241، 244، 246، 259، 264، 269، 271، 272، 274، 276، 289، 293، 294، 295، 297، 298، 299، 300، 302، 304، 311، 313، 314، 317، 321، 325، 330، 332، 334، 338، 344، 345، 347، 348، 352، 354، 355، 356، 357، 359، 360، 370، 373، 375، 388، 391.
وقد تكون التعاليق من أجل تحديد وجه إعراب الكلمة حتى يتضح المعنى المراد. انظر تعليقه: 61 على قول المؤلف: فإنه يفسخ معه البيع ويكون باتًّا، بقوله: خبر إن في قوله: إن البيع.
وتعليقه: 179 على كلمة يعطى بقوله: خبر قول الفصول.
وتعليقه: 266 على قوله: فلو صرف له الرفع، بقوله: صرف له خبر والرفع مبتدأ.
وتعليقه: 329 على قوله: زاد في السؤال، بقوله: جواب لما سئل.
وتعليقه: 352 على قوله: وهذا ما انفسخ، بقوله: نافية.
أما النقول عن والده فقد أشارت إليها التعاليق: 132، 238، 239، 245، 248.
وعن الشيخ بيرم الثالث فقد كانت مرة بالتصريح بذلك كما في تعليق: 103، 265.
ومرة بوصفه ونسبته بقوله: ابن المصنف، كما في تعليق:368.
الخوجية: انفردت هذه النسخة أيضًا ببعض الروايات في قليل من الكلم. انظر التعليق 14، 69، 164، 292، 336.
وفيها كلمات وفقر سقطت تدل عليها بقية النسخ. انظر التعاليق: 66، 138، 192، 214.
كما أن فيها زيادات. انظر التعاليق: 74، 288، 342.
وأما التعاليق البيانية الخاصة بهذه النسخة فهي: 35، 36، 113، 120، 139، 140.
وأما التعاليق التنبيهية فهي اثنان: 187، 193.
وفي هذه النسخة نقول بها ملاحظات أو تقريرات أو إحالات انفردت بها منسوبة للشيخ محمد ابن الخوجة الأكبر نجدها في: 9، 125.
الرضوانية الثانية: مثلها مثل سابقتيها: بها اختلاف رواية وقع التنبيه عليها في التعاليق: 5، 78.
وسقط منها بعض جملة أشير إليها في تعليق: 337، وكذا جملة كاملة. انظر تعليق:351.
وبها زيادة على بقية النسخ نبه إليها التعليق: 328.
والتعاليق التفسيرية فيها هي: 145، 156، 367.
والتعاليق التنبيهية فيها هي: 57، 283.
وقد ورد نقل فتوى زكاة مال الوفاء عن الشيخ بيرم الثاني بها. انظر تعليق: 369.
كما ورد بها نقل فتوى عن الشيخ بيرم الثالث ابن المؤلف. انظر التعليق: 387.
وأخرى عن الشيخ محمد ابن الخوجة وابنه الشيخ أحمد الثاني وعن الشيخ حسن عباس. انظر التعليق: 367.
الصادقية: انفردت هذه النسخة برواية جملة: "فما صورته" بلفظ "بما صورته". انظر التعليق: 56.
وفيها تعليق بياني. انظر: 280.
وفيها تعليق تنبيهي يرتبط بحكم النصبة. انظر: 126.
تلك هي نسخ رسالة الوفاء التي رجعنا إليها لتحقيق النص وضبط تعاليقه الكثيرة المتنوعة، نقلنا بعضها بأمانة من غير تغيير ولو جزئي كما في 220، 221، 227، 228. وقد حرصنا على تحرير بعض المسائل بالرجوع إلى المصادر التي نبه عليها المؤلف فأكملنا بعض التعاليق بضبط الإحالات فيها، وكذلك إلى غيرها مما تيسر الوقوف عليه من كتب الفقه والفتاوى واستعنا بما أمكننا مراجعته من المخطوطات العلمية بمكة المكرمة وتونس المحروسة، ونبهنا على ما وقع نقله منها بتصرف، وأضفنا تعاليق أخرى كثيرة إكمالًا للفائدة. وإنا لنرجو أن يكون هذا العمل كاشفًا عن آراء أهل الملة في قضية من أهم القضايا الشائكة التي عرضت وتعرض للناس في هذا الزمان. كما نسأله عز وجل أن يجعله خالصًا لوجهه سبحانه، وأن يلهمنا رشدنا ويهدينا سبلنا. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الرسالة
[364]
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
الوفاء بما يتعلق ببيع الوفاء
قال شيخنا العلامة، وأستاذنا الفهامة، الذي أشرقت شمس تحقيقه في سماء المعاني، وطلعت أنوار تدقيقه من أفق المباني، حامل لواء المذهب النعماني، أبو عبد الله سيدي محمد بيرم الثاني، بلغه الله تعالى الأماني بحول الله وقوته.
الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.
وبعد فهذه رسالة موسومة بالوفاء بما يتعلق ببيع الوفاء، ملخصة من كتب ثبت لها في المذهب الحنفي الاصطفاء كالخانية (1) ، والعمادية (2) ، وجامع الفصولين (3) ، والبزازية (4) وغيرها من كتب الحنفية، مرتبة على مقدمة وعشرة فصول وخاتمة.
أما المقدمة ففي بيان اسمه ومسماه.
وأما الفصول: فأولها فيما يرجع الوفاء إليه من العقود.
وثانيها فيما يصح فيه عقد الوفاء وما لا يصح.
وثالثها فيما يجوز من فعل المشتري وفاء في المبيع (5) وما لا يجوز.
ورابعها في انتقاص المبيع فيه في يد مشتريه.
وخامسها في بيع البائع وفاء مبيعه الوفائي قبل فسخ الوفاء فيه.
وسادسها في الشفعة بالمبيع وفاء، والشفعة فيه إذا بيع باتًّا قبل الفسخ.
وسابعها في ادعاء المشتري وفاء على مشتريه وادعاء مشتريه له على غيره.
[365]
وثامنها في الكفالة بمال الوفاء، والحوالة به، والصلح عنه.
وتاسعها في فسخ عقد الوفاء، ورجوع المشتري على البائع فيما إذا كان دفع خلاف ما سمي بماذا يكون منها؟
وعاشرها في حكم (6) المبيع وفاء بعد الفسخ ومطالبة المشتري البائع بمال الوفاء في غير بلد (7) أو بعدما غصب المبيع من يده.
وأما الخاتمة ففي اختلاف المتعاقدين في العقد الواقع بينهما أهو بات أو وفاء؟
(1) هي الفتاوى المشهورة بفتاوى قاضيخان الإمام فخر الدين خان محيي السنة أبي المحاسن الحسن بن القاضي الإمام بدر الدين منصور بن الإمام شمس الدين أبي القاسم بن عبد العزيز الأوزجندي الفرغاني. من أكابر الفقهاء الأحناف: 592/1196. وفتاواه الخانية هي المثبتة في الأجزاء الثلاثة الأولى من كتاب الفتاوى الهندية، وهي مقبولة مشهورة معمول بها متداولة بين أيدي العلماء والفقهاء وقد نشرت بالهند مستقلة في جزءين وبهامشها الفتاوى السراجية. ذكر قاضيخان فيها المسائل التي يغلب وقوعها وتمس الحاجة إليها. وله من المصنفات الأمالي، وشرح الجامع الصغير لمحمد بن الحسن الشيباني، وشرح الزيادات، وشرح أدب القضاء للخصاف. واللكنوي: ص64؛ القرشي: 2/93 - 94، 485؛ والزركلي: 2/224؛ وكحالة: 3/297؛ سجاد حسين، وتقديم الفتاوى التاتارخانية: 1/37.
(2)
هي الفصول العمادية، واسمها الكامل كما جاء في كشف الظنون فصول الأحكام لأصول الأحكام تأليف العماد أبي الفتح زين الدين عبد الرحيم بن أبي بكر عماد الدين بن برهان الدين علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الفرغاني المرغيناني الرشواني صاحب الهداية. تفقه على أبيه وعلى حسام الدين العلياباذي. وقد رتب المؤلف هذا الكتاب على أربعين فصلًا في المعاملات. وهي مجموع نفيس شامل لأحكام متفرقة ومتضمن لفوائد ملتقطة. فرغ من تأليفه سنة 651هـ. والقرشي: 4/74؛ وحاجي خليفة. الكشف: 1270؛ البغدادي: 1/560؛ التهانوي. مقدمة إعلاء السنن: 3/177.
(3)
هذا الكتاب في الفروع أيضًا. وهو كتاب مشهور متداول في أيدي الحكام والمفتين، جمع فيه صاحبه بين فصول العمادي المتقدم وفصول الأسرونشي. ومؤلفه بدر الدين محمود بن إسرائيل بن عبد العزيز الشهير بابن قاضي سماونة الحنفي: 823/1420. وله أيضًا لطائف الإشارات في الفقه وأسرار الدقائق، ومسرة القلوب في التصرف، وشرح المقصود في التصريف وسماه عقود الجواهر. الكشف: ص 566؛ الزركلي: 7/165؛ كحالة: 12، 152.
(4)
الفتاوى البزازية واسمها الجامع الوجيز نشرت بهامش الأجزاء الثلاثة الأخيرة من الفتاوى الهندية. لخص فيها زبدة مسائل الفتاوى والواقعات من الكتب المختلفة ورجح ما ساعده الدليل، وهي معتمدة وعليها التعويل وهي لحافظ الدين محمد بن محمد بن شهاب يوسف الكردري البريقيني الخوارزمي الشهير بالبزازي الحنفي:827. كان من أفراد الدهر في الفروع والأصول. أخذ عن أبيه ومهر، ناظر الأعلام ودارس الفقهاء. اللكنوي: 187؛ الكشف: 242.
(5)
نخ. البيع. ر.
(6)
ط. هل يحبس إلى حين الخلاص أم لا. ب.
(7)
ط. أي البلد الذي وقع العقد فيه. ب.
المقدمة
في بيان اسمه ومسماه
أما الاسم فاختلف عليه باختلاف الأعصار والأمصار. فبسمرقند (1) بيع الوفاء وبه اشتهر في كتبنا.
وربما أطلق عليه فيها البيع الجائز (2) ، وإن كانوا يطلقونه فيها على البات الصحيح. لكن عند الإطلاق ينصرف إلى الأول.
كما يطلقون عليه فيها بيع المعاملة (3) .
وبمصر، على ما ذكره الزيلعي، بيع الأمانة (4) .
وبتونس لدى عامتها، كعامة سمرقند: الرهن. فيقولون في مقام طلبه: ارهن لي. وفي مقام الإخبار عنه: رهنت ملكي فلانًا، ورهنت ملك فلان. ولا يعرفون: ارتهنت. وكذلك في مقام إنشائه، حتى إذا أرادوا الرهن المحض زادوا لفظ توثقة أو ما يقوم مقامه. وعند خاصتها من الموثقين "التسليم". ومن قبل كانوا يعبرون عنه بما يعبرون به عن البيع البات. فلما صار بعض شراة الوفاء يدعي في شرائه البت، ويتمسك في الاحتجاج لدعواه بالرسم، فيلفي بظاهره شاهدًا له، أحدثوا له ذلك الاسم (5) .
حقيقة بيع الوفاء
وأما المسمى فعقد وضع للتوثق للدين والانتفاع بالعين (6) .
واعلم أنه لما كان الغالب على الناس في عصر المجتهدين وما قرب منه
[366]
قصد النفع الأخروي حتى كان المقرض منهم يُقرض لوجه الله عز وجل، لم يكن لهذا العقد وجود في دائرة الشهود. فلما انقلبت الأوضاع، وغلب حب الدنيا على الطباع، وصار الإنسان، كما قال صاحب الفصول: لا يقرض غيره شيئًا كثيرًا من ماله من غير أن يطمع بحصول (7) نفع مالي، أحدثوه، تحيلًا لتحصيل الأرباح بطريق مباح. وأظن أن مبدأ ظهوره كان بسمرقند، لأن أكثر الكلام فيه للسمرقنديين.
(1) مدينة مشهورة بما وراء النهر من بلاد خراسان. قصبة الصغد (أزباكستان) . وهي من مدن الإسلام العظيمة فتحها سعيد بن عثمان والي خراسان من قبل معاوية: 55، ثم غزاها قتيبة بن مسلم 77، وبها صنع الكاغد. وإليها ينسب الإمام ركن الدين العميدي. وبها انتشر المذهب الحنفي وتخرج فيه جماعة من العلماء والأئمة الفقهاء. ياقوت. معجم البلدان.
(2)
تعليق للشيخ محمد ابن الخوجة الأكبر. يحيل فيه على فصل عزل الوكيل من البحر. قال: "والبيع الجائز هو بيع الوفاء اصطلاحًا". ابن نجيم: 7/190. ج.
(3)
الفتاوى الهندية: 3/209.
(4)
وبهذا الاسم عرف عند الحنابلة. البهوتي. كشاف القناع: 3/149 - 150. وبه عرف أيضًا بمصر، الزيلعي: 5/184.
(5)
وأطلق على بيع الوفاء بيع العهدة عند الشافعية. عبد الرحمن باعلوي. بغية المسترشدين: ص133؛ والرهن المعاد. ابن نجيم، الأشباه: ص100؛ وبيع الثنية عند المالكية. الحطاب. مواهب الجليل: 4/373؛ وبيع الإقالة. التسولي. البهجة في شرح التحفة: 1/61؛ وبيع الطاعة عند الحنابلة؛ الموسوعة الفقهية الكويتية: 9/260. وفي استعمال عامة أهل الشام القعيدة، وعند ابن حجر الهيتمي: بيع الناس، وعند الزيدية بيع الرجاء، وعند الإمامية بيع الخيار. ابن حجر؛ والفتاوى الكبرى: 2/153، 157، 229؛ عبد الستار أبو غدة. الخيار: 2/774.
(6)
وعرف بيع الوفاء صاحب معين الحكام بقوله: (هو العقد الذي شرط فيه الإقالة إذا رد البائع الثمن) . الطرابلسي: ص146. وصورته كما ينقله صاحب الكفاية عن المحيط: (يقول البائع للمشتري بعت منك هذه العين بما لك عليّ من الدين على أني متى قضيت فهو لي) . وجاء في العناية: (هو أن يقول بعت منك هذه بكذا على أني إذا دفعت إليك ثمنك تدفع العين إليّ) . البنشانجي: 73 ب.
(7)
نخ. في حصول. ج.
والتحيل لذلك، وإن كان مشروعًا التحيل كما فسره الشيخ محمد الطاهر بن عاشور هو إبراز عمل ممنوع شرعًا في صورة عمل جائز، أو إبراز عمل غير معتد به شرعًا في صورة عمل معتد به لقصد التفصي من مؤاخذته. فالتحيل شرعًا هو ما كان المنع فيه شرعيًّا والمانع الشارع. المقاصد: ص110، وجعله آخرون بحثًا عن المخارج من المضايق، ويقابله من القواعد عند الفقهاء القول بسد الذرائع. وللحيل أصل في الشريعة من القرآن والسنة. وهي من جملة التوسعة التي يفتح الله بها على عباده. وهي موجودة عند الفقهاء لا يخلو مذهب منها. وإنما عيب على بعض الحنفية القياس عليها والتوسع فيها
…
وهي مرفوضة مردودة متى كانت ضعيفة المدرك، ويترتب على الأخذ بها انحلال الشريعة وإفساد نصوصها. قال الحجوي:(فهي إذا هدمت أصلًا شرعيًّا أو نقضت مصلحة شرعية حيلة ملغاة لا يجوز الترخيص فيها وما ليست كذلك فلا تلغى) . فالحيل ثلاثة أقسام: ملغاة باتفاق كحيلة المنافق في إظهار الإسلام وإخفاء الكفر، وغير ملغاة اتفاقًا كما نطق بكلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان لحقن دمه، ومتنازع فيها وهي ما لم يتبين فيها بدليل قطعي وجه إلحاقها بالقسم الأول أو الثاني. الحجوي. الفكر السامي: 1/363 - 366؛ وقد جعلها صاحب المقاصد خمسة أنواع: الأول: تحيل يفوت المقصد الشرعي ولا يعوضه بمقصد شرعي آخر، وذلك بأن يتحيل بالعمل لإيجاد مانع من ترتب أمر شرعي. فهو استخدام للفعل لا في حالة جعله سببًا بل في حالة جعله مانعًا. وهذا النوع لا ينبغي الشك في ذمه وبطلانه ووجوب المعاملة بنقيض مقصد صاحبه إن اطلع عليه.
الثاني: تحيل على تعطيل أمر مشروع على وجه ينقل إلى أمر مشروع آخر أي استعمال الشيء باعتبار كونه سببًا، فإن ترتب السبب على سببه أمر مقصود للشارع
…
وهذا النوع على الجملة جائز لأنه ما انتقل من حكم إلا إلى حكم، وما فوت مقصدًا إلا وقد حصل مقصدًا آخر بقطع النظر عن تفاوت الأمثلة. الثالث: تحيل على تعطيل أمر مشروع على وجه يسلك به أمرًا مشروعًا هو أخف عليه من المنتقل منه
…
وهذا مقام الترخص إذا لحقته مشقة من الحكم المنتقل منه. وهو أقوى من الرخصة المفضية إلى إسقاط الحكم من أصله. الرابع: تحيل في أعمال ليست مشتملة على معان عظيمة مقصودة للشارع، وفي التحيل فيها تحقيق للمماثل مقصد الشارع من تلك الأعمال
…
وفي هذا النوع مجال من الاجتهاد. ولذلك كثر الخلاف بين العلماء في صوره وفروعه. الخامس: تحيل لا ينافي مقصد الشارع أو هو يعين على تحصيل مقصده، ولكن فيه إضاعة حق لآخر أو مفسدة أخرى. ابن عاشور. المقاصد: ص112 - 115؛ راجع في الغرض نفسه د. عبد السلام ذهني بك. الحيل المحظور منها والمشروع: محمد الحبيب ابن الخوجة. من المخارج الشرعية المعتمدة في المعاملات المالية.
لكن صلوحية هذا لذلك ليس ببين، ولا هو من الأمر الهين. فلذلك اختلفت فيه أنظار من ظهر في عصرهم من نوادر الدهر، وحاملي لواء المذهب النعماني بما وراء النهر، كالإمام النسفي الكبير (1) ، والصدر الشهيد (2) ذي الصيت الشهير، وصاحب الهداية (3) ، المسلم له إمامة الرواية والدراية، وأولاده الأئمة الأعلام (4) ، ونظرائهم من شيوخ الإسلام من كل طود شامخ، له في باب الترجيح قدم راسخ. ولعمري إن الدهر بمثلهم لعقيم. فقبله منهم قوم ورده آخرون، على ما سنقص عليك، إن شاء الله تعالى، من نقل مذاهبهم فيه.
وأما الفصول
فأولها فيما يرجع الوفاء إليه من العقود
وقد كثر في ذلك القيل والقال حتى أنهى البزازي في جامعه خلافهم في ذلك إلى تسعة أقوال القول الأول أنه رهن. وبه قال أبو شجاع وابنه والسغدي والماتريدي والقاضي الإمام الأمير؛ القول الثاني أنه بيع صحيح. رواه الكشي. وعليه اتفاق مشائخ الزمن بسمرقند؛ القول الثالث أنه بيع جائز وإذا جرى بلفظ البيع فلا يكون رهنًا، وإن عقداه وفاء وشرطا الرد في العقد تفسخ، أو تلفظا بالبيع الجائز فالبيع غير لازم عند الصاحبين وهو فاسد، وإذا ذكرا البيع بلا شرط ثم ذكراه على المواعدة جاز البيع ولزم الوفاء؛ القول الرابع بيع فاسد إذا اشترطا الرد في العقد وكذا بعده عند الإمام؛ القول الخامس إذا أطلق البيع ووكل المشتري وكيلًا بفسخ العقد إذا أحضر البائع الثمن، أو تعهد بالفسخ عند الوفاء، وكان بالثمن غبن فاحش أو وضع المشتري على الأصل ربحًا فرهن، وإن كان بلا وضع ربح أو بغبن يسير فبيع بات. وبهذا أخذ أئمة خوارزم؛ القول السادس أنه مركب من بيع ورهن وهو قول الشيخ الإمام الفخر الزاهد وإذا باع المشتري من غيره صح البيع الثاني عند الأكثر لسابق تسليم البائع الأول المبيع إلى المشتري برضاه؛ القول السابع أن البيع الثاني لا يصح وهو اختيار علاء الدين بدر وقول صاحب الهداية وأولاده ومشائخ عصره وبه الفتوى؛ القول الثامن مختلف بين كونه بيعًا فاسدًا أو بيعًا صحيحًا أو رهنًا وذلك فيمن باع عقاره خائفًا بمائة مثقال ذهبًا ثم باع هذا الذهب من مشتري العقار بمائة مثقال فضة نقدًا لحيلة الربح ثم فسخ الوفاء في العقار يرد الذهب المذكور في العقد لا الفضة المقبوضة؛ القول التاسع في الملك يثبت للمشتري في الزوائد ولا يضمنها بالإتلاف وفي هذا تفصيل واختلاف أحكام لكن المعتد به منها ما ذكرناه وهو قول صاحب الهداية وأولاده ومشائخ العهد.
(1) هو مفتي الثقلين نجم الدين أبو حفص عمر بن محمد بن أحمد النسفي السمرقندي: 461 - 537. والمفسر الحافظ المحدث الفقيه المتكلم شيخ المرغيناني صاحب الهداية. له مجمع العلوم، والتيسير في تفسير القرآن، وشرح صحيح البخاري، ونظم الجامع الصغير. القرشي: 2/657، 1062؛ واللكنوي: ص149؛ وكحالة: 7/306.
(2)
هو الإمام أبو محمد حسام الدين عمر بن عبد العزيز بن عمر مازة: 483 - 536. فقيه أصولي. تفقه على والده، وتفقه به أبو محمد عمر بن محمد العقيلي. له الفتاوى الكبرى والفتاوى الصغرى، وعمدة المفتي والمستفتي، وشرح أدب القاضي للخصاف، وشرح الجامع الصغير للشيباني، والواقعات الحسامية. اللكنوي: 149؛ القرشي: 2/649 - 650؛ الزركلي: 5/51؛ كحالة: 7/291.
(3)
هو العلامة المحقق الإمام الفقيه المحدث المفسر: 593. رحل وسمع ولقي المشايخ وجمع لنفسه مشيخة. تفقه على جماعة منهم مفتي الثقلين نجم الدين النسفي، وأخذ عن الصدر الشهيد وعن ضياء الدين محمود بن الحسن البندنجي وعن أبي عمرو وعثمان البيكندي وعن قوام الدين أحمد بن عبد الرشيد البخاري، وتفقه عليه أولاده جلال الدين محمد ونظام الدين عمر، وكذلك عماد الدين بن أبي بكر بن علي المرغيناني وغيرهم من الفحول. وله المنتقى، ونشر المذهب والتجنيس، والمزيد، ومناسك الحج، ومختارات النوازل، وكتاب في الفرائض. ومن أجود ما صنف الهداية جمع فيها وشرح بها مختصر القدوري والجامع الصغير. وأصل الهداية بداية المبتدي ثم شرحه واف بخلاصة أسرار الحاوي، كاف في إحاطة الحادثات، شاف في أجوبة الواقعات. القرشي: 2/627 - 629، 1030؛ اللكنوي: 141 - 144؛ العيني. البناية: 1/6.
(4)
هم شيخ الإسلام جلال الدين محمد، ونظام الدين عمر، وعماد الدين. أبو بكر التهانوي. مقدمة إعلاء السنن: 3/177؛ اللكنوي: ص146، 182؛ القرشي: 2/657، 1061؛ 3/277، 1432؛ 4/490.
انظر البزازية: 4/405 - 410. وقد رد البنشانجي هذه الأقوال إلى سبعة: هي الرهن، البيع الصحيح، البيع الجائز، البيع الفاسد، البيع البات في صور والرهن في صور أخرى، المركب من البيع والرهن، المركب من البيع الصحيح والفاسد والرهن. نور العين في إصلاح جامع الفصولين: 73ب - 74ب. ومن العلماء من جعل بيع الوفاء كبيع المكره كالإمام ظهير الدين والصدر الشهيد والصدر السعيد، ومنهم من جعله باطلًا اعتبارًا بالهازل. الزيلعي: 5/183 - 184؛ وقد ذكر مجمل هذه الاعتبارات الحكمية علاء الدين الطرابلسي. معين الحكام: 146 - 147. ويظهر لي أنها لا تتجاوز خمسة، وما زاد عليها راجع بقليل تأمل إليها:
أحدها: أنه رهن (1) ولو عبر عنه بلفظ البيع، لا فرق بينه وبين الرهن في حكم من الأحكام، حتى لا يكون للمشتري فيه سوى حبس العين فيما له على البائع من دين (2) ، وهو مذهب أبي شجاع (3) وابنه (4)
[367]
والسغدي (5) ، وأبي الحسن الماتريدي (6) ، والقاضي الأمير (7)، استدلالًا منهم بأن العبرة في العقود بمعانيها لا بمبانيها في مقاصد الشريعة الإسلامية للإمام محمد الطاهر ابن عاشور بيان لنوط الأحكام الشرعية بمعان وأوصاف لا بأسماء وأشكال. وقد صرح بذلك في قوله:(لا يعوزك أن تعلم أن مقصد الشريعة من أحكامها كلها إثبات أجناس تلك الأحكام لأحوال وأوصاف وأفعال من التصرفات خاصها وعامها، باعتبار ما تشمل عليه تلك الأحوال والأوصاف والأفعال من المعاني المنتجة صلاحًا ونفعًا أو فسادًا وضرًّا قويين أو ضعيفين. فإياك أن تتوهم أن بعض الأحكام منوط بأسماء الأشياء أو بأشكالها الصورية غير المستوفاة المعاني الشرعية فتقع في أخطاء في الفقه) . ابن عاشور: ص105؛ وفي معين الحكام الطرابلسي: العبرة في التصرفات بدل العقود. وهو أعم من التعبير بالعقود، فيشمل الدعاوى كما في أصول الكرخي حيث قال:(الأصل أنه يعتبر في الدعاوى مقصود الخصمين في المنازعة دون الظاهر) .
(1) انظر أحمد الزرقاء؛ وشرح القواعد الفقهية: ص16.
(2)
ورد تفصيل هذا القول وبيان أحكامه المجملة في الفصول العمادية. فبيع الوفاء في الحقيقة رهن. فالمبيع في يد المشتري كالرهن في يد المرتهن لا يملكه ولا يطلق له الانتفاع إلا بإذن مالكه. وهو ضامن لما أكل من ثمره واستهلك من شجره، والدين ساقط بهلاكه في يده إذا كان به وفاء الدين، ولا ضمان عليه في الزيادة إذا هلكت من غير صنعه، وللبائع استرداده إذا قضى دينه. ولا فرق عندنا بينه وبين الرهن في حكم من الأحكام لأن المتعاقدين وإن سمياه بيعًا لكن غرضهما الرهن والاستيثاق للدين. انظر العمادي. العمادية: 102ب؛ وجامع الفصولين: ص234. وأصل هذا فتاوى النسفي. انظر: البنشانجي: 73 ب؛ الفتاوى الهندية: 3/209؛ والزيلعي: 5/183.
(3)
بالأصل ابن شجاع، والصحيح ما أثبته. وهو السيد الإمام أبو شجاع محمد بن أحمد بن حمزة. فقيه حنفي. كان معاصرًا للإمام السُّغدي وللقاضي الماتريدي. وكان المعتبر في زمانهم في الفتاوى أن يجتمع هؤلاء الثلاثة. ومن شواهد ذلك أن السيد الإمام أبا شجاع كان يرى بيع الوفاء رهنًا ويفتي الناس بذلك. وحين قدم القاضي علي السغدي من بخارى إلى سمرقند استفتي في هذه المسألة فكتب أنه رهن وليس ببيع. وبمثل هذا أفتى أبو الحسن الماتريدي. فقال السيد الإمام للقاضي أبي الحسن: قد فشت هذه البياعات بين الناس وفيه مفسدة عظيمة وفتواك أنه رهن وأنا أيضًا على ذلك. والصواب أن نجمع الأئمة والمشائخ ونتفق على هذا ونظهر ذلك بين الناس. فقال: المعتبر اليوم فتوانا وقد ظهر ذلك بين الناس. فمن خالفنا فليبرز نفسه وليقم دليله. اللكنوي: ص155؛ والقرشي: 3/28، 1160؛ والعمادية: 102 ب؛ والجامع: 1/234.
(4)
هو السيد الإمام أبو الوضاح محمد بن السيد الإمام أبي شجاع محمد بن أحمد بن حمزة. أحد الأئمة المشهورين في الفروع والأصول. تفقه على والده وروى عنه. وبرع في الفقه ودرس بمدرسة قثم، وذهب إلى الحجاز وبغداد، ثم أقام على التدريس ونشر العلم. ورد ذكره في ترجمة ابنه السيد الإمام الأشرف. اللكنوي: ص49؛ والقرشي: 3/317، 1481.
(5)
هو ركن الإسلام أبو الحسن علي بن الحسين بن محمد السغدي. فقيه حنفي 461. ولي القضاء وتصدر للإفتاء. وله النتف في الفتاوى وشرح الجامع الكبير للشيباني، وشرح أدب القاضي للخصاف. اللكنوي: ص21؛ والقرشي: 2/567، 969؛ والزركلي: 5/90؛ وكحالة: 7/79.
(6)
هو القاضي الحسن الماتريدي. كان رفيقًا للسيد أبي شجاع محمد بن أحمد حمزة والقاضي علي السغدي. انتهت إليهم رئاسة الحنفية في زمانهم. القرشي: 4/307، 2047؛ واللكنوي: ص65.
(7)
هو الفقيه الحجة صاحب عدة الفتاوى. نقل عنه الإسبيجابي قال: وقد رأيت من عدة فتاوى القاضي الإمام الأمير وفي كلها أنه رهن. وثبت رجوعه عن القول بأنه بيع جائز ويوفى بالوعد. العمادية: 102 ب؛ والبزازية: 4/405؛ وذكر الكتاب باسم عدة الفتاوى والمفتين ولم ينسبه وقال في مجلدين ولعله هو. الكشف: 1129.
والمراد بالمقاصد والمعاني ما يشمل المقاصد التي تعينها القرائن اللفظية التي توجد في عقد فتكسبه حكم عقد آخر، وكذا ما يشمل المقاصد العرفية المرادة للناس في اصطلاح تخاطبهم فإنها معتبرة في تعيين جهة العقود. وقد صرح الفقهاء بأنه يحمل كلام كل إنسان على لغته وعرفه، وإن خالفت لغة الشرع وعرفه، ومنه انعقاد بعض العقود بألفاظ غير الألفاظ الموضوعة لها مما يفيد معنى تلك العقود في العرف كانعقاد البيع والشراء بلفظ الأخذ والعطاء. المجلة: مادة 163 و 172، وانعقاد شراء الثمار على الأشجار بلفظ الضمان في عرفنا الحاضر. أحمد الزرقاء: القاعدة الثانية المادة الثالثة، 13.، بدليل جعلهم الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة، والحوالة بشرط عدم براءته كفالة (1) . وما ذاك إلا اعتبارًا "لجانب المعنى وإلغاء لخصوص المبنى" المراد بالعقود المذكورة في هذه القاعدة العقود المبنية على الأغراض والمقاصد لا على الألفاظ كالبيع والإجارة والحوالة تعتبر فيها المقاصد والمعاني؛ ولا عبرة للألفاظ. ولهذا جرى حكم الرهن في البيع بالوفاء وإن كان منعقدًا بلفظ البيع لأنه لم يقصد به تمليك المبيع للمشتري بل تأمينه على دينه. ومما يتفرع على هذه القاعدة: ما لو قال: وهبتك هذه الدار بثوبك هذا كان بيعًا بالإجماع إذ العبرة للمعاني لا للألفاظ (در منتقى) ومنه أن الكفالة المشروط فيها براءة ذمة المديون حوالة، والحوالة بشرط عدم براءة ذمته كفالة، والهبة بشرط العوض بيع فتجري فيها الشفعة، والإعارة لمدة معلومة بأجر معلوم إجارة. (أشباه) ، والوصاية حال حياة الموصي وكالة، وتوكيله بعد موته وصاية (بزازية) شرح المجلة: ص19. وقد نبه الشيخ أحمد الزرقاء على جملة من العقود، يجري فيها اعتبار المقاصد والمعاني دون الألفاظ والمباني فذكر بيع الوفاء وما يحصل من صور ذلك بين الكفالة والحوالة، وبين البيع والهبة، وبين الهبة والإجارة، وبين الهبة والإقالة، وبين الهبة والقسمة، وبين المضاربة والقرض والبضاعة (وهي أن يكون المال وربحه لواحد والعمل من الآخر) ، وبين الصلح وغيره من العقود، وبين الوصايا والوكالة، وبين العارية والقرض، وبين الشفعة والبيع، وبين الإقرار والبيع، وكثير غيرها. أحمد الزرقاء؛ شرح القواعد الفقهية: ص18 - 21. ويستثنى من هذه القاعدة مسائل منها: إذا قال أحد لآخر بقصد أن يهبه ماله: بعتك مالي هذا بدون ثمن فلا يبطل لفظ البيع، ولا يحمل على الهبة، ولو كان قصد المتكلم الهبة، لما بين اللفظين من التضاد. فلا يحمل أحدهما على الآخر. وكذا إذا قال أحد لآخر بقصد أن يعيره منزله: أجرتك منزلي هذا بدون كراء فلا يحمل قوله على الإعارة وإن كانت هي المقصودة بكلامه (أشباه) . شرح المجلة: ص19 - 20؛ علي حيدر. درر الحكام: 1/18 - 19، 3؛ أحمد الزرقاء: ص13 - 34. . وقد أوتي في هذا العقد بمعنى الرهن من شرط أخذه عند قضاء الدين والتوثق له بالعين، فيكون رهنًا حكمًا وإن كان بيعًا اسمًا.
(1) وفي كنز الدقائق: وطالب (الدائن) الكفيل أو المديون إلا إذا شرط البراءة فحينئذ تكون حوالة كما أن الحوالة بشرط أن لا يبرأ بها المحيل كفالة. النسفي: وصورة هذه: رجل له على رجل مال فقال الطالب للمديون: أحلني بمالي عليك على فلان على أنك ضامن لذلك، فقبل: فهو جائز. وله أن يأخذ بالمال أيهما شاء لأنه لما اشترط الضمان على المحيل فقد جعل الحوالة كفالة لأن الحوالة بشرط عدم براءة المحيل كفالة. الخانية: 3/180.
واعترض "بأن الانتفاع به مقصود، كما أن الاستيثاق به مقصود. فلا وجه لجعله رهنًا مع رضاه (1) بالانتفاع. فعلى هذا لا يكون رهنًا لا لفظًا ولا غرضًا"(2) . يعني وإذا كان الانتفاع به مقصودًا أيضًا، فلا وجه لترجيح التوثق عليه (3) إن سلم تساويهما. لما فيه من ترجيح أحد المقصودين على الآخر بلا مرجح، فكيف [و](4) لو ادعي ترجيح قصد الانتفاع عليه بأنه الأسبق ملاحظة (5) مع مساعدة اللفظ (6) له لم يبعد. لا يقال قصد الانتفاع بل شرطه لفظًا لا يمنع اعتباره رهنًا، إذ غاية ما في الباب أن يكون رهنًا مشروطًا فيه شرط فاسد وهو الانتفاع به، فيبطل الشرط ويصح الرهن، إذ (الرهن لا يبطل بالشروط الفاسدة) هو مما لا يبطل بالشروط الفاسدة (7) لأنا نقول: ذلك لو عنون عنه بالرهن، والكلام فيما إذا عنون عنه بالبيع.
وبعد هذا، فقد نقل صاحب التنوير (8) في فتاواه تصحيحه (9) عن جواهر الفتاوى (10) ، وغيرها، وقال: وعليه فللقاضي الحنفي أن يحكم بكونه رهنًا بعد الدعوى الشرعية، يعني لكونه قولًا مصححًا، والممتنع منه حكمه بالضعيف.
(1) أي البائع. ب.
(2)
المعترض هنا هو ابن قاضي سماونة صاحب جامع الفصولين. ب. ولفظه ما حصرناه. انظر الجامع: 1/235، والاعتراض منقوض إذ بقصد الاستيثاق يكون رهنًا غرضًا وإن لم يكن رهنًا بالنظر إلى الرضاء بالانتفاع. ولا شك أن الاستيثاق هو المقصود أصالة في عقد هذا البيع بخلاف الانتفاع، إذ الاستيثاق مقتضيه والانتفاع مقتضاه كما لا يخفى على ذوي الألباب. البنشانجي: 74 أ.
(3)
أي الانتفاع. ب.
(4)
ساقطة من ج، ر.
(5)
أي في نظر المشتري. ج.
(6)
حيث عبر عنه ببيع. ج.
(7)
الشرط الفاسد هو ما لا يكون من مقتضيات العقد ولا يلائمه، وفيه نفع لأحد العاقدين، أو فيه نفع لمبيع هو من أهل الاستحقاق فيبطل الشرط ولا يؤثر على صحة العقد. وما لا يبطل بالشرط الفاسد عقود ومسائل كثيرة نقتصر على ذكر بعضها. وهي القرض والهبة والصدقة والرهن والإيصاء والوصية والشركة والمضاربة والقضاء والكفالة والحوالة إلا في بعض الصور والوكالة والإقالة والحجر وفكه والإذن بالتجارة والصلح عن دم العمد والإبراء عنه والرد بالعيب والرد بخيار الشرط وإسقاطه. شرح المجلة: المادة 83، ص55 - 56.
(8)
لعله التنوير في شرح كتاب الخلاطي ص652؛ وتلخيص الجامع الكبير للإمام الشيباني. الكشف: ص472 - 473.
(9)
كذا في ج وفتواه في ب، وفتاواه الصحيحة في ر. وتضيف البيرمية بيانًا في الهامش: أي القول بأنه رهن محض. ب.
(10)
هي للإمام ركن الدين أبي بكر محمد بن أبي المفاخر عبد الرشيد بن نصر بن محمد بن إبراهيم بن إسحاق الكرماني: 565. إمام جليل كانت له اليد الباسطة في المذهب والخلاف. والباع الممتد في حسن الكلام ونقل الفتاوى عن الأسلاف الأعلام. جمع فيها فتاوى أبي الفضل الكرماني، وفتاوى اليزدي، وفتاوى عطاء بن حمزة السغدي، وفتاوى النجم النسفي، وفتاوى مجد الشريعة الكرماني، وفتاوى أئمة المتأخرين منسوبة إلى أصحابها. وله غرر المغاني في فتاوى أبي الفضل الكرماني، وزهرة الأنوار في الحديث، وحيرة الفقهاء. الكشف: ص615؛ والإيضاح: ص619؛ وكحالة: 10/166؛ واللكنوي: ص176.
ثانيها: أنه بيع جائز لازم فيما إذا عقد بلفظ البيع من غير
[368]
ذكر شرط فيه، لا فرق بينه وبين البيع البات الصحيح في حكم ما (1) ، حتى لا يفسخ إلا بالتراضي على جهة الإقالة. وهو الذي نقل غير واحد عن النسفي اتفاق شيوخه في زمانه عليه، على ما كان عليه بعض السلف (2) . وحجتهم أن متعاقديه تلفظا بلفظ البيع من غير ذكر شرط الفسخ فيه، وإن أضمراه بقلوبهما إذ ذاك (3) أو شرطاه نصًّا قبل العقد، بناء على (العبرة في الشرط المفسد بقرانه للعقد باللسان) أن العبرة في الشرط المفسد بقرانه للعقد ذكرًا باللسان دون تقدمه ذكرًا عليه، ولا قرانه به مضمرًا في الجنان (4) .
ولهذا كان تزوج المرأة على نية تطليقها إثر الوطء نكاحًا صحيحًا، نظرًا للفظه لا فاسدًا على أنه نكاح متعة باعتبار قصده (5) .
وبناء على هذا أفتى النسفي: (من عقد بلفظ البيع مضمرًا للرد (6) عند الرد (7) كالمشتري منه (8) ، بأنه يسعه أن يحلف أن البيع كان بتًّا مع ذلك الإضمار) (9) .
(1) أحمد الزرقاء: ص15.
(2)
يروي صاحب الفتاوى هذا القول عن أحمد بن موسى الكشي عن علامة سمرقند النسفي صاحب المنظومة: (قال: اتفق مشايخ زماننا على صحة هذا البيع على ما كان عليه بعض السلف) فجعلوه بيعًا جائزًا مفيدًا بعض أحكامه وهو الانتفاع به، دون البعض وهو البيع، لحاجة الناس إليه ولتعاملهم فيه. والقواعد قد تترك بالتعامل. وجواز الاستصناع لذلك. البزازية: 4/406؛ الزيلعي: 5/184؛ وفي فتاوى النسفي، ومجمع النوازل. العمادية: وسط 103 أ.
(3)
تعليق. بهامش ر في غير محله، وموضعه كما في الخوجية.
(4)
أي عند العقد. ب.
(5)
إذ العبرة هنا للملفوظ دون المقصود. العمادية: وسط 103 أ، الجامع: 1/235. وهذا خصوصًا عند تحقق الركن في العقد وهو الإيجاب والقبول وتوفر عامة شروط الصحة المتعلقة بالمتعاقدين وبالمعقود عليه. والأخذ بهذه القاعدة مما يعارض سابقتها أو يختلف عنها وهي: (أن العبرة في العقود بالمقصود والمعاني لا بالألفاظ والمباني) التي قدمنا الحديث عنها. وللعمل بهذا الرأي أصل في المذاهب الفقهية. قال الإمام الشافعي: (أصل ما أذهب إليه أن كل عقد كان صحيحًا في الظاهر لم أبطله بتهمة ولا بعادة بين المتبايعين وأجزته بصحة الظاهر وأكره لهما النية إذا كانت النية لو ظهرت كانت تفسد البيع
…
) الأم: 3/65.
(6)
للمبيع. ب.
(7)
للثمن. ب.
(8)
فإنه أضمر ذلك. ب.
(9)
انظر فتوى النسفي لمن جاءه مستفتيًا قائلًا: (بعت حانوتًا من رجل بأربعمائة درهم غطريفية ثم طلب المشتري إقالة البيع ورد الثمن وهو يقول: بعتني بيع الوفاء وأنا أقول بعتك بيعًا باتًّا. فأجاب إن القول قولك. فقال السائل: لو حلفني على ذلك يسعني أن أحلف؟ وكان من نيتي أن آخذ الحانوت منه وأرد الثمن إليه، وكان قصد المشتري ذلك أيضًا أنه يأخذ الثمن ويرد الحانوت بعد زمان كما هو العرف إلا أني لا أقدر اليوم على أن أنقد أربعمائة غطريفية. أجاب إن ما ذكر كان قبل العقد وما كان في القلب عند العقد لا عبرة لذلك، إذ لم يذكر عند العقد إلا الإيجاب والقبول، ويسعك أن تحلف أنك بعته بيعًا باتًّا) . فدل هذا أن العبرة للملفوظ وقد تلفظ بلفظ البيع لا الرهن فاعتباره بيعًا أولى. انظر العمادية: وسط 106 أ؛ الجامع: 1/235 - 236؛ الطرابلسي: 147.
ثالثها: أنه بيع جائز لكنه غير لازم. فيحل للمشتري الانتفاع بالمبيع لجوازه مع إذن مالكه فيه. ويفسخ بطلب أحدهما لعدم لزومه. وهو الذي ذكره قاضيخان أثناء كلام له، بقوله:(وإن ذكرا البيع بلا شرط ثم ذكرا الشرط، (أي الرد المشروط غرضًا) على وجه المواعدة (1)، جاز البيع ولزم الوفاء بالوعد [لأن المواعدة قد تكون لازمة فتجعل لازمة] لحاجة الناس (إليه) (2) . زاد الزيلعي (3) :(قال عليه الصلاة والسلام: العدة دين)(4) فيجعل هذا الميعاد لازمًا. ثم نقل عن حواشي جلال الدين (5) على الهداية تصويره بأن يقول (البائع) للمشتري: (بعت منك [هذا] العين بألف، على أني لو دفعت إليك ثمنك تدفع [العين] إليَّ)(6) . ولا يخفى أن هذا هو الذكر على وجه الشرط، لكون كلمة "على" من أدواته عند الفقهاء لا المواعدة. ليت شعري،
[369]
إن لم يكن هذا ذكرًا على وجه الشرط فما صورته؟ (7)، وإنما صورة الذكر على وجهها أن يقول أحدهما للآخر بعد الإيجاب والقبول: أريد منك أني متى رددت عليك ما قبضت منك ترد عليّ ما قبضت مني. فيقول الآخر: نعم، أو يقول البائع (8) ابتداء: إن رددت عليّ الثمن رددت عليك المبيع.
(1) أي لا بصيغة الشرط. ب. ولكن على وجه المواضعة قبل البيع. انظر الطرابلسي: ص147.
(2)
النقل بتصرف. انظر الخانية: 2/353؛ العمادية: 90 ب 91 أ.
(3)
هو فخر الدين أبو محمد بن علي بن محجن من أهل زيلع بالصومال. 743 فقيه فرضي نحوي. له تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، وشرح الجامع الكبير للشيباني. وشرح المحتار للموصلي. اللكنوي: ص115؛ الزركلي: 4/373؛ كحالة: 6/263.
(4)
الحديث لابن مسعود: (لا يعد أحدكم صبيه ثم لا ينجز له فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: العدة العدة) . أخرجه الطبراني في الأوسط والقضاعي وغيرهما؛ وعن علي مرفوعًا: (والعدة دين، ويل لمن وعد ثم أخلف، ويل له ويل له) . وفي لفظ: عدة المؤمن دين. السخاوي. المقاصد: ص282، 685.
(5)
هو الإمام جلال الدين عمر بن محمد بن عمر الخبازي: ص629 - 691. فقيه أصولي. أخذ عن علاء الدين البخاري، وعنه أبو العباس أحمد بن مسعود القونوي. درس وأفتى وحج. له حواش مشهورة على الهداية، والمغني في أصول الفقه. اللكنوي: ص151؛ القرشي: 2/668، 1072؛ كحالة: 7/315.
(6)
الزيلعي: 5/184.
(7)
نخ: بما صورته. ص.
(8)
بالأصل كذا البائع في جميع النسخ؛ ولعله المشتري. التنبيه من ر.
أما كون هذا العقد جائزًا، فلخلوه عن المفسد، وهو ذكر الاسترداد في قالب الشرط. وأما عدم لزومه فللزوم الوفاء بالوعد.
وظاهر إطلاق قاضيخان، أن لا فرق في ذلك (1) بين كون الثمن ثمن المثل أو فيه غبن يسير أو فاحش.
وفي الخيرية (2)، نقلًا عن الحاوي للزاهدي (3) :(إن الفتوى في ذلك أن البيع إذا أطلق ولم يذكر فيه الوفاء إلا أن المشتري عهد إلى البائع بعد البيع المطلق، أنه إذا أوفى [بـ] مثل ثمنه، فإنه يفسخ معه البيع [و] يكون باتًّا (4) ، حيث كان الثمن (5) ثمن المثل أو بغبن يسير) (6) . فيكون إطلاق قاضيخان فيه أنه جائز غير لازم خلاف ما عليه الفتوى فيه.
(1) أي في كونه جائزًا غير لازم. ب.
(2)
هي الفتاوى الخيرية لنفع البرية لشيخ الإسلام خير الدين بن أحمد بن نور الدين العليمي الفاروقي الرملي: 693. مفسر محدث فقيه ولغوي. له مظهر الحقائق الخفية من البحر الرائق، وحاشية على الأشباه والنظائر، وحاشية على جامع الفصولين، ومسلك الإنصاف في عدم الفرق بين مسألتي السبكي والخصاف في الأشباه والقواعد، ونحو ذلك من الكتب. البغدادي: 1/358. وجمع له ابنه نجم الدين فوائده وهي الحاشية المعروفة باللآلي الذرية في الفوائد الخيرية المطبوعة في الصلب مع جامع الفصولين، وله ديوان شعر. كحالة: 4/132.
(3)
هو حاوي مسائل الواقعات والمنية وما تركه في تدوينه مسائل القنية وما زاد فيه من فتاوى لتتميم القنية. وصاحب هذه الفتاوى الجامعة هو أبو الرجاء نجم الدين مختار بن محمود الزاهدي الغزميني. 658. أحد كبار الأئمة. الفقيه الأصولي الفرضي، كان عالمًا بالخلاف والمذهب، ذا باع طويل في الكلام والمناظرة، وله كتاب الفرائض، والجامع في الحيض وغيرها. الكشف: ص628؛ والبغدادي: 2/423؛ اللكنوي: ص123؛ القرشي: 3/460 - 462؛ 1642؛ كحالة: 12/211.
(4)
خبر أن في قوله أن البيع. ب.
(5)
قوله: حيث كان
…
إلخ مفهومه أن لا تكون الفتوى على أنه بات إذا لم يكن كذلك بأن يكون فيه غبن فاحش بل يكون كذلك جائزًا غير لازم، لأن كونه كذلك يرجع أنه ليس ببات، إذ لم تجر العادة بالإقدام على عقده بفاحش الغبن واحتمال جهل البائع بالقيمة أو سفهه أو قصده نفع المشتري خلاف الظاهر فلا يعول عليه ج، ب، ر.
(6)
انظر الرملي: 1/226. وبنفس اللفظ تقريبًا صرح الزاهدي في قسمة المنية في تتميم القنية: (إن البيع إذا أطلق ولم يشترط فيه الوفاء إلا أن المشتري وكل بعد العقد وكيلًا بفسخه مع البائع عند أداء مثل الثمن فهو بيع بات لا رهن إذا كان البيع بمثل الثمن أو بغبن يسير) . الزاهدي. صدر باب فيما يتعلق ببيع الوفاء: 1/236.
رابعها: أنه بيع فاسد (1) وهو على ما في الخانية فيما إذا عبرا بالبيع وشرطا فسخه في العقد، أو بالبيع بشرط الوفاء، أو أطلقا البيع. وعندهما أن هذا البيع غير لازم، يعني باعتبار دخولهما على ما كانا شرطاه قبل العقد. والفساد في القسم الأخير على خلاف ما مَرَّ من فتوى النسفي: أن الشرط المفسد لا يؤثر إلا إذا لفظ به وقت العقد [دون ما كان متقدمًا عليه.
(إلحاق الشرط المفسد بالعقد) وأما ما كان متأخرًا عنه فإنه يلتحق به حتى كأنه مقارن له فيفسد (2) . وهل يشترط لصحة الإلحاق كونه في مجلس العقد؟ خلاف. والصحيح عدم اشتراط
[370]
ذلك] (3) .
وعلى القول بالفساد صاحب العدة (4) ، واختاره ظهير الدين (5)، ثم اختلف الذاهبون إليه: فمنهم من أعطاه أحكام الفاسد كلها حتى فوات فسخه بيع (6) مشتريه باتًّا، ومنهم من استثنى هذا منها وألحقه فيه ببيع المكره بجامع عدم الرضى، حتى لا يفوت بالبيع ولو تكرر فيه (7) .ولهذا الإلحاق ذكره الزيلعي في كتاب الإكراه، وعليه الصدران السعيد والشهيد (8) .
ونقل العمادي أن الفتوى في هذا (9) على قول الفريق الثاني (10) ، وأن زوائد المبيع فيه بناء على الفساد مضمونة على المشتري ضمان زوائد المغصوب بالاستهلاك لا الهلاك، حتى لو استهلك ثمن الكرم [وزرع الأرض وعلى قياسه وسكن الدار](11) غرم (12) .
(1) أحمد الزرقاء: ص 15.
(2)
عبارة قاضيخان: إن ذكرا شرط فسخ في البيع فسد البيع، وإن لم يذكرا ذلك في البيع وتلفظا بلفظ البيع شرط الوفاء أو تلفظا بالبيع الجائز، وعندهما هذا البيع عبارة عن عقد غير لازم. الخانية: 2/253؛ ومن فوائد شيخ الإسلام برهان الدين وعن مختصر الخصاف أن الشرط الفاسد إذا ألحق بالعقد يلتحق عند الإمام لا عندهما. الطرابلسي: ص148.
(3)
وذكر السرخسي وأبو اليسر أنه يشترط، وفي الإيضاح لا يشترط، وهو الصحيح. من فوائد صاحب المحيط. البزازية: 4/407؛ والطرابلسي: ص 148؛ وما بين العاقفتين ساقط من ج.
(4)
هو كتاب العدة في الفتاوى. ذكره البنشانجي في رموز نور العين ولم ينسبه.
(5)
هو ظهير الدين أبو المكارم المرغيناني أبو المحاسن الحسن بن علي بن عبد العزيز. توفي حوالي 600. فقيه حنفي ومحدث. تفقه على البرهان عبد العزيز ابن مازة ومحمود الأوزجندي والخطيب مسعود بن الحسن الكشاني، وتفقه به ابن أخته افتخار الدين صاحب الخلاصة. نشر العلم إملاء وتصنيفًا، وكتب في الشروط والسجلات والأقضية. وله فتاوى وفوائد. الكشف: ص1046؛ اللكنوي: ص62؛ كحالة: 3/263. وكذلك اختاره صاحب الغاية فيما نقله شلبي منها. الزيلعي: 5/183. وظهير الدين الولوالجي وهو أبو المكارم إسحاق بن أبي بكر الحنفي: 701. فقيه. له فتاوى. الكشف: ص1230؛ كحالة: 2/231. وقد نَبَّهَ على خطأ هذه المعلومات صاحب الفوائد البهية، وجعل الولوالجي صاحب الفتاوى أبا الفتح ظهير الدين عبد الرشيد بن أبي حنيفة بن عبد الرزاق. 467 - بعد 540. إمام فاضل تفقه ببلخ بأبي بكر القزاز بن علي البلخي. له الفتاوى الولواليجية. اللكنوي: ص94.
(6)
بالأصل: بيع، وببيع في ج.
(7)
صوره الزيلعي بقوله: (أن يقول البائع للمشتري: بِعْتُ منك هذا العين بدين لك عليّ على أني متى قضيت الدين فهو لي) . ثم قال: (فجعلوه فاسدًا، باعتبار شرط الفسخ عند القدرة على إيفاء الدين يفيد الملك عند اتصال القبض به، وينقض بيع المشتري كبيع المكره لأن الفساد باعتبار عدم الرضاء، فكان حكمه حكم بيع المكره في جميع ما ذكرنا) . الزيلعي: 5/183.
(8)
بالهامش تعليق بياني: هما الأخوان ابنا الصدر الأجل برهان الدين أكبر [فقهاء] ما وراء النهر. قال في تعليم المتعلم: كان الصدر الأجل برهان الدين جعل وقت السبق لابنيه المذكورين وقت الضحوة الكبرى بعد جميع الأسباق وكانا يقولان: إن طبيعتنا تكل وتمل في ذلك الوقت. فقال أبوهما: إن الغرباء وأولاد الكبراء يأتونني من أقطار الأرض، ولا بد أن أقدم أسباقهم. فببركة تنشئته فاق ابناه على أكثر فقهاء أهل الأرض في ذلك الزمان في الفقه. 1هـ. ب. وقريب من هذا في مسألة السبق من كتاب تعليم المتعلم طريق التعليم ما ورد في ترجمة صاحب الهداية البرهان المرغيناني. انظر اللكنوي: ص 141 - 144. وقد تقدم التعريف بالصدر الشهيد، وأخوه الصدر السعيد هو تاج الإسلام أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازة. 536. له الجامع المنسوب إليه، رتب فيه الجامع الصغير على مرتب القاضي أبي الطاهر الدباش. ذكره شلبي في حاشيته على الزيلعي: 5/183؛ وترجم له اللكنوي: ص24؛ القرشي: 1/189، 129؛ الكشف: 1/563.
(9)
أي فواته بالبيع وعدمه. ج، ب، ر.
(10)
وهم القائلون بعدم فواته به مع القول منهم بفساده. ج، ب، ر.
(11)
الزيادة من ج.
(12)
انظر إلحاق حكم ضمان الزوائد في البيع الفاسد بحكم ضمان زواد المغصوب. البزازية: 4/408؛ العمادية: 104 أ؛ وفي فوائد بعض المتأخرين. انظر الجامع: 1/237.
خامسها: أنه مركب من رهن وبيع جائز بات، على معنى أنه يعتبر رهنًا بالنسبة للبائع حتى يسترد العين عند قضاء ما عليه من الدين ويضمنها له المشتري بالهلاك أو الانتقاص ضمان الرهن، وبيعًا باتًّا صحيحًا بالنسبة للمشتري في حق نزله ومنافعه حتى يطيب له أكل ثمره والانتفاع به سكنى وزراعة وإيجارًا (1) . وعلى هذا استقر عمل شيوخ النسفي على ما نقله عنه الزيلعي (2) . وقال العمادي: وفتوى جدي شيخ الإسلام برهان الدين وأولاده ومشائخ زمانهم (3) ، على أن الملك يثبت للمشتري شراء جائزًا في زوائد المبيع، ولا يغرم لو استهلكها. وعليه استقر قول أئمة زماننا وأستاذينا رحمهم الله [تعالى](4) .
ومراده (صاحب الهداية) بجده البرهان الإمام النبيل ذو الباع الطويل علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني صاحب الهداية. وناهيك به جبلًا من جبال العلم معدودًا في طبقة أهل
[371]
الترجيح، مقرونًا بالقدوري (5) وأضرابه، كما ذكره العلامة ابن كمال باشا (6) .
وحجة هؤلاء في اعتباره على هذا الوجه احتياج الناس إليه وتعاملهم به، والقواعد تترك بالتعامل (7) . ولهذا الوجه جاز الاستصناع (8) ، مع أن قاعدة امتناع بيع المعدوم تأباه (9) . وما ضاق على الناس أمر إلا اتسع (10) ، ولا بدع في إعطائه حكم عقدين إذ كثير من العقود كذلك. (الهبة بعوض يشترط لها القبض وعدم كونها في مشاع.) فهذه الهبة بشرط العوض، والهبة في حال المرض، أعطي لكل منهما حكم الهبة من اشتراط القبض وعدم كونهما في مشاع قابل للقسمة (11) . وأعطي للأولى حكم البيع عند القبض حتى ثبتت فيها الشفعة (12) ، (الهبة في المرض تخرج مخرج الوصية من الثلث) والثانية حكم الوصية حتى كان خروجها من الثلث (13) .
واعلم أن احتياج الناس للشيء وتعاملهم به أصلان كبيران في المذهب، كما يعلمه من خبره. فلذلك وقع من أهل الترجيح اختيار هذا القول فيه. فقد نقل الزيلعي عن صاحب النهاية (14) أن عليه الفتوى (15)، وفي قاعدة الحاجة تتنزل منزلة الضرورة (16) من الأشباه (17) :(ومنها الإفتاء بصحة بيع الوفاء حين كثر الدين على أهل بخارى وهكذا بمصر، وسموه بيع الأمانة، والشافعية يسمونه الرهن المعار (18) ، وهكذا سماه به في الملتقط) (19) .
(1) يتفق ما أورده المؤلف هنا مع القول السادس الذي ذكره البزازي حيث قال: (واختار البعض واختاره الشيخ الإمام فخر الدين الزاهد أن الشرط إذا لم يذكر في البيع نجعله صحيحًا في حق المشتري حتى ملك الإنزال، ورهنًا في حق البائع فلم يملك المشتري تحويل يده وملكه إلى غيره، وأجبر على الرد إذا حضر الدين لأنه كالزرافة مركب من البيع والرهن
…
) البزازية: 4/407 - 408.
(2)
انظر الزيلعي: 5/183، 184. وعبارة جامع الفصولين:(وقال شيخ الإسلام برهان الدين ومشائخ زمانه إن المشتري يملك زوائد المبيع ولا يضمنها بإتلافها) . الجامع: 1/237.
(3)
نخ. دينهم. ر.
(4)
انظر العمادية: 104 أ.
(5)
هو أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان. 362 - 428. فقيه انتهت إليه رئاسة مذهب أبي حنيفة. له شرح مختصر الكرخي، والتقريب الأول، والتقريب الثاني، والتجريد. ومن أهم مصنفاته المختصر المشتمل على اثنتي عشرة ألف مسألة، وعليه شروح كثيرة معتبرة. الكشف: ص1631؛ كحالة: 2/66.
(6)
هو القاضي شمس الدين أحمد بن سليمان بن كمال باشا: 940/1574. قاضي القسطنطينية ومفتيها. له إيضاح الإصلاح في الفقه، وتغيير التنقيح في الأصول، ومجموعة رسائل، وطبقات الفقهاء. الفوائد البهية: ص21؛ الزركلي: 1/133؛ كحالة: 1/238.
(7)
انظر أحمد الزرقاء: 36/37، 165 - 169.
(8)
هو عقد على مبيع في الذمة مطلوب صنعته على أوضاع وشروط تم الاتفاق عليها في العقد في نظير عن معلوم. الموسوعة الفقهية المصرية: 9/90.
(9)
ورد النهي في السنة عن بيع ما ليس عند الإنسان ورخص في السلم. والاستصناع لا يجوز قياسًا، وهو جائز استحسانًا لإجماع الناس على ذلك. فهم يفعلون ذلك في سائر الأعصار من غير نكير. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ". والقياس يترك بالإجماع. الكاساني: 5/2 - 3.
(10)
أحمد الزرقاء: القاعدة 17/ المادة 18، 111 - 112؛ القاعدة: 20/21، 131.
(11)
نخ: القسمة في ب، ر. وأما قوله اشتراط القبض فيهما فلأن الهبة لا تكون إلا محوزة مقبوضة، وأما شرط عدم كونهما في مشاع فلأن الهبة لا تجوز في مشاع قابل للقسمة، وتجوز فيما هو غير قابل لها، خلافًا للشافعي الذي أجاز هاتين الصورتين. ودليل الحنفية إجماع الصحابة، وكون الشيوع يمنع من القبض أي من التمكن من التصرف في المقبوض. الكاساني: 6/115، 119 - 120. ودليل قول الشافعي أن القبض في هبة المشاع يصح كالقبض في المبيع المشاع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد هوازن وقد جاءوا يطلبون ما غنمه منهم:"مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَهُوَ لَكُمْ" المهذب: 1/446.
(12)
الهبة بشرط العوض تقع هبة ابتداءً وبيعًا انتهاءً إذا اتصل القبض بالعوضين. واعتبارًا للوصف الأول يشترط التقابض في العوضين، ولا يصح الرجوع في الهبة. وإن لم يوجد فلكل من الطرفين الرجوع، وكذا لو قبض أحدهما فقط. واعتبارًا للوصف الثاني ترد بالعيب وخيار الرؤية وتؤخذ بالشفعة. رد المختار: 4/518. والهبة بشرط العوض إذا ذكرها الواهب بلفظ "على" تكون هبة ابتداءً فإن قال: وهبتك "بكذا" فهي بيع ابتداءً وانتهاءً. شرح المجلة: ص469 - 470.
(13)
تصح الهبة للأجنبي في المرض إذا خرج الموهوب من الثلث أجازها الورثة أو لا. فإن أجازها الورثة بكاملها صحت وإن لم يجيزوها تنفذ من الثلث فقط. عن التنوير. شرح المجلة: ص484.
(14)
هو الإمام حسام الدين حسين بن حجاج بن علي السغناني. 771. فقيه أصولي متكلم. وله الكافي شرح البزدوي في أصول الفقه، والتمهيد لقواعد التوحيد، والنهاية وهو أول شرح للهداية وأبسطها وأشملها. احتوى على مسائل كثيرة وفروع لطيفة. الكشف: ص2032؛ والقرشي: 2/114 - 116، 507؛ وكحالة: 4/28.
(15)
الزيلعي: 5/184.
(16)
انظر أحمد الزرقاء: القاعدة 31/ المادة 32، 155.
(17)
هو الأشباه والنظائر في القواعد للعلامة زين الدين بن إبراهيم بن محمد بن نجيم 970، فقيه جليل وأصولي. أخذ فيه وفي البحر عن التاتارخانية، وقسمه إلى سبعة فنون وهو آخر تأليفه. وقد اعتنى الفقهاء بهذا الكتاب فوضعوا عليه شروحًا كثيرة واعتمدوه في كثير من مصنفاتهم. عليه تعليقات علي بن غانم، وبجري زادة، وعزمي زادة وغيرهم، وحاشية للتمرتاشي زواهر الجواهر النضائر، ونزهة النواظر لابن عابدين، وشروح: تنوير الأذهان والضمائر لمصطفى بن خير الدين الرملي، وغمز عيون البصائر للحموي، ونزهة النواظر لخير الدين الرملي، كما عليه ترتيبات كثيرة. ولابن نجيم شرح منار الأنوار في الأصول وكتاب البحر الرائق في شرح كنز الدقائق، وحاشية على جامع الفصولين، والتحفة المرضية في الأراضي المصرية، والفتاوى الزينية. واللكنوي: ص134؛ البغدادي: 1/378؛ محمد مطيع حافظ. مقدمة الأشباه: ص5 - 18.
(18)
هذه الجملة: "الحاجة تتنزل منزلة الضرورة" وردت ذيل القاعدة الخامسة "الضرر يزال" من كتاب الأشباه: ص100.
(19)
هو الملتقط في الفتاوى الحنفية للإمام ناصر الدين أبي القاسم محمد بن يوسف الحسني السمرقندي. 556. رتبه الإمام الزاهد جلال الدين محمد بن حسين بن أحمد الأسروشني بسمرقند. الكشف: ص1813؛ وبعد ذكر هذا المرجع قال ابن نجيم: وقد ذكرنا في شرح الكنز من باب خيار الشرط. وفي القنية والبغية أنه يجوز للمحتاج الاستقراض بالربح. الأشباه: ص100.
ومما لا ريب فيه أن الناس إذا كانت لهم حاجة إليه في تلك الأعصار على فضلها، فهم إليه في هذا العصر على وضوح اختلاله أحوج. وقد فشا التعامل به في ديارنا فشوًا خارجًا عن الحد وقد قال الأستاذ الإمام محمد الطاهر ابن عاشور بجوازه في حديثه عن الرخصة عند وقوع الضرورة العامة المؤقتة. وقال: إن اعتبار هذه الضرورة عند حلولها أولى وأجدر من اعتبار الضرورة الخاصة. ومثل لذلك بالكراء المؤبد في أرض الوقف الذي جرت به الفتوى بالأندلس في أواخر القرن التاسع، وفتوى ناصر الدين اللقاني بعد ذلك في إحكار الأوقاف، ثم إجازة العقود المسماة بالنصبة والخلو والجلسة والجزاء وما ألحق بها في الإنزال في تونس وفاس، وفتوى علماء بخارى من الحنفية ببيع الوفاء في الكروم لحاجة غارسيها إلى النفقات عليها قبل إثمارها كل سنة، فاحتاجوا إلى اقتراض ما ينفقونه عليها. ابن عاشور. المقاصد: ص125 - 126؛ وجاء في البيوع والمعاملات المعاصرة: نرى [بيع الوفاء] فشا في الريف بخاصة عندنا بمصر وبغير مصر من البلاد الإسلامية
…
وما أحرانا أن نقر هذا العرف الذي أقره جمع من أسلافنا الفقهاء، توسعة على الناس وإبعادًا لهم عن الاقتراض بالربا
…
ومن الخير إذن مراجعة الأمر وإباحة هذا الضرب من البيع على أن يشتد القانون في رعاية حق البائع والمشتري وبخاصة البائع لأنه المحتاج
…
ولنا في آراء الفقهاء دليل ومستند يصح الاستناد إليه في تجويز هذا البيع للحاجة إليه. بتصرف من محمد يوسف موسى: ص138 - 140؛ انظر أحمد الزرقاء: (العادة محكمة واستعمال الناس حجة) . القاعدة: 35، 36/ المادة 36، 37، 165 - 169.، وبرزت به الفتاوى والأحكام ممن أدركناهم من الحنفية، ومنهم والدي رحمه الله تعالى، منذ صدر للإفتاء إلى أن لحق بربه، وذلك خمس وأربعون سنة،
[372]
وممن لم ندركه بالبلاغ عنه. فلا يفتي الآن أو يقضي فيه منهم بغير هذا إلا من قصد الإضرار بالناس. وأما منعهم من التعامل به جملة بعد هذا الفشو والحاجة الشديدة إليه فحامل لهم على الهجوم على الربا المجمع على تحريمه جهارًا، لأن المضطر إذا أغلقت في وجهه الأبواب ارتكب المشاق الصعاب.
إذا لم تكن إلا الأسنة مركبًا
فلا يسع المضطر إلا ركوبها
ولهذا، مع ما انضاف إليه من تحيل الناس: وهو أنهم يعقدونه أولًا تقليدًا للمذهب الحنفي لوجود الرخصة في ذلك فيه، وعند فسخ المشتري له وطلبه الثمن من البائع يرفعه للمالكي الذي لا يراه إلا رهنًا، فيحسب عليه من ماله ما كان استغل من ثمره أو أخذ من منافعه وربما استغرق ذلك ماله، بل ربما زاد عليه عند طول المدة، رأى أميرنا (1) هذا، أيده الله تعالى وسدده ووفقه للخير وأرشده، (تحجير الحكم في بيع الوفاء على القضاة المالكية) أن حجر الحكم فيه على القضاة المالكية، وأن ما تأتيهم فيه من قضية وجهوها إلى الحنفية (2) ، حسبما أخبرني بذلك الحجر قاضيا الوقت اللذان أحدهما المالكي المحجور عليه (3) .
هذا وقضية كلام غير واحد في تقرير مذهب التركيب، ومنهم البزازي في جامعه، أنه يعتبر مركبًا من الرهن والبيع الصحيح كما سبق (4) ، وذكر في موضع آخر منه أن يعتبر مركبًا منهما ومن البيع الفاسد أيضًا (5) ، وأنه كالزرافة فيها صفة الثور والبعير والنمر. ويلوح لي أنه لا حاجة لزيادة هذا لأن اعتباره فيه ليس إلا ليفسخ بطلب أحدهما جبرًا على الآخر. وهذا يحصل [373] باعتبار الرهن فيه، الذي هو من العقود المباحة. فأي داع لاعتبار الفاسد فيه وهو من العقود المحرمة (6) .
(1) هو حمودة باشا باي. 1173 - 1229. من أبرز ملوك (بايات) تونس. أنابه والده في الولاية 1191، ثم استقل بها 1196. كانت له آثار ووقائع عمرانية تشهد بشجاعته ورجاحة عقله. ابن أبي الضياف: 3/12 - 116؛ الزركلي: 2/282.
(2)
وهذا دفعًا للخلط الواقع من الفقهاء والعامة في تطبيق الأحكام. وهو ما شكا منه الفقيه عبد الله بن بازرعه في رسالته إطلاق العقدة في مسائل العهدة من قوله: (وددت أنهم مشوا على ما يقوله أرباب المذاهب المذكورة في تفاريع ذلك، ليكون التقليد مستمرًّا في أصل المسألة وتفاريعها. وأما أخذ المسألة من مذهب المذكورين وأخذ تفاريعها من مذهب الشافعي رضي الله عنه فما كان ينبغي) عبد الرحمن بكير: ص147 - 148.
(3)
القاضي الحنفي العلامة الشيخ أحمد بن الخوجة الأول. مؤسس البيت الخوجي. وهو الجد الأعلى لصاحب النسخة الخوجية محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حمودة بن محمد بن علي خوجة الآستاني الشريف، والقاضي المالكي العلامة الشيخ أبو الفداء إسماعيل التميمي. نبه على ذلك أحمد ابن الخوجة الثاني كما في حاشية البيرمية والخوجية والرضوانية.
(4)
انظر القول السادس، البزازية: 4/407 - 408.
(5)
البزازية: 4/409.
(6)
اختلف الشيوخ على التحقيق في إلحاق بيع الوفاء بالبيع الصحيح الجائز أو بالبيع الفاسد. فرجح الأول الذي ذهب إليه صاحب الرسالة جماعة وقالوا: إن إلحاقه بالصحيح أولى تقليلًا للفساد وترجيحًا لقول الإمام، وذهبت أخرى إلى أن إلحاقه بالفاسد أولى لأنه فاسد حقيقة لإلحاق الشرط الفاسد به وهو شرط الفسخ عند نقد الثمن. ومعلوم أن بيع الوفاء لم يصح في المنقول، وصح في العقار استحسانًا لا لأنه خال من المفسد. وإذا كان كذلك فإلحاقه بالفاسد أولى. اهـ. البزازية: 4/409.
واعلم أن الوفاء لا يصلح طريقًا للتحيل على حل الربح إلا على القول فيه بالتركيب، أو بأنه بيع جائز غير لازم لتقارب القولين باشتراكهما في حل الانتفاع به وفسخه بطلب أحدهما، وافتراقهما بعد ذلك باعتباره عقدًا واحدًا في حق كل من المتعاقدين، أو عقدين باعتبارين مختلفين، مما لا طائل تحته، ولا يصلح طريقًا له على ما عداهما من سائر الأقوال.
أما صلاحيته لذلك على كل واحد منهما فظاهرة لحصول غرض صاحب العين في التمكن من استردادها، وصاحب المال في الانتفاع بها مدة غيبة ماله عنه (1) .
وأما عدمها على ما سواها فلأن كلا من القول بالرهن والبيع الفاسد وإن حصل غرض الأول لم يحصل غرض الثاني. والقول بالبيع البات بالعكس.
فكان القائلون بالقول الثالث والخامس فيه له قابلين (2) ، وبالثلاثة الباقية رادين. كما أن كلا من ذينك القولين تمكن تمشيته في تسلمات بلدنا. لكنك عرفت رجحان الأخير، ولا تمكن تمشية ما عداهما فيها لفقدان لفظ البيع وشرط الرد نصًّا فيها.
(1) وقد ذكر صاحب بيع العهدة بين مؤيديه ومعارضيه تفصيل فوائد هذا البيع، وهو بيع الوفاء، للطرفين البائع والمشتري بقوله: أولًا هي سد حاجة البائع إلى الثمن بالحصول عليه، وبقاء عهدته بحقه ببقاء حقه في المبيع وحصوله عليه في الوقت الذي يتفق عليه مع المشتري. أو يعيد فيه مثل الثمن الذي عهد به، وثانيًا ضمان حق المشتري من الثمن وضمان غلات ذلك الحق. فالبيع محجوز له ولأمره طالما كان الثمن لدى البائع، وغلاته وزوائده له باستيلائه على العين. بتصرف. عبد الرحمن عبد الله بكير: ص31 - 32.
(2)
أي قبلوه على أنه حيلة لحل الانتفاع، الآن الكيفية المذكورة التي الشيخ الثالث. ب.
البيع بالثنيا وحكمه عند المالكية البيع بالثنيا أي بما استثنيته. وهو من البيوع الفاسدة لاشتماله على شرط مناقض للبيع. وهو عام عند ابن رشد في كل بياعات الشرط المنافية، وصورته المحددة كما في بيوع الآجال من المدونة:(ومن ابتاع سلعة على أن البائع متى رد الثمن فالسلعة له لم يجز ذلك لأنه بيع وسلف) . اهـ. وهما نوعان من التعامل مختلفان. قال سحنون: (بل سلف جر منفعة) . وقال أبو الحسن: (اختلف في هذا البيع المسمى بيع الثنيا إذا نزل، هل يتلاقى بالصحة كالبيع والسلف أم لا على قولين)، يعني إذا أسقط الشرط: أحدهما أن البيع باطل وهو المشهور، والثاني أن البيع جائز إذا أسقط شرطه وهو قول مالك
…
الحطاب. مواهب الجليل: 4/373؛ التاودي على التحفة: 1/58؛ وقال الرجراجي في تحديد طبيعة هذا البيع: (اختلف في بيع الثنيا هل هو بيع أو رهن على قولين. وفائدة الخلاف في الغلة. فمن رأى أنه بيع قال: لا يرد الغلة) . وقال مالك في العتيبة: (إن الغلة فيه للمشتري بالضمان فجعله بيعًا وأنه ضامن والغلة له، ومن رأى أنه رهن قال: يرد الغلة وأنه في ضمان البائع في كل بيع ونقص يطرأ عليه من غير سبب المشتري، وما كان من سبب المشتري فهو ضامن له، وحكمه حكم الرهان في سائر أحكامها فيما يغاب عليه) . الحطاب: 4/373. وحكى عن القابسي: أن حكم هذا البيع قبل انقضاء أجل الثنيا حكم البيع الصحيح. فالغلة فيه للبائع لأنه بمنزلة الرهن، وهو بعد انقضاء الأجل بمنزلة البيوع الفاسدة فتكون الغلة فيه للمشتري. ونبه التسولي على ما اشتهر بين الناس مما دعوه بيعًا وإقالة واعتبروه رهنًا فيما تعارفوا عليه وتعاملوا به. فالحكم في الرهنية بالاتفاق رد الغلة وعدم الفوات. وإذا وقع البيع صحيحًا وطاع المشتري بالثنيا بعد ذلك جاز لأن التطوع بالإقالة بعد العقد جائز إلى غير غاية وإلى أي حد مؤجل، وأجازوها أيضًا إلى أجل قريب أو بعيد. ثم إنه في المطلقة متى أتاه بالثمن لزمه رد المبيع إليه، ويجوز للمشتري فيه التفويت بالبيع أو غيره؛ ويفوت به على البائع المقال إلا أن يفيته بالفور
…
وأما في المقيدة فلا يجوز له تفويته فإن فوته رد على ما للموثقين. وقيده الباجي بما إذا لم يبعد أجلها كالعشرين سنة فيكون حكمها حكم المبهمة في فواتها على البائع وعدم ردها. وإذا جاءه البائع بالثمن في خلال الأجل أو عند انقضائه أو بعده على القرب منه بيوم ونحوه لا أكثر لزمه قبوله، ورد البيع على بائعه. ولا كلام له في أنه لا يقبض الثمن إلا بعد الأجل
…
التسولي: 2/60 - 63.
ومما تعورف في بلدنا ما يعبرون عنه بالبيع بالثنيا، وصورته أنهم يعقدونه بلفظ البيع خاليًا عن قرانه بشرط الرد فيه. ثم يتفقان على رد المشتري للبائع المبيع عند رده عليه الثمن (1) ، إما مطلقًا أو إلى أجل معين، كسنة على وجه الوعد، ويعبر عنه الموثقون بالتطوع بالثنيا أو الشرط الصريح في وجهي الإطلاق (2) والتأجيل.
فالصور أربع: (الوعد بالرد مطلقًا) فإن وعد بالرد مطلقًا (3) ، فإن كان الثمن ثمن المثل أو فيه
[374]
غبن يسير، فهو بيع بات ولا يلزمه الرد عند المجيء بالثمن، إذ هي مسألة الحاوي الزاهدي (4) الذي قال فيها: الفتوى على أن البيع فيها بات.
وإن كان بغبن فاحش فهو بيع جائز ويلزم الوفاء بالوعد، إذ هي مندرجة في إطلاق قاضيخان منطوقًا، ومأخوذة من كلام الحاوي مفهومًا. (الوعد بالرد إلى أجل يفسد البيع) وإن وعد به إلى أجل على معنى: وأن لم يأت به للأجل بت البيع، فالبيع فاسد، لأنه تعليق البيع على عدم الإتيان بالثمن في السنة، والبيع لا يقبل التعليق (5) .
(شرط الرد مطلقًا يفسد البيع) وإن ذكره شرطًا مع الإطلاق (6) فسد أيضًا، لأن البيع، كما لا يصح معلقًا لا يصح إذا شرط فيه شرط فاسد، وهو وإن لم يكن مقارنًا للعقد بل ألحق به فقد مر أنه يلتحق ولو في غير المجلس على الصحيح (7) ، (شرط الرد إلى أجل يفسد البيع) وإن ذكر شرطًا مع التأجيل فكذلك لذلك (8) .
وإذا فرغنا من الفصل الأول الباحث عن نفس العقد، ننقل الكلام إلى بقية الفصول الباحثة عن متعلقاته، مقدمين منها ما يتعلق بمحله، إذ هو من أركانه، فنقول:
(1) إن بثمن المثل لزم البيع، وإن بغبن فاحش لزم الرد، واليسير ملحق بالمثل فيما يظهر. ب.
(2)
عن الوقت. ب.
(3)
بلا تأقيت. ب.
(4)
المتقدمة عن الخيرية. ب.
(5)
وهذا على عكس ما يذكرونه في باب خيار الشرط من مسألة البيع على أن المشتري إن لم يأت بالثمن إلى كذا فلا بيع، لأن الإتيان بالثمن في المدة هنا يترتب عليه عدم تمام البيع، وعدم الإتيان به فيها يترتب عليه التمام، وفي مسألة باب الخيار تمام البيع موقوف على الإتيان به في المدة وعدمه بعدمه. هـ. منه. ب.
(6)
قسيم قوله فإن وعد
…
إلخ. وفي هذا قسمان كالذي قبله. ب.
(7)
يلتحق الشرط الفاسد بالعقد ولو في غير المجلس على الصحيح، وقيل: لا يلحق كما في رد المحتار من البيوع فاختلف التصحيح. ج. ر. في الأصل يلتحق عند أبي حنيفة وإن كان الالتحاق بعد الافتراق عن المجلس، وقيل لا وهو قولهم وهو الأصح كما في جامع الأصولين. رد المحتار: 4/120.
(8)
تضمنت مجلة العقود والالتزامات التونسية أحكام بيع الثنيا التي كان العمل بها جاريًا بتونس قبل أن تفسخ بقانون رقم (1) لسنة 1958 المؤرخ في 18 يناير 1958، وذلك من الفصل 684 إلى 699 بدخول الغاية.
الفصل الثاني
فيما يصح عقد الوفاء فيه وما لا يصح
اعلم أنه لا خلاف بين القائلين به في صحة عقده في عقار البالغ العاقل، واختلفوا (1) في صحته في عقار الصبي، والمجنون مثله، كما اختلفوا في صحته في المنقول.
أما الأول فمنعه فيه العلاء العلامة (2) وغيره من أئمة سمرقند بعلة أن فيه تمليك الولي منافع عقار المولى عليه للمشتري بلا عوض، إذ مال الوفاء الذي دفعه فانتفع به المولى عليه يرد عليه بتمامه عند الفسخ، فكان فيه تبرع بها، والولي لا يملك ذلك (3) .
وأجازه صاحب العدة عند اضطرار المولى عليه
[375]
إلى ثمنه، كاحتياجه للنفقة على نفسه أو ماله بانهدام في عقاره تخشى الزيادة فيه إذا لم يبادر بتلافيه وليس له مال في الحال، ولكن له ما هو مرجو الحصول في المآل (4) . وبالجواز جرى العمل عندنا بشرطه من الضرورة إليه (5) . وينبغي للوصي المبادرة إلى الفسخ ما وجد إليه سبيلًا.
(1) اختلفوا على الخلاف في صحة عقد بيع الوفاء في عقار الصبي والمجنون وأن العمل عندنا هو جوازه بشرطه. ج.
(2)
هو شيخ الإسلام أبو القاسم علاء الدين السمرقندي الحنفي الملقب بالعلامة. ذكره البنشانجي في بيان رموزه من نور العين ونسب إليه الفوائد العلائية قائلًا للإمام علامة سمرقند، كما ذكره في العمادية: 106 ب في مسألة الوصي يملك بيع عقار الصبي بيعًا جائزًا وقال: كان شيخ الإسلام علاء الدين العلامة وغيرهم من أئمة سمرقند على أنه لا يملك ذلك. وسماه حاجي خليفة الكشف: 1299.
(3)
عبارة البزازي: قيل الوصي يملك بيع عقار الصبي بيعًا جائزًا، وقيل لا يملكه. وعنه في النوازل اختلف أئمة سمرقند في أن الوصي هل يملك بيع عقار الصبي وفاء. فأكثرهم على أنه لا يملك. وفتوى صاحب الهداية على أنه يملك. البزازية: 4/416 - 417؛ والبنشانجي: 75 ب.
(4)
لبيع عقار اليتيم والمجنون وفاء لا بد من أحد المسوغات لبيع عقاريهما بتًّا. ب. وقد تعرضت الفتاوى الخيرية لهذه المسوغات فيما نصت عليه من القول بأن المصرح به في كتب علمائنا قاطبة عدم جواز بيع عقار اليتيم لغير ضرورة نفقة، أو خوف ظالم متغلب عليه، أو بيع بضعف قيمته، أو لدين على الميت لا وفاء له إلا منه، أو كان في التركة وصية مرسلة لا نفاذ لها إلا منه، أو غلاته لا تزيد على مؤنته، أو خشي عليه النقصان. الرملي:672.
(5)
الجواز أفتى به برهان الدين صاحب الهداية أيضًا. وعبارة حفيده العمادي في المسألة تحكي القولين. وسئل رحمه الله تعالى: (الوصي هل يملك بيع عقار الصبي بيعًا جائزًا؟ أجاب يملك. قال عمي نظام الدين رحمه الله وكان شيخ الإسلام علاء الدين العلامة وغيره من أئمة سمرقند على أنه لا يملك ذلك) . العمادية: 106 ب؛ والجامع: 1/242.
وأما الثاني وهو المنقول، فاستفيد المنع فيه من جواب صاحب العدة من سأله:(حكم الوفاء في المنقول إذا عقد الوفاء في عقار ومنقول يفسد في المنقول ولا يسري في غيره.) إذا جمع (1) في الوفاء بين العقار الذي يجوز فيه الوفاء والمنقول الذي لا يجوز حتى فسد في الثاني، هل يسري الفساد منه إليه؟ بأنه لا يسري إليه. يعني بل يقتصر فساد المنقول عليه. ونسب البزازي الجواز للنوازل صاحب النوازل هو إمام الهدى أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي. اختلف في سنة وفاته بين 373، 375، 393. ويلقب بالفقيه فلا يختلطن بالحافظ. وهو فقيه مفسر محدث حافظ متصوف. له عدد من المؤلفات منها النوازل في الفروع. جمع فيها جملة من الفتاوى والواقعات من كلام ابن شجاع الثلجي وابن مقاتل الرازي وابن سلمة ونصير بن يحيى وابن سلام وأبي بكر الإسكافي وعلي بن أحمد الفارسي وأبي جعفر محمد بن عبد الله، ومنها عيون المسائل، وتفسير القرآن، وتنبيه الغافلين، وخزانة الفقه، وبستان العارفين في الآداب الشرعية. الذهبي. التذكرة: 3/169؛ الكشف: 1981؛ البغدادي: 2/409؛ القرشي: 3/544، 1743؛ اللكنوي: 221؛ كحالة: 13/96؛ وعبارة البزازي في المسألة: (وإذا جمع في البيع الجائز بين العقار والمنقول الذي لا يجوز فيه البيع الجائز بأن لم يكن تبعًا للعقار حتى فسد في المنقول لا يتعدى إلى العقار بل يجوز فيه. وهذا إشارة إلى أنه لا يجوز الوفاء في المنقول) . ثم قال: (وفي النوازل جواز الوفاء في المنقول أيضًا) . البزازية: 4/416؛ والجامع: 1/242. .
(1) قوله إذا جمع، هذا هو عين السؤال. ج، ب.
وعلل للمنع بأن الوفاء يقتضي سلامة البدلين عند التفاسخ، يعني والمنقول يضمحل قبله، فلا يجد البائع وقت الفسخ ما يسلم له. (فساد عقد الوفاء في المنقول يخص ما لا ينتفع به إلا باستهلاك عينه) وأنت خبير بأن عدم السلامة إذ ذاك لا تعم سائر أنواعه بل تخص ما لا ينتفع به إلا باستهلاك عينه، كالثمرة والخبز واللحم، دون ما ينتفع به مع بقائها، (العبد والدابة لا يطلق فيها القول بجواز ولا منع) كالعبد والدابة. فينبغي أن يخص المنع الأول ولا يعم الثاني (1) ولا يطلق القول فيهما بجواز ولا منع (2) .
فإن قلت: من النوع الثاني (3)(بيع النصبة وفاء وباتًّا ووقفها وهبتها) ما يعبر عنه عامتنا بالنصبة وفقهاؤنا بالسكنى لتصريحهم بأنها نقلي، فينبغي جواز عقد الوفاء عليها (4) . كما يجوز عقد البات عليها إذا لم يكن بشرط القرار.
(1) أي المنقول الذي لا يتطرقه الفساد. ج.
(2)
القاعدة التي يدور عليها الجواز وعدمه هي ما ورد في الدرر والغرر من قولهم: (قيل يصح بيع الوفاء في المنقول لعموم الحاجة، وقيل لا يصح لاختصاص التعامل بالعقار. فمن أجاز أخذ بالأول، ومن منع اعتمد الثاني) . البنشانجي: 75 ب. وذكر المتأخرون هذه المسألة وقالوا اختلف في جواز بيع الوفاء في المنقول إذا لم يكن المنقول من توابع العقار. وأنكر بعضهم هذا الترجيح. وقال لم تتعرض المجلة له أيضًا. ومقتضى ما ذكروه من أن تجويز بيع الوفاء بهذه الكيفية المعروفة إنما كان لضرورة الناس وتعارفهم، أنه إذا لم يتعارف الناس إجراءه في المنقول التعارف المعتبر، لا يجوز كما في الواقع في زماننا. أحمد الزرقاء. صدر التنبيه الرابع:28.
(3)
وهو ما ينتفع به مع بقاء عينه. ب.
(4)
هذا مسلم. ب.
قلت: ذلك لو لم يدخل فيها على شرط القرار، لكنه مدخول عليه، فصار معروفًا عرفًا، وهو كالمشروط شرطًا (1) .
فإن قلت: يخرج على ما مر عن النسفي من أن لا عبرة بالشرط المفسد إذا لم يذكر عند التعاقد باللسان وإن كان مضمرًا بالجنان في بيوع الخيرية، نقلاً عن الخلاصة، والقبض، والبزازية، والتاتارخانية وغيرها، أنه يجعل البيع الصادر بعد المواضعة من غير ذكر الشرط على ما تواضعا. انظر الرملي: 1/226. وفي الفصل الأربعين من العمادية قبيل الكلام على ما يحكم فيه الحال. انظر الجنس الرابع من المسائل في إفساد العقد بعد صحته وتصحيحه بعد إفساده. نخ اليوسفية: أسفل 269 أ. وانظر نفس الموضوع في الفصل: ص39. الجامع: 2/321، وكذا في فصل أحكام بيع الوفاء، أنه إذا تواضع المتبايعان على شرط الوفاء ثم تبايعا خاليًا عن هذا الشرط، فالعقد جائز. ولا عبرة للمواضعة السابقة نقل ذلك عن فوائد جده. نخ أحمدية: أول 103 ب. وفي الفصل التاسع عشر نقلًا عن نجم الدين أن ما كان قبل العقد، وما كان في القلب عند العقد لا عبرة لذلك إذا لم يذكر عند العقد سوى الإيجاب والقبول. وذكر هناك فروعًا أخرى من هذا الجنس. العمادية. نخ أحمدية: وسط 103 أمحمد ابن الخوجة الأكبر. ج. .
(1) راجع تفصيل هذه القاعدة عند الكلام على "العادة محكمة" المادة 36، وفي المادتين "المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا"، و"المعروف بين التجار كالمشروط بينهم". أحمد الزرقاء: 43، 44، 165 - 168، 183 - 186.
قلت: ذلك في غير المعروف عرفًا، وإنما هو أمر يخص المتعاقدين. [376] أما ما عم به العرف فهو من المذكور في العقد حكمًا (1) . (التصرفات لا تصح في النصبة) فإذا لا يصح على النصبة وحدها عقد بيع وفاءً أو باتًّا (2) ، بل ولا رهن ولا هبة ولا وقف. أما البيع بنوعيه فلما سمعت؛ وأما الرهن والهبة فلعدم القبض، لعدم إفرازها عن العرضة لاتصالها بها مع إمكان انفصالها عنها، (المشاع القابل للقسمة لا يصح فيه رهن ولا هبة) فأشبهت المشاع فيما يقبل القسمة، ولا يصح فيه رهن ولا هبة؛ وأما الوقف فلأنه منقول لم يجر التعارف بوقفه. وإذا لم تجز هذه العقود في النصبة، وهي عين مال قائم، (بيع الخلو والمفتاح) فعدم جوازها فيما يعبر عنه عامتنا بالمفتاح وفقهاؤنا بالخلو، وهو معنى مجرد (3) ، أولى لأن محل هذه العقود المال الذي هو عين يجري فيها التنافس والابتذال، ولا شيء من المعنى بعين فلا يكون مالًا فلا يكون محلًّا لها، فلا تصح فيه بحال.
(1) تعليق بهامش النسخة: اعرف هذا السؤال والجواب فهما قاضيان بعدم جواز بيع الوفاء في النصبة. وانظر ما جرى به عملنا في جواز بيع الوفاء في الكردار والإنزالات. والذي يظهر لي أن الشرط المفسد هو الذي لا يقتضيه العقد فيفضي إلى النزاع، وبيع الإنزال بنوعيه بشرط القرار فيه يقتضيه العقد ولا يفضي إلى النزاع، ومثله النصبة فافهم.
(2)
ورد بذيل النسخة البيرمية وكذا بذيل الرضوانية فائدة هي من تمام هذه المسألة نصها: الحمد لله سئلت عن البيع الوفائي غير الصحيح كما في بيع النصبة الشائع بتونس هل يلزم المشتري أجر ما سكن أم لا؟ فأجبت بعدم اللزوم. ولو كان المبيع معدًّا للاستغلال لما صرحوا به في باب الغصب من أن الساكن بتأويل عقد لا يلزمه أجر، ومثلوا بالمرتهن إذا سكن بيت الرهن. ولا شك أن هذا سكن بتأويل عقد فلا يلزمه الأجر. وهذه كثيرة الوقوع في بلدنا جدًّا فلينتبه لحكمها. ب، ر.
(3)
لأنه عبارة عن البقاء في المحل بحيث لا يزاد عليه، ومنه ما تعارفه أهل الذمة ويعبرون عنه بالحزقة، ب. ومما يتصل بهذا القول في بدل الخلو الذي كان موضع بحث في مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة. وصدرت الفتوى بجوازه في أكثر الصور إلا في حالة انقضاء مدة الإجارة وعدم تجدد العقد صراحة أو ضمنيًّا عن طريق التجديد التلقائي حسب الصيغة المفيدة له فإنه لا يحل لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر. وقد تضمن ذلك القرار المفصل رقم 6 العدد الرابع: 3/2329 - 2330؛ ومجمع الفقه الإسلامي. قرارات وتوصيات: 70.
الفصل الثالث
فيما يجوز من فعل للمشتري وفاء في مبيعه وما لا يجوز
ولنؤخر الأول لطول الكلام عليه.
اعلم أنه لا يصح منه فيه نقل الملك ببيع بات ولا هبة ولو على القول بفساده على ما مر أنه المختار (1) فيه، ولا نقل اليد لا ببيع وفائي مثل بيعه على ما نص عليه في البزازية (2)، (المبيع وفاء لا يعار ولا يرهن) ولا برهن محض أو إعارة على ما ظهر لنا من قولهم: إنه (الوفاء يعطي له حكم الرهن) معطى له، في غير الانتفاع به سكنى واستغلالًا على القول بالتركيب، حكم الرهن، والمرهون لا يرهن ولا يعار، وحيث علمت من كلام البزازي أنه لا يصح من مشتريه عقد بيع الوفاء فيه (مسألة التولية في الوفاء) يظهر لك أن ما يصنعه بعض شراته من توليتهم (3) شراءهم الوفائي غيرهم لا يصح إذا لم يكن بإذن البائع (4) . وإذا كان غير صحيح تكون يد المتولى
[377]
عليه بسبب تلك التولية غير محقة (5) .
(المالك ينتزع المبيع من يد غير محقة ولو بغيبة المشتري) وإذا كانت كذلك كان للمالك نقضها مع غيبة المشتري منه ورد المبيع ليده حتى يحضر الغائب ذو اليد المحقة فيأخذه منه حتى يدفع هو له مال وفائه. وليس لصاحب التولية أن يصده عن ذلك: بأنك بعته وفاء لفلان، فلا حق لك الآن فيه حتى تدفع له ثمن وفائه، لأنه ليس بنائب عنه، لا حقيقة وهو ظاهر، ولا حكمًا تصحيحًا لتوليته، لأن ذلك إنما يكون لو كان للمشتري أن يعقد فيه التولية. وقد عرفت أن ليس له ذلك.
وحكم وإرث كل واحد من هؤلاء الثلاثة (6) حكم مورثه، كما ذكره ذلك كله صاحب الفصول نقلًا عن القاضي الأمير. وهو وإن ذكره في صورة كون المشتري وفاء باعه باتًّا فقد علمت استواء البيعين في عدم الصحة من المشتري وفاء، فتحقق في البيع الوفائي ما تحقق في البات من كون يد المشتري الأخير غير محقة، وهو المناط في نزع المالك ملكه من يده فيثبت في الوفائي ثبوته في البتي (7) . والقاضي الأمير وإن كان من الرائين كون الوفاء رهنًا، وكلامنا على رأي من يراه مركبًا منه ومن البيع، إلا أنك عرفت أن من يرى التركيب فيه يراه في حق البائع رهنًا. ونحن نتكلم بالنسبة إليه حيث قلنا: له نزع متاعه من يد من ليس له يد محقة عليه.
(1) أي عدم صحة النقل المختار فيه وأنه لا يفوت بها. ب.
(2)
قال عماد الدين وعلاء الدين ومنهاج الشريعة: (في المشتري وفاءً إذا باع باتًا أو وفاءً أو وهب أن هذا التصرف لا يصح) . البزازية: 4/411؛ وفي نور العين: (والمشتري وفاء إذا باع باتًّا أو وفاءً أو وهب لا يصح) . البنشانجي: 75 أ؛ وفي المادة 397: (ليس للبائع ولا للمشتري بيع مبيع الوفاء من غيره لأن البيع بالوفاء في حكم الرهن في كل شأن من شؤونه) . علي حيدر: 1/365؛ شرح المجلة: 224، 397.
(3)
التولية نقل جميع المبيع إلى المولى بما قام عليه بلفظ: وليتك أو نحوه من غير زيادة ربح ولا نقصان. الموسوعة الفقهية الكويتية: 9/49.
(4)
أما إذا كان بإذنه فإن قال أرهنه لك فهو ملغى ولا يصح رهنه. وإن قال: لي كان له. وتضمن هذا فسخ الرهن الأول وتوكيله بالثاني هـ. والظاهر حينئذ رجوع الحقوق إليه. ومنها طلب ثمن الوفاء بعد فسخه. ثم هذا الفسخ كما يصح منه يصح من موكله. فقد صرح المقدسي، في إقالة شرحه الكنز المنظوم، بصحة إقالة وكيل البيع وموكله أيضًا. وهذا حقه لأنه وكيل بيع وفائي لكن قيد شارح المجمع صحة إقالة وكيل البيع بما إذا لم يقبض الثمن. كذا بخط الوالد رحمه الله تعالى. ب.
(5)
في كتاب الرهن من الخيرية: (سئل في رجل ارتهن كرمًا من رجل بمبلغ وغاب الراهن فجاء أجنبي فقضى الدين وارتهن الكرم وأكل ثمرته مدة سنين، ثم حضر الراهن ومنعه المرتهن الكرم حتى دفع له ما دفع للمرتهن الأول. فما الحكم في ذلك وفيما أكله من ثمره؟ أجاب ليس له منعه، ويضمن له ما أكله من ثمره وشجره، ولا يرجع على أحد بما دفعه لا على الراهن الأول، ولا على الثاني لكونه متطوعًا. والله سبحانه وتعالى أعلم) . الرملي: 2/193. وفعل بيع الوفاء معطى له حكم الرهن. محمد ابن الخوجة الأكبر. ج، ر. وبيان هذا الحكم وارد بعد نقلًا من العمادية.
(6)
المالك والمرتهنان. ب.
(7)
سئل صاحب الهداية عمن باع كرمه من رجل بيع الوفاء وتقابضا، ثم باعه المشتري من آخر بيعًا باتًّا وسلم وغاب. هل للبائع الأول أن يخاصم هذا المشتري الثاني ويسترد منه كرمه؟ قال: نعم، وإن كان حق الحبس للمرتهن لكن يد هذا المشتري محقة، والبائع الأول مالك له وله أن يسترد ملكه ممن قبض بغير حق، ثم للمرتهن حق أن يأخذه منه وبحبسه متى حضر. قال: وكذلك إذا مات البائع الأول والمشتري الأول والمشتري الآخر فلورثة البائع الأول أن يستخلصوه من أيدي ورثة المشتري الآخر، ولهذه الورثة أن يستردوا ما أعطى البائع مورثهم من الثمن، ولورثة المشتري الأول أن يستردوا الكرم من ورثة البائع الأول ويحبسوه بدين مورثهم إلى أن يقبضوا الدين. وهذه الجملة من فتاوى النسفي. العمادية: 103 أ؛ والجامع: 1/235؛ والبنشانجي: 73 أ.
[وبعد هذا فعندي في نزع المالك هذه اليد إشكال قوي. وذلك أنه لا يكون إلا بالحكم، وهو يستدعي الخصومة لا محالة، وهي منتفية هنا. وذلك لأن ذا اليد لا يدعي في هذا البيع ملكًا لنفسه، وإنما يدعي فيه حقًّا بشرائه له وفاء من الغائب. وأطبقوا على أن من هو كذلك لا تسمع عليه دعوى
[378]
حق ولا ملك. وإذا لم تسمع لا يتمكن المالك من إثباتها بالبينة لقيامها على غير خصم، ولئن اعترف له ذو اليد (1) ، وبيعه للغائب وفاء وأريد القضاء باعترافه لم يصح لما فيه من إبطال حق الغائب، لأنه لما قال: شريته وفاء من الغائب، فقد اعترف للغائب باليد، والأصل فيها كونها يد ملك. فقوله: إنها ليست بها وإنما يد الملك لهذا الحاضر، إقرار على الغائب. فكيف يصح؟ فتأمل] (2) .
فإن قلت هل لهذا المشتري [بالتولية](3) أن يطالب البائع الأول بالمال الذي قبضه من المشتري الأول ليأخذ منه ما دفعه هو لذلك المشتري من ثمن التولية؟ إما من حيث إن للمشتري الأول هاته المطالبة، وهو بالتولية قد قام مقامه وتنزل منزلته، أو من حيث إن الأول (4) غريم للثاني، والثاني غريم له (5) ، وغريم الغريم غريم.
قلت: لا، إذ لا نسلم أن المشتري الأول، لو كان حاضرًا، له تلك المطالبة. لأن العقد قائم لم يفسخ بعد. (لا يصير مال الوفاء دينًا في ذمة البائع إلا بعد فسخ الوفاء) وما لم يفسخ لا يثبت مال الوفاء دينًا للمشتري بذمة البائع. وإنما يصير كذلك بعد الفسخ (6) . (لا تصح الكفالة بمال الوفاء منجزة) ولهذا لا تصح الكفالة به منجزة، وإنما تصح مضافة إلى الوقت المذكور (7) .
(1) بالملك. ب.
(2)
الفقرة ساقطة من الخوجية.
(3)
كلمة بالتولية ساقطة من ج.
(4)
لعله أدرك الراهن الأول ج.
(5)
قوله له أي للثالث. ج، وهو المشتري الأخير. ب.
(6)
هذا معنى قول العمادي في الصلح: (إن المال لم يجب بعد على البائع وإنما يجب بعد الفسخ) . العمادية: 107 ب، وقوله بعد ذلك:(إن مال الوفاء ليس بثابت في ذمة البائع ما دام بيع الوفاء قائمًا (أي باقيًا) . العمادية: وسط 108 أ؛ الجامع: 1/243.
(7)
الكفالة بمال الوفاء تصح مضافًا لا في الحال، إذ المال يجب على البائع بعد الفسخ لا في الحال. كذا في فوائد صدر الإسلام طاهر بن محمود. الجامع: 1/243.
وهذا أصل بينهم مقرر ولديهم مكرر. والفرض أن لا فسخ، فلا دين، فلا مطالبة. ولا يصح وقوع التفاسخ بين الأول والثالث إذ لا عقد بينهما حتى يفسخاه، ولا أن يفسخه الثاني نيابة عن الأول لفرض انتفائها، وبفرض تضمن التولية إنابته على الفسخ فقد علمت بطلان التولية، وببطلانها يبطل ما في ضمنها من توكيل إن كان.
وأما حديث غريم الغريم غريم، فأولًا: حيث كان مال الوفاء ليس بدين قبل الفسخ فلا غريم ولا غريم غريم، وعلى التنزل لأنه دين قبله [379] حتى تحقق الغريم وغريمه، فغريم الغريم عندنا إنما هو غريم لمن باشره بما هو سبب الدين، لا لمن باشر من باشره به (1) . ولهذا لو دفع غريم الغريم لدائن دائنه لم يرجع به على دائنه لأنه وإن قضى عنه دينه فقد قضاه بغير أمره وبغير (2) ضرورة ألجأته إليه. ولا رجوع لقاضي الدين على المقضي عنه إلا بأحد هذين السببين. (دفع المالك مال التولية للثالث بلا إذن الثاني) وبهذا يعلم أنه لو دفع الأول للثالث مال وفائه عن الثاني ليأخذ المبيع من يده لم يرجع به عليه لانتفاء سببي الرجوع. أما انتفاء الأول فواضح، وأما انتفاء الثاني (3) فلما مر من أن له نزعه (4) من يده بلا شيء. وإذا كان كذلك كان مختارًا في الدفع. والمختار متبرع، والمتبرع لا رجوع له.
وأما ما يصح من تصرفات المشتري فيه، فذلك زراعته وإجارته والانتفاع بثمرته. ولنورد لكل منها مبحثًا على حدة فنقول:
(1) ويعني نحن نقول بموجب ذلك لكن كون غريم الغريم غريمًا أنه غريم لمن باشره بالدين فقط، فليس لغيره مباشرته بالطلب. هـ. تقرير. ب.
(2)
نخ: بلا.
(3)
الأول هو الأمر، والثاني الضرورة. ر.
(4)
على ما فيه من الأشكال. ب.
المبحث الأول
(زراعته الأرض) في زراعة المشتري وفاء الأرض التي عقد الوفاء عليها
وتتعلق بها مسألتان كلتاهما فيما بعد التفاسخ في عقده.
(الفسخ في الأرض زرع لمشتري الوفاء) أولاهما فيما إذا تفاسخا بعد الزراعة إلا أن الزرع لم يدرك بعد بل هو بقل. فهل يكلف المشتري قلعه من الأرض ليسلمها لربها، أم لا ويبقى فيها إلى إدراكه بأجر المثل للأرض؟
وثانيتهما فيما إذا تفاسخا قبل الزراعة بعدما كَرَب المشتري الأرض ليزرعها فمنعه البائع من زراعتها بعد الفسخ، فهل له أن يضمنه فيمة كرابه أم لا؟
أما الأولى، فمنهم من فصل بين كون الفسخ بطلب المشتري، فلا يبقى زرعه بل يقلع لأنه مختار
[380]
في طلب الفسخ. إذ يمكنه تأخيره إلى وقت الإدراك. فلما لم يؤخره إليه، يكون راضيًا بالقلع. فلا ينظر له بالإبقاء. وهو لم ينظر لنفسه بتأخير طلبه.
وبين كونه بطلب البائع فيبقى له لأنه مضطر في هذا الفسخ إذ لا يمكنه الامتناع منه، فلا يمكن جعله مع عدم الاختيار راضيًا بالفسخ، وليس في هذا الإبقاء كبير ضرر بالبائع لأنه لا يبقى في أرضه مجانًا بل بأجر المثل، فكان فيه (1) نظر للجانبين (2) .
ومنهم من أطلق القول بالإبقاء للإدراك، بأجر المثل في الصورتين (3) ، ولم يجعل لطلبه الفسخ أثرًا في منع إبقاء زرعه، تنظيرًا بمسألة المزارعة التي أخر فيها المزارع الزراعة لآخر السنة حتى مضت مدتها والزرع بقل حيث حكموا بإبقاء زرعه بأجر المثل، ولم يأمروا بقلعه باعتبار جعله راضيًا به حيث أخر الزراعة اختيارًا (4) .
(إذا تفاسخا بعدما كرب المشتري الأرض) وأما الثانية فذكر في الفصول: (أنها واقعة الفتوى. وصورها فيما إذا أدى البائع مال الوفاء من غير طلب المشتري وقال:
وعلي قياس مسألة المزارعة، يعني التي أخر فيها المزارع الزراعة لآخر السنة وأبقى له فيها زرعه بأجر المثل، ينبغي أن يجب (5) . وهكذا أفتيت بأنه يجب) .
(1) أي في إبقائه بأجر المثل. ب.
(2)
انظر نقلًا من الذخيرة. الجامع: 1/241؛ وورد ملخصًا من فوائد شيخ الإسلام برهان الدين: (باع أرض وفاء فزرعه المشتري ثم أدى إليه البائع مال الوفاء حتى انفسخ البيع والزرع بقل؟ أجاب بعضهم بأنه لو أدى بطلب المشتري يجبر على تفريغ الأرض لا لو أداه بلا طلبه بل يترك في يده بأجر مثله) . العمادية: آخر 107 ب.
(3)
ولو قيل يترك في يده بأجر مثله في الوصفين فله وجه. البنشانجي: أسفل 74 ب. وذكر العمادي القول الأخير المطلق بالإبقاء للإدراك بأجر المثل في الصورتين قائلًا: (ولو قيل بأنه تترك في يده بأجر المثل في كلا الوجهين فلعله وجه. فقد ذكر في الفصل الثامن من الذخيرة) . العمادية: آخر 107 ب.
(4)
العمادية: آخر 107 ب.
(5)
أي على البائع للمشتري أجر كرابه. ب؛ أورد العمادي مسألة الفتوى بعنوان مشتري الوفاء كرب الأرض لتزرع يبذره فأوفاه المال. العمادية: أول 109 أ؛ الجامع: 1/244؛ الطرابلسي: 148 - 149.
وإنما لم أفهم كون قياس إبقاء الزرع بأجر المثل في تلك المسألة هو إيجاب قيمة الكراب في هذه، وأين وأين! وليس في مسألة المزارعة إلا عقد إجارة حكمية في الأرض لعذر دفع الضرر عن المشتري بقلع زرعه الذي كان أصل وضعه في أرض البائع بحق. وهذا ليس ببدع في الإجارة لأنها كما تفسخ بالعذر تعقد جبرًا به.
وأما مسألة الكراب ففيها تقويم عمل المشتري
[381]
الذي عمله لنفسه على البائع من غير عقد ولا دلالة حال (1) . ومنعه من الزراعة بعد الفسخ منع بحق فلا يصلح سببًا للضمان. [وأيضًا فهذا ضمان منفعة والمنافع على أصلها لا تقوم لها حتى لا تضمن بالغصب. أفترى لا يضمنها الغاصب ويضمنها مالك الأرض! ولا يهولنك تصريح البزازي في فتاواه بالضمان، إذ قال: (كرب المشتري وفاء أرض الوفاء للزراعة وأدى البائع مال الوفاء وفسخ البيع، للمشتري أن يطالب من البائع أجرة الكرب إذا كان النقد بلا طلب المشتري) (2) لأن ما ذكرناه وارد عليه وروده على صاحب الفصول](3) .
فالذي يقتضيه النظر عدم إيجاب قيمة هذا الكراب على البائع للمشتري (4) . نعم ينبغي أن يرضيه (5) فيه بشيء. والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1) قوله ولا دلالة حال. كتب الشيخ أحمد ابن الخوجة الثاني رحمه الله ما نصه: (عندي بعض توقف من حيث إن عقدة بيع الوفاء قائمة (أي وقت الكراب) وذلك يتضمن الإذن بوجوه الانتفاع ومنه كرب الأرض الذي هو مقدمة الزراعة) . اهـ. ج، ر.
(2)
انظر البزازية: 4/422.
(3)
ساقط من ج، و.
(4)
اعرف أن الذي يقتضيه النظر عدم إيجاب قيمة كراب مشتري الوفاء على البائع بعد الفسخ. وعلى هذا عملنا. ب.
(5)
نص ابن عابدين فيما إذا امتنع رب الأرض من المصير في المساقاة وقد كرب العامل في الأرض وأنه يسترضيه ديانة. أي يرضي صاحب الكراب بشيء. وذكر الشارح بأن يفتي بأن له فيه أجر مثله لغرره على أن الاسترضاء بأجر المثل موافق لما في التبيين. الدر المختار ورد المحتار. كتاب المزارعة: 5/177. ر.
المبحث الثاني
في إجارته
وتتعلق بها مسألتان أيضًا إحداهما مسألة إجارته لغير بائعه، وثانيتهما مسألة إجارته له.
أما الأولى فلا كلام في كون الأجرة له لكونه العاقد، لأنه إذا كانت للغاصب لذلك فكيف لا تكون ههنا له كذلك) (1) ، ولا في حلها له على القول بالتركيب، إذ قد مر أنه يعتبر الوفاء عليه في حق المشتري بيعًا باتًّا، فيكون مؤجرًا لما ملكه بالبيع البات الصحيح. فكيف لا يحل له مع أنه ما اعتبر فيه هذا التكلف إلا ليحل انتفاع المشتري بالمبيع! (2) .
(التفاسخ فيما هو مستأجر قبل تمام مدة الإجارة) وإنما الكلام فيما أجره المشتري لمدة ثم تفاسخ مع البائع عقد الوفاء قبل تمامها. فهل يظهر هذا الفسخ في حق المستأجر حتى تنفسخ [382] إجارته أيضًا تبعًا لانفساخ عقد الوفاء أم لا يظهر في حقه حتى يستمر على إجارته إلى تمام مدته؟.
وملخص ما في العمادية (3) هنا (فسخ عقد الوفاء الذي يتبعه فسخ عقد الإجارة وما لا يتبعه) أن فسخ عقد الوفاء تارة يكون من قبل المشتري بأن يكون هو الطالب له لرغبته في استرجاع الثمن، وأخرى من قبل البائع بأن يكون هو الطالب له رغبة في استرداد المبيع، فإن كان الأول فمدار ظهور الفسخ في حق المستأجر على ثبوت العذر للمشتري في فسخ الوفاء ثبوته في فسخ الإجارة ببيع المؤجر المستأجر من دين عليه لا وفاء له إلا من ثمنه. فإن ثبت ذلك (4) في حق المشتري ظهر في حق المستأجر وانفسخت إجارته بفسخ الوفاء، وإن لم يثبت لم يظهر في حقه ولم تنفسخ إجارته بفسخه، بل اقتصر فسخه عليه في حق خصوص متعاقديه. ولا عبرة هنا لكون الإجارة كانت لمدة متعارفة أو غيرها، فتفسخ مع ثبوت الدين في المتعارفة ولا تفسخ مع انتفائه في غيرها؛ وإن كان الثاني فالأمر بالعكس، أعني أن مدار ظهوره في حقه على عدم تعارف المدة.
(1) قاله العمادي: 105 أ؛ وفي الجامع مثله على قول من جعل بيع الوفاء فاسدًا لو قبضه وآجره من غيره، فله الأجرة لأنه لو غصب وآجره فله الأجرة فهذا أولى: 1/239.
(2)
نخ: بالبيع. ج، و.
(3)
العمادية: آخر 106 أ.
(4)
أي دين على المشتري لا وفاء له إلا من ثمن الوفاء. ب.
فإن كانت لمدة غير متعارفة - قال العمادي: (كالعشر سنين) ، والظاهر أن غير المتعارفة عندنا ما زاد على السنة (1) في العقار (2) وعلى الثلاث في الأراضي - ظهر الفسخ في حقه وانفسخت إجارته، وإن كانت لمتعارفه لم يظهر ولم تنفسخ إجارته بفسخه بل اقتصر الفسخ عليه (3) . ولا عبرة هنا لدين على البائع، لا وفاء له إلا ببيع العين وخلاصه من ثمنها وعدمه، فتفسخ مع عدم التعارف ولا دين على البائع. ولا تفسخ
[383]
مع التعارف وذلك الدين عليه. وهذا لأن فسخ الإجارة، بفسخ الوفاء في صورة كون فسخه من قبل المشتري، فسخ لها من أحد عاقديها، إذ هو المؤجر فيها. وفسخ الإجارة من أحد المتعاقدين لا يكون بعدم (4) تعارف المدة، لكونه رضي بعقدها عليها، وإنما يكون بالعذر الذي لا يناسب هنا منه إلا ذلك الدين (5) ، وفسخها (6) بفسخه، في صورة كون فسخه من البائع، فسخ من غيرهما، إذ البائع (7) أجنبي عن عقد الإجارة وعذر الدين كغيره (8) مقصور فسخها به على كونه من أحد المتعاقدين. وإنما فسخت بعدم تعارف المدة دفعًا لفحش الضرر عن البائع (9) لو أبقيت معه. ثم إذا فسخا الوفاء إما بطلب المشتري بلا دين عليه، أو بطلب البائع ومدة الإجارة متعارفة حتى لم تنفسخ، وكان للمستأجر إتمام مدتها، وكان البائع لم يدفع للمشتري ثمن الوفاء بعد، كان له (10) أن يمتنع من دفعه مع انفساخ الوفاء (11) حتى يتمكن من قبض المبيع بانقضاء مدة الإجارة لقول العمادي:(التفصيل فيما إذا دفع الثمن ثم رام الاسترداد إلى تمام المدة)(إن له أن يمتنع من دفع الثمن حتى تنفسخ الإجارة [لأنه ليس بعذر] (12) . وقد علمت أن لا انفساخ ههنا إلا بتمام المدة، وأما إذا دفعه ثم أراد (13) استرداده إلى تمكنه من قبض المبيع فيظهر لي، وإن لم أر من تكلم فيه بشيء، أنه إن كان وقت الفسخ عالمًا بالإجارة وبما بقي من مدتها، وإن لم يعلم بالحكم الشرعي من أنه لا يتمكن من القبض إلا بعد تمامها، لم يكن له ذلك (14) ، لأنه وإن كان له الامتناع من الدفع إلى تمام المدة شرعًا، الذي معناه أنه مخير بين الدفع وعدمه فقد اختار
[384]
أحد الجائزين له وهو الدفع، إذا دفع وهو مع ذلك عالم بما بقي من المدة، فلم يبق له عذر في الاسترداد، وجهله بأن له الامتناع شرعًا ليس بعذر لكونه جهلًا بحكم شرعي في دار الأحكام.
(1) لأن هذا أكثر ما تعورف في المدة التي يؤجران إليها. وإيجارهما لغيرها وإن كان واقعًا لكنه نادر بالنسبة إليها. اهـ. منه. ب.
(2)
نخ. الرباع. ع.
(3)
والفرق بين الصورتين ما أورده العمادي من قوله: (ولو كانت مدة غير متعارفة بأن أجر عشر سنين لا تبقى الإجارة لأنا لو قلنا بأنه لا تنفسخ بتفاحش الضرر بخلاف تعارف المدة لقلة الضرر) . العمادية: وسط 106 أ؛ الجامع: 1/241؛ الطرابلسي: 148.
(4)
نخ: بعد في ج.
(5)
أي الذي لا وفاء إلا منه. ب.
(6)
الإجارة. ب.
(7)
عند الوفاء. ب.
(8)
من الأعذار. ب.
(9)
بعد البائع [و] انظر ب، ر.
(10)
للبائع بعد الفسخ أن يمتنع من مال الوفاء ما بقيت مدة الإجارة. ج.
(11)
قوله مع انفساخ الوفاء، يعني لأن البائع والمشتري قد فسخاه بتراضيهما. فانفسخ في حقهما وإن لم ينفسخ في حق المستأجر. ب.
(12)
انظر العمادية: أسفل 106 أ؛ والجامع: 1/241.
(13)
نخ. رام.
(14)
أي الاسترداد. ب.
وإن لم يكن عالمًا بذلك حين دفعه ينبغي أن يكون له أن يسترد، لأن من حجته أن يقول: لو علمت ببقائها ما دفعت.
نعم إذا ادعى عليه المشتري العلم بما بقي من المدة حين دفعه ولا بينة له على دعواه، كان له استحلافه. وهذا كله - قلته - استظهارًا مني، فلينظر فيه وفي كل ما أستظهره، ولا يعتمد عليه. فإنه إذا كان صاحب الفصول كثيرًا ما يقول: وأجاب بعض من تصدر للفتوى في زماننا، وإن لم يعتمد جوابهم (1) فكيف يعتمد جواب أمثالنا!
ثم إن جميع ما سبق إنما هو بالنظر لانفساخ الإجارة تبعًا لفسخ الوفاء وعدمه. (أجرة ما بعد الفسخ لمن تكون؟) وأما بالنسبة لأجرة المدة التي من وقت فسخ الوفاء إلى آخر وقت الإجارة لمن تكون؟ فهذه وإن كان ببادي الرأي يتوهم أن تكون للبائع إذ كانت أجرة المدة التي بعد الفسخ، فليس كذلك إذ اتفقت كلمتهم على أنها للمشتري، كأجرة المدة التي قبل الفسخ التي لا تردد في أنها له. فإذًا أجرة المدة كلها تكون للمشتري لأنه هو العاقد لهذه (2) الإجارة، وأجرة عقدها لعاقدها إذا كان غصبًا، فكيف بهذا!
فإن قلت: قول الفصول: (ولو مضى بعض المدة فجاء البائع بالثمن إلى المشتري يجبر المشتري على قبض الثمن والوفاء بما شرط (3) ، ويجب الأجر بحساب ما مضى [من المدة] ) (4) ، يعطي (5) تقسيطها على المدة، كالغلة على ما سيجيء إن شاء الله تعالى فيها، حتى تكون
[385]
أجرة ما قبل الفسخ للمشتري وما بعده للبائع، فينافي ما ذكرته من كون أجرة المدة كلها للمشتري.
(1) الشاهد هنا. ب.
(2)
نخ. عاقد هذه.
(3)
من الرد. ب.
(4)
كذا في الفصول. وقدم له بقوله: (وعلى قول من أجازه صح الإجازة من البائع وغير البائع ويكون الأجر له؛ وغلة الكرم على ما شرطا) . العمادية: أعلى 5 ب؛ والجامع: 1/240؛ نور العين: (لو مضى بعض المدة وجاء البائع بثمن المبيع فأجبر المشتري على قبض ثمنه والوفاء بما شرطا، وتجب الأجرة بحصة ما مضى من المدة) . ثم قفى المؤلف على هذه المسألة بقوله: (ولكل منهما نقضه في كل حال إذ العقد غير لازم) . البنشانجي: آخر 75 أ - أول 75 ب.
(5)
خبر قول الفصول. ب.
قلت: لا تنافي بينهما لأن ما ذكرته من كونها بتمامها للمشتري فيما إذا كانت الإجارة للأجنبي. وما ذكره من كون المشتري ليس له إلا أجرة ما قبل وقت الفسخ فيما إذا كانت الإجارة للبائع على القول بجوازها، لأنه بعد أن قال: وهذا يعني عدم جواز الإجارة من البائع على قول من قال بالفساد (1) ، وعلى قول من أجازه (2) صح الإجارة من البائع وغيره، وتكون الأجرة له، وغلة الكرم على ما شرطا، ألصق به قوله:(ولو مضى بعض المدة إلى آخره) . فلا يشك أن معناه ولو مضى بعض المدة في صورة الإجارة للبائع المتكلم فيها.
وإنما (3) افترق الصورتان في هذا الحكم لأنه مما لا تشكيك فيه أن لزوم الأجر على المستأجر يدور مع عقد الإجارة، يثبت بقيامه وينتفي بفسخه. وعقدها هنا يدور مع عقد الوفاء كذلك، ضرورة أن المشتري لم تثبت له ولاية عقد الإجارة على المبيع للبائع أو لغيره إلا بسببه، وإلا فما له ولعقدها على ملك غيره؟ غير أن الوفاء في صورة عقد الإجارة مع الأجنبي، وإن انفسخ في حق البائع والمشتري - بفسخهما لولايتهما على أنفسهما - لا ينفسخ في حق المستأجر لعدم ولايتهما عليه، فيبقى قائمًا بالنسبة إليه كأن لم يطرقه فسخ. وبقيامه بالنظر إليه يبقى عقد إجارته على قيامه، وبقيامه تلزمه الأجرة، وإذا لزمته تكون لعاقد الإجارة على ما مر، ولا عاقد لها إلا المشتري، فتكون له لا محالة.
وأما في صورة عقدها مع البائع، فلما انفسخ الوفاء بفسخهما انفسخت الإجارة في ضمنه لكون الحق لا يعدوهما، إذ كما أنهما عاقدا الوفاء هما عاقدا
[386]
الإجارة، وإذا افنسخت إجارة البائع لم تبق أجرة حتى يقال لمن تكون؟ وليس معنى قول العمادي:(فيجب الأجر بحسب ما مضى) أن الماضي يكون للمشتري وما بعد الفسخ للبائع، إذ البائع هنا هو المستأجر الساكن، فلا معنى لإيجاب الأجر عليه لنفسه، وإنما معناه أن لا يجب للمشتري أجر المدة كلها نظرًا لأنه عقد الإجارة عليها حتى يأخذ من البائع أجر المدة اللاحقة كما أخذ منه أجر السابقة وإنما له أجر المدة الماضية فحسب.
(1) أي بأنه بيع فاسد. ب.
(2)
أي جعل الوفاء بيعًا باتَّا. ب.
(3)
وإن افترق في ب، ر؛ إنما في ج، ص، و.
وأما الثانية وهي مسألة إجارته للبائع فلا يخفى أنها تصح على القول بأن الوفاء بيع صحيح بات لخروج المبيع به عن ملك البائع فلا يلزم محذور أنه استأجر ملك نفسه لأنه حينئذ استأجر ملك غيره وهو المشتري لدخوله في ملكه، ولا تصح على كل واحد من الأقوال الأربعة الباقية لعدم خروج المبيع عن ملكه في جميعها:
أما على القول بأنه رهن فواضح.
وأما على القول بأنه بيع فاسد فلتعلق حقه بفسخه، ولهذا لا تثبت فيه شفعة حتى يلزم، فتحقق ما يقطع حق مالكه عنه، لأن ثبوتها منوط بخروج المبيع عن ملك البائع، يثبت بثبوته وينتفي بانتفائه. وأيضًا فقالوا: إن رده على المالك مستحق له شرعًا رفعًا للفساد. والرد المستحق بجهة إذا وقع على غيرها لا يقع إلا عنها، فلا يقع رده عليه بجهة الإجارة حتى يقال بصحتها (1) .
وهكذا يقال فيه على القول بأنه بيع جائز غير لازم للزوم الوفاء بوعد الرد، لأن لزوم الوفاء به يستلزم وجوب رده على مالكه فيكون مستحقًّا له على المشتري، فلا يقع إلا على ذلك الوجه.
وأما على القول بالتركيب
[387]
فلأنه سبق أن قائله يعتبره في حق البائع رهنًا، (عدم صحة الإجارة للبائع على القول بالتركيب أيضًا) والكلام هنا في حقه، وهو أنه هل يصح استئجاره حتى تلزمه الأجرة أم لا؟ ومتى اعتبره رهنًا في حقه لزم أن يقول بعدم صحة استئجاره، إذ لا يصح استئجار الراهن الرهن من المرتهن؛ وكونه يعتبره في حق المشتري بيعًا باتًّا وإن اقتضى جواز إيجاره والانتفاع بأجرته فإنما يقتضي جواز إيجاره إيجارًا صحيحًا، وهذا فاسد لوجود المنافي له، وهو كونه مملوكًا لهذا المستأجر. فيكون مستأجرًا ملك نفسه. فلا تكون من مقتضياته (2) كغيره من الإجارات الفاسدة. وجواز إجارته للأجنبي كاف في تحقق جواز إيجاره للمشتري وانتفاعه بأجرته؛ ولو كان القائل بالتركيب يقول بجواز إجارته للبائع لكان قائلًا باعتباره بيعًا في حق البائع أيضًا، وهو لا يقول به (3) .
(1) وهذا ما صرح به العمادي من قوله: (والحكم في البيع الفاسد أن المستحق بجهة لا يقع إلا عن تلك الجهة وإن أوقعه الموقع بجهة أخرى) . العمادية: أول 105 ب؛ الجامع: 1/239.
(2)
فلا تكون الإجارة للمالك من مقتضياته أي هذا العقد. ب.
(3)
انظر ما ورد في الخيرية بشأن الصور كلها وما نقله صاحبها من البزازية. الرملي: 1/226 - 227.
فإن قلت: هذا معارض بأنه لو كان يقول بعدم جوازها لكان قائلًا باعتباره رهنًا في حق المشتري أيضًا، وهو لا يقول به.
قلت: لا ضير في ذلك، إذ لا كلام في أن الأصل في هذا العقد كونه رهنًا في حق الكل، (اعتبار بيع الوفاء في حق المشتري على خلاف الأصل بيعًا لضرورة تحليل الانتفاع) وما اعتبر في حق المشتري بيعًا على خلاف الأصل إلا لضرورة تحليل منافعه له. والثابت بالضرورة يتقدر بقدر ما تندفع الضرورة به، وهي تندفع بتجويز إجارته من الأجنبي، ولا يتوقف اندفاعها على تعميم الجواز في الإجارة من كل أحد، فلا يثبت هذا التعميم بلا ضرورة إليه، إذ لو ثبت بدونها ما صدق أنه ثبت للضرورة. وهذا كما قالوه في المقتضى: إنه لثبوته للضرورة (1) لا عموم له، مع أنه قد تعارض هنا جهتا الحظر والإباحة، لأنه إن نظر في هذا الاستئجار لجانب المشتري من كونه بيعًا بالنظر إليه اقتضى إباحته، وإن لوحظت فيه جهة البائع وهي كونه رهنًا بالنسبة إليه
[388]
اقتضى حظره. والعقد الواحد لا يمكن اتصافه بالضدين (2) ، والمعروف في مثله تقديم جهة الحظر على الإباحة. وهذا ظاهر جدًّا. ولعلهم اكتفوا بظهور المنع فيه عن أن يبينوه كما بينوه (3) على غير هذا القول مما عدا القول بأنه بيع بات. وليس في تقريرهم مذهب التركيب بقولهم يعتبر بيعًا في حق المشتري حتى ينتفع به كسائر أملاكه، وقولهم إنه صحيح في بعض الأحكام كحل الإنزال (4) ومنافع البيع، ولا في قولهم: وعلى قول من أجازه صح الإجارة من البائع وغيره، ما (5) يفيد صحة الاستئجار من البائع على ذلك القول (6) .
(1) بالضرورة. ب، وفي غيرها من النسخ للضرورة كما أثبتناه في الأصل.
(2)
تأمل. ج.
(3)
قوله: كما بينوه يعني إذ قالوا لا يصح الاستئجار من البائع على القول بأنه رهن، والقول بأنه بيع فاسد. ويصح على القول بأنه بيع بات صحيح، وسكتوا عنه على القول بأنه مركب من البيع والرهن، وأما على القول بأنه بيع جائز غير لازم، فهم وإن سكتوا عنه، عليه أيضًا لكن عدم الجواز عليه يفهم من نصهم عليه على القول بالفساد لاتحاد العلة، وهي كون الرد فيه مستحقًّا فلا يقع إلا على جهة الاستحقاق على ما نبهنا عليه. ج اهـ. منه ب، اهـ. كذا وجد. ر.
(4)
الثمرة. ب.
(5)
مما في ب، ر؛ ما في ج، ص، و.
(6)
أي القول بالتركيب. ب.
أما الأول والثاني فلأن المراد حيث يمكن ذلك، وقد عرفت عدم إمكان انتفاع المستأجر بهذا الاستئجار لعدم صحته بوجود ما ينافيها من كون المستأجر ملك المستأجر.
وأما الثالث فلأن القائل بالتركيب، ليس ممن أجازه، إذ المتبادر من هذا اللفظ من قال بجوازه مطلقًا في حق كل من البائع والمشتري في جميع الأحكام، والقائل بالتركيب لم يقل به كذلك، وإنما قال به مقيدًا بكونه في حق المشتري خاصة، و [مع ذلك](1) لم يعممه بالنسبة إليه في جميع الأحكام، بل خصه ببعضها. (لا يجوز بيع الوفاء بيع وفاء ولا رهنه ولا إيداعه) ألا ترى أنه لا يجوز له بيعه لا باتًّا ولا وفاء ولا رهنه ولا إيداعه، مع أن ذلك كله مما ينتفع به في سائر أملاكه. فظهر من هذا ظهورًا لا تحوم حوله شائبة احتمال أن لا يصح إيجار المبيع وفاء من بائعه على ما عدا القول بأنه بيع بات من سائر الأقوال. (للبائع أن يحسب ما دفعه للمشتري من أجر كراء ملكه من مال الوفاء) وحينئذ فللبائع أن يحسب ما دفعه للمشتري من الأجر من مال الوفاء بلا إشكال.
واعلم أنه قد يعز على البائع الخروج من داره التي باعها وفاء، والمشتري
[389]
لا يرضى إلا بأن يؤجرها لينتفع بأجرتها (2) ، واشتهر أن إيجارها من البائع غير صحيح وأخذ الأجرة منه لا يحل (3) ، (حيلة توسط أجنبي بين المشتري والبائع في الإجارة) فيتحيلان لوجه يجمع بين حل أخذ المشتري لأجرتها وسكنى البائع بداره، وهو أن يؤجرها المشتري الأجنبي ويؤجرها ذلك الأجنبي للبائع في هذه الحيلة جرى على غير الصحيح في مسألتين: إحداهما إجارة العقار قبل قبضه، وقد قيل هو على الحظر الجاري في بيعه قبل قبضه، وقد قيل إنه لا يجوز بلا خلاف وهو الصحيح - وهذا قياسًا كما قاله الأتقاني وهو قول محمد وزفر والشافعي، وأجازه الإمامان أبو حنيفة وأبو يوسف استحسانًا - وذكره الزيلعي في فصل التصرف في المبيع والثمن قبل القبض. انظر الزيلعي. حاشية شلبي: 4/79 - 80؛ والثانية الإجارة من المالك بتوسط ثالث وهو غير جائز أيضًا على الصحيح المفتى به كما في البزازية - ذكر الجواز أبو علي النسفي عن أستاذه. وقال الحلواني: وروي عن محمد أن الإجارة من المالك لا تجوز مطلقًا تخلل الثالث أولًا وبه عامة المشائخ وهو الصحيح وعليه الفتوى. البزازية الهندية: 5/20 - إلا أن يقال ارتكب الضعيف في خصوص هذا المقام للضرورة وشدة الحاجة إلى ذلك. وقد ذكر الشيخ هذا لأن احتياج الناس للشيء وتعاملهم به أصلان كبيران في المذهب. محمد ابن الخوجة الأكبر. ج، ر. .
(1) ساقطة في ج.
(2)
انظره. ج؛ تقدم بيان ذلك عند الإشارة إلى ما يطلب من الفوائد في بيع الوفاء والعهدة.
(3)
قال في النسفية: (سئل عمن باع داره من آخر بثمن معلوم بيع الوفاء وتقابضا ثم استأجرها من المشتري مع شرائط صحة الإجارة وقبضها ومضت المدة هل يلزمه الأجر؟ قال: لا كذا في التاتارخانية) . الهندية: 3/209.
ثم تارة يدفع البائع الأجرة للأجنبي وهو يدفعها للمشتري، وأخرى يدفعها له البائع مباشرة على معنى دفعه عن الأجنبي. والتحيل على هذا الوجه عندنا سائغ، ومثله في كتبنا شائع، لأنه تحيل على التخلص من الحرام. وفيه (1) قال في حيل الهندية:(مذهب علمائنا فيه أنه حسن)(2) . وكون عقد الإجارة مع الأجنبي لم يقصد لذاته، وإنما جعل وسيلة للتوصل لأخذ الأجرة من البائع لا يضر في شيء، لأن شأن الحيلة أن تجعل لاستحلال وسيلة. وعقد الوفاء نفسه ما كان مقصودًا به سوى التوصل لحلية ربح القرض.
(1) أي التحيل لأجل التخلص. ب.
(2)
ويؤيد هذا من كتاب المبسوط قول السرخسي: (إن الحيل في الأحكام المخرجة عن الآثام جائز عند جمهور العلماء) . انظر المخارج في الحيل لمحمد بن الحسن الشيباني: ص87؛ وفي كتاب الحيل عن الشعبي: (لا بأس بالحيل فيما يحل ويجوز، وإنما الحيل شيء يتخلص به الرجل من المآثم والحرام ويخرج به إلى الحلال) . الخصاف: ص4. وجاء في كتاب الحيل المحظور منها والمشروع: (إن الحيل في إطلاق الفقهاء عبارة عن المخارج من المضائق بوجه شرعي على اعتبارها نوعًا من الحذق وجودة النظر بما يكون فيه مخلص شرعي لمن ابتلي بحادثة دينية) . د. عبد السلام ذهني: ص107.
(الإجارة المرسومة بسمرقند) وهكذا الإجارة المرسومة بسمرقند (1) ، وهي أن يؤجر المستقرض المقرض على حفظ سكين له ونحوه مشاهرة بالقدر الذي يريد المقرض أن يجعله ربحًا على قرضه. ولها في الفصول فصل حافل (2) . ولو توقف جواز الحيلة على قصدها بذاتها لم تتحقق حيلة أصلًا، (دعوى البائع أن الإجارة للأجنبي تلجئة) وحينئذ فدعوى بعض البائعين على المشتري: أن عقد الإجارة مع الأجنبي تلجئة (3) ، لم يكن الغرض منه إلا التحيل لاستحلال أخذ الأجرة مني وأنا لم أزل ساكنًا بداري دافعًا للأجرة من مالي، غير مسموعة حتى لا تقبل منه فيها بينة ولا تتوجه له بها على المشتري يمين لأنه لو أقر بها لا يلزمه بها شيء. من لا يلزمه شيء مع الإقرار لا تتوجه إليه يمين مع الإنكار ومن لا يلزمه شيء مع الإقرار لا تتوجه عليه اليمين بالإنكار.
ففي البزازية من كتاب الشفعة عند كلامه
[390]
على بعض حيلها، فلو أراد (الشفيع) أن يحلفه بالله ما أردت (أي بالحيلة التي صنعت) إبطال شفعتي لم يكن له ذلك، لأنه لو أقر به لا يلزمه (شيء)(4) . على أن الجمع بين دعوى التلجئة في الإجارة للأجنبي ودعوى أن المقصود بها التحيل على استحلال أخذ الأجرة من البائع جمع بين متنافيين لاقتضاء كون القصد به ذلك التحيل أنه جدُّ، إذ لا يحصل المقصود من التحيل به للحل إلا بكونه كذلك. واقتضاء كونه تلجئة أنه هزل إذ التلجئة والهزل واحد لا يفيد كلاهما للعقد سوى الوجود اللفظي، وذلك مما لا عبرة به ولا يحصل المراد من الحل بسببه لأنه حينئذ وإن كان موجودًا حسًّا فهو معدوم شرعًا وهو كالمعدوم حسًّا.
(1) استخرج الإجارة الطويلة الإمام محمد بن الفضل البخاري فقبلها البعض لا البعض. انظر الفتاوى على الهندية: 5/12، 13؛ والتفريعات على الإجارة الطويلة: البزازية: 5/18.
(2)
راجع الفصل التاسع عشر في مسائل الإجارة المعهودة بسمرقند بين المقرض والمستقرض. قال في نور العين: ماهية هذه الإجارة مبهمة ظاهرًا، والمستفاد من مجموع ما ذكر في جامع الفصولين هي أن يودع المستقرض للمقرض شيئًا قليل القيمة كسكين ومشط ونحوهما، ويستأجره لحفظه، ويعين بدل الإجارة على قدر الربح الذي عيناه لأصل مال القرض ليكون الربح حلالًا للمقرض ودينًا على المستقرض. البنشانجي: 76 أ.
(3)
من الإلجاء وهو الإكراه التام كأن يهدد شخص غيره بإتلاف نفس أو عضو أو ضرب مبرح إذا لم يفعل ما يطلبه منه. وبيع التلجئة: هو أن يظهرا بيعًا لم يريداه باطنًا بل خوفًا من ظالم دفعًا له. وقالوا هو عقد ينشئه لضرورة أمر فيصير كالمدفوع إليه. الموسوعة الفقهية الكويتية: 9/62، 63.
(4)
الفتاوى: 6/154. ونظيرها ما ورد في الفتاوى الهندية: (اشترى عشرًا لضيعة بثمن كثير ثم بقيتها بثمن قليل فله شفعة في العشر دون الباقي فلو أراد أن يحلفه بالله
…
) إلخ. البزازية: 5/187.
فالإقرار بأنه قصد به التحيل على الحل إقرار بنفي التلجئة عنه والجمع بينهما من الجهل بمعناها. ولا غرابة في جهل العامة به فإنه مما يخفى على بعض الخواص فكيف بالعوام! ويدل لما ذكرناه، من كون قصد التوصل به للحل ينافي دعوى التلجئة فيه، ما نقله صاحب الخانية عن بعضهم ولم يتعقبه أثناء كلامه على حيلة عقد الإجارة على الأرض التي بها زرع المؤجر أو شجره، (وهي أن يبيعهما أولًّا للمستأجر لها ثم يؤجره الأرض ثانيًا (1) ، فيجوز لأنها بعد هذا البيع وإن كانت مشغولة لكن بما هو ملك المستأجر وهو لا يضر، إنما المضر أن تكون مشغولة بملك الآجر) بعد ذكره قدح من قدح فيها (2) بأن ذلك البيع ليس ببيع رغبة بل هو في معنى التلجئة، وهو لا يزيل المبيع عن ملك البائع، وببقاء الزرع والشجر على ملكه
[391]
تكون الأرض مشغولة بملك المؤجر فلا تجوز إجارتها. فلا فائدة لهاته الحيلة إذ لم تكن لجواز استئجار الأرض وسيلة من قوله (3) وهو موضع الاستشهاد به.
قال بعضهم: (ليس هذا ببيع تلجئة بل بيع رغبة لأنهما لما قصدا بهذا البيع تصحيح الإجارة، ولا صحة لها مع بيع التلجئة، فقد قصدا بيع الرغبة)(4) وهكذا ههنا نقول إنهما لما قصدا بالإجارة للأجنبي حلِّية أخذ الأجرة ولا حلية لها مع كونها تلجئة فقد قصدا إجارة الرغبة.
نعم إذا قصدا بالإجارة للأجنبي مجرد إظهارها للناس حتى لا يسمونهما بوصمة سوء المعاملة، وتكون الإجارة له ليست إلا اسمًا، وأنها بعينها للبائع مسمى، كان عقدها مع الأجنبي تلجئة. فإذا ادعى البائع أنها كانت كذلك وفسرها على هذا الوجه كانت دعواه مسموعة فقبلت منه البينة بها وتوجهت له اليمين على المشتري عليها.
قال البزازي في التحيل على إسقاط الشفعة يعقد البيع عقدين: (أولهما على جزء قليل بثمن كثير، والثاني بالعكس (5) . ولو حلفه على أن أولهما لم يكن تلجئة، له ذلك لأنه ادعى عليه معنى (6) لو أقر به لزمه) (7) .
(1) انظر أول فصل في الإجارة الطويلة. الهندية: 2/303؛ والبزازية: 5/15.
(2)
أي الحيلة. ب. والقادحون فيها بعض أئمة بخارى. البزازية: 5/15.
(3)
قوله من قوله وهو إلخ
…
بيان لما في قوله ما نقله صاحب الخانية عن بعضهم. ب، ج، ر.
(4)
وفي الخانية: (وبعضهم جوزوا طريق البيع أيضًا وقالوا ليس البيع
…
) انظر الهندية. فتاوى قاضيخان: 2/304.
(5)
يشتري عُشرَه بثمن كثير أو سهمًا من مائة سهم والباقي بثمن قليل. البزازية: 6/154.
(6)
قوله لأنه ادعى عليه معنى: المعنى الذي ادعاه عليه هو كون البيع الأول تلجئة أولًا بل نفي وجوده وأنه لا بيع إلا الثاني. ب.
(7)
البزازية: 6/154.
المبحث الثالث
في الانتفاع بثمرته
اعلم أن ثمرة المبيع وفاء إما أن تكون موجودة على رؤوس الأشجار وقت عقده أو تكون قد حدثت بعده. (الثمرة موجودة مسكوت عنها) وعلى الأول فإما أن يسكت عنها عند التعاقد أو (الثمرة موجودة مشروطة للمشتري) تشترط للمشتري حينئذ. [فهذه ثلاث صور](1) :
فأما في الأولى فإنها تكون للبائع، لأنها إذا كانت له في تلك الصورة في البات فما ظنك بالجائز.
وأما في الثانية والثالثة فتكون للمشتري غير أنها تكون له في
[392]
الثالثة مجانًا بحيث لا يسقط عند فسخ الوفاء من ماله في مقابلتها شيء، لأنها نزل مبيعه الوفائي. وقد تقرر في القول بالتركيب، الذي هو المختار، أن الوفاء يعتبر في حق المشتري باتًّا بالنسبة لملك النزل وحله، فيكون حينئذ مستهلكًا لما حدث نموه فيما ملكه بالبيع البات حكمًا، فأنى يضمنه؟ ولو كان يضمنه لبطلت فائدة الوفاء.
(الاتفاق على أن الثمرة المشروطة للمشتري مضمونة عليه) وأما الثانية فاتفقت كلمتهم على أنها عند الفسخ مضمونة عليه. وإنما اختلفوا في أنها بماذا تضمن بناء على اختلافهم في البيع المنعقد عليها باشتراطها للمشتري بعد اتفاقهم على أنه بيع بات (2) أهو فاسد أم صحيح؟ فمن قال بالأول قال تضمن بجميع قيمتها بالغة ما بلغت على قاعدة المبيع في البيع الفاسد إذا هلك عند المشتري (3)، ومن قال بالثاني قال: تضمن بحصتها من ثمن الوفاء كما ذكر ذلك صاحب الفصول معللًا الفساد بأنه صفقة في صفقة (4) .
(1) ساقطة من ج، و.
(2)
أي بيع الثمرة. ب.
(3)
لا خلاف بين الفقهاء في كون المبيع فاسدًا إذا هلك بيد المشتري ثبت ضمانه عليه برد مثله إن كان مثليًّا، وقيمته إن كان قيميًّا بالغة ما بلغت. تفصيل ذلك في الدر المختار: 4/125.
(4)
نقل العمادي من طريق عمه شيخ الإسلام نظام الدين عن جده: (أنه كان يجعل البيع في الزرع فاسدًا حين أوجب القيمة ووجه الفساد أنه صفقة في صفقة) . العمادية: أول 106 أ؛ والجامع: 1/241.
وتحقيق ذلك أن هذا العقد وإن اتحد ظاهرًا فقد تعدد باطنًا لأنه عقدان: عقد على الشجر وهو بيع وفاء، وعقد على الثمر وهو بيع بات، وإنما لم يجعل وفاء أيضًا حتى يكون الكل معقودًا عليه عقد واحد وفائي، مع أن هذا هو المتبادر فيه، لأن الثمر لكونه من المنقول الذي لا ينتفع به إلا باستهلاك عينه لا يصح فيه عقد وفاء على ما مر. وإذا انتفى كونه تعين أنه بات. وسبب الاختلاف بعد ذلك في صحته وفساده الاختلاف في أنه من (باب الصفقة في الصفقة التي هي مفسدة) باب الصفقة في الصفقة والمراد منها بيع البيعتين في بيعة. وهي من البيوع المنهي عنها. وفي ذلك ثلاث روايات: الأولى حديث أبي هريرة وعبد الله بن عمر: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة) . الأول أخرجه أحمد: 2/432؛ والثاني رواه الترمذي: 3/533، وكذلك حديث عبد الله بن عمرو بن العاص:(نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة وعن ربح ما لم يضمن) . أخرجه أحمد: 2/174 - 175؛ والرواية الثانية حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا". ذكره الشوكاني وقال في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة. نيل الأوطار: 5/172؛ والرواية الثالثة حديث ابن مسعود: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة) . أخرجه أحمد: 1/398، (ولا تحل الصفقتان في صفقة) . رواه الطبراني في الأوسط، وذكره الزيلعي في نصب الراية: 4/20، (والصفقة في الصفقتين ربا) . أخرجه العقيلي وذكره الزيلعي: 4/20. التي هي من المفسدات أم لا. وسبب هذا الاختلاف ما في الوفاء من معنى الرهن ومعنى [393] البيع وعدم تمحضه لواحد منهما. وذلك أن اشتراط العقد على أحد الشيئين في العقد على الآخر إن كانا من نوعين مختلفين كاشتراط بيع في إجارة أو العكس فهو من باب الصفقة في الصفقة، وإن كانا من نوع واحد وكان أحدهما من توابع الآخر كالثمر للشجر لم يكن من بابها. ولهذا صح اشتراط الثمر في البيع البات للمشتري وكان البيع في الكل صحيحًا.
ولما تجاذب في الوفاء الرهن والبيع جاء الخلاف، إذ من لاحظ فيه جهة الرهن، وهو من غير نوع البيع، رأى أن اشتراط بيع الثمر في بيع الشجر من باب الصفقة في الصفقة لأنه اشتراط للبيع في الرهن [والرهن في البيع، ومن الثاني جاء الفساد لبيع الثمرة](1) ، ومن نظر فيه لمعنى البيع لم يره من بابها فكان البيع فيه، مع بتاته، صحيحًا. ومعنى كون الثمرة على هذا مضمونة بحصتها من الثمن سقوط تلك الحصة عن البائع من ثمن الوفاء. وذلك إنما يظهر بالتقويم، بأن يقوم الشجر بالثمر وبدونه، وينظر لما بينهما من النسبة، ويقسم الثمن بين الشجر والثمر على تلك النسبة. فحصة الثمر تسقط لأنها ثمن مبيع بات قبضه المشتري واستهلكه عن غير فسخ فيه، فلا وجه لرد ثمنه. وحصة الشجر لا تسقط بل ترد لأنها ثمن وفاء فسخ ورد مثمنه وهو الشجر، فلا بد من رده. وهذا وحده هو ثمن الوفاء في الحقيقة وإن كان يتراءى أن جميع ما دفعه المشتري ثمنه، مثلًا لو كان قيمة الشجر مع الثمر ألفا وبدونه تسعمائة كانت نسبة قيمة الثمر من مجموع القيمتين العُشر وهو مائة، ونسبة قيمة الشجر منه تسعة أعشاره وهو تسعمائة.
[394]
فلو كان المدفوع أولًا من المشتري خمسمائة يقسم هذا على عشرة فيكون عشرها وهو خمسون هو حصة الثمر من الخمسمائة فتسقط عن البائع، وتسعة أعشارها وهي أربعمائة وخمسون هي حصة الشجر فيردها البائع للمشتري لأنها هي ثمن الوفاء. وعلى القول بالفساد في بيع الثمرة وأنها مضمونة بجميع قيمتها يسقط عن البائع مائة إذ هي قيمة الثمرة ولا يرد للمشتري سوى أربعمائة.
فإن قلت: غرض المشتري من اشتراط الثمرة لنفسه أن تسلم له مجانًا كما يسلم له الحادث بعد العقد كذلك، والكل نزل المبيع وفاء المعتبر بيعه في حق المشتري باتًّا، ليحل له فيما افترقا حتى ضمن القديم لا الحادث.
قلت: بحدوث الحادث على ملكه الوفائي دون القديم، واعتباره بيعًا باتًّا في حق المشتري، إنما هو في خصوص الحادث لا مطلقًا، وإلا لما توقف كون القديم للمشتري على اشتراطه كما لا يتوقف الحادث عليه.
فإن قلت: لِمَ اعتبر العقد على القديم بيعًا صحيحًا أو فاسدًا حتى كان مضمونًا بأحد الضمانين؟ (هبة الثمر على شجر الوفاء) وهلًّا اعتبر هبة حتى لا يضمن كما هو غرض المتعاقدين؟
(1) ساقط من ج.
قلت: لأن هذا الاعتبار لا يفيد نفي الضمان إذ هو ثابت عليه أيضًا، لأن الهبة حينئذ تكون هبة الثمر بدون الشجر. وهي من نوع الهبة الفاسدة.
فإن قلت: أنَّى يضر اتصال الثمر الموهوب بالشجر وهو للموهوب له لا الواهب؟
قلت: بل هو للواهب لأن العقد الذي انعقد عليه عقد وفاء لا بتات (1) ، وهذا على سبيل التنزل لتسليم وجود الهبة
[395]
وإلَّا فلا تحقق لها أصلًا على ما لا يخفى.
(حكم الزرع والثمر واحد) واعلم أن الزرع القائم في الأرض وقت عقد الوفاء عليها يجري مجرى الثمرة الموجودة وقت عقده على الشجر في جميع ما ذكرناه فيها. وإذ قد عرفت أن الثمرة الحادثة بعد عقد الوفاء تسلم للمشتري مجانًا فهاهنا مسألتان لا بد من الكلام عليهما:
(طلب المشتري الفسخ ليأخذ الثمن بعد أخذه الغلة) أولاهما إذا أخذ المشتري الغلة الحادثة أكلًا أو بيعًا ثم طلب فسخ الوفاء واسترداد الثمن، فهل يجاب لذلك مطلقًا متى طلبه أو مقيدًا؟ وعليه فبماذا قيدوه؟
(إذا تفاسخا قبل أخذ الغلة، الغلة تكون لمن) وثانيتهما إذا تفاسخا قبل أخذ المشتري الغلة، فهل تكون كلها له أو للبائع أو تقسط بينهما؟ وعلى التقسيط فهل ثمة (2) فرق بين الثمرة الموجودة وقت الفسخ والحادثة بعده أم لا فرق بينهما؟
(صحة شرح الفسخ قبل السنة) أما الأولى فجوابها أن إجابته مقيدة بأحد أمرين: إما بمضي سنة من وقت العقد، أو بكونه شرط في ابتداء العقد على البائع أنه متى رفع الغلة فسخ العقد وطالبه بالثمن. أما بدون الشرط وعدم مضي السنة فلا يجاب. نص على الأول (3) في الفصول نقلًا عن فتاوى خواهر زادة (4)، وقال (5) :(إلا إذا أراد (6) أن يأخذ منه (7) نصيب ما مضى ويترك عليه نصيب ما بقي من المدة الآن له ذلك) (8) أي إلا إذا لم يطلب جميع مال الوفاء الآن، وإنما طلب قسط المدة الماضية (9) منه كما إذا مضى ثلثا السنة فطلب ثلثي مال الوفاء وترك طلب الثلث الباقي لمضيها ولم يرد (10) تركه على البائع رأسًا، فله ذلك وليس للبائع أن يقول له لا أعطيك شيئًا من الثمن حتى تمضي السنة. وهذا تقسيط لمال الوفاء على السنة، وهو عزيز في كلامهم، فليتنبه له.
(1) ط. يعني فلم يخرج به الشجر عن ملك صاحبه. هـ. والدي. ب.
(2)
ثم في ب، ر، ص، و.
(3)
ط. وهو منعه قبل مضي السنة. ب.
(4)
للإمام أبي بكر محمد بن الحسين بن محمد البخاري: 483. يعرف ببكر خواهر زادة أي ابن أخت عالم. كان من فقهاء ما وراء النهر. إمام فاضل. له المختصر. التجنيس، المبسوط، الفتاوى. اللكنوي: ص163 - 164؛ القرشي: 2/183؛ 3/141، 1289؛ ومقدمة التاتارخانية: 1/48.
(5)
ط. فإنه يجاب قبل مضي السنة. ب.
(6)
مشتري. ب.
(7)
بائع. ب.
(8)
العمادية: وسط 105 ب؛ الجامع: 1/240.
(9)
ط. التي انتفع فيها البائع بالثمن. ب.
(10)
أي لم يرد خواهر زادة بالترك في كلامه الترك رأسًا كما قد يتوهم. ب.
ونص
[396]
على الثاني (1) في البزازية نقلًا عن الديناري (2) ، وهذا كله في كون الطلب من المشتري بعد رفعه الغلة.
وبقيت ثلاث صور: صورة ما إذا كان طلبه (3) منه (4) قبل رفعها، وصورتا كون الطلب من البائع بعد رفع المشتري الغلة (5) وقبله (6) .
فأما الأولى فذكر في الفصول: أنه لا إشكال في أن له ذلك حيث أراد عدم أخذ الغلة وتركها على البائع (7) .
وأما الثانية فواضح أن ليس للمشتري وجه في عدم مساعدته على الفسخ بعد أخذه الغلة ورضا البائع بتعجيل أداء الثمن إليه قبل مضي السنة وتركه حقه في تأخير دفعه لمضيها.
(طلب البائع الفسخ قبل أخذ المشتري الغلة) وأما الثالثة (8) ففيها تفصيل آخر، وهو أن طلبه إما أن يكون قبل مضي شهر من وقت العقد أو بعده، فإن كان الأول كان له الفسخ، قال في البزازية نقلًا عن الديناري (لأن الفسخ قبل مضي الشهر كالفسخ متصلًا بالبيع)(9)، يعني والفسخ متصلًا به يجوز له لعدم لزوم العقد. ولا عبرة بكون المشتري لم يأخذ شيئًا من الغلة لعدم ضرر عليه في ذلك بعود ماله إليه في الحال من غير أن ينتفع به البائع بحال. فكذا فيما هو بمنزلته وهو ما دون الشهر لأنه قريب على ما ذكره في كتاب الأيمان: فيما إذا حلف ليقضينه دينه إلى قريب، من أن القريب ما دونه (10) ، وإن كان الثاني لم يكن له ذلك كما نقله في البزازية عن المذكور أيضًا، وعلله بقوله:(لأنا نعلم أن قصد المشتري (11) أخذ الأنزال) (12) ، يعني وفي الفسخ قبل أخذه إبطال لمقصوده مع انتفاع المشتري (13) بماله مدة بعيدة إذا كانت شهرًا، وذلك إضرار به. وهذا العقد للنظر ولا نظر له في هذا.
(1) وهو أن للمشتري الاسترداد إذا شرطه عند رفعه الغلة. ب؛ انظر البزازية: 4/414.
(2)
هو علاء الدين أبو نصر عبد الكريم بن يوسف بن محمد بن عباس: 517 - 593. فقيه حنفي. له الفتاوى. اللكنوي: ص101؛ القرشي: 2/459، 856؛ البغدادي: 1/609.
(3)
مشتري. ب.
(4)
بائع. ب.
(5)
الأولى من الصورتين وهي الثانية من جملة الصور
(6)
الثانية من الصورتين وهي الثالثة من جملة الصور.
(7)
ونصه في الفصول: ولو أراد أن يترك الغلة على البائع ويأخذ حقه له ذلك. وهذا لا يشكل. العمادية: وسط 105 ب.
(8)
الثانية في ب، الثالثة في بقية النسخ.
(9)
البزازية: 4/420.
(10)
في الفتاوى: (لا يكلمه قريبًا من سنة فهو على نصفها) . البزازية: 4/347.
(11)
الظاهر البائع. ج. ق. نص ما بالبزازية كما ورد في كلام المؤلف.
(12)
البزازية: 4/420.
(13)
(لعله البائع. كذا وجدت الترجي بخط الوالد. ب.)
فإن قلت:
[397]
ينافي هذه التقييدات في طلب أحد المتعاقدين الفسخ إطلاق صاحب الفصول القول (1) بإجابة طالب الفسخ أيًّا كان، أيَّ وقت كان، إذ قال: ولو أراد المشتري نقض البيع واسترداد الثمن كان له ذلك في كل حال لأن العقد غير لازم، ولكل واحد منهما حق النقض والفسخ) (2) .
قلت: لا منافاة بينهما لأن تلك التقييدات في مسألة الغلة كما سمعت، وذلك الإطلاق في مسألة الإجارة لخصوص البائع حسبما يعلم من الوقوف على كلام الفصول.
وأما الثانية (3) فإما أن الغلة للمشتري أو للبائع أو تقسط بينهما، فجوابه أنها تقسط (4) بينهما (مبدأ السنة الموزعة عليها الغلة هو وقت عقد الوفاء) وذلك بأن تقسم على اثني عشر جزءًا عدد شهور السنة معتبرًا بدؤها من وقت عقد الوفاء على ما يشير إليه ما في فتاوى خواهر زادة على ما في الفصول من قوله:(حتى تتم السنة من وقت البيع)(5) ، وينظر لما بين يوم العقد ويوم الفسخ من الشهور كم هو؟ ولما أصاب كل شهر من الغلة المقسومة فيكون ما يوازي تلك المدة للمشتري، ولما بين يوم الفسخ وآخر السنة فيكون ما يوازيه للبائع. وظاهر قولهم تقسم الغلة على اثني عشر جزءًا أن المقسوم هو الغلة نفسها حتى تكون مشتركة شركة ملك بين البائع والمشتري فَتُجَذُّ وتقسم عينها بالفعل أو تباع ويقسم ثمنها. لكن أفصح في الفصول في موضع آخر (المقسم على السنة قيمة الغلة لا عينها) بأن المقسوم قيمتها لا هي حيث قال:(ولو اشترى (6) كرمًا على (7) أن يكون له من الثمرة قدر النصف أو الثلث فأراد نقض البيع قبل إدراك الثمر، إن خرجت (8) الثمرة وكانت (9) لها قيمة توزع قيمة الثمرة على ما مضى من المدة، و [على] ما بقي فبقدر ما مضى يجب على البائع أن يدفع قيمته
[398]
(10) للمشتري) (11) ، فصرح بأن المقسوم قيمة الغلة، (البائع يضمن للمشتري قدر حصته من قيمة الغلة دراهم) وأن البائع يضمن للمشتري حصته دراهم، وتبقى الغلة كلها ملكًا للبائع، حصته بالأصالة وحصة المشتري بالضمان، يصنع بها ما شاء. وهذا مفسر فيكون قاضيًا على قولهم: تقسم الغلة، لأنه نص، والمفسر مقدم على النص عند التعارض على ما تقرر في الأصول.
(1) ط. والذي يظهر أن من ارتهن دارًا وسكنها أو أرضًا وزرعها ثم في أثناء السنة طلب البائع الفسخ لا يجاب إليه قبل مضي السنة، وبعد مضي شهر على قياس ما ذكر هنا. اهـ. تقرير بواسطة. كذا بخط الوالد رحمه الله. ب.
(2)
انظر العمادية: أعلى 105 ب؛ الجامع: 1/240.
(3)
وهي ما إذا تفاسخا قبل أخذ المشتري الغلة، لمن تكون بتمامها أو تقسط. ب.
(4)
إنما تقسط الغلة إذا تفاسخا برضاهما، أما إذا طلبه أحدهما وأباه الآخر فهي المسألة التي تقدمت. اهـ. منه. ب.
(5)
العمادية: أعلى 105 ب؛ الجامع: 1/240.
(6)
أي وفاء. ب.
(7)
ط. أي اتفقا هكذا وهذا جائز. اهـ. من خط الوالد. ب.
(8)
للمشتري. ب.
(9)
وصارت بدل وكانت: العمادية.
(10)
ط. وبهذا يظهر أن ليس للمشتري عين الغلة بل قيمتها إلا عند التراضي كما يفصح به عن قريب. كذا بخط الوالد. ب.
(11)
بالفصول: إلى المشتري بدل للمشتري. انظر العمادية: أول 105 ب.
وهذا لاحتمال مجاز الحذف فيه أي قيمة الغلة على حد ما قالوه في حديث المستحاضة (1) : إن رواية (تتوضأ لوقت كل صلاة) مفسرة، فتكون قاضية على رواية (تتوضأ لكل صلاة) وهي نص لاحتمال مجاز الحذف فيها أي لوقت كل صلاة.
واعلم أن كون المقسوم هو قيمة الغلة لا عينها مع كون المفسر يعطيه، فالوجه يقتضيه. وذلك لأنه لو كان المقسوم نفس الغلة لتضرر البائع بذلك سواء قلنا تجذ يوم الفسخ فتقسم، أو تؤخر لوقت الطيب.
أما الأول فلأنه لا يمكن ذلك إلا بجذ الكل قبل الطيب فيتضرر البائع في نصيبه.
وأما الثاني فللزوم بقاء نصيب المشتري على شجر البائع وتربيته له إلى وقت الطيب.
ويستفاد من قوله توزع قيمة الثمرة على ما مضى من المدة وما بقي، أن مبدأ المدة الموزع عليها هو وقت العقد، إذ أي مدة هنا سوى مدة الوفاء التي مبدؤها ما ذكر.
وأما أنه هل ثم فرق في التوزيع بين الثمرة الموجودة وقت الفسخ والمعدومة أم لا؟ فهذا قد اختلف فيه شيخا الإسلام علاء الدين السمرقندي (2) وصاحب الهداية.
(الخلاف في جريان التوزيع في الغلة المعدومة وقت الفسخ) ذهب الأول إلى الفرق بين الغلتين فأثبت التوزيع للموجودة ونفاه عن المعدومة فخصها بالبائع ولم يجعل فيها للمشتري شيئًا قائلًا: (إذا لم تظهر الغلة ففي أي شيء يبقى حقه)
[399]
(3) .
(1) الأحاديث المشار إليها هنا كثيرة نذكر منها حديث عائشة قالت: (أتت فاطمة بنت أبي حبيش النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني استحضت. فقال دعي الصلاة أيام حيضك ثم اغتسلي، وتوضئي عند كل صلاة وإن قطر على الحصير) . حم: 6/204؛ وعن سليمان التيمي قال: (قلت لأبي قلابة: الحائض تتوضأ عند وقت كل صلاة) . دي. كتاب الوضوء، باب 101 الحائض تتوضأ عند وقت الصلاة: 1/232.
(2)
هو أبو منصور وأبو بكر علاء الدين محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي: 540. شيخ جليل فاضل. تفقه بالمكحول والبزدوي. وهو صاحب تحفة الفقهاء التي شرحها زوج ابنته فاطمة العالمة الفقيهة علاء الدين أبو بكر الكاساني فوضع عليها البدائع. القرشي: 3/18، 1151؛ اللكنوي: ص 158.
(3)
انظر العمادية: أول 104 ب؛ الجامع: 1/238.
وذهب الثاني وتبعه أولاده إلى التسوية بينهما في التوزيع، وأن للمشتري حصة من الثمرة خرجت أم لم تخرج قائلًا:[وطريقه أن يبقى العقد (في قدره) ](1) ، يعني بفرض بقاء العقد، وأنه لم يفسخ في قدر الوقت الذي تخرج فيه الغلة وتصير لها قيمة، فعند ذلك يعتبر وجود الفسخ كأنه إنما وقع حينئذ، ويجعل من وقت العقد إليه هو الوقت الذي يأخذ المشتري قسطه من الغلة.
ثم قال: (فلا يتفاوت بين ما إذا ظهرت الغلة وبين ما إذا لم تظهر، لأنا لو فصلنا الجواب يؤدي إلى الضرر بالشراة (2) لأنه لو اشترى في الخريف ويقضي [البائع] الثمن في الربيع يفوت حقه أصلًا. وفيما قلنا دفع الضرر فيصار إليه) (3) . فهذا ما نقله في العمادية.
وزاد في البزازية: (قيل له: بعد أداء كل الدين كيف يبقى العقد؟ قال بقدر ما أبقينا العقد يكون الدين المؤدى دينًا للبائع على المشتري. فإذا رفع النزل يجعل قصاصًا)(4) . ومعناه أن السائل قال له ما ذكرته من فرض العقد قائمًا لم يفسخ إلى وقت أن تصير للغلة قيمة يمكن ادعاؤه فيما إذا لم يؤد البائع الثمن للمشتري، أما بعد أدائه له بتمامه وسقوط الدين الذي كان للمشتري عليه بالمقاصة بالدين الذي وجب للبائع على المشتري بالدفع على ما هو معنى كون الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها فلا.
وأجاب عن هذا بأنا نعتبر الدين الذي وجب للبائع على المشتري قائمًا لم تقع به مقاصة ما دام المشتري لم يأخذ حصته من الغلة. فإذا أخذها تقع المقاصة حينئذ فيسقط الدين إذ ذاك لا قبله. وإذا كان الدين قبل أخذ حصة الغلة قائمًا يكون العقد
[400]
مفروض البقاء مع قيام الدين لا مع سقوطه.
(1) انظر العمادية: أول 104 ب؛ الجامع: 1/238.
(2)
بالفصول بصيغة الإفراد: بالمشتري. العمادية: 104 ب.
(3)
انظر العمادية: 104 ب.
(4)
البزازية: 4/410 - 411.
ثم قال البزازي: (قيل: كيف يبقى العقد في الثمار المعدومة؟ قال: يبقى في الأصل لا في النزل)(1) . ومعناه أنه أورد على صاحب الهداية ثانيًا كيف يصح اعتبار العقد باقيًا لم يفسخ في الثمار مع أنها معدومة إذ ذاك؟ وأجاب بأنا لا نسلم أنه يعتبر باقيًا فيها حتى يلزم اعتبار بقائه في معدوم بل نعتبر بقاءه في أصلها الذي هو الشجر وهو موجود. وهذا لأن بقاء العقد إنما يعتبر بعد الفسخ فيما كان فيه قبله، وهو إنما كان في الأصل فيعتبر بقاؤه فيه، وإذا اعتبر باقيًا فيه والنزل نماؤه ونماء المبيع وفاء المتولد بعد العقد للمشتري، فيستحق فيه إلى وقت الفسخ ووقته حينئذ هو وقت الرفع إذ فرض باقيًا إليه.
ثم قال البزازي: (قيل وإن كان المشتري استوفى ثمار سنين سلفت) يعني تعتبر بقاء العقد حتى في هذه الصورة مع أنه يتبادر أن هذا التكلف إنما يعتبر فيما إذا لم يأخذ المشتري غلة أصلًا بأن كان الفسخ في السنة الأولى. (قال نعم)(2) يعتبر ولو فيها، لأن أخذه غلات سنين سلفت لا يمنعه من أخذ ما ينوبه من غلة سنة أدرك جزءًا منها قبل الفسخ.
(رجحان القول بتوزيع الغلة المعدومة وقت الفسخ) وقد ظهر لك رجحان ما ذهب إليه صاحب الهداية على مقابله لتوجيهه وتقدم قائله. فإنه الإمام الذي يقال فيه إذا قالت حذام. ولا يخفى أن هذا تحويم منه على رد صورة الفسخ عند عدم الغلة لصورته عند وجودها ليثبت فيها ما ثبت في الأخرى من التقسيط، لأنه إذا فرض بقاء العقد إلى وقت أن تصير للغلة قيمة، وأن الفسخ إذ ذاك وقع يكون واقعًا
[401]
حال وجود الغلة دون عدمها.
فإن قلت: من أين يؤخذ من كلام صاحب الهداية أن العقد يعتبر باقيًا إلى حين أن تصير للغلة قيمة وهو إنما قال إلى وقت الرفع؟
(1) البزازية: 4/411.
(2)
البزازية: 4/411.
قلت: من حيث إنه إذا لم يكن أراد الوقت الذي ذكرناه فإما أن يريد وقت بروزها للخارج قبل أن تصير لها قيمة، أو ما بين وقت تقومها ووقت طيبها، أو وقت الطيب نفسه. لا جائز الأول (1) والمقصود تقويمها ليعطي البائع المشتري حصته من قيمتها إذ لا يعقل تقويم ما لا قيمة له؛ ولا الثاني لعدم انضباطه وتساوي أبعاضه، فتخصيص بعض منها يكون بلا مخصص؛ ولا الثالث لأن هذا لم يعتبر في الغلة الموجودة فكيف يعتبر في المعدومة مع أن اعتبار بقاء العقد فيها إنما ارتكب دفعًا للضرر عن المشتري بخروجه من تلك الغلة صفر اليدين في العقد النظري، وذلك يحصل بتقدير بقائه لوقت صيرورة الغلة ذات قيمة، فما الملجأ لمده لما وراء ذلك حتى ينتهي لوقت الطيب مع ما فيه من الضرر بالبائع؟ وكما يجب النظر للمشتري يجب للبائع، وحيث بطلت الأقسام الثلاثة تعين الرابع الذي ذكرناه، إذ لا خامس لها هنا.
ومما يتصل بمسألة الثمر (مسألة ما يقطع من حطب الشجر) مسألة ما يقطع من حطب من الشجر. وقد قال البزازي فيها: (وقوائم الخلاف (2) التي تقطع كل سنة، وكذا كل ما يحصد في كل سنة لا يدخل بلا ذكر إن كان موجودًا وقت البيع) (3) . ولعله جد العمادي (بأنها بمنزلة الثمر)(4) ، يعني في كون المقصود الانتفاع بعينها حيث لا ثمرة لها كما هو المقصود من الانتفاع بالثمر مع كونها تقطع كل سنة مثله وإن كانت حقيقة من الشجر.
ثم قال البزازي: (أما الحادث بعد الشراء [ف] للمشتري،
[402]
لكنه إذا اشترى كرمًا وفاء وحدث فيها قوائم الخلاف يجر المشتري [على] أن يصرف منه إلى دعائم الكرم قدر المتعارف. وأما (5) القوائم الموجودة أوان البيع، ودخل في البيع بالذكر (6) ، لا يجبر على الصرف منه لأنه ملكه بحكم أن له قسطًا من الثمن، فلو صرف له (7) الرفع (8) عند (9) الفسخ) (10) .
(1) الحال. ب.
(2)
الخلاف ككتاب: شجر الصفصاف.
(3)
البزازية: 4/415.
(4)
العمادية: وسط 106 أ؛ والجامع: 1/240.
(5)
فأما: البزازية.
(6)
بأن شرطها المشتري لنفسه. ب.
(7)
أي المشتري لو دفع بعضًا من ذلك له أن يرفعه عند فسخ العقد. اهـ. الشيخ الثالث. ب.
(8)
صرفه له: خبر، الرفع: مبتدأ. ب.
(9)
حين بدل عند: البزازية.
(10)
البزازية: 4/415.
وكل ما ذكره (1) من توقف دخول الموجود وقت العقد على اشتراطه للمشتري، وكون الحادث بعد الشراء للمشتري بدونه ظاهر حيث كان بمنزلة الثمر، إذ مر أن الحكم في الثمر ذلك. وأما وجوب أن يصرف من الحادث إلى دعائم الكرم قدر المتعارف مع أن ذلك الحادث ملكه، ولم وجب عليه الصرف من هذا دون القديم المشروط له، وهو ملكه أيضًا، فلأنه لما كان بمنزلة الثمر، والثمر يصح أن يشترط منه البائع شيئًا لنفسه كالنصف والربع كما صرح به غير واحد وأفاده قول الفصول:(وغلة الكرم على ما شرطا)(2) كان ذلك القدر المتعارف مستثنى له (3) عرفًا وهو كالمشروط شرطًا، وحينئذ لم يجبر المشتري على الصرف من ماله بل من مال البائع المستثنى له بحكم العرف. وإنما لم يعتبر هذا الاستثناء في الموجود الذي هو للمشتري بالشرط حتى يلزمه أن يصرف منه القدر المتعارف أيضًا لأن الاستثناء إنما يعمل في نزل الوفاء، وهو الحادث على ملك المشتري الوفائي، والموجود ليس كذلك (4) ، وملك المشتري إياه إنما هو بالبيع البات فيه بمقتضى الشرط بحصته من الثمن فكان بمنزلة الثمر الموجود المشروط حيث مر أن البيع فيه بات بالحصة، وهي معنى قوله:(لأنه ملكه بحكم أن له قسطًا من الثمن) . وإذا كان ملكه بذلك البيع لا يصح فيه استثناء شيء للبائع.
[403]
ولذلك إذا صرف منه تطوعًا كان له رفعه وقت الفسخ (5) .
(مسألة حطب الزيتون) ومما هو غير خاف أن لا يمكن إجراء ما يقطع من حطب الزيتون المعبر عنه عندنا بالقص على حكم قوائم الخلاف، وإنما هو للبائع بلا خلاف، وذلك للفرق الواضح بينهما (6) لأن قوائم الخلاف إنما كان حكمها ما مر لتنزيلها منزلة الثمر، وما نزلت منزلته إلا لكون ذلك الشجر ليس له شيء من الثمر فقوائمه هي ثمرته مع كونها تقطع منه كل سنة. والمقطوع من حطب الزيتون يخالفها في ذلك كله لأنه في نفسه يثمر الزيتون ولا يقص (7) كل سنة بل في بعض من السنين تشذيبًا (8) لشجره وتقوية له، فلا يكون ثمرًا بل شجرًا، كما هو الواقع فيه.
(1) البزازي. ب.
(2)
العمادية: أعلى 105 ب؛ والجامع: 1/240.
(3)
أي للبائع. ب.
(4)
لما سبق من أن البيع فيه بات. ب.
(5)
انظر الجامع: 1/241.
(6)
أي القص والقوائم. ب.
(7)
نخ. يقطع.
(8)
تهذيبًا. ب.
ومتى كان شجرًا كان البيع فيه وفاء لا باتًّا لأنه من أجزاء الشجر الذي انعقد الوفاء عليه، ومتى كان كذلك لا يملكه المشتري وفاء وإنما يملك نزله، إذ عقد الوفاء لا يوجب للمشتري ملكية عين المبيع، بل زوائده ومنافعه. فتبقى عين المقطوع على ملك البائع كالأجزاء الباقية التي لم تقطع. وليس لقطعه ولا عدم إثماره بعد القطع أثر في نقل الملك فيه من البائع للمشتري، (الشجرة الميتة تكون للبائع) إذ هو بمنزلة موت شجرة من شجر الوفاء، أيتوهم أنها لعدم إثمارها بالموت تصير مملوكة للمشتري! (القص مع كونه للبائع للمشتري حبسه عنه) ولكن مع كون ذلك الحطب المقطوع للبائع، وليس للمشتري منه شيء، له حبسه عن البائع حتى يدفع له مال الوفاء. ولا يلزمه أن يسلمه له قبل ذلك لأنه إذا كان من جملة المبيع وفاء فالمبيع الوفائي يجري في الحبس مجرى المرهون، والمرهون يحبسه المرتهن عن الراهن في دينه. فهذا كذلك. وقد كان تلمح لي فيه أنه يجري
[404]
مجرى قوائم الخلاف حتى وصلت في هذا الجمع لهذا المحل ففتح الله سبحانه وتعالى فيه بما سمعت. وهذه أمور تحدث بحسب ما يقذفه في القلوب علام الغيوب.
بقي ههنا شيء: وهو أن هذا المقطوع من الحطب حيث كان، مع كونه ملك البائع، منسحبًا عليه حكم الرهن حتى كان للمشتري حبسه عنه، فهل له منع البائع من أصل قطعه باعتبار كونه مرهونًا موصولًا فلا يصيره له مفصولًا؟ ليس للمشتري منع البائع من القطع ويظهر لي أن ليس له ذلك لأنه تشذيب للشجر وتنقية تثمر له تقوية فيكون من باب إصلاح المالك لملك نفسه كحرثه وسقيه ورم ما استرم منه. وقد صرحوا بأن له إصلاحه، وإن كان في حال كونه بيد غيره بحق. ألا ترى إلى ما نص عليه في التاتارخانية (1) لمؤجر الدار أن يدخلها ليصلحها من (أن لمؤجر الدار أن يدخلها ليصلحها وإن كان بغيبة المستأجر وبلا إذن منه) وليس في ذلك ضرر بالمشتري لأنه يحبسه كما القائم ويباع في دينه كما يباع هذا.
(1) الفتاوى التاتارخانية نسبة إلى الخان الأعظم تاتارخان الذي أشار بجمعها واسمها في الأصل زاد المسافر. وهي من تأليف الإمام الفقيه عالم بن علاء الأنصاري الأندريني الحنفي. تقع في مجلدات تحتوي على مسائل المحيط البرهاني، والذخيرة، والخانية، والظهرية. وهي مرتبة على أبواب الهداية. لخصها وانتخب منها إبراهيم بن محمد الحلبي ما هو غريب أو كثير الوقوع. الكشف: 1/268.
(الحرث والسقي والرم لا يجب على البائع ولا على المشتري) واعلم أن حرث هذا الزيتون وسقيه إن احتاج إليه، ورم ما استرم من المبيع إن كان ربعًا، لا يجب لا على البائع ولا على المشتري. فقد قال صاحب الخيرية في سفل لشخص علوه لآخر احتاج سقف السفل إلى التطيين دفعًا لضرر وكف ماء العلو بعد أن مهد (السقف ملك صاحب السفل) بأن السقف ملك صاحب السفل. وإنما لذي العلو حق القرار عليه ( [في] (1) أن تطيينه لا يجب على واحد منهما، أما ذو العلو فلعدم وجوب إصلاح ملك الغير عليه، وأما ذو السفل فلعدم إجباره على إصلاح ملكه) (2) .
فإن قلت: أليس الغرم بالغنم، وغنم هذا المبيع وهو
[405]
نزله للمشتري فيكون غرمه عليه؟
قلت: بلى، ولكنه غرم فيه الثمن (3) . والقاطع للشعب في عدم اللزوم عليه ما نقله في الفصول (عن فوائد شيخ الإسلام طاهر بن محمود (4) محالًا فيها إلى رهن الذخيرة) (5) في الدار المبيعة وفاء إذا احتاجت إلى العمارة فعمرها المشتري بأمر القاضي على أن له الرجوع كان له الرجوع) (6) . فلو كانت العمارة واجبة على المشتري لم يكن لرجوعه بها على البائع، ولا لأمر القاضي بذلك معنى. وبهذا تعلم أن ما يظنه عامتنا في المبيع وفاء إذا كان زيتونًا فلم يحرثه مشتريه أو شجرًا رقيقًا فلم يخدمه بالمسحاة ولم يسق ما يسقى منه، أنه لا يستحق غلته لا أصل له.
(1) الزيادة من ب، ر، ص.
(2)
…
فإن شاء طينه ورفع ضرره وكف الماء عنه، وإن شاء تحمل ضرره عنه، إذ صرحوا بأنه لا يجبر المالك على إصلاح ملكه، وإذا تلف الطين المانع لو كف الماء بسبب السكن المأذون فيه شرعًا لا ضمان على الساكن، وإن تعدى بأن أزاله وجب الضمان. الرملي: 2/88 - 89.
(3)
اعلم أن قولهم: الغرم بالغنم ليس على إطلاقه في بيع الوفاء. ص.
(4)
هو صدر الإسلام كما جاء لقبه في العمادية طاهر بن محمود بن أحمد بن برهان الدين الكبير عبد العزيز بن مازة البخاري. الفقيه الحنفي. 504. أخذ عن أبيه الصدر السعيد وعن عمه الصدر الشهيد. له فتاوى وفوائد. الكشف: 1298؛ الإيضاح: 2/155؛ واللكنوي: 85؛ وكحالة: 5.
(5)
النقل بتصرف وهو صحيح المعنى. العمادية: أول 107 ب؛ والجامع: 1/243؛ والبزازية: 4/419.
(6)
والمنقول أن الأمير حمودة باشا [بتونس] منع القضاة من قبول دعوى الراهن فيما يتعلق بتغير العين من غير فعل المرتهن. وهو مقتضى هذا القول في أحد وجهي الخيار. ر.
الفصل الرابع
في انتقاص المبيع فيه عند مشتريه
اعلم أن المبيع إذا كان دارًا فانهدم بناؤها أو أرضًا مشجرة فاحترق بعض أشجارها فلهم في ذلك (الأقوال الثلاثة في انتقاص المبيع عند المشتري) ثلاثة أقوال:
أحدها وهو لصاحب الهداية: أن ليس للبائع أخذ المبيع وتضمين المشتري من نقصانه شيئًا، وإنما هو مخير بين أمرين (1) : أحدهما أن يأخذ المبيع ويدفع ثمن الوفاء كاملًا من غير رجوع عليه بشيء مما نقص، والآخر أن يترك المبيع على المشتري يتملكه بما دفع من ثمن الوفاء ولا يرد عليه من ذلك الثمن شيئًا.
ثانيها وهو لشيخ الإسلام علاء الدين (2) وبعض مشائخ سمرقند أن له تضمينه ما نقص من قيمته بالغًا ما بلغ (3) ، ويعرف ذلك بتقويمه سليمًا ومعيبًا، فما نقص من قيمته سليمًا يكون مضمونًا عليه، ثم تارة يساوي ما نقص منه مال الوفاء، وأخرى يقصر عنه ومرة يزيد عليه. فإن ساواه ذهب بمال الوفاء فلا يعطي البائع المشتري منه شيئًا ولا المشتري البائع من النقص شيئًا لأنهما تكافآ فتقاصصا، وإن قصر النقص عن مال الوفاء سقط عن البائع منه مقدار النقص ودفع الباقي للمشتري، وإن زاد عليه سقط عنه مال الوفاء كله بالنقص ويرجع على المشتري بتمام قدر النقصان. لكن قال صاحب الهداية في هذا
[406]
القول: إنه لا يكاد يصح لأن هذا للنظر ولا نظر في هذا البتة (4) .
(1) وعبارة صاحب الفصول: سئل مولانا يعني جده رحمه الله تعالى: (إذا انتقض المبيع في يد المشتري شراء جائزًا ما الحكم فيه؟ أجاب حكمه أن البائع بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء ترك) . العمادية: 104 ب؛ والجامع: 1/238.
(2)
هو شيخ الإسلام علاء الدين القاضي علي المروزي صاحب أبي زيد عبيد الدبوسي. أخذ الفقه عنه عن أبي جعفر الاستروشني عن أبي محمد بن الفضل السذموني. اللكنوي: 144. وروى عنه ظهير الدين علي بن عبد العزيز بن عبد الرزاق المرغيناني. القرشي: 4/416 - 2091.
(3)
نص ما في الفصول: (أن له أن يمسك حصة النقصان من الثمن بالغًا ما بلغ، ويسترد إن زاد قيمة النقصان على الثمن) العمادية: 104 ب؛ والجامع: 1/238.
(4)
الفصول: 104 ب؛ والجامع: 1/238.
(المعتمد في مسألة انتقاص المبيع) ثالثها وهو المعتمد ما ذكره صاحب الفصول بقوله: وفتوى أئمة زماننا رحمهم الله، ومن أدركنا من أساتذتنا وغيرهم على غير هذا الاختيار، وإنما اختاروا فيها حكم الرهن. وقالوا بأنه إذا انتقص المبيع وفاء في يد المشتري يسقط حصة النقصان من مال الوفاء، ويقسم مال الوفاء على قيمة الباقي والهالك، فما أصاب الهالك يسقط وما أصاب الباقي يبقى، كما هو الحكم في الرهن. [و] (1) بيانه: لو اشترى (2) دارًا قيمتها ألف درهم بمائة.
فخربت الدار وصارت قيمتها خمسمائة، يسقط من قيمة الوفاء خمسون. هكذا فاعتبر (3) .
"ولو استهلك المشتري بناءه أو أشجاره يضمن قيمته كالمرتهن"(4) ، يعني يضمنها بالغة ما بلغت كما يضمنها المرتهن، كذلك في هاته الصورة. وهو صورة الاستهلاك الفرق بين ضمان الرهن وضمان الغصب لأنه (5) تضمن فيها ضمان العيب لا ضمان الرهن إذ ذاك في صورة الهلاك.
(1) الزيادة من ج.
(2)
أي وفاء، بيان من ب.
(3)
ط. لا خفاء أن في هاته الصورة تكون كل مائة من قيمة الدار التي هي عشرها مقابلة بعشرة من مائة الوفاء التي هي عشرها أيضًا. فلو رد الدار سليمة حتى رجعت لربها قيمتها كاملة وجب عليه أن يرد جميع المائة التي كانت بمقابلتها. وحيث صارت قيمتها خمسمائة يكون إنما رد على ربها نصف القيمة فلا يرد عليه إلا ما يقابله وهو نصف المائة الباقي، وهو الخمسون. فهو مقابل بنصف القيمة الذي ضاع. فلما لم يرده له المشتري لا يرد له البائع الخمسين التي تقابله. اهـ. منه. ب.
(4)
العمادية: 104 ب - 105 أ؛ والجامع: 1/238.
(5)
لأنها بدل لأنه: ج.
الفصل الخامس
في بيع البائع وفاء مبيعه الوفائي قبل فسخ الوفاء فيه
اعلم أنه إذا باع باتًّا أو وفاء مبيعه الوفائي قبل أن يفسخ مع مشتريه عقد الوفاء فيه فإن بيعه مطلقًا يكون موقوفًا على إجازة المشتري منه وفاء، كما يتوقف بيع الراهن الرهن على إجازة المرتهن ينفذ بإجازته ولا ينفسخ بفسخه لأن ما له من حق الحبس يتم بدون فسخ، فلا وجه لثبوته بلا ضرورة تدعوه إليه مع ما فيه من الضرر بالبائع والمشتري. ومع اشتراك الوفاء والرهن في توقف البيع فيهما على الإجازة، (الفرق بين توقف بيع المبيع وفاء على إجازة المشتري والمرهون على إجازة المرتهن) فإنهما يختلفان في كيفية التوقف عليها.
فأما في الوفاء فإنه يتوقف عليها عينًا بحيث لا يفيد
[407]
في نفاذه سواها حتى (يبطل بيع المبيع وفاء بتعذر الإجازة لانفساخ الوفاء قولًا أو فعلًا) إذا تعذرت بخروج مشتري الوفاء من البين وصيرورته أجنبيًّا بسبب انفساخ وفائه قولًا أو فعلًا بقبض مال الوفاء، بطل لكونه كان موقوفًا على إجازة تعذر حصولها.
وأما في الرهن فلا يتوقف عليها كذلك (1) بل على أنها أحد ما يفيد في نفاذه، إذ كما تفيد هي فيه يفيد فيه فسخ الرهن وسقوط الدين بالقبض أو الإبراء. وبالجملة فما عدا الإجازة في الوفاء يبطل به البيع الموقوف، وفي الرهن ينفذ به. (من المسائل التي يخالف فيها الوفاء الرهن) وهذه إحدى المسائل التي يخالف فيها الوفاء الرهن كما نبهوا عليه.
ولا خفاء أن الإجازة كما تكون بالقول تكون بالفعل كما ذكره العمادي بقوله:
قيل له، أي صاحب الهداية: (فلو باعه من غيره بيعًا باتًّا وجاء بالثمن إلى المشتري [شراء جائزًا]، وقال: بعت هذا المبيع باتًّا وجئت بدارهمك من ذلك فخذها فأخذها هل يكون إجازة؟
أجاب: نعم تكون إجازة ولا يحتاج إلى التجديد) (2) .
(1) أي عينا. ب.
(2)
للشراء. ب. العمادية والزيادة منها: 106 أ - 106 ب؛ وعبارة الجامع: (ولو باعه من غيره باتًّا وقال لمشتريه جائزًا بعته باتًّا وهذا ثمنك خذه فأخذه. فهو إجازة ولا يحتاج للتجديد) . الجامع: 1/241.
(الإجازة الفعلية من مشتري الوفاء لبيع بائعه) فالإجازة حصلت بفعل مشتري الوفاء وهو قبضه ثمن وفائه من خصوص ثمن البات لاستلزامه رضاه به. وحيث حصلت الإجازة نفذ البيع فنفاذه هنا بالقبض من حيث تضمنه الإجازة لا من حيث ذاته. فلا يرد أن هذا ينافي ما سبق من أن البيع في الوفاء لا ينفذ إلا بخصوص الإجازة دون ما سواها كقبض الثمن.
(تعدد المبيع متفقًا أو مختلفًا كتوحده في التوقف على الإجازة) واعلم أنه لا فرق في توقف البيع في الوفاء على خصوص الإجازة بين وحدته وتعدده وكونه باتًّا أو وفاء. فلو باع ما هو في وفاء الغير ثلاث بياعات كلها باتة أو وفائية أو مختلفة توقفت كلها على إجازة ذلك الغير، وأي بيع أجازه منها نفذ متقدمًا
[408]
كان أو متوسطًا أو متأخرًا باتًّا أو وفاء، وبطل ما سواه. فلو قضى ثمن بعض ما هو وفاء منها أو مما هو قبلها (1) فإن كان المقضي ثمنه هو الوفاء الأصلي (2) الذي توقفت البيوع (3) على إجازة صاحبه بطلت كلها لما مر من أن ما كانت متوقفة عليه من الإجازة التي لا ينفذ إلا بها قد تعذر حصولها حتى لو باعه بعد قضاء ذلك الثمن بتًّا أو وفاء نفذ في الحال لأنه ليس بيع المبيع وفاء حينئذ حتى يتوقف إذ المقضي ثمنه انفسخ وما عداه قد بطل قبل وقوع هذا البيع فأنى يتوقف على إجازة صاحبه؟ وإن قضى ثمن غير الأول بقي الباقي على ما كان عليه من توقفه على إجازة صاحب الأول إذ البيع الوفائي الذي توقفت عليه لم يزل قائمًا بعد حتى لو باع بيعًا آخر بعد هذا القضاء وفاء أو بتًّا توقف غيره على إجازة صاحب الأول.
فإن قلت: (حصول الإجازة من مشتري الوفاء بقبضه ماله من مشتري البات) فهل تحصل الإجازة من مشتري الوفاء بقبضه ثمن وفائه من مشتريه البات كما حصلت بقبضه إياه من البائع على ما مر؟
قلت: نعم إذا وجد ما يدل على أن المدفوع من ثمن البات كما في قبضه من البائع، إذ لا فرق بين القبضين في ذلك. وسيأتي إن شاء الله تعالى من كلامهم ما يفيد ذلك.
(1) وهو الأول الوفائي الذي توقفت كلها عليه. ب.
(2)
نخ. الأول. التنبيه من ب.
(3)
أي الثلاثة. ب.
(دفع مشتري البات لمشتري الوفاء مال وفائه بلا إذن البائع فإن) قلت: إذا دفع مشتري البات لمشتري الوفاء مال وفائه، فهل لبائعه (1) أن يطالبه (2) بثمن البات ويقول (3) : لِمَ دفعت مال الوفاء بغير أمري؟
قلت: هذا السؤال أورده صاحب العمادية. وذكر أن جده أجاب فيه بأنه لا يطالبه يعني ويقام له ذلك مما عليه للبائع من ثمن البات (4) .
ثم قال: هذا إذا لم يؤد الثمن إلى البائع،
[409]
يعني أن موضوع هذه المسألة ما إذا كان دفع مشتري البات لمشتري الوفاء قبل أن يدفع للبائع ثمن البات، أما إذا كان بعده بأن أدى ثمن البات أولًا للبائع، ثم دفع ثمن الوفاء ثانيًا للمشتري بغير أمر البائع، فهل له أن يرجع به على البائع؟ قال: كان بعض المشايخ يقول: ينبغي أن لا يرجع ويكون متبرعًا بخلاف معير الرهن (5) ، فإن الرهن ثمة ورد على ملكه فيكون مضطرًّا في خلاص ملكه ولا كذلك ههنا (6) .
ورأيت في متفرقات إجارات الذخيرة (7) : (الآجر إذا باع المستأجر من أجنبي، ثم إن المشتري دفع الثمن إلى المستأجر بجهة مال الإجارة ينظر إن كان الآجر حاضرًا كان متطوعًا، وإن لم يكن حاضرًا لا يكون متطوعًا لأن في الوجه الثاني (8) هو مضطر في الأداء لتخليص ملكه، فهو نظير المعير إذا قضى دين المستعير. وفي الوجه الأول (9) ليس بمضطر فيه لأنه يمكنه أن يدفع الثمن إلى الآجر فيقضي الآجر به مال الإجارة، فيسلم ملك المشتري له) (10) .
(1) أي بائع البات. ب.
(2)
أي مشتري البات. ب.
(3)
أي لصاحبه الذي اشترى مني وفاء. ب.
(4)
قوله: ويقام له ذلك مما عليه البائع من ثمن البات. هذا يدل على حصول الإجازة من مشتري الوفاء للبيع البات بقبضه مال وفائه من مشتري البات إذا قبض من ثمنه، إذ لو لم تحصل به الإجازة لما تم البات بل بطل. فأي ثمن عليه للبائع حتى يقام له هذا منه؟ وهذا ما قلت إنه سيأتي إن شاء الله تعالى في كلامهم ما يفيد ذلك. اهـ. منه. ب.
(5)
بأن استعار شخص من آخر شيئًا فرهنته بإذنه. ب.
(6)
ط. لأن بيع الوفاء لم يرد على البات بل الأمر بالعكس لسبق الأول في الوجود كما هو الفرض. اهـ. ب.
(7)
من كلام الفصول. ب.
(8)
ط. وهو ما إذا لم يكن الأجر حاضرًا. ب.
(9)
ط. وهو ما إذا كان الأجر حاضرًا. ب.
(10)
العمادية: 106 ب؛ وعبارة جامع الفصولين: المؤجر بدل الآجر مع تصرف قليل في ترتيب الصور وفي اللفظ الجامع: 1/242.
يعني وعلى قياس التفصيل في مسألة دفع المشتري مال الإجارة بين حضرة المؤجر وغيبته ينبغي أن يفصل في مسألة دفعه مال الوفاء كذلك. ثم نقل (1) عن إجارات العدة إطلاق القول بتبرعه بدفع مال الإجارة فيكون موافقًا لجواب بعض المشايخ في مسألة دفعه مال الوفاء من إطلاق القول بالتبرع فيه (2) . ونقل في جامع الفصولين ما سوى المنقول عن العدة وأقره (3) .
وأقول (4) إن لم يكن فرق بين صورة دفع مشتري البات ثمن الوفاء لمشتريه قبل دفعه ثمن البات للبائع وصورة كونه بعده، فما كان ينبغي
[410]
إيرادهما في هذا القالب المشعر باختلاف حكمهما، وإن كان بينهما فرق فيه فما استند إليه من التفصيل في الثانية بين حضور البائع وعدمه قياسًا على مسألة الإجارة المذكورة في الذخيرة (5) لا يفيد إذ ليس فيها إن دفع مال الإجارة للمستأجر كان بعد دفع ثمن البات للبائع.
فإن قلت: يندرج تحت إطلاقه حيث لم يقيد دفعه ثمن الوفاء بشيء.
قلت: إذا لا يكون بينهما فرق في الحكم. فيعود الكلام إلى أنه لِمَ عبَّر بما يوذن باختلافهما؟
فإن قلت: كما أن المعير مالك للمرهون، فالمشتري بتًّا مالك للمبيع الذي في وفاء الغير، فما معنى الفرق بأن الأول مضطر في خلاص ملكه لا الثاني؟
قلت: واضح لأنه فرّعه على قوله لأن الرهن ثمة ورد على ملكه فكان محط الفرق هو أن الرهن حين عقد ورد على ملك المعير لثبوت ملكه فيه قبل عقد الرهن، بخلاف عقد الوفاء، فإنه لم يرد على ملك المشتري باتًّا بل عقد المشتري باتًّا هو الذي ورد على ملك المشتري الوفائي.
(1) لفظه: (إذا باع المستأجر بإذن المستأجر حتى كان للمستأجر أن يستوفي مال الإجارة. فلو أن المشتري أدى مال الإجارة إلى المستأجر بغير أمر الآجر ليسلم له المبيع كان متبرعًا بخلاف معير الرهن) . العمادية: 206. ب.
(2)
يعني إذا كان دفعه إياه لمشتري الوفاء بعد ما دفع للبائع إذ هذه الصورة هي التي أجاب فيها بعض المشايخ بأنه متبرع. والمراد بإطلاق القول بتبرعه إطلاقه عن التقييد بغيبة البائع لا عن التقييد بكون الدفع لمشتري الوفاء بعد دفع الثمن للبائع، لأن هذا التقييد لا بد منه لأنه موضوع المسألة. اهـ. منه. ب.
(3)
لفظه في جامع الفصولين: "عدة) باعه بإذن المستأجر فأدى المشتري مال الإجارة إلى مستأجره بغير أمر المؤجر ليسلم له البيع يكون متبرعًا بخلاف معير الرهن) . الجامع: 1/242.
(4)
هذا من المؤلف. ب.
(5)
هي ذخيرة الفتاوى المعروفة بالذخيرة البرهانية للإمام برهان الدين محمود بن الصدر السعيد أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مازة. 610. وهي مشحونة بكثير من الفوائد. اختصرها صاحبها من كتابه المحيط البرهاني. وكلاهما مقبول عند العلماء. اللكنوي: 205 - 207؛ الكشف: 1/823.
وبعد هذا كله فالأظهر القول بتبرع المشتري باتًّا، وأن قياسه على معير الرهن قياس مع الفارق، لأن شراءه (1) إذا كان موقوفًا على الإجازة (2) يكون ملكه للمبيع كذلك. والإجازة هنا إنما حصلت بقبض مشتري الوفاء مال وفائه منه، فبالضرورة يتأخر نفاذ عقده عن دفعه إياه. ويستلزم ذلك تأخر ملكه كذلك. ولئن كان الملك يثبت له مستندًا لوقت شرائه لا مقتصرًا على وقت دفعه فعقد شرائه متأخر عن عقد وفاء الآخر، فلم يصدق أن الوفاء ورد على ملكه لا النافذ ولا الموقوف، فكيف يساوي المعير؟
(بيع المبيع وفاء لمشتريه بيعًا باتًّا (واعلم أن بيع المبيع وفاء الذي يتوقف
[411]
على إجازة مشتري الوفاء هو بيعه من غير ذلك المشتري. أما بيعه له فلا يتصور توقفه على إجازة من نفسه بل ينفذ في الآن (3) ، ويتضمن فسخ الوفاء الذي كان أتى الوادي فطمّ على القري (4) .
قال في الفصول: (وسئل جدي رحمه الله عمن باع كرمه بيعًا جائزًا ثم باعه من المشتري بيعًا باتًّا بعد ما مضى بعض السنة وقد خرج الثمر، وأنه باع (5) بدون الغلة (فهل تكون) حصة ما بقي من السنة بعد البيع البات للبائع؟ أجاب تكون للبائع) (6) .
قلت: وضع الكلام في حصة الباقي من السنة بعد البيع لأن حصة الماضي منها تكون للمشتري بلا إشكال. وإنما لم تكن حصة الباقي له أيضًا لأنه لا جائز أن يستحقها بعقد الوفاء لانفساخه بطروء البات عليه، ولا بعقد البات لعدم اشتراط المشتري لها فيه، وأيضًا فهذا فسخ حكمي لعقد الوفاء، فيعتبر بالفسخ الحقيقي وفيه توزع بينهما على هذا الوجه، فكذا فيما هو في حكمه.
ثم قال في الفصول أيضًا: (وسئل رحمه الله، باع كرمًا بيعًا جائزًا فمضى بعض المدة وخرج الثمار ثم باعه من المشتري جائزًا بيعًا باتًّا ولم يذكر الثمار (7) أتكون الثمار للبائع أم للمشتري؟ أجاب رحمه الله: تكون للبائع) (8) .
أقول أطلق في الثمار هنا، فشمل حصة المدة السابقة على الفسخ واللاحقة له، وليس كذلك، لأنك عرفت أن حصة السابقة للمشتري بلا نزاع.
(1) أي البتي. ب.
(2)
أي من مشتري الوفاء. ب.
(3)
في الفصل الثاني والثلاثين من جامع الفصولين رامزًا للذخيرة ما نصه: (باع الرهن راهنه بلا إذنه مرتهنه، ثم باعه من المرتهن جاز البيع من المرتهن وينتقض البيع الأول) . اهـ. ب. وتمام كلامه في الجامع: (وهكذا لو باع المستأجر من رجل بلا إذن المستأجر ثم باعه من المستأجر جاز البيع من المستأجر وهو نقض للبيع الأول، وكذلك في البيع الجائز المعروف ببيع الوفاء إذا باعه البائع من رجل باتًّا بلا إذن المشتري ثم باعه من المشتري بيعًا باتًّا نفذ البيع الثاني وبطل الأول. وهذا لأن الأول موقوف والثاني بات فيبطله. كذا أفتى صاحب المحيط. وقال غيره من المتأخرين ينفذ البيع الأول. وبه أفتي) والجامع: 2/93.
(4)
عظم السيل فغمر كل شيء في طريقه.
(5)
أي باتًّا. ب.
(6)
بالفصول: ما بقي من الثمر بدل ما بقي من السنة. العمادية: 106 أ.
(7)
الثمر بدل الثمار. انظر العمادية.
(8)
العمادية: وسط 106 أ.
الفصل السادس
في الشفعة بالمبيع وفاء والشفعة فيه
إذا بيع باتًّا قبل الفسخ (1)
(يشفع بالمبيع وفاء بائعه لا مشتريه) أما الأولى فإنها تكون لبائعه دون مشتريه. وذلك أن الشفعة
[412]
بالشيء تستدعي كونه ملكًا للشفيع وقت الشفعة إلى حين ثبوت ملكه في المشفوع فيه، وذلك ثابت للبائع وفاء لعدم خروج المبيع عن ملكه، فهذا البيع منفي عن المشتري إذ من لازم عدم خروج المبيع عن ملك البائع فيه عدم دخوله في ملك مشتريه ونفي الشفعة به لمشتريه ظاهر، وأما ثبوتها للبائع فربما يخفى من حيث إن ما يريد أن يشفع به ليس حين الشفعة في يده، فلذلك اقتصر صاحب الفصول عليه إذ قال نقلًا عن فتاوى الإمام محمد بن الفضل (2) :
(كرم بين رجل وامرأة، باعت المرأة نصيبها من الرجل وشرطت أنها متى جاءت بالثمن رد (3) عليها نصيبها. ثم باع الرجل نصيبه من آخر، هل (يكون) لها الشفعة؟
قال: إن (4) كان البيع بيع معاملة (5) فلها الشفعة سواء كان نصيبها من الكرم في يدها أو في يد الرجل (6) ، لأن بيع المعاملة وبيع التلجئة حكمهما حكم الرهن، والراهن له حق الشفعة وإن كان الرهن في يد المرتهن) (7) .
(صحة الوفاء مع الشيوع وعدم القبض بخلاف الرهن) وقد استفيد من تصويره الوفاء في نصف الكرم [وقوله سواء كان نصيبها في يدها أو في يد الرجل] صحة الوفاء مع الشيوع [وعدم القبض] ، على خلاف الرهن [في الأمرين] فيكون هذا مما خالف فيه الوفاء الرهن. ووجه ذلك ما في الوفاء من معنى البيع وهو يصح [مع المذكورين](8) .
(1) للوفاء. ب.
(2)
هو أبو بكر محمد بن الفضل بن العباس الكماري الحنفي البلخي. 381 بسمرقند. شيخ جليل معتمد في الرواية مقلد في الدراية. فقيه صوفي. له فتاوى. اللكنوي: 184. ق. الكشف: 1219؛ كحالة: 11/128.
(3)
إذا جاءت بالثمن يرد بدل متى جاءت بالثمن رد. العمادية.
(4)
إذا بدل إن: العمادية.
(5)
الذي هو بيع الوفاء. ب.
(6)
المشتري بدل الرجل. العمادية.
(7)
العمادية: وسط 105 ب.
(8)
الزيادات في هذه الفقرة من ج، ر، والزيادة الأخيرة: مع الشيوع بدل من المذكورين في ر.
وقول ابن الفضل بيع المعاملة له حكم الرهن محتمل لأن يكون بناه على القول بأن الوفاء رهن بأن كان ذلك رأيه فيه، ولأن يكون بناه على القول بالتركيب الذي يعطيه حكم الرهن في حق البائع، والشفعة به أمر متعلق به، وأراد بكونه بيع تلجئة إثبات التلجئة فيه من جهة خاصة
[413]
وهي إظهار صورة البات فيه لا من جميع الوجوه حتى يكون هزلًا لا جدًّا، لأن التوثق به والانتفاع منه جد لا هزل فيه. ولو أراد أنه بيع تلجئة مطلقًا كبيع الهازل لما أعطاه حكم الرهن إذ بيع الهازل باطل لا يعطى له حكم بيع ولا رهن.
الشفعة في بيع الوفاء إذا بيع باتًّا وأما الثانية وهي الشفعة فيه إذا بيع باتًّا قبل الفسخ، ففيها تفصيل. وذلك أن ههنا ثلاثة أحوال:
إحداهما: حالة ثبوت التوقف للبيع، وهي حالة انتفاء الإجازة من المشتري في الحال لكنها ممكنة الحصول منه في الاستقبال.
ثانيتها: حالة انتفائه بتعذر الإجازة منه لفسخه الوفاء قولًّا أو فعلًا بقبض ثمن وفائه.
ثالثها: انتفاؤه بحصول الإجازة منه.
والشفعة منفية فيه في كل من الحالة الأولى والثانية، ثابتة في الثالثة.
أما انتفاؤها في الأولى فلانتفاء شرطها من خروج المبيع عن ملك البائع، إذ لا خروج إلا مع نفاذ البيع، ولا نفاذ له مع التوقف.
ولهذا لما سئل صاحب الفصول عن (كرم مشترك بين اثنين باع أحدهما نصيبه من صاحبه بيعًا جائزًا ثم أنه باع من أجنبي بيعًا باتًّا حتى توقف على إجازة شريكه المشتري وفاء هل لشريكه [حق] الشفعة؟ [هكذا كانت صورة الاستفتاء] ) .
وأجاب [من جلس للإفتاء من بلدتنا أنه يكون له الشفعة، وأجيب: أنه لا يكون له ذلك] بأن لا شفعة له.
زاد في السؤال (1) : (وأجاز مشتري الجائز الشريك البيع البات)، وعلل تلك الزيادة بقوله:(لتصير مسألة النفاذ (2) إذ معناه أن السؤال بدون تلك الزيادة واضح الجواب بنفي الشفعة إذ كل أحد يعلم أن لا شفعة في الموقوف) (3) ، ومثله لا ينبغي السؤال عنه، فإن تفسير الواضحات من المشكلات.
وإنما الذي يخفى في هذه الصورة هو الشفعة مع الإجازة إذ المتبادر ثبوتها. فهذا
[414]
هو الذي ينبغي أن يسأل عنه.
ويجاب فيه بالمنع بخصوصية كون الإجازة هنا من الشفيع فيكون به تمام البيع، ومن كان به تمامه لا شفعة له لما فيه من نقض ما تم من جهته، كالوكيل بالبيع حيث لا يشفع فيما باعه بالوكالة.
وبالجملة فلا شفعة لهذا الشريك لا في حال انتفاء إجازته ولا في حال ثبوتها.
أما في الأولى فلعدم تمام البيع.
وأما في الثانية فلأنه هو الذي أتمه فلا ينقضه بعد ذلك.
ولما استوى الحالتان في الحكم وأنه نفي الشفعة، وكان في زيادة الإجازة تحسين وضع السؤال لم يبال صاحب الفصول بها. فلا يقال كيف ساغ له أن يزيد في السؤال ما ليس فيه؟
وأما انتفاؤها في الثانية فلأن بتعذر الإجازة يبطل البيع ويصير كأنه من الابتداء لم يقع أصالة، ولا شفعة بدون بيع.
(لا تثبت الشفعة في المبيع وفاء إذا بيع بتًّا إلا بعد الإجازة) وأما ثبوتها في الثالثة فلتحقق شرطها من خروج المبيع عن ملك البائع بنفاذ البيع بالإجازة كما تثبت في البيع بشرط خيار البائع والبيع الفاسد عند تقرر الأول بالإجازة والثاني بما يفوته من المفوتات، (المعتبر في الطلب وقت العلم بالإجازة لا العلم بالبيع) والمعتبر في طلبها من الشفيع وقوعه وقت العلم بالإجازة لا وقت العلم بالبيع، حتى لو وقع حين البيع ولم يعد عند الإجازة اكتفاء بالأول لم تصح.
(1) جواب لما سئل. ب. بالأصل بدل هذا الجواب بعدما ألحقت في الفتوى. العمادية: وسط 105 ب؛ والجامع: 1/240.
(2)
لا مسألة التوقف. ب.
(3)
الفقرة كلها منقولة بتصرف. انظر العمادية: وسط 105 ب؛ والجامع: 1/240.
وهذا على قياس ما ذكره الزيلعي في البيع بشرط خيار البائع من أن البيع إنما صار سببًا في ثبوت الحكم في ذلك الوقت، ووجوب الشفعة ينبني على انقطاع حق المالك بالبيع (1) وهو ينقطع به عنده. وهو يدل على أن الطلب قبل الإجازة لا يتوقف عليها كالبيع (2) . فإن تمت الإجازة تم الطلب
[415]
فتمت الشفعة وإلا فلا، إذ لو صح فيه التوقف لما عدل عما هو الظاهر من اعتبار وقت البيع فيه إلى خلافه من اعتبار وقت الإجازة، وهو (3) وإن ذكر في ذلك خلافًا (4) لكنه جعل اعتبار وقت الإجازة الأصح. ولعله لأن الموقوفية كالصحة والفساد من صفقات العقود، ولا شيء من الطلب بعقد. ومع قصر ثبوت الشفعة في المبيع وفاء على الحالة الثالثة فقولنا فيها: تثبت الشفعة في المبيع وفاء من مجاز الكون (5) إذ هو وقت ثبوت الشفعة فيه ليس بمبيع وفاء بل بتًّا، وحين كونه مبيعًا وفاء لم تثبت فيه شفعة، فلا تثبت الشفعة في المبيع وفاء حال صدق هذا العنوان عليه حقيقة بإطلاق (6) .
(1) وهو أي حق المالك ينقطع به أي البيع عنده أي سقوط الخيار. وهذا عين لفظ الزيلعي. ب. راجع الزيلعي: 4/19.
(2)
فإنه يتوقف. ب.
(3)
أي الزيلعي. ب.
(4)
ط. وإن بعضهم يقول بالطلب وقت البيع. ب.
(5)
المجاز الكوني في ج.
(6)
قوله: عليه حقيقة بإطلاق. ساقط في ر.
الفصل السابع
في ادعاء المشتري وفاء على مشتريه
وادعاء مشتريه له على غيره
أما الأول بأن يدعي خارج على ذي يد أن هذا ملكي فيدفعه ذو اليد بأني لست بخصم لك فيه لأني لست بمالك له، وإنما هو في يدي بعقد الوفاء فيه. فالذي في هذا الفصل من الفصول أنه وقع الاستفتاء من فرغانه (1) بسمرقند عن هذه المسألة:
(وأنه هل يشترط، يعني لسماع هذه الدعوى حضرة البائع والمشتري؟ ووقع الجواب من صاحب الهداية والكثير من السمرقنديين بأنه يشترط.
وأجاب القاضي علاء الدين بدر بأنه لا يشترط) (2) .
وأقول: سبب هذا الاختلاف عدم خلوص الوفاء للبيع البات ولا للرهن، وذلك أن الدعوى على المشتري باتًّا فيما في يده مسموعة قطعًا، ولا يسمع منه: إني اشتريته من فلان فاصبر إلى أن يحضر، وعلى المرتهن غير مسموعة قطعًا إذا ثبت كونه مرتهنًا منه إما بإقرار المدعي به، أو بإثبات المدعى عليه ذلك بالبينة على ما عرف
[416]
في المخمسة (3)، إذ من وجوه الدفع فيها: ارتهنته من الغائب. ولما تجاذب في الوفاء البيع والرهن جاء الاختلاف. فمن نظر فيه إلى جهة الرهن، وهو نظر الجماعة، لم يسمعها عليه بدون حضرة البائع، ومن لاحظ جانب البيع، وهو ملحظ علاء الدين بدر، سمعها دون توقف عليه، ويظهر لي رجحان ما عليه الجماعة، فإن عدم اشتراط حضرة البائع - الذي ذهب إليه - بدر إن كان مبنيًّا على القول بأن الوفاء بيع بات، فذلك القول وإن كان يقتضيه (4) إلا أنه لمنافاته لمقاصد الناس فيه لا ينبغي البناء عليه، وإن كان لما فيه من معنى البيع على المختار فيه من التركيب، (المعتبر في بيع الوفاء جهة الملك في حق الانتفاع به خاصة وفيما سواه جهة الرهن) فقد تكرر عليك أن جهة البيع إنما اعتبرت فيه ضرورة في حق الانتفاع به خاصة، وأما فيما سواه فالمعتبر فيه جهة الرهن، وهذا مما سواه، مع أنَّا نقطع بأنه لا يدعي ملك العين فيه لنفسه بل ملك المنافع، فأي فرق بينه وبين المستأجر وهو يدعي ما يدعيه من ملك المنفعة فقط حتى لم تسمع الدعوى عليه بغيبة المؤجر؟ وجعل ادعاء الاستيجار من الغائب من وجوه الدفع في المخمسة اتفاقًا، وتسمع على هذا من المشتري بغيبة البائع، ولم يجعل ادعاؤه الشراء الوفائي منه [من](5) وجوه الدفع فيها.
(1) اسم بلدة. ب. في خراسان بناها أنوشروان. ويطلق الاسم على الإقليم كله الذي يجمع سبع مدائن. الحميري. الروض المعطار: ص440.
(2)
أصل المسألة: المشتري شراء جائزًا هل يصلح خصمًا للمدعي قبل القبض بدون حضرة البائع؟ قال صاحب الفصول: (سئل جدي شيخ الإسلام برهان الدين رحمه الله فأجاب بأنه يشترط حضرة البائع. وقال: استفتيت من فرغانة في هذه المسألة فأجاب كثير من مشايخ سمرقند كما أجبت إلا القاضي الإمام علاء الدين بدر فإنه قال: لا يشترط حضرة البائع فحصل فيه اختلاف المشايخ) . العمادية. نخ. اليوسفية: 12 ب - 13 أ؛ الجامع: 1/37.
(3)
من وجوه الدفع أن لا يكون صاحب اليد أهلاً للخصومة. وذلك في حالات جمعها النسفي في قوله: (قال ذو اليد: هذا الشيء أودعنيه أو أعارنيه أو آجرنيه أو رهننيه زيد الغائب أو غصبته منه) وزاد الكاساني: (أو سرقته أو أخذته أو انتزعته أو ضل منه فوجدته) . وأقام البينة على ذلك (1) تندفع عنه الخصومة عند عامة العلماء، (2) وقال ابن أبي ليلى: تندفع عنه الخصومة أقام البينة أو لم يقم، (3) وقال ابن شبرمة: لا تندفع عنه الخصومة أقام البينة أو لم يقم. هذا إذا لم يكن الرجل معروفًا بالافتعال والاحتيال، (4) فإن كان تندفع عنه الخصومة عند أبي حنيفة ومحمد أيضًا، (5) وعند أبي يوسف لا تندفع. وهي المسألة المعروفة بالمخمسة لاختلاف العلماء فيها على خمسة أقوال. الكاساني. البدائع: 6/231؛ وفي البحر: إنها لقبت بذلك لأن صورها خمس: وديعة وإجارة وإعارة ورهن وغصب. ابن نجيم: 7/228.
(4)
ط. قوله: وإن كان يقتضيه، إنما كان يقتضيه لما تقدم من أن مشتري البات تسمع الدعوى عليه لادعائه الملك لنفسه فيه. اهـ. منه. ب.
(5)
الزيادة في ج.
واعلم أنه لا فرق في عدم سماع الدعوى على المشتري وفاء بين كونها دعوى الملك المطلق كما صورنا - ومنها دعوى الوقف لتصريحهم (1) بأنها من قبيل دعوى الملك (2) ، أو المقيد بسبب من أسبابه - وبين كونها دعوى حق كدعوى الوفاء أيضًا أو الرهن أو الإجارة، لأن المعنى المانع
[417]
من سماع الدعوى عليه من عدم ادعائه الملك في العين لنفسه يشمل الكل، اللهم إلا إذا ادعى عليه الفعل (3) فحينئذ تُسمع، إذ لا مدفع لهذه الدعوى على ما عرف في المُخَمَّسَةِ.
وأما الثاني وهو ادعاء مشتريه له على غيره فلا إشكال في سماع هذه الدعوى لأنها وإن لم تكن من دعوى الملك فهي من دعوى الحق، ودعواه مسموعة لكن على من يدعي الملك لنفسه في العين خاصة دون من لا يدعي إلا حقًّا فيها. وهذا هو سبب عدم سماع الدعوى على الموقوف عليه. (هذا الحاصل جامع) والحاصل أن ذا اليد متى كان يدعي في العين ملكًا لنفسه سمعت عليه كل من دعوى الملك والحق، ومتى كان لا يدعي فيها إلا حقًّا لم تسمع عليه دعوى ملك ولا حق، حسبما يعلم من فصل من يصلح خصمًا لغيره ومن لا يصلح، ومن يشترط حضرته لسماع الدعوى ومن لا تشترط، وهو ثالث فصول الفصول (4) .
فعلى هذا لا تسمع دعوى الخارج الوفاء على ذي المدعي الوفاء أيضًا ولو ادعيا تلقيهما له (5) من واحد وكان تاريخ الخارج أسبق بدون حضرة بائعهما إذا ثبت ما يدعيه ذو اليد من الوفاء.
(1) وفيه أن صاحب البحر صرح بمخمسة كتاب الدعوى أن دعوى الوقف من قبيل دعوى الملك المطلق. وقد صرح بذلك الرملي أيضًا في كتاب الدعوى من فتاواه فليتأمل. بخط الشيخ محمد ابن الخوجة الأكبر. ج. ر؛ انظر ابن نجيم: 7/230؛ الرملي: 2/61 - 63.
(2)
بالنسبة للواقف. ب.
(3)
بأن ادعى عليه الغصب. ب.
(4)
العمادية: 14 أ - 19 أ.
(5)
أي بيع الوفائي. ب.
الفصل الثامن
في الكفالة بمال الوفاء والحوالة به والصلح عنه
(الكفالة بمال الوفاء من المشتري للبائع) اعلم أن الكفالة بمال الوفاء إما عن المشتري للبائع أو العكس. فإن كان الأول فهي صحيحة لأنها وإن كانت تستدعي كون المكفول به دينًا للمكفول له على المكفول عنه فمال الوفاء ههنا كذلك لأنه يترتب دينًا للبائع بذمة المشتري بمجرد العقد، (الكفالة به عن البائع للمشتري) وإن كان الثاني فإنها تصح مضافة لوقت لفسخ لا منجزة لما اشتهر أن مال
[418]
الوفاء ليس بدين بذمة البائع للمشتري ما دام عقد الوفاء قائمًا لم يفسخ، وإنما يصير دينًا له عليه بعد الفسخ. وذلك لأن هذا العقد معتبر بالنسبة للمشتري بيعًا باتًّا ليحل له نزله ومنافعه. وذلك يستدعي أن ما دفعه من مال الوفاء للبائع ثمن ما باعه له، وثمن المبيع يستحيل أن يكون دينًا للمشتري على البائع (1) وعقد البيع قائم، كيف وقد ملك ما هو عوضه وهو المبيع! فلو كان دينًا له عليه لكان مملوكًا له فيلزم مع ملكه للمبيع اجتماع العوضين في ملك شخص واحد.
نعم إذا فسخا هذا العقد يصير حينئذ دينًا له عليه كثمن المبيع بيعًا باتًّا حقيقة إذا فسخه عاقداه بالإقالة حيث يصير الآن دينًا للمشتري على البائع، وإن لم يكن دينًا له عليه قبلها. وذكر في الفصول نقلًا عن جده إذا (كان الكفيل عن البائع به للمشتري هو الذي كان مشتريًا وفاء قبله) أن لا فرق في كون الكفالة به لا تصح إلا مضافة لحين (2) الفسخ بين كون الكفيل به أجنبيًّا عن عقده أو مشتريًا فيه، وصور هذا بما إذا تكرر من البائع بيع الوفاء مرتين، وكان عقد الثاني بإجازة المشتري الأول، ثم إن المشتري الثاني خاف أن يتوى حقه على البائع فطلب كفيلًا به فكفله فيه المشتري الأول، فإن هذا الكفيل ليس أجنبيًّا عن عقد الوفاء إذ هو مشتر فيه، ومع ذلك لا تصح كفالته إلا مضافة كالأجنبي (3) . [وإنما نص على هذا خشية توهم صحة الكفالة ههنا منجزة، لا كالأجنبي](4) بشبهة أن الوفاء قد انفسخ بالإجازة، ومتى انفسخ فقد ترتب ماله دينًا على البائع، وحيث ترتب عليه صح تنجيز الكفالة به، ولكنها شبهة واهية لأن هنا وفاءين مرتبين:
أولهما بين البائع والكفيل
[419]
الذي هو المشتري الأول وهو الذي انفسخ بالإجازة وترتب ماله دينًا على البائع لكن الكفالة لم تقع به.
(1) الحال. ب؛ إذ المال يجب على البائع بعد الفسخ لا في الحال. قاله الفضلي في فتاواه. الطرابلسي: 148.
(2)
عبارة الفصول: إلا إذا كان الضمان مضافًا إلى ما بعد الفسخ.
(3)
سئل عمن باع دارًا بيعًا جائزًا ثم إن البائع باعه من غيره بيعًا جائزًا بإجازة المشتري ثم إن المشتري الثاني قال: إني أخاف أن يتوى حقي على البائع فضمن المشتري الأول لا يصح إلا إذا كان الضمان مضافًا إلى ما بعد الفسخ كما في الأجنبي) . العمادية: 107 أ؛ الجامع: 1/243.
(4)
ساقطة من ر.
وثانيهما بين البائع والمكفول له الذي هو المشتري الثاني، وهذا ما (1) انفسخ، ولا صار ماله دينًا، وهو الذي وقعت به الكفالة، فما يغني في صحة الكفالة منجزة ترتب دين لم تقع به الكفالة، والذي وقعت به لم يترتب دينًا بعد.
وأما الحوالة به فتنقسم أيضًا إذا (كان المحال عليه هو المشتري) إلى ما يكون المحال عليه فيها هو المشتري، وإلى ما يكون هو البائع. وقد صورها في الفصول على الوجه الأول فقال:(وسئل رحمه الله، يعني جده صاحب الهداية، عن رجل باع داره بيعًا جائزًا وأحال بالثمن لغيره على المشتري. ثم استحقت (2) الدار وقد أدى (3) بعض الثمن، هل للمحتال (4) أن يطالبه بالباقي؟
أجاب: إن كانت الحوالة مطلقة له ذلك، وإن كانت مقيدة، (يعني بمال الوفاء) ليس له ذلك (5) . وله (6) أن يرجع على بائعه لأنه أدى (عنه دينه) بأمره.
قيل له: وهل له أن يرجع على المحتال [له] بما أدى؟
قال رحمه الله في شركة الجامع في الباب الأول إشارة [إلى أن له ذلك](7) .
ولم يصورها على الوجه الثاني (8) ونحن نصورها عليه.
(1) نافية. ب.
(2)
يعني بشرطه من حضرة البائع والمشتري لا بحضرة الثاني فقط. اهـ. منه. ب. ر. وأول هذا التعليق جاء بلفظ يقسم بدل لفظ يعني. انظر ج.
(3)
أي المشتري الذي هو المحال عليه. ب.
(4)
أي رب الدين الذي هو المحال به. ب.
(5)
لأن الوفاء الفسخ بالاستحقاق. ب.
(6)
أي المشتري المؤدي بعض الثمن. ب.
(7)
بالأصل إشارة إليه. والإصلاح والإكمال من الفصول. العمادية: أعلى 107 أ.
(8)
وهو كون المحال عليه البائع. ب.
فنقول: إذا (كان المحال عليه هو البائع) إذا أحيل بمال الوفاء على البائع بأن أحال المشتري غريمًا له عليه، فإما أن تكون الحوالة مطلقة أو مقيدة، وعلى كليهما فإما منجزة أو مضافة لوقت الفسخ. ففي المطلقة تصح مطلقًا، وفي المقيدة تصح مضافة لا منجزة لأنها إذا قيدت بمال الوفاء مع التنجيز فلا بد من وجود ما قيدت به من دين الوفاء على البائع وقت الحوالة، ولا وجود له إذ ذاك، لما علم في مال الوفاء (1) .
(الصلح على مال الوفاء) وأما الصلح عنه
[420]
ففيها أيضًا نقلًا عن جده:
(وسئل رحمه الله عمن إذا ادعى البيع الجائز والآخر البات ادعى على آخر أنه اشترى هذه الدار من فلان بيعًا جائزًا، وصاحب اليد اشتراها باتًّا من ذلك الفلان أيضًا، وادعى سبق البيع (الجائز) ، فصالح المشتري بالبات (معه) على بدل أيجوز؟
قال: إذا كان الصلح عن إنكار ينبغي أن يجوز ويلزم لأنه أمكن تصحيحه لأن صاحب اليد يدفعه لدفع اليمين عن نفسه (2) ، وهو يقبضه على ظن أنه يقضي دين غريمه (3) بغير أمره.
وإن كان الصلح عن إقرار ينبغي أن لا يلزم بدل الصلح لأنه لو كان عن مال بعينه يصير بمنزلة الرشوة لإجازة البيع) .
هكذا وقع في نسختي من الفصول (عن مال بعينه)(4) . والظاهر (بغير عينه) لتظهر مقابلته بقوله:
(وإن كان بشرط أن يكون بدل الصلح من الثمن الذي على البائع يصير [هذا] وعدًا، وأنه غير لازم)(5) .
فإن هذا هو الذي وقع الصلح فيه عن مال بعينه، وهو خصوص الثمن الذي على البائع. وقد أفاد كلامه صحة دعوى المشتري شراء جائزًا بسبب ذلك الشراء على ذي اليد المدعي شراء باتًّا - كما كنا ذكرناه - من جهة أن ذا اليد يدعي بالشراء البات الملك لنفسه في العين، وأنه لولا الصلح في هاته الصورة لقضي بالعين للخارج حيث تلقيا من واحد وكان تاريخ الخارج أسبق، وإن كان شراؤه جائزًا وشراء ذي اليد باتًّا ولا يرجع ذو اليد عليه بقوة شرائه.
(1) من أنه لا يصير دينًا إلا بعد الفسخ. ب.
(2)
قوله: لدفع اليمين عن نفسه، هذا مقتض لصحة دعوى المشتري وفاء على المشتري بتًّا إذ لو لم تصح لما توجهت له عليه يمين حتى يدفعه عن نفسه بالصلح. وإلى هذا أشرنا بقولنا بعد. وقد أفاد كلامه صحة دعوى المشتري إلخ. ج. إلخ منه. ب، ر.
(3)
كذا بالعمادية، وغيره بدل غريمه في النسخ ب. ج. ر.
(4)
عن مال نفسه بدل عن مال بعينه. العمادية: نخ. الأحمدية.
(5)
الفقرتان من الفصول عنون لهما العمادي بقوله تنازعا في الجائز والبات وتصالحا: 107 أ. وقد اعتمدنا ما جاء فيهما لتصحيح النص.
الفصل التاسع
في فسخ عقد الوفاء ورجوع المشتري على البائع
فيما إذا كان دفع خلاف ما سمي بماذا يكون منهما؟
[421]
أما الفسخ فالمتحصل فيه مما نقله صاحب الفصول عن صاحب الهداية أنه كما يكون بالقول يكون بالفعل، وهو قبض المشتري ثمن الوفاء حقيقة أو حكمًا بالتخلية بينه وبينه، بحيث لو شاء قبضه حسًّا لأمكنه ذلك، لأنه يعد بذلك قابضًا (1)
له حتى ضاع لضاع عليه، لأن ضياعه وقع بعد القبض في هذا الفرض، غير أنه يشترط القبول في الفسخ القولي لا الفعلي لإغناء القبض بنوعيه عنه.
فإن قلت: إذا كان الفسخ يحصل بالقبض، والقبض بالتخلية، وكلاهما يغني عن القبول، فكيف قال: إنه أجاب بلا إذ قيل له فلو أبى المشتري من قبض الثمن هل يجبر؟ وهل ينفسخ بدون القبول؟
قلت: أما عدم انفساخه بدون القبول فلأن فرض المسألة: أن المشتري لما أبى من قبض الثمن رفع البائع دراهمه ولم يتركها بين يديه، وحينئذ يكون القبض قد انتفى بنوعيه. وقد عرفت أنه لا بد ههنا من القبول، ولا قبول مع الإباية فبماذا يقع الفسخ؟ وأما عدم الجبر على القبض فالمراد من القبض فيه القبض الحسي، وإنما لم يجبر عليه لإمكان حصول القبض بالتخلية، وانتفاؤه هنا جاء من قبل البائع حيث رفع دراهمه ولم يتركها.
(إذا قبض المشتري بعض مال الوفاء) ثم إن قبض المشتري مال الوفاء كله انفسخ العقد في المبيع كله، وإن قبض بعضه قال في الفصول: انفسخ بقدره (2) . فأفاد تجزي الفسخ فيه.
(1) البائع بيعًا جائزًا إذا خلًَّى الثمن بين يدي المشتري. العمادية: 106 ب؛ وفي جامع الفصولين: والبيع الجائز ينفسخ بالتخلية بين المشتري وبين ثمنه بلا قبض. الجامع: 1/241.
(2)
عبارة الفصول: (فلو قبض بعض الثمن هل ينفسخ في القدر المؤدي؟ أجاب نعم ينفسخ) . العمادية: 106 ب؛ وفي جامع الفصولين: (ولو قبل بعض الثمن ينفسخ بحصته) . الجامع: 1/241.
(على ماذا ينبغي حمل التجزي إن تجزأ الفسخ) وينبغي حمل هذا التجزي على كونه في أحد المقصودين في بيع الوفاء من تصرف المشتري فيه فلا يبقى له تصرف في القدر الذي انفسخ فيه الوفاء من المبيع دون المقصود الآخر وهو
[422]
حبسه للتوثق به للدين، فيكون له حبسه كله إلى حصول قبض الدين كله، لأنه إذا كان له حبسه كله بعد حصول الفسخ الحقيقي في كله قبل القبض، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى في الفصل الذي يلي هذا، إذا (انفسخ عقد الوفاء فللمرتهن الذي هو المشتري الحبس) فكيف لا يكون له حبس كله في الفسخ الحكمي الواقع في بعضه؟ على أن المبيع في عقد الوفاء معطى له في حق الحبس حكم المرهون، (المرهون لا يزال محبوسًا كله إلى تمام قبض الدين) والمرهون لا يزال محبوسًا كله إلى تمام قبض الدين. وحينئذ لا يقال إن الفسخ يتجزأ في الوفاء ولا يتجزأ في الرهن فيكون هذا من المسائل التي اختلفا فيها، لأنك عرفت أن ما ثبت تجزي الفسخ في الوفاء فيه هو التصرف في المبيع الذي هو من خواص الوفاء، ولاحظ للرهن فيه. وأما ما اشتركا فيه من الحبس فهما سواء في عدم تجزي الفسخ بالنسبة إليه، فلا يكون هذا من تلك المسائل بهامش الرضوانية ذكر مسألتين. المسألة الأولى: وصي اليتيم اشترى بمال اليتيم دارًا أو نحوها وفاء، ومات الراهن فقام الوصي يبطل الرهن مع ورثة الراهن، وفسخ القاضي الرهن وأراد الوصي قبض المال، فهل تجب يمين القضاء؟ وهل وجوبها على الوصي الذي دفع المال أولًا ويريد قبضه ثانيًا بحكم الإيصاء، أو على اليتيم ويتأخر للبلوغ؟ أفتى شيخ الإسلام بتونس أحمد ابن الخوجة نقلًا عن والده شيخ الإسلام محمد ابن الخوجة استظهارًا منه: أن اليمين على اليتيم وتتأخر للبلوغ، كما لو مات المرتهن عن أيتام ثم مات الراهن وطلب وصي الأيتام فسخ الرهن، فإن المال يوقف إلى بلوغهم ويحلفون بعده يمين القضاء. اهـ. وأفتى الشيخ حسن عباس أن اليمين في المسألة الأولى على الوصي لأنه الذي فعل العقد ويريد القبض الآن فيحلف يمين القضاء على البات. نعم لو مات الوصي بوقف المال إلى بلوغ اليتيم، فإذا بلغ يحلف كما في المسألة الثانية. والله أعلم. المسألة الثانية: إذا مات المرتهن وله ورثة صغار، وعليهم وصي من قبله أو من قبل القاضي، وطلب الوصي فسخ الرهن مع ورثة الراهن، ووقع الفسخ وأراد ورثة الراهن الدفع إلى وصي الورثة المذكورين فهل تجب على الورثة يمين القضاء؟ وهل يحلف الصغار في هذه الحالة؟ الجواب أن اليمين واجبة، وكون ذلك صار دينًا في ذمة الميت، أعني الراهن أصالة، ويصير دينًا في عين التركة، فتجب يمين القضاء كما في غيرها من المسائل التي تجب فيها اليمين المذكورة. وأما تحليف الصغار في حال الصغر فقد اختلف فيه، والذي أفتى به علماء تونس عدم التحليف إلى أمد البلوغ. فبعد البلوغ يحلفون. اهـ. قاله شيخ الإسلام سيدي محمد ابن الخوجة رحمه الله. ر.
وأما بماذا يكون رجوع المشتري على البائع بعد الفسخ فيما إذا اختلف المسمى والمقبوض بأن كان المسمى دراهم والمقبوض دنانير بقدر مصارفتها أو العكس؟ فالذي انفصل عليه البزازي في جامعه، بعد طول مباحثة حكاها في ذلك يرجع إليه فيها من رام الوقوف عليها، إن الرجوع بالمسمى لا بالمقبوض أنه يرجع بالمسمى في العقد لا بما وقع عليه قبض اليد.
فعلى هذا ما يقع في ديارنا من عقده باسم الريال المنصرف لريالنا التونسي إذا كان عند الدفع دفع الريال الإفرنجي المسمى بِالدَوْزُو بحسب ما يصرف به من التونسي في ذلك الوقت، وتغيرت مصارفة الدوزو وقت الفسخ عنها
[423]
وقت العقد بزيادة أو نقص، يكون الرجوع بالمسمى من ريالنا التونسي لا بالمقبوض الإفرنجي (1) . وهكذا لو دفع الذهب المعبر عنه بالسلطاني والعقد باسم الريال وتغيرت فيه المصارفة.
(1) كذا الحكم لو لم يتغير، وإنما فرض الكلام عند التغير لأنه أوان المشاحنة. اهـ. ابن المصنف. ب.
الفصل العاشر
في حكم المبيع وفاء بعد الفسخ ومطالبة المشتري مال الوفاء
في غير بلده أو بعد ما غصب المبيع من يده
اعلم أن فسخ الوفاء تارة يكون قصدًا بالقول أو بالفعل على ما مر، وأخرى ضمنًا بأن كان وقع في مبيعه من بائعه بيع بات أو وفاء فأجازه مشتري الوفاء منه أولًا، فإن إجازته لأحد البيعين تتضمن فسخ وفائه. وتتعلق بهذين الفسخين مسألتان:
إحداهما إذا كان هذا المشتري الذي انفسخ شراؤه الوفائي بأحد الأمرين لم يكن قبض مال وفائه المفسوخ بعد، فهل له حبس المبيع عن البائع في صورة الفسخ القصدي القولي معه، وعن المشتري في صورة الفسخ الضمني بإجازته لشرائه أم لا؟
ثانيتهما إذا كان له حبسه عن الأول ومات الأول عن غرماء ولم يترك سوى ذلك المبيع فبيع في خلاص ما على الميت من دين، فهل يختص هذا المشتري بقدر مال وفائه من ثمنه من بين الغرماء؟ أم يكون أسوة لهم فيه؟ وإذا لم يكن له حبسه عن المشتري في الصورة الأخرى لمكان إجازته، فهل له أن يأخذ منه الثمن فيحبسه عن البائع؟ وإذا مات على تلك الصفة يختص بقدر وفائه من ذلك الثمن أم لا؟ بهامش الصفحة والتي تليها مسألة مضافة نصها: الحمد لله. وجدت بخط المؤلف على هامش البزازية ما نصه: الحمد لله. قد كنت كتبت على مسألة الزكاة في مال الوفاء ما نصه: اعلم أن مال الوفاء إما أن يبقى بيد البائع حتى يحول عليه الحول أو لا. فإن كان الأول فأما البائع فتلزمه زكاته اعتبرت الوفاء رهنًا أو بيعًا صحيحًا نافذًا أو فاسدًا، ضرورة دخول المال في ملكه في الصور كلها. أما في الرهن والبيع الصحيح فواضح، وأما في الفاسد فبدخول المبيع فيه في ملك المشتري بالقبض، وهو يستلزم خروج الثمن عن ملك المشتري لئلا يجتمع البدلان في ملك شخص واحد. وإذا خرج الثمن عن ملكه دخل في ملك البائع لزومًا تحقيقًا للمساواة بينهما، ولا أثر لوجوب رده عند الفسخ كما لا أثر لوجوب الرد في الرهن في نفي ملكيته فيرد لأن الواجب رد مثله لا عينه لما عرف من قواعدنا أن الدراهم والدنانير لا تتعين في العقود والفسوخ مع التعيين فكيف مع عدمه. وأما المشتري، فأما على اعتباره رهنًا فكذلك لأنه دين له على البائع فيجري على حكم زكاة الدين. وهنا يتمشى قولهم، وليس فيه إيجاب الزكاة على شخصين في مال واحد لأنه ما تقرر من عدم التعيين يكون الإيجاب في مالين إذ أحدهما عين والآخر دين. وأما على اعتباره بيعًا بنوعيه فلا. أما على القول بالصحة واللزوم فظاهر لا غبار عليه. وأما على القول بالفساد فلأن الثمن في البيع الفاسد ليس بدين للمشتري في ذمة البائع في الحال. فكيف وإنما أعطاه للبائع بدلًا عما وجب له عليه من عوض المبيع الذي دخل في ملكه بالقبض. وإنما هو عرضة أن يصير دينًا في المآل، وذلك عند التفاسخ ولهذا صرحوا بعدم صحة الكفالة بمال الوفاء إلا مضافة لوقت الفسخ، لأن صحة الكفالة مشروطة بكون المكفول به دينًا. وهذا لا يكون كذلك إلا عند الفسخ وكأنهم إنما أطلقوا القول بوجوب زكاة مال الوفاء على المشتري الموهم أنه متمش على كل قول فيه مع أنك عرفت أن تمشيته ليست إلا على أنه رهن لأن المختار في بيع الوفاء هو القول بالتركيب وهو العمل بكل قول فيه ولكن في مواضع مختلفة، وتعيين تنزيل كل قول في موطن يتبع المصلحة فيما يظهر، ولا شك أن اعتبار مصلحة الفقراء في موطن الزكاة يقتضي اعتباره هنا لتجب على المشتري. وأما إذا هلك في يد البائع قبل الحول على الوجه المعروف فأما البائع فعدم الوجوب عليه أظهر من أن ينبه عليه، وأما المشتري فتجب عليه بالوجه الذي مرت الإشارة إليه. حرره كاتبه الفقير محمد بن محمد بيرم كان الله تعالى له. ر.
(إن لمشتري الوفاء بعد فسخه حبس المبيع عن البائع حتى يدفع له ثمنه) أما الأولى فأما عن البائع (1) في الصورة الأولى فله حبسه إلى أن يوفيه بثمن وفائه وإن كان ذلك بعد انفساخ عقده لأن الذي تحصل في الحبس بعد الفسخ من كلام [424] العمادية في فصل التصرفات الفاسدة (2) أنه يثبت للمشتري في البيع الصحيح مطلقًا، وفي البيع الفاسد والرهن صحيحًا كان أو فاسدًا لا مطلقًا، بل إذا لم يبع ولم يرهن بدين كان عليه قبل عقدهما بل بما هو مقابل بهما (3) .
فإن قلت: وأين هذا مما نحن فيه؟ إذ هذا في حبس المبيع والمرهون صحيحين أو فاسدين بعد الفسخ، وكلامنا في حبس المبيع وفاء بعده.
(1) أي أما حبسه عن البائع. ب.
(2)
راجع الفصل التاسع والعشرين في التصرفات الفاسدة وأحكامها وما يكون مضمونًا بالقبض والحبس وما لا يكون. العمادية. نخ. اليوسفية: 152 ب؛ وفي الفصل الثلاثين في الجامع: 2/47.
(3)
وفي الهداية: ليس للبائع في البيع الفاسد أن يأخذ المبيع حتى يسدد الثمن لأن المبيع مقابل به فيصير محبوسًا كالرهن. العمادية. نخ. اليوسفية: وسط 104 ب؛ نور العين: 73 أ.
قلت: وهل يخرج بيع الوفاء عن كونه بيعًا صحيحًا أو فاسدًا أو رهنًا على ما سمعت من المذاهب فيه. ومال الوفاء ليس بدين سابق على عقده فيما هو الغالب. بل لم يترتب بذمة المشتري إلا بعقده. فللمشتري حبسه بعد الفسخ فيما إذا كان ماله كذلك على سائر الأقوال. (ليس له حبسه عن المشتري بعد الإجازة) وأما (1) عن المشتري الذي أجاز هذا المشتري شراءه فلا، وإلا لم يكن لإجازته معنى، إذ معنى توقف البيع على إجازته هو عدم ترتب مقتضاه الآن عليه من اختصاص مشتريه به لمانع تعلق حق الآخر به قبل شرائه فإذا أجاز زال المانع فعمل المقتضي عمله، فمن أين يكون له حق الحبس بعد ما أسقطه بالإجازة؟
(له أخذ الثمن عن المشتري وحبسه عن البائع) وأما هل له أخذ الثمن من المشتري وحبسه عن البائع؟ فنعم له ذلك ففي اختصار والدنا رحمه الله لأنفع الوسائل (2) المسمى ببغية السائل عند الكلام على مسألة بيع المرهون: وإذا نفذ البيع بإجازة المرتهن ينتقل حقه إلى بدله وهو الصحيح، لأن حقه متعلق بالمالية والبدل له حكم المبدل، فصار كالعبد المأذون إذا بيع برضاء الغرماء ينتقل حقهم إلى البدل، لأنهم رضوا
[425]
بالانتقال دون السقوط رأسًا فكذا هذا.
(اختصاصه بثمن المبيع) وأما اختصاصه بثمنه في الصورتين فنعم، إذ المفهوم من كلام الفصول أن الاختصاص يتبع حق الحبس (أينما ثبت للشخص حق الحبس يثبت له الاختصاص) فأينما يثبت له حقه يثبت الاختصاص، وأينما ينتفي ذاك ينتفي هذا.
وقد عرفت أنه يثبت للمشتري حق حبس المبيع في الصورة الأولى، وثمنه في الثانية عن البائع فيهما، فيختص بثمن المبيع من بين غرماء البائع.
(1) أي حبسه. ب.
(2)
هو أنفع الوسائل إلى تحرير المسائل في الفروع للقاضي برهان الدين إبراهيم بن علي الطرطوسي. حظي بعناية جمع من الفقهاء. وممن لخصه محمد بن محمد الزهري وأسماه كفاية السائل من أنفع الوسائل. الكشف: 183.
وأما مطالبة المشتري للبائع بثمنه في غير بلده، أو بعد غصب المبيع من يده، فالمسألتان في الحكم متعاكستان، إذ تثبت له المطالبة في الأولى، وتنتفي في الثانية على ما ذكره في الفصول من قوله في الأولى نقلًا عن جده:(وسئل رحمه الله إذا أخذ (1) البائع المشتري في البيع الجائز في بلد آخر (2) وقد طلب الثمن بعد الفسخ، هل له ذلك؟
(للمشتري مطالبة البائع بالثمن في غير بلده) أجاب رحمه الله: له ذلك قياسًا على مسألة الرهن إذا كان له حمل ومؤنة وأخذه في بلد آخر له أن يطالبه بدينه (3) .
وقوله في الثانية واقعة الفتوى: (رجل باع داره بيعًا جائزًا ثم إن رجلًا آخر غصب الدار من يد المشتري شراء جائزًا، (ليس له طلب مال الوفاء والمبيع في يد غاصبه) والمشتري لا يقدر على استرداد الدار من يد الغاصب [هل للمشتري أن يطالب بائعه بمال الوفاء قبل فسخ البيع واسترداد المبيع من يد الغاصب] ، فعلى (4) قياس مسألة (غصب) المرهون ينبغي أن لا يملك المطالبة بمال الوفاء بل أولى لما ذكرنا (أن) ههنا مال الوفاء ليس بثابت في ذمة البائع ما دام البيع قائمًا) (5) .
ويظهر لي أنهما لو تفاسخا الوفاء فنفي مطالبة المشتري البائع بالثمن ما دام المبيع مغصوبًا على حالها لأن قصارى هذا الفسخ أن يصير به مال الوفاء ثابتًا بذمة البائع.
وقد سمعت في الرهن الذي الدين فيه ثابت مع قيام عقده
[426]
عدم مطالبة المرتهن الراهن بالدين ما دام المرهون مغصوبًا. وهذا لأن قبض الرهن، على ما صرحوا به، قبض استيفاء، فيصير به المرتهن مستوفيًا دينه حكمًا. وفي الاستيفاء الحقيقي لا يملك المطالبة، فكذلك في الحكمي، وقد بلغك غير مرة أن الوفاء له حكم الرهن في غير انتفاع المشتري بالمبيع، وهذا من ذلك الغير.
(1) أي طلبه. ب.
(2)
ط. غير الذي وقع فيه العقد. ب.
(3)
العمادية: 106 أ؛ الجامع: 1/242.
(4)
ففي بدل فعلى. العمادية.
(5)
العمادية: 108 أ؛ الجامع: 1/245.
الخاتمة
في اختلاف المتعاقدين في العقد الذي بينهما
أهو بيع بات أو بيع وفاء
(1)
ذكر صاحب الفصول: (أن جده سئل إذا ادعى بيعًا جائزًا والمشتري بيعًا باتًّا أو ادعى على العكس، فالقول لمن يكون؟
(و) أجاب: لمن يدعي البات. وقال: وكنت أفتي في الابتداء أن القول قول من يدعي بيعًا جائزًا وله وجه حسن، إلا أن أئمة بخارى هكذا أجابوا فوافقتهم) (2) .
أقول: لعل الوجه الحسن الذي أشار إليه في كون القول قول من يدعي البيع الجائز هو أن المدعي البتات يدعي خلاف الظاهر.
(أما إذا كان مشتريًا فلأنه يدعي على البائع زوال ملكه عن المبيع وهو ينكر، والأصل عدم الزوال)(3) .
وإن كان بائعًا فهو يدعي على المشتري لزوم الثمن بذمته والمشتري ينكر، والأصل عدم اللزوم (4) .
فإن قلت: هذا إنما يظهر فيما إذا كان اختلافهما قبل قبض البائع الثمن من المشتري، إذ هنا يجيء كون البائع طالبًا من المشتري الثمن من دعواه (5) لزومه عليه بدعواه بتات البيع، والمشتري ينكر اللزوم بادعائه الوفاء الذي هو غير لازم.
أما إذا كان الاختلاف بعد القبض فالبائع هنا لا يدعي على المشتري شيئًا ليكون المشتري بدعوى الوفاء منكرًا له ليجعل القول قوله لإنكاره، وإنما الأمر في ذلك بالعكس: وهو أن المشتري هو الذي يدعي عليه وجوب رد الثمن الذي قبضه منه لكون البيع غير لازم، والبائع ينكر ذلك لكون البيع لازمًا فلا يلزمه رده.
وكان هذا هو وجه رجوع صاحب الهداية عما كان يفتي به من كون القول قول مدعي الجائز إلى ما أفتى به البخاريون من كون القول قول مدعي البتات لا مجرد موافقته لهم في الجواب.
(1) انظر شهادة البحر فإنه نقل الكلام في هذه المسألة عن الغنية. محمد ابن الخوجة الأكبر ج. ر؛ وفي مجمع النوازل. اختلف المتبايعان فقال المشتري شريته باتًّا، وقال البائع بعقد وفاء. فالقول للبائع (قياسًا) إذ المشتري يدعي زوال عينه عنه وهو ينكر فيصدق. الجامع: 1/246.
(2)
بتصرف قليل. العمادية: وسط 108 ب؛ الجامع: 1/246. والذي يتحصل من القنية والملتقط أن الاستحسان في الاختلاف في البينة ترجيح بينة الوفاء، وفي الاختلاف في القول ترجيح قول مدعي البات وهذا ما حرره الرملي. ابن عابدين. رد المحتار: 4/248.
(3)
العمادية: وسط 108 ب؛ انظر اللآلي الدرية في الفوائد الخيرية: 1/246؛ رد المحتار: 5/279) .
(4)
والذي استقر عليه الرأي عند الفقهاء في هذه المسألة أن البينة تكون على مدعى الوفاء لأنه يدعي خلاف الظاهر والقول لمدعي البات بيمينه استحسانًا إلا إذا قامت قرينة على خلافه كما إذا ادعى المشتري البيع باتًّا وكان في الثمن غبن فاحش فإنه حينئذ لا يقبل قوله بيمينه لأن الظاهر مكذب له إلا أن يدعي تغير السعر. شرح المجلة: 223.
(5)
نخ: لدعواه.
قلت: لا يصلح هذا وجهًا للرجوع لثبوت مثله في المرجوع إليه، إذ يقال فيه كون القول قول مدعي البتات إنما يظهر فيما إذا كان الاختلاف بعد قبض البائع الثمن، إذ هنا يجيء كون المشتري طالبًا رد الثمن عليه بدعواه لزومه عليه بادعائه كون البيع وفاء، والبائع ينكر هذا اللزوم بادعاء البتات.
أما إذا كان الاختلاف
[427]
بعد القبض فالمشتري هنا لا يدعي على البائع شيئًا يكون البائع بدعواه البتات منكرًا له ليجعل القول قوله لإنكاره، وإنما الأمر في ذلك بالعكس: وهو أن البائع هو الذي يدعي عليه لزوم دفع الثمن بدعوى البتات والمشتري ينكر هذا اللزوم بادعاء أن العقد وفاء. فالأظهر في وجه الرجوع ما وجه به صاحب الخانية (1) كما نقله عنه في الخيرية (2) القول بكون القول لمدعي البتات، وهو أن الأصل في البياعات هو البات، والوفاء خلاف الأصل فيها (3) ، والأصل هو الظاهر، فمدعي البتات هو المدعي للظاهر لتمسكه بالأصل وأبدًا يكون القول قول مدعي الظاهر فيكون القول قول مدعي البتات.
(1) في الدعوى والبيوع. محمد ابن الخوجة. ج. ر. ونص كلامه كما نقله الرملي: إن ادعى أحدهما بيع الوفاء والآخر بيعًا باتًّا كان القول لمن يدعي البات والبينة بينة الوفاء. اهـ.
(2)
الخيرية: 2/91.
(3)
قال ابن المؤلف عفا الله عنهما: يلوح لي أن محل هذا الكلام ما إذا اتفقا على التعبير بالبيع واختلفا ذلك الاختلاف دون ما إذا ادعى أحدهما بيعًا بتًّا والآخر رهن انتفاع، كما هو الواقع في ديارنا، إذ ليس في هذا اعتراف بالبيع حتى يقال الأصل فيه البت، بل الأصل بقاء الملك حتى يثبت النقل. فمع التعبير بالرهن لا يظهر فرق فيما نحن بصدده بين كونه رهن انتفاع أو رهنًا محضًا فتأمله. اهـ. ر.
نعم إذا أقام مدعي الوفاء بينة وفاء تقبل منه لإثباتها
[428]
خلاف الظاهر، وما شرعت البينة إلا لإثباته، وكذلك ترجح بينته على بينة البتات لذلك.
وهكذا (1) أعني كون القول قول مدعي البتات هو الذي اقتصر عليه قاضيخان مع كثرة اختلاف أصحابنا في هذه المسألة، الراجح أن القول لمدعي البتات وأنه الراجح فيها كما ذكر ذلك كله صاحب الخيرية.
ثم قال: (واعترض بأنه رهن في الحقيقة، وبينة البيع مقدمة على بينة الرهن) .
وأجيب بما حاصله: صورته صورة الرهن (2) وفيه شرط (3) زائد بخلاف الرهن (4) . فاغتنم هذا التحرير (5) فقد قل من تعرض له. والله أعلم.
وقد تفاءلنا باختتام الكلام بالأمر لهذا التحرير بالاغتنام، لما فيه من الإشارة له بحسن الانتظام. ختم الله تعالى لنا بأحسن الأحوال ولطف بنا في الحال والمآل، بالنبي صلى الله عليه وسلم وعلى من تعلق به من صحب وآل. وكان الفراغ من تحريره يوم 23 الجمعة الثالث والعشرين من شهر أشرف الربيعين ثالث شهور عام 1228هـ.
انتهى بحمد الله وحسن عونه وتوفيقه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
(1) من كلام الخيرية ب، مع تصرف قليل.
(2)
البيع: الخيرية.
(3)
ط. هو الانتفاع. ب.
(4)
أي المحض. ب.
(5)
بالأصل نقل بالمعنى إلا أن تكون مخطوطة الخيرية التي اعتمدها المؤلف كذلك والذي في المطبوع بين أيدينا: فإنه مفرد، وما أوردناه بنصه من الخيرية. الرملي: 2/91.
الأعلام الواردة في المتن
1-
ابن أبي شجاع: 197/1.
2-
محمد ابن الفضل: 280/1؛ 281/1.
3-
ابن كمال باشا: 211/4.
4-
أبو شجاع: 197/1.
5-
(القاضي) الأمير: 198/1؛ 229/2، 7.
6-
أميرنا (حمودة باشا) : 215/15.
7-
البخاريون: 303/15.
8-
برهان الدين المرغيناني (جد العمادي) : 210/8؛ 211/1؛ 264/4.
9-
البزازي: 195/5؛ 216/6؛ 223/5؛ 227/12؛ 235/1؛ 249/16؛ 262/4، 14؛ 264/2، 8؛ 277/3؛ 295/3.
10-
حذام: 263/1.
11-
الحنفية (المذهب النعماني) : 189/1؛ 193/2؛ 215/1، 11؛ 216/2.
12-
الديناري: 256/1، 13.
13-
الزيلعي: 190/10؛ 204/7؛ 209/1؛ 210/7؛ 213/3؛ 283/14.
14-
السغدي: 197/1.
15-
السمرقنديون: 192/5؛ 284/18.
16-
الشافعية: 213/6.
17-
صاحب التنوير: 201/8.
18-
صاحب الخانية: 248/13؛ 304/11.
19-
صاحب الخيرية: 267/16؛ 305/6.
20-
صاحب العدة: 208/1؛ 222/5؛ 223/2.
21-
صاحب العمادية: 274/10.
22-
صاحب الفصول: 192/2؛ 229/2؛ 235/5؛ 239/5؛ 251/4؛ 257/12؛ 270/11؛ 280/1؛ 281/24؛ 283/4؛ 292/16؛ 302/4.
23-
صاحب الهداية: 194/1؛ 260/12؛ 262/6، 20؛ 263/6؛ 269/9؛ 270/9؛ 272/15؛ 284/17؛ 290/6؛ 292/17؛ 303/14.
24-
صاحب النهاية: 213/3.
25-
الصدر السعيد: 209/2.
26-
الصدر الشهيد: 193/3؛ 194/1؛ 209/2.
27-
ظهير الدين: 208/1.
28-
العلاء العلامة: 221/11.
29-
(شيخ الإسلام) علاء الدين (269/15) .
30-
علاء الدين بدر: 284/1؛ 286/3، 5.
31-
علاء الدين السمرقندي: 260/11، 12.
32-
العمادي: 209/3؛ 210/8؛ 237/1؛ 238/7؛ 241/13؛ 272/14.
33-
قاضيخان: 204/3؛ 205/13؛ 206/5؛ 220/8؛ 305/5.
34-
القدوري: 211/4.
35-
(أبو الحسن) الماتريدي: 197/1؛ 198/1.
36-
المالكي (إسماعيل التميمي) : 216/3.
37-
المالكية: 215/12؛ 216/1.
38-
محمد بيرم الثاني: 287/6.
39-
النسفي الكبير: 193/3؛ 202/6؛ 203/6؛ 207/6؛ 210/7؛ 225/2.
أسماء البلدان الواردة في المتن
1-
بخارى: 213/6؛ 302/8.
2-
تونس بلدنا ديارنا: 190/11؛ 218/6؛ 295/7.
3-
سمرقند: 190/6، 11؛ 192/5؛ 222/1؛ 246/10؛ 270/1؛ 284/15.
4-
فرغانة: 284/15.
5-
مصر: 190/10؛ 213/6.
6-
وراء النهر: 193/3.
أسماء الكتب الواردة في المتن
1-
الأشباه: 213/5.
2-
أنفع الوسائل: 299/6.
3-
البزازية (فتاوى) : 188/1؛ 227/8؛ 235/1؛ 247/11؛ 255/11؛ 256/13؛ 257/6؛ 261/11.
4-
بغية السائل: 299/7.
5-
التاتارخانية: 267/10.
6-
الجامع: 195/5؛ 216/6؛ 295/4.
7-
جامع الفصولين: 188/1؛ 276/3.
8-
جواهر الفتاوى: 201/9.
9-
الحاوي للزاهدي: 206/1؛ 220/5، 9.
10-
حواشي جلال الدين: 205/1.
11-
الخانية: 187/11؛ 207/2؛ 248/14.
12-
الخيرية: 206/1؛ 267/16؛ 204/11.
13-
الذخيرة: 268/9؛ 276/10.
14-
العدة: 208/1؛ 222/5؛ 223/2.
15-
فتاوى خواهر زادة: 255/3؛ 258/7.
16-
فتاوى الإمام محمد بن الفضل: 280/1.
17-
الفصول (العمادية) : 188/1؛ 192/2؛ 229/2؛ 235/5؛ 236/9؛ 239/5، 16؛ 247/2؛ 251/4؛ 255/3؛ 256/6؛ 257/12؛ 258/3، 7، 14؛ 261/10؛ 265/7؛ 268/8؛ 278/5؛ 279/3؛ 284/14؛ 287/16؛ 289/1؛ 290/5؛ 292/1؛ 293/16؛ 298/3؛ 299/13؛ 300/1.
18-
فوائد شيخ الإسلام طاهر بن محمود: 268/9.
19-
الملتقط: 214/1.
20-
النوازل: 223/5.
21-
الهداية: 205/2؛ 211/2.
22-
الهندية: 246/4.
ثبت المراجع
1-
القرآن الكريم.
2-
أحمد بن حنبل: المسند. حم، بيروت، 6 أجزاء.
3-
أحمد الزرقاء: شرح القواعد الفقهية. طبعة دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1403هـ. جزء واحد.
4-
الأشباه: انظر ابن نجيم.
5-
إعلاء السنن: انظر التهانوي.
6-
الإيضاح: انظر البغدادي (إسماعيل باشا) .
7-
البخاري (أبو عبد الله محمد بن إسماعيل) : خ. الجامع الصحيح.
8-
البزازي (محمد بن محمد بن شهاب الكردي) : البزازية = الفتاوى البزازية، الجامع الوجيز طبعة على هامش الفتاوى الهندية، بيروت، الأجزاء: 4، 5، 6.
9-
البغدادي (إسماعيل باشا بن محمد أمين) : الإيضاح = إيضاح المكنون في الذيل على كشف الفنون على أسامي الكتب والفنون، دار الفكر، جزءان.
10-
هدية العارفين، أسماء المؤلفين، آثار المصنفين، دار الفكر، جزءان.
11-
البنشانجي (محمد بن) : نور العين في إصلاح جامع الفصولين. مخط. 216، مكة المكرمة. جزء واحد.
12-
البهوتي (منصور بن يونس بن إدريس) : كشاف القناع عن متن الإقناع. طبعة مكة، 6 أجزاء.
13-
التاتارخانية. انظر ابن العلاء.
14-
التاودي (أبو عبد الله محمد) : حلي المعاصم لبنت منكر ابن عاصم، دار الفكر، بهامش البهجة، جزءان.
15-
الترمذي (أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة) : السنن. تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، وعبد الرحمن محمد عثمان، القاهرة، 5 أجزاء.
16-
التسولي (أبو الحسن علي بن عبد السلام) : البهجة في شرح التحفة، دار الفكر، جزءان.
17-
التهانوي (ظفر أحمد العثماني) : إعلاء السنن. تحقيق محمد تقي العثماني، كراتشي، 3+18 جزءًا.
18-
الجامع = انظز ابن قاضي سماونة.
19-
حاجي خليفة. الكشف = كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. استانبول، 1943م، جزءان.
20-
ابن حجر الهيثمي (شهاب الدين أحمد) : الفتاوى الكبرى الفقهية، بيروت، 4 أجزاء.
21-
حسن حسني عبد الوهاب: كتاب العمر في المصنفات والمؤلفين التونسيين، مراجعة وإكمال محمد العروسي المطوي وبشير البكوش، بيت الحكمة قرطاج، الجزء الأول، جزءان.
22-
حسين خوجة: ذيل بشائر أهل الإيمان بفتوحات آل عثمان. تحقيق د. الطاهر المعموري، الدار العربية للكتاب، تونس، جزء واحد.
23-
الحطاب (محمد بن محمد المغربي) : مواهب الجليل لشرح مختصر خليل. طبعة (2) ، 1368هـ، 6 أجزاء.
24-
الحجوي (محمد بن الحسن الثعالبي الفاسي) : الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي. طبعة المدينة المنورة، جزءان.
25-
الحميري (أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم) : الروض المعطار في خبر الأقطار، القاهرة، جزء واحد.
26-
الخانية: انظر قاضيخان.
27-
الخصاف (أبو بكر أحمد بن عمرو بن مهير الشيباني) : الحيل. طبعة 1316هـ، جزء واحد.
28-
الخيرية: انظر الرملي.
29-
الدارمي (أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن) : دي. تحقيق عبد الله هاشم يماني، القاهرة، 1966م، جزءان.
30-
الذهبي (شمس الدين محمد) : التذكرة = تذكرة الحفاظ. بيروت، 1955م، جزءان.
31-
رد المحتار: انظر ابن عابدين.
32-
الرملي (خير الدين) : الفتاوى الخيرية لنفع البرية. بولاق، 1300هـ، جزءان.
33-
اللآلىء الدرية في الفوائد الخيرية. حاشية على جامع الفصولين، كراتشي، 1302هـ، مجلدان.
34-
الزركلي (خير الدين) الأعلام. بيروت، 1980. 8 أجزاء.
35-
الزيلعي (جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف) : نصب الراية لأحاديث الهداية. بيروت، 1393هـ، 4 أجزاء.
36-
الزيلعي (فخر الدين عثمان بن علي) : تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق. بولاق، 1314هـ، 6 أجزاء.
37-
سجاد حسين: مقدمة التارتارخانية. المجلد الأول.
38-
السخاوي (شمس الدين محمد بن عبد الرحمن) : المقاصد = المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة، القاهرة، 1956م، جزء واحد.
39-
السراج (محمد بن محمد الوزير) : الحلل السندسية في الأخبار التونسية. تقديم وتحقيق د. محمد الحبيب الهيلة. دار الغرب الإسلامي، 1984م، 3 مجلدات.
40-
سليم رستم باز: شرح المجلة. دار إحياء التراث العربي، بيروت، جزء واحد.
41-
السنهوري (عبد الرزاق أحمد) : الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، بيروت، 10 أجزاء.
42-
الشافعي (أبو عبد الله محمد بن إدريس) : الأم. بولاق، 1321هـ، 7 أجزاء.
43-
شرح المجلة = انظر سليم رستم باز.
44-
شلبي: حاشية على تبيين الحقائق للزيلعي. 6 مجلدات.
45-
الشوكاني (محمد بن علي الصنعاني) : نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار عن أحاديث سيد الأخيار، القاهرة، 8 أجزاء.
46-
الشيرازي (أبو إسحاق) : المهذب. مصر، جزءان.
47-
ابن أبي الضياف: الإتحاف = إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان. تحقيق محمد شمام، الدار التونسية للنشر، 1990م، 8 أجزاء.
48-
الطبراني (أبو القاسم سليمان بن أحمد) : المعجم الأوسط. تحقيق محمود بن أحمد الطحان. الرياض، 1405هـ، جزءان.
49-
الطرابلسي (علاء الدين علي بن خليل) : معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام. طبعة (2) مصر، 1393هـ، جزء واحد.
50-
ابن عابدين (محمد أمين) : رد المحتار على الدر المختار. حاشية على شرح تنوير الأبصار للحصكفي، بيروت، 5 أجزاء.
51-
عبد الرحمن عبد الله بكير: بيع العهدة بين مؤيديه ومعارضيه. طبعة (1) ، 1408هـ، جزء واحد.
52-
عبد الرحمن بن محمد بن حسين باعلوي. بغية المسترشدين في تلخيص فتاوى بعض الأئمة من العلماء المتأخرين، جزء واحد.
53-
د. عبد الستار أبو غدة: الخيار وأثره في العقود. الكويت (2) ، 1395هـ، جزءان.
54-
د. عبد السلام ذهني بك: الحيل المحظور منها والمشروع. القاهرة، 1946م، جزء واحد.
55-
ابن العلاء (عالم الأنصاري الأندريتي) : الفتاوى التاتارخانية. طبعة كراتشي، صدر منها 5 أجزاء.
56-
علي حيدر: درر الحكام. شرح مجلة الأحكام، تعريب المحامي فهمي الحسيني، بيروت وبغداد، 4 أجزاء.
57-
العمادي (أبو الفتح عبد الرحيم بن أبي بكر المرغيناني) : الفصول العمادية. فصول الأحكام لأصول الأحكام (1) مخط، 1952م اليوسفية، دار الكتب الوطنية، تونس، جزءان (2) مخط، الأحمدية، 2452. دار الكتب الوطنية، تونس، جزءان.
58-
العياضي (محمد بن محمد الباجي) . مفاتح النصر في التعريف بعلماء مصر، النشرة العلمية للكلية الزيتونية بتونس، السنة الرابعة 1976 - 1977، العدد الرابع.
59-
العيني (محمد محمود بن أحمد) : البناية في شرح الهداية، بيروت، 10 مجلدات.
60-
الفتاوى البزازية = انظر البزازي.
61-
الفتاوى الهندية = الفتاوى العالمكيدية. جماعة من الفقهاء، طبعة (3) بيروت، 1400هـ، 6 أجزاء.
62-
الفصول = انظر العمادي.
63-
قاضيخان (الحسن بن منصور بن محمود الأوزجندي) : فتاوى قاضيخان. طبعة (1) بهامش الفتاوى الهندية الأجزاء الثلاثة، طبعة (2) لاهور، 4 أجزاء، مجلدان.
64-
ابن قاضي سماونة (بدر الدين محمود بن إسرائيل) : الجامع = جامع الفصولين. كراتشي، 1302هـ، جزءان.
65-
القرشي (محيي الدين عبد القادر بن محمد) : الجواهر المضية في طبقات الحنفية. تحقيق د. عبد الفتاح محمد الحلو، مصر، 5 أجزاء.
66-
الكاساني (علاء الدين أبو بكر بن مسعود) : البدائع = بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، القاهرة، 1328هـ، 7 أجزاء.
67-
كحالة (عمر رضا) . معجم المؤلفين = تراجم مصنفي الكتب العربية، دمشق، 15 جزءًا.
68-
الكشف = انظر حاجي خليفة.
69-
كنز الدقائق = انظر النسفي.
70-
اللكنوي (محمد بن عبد الحي الأنصاري) : الفوائد البهية في تراجم الحنفية. دلهي بالهند، 1967م، جزء واحد.
71-
ابن ماجه (أبو عبد الله محمد بن يزيد) : جه. السنن. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، القاهرة، 1972م جزءان.
72-
المجلة = مجلة الأحكام العدلية.
73-
مجلة العقود والالتزامات التونسية = طبعة الشركة التونسية لفنون الرسم، 1960م، جزءان.
74-
مجمع الفقه الإسلامي = قرارات وتوصيات، 1406هـ - 1409هـ، جدة، 1410هـ.
75-
محمد البارودي: مسائل بيع الوفاء. مخط، دار الكتب الوطنية بتونس.
76-
محمد البشير النيفر: ترجمة بيرم الثاني. مقال مخطوط.
77-
محمد بيرم الثاني: التعريف بالمفتيين الحنفيين بتونس من الفتح العثماني. مخط، دار الكتب الوطنية بتونس: 58، 509، 18676.
78-
محمد الحبيب ابن الخوجة: من المخارج الشرعية المعتمدة في المعاملات المالية. أعمال الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي، 7 - 11 رجب 1407هـ/7 - 11 مارس 1987م، طبعة (1) الكويت 1410هـ.
79-
الحياة الثقافية بأفريقية صدر الدولة الحفصية. بحث مقدم لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، مجلة المجمع: ص305 - 340. مؤتمر الدورة الحادي والأربعين: 13 - 27 صفر 1395هـ/ 24 فبراير - 10 مارس 1975م.
80-
ديوان الورغي. تونس، جزء واحد.
81-
محمد بن الحسن الشيباني: المخارج في الحيل. طبعة ليبسك، 1930م، جزء واحد.
82-
محمد ابن الخوجة: تاريخ معالم التوحيد في القديم والجديد. تقديم وتحقيق الجيلاني بن الحاج يحيى وحمادي الساحلي، دار الغرب الإسلامي، 1985م، جزء واحد.
83-
صفحات من تاريخ تونس، تقديم وتحقيق حمادي الساحلي والجيلاني بن الحاج يحيى، دار الغرب الإسلامي، 1986م، جزء واحد.
84-
محمد رشاد الإمام: سياسة حمودة باشا. منشورات الجامعة التونسية، 1980م، جزء واحد.
85-
محمد سعادة: قدة العين بنشر فضائل الملك حسين بن علي. مخط، رضوانية 53، الزيتونة، مجلد واحد.
86-
محمد السنوسي (أبو عبد الله بن عثمان) : المسامرات = مسامرات الظريف بحسن التعريف، تحقيق محمد الشاذلي النيفر، تونس، 1983م، مجلد واحد.
87-
محمد الطاهر ابن عاشور: المقاصد = مقاصد الشريعة الإسلامية، تونس، 1988م، جزء واحد.
88-
محمد مطيع حافظ، مقدمة الأشباه.
89-
محمد النيفر: عنوان الأريب عما نشأ بالمملكة التونسية من عالم أديب، تونس، 1351هـ، جزءان.
90-
د. محمد يوسف موسى، البيوع والمعاملات المالية المعاصرة، مصر، 1373، جزء واحد.
91-
محمود مقديش: نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار. تحقيق علي الزواري ومحمد محفوظ، دار الغرب الإسلامي، جزءان.
92-
مخلوف (محمد بن محمد) : شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، جزءان.
93-
مسلم بن الحجاج (القشيري النيسبوري) : م. الصحيح، 5 أجزاء.
94-
المقاصد: انظر محمد الطاهر ابن عاشور.
95-
المهذب: انظر الشيرازي.
96-
الموسوعة الفقهية الكويتية.
97-
ابن نجيم (زين الدين بن إبراهيم) : الأشباه والنظائر. دار الفكر، دمشق، 1403هـ، جزء واحد.
98-
البحر = البحر الرائق شرح كنز الدقائق. طبعة العربية بباكستان، 8 أجزاء.
99-
النسائي (أحمد بن شعيب) : ن. السنن الكبرى. شرح السيوطي، بيروت، 4 أجزاء.
100-
النسفي (أبو البركات عبد الله بن أحمد) : كنز الدقائق.
101-
الهندية = الفتاوى الهندية.
102-
ياقوت (شهاب الدين بن عبد الله) : معجم البلدان. القاهرة، 1323هـ - 1324هـ، 8 أجزاء.