الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغزو الفكري
في المعيار العلمي الموضوعي
إعداد
الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور
عضو مجمع الفقه الإسلامي بجدة
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة المؤلف:
اتسمت أكثر كتابات الكاتبين الإسلاميين في العصور الحديثة حين يكتبون عن الغزو الفكري بالمعالجة العاطفية والروح الخطابية، وتغلب المنهج القديم الذي كان المسلمون يكتبون كثيرًا بمقتضاه وينظرون إلى الأمور من منظوره، وهو منهج خيالي موغل في رؤية الذات، مجانف للغة الواقع، عقيم غير منتج، طالما مشى عليه المسلمون من قبل فلم يجنوا إلا الخسارة بالرغم من أنهم على حق وأن أعداءهم على باطل، ولكن صاحب الحق إذا صرخ وبكى وغضب وزمجر لن يصل إلى ما يريد من إنصاف الناس إياه، من حيث يتقن خصمه المبطل لغة الحوار الهادئ والأغاليط، وفن الحديث فيربح الحلبة ويكسب الرهان، ويدفع المحق الثمن..، وما أتي إلا من أسلوبه العقيم القديم البالي الأهوج، وعقله الأرعن..
الواقع أن الحق شيء، والدفاع عنه شيء آخر.. الوقوف في وجه الخصم فن لا يتقنه إلا جهابذة الحكماء من العلماء الموفقين ذوي البصيرة النافذة، أولئك الذين يعتمدون دائمًا المنهج العلمي الموضوعي الهادئ، وينصفون الناس من أنفسهم، فلسنا اليوم في ساحة وغى نذكي الجنود بحماس الحرب، ولكننا في صراع فكري رهيب ومصيري، سلاحنا فيه العقل الذكي المنظم، ومنطلقنا الحق الذي نحمله وندفع عنه كيد الكائدين، ومعيارنا دائمًا المنهج العلمي المجرد.
ولقد والله يؤلمني جدّا ما أسمعه في أروقة المنتديات العلمية والمراكز الثقافية في العالم العربي الإسلامي؛ من سخرية من الكتاب المسلمين بالغمز واللمز من أسلوبهم الخطابي وطنطناتهم ومبالغاتهم ومجافاتهم مناهج البحث في هذا العصر، وبعدهم عن الموضوعية، وروح البحث العلمي المجرد، وكل ذلك سببه فيما أحسب ضيق العَطَنى وقصر النظر، وقلة الثقافة المعاصرة، والبعد عن معرفة الآخرين، وأفكارهم وأنماط سلوكهم وحياتهم، والتقوقع على الذات، والاكتفاء بالتشهير والتحقير للغير، من حيث يتخذ ذلك الغير هذا كله سلاحًا ضد المسلمين، يقول زورًا وبهتانا للناس: انظروا، أنا إنسان باحث موضوعي أريد الوصول إلى الحقيقة المجردة، وهؤلاء الكتاب المسلمون حاقدون شانئون، لا يريدون إلا محاربتي ومناصبتي العداء
…
!! فاحكموا أنتم بيننا
…
!!
أنا لا أريد للمسلم ولا سيما إذا كان كاتبًا أو عالمًا أو داعية أن يكون أسلوبه أسلوبًا سوقيًّا رخيصًا في معالجة القضايا المصيرية، فيكون قد جنى على دينه وقومه قبل كل شيء، بل أريد له أن يتأدب بأدب القرآن ، قال تعالى مخاطبًا نبيه عليه الصلاة والسلام ومعلما إياه أدب المناظرة مع المشركين الأعداء:{وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} .
فما أعظم أسلوب القرآن، وما أبعد الكتاب الإسلاميين اليوم في الأعم الأغلب عن أدب هذا الوحي الأعلى؟ !
قرأت كثيرًا مما كتب في هذا الشأن الخطير مما كتبه الإسلاميون وخصومهم. فما وجدت من انطلق من قاعدة المنهج العلمي الموضوعي المجرد، بل وجدت خطبًا بليغة، وكلمات إنشائية جميلة، وقطعًا أدبية مونقة، ولكن لم أجد العقل المتزن الهادئ الحكيم الذي يعالج الأمور من جميع أطرافها فينصف الطرف الآخر قبل أن ينصف نفسه، فالكل يتصور الطرف الآخر بل ويصوره عدوًّا، ويصور عمله غارة أو إغارة، فلماذا لا نتصوره في مجال النقاش والمناظرة خصمًا كما يقول العلماء على الأقل؟! ولا والله ما وجدت الغارة ولا الإغارة على العالم الإسلامي إلا من المسلمين أنفسهم، ولا فعل أعداؤهم بهم من الغزو الثقافي وغيره قدر ما فعلوا هم بأنفسهم.
صحيح أن هنالك دوائر للاستكبار العالمي تمكر للمسلمين وتكيد لهم، وعلى رأسها اليهودية العالمية والفكر الاستشراقي، ودوائر التبشير وغيرها، ولكن هذه الجراثيم والميكروبات لا تعمل في جسم إنسان حتى يكون فيه قابلية واستعداد لها من ضعف مقاومة أو هزال أو هشاشة وغير ذلك، فإذا كان هنالك من يكيد للمسلمين وهذا حق لا مرية فيه ، فإن هؤلاء ما بلغوا ولن يبلغوا من المسلمين ما بلغ المسلمون هم من أنفسهم، ولن يفتك الجرثوم في جسد حتى يكون الجسد مؤهلًا لذلك، مستعدًّا له.
أنا لا أدعو إلى مهادنة أعداء الإسلام وخصومه الأشداء، معاذ الإيمان، وما يكون لي ذلك!! ولكن أدعو إلى سحب البساط من تحت أرجلهم وإلى تعريتهم أمام الناس لينكشف عوارهم وزيفهم وضلالهم واللغة التي بها يتكلمون مغالطين ومخادعين، لغة العلم والمنطق والعقل.
ولا يذهبن بك الوهم قارئي الكريم فتظن أننا في طريقنا إلى وفاق أو وئام أو أنصاف حلول، لا، ولكن الشيء الذي نسعى إليه وحده هو إقامة الحجة عليهم فقط دون طمع بشيء آخر من تصديق أو ولاء.
إن الإغارة والغزو الفكري والثقافي للعالم الإسلامي ليس بجديد بل ولد مع ولادة الرسالة الإسلامية المحمدية، ولكن المسلمين كانوا من داخلهم في عافية فلم يتأثروا بالمكر والكيد الذي نفث فيهم، حتى إذا ما ضعفت النفوس، واضمحلت من الداخل روح المقاومة، وانهزم المسلم في ذاته، ظهر أثر هذا الغزو الثقافي وخطره وعقابيله.
إننا بحاجة أيها الناس إلى إصلاح البيت من الداخل، إلى إصلاح الإنسان المسلم والجماعة المسلمة، إلى لغة العقل والمنطق، إلى صفاء السريرة، وطهارة النفس الإنسانية من داخلها، وبعد ذلك لا يهمنا ألف غزو ثقافي وألف وألف، ولو غزانا أهل الأرض كلهم بكل أنواع الغزو، ومكروا بنا بكل ضروب المكر وأصنافه.
أما بعد فهذه صفحات من الغزو الفكري أضعها في ميزان المنهج العلمي الموضوعي، أقدمها للدورة السابعة لمجمع الفقه الإسلامي بجدة، لعلها تحظى بالاهتمام والدراسة المستوعبة لتصبح ورقة عمل إن شاء الله.
{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} صدق الله العظيم.
خطة البحث
أقمت البحث على مدخل وأربعة أبواب وخاتمة، ودونك التفصيل:
المدخل: التعريف بالغزو الفكري، وشواهد وجوده في العالم الإسلامي، وخطره، وأهدافه.
الباب الأول:
التيارات المعاصرة لدى المفكرين الإسلاميين في مواجهة مشكلة الغزو الفكري؛ وفيه فصلان:
1 ـ الفصل الأول: التيارات المطروحة في الساحة.
2 ـ الفصل الثاني: التيار الموضوعي المقترح.
الباب الثاني:
أساليب الغزو الفكري ومدارسه؛ وفيه فصلان:
1 ـ الفصل الأول: أساليب الغزو الفكري؛ وفيه مباحث ثلاثة:
ـ المبحث الأول: التشكيك في النصوص الدينية.
ـ المبحث الثاني: اعتماد الروايات المشكوك بها والآراء الشاذة.
ـ المبحث الثالث: أساليب أخرى في المجال التاريخي.
2 ـ الفصل الثاني: مدارس الغزو الفكري المشبوهة وفضحها؛ وفيه مبحثان:
ـ المبحث الأول: أبرز مدارس الغزو الفكري.
ـ المبحث الثاني: طرق محاربة هذه المدارس المشبوهة وفضحها.
الباب الثالث:
ظواهر الغزو الفكري، وفيه فصول ثلاثة:
1 ـ الفصل الأول: ظاهرة سوء فهم الإسلام أو سوء تعظيمه.
2 ـ الفصل الثاني: ظاهرة البديل عن الإسلام.
3 ـ الفصل الثالث: ظاهرة تهميش دور الإسلام في أهله.
الباب الرابع:
أسباب قيام الغزو الفكري والعوامل المساعدة له؛ وفيه فصلان:
1 ـ الفصل الأول: أسباب قيام الغزو الفكري في العالم الإسلامي.
2 ـ الفصل الثاني: العوامل المساعدة لقيام الغزو الفكري.
الباب الخامس:
تفتيت الغزو الفكري ورد حملاته؛ وفيه فصلان:
1 ـ الفصل الأول: الوقاية والعلاج للحالة الراهنة.
2 ـ الفصل الثاني: الغزو الفكري المعاكس.
خاتمة:
خلاصة لكل ما سبق
المدخل إلى البحث
التعريف بالغزو الفكري، وشواهد وجوده
في العالم الإسلامي، وخطره، وأهدافه
المطلب الأول: التعريف بالغزو الفكري:
الغزو الفكري هو: "مجموعة من الشبهات والأغاليط مصوغة صياغة علمية متقنة، توجه إلى عقول المسلمين بطرق مختلفة وبأيد شتى، يراد منها تشكيك المسلمين في دينهم وحضارتهم، ورجالاتهم بغية الوصول إلى تسخيرهم لمآرب عدوهم وغاياته".
المطلب الثاني: شواهد وجوده في العالم الإسلامي:
الغزو الفكري ليس جديدا في العالم الإسلامي، بل هو موجود منذ وجد الإسلام، ولكن اشتد أواره بعيد الحروب الصليبية وعلى وجه الخصوص بعد واقعة المنصورة حيث أسر لويس الرابع عشر ثم فدى نفسه ورجع إلى وطنه ،فنصح لرجاله أن يبتعدوا منذ ذلك اليوم عن المواجهة المسلحة وأن يدرسوا الإسلام وأحوال المسلمين ليصلوا إلى ثغرات ينفذون منها إلى هذا الدين وأهله، ومنذ ذلك اليوم ولد الاستشراق وداء التبشير وما يتبع ذلك من الصراع الحضاري الرهيب إلى يومنا هذا.
وشواهد وجود هذا الغزو في العالم الإسلامي لائحة واضحة، وآثاره ظاهرة للعيان تتجلى في محاولاتهم الدائبة لهزيمة المسلم من داخل كيانه بشتى الأساليب والمكر، فهم لا يطمعون في مهاجمة المسلمين بقدر ما يطمعون في تشكيكهم وتأليبهم على دينهم وأمتهم وتاريخهم ليكونوا هم معاول هدم لهذا الدين من الداخل بأيدي أهله.
والذي يدل على نيلهم بعض النجاح في بغيتهم تلك؛ إنهم تواصلوا بأساليبهم الخبيثة الماكرة إلى توظيف عقول بعد غسلها، عقول كانت من قبل يرجى أن تمتلئ بالحق، ملؤوها بالأغاليط والشبهات ثم وظفوها ضد أمتها ودينها وحضارتها من حيث استراحوا هم وربحوا الرهان، وأضحى المسلمون معهم كما قال الشاعر:
لو بغير الماء حلقي شرق كنت كالغصان بالماء اعتصاري
فليس أنكى على الأمة أن تختلس أبناءها، ثم تجندهم ضدها، وتدمرها بأيديهم ، وهم عن ذلك غافلون بالأباطيل والمغالطات يخدعون بها أنفسهم وما يشعرون.
المطلب الثالث: خطر الغزو الفكري وأهدافه:
يكمن خطر الغزو الفكري في أنه أسلم عاقبة لمن يستخدمه من الغزو المباشر العسكري أو الاقتصادي، وأقل مؤنة، وأشد نكاية وتأثيرا في المغزو، فهو يستخدم دائما الأسلوب العلمي الهادئ والحوار المفتوح، وإرادة الخير والنهضة بالآخرين، مغالطة وكذبًا وتزويرًا وتزييفًا للحقائق من باب "كلمة حق أريد بها باطل" وذلك من أجل الخديعة والمكر بالمسلمين، لذلك لا يتنبه لهذا الغزو العامة من المثقفين والبسطاء والسذج من الناس، لشدة تلبسه وخفائه ومن هنا يأتي الخطر، ثم هو أي التحدي الثقافي آخر خط للدفاع عن الإسلام والأمة الإسلامية فإذا سقط انتهى كل شيء.
لكن.. ترى؛ ما هي أهداف هذا الغزو الثقافي الخطير؟!
ليس المراد كما يتوهم البعض ويحلو لهم أن يحلقوا في الخيال الشعري، أن يُنَصِّروا المسلمين أو يهودوهم، فذلك قد انتهى زمانه وولى، وكان المراد أن يردوهم عن دينهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا إلى أي شيء من إلحاد أو علمنة أو وجودية أو دهرية أو ما شابه ذلك كي يصبحوا بلا إسلام.
إذن ليست المشكلة أن يزداد النصارى أو اليهود، لا، فهم راضون بما هم فيه، بل المشكلة أن ينقص المسملون ويقل عددهم وتضمحل مقاومتهم، ليضحوا عبيدًا لغيرهم من الأمم القوية بعد أن يرجعوا ضعفاء مزرعة لغيرهم خدمًا للآخرين.
فإذا كان الإسلام يعطي أتباعه معنى السيادة والعزة والكرامة، فلينته الإسلام من المسلمين وبأيدي المسلمين أنفسهم بشتى السبل حتى يصل الأسياد إلى ما يحلمون به من السيطرة والاستعباد والإذلال.
الباب الأول
التيارات المعاصرة
لدى المفكرين الإسلاميين
في مواجهة مشكلة الغزو الفكري
الفصل الأول: التيارات المطروحة في الساحة.
الفصل الثاني: التيار الموضوعي المقترح.
الفصل الأول
التيارات المطروحة في الساحة
ليس موضوع وجود الغزو الفكري وخطره أمرًا متفقًا عليه بين الكتاب والمفكرين المسلمين في هذا العصر، فهذه مسألة تقديرية تخضع لعوامل شتى، فضلًا عن مواجهة المشكلة؛ وسأتكلم عن التيارات الفكرية في هذا الموضوع تلك المطروحة في الساحة ودونك التفصيل:
التيارات المطروحة في الساحة:
هنالك ثلاثة تيارات لدى الكتاب المسلمين في الاعتراف بهذه المشكلة ومواجهتها:
1 ـ التيار الأول: التيار العلماني (1) ؛ وهو المعجب بالفكر الغربي المنذهل به الذي يعمل لتسود مقولات هذا الفكر فيما بين أبناء قومه، فهو إذن يرى في مقولات هذا الفكر بركة وإقبالًا، فلا يرى فيها شيئا يقال له غزو فكري بل هو تلقيح فكري جاء من قوم ذوي حضارة إلى قوم متخلفين، وسبب تخلفهم في زعمهم الدين الذي يسمونه (غيبيات) .
وهؤلاء قوم من أبناء جلدتنا ينتمون إلى العروبة، وبعضهم ينتمي شكليًّا إلى الإسلام، والجدير بالذكر أن كثير منهم من أصحاب الكلمة النافذة في أقوامهم ومن رجال الفكر والقلم!!!
فهؤلاء لا يعترفون بوجود شيء يقال له غزو فكري فضلًا عن معالجته أو مواجهته، لأنهم من أصبحوا دمى في أيدي أرباب الغزو الفكري وأدوات ووسائل، يرون في هذا الغزو ما يراه المريد الصادق من بركات شيخه لا يرى فيها أي غزو، بل يراها يمنًا وبركة وسعدًا، يشرف بها ويتسعد!!!
2 ـ التيار الثاني: وهو التيار الساذج الأبله؛ الذي يقوم في عقول السوقة والعامة وأشباه العامة، وأنصاف المثقفين وهو الذي يجنح إلى أنه يوجد غزو فكري للمسلمين، ولكنه تافه ولا قيمة له؛ لأنه مجموعة جهالات وأكاذيب سرعان ما يكتشف المسلمون زيفها وعوارها فيبتعدون عنها. ومثل هذه المقولة سببها ضيق أفق هؤلاء وغفلتهم عما يحيط بهم، وعدم تقديرهم حجم خصمهم وقوته، وهؤلاء أقرب الناس لأن يقعوا في براثن هذا الغزو الثقافي الخطير.
3 ـ التيار الثالث: وهو قريب من التيار الثاني ولكنه مصحوب بكثير من التساهل والتواكل وترك العمل بالأسباب اعتمادًا على قوة الإسلام، فهم يقولون: إنه يوجد غزو فكري ماكر وقوي، ولكن لن يضرنا ما دمنا مع الله، والإسلام دين الله وهو الحق، فلن يؤثر فيه مكر الماكرين، وكيد الكائدين، وغزو الغزاة المارقين!!
والحق أن هؤلاء لن يضرونا بشيء إذا كشفنا أغاليطهم وضلالاتهم، وإلا فلماذا هاجم القرآن الكريم مقولات خصومه، وفندها ورد عليها، فلو كان الأمر كما يقولون لتجاهلها القرآن الكريم وأعرض عنها (2) .
(1) العلمانية شيء غير العلم، فالعلمانية يقابلها الإيمان، والعلم يقابله الجهل، فالعلمانية في جوهرها هي (توظيف المقولات العلمية المحايدة لتأييد فكر مناهض للدين على وجه العموم وللإسلام على وجه الخصوص) ، ولكنها لا تظهر للناس على هذه الشاكلة من الحقيقة المجردة بل تلبس لبوسًا مخادعًا فيقال عنها من لدن أنصارها (فصل الدين عن الدولة) أي الدين للأفراد فقط وليس للحكم ولا للجماعة
(2)
انظر رد القرآن الكريم على مقولات أهل الكتاب في سورة البقرة، وآل عمران، ورد القرآن الكريم على المنافقين في سورة البقرة والنور والمنافقون وغيرها
الفصل الثاني
التيار الموضوعي
يتمثل هذا التيار عند بعض المفكرين الإسلاميين ـ وهم قلة ـ في قيام غزو فكري للعالم الإسلامي قوي ماكر ومنظم وخطر، له رجاله ومخططوه ومدارسه وأساليبه وطرقه وأهدافه وغاياته.
تخطيطه غالبا من خارج العالم الإسلامي وتمويله، بينما تنفيذه من داخل المسلمين بأيديهم وأيدي أهله وأبنائه من الذين هزموا من الداخل وفقدوا الهوية الإسلامية، وفقدوا ذواتهم أولًا ففقدوا بعدها كل شيء.
والمفروض لدى هؤلاء المفكرين وصاحب السطور منهم أن لا يترك الأمر على عواهنه، بل أن يعد للأمر عدته وأن يبحث بتأن وترو عن أسباب هذا الغزو ووسائله، وأن يدرس الدارسة العلمية المتأنية المستوعبة ليصار إلى مواجهته بأساليبه وأدواته التي غزانا بها، فنقابل الغزو الفكري بدفاع متين ثم بغزو فكري معاكس.
الباب الثاني
أساليب الغزو الفكري ومدارسه
الفصل الأول: أساليب الغزو الفكري.
الفصل الثاني: مدارس الغزو الفكري المشبوهة.
الفصل الثالث: طرق محاربة هذه المدارس المشبوهة وفضحها.
الفصل الأول
أساليب الغزو الفكري
يعتمد الغزو الفكري للإسلام منهجين اثنين للوصول إلى غايته في هدم الإسلام وتقويضه من الداخل، وسأذكر هذين المنهجين في مبحثين اثنين، ودونك التفصيل:
المبحث الأول
التشكيك في النصوص المقدسة في المجال الديني
(أ) التشكيك في القرآن الكريم
شكك الغزاة في القرآن الكريم من جهة نزوله، ومن جهة موضوعاته، ومن جهة إعجازه، ومن جهة معانيه وأحكامه، ومن جهة لغته، وغير ذلك.
وأبرز ذلك كله؛ التشكيك في أمور ثلاثة:
1 ـ في نسبة القرآن إلى الله عز وجل.
2 ـ وفي متن الآيات.
3 ـ وفي شخصية محمد عليه السلام.
أما في نسبة القرآن الكريم إلى الله عز وجل فقالوا: إن القرآن ليس وحيًّا من عند الله، ولكنه من عند محمد فهو من نوادر الأعمال الإنسانية الرائعة ، وأنه مقتبس من التوراة والإنجيل وأنه لذلك ليس معجزًا لا في نظمه، ولا في معانيه.
وأما في متن القرآن فقالوا إنه حرف وبدل، وإنه متناقض ومتعارض بعضه مع بعض ، وإن في نصه أخطاء كثيرة علمية وتاريخية ولغوية وأخلاقية (1) ، ولا مجال للرد على هذه المفتريات الآن بل العمل على الكتب المتخصصة.
وأما في شأن شخص النبي صلى الله عليه وسلم فمن أحسن الكتب التي دافعت عن النبي صلى الله عليه وسلم كتاب (خاتم النبيين) للأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله.
(ب) المطلب الثاني: التشكيك في السنة المشرفة:
وأما السنة فلقد صوب إليها الغزاة من السهام أكثر مما صوبوا للقرآن الكريم، ذلك لوجود البعد البشري في السنة، فشككوا في الصحابة الكرام في عدالتهم وضبطهم اعتمادا على بعض الروايات الواهية الساقطة والمقولات الهابطة. وشككوا في بعض الأحاديث النبوية مدعين تناقضها بعضها مع بعض، أو مخالفتها للعلوم الحديثة ومقولاتها الطبيعية، وشككوا كذلك في علم مصطلح الحديث، وفي رجال الحديث وأئمته الجهابذة، ورجال الجرح والتعديل.
وانظر في ذلك كتابًا نفيسًا ألفه الدكتور محمد محمد أبو شهبة اسمه: (دفاع عن السنة) تجد طلبتك إن شاء الله تعالى فأحيلك عليه؛ لأن المحل محل اختصار.
(1) انظر: الفكر الإسلامي الحديث، للدكتور محمد البهي، وحقائق الإسلام وأباطيل خصومه، للعقاد
المبحث الثاني
اعتماد الروايات المشكوك بها والآراء الشاذة في المجال التاريخي
لا يزال الغزاة يتمسكون بالمنهج التاريخي تاركين وراءهم ظهريًّا المنهج الإسلامي العلمي في تنخل الرواية، وهذا هو منهج مدرسة الاستشراق وأذنابها من المأجورين في بلادنا، ولقد تحدثت بما فيه الكفاية عن هذا الموضوع الخطير في كتابي (من ذخائر الفكر الإسلامي) فليرجع إليه (1) .
(1) انظر: من ذخائر الفكر الإسلامي للمؤلف
المبحث الثالث
أساليب أخرى ماكرة للغزو الثقافي
1 ـ الحيلولة بين المسلمين وتمكنهم من التقنية الحديثة، فإذا لم يستطع الغزو الثقافي ذلك عمد إلى تزهيدهم فيها، وإذا فرضت عليه مصلحة تمكين المسلمين من بعض تقنية العصر حرص على تلويثها بما يفقدهم أصالتهم فيصبحون بها قوة مضافة إلى قوته.
2 ـ ومن أساليبه أيضا إثارة النعرات العرقية باسم إحياء الحضارات القديمة والتراث القومي للشعوب والأمم.
3 ـ ومن ذلك محاربته اللغة العربية وتشويهه للتاريخ الإسلامي والنيل من عظمائه وعلمائه.
4 ـ ومن ذلك استغلال وسائل الإعلام لترسيخ القيم الاستهلاكية الغربية في المجتمعات الإسلامية.
5 ـ ومن ذلك إزالة القدسية عن النصوص الدينية والفكر الإسلامي بتصنيفه ضمن التراث الإنساني العام.
6 ـ وجعل المسلمين دائمًا في حالة دفاع واستجابة مستمرة للتحدي.
الفصل الثاني
مدارس الغزو الفكري المشبوهة وفضحها
أبرز مدارس الغزو الفكري ثلاثة: العلمانية، والحداثة، والاستشراق.
المبحث الأول
العلمانية
(أ) العلمانية في التاريخ:
في غمرة صراع مرير وقاس بين بعض حكام أوروبا في القرون الوسطى وبين نظام كنسي اتسم بالطغيان والأنانية والشر والفساد وهو إلى ذلك يضفي على نفسه حلة العصمة والقداسة باسم الدين ويغلو في استغلال الدين استغلالًا شائنًا، ثار العقلاء والأحرار، وأعلنوا فصل الدين عن الدولة هناك، وانطلقوا يسيرون شؤونهم بمنأى عن تلك السلطة القائمة.
وجاء الاستكبار الصليبي العسكري والسياسي الحديث للبلاد الإسلامية التي ليس فيها شيء من تلك الأوضاع السيئة التي دعت إلى فصل الدين عن الدولة في أوروبا، فدعت في بلاد المشرق الإسلامي إلى فصل الدين عن الدولة فأبعد الإسلام عن جميع الميادين، وحصلت ازدواجية في كل شيء، حتى حرر المسلمون أنفسهم بالجهاد الإسلامي من ربقة هذا الاستكبار وجدوا أنفسهم أمام تركة ضخمة من القوانين، وجيش جرار من ضحايا الغزو الثقافي في ميدان الفكر، يحرضونه على المحافظة على المستورد من تلك القوانين ولو ناقض دين الأمة وحضارتها بلا أي مبرر.
(ب) العلمانية في العصر الحديث:
لئن كانت العلمانية ضرورة أو حاجة في أوروبا أمام طغيان سلطان الكنيسة فلا حاجة لنا بها نحن المسلمين لأنه ليس عندنا كهنوت ولا كنيسة، ولا يملك أحد لأحد مغفرة ولا جنة ولا حرمانًا، فالإسلام يختلف عن غيره بهذه البساطة والفطرة.
ولكن الغزاة أرادوا إزالة الإسلام من الحلبة، فهم يخشونه ويخافون منه ويحسبون له ألف حساب، ولذلك أقنعوا الناشئة من شبابنا بقضية فصل الدين عن الدولة، واستبقاء الدين للعبادة فحسب وعزله عن مكانته القيادية في المجتمع الإسلامي فأحدثوا فكرة العلمنة وروجوا له بشكل ملحوظ حتى أصبحت لدى أكثر ناشئتنا من المسلمات لأنهم أفاقوا عليها لا يعرفون غيرها ، فظنوا أنها هي القاعدة والأصل، ولم يعلموا أنها دواء وصف لمرض في غير بلادنا ولغير أقوامنا..!! (1) .
(1) انظر في ذلك كتاب (الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي) للدكتور محمد البهي في مواطن متعددة
المبحث الثاني
الحداثة
الحداثة أو (تحديث الإسلام) دعوة استكبارية معادية للإسلام ظاهرها جميل براق وحقيقتها سم رعاف تعد رد فعل عنيفًا على الإسلام، ومعنى ذلك (تهجين الإسلام ومسخه) أو (قصره على الأمور شكلية) وتفريغه من محتواه.
والأنكى من ذلك ما يقوله هؤلاء: إن تطبيق الشريعة الإسلامية يعد تطرفًا ، وهو شعار تردده وسائل الإعلام وأبواق الدعاية الغربية وبعض ما يصدر في البلاد الإسلامية نفسها.
ومن دعوة الحداثة الزائفة هذه تفسير النصوص الدينية بالتفاسير الاعتباطية المدسوسة المسمومة مما يفرغ الدين من محتواه الأصلي وجعله جرابًا يوضع فيه ما يريد هؤلاء من الأفكار المستوردة الغربية عن الإسلام باسم الإسلام الحديث أو تحديث الرؤية الدينية، ومن ذلك كتب طبعت ونشرت لكتاب مسلمين عرب ثبت بالدليل القاطع أنهم لم يكتبوا شيئًا من ذلك وإنما كتب في غير بلاد المسليمن ومن دوائر استشراقية بحتة، واستأجروا لها من يكتب اسمه عليها من العرب المسلمين حملة الدرجات العلمية الرفيعة.
إننا ندعو إلى تحديث الأساليب في عرض الإسلام من صياغة جديدة وابتكار جذاب، وما شاكل ذلك. أما في جوهر الإسلام وثوابته فلا، وألف لا.
وهل دخلت النحل والأديان الزائفة إلى عقول الناس إلا من هذا الباب
…
!!
المبحث الثالث
الاستشراق
وأما الاستشراق فهو أخطر مدرسة لمحاربة الإسلام بالإسلام فالاستشراق هو تلك الدوائر التي رصدت لها العقول والأموال وتوفرت على دراسة الإسلام دراسة ناقدة لتبحث عن الثغرات، ورجالها غالبًا من اليهود أو من رجال الكنيسة، فالدفاع ليس علميًّا بل ديني بحت.
ولقد ظهر من هؤلاء نيكلسون شيخ الاستشراق الذي كتب في التصوف الإسلامي بروح نصرانية فحور وبدل وغير وافترى على الحقيقة العلمية المجردة، وجاء بعده تلاميذه وأتباعه، وهم إلى يومنا هذا لا يفتأون يكذبون على الإسلام ورسول الإسلام ، ومن هؤلاء كارل بروكلمان وأضرابه.
وأشهد أنه كان منهم منصفون؛ فمنهم من أسلم مثل د. روجيه جارودي وموريس بوكاي، ومنهم من بقي على دينه مع الإنصاف للحق.
وبالجملة؛ فالاستشراق في جملته إحدى الوسائل والأساليب المعتمدة للغزو الفكري الثقافي للإسلام في الماضي والحاضر.
الفصل الثالث
طرق محاربة هذه المدارس المشبوهة وفضحها
المبحث الأول
الوعي الفكري الإسلامي وانتشاره
هذا الوعي الفكري أضحى أمرًا ضروريًّا للمسلمين اليوم، ولا يقوم به إلا المفكرون المسلمون من العلماء ذوي الوسطية والاعتدال.
والواجب على هؤلاء المفكرين نشر هذا الوعي الفكري بين المسلمين بكل طرق النشر من خطابة وتدريس وكتابة وتأليف، والواجب على المسلمين مساعدة هؤلاء المفكرين في رسالتهم تلك حتى تؤتي أكلها وتعطي ثمراتها.
كما ينبغي كتابة الرسائل والردود العلمية وطبعها وتوزيعها، والعمل على ترجمتها للغات الحية.
المبحث الثاني
إقامة المراكز العلمية ودور الدرس والتحصيل
هذا؛ ومن أهم طرق محاربة هذه المدارس المشبوهة:
(أ) فتح المدارس والمعاهد العلمية الشرعية والكونية مع الإشراف على المناهج.
(ب) وإقامة الجامعات والكليات الإسلامية، ودعمها حسيًّا ومعنويًّا.
(جـ) وبناء المراكز العلمية وإقامة المحاضرات، وإصدار المجلات الإسلامية الحديثة بأقلام واعية.
الباب الثالث
ظواهر الغزو الفكري
الفصل الأول: ظاهرة سوء فهم الإسلام أو سوء توظيفه.
الفصل الثاني: ظاهرة البديل عن الإسلام.
الفصل الثالث: ظاهرة تهميش دور الإسلام في أهله.
الفصل الأول
ظاهرة سوء فهم الإسلام أو سوء توظيفه
من أبرز ظواهر الغزو الفكري ظاهرة سوء فهم الإسلام بحيث يصبح الإسلام في نظر أهله ومعتنقيه طقوسًا مجردة خاوية لا روح فيها، لا تقدم ولا تؤخر، فهي مبتسرة جوفاء، سرعان ما ينذبها المثقف اللقن لأنه لا يوجد فيها طلبته في هذا العصر.
وسوء فهم الإسلام عادة يكون عند كثير من المتدينين ومن لف لفهم، ولذلك يكونون دائمًا مثلًا سيئًا منفرًا، وهو المطلوب.
ومثل هؤلاء يحرص أصحاب الغزو الفكري ورجاله على إبرازهم وإعطائهم حجمًا في المجتمع الإسلامي أكبر من حجمهم الحق للتشويه فقط والتنفير من الإسلام.
ومثل سوء الفهم سوء التوظيف للإسلام: فهنالك مستغلون من الساسة والتجار ومحترفي السياسة ورجال الأعمال يتخذون من الدين مطية لمآربهم، فهؤلاء وأمثالهم يبرزهم الغزاة على أنهم قادة الفكر الإسلامي وزعماؤه، ليبعدوا الناس عن الإسلام الذين هم هؤلاء المستغلون رجاله والدعاة إليه!!
الفصل الثاني
ظاهرة البديل عن الإسلام
هنالك من المفاهيم الوطنية القومية ما يحمده الإسلام ويقره عنصرًا رديفًا مؤيدًا، فلا يصلح لأن يكون عقيدة أو دينًا، وذلك كالقومية العربية، والولاء للوطن، والشهادة في سبيل الله، وما إلى ذلك.
ولكن رجال الغزو الفكري يتقصدون أن يبالغوا في هذه القضايا، ويحلو لهم لغاية في أنفسهم أن يجعلوا منها بدائل عن الإسلام.
فنصبوا من القومية العربية التي نعتز بها كلنا دينًا بديلًا عن الإسلام، بحيث صار الإسلام من مقومات القومية العربية وليس العكس.
ونصبوا من الوطنية وثنًا يعبد من دون الله ـ حاشا لله ـ كما قال شاعرهم:
لو بدا لي موطني وثنًا لهممت أعبد ذلك الوثنا!!
وقس على ذلك الشهادة والشهداء، والأمة والدولة،
…
فهذه المفاهيم على ضرورتها للمجتمعات الإنسانية، لا تصلح دينًا ولا عقيدة ولا فكرًا؛ لأنها تفتقر إلى مقومات ذلك، فكيف تصلح بدائل عن الإسلام؟!
والعجب من بعض المسلمين من المفكرين والكتاب والأدباء من يدعو إلى هذه المبالغات الجوفاء التي ظهر عوارها وانكشف زيفها وباطلها وبهرجها.
الفصل الثالث
ظاهرة تهميش دور الإسلام بين أهله
بقي من الظواهر تهميش دور الإسلام بين أهله؛ ومعنى ذلك أن يجعل دور الإسلام في الحياة الاجتماعية مقتصرًا على توافه الأمور وصغائرها، فتصغر مساحته فوق خارطة العمل الوطني، وتضعف قيمة كلمته بإفقارهم وتجويعهم، ووضعهم دائما في مؤخرة الركب، وهذه خطة ماكرة وضعها خصوم الإسلام زمن الاحتلال العسكري والسياسي فلما ذهبوا بقيت بيد أذنابهم وتلاميذهم.
ألا وإن دور الإسلام دور رائد، فالإسلام ليس قزمًا ودوره ليس هامشيًّا، ولو سعى إلى ذلك خصوم الإسلام وغزاة الفكر الإسلامي وجب أن نسعى إلى ذلك بكل ما نستطيع.
الباب الرابع
أسباب قيام الغزو الفكري
والعوامل المساعدة له
الفصل الأول: أسباب قيام الغزو الفكري في العالم الإسلامي.
الفصل الثاني: العوامل المساعدة لقيام الغزو الفكري.
الفصل الأول
أسباب قيام الغزو الفكري في العالم الإسلامي
تكاد تنحصر هذه الأسباب في ضربين: أسباب خارجية، وأسباب داخلية، ودونك التفصيل:
المبحث الأول
الأساب الخارجية للغزو الفكري
تتجلى هذه الأسباب الخارجية فيما يلي:
1 ـ الطمع في خيرات العالم الإسلامي ونهبها عن طريق استعباد المسلمين.
2 ـ إذلال المسلمين لشفاء الأحقاد في نفوسهم على الإسلام.
3 ـ تسخير المسلمين لرغبات السادة المستعبدين.
4 ـ المكر للمسلمين للعداوة الدينية المتأصلة في نفوس الغزاة.
5 ـ إضعاف شأن المسلمين وشوكتهم كي لا يفكروا يومًا بمقارعة أعدائهم.
المبحث الثاني
الأسباب الداخلية للغزو الفكري
وتتجلى في ما يلي:
1 ـ وجود الاستعداد الواضح في العالم الإسلامي لقبول مقولات الغزو الفكري، فالغزو كالجرثوم لا يفتك في البدن إلا بوجود الاستعداد في البدن لقبوله.
2 ـ الخواء الفكري عند المسلمين، بحيث قد يوجد العلم ولا يوجد الفهم أي حسن التوظيف لذلك العلم كما قال تعالى:{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} .
3 ـ الخواء الأخلاقي والتربوي لدى كثير من الناشئة المسلمين لفقدان التربية الحق.
الفصل الثاني
العوامل المساعدة لقيام الغزو الفكري
هنالك نوعان من العوامل المساعدة، نوع في الدعاة إلى الإسلام من العلماء، ونوع في الأمة.
المبحث الأول
العوامل المساعدة في الدعاة إلى الإسلام
وتظهر فيما يلي:
1 ـ انعدام الوسطية (1) وظهور كل من طرفي الغلو والانحلال.
2 ـ فشو الخلاف (2) المذموم وانتشاره بين الكتاب والعلماء.
3 ـ عدم التكامل (3) في شخصية العلماء الدعاة في الأعم الأغلب بحيث ينقص العالم الداعية عنصر من العناصر المهمة في دعوته وهي ثلاثة: العلم الصحيح، والتربية الصحيحة، وشروط الدعوة إلى الله وروحها.
وعدم التكامل هذا يورث نقصًا أو ازدواجية في شخصية الداعي تحدث خللًا في دعوته يؤثر ليحدث قابلية لغزو فكري معادٍ.
(1) انظر كتابي: خصائص الفكر الإسلامي في مواضع متعددة
(2)
انظر كتابي: معيار المعايير أو أصول الخلاف العلمي
(3)
انظر كتابي: من ذخائر الفكر الإسلامي
المبحث الثاني
العوامل المساعدة في الأمة الإسلامية لقيام الغزو الفكري
1 ـ نالت الشعوب الإسلامية استقلالها السياسي ولكن الكثير منها لم تحقق استقلالها الثقافي والتربوي فاحتفظت بنقاط ضعف فيها كثير من الازدواجية والانشطار بين العلم والدين وبين العلم والأخلاق، حتى العلم لم يعد هو المقصود لذاته بين الناشئة بل الشهادات فقط ولو بغير علم وهذا أمر خطير.
2 ـ وكذلك الفراغ التربوي في كثير من بلاد العالم الإسلامي فنسبة الأمية عالية في معظم البلاد الإسلامية، والكثيرون محرومون من تربية تنمي مواهبهم.
3 ـ يبقى لدينا عامل مهم جدًّا وهو ربط الحقيقة العلمية بالحقيقة الدينية، فهذا أمر شبه مفقود في العالم الإسلامي إلا في القليل النادر، فالتعليم الصحيح هو الذي يمر على الإيمان والقلب قبل أن يمر على الفكر والعقل.
الباب الخامس
تفتيت الغزو الفكري ورد حملاته
الفصل الأول: الوقاية والعلاج للحالة الراهنة.
الفصل الثاني: الغزو الفكري المعاكس.
الفصل الأول
الوقاية والعلاج للحالة الراهنة
أرى ـ والله أعلم ـ الوقاية والعلاج لما عليه المسلمون اليوم من آثار الغزو الفكري يكمن في أمرين اثنين:
1 ـ الوسطية بمعناها الإسلامي الشامل في الأمة ومفكريها وعلمائها.
2 ـ والتكامل في فهم الإسلام.
فإذا ألحقنا بهذين الأمرين عنصرًا مساعدًا لهما وهو:
3 ـ الوعي الإسلامي العام بمفهومه الكلي.
نكون قد وضعنا سدًّا منيعًا في وجه أي غزو ثقافي أو فكري مهما كان مصدره، ومهما كانت رجاله وأصحابه.
الفصل الثاني
الغزو الفكري المعاكس
ولعل أعظم أسلوب للدفاع هو الهجوم.
فلماذا لا نهاجم فكريًّا وثقافيًّا ولدينا الوسائل، والأدوات والقدرات..!!
وأجل ما نهاجم به ثلاثة أمور:
(أ) افتتاح الجامعات الإسلامية في بلادنا وبلادهم وتخريج أجيال من العلماء الواعين الدعاة معهم العلوم والإجازات مع الشهادات العالية والدرجات الجامعية.
(ب) وافتتاح دوائر لدراسة الاستشراق ومقارنة الأديان ويتوفر على هذه الأمور الممهمة برجال من التخصصين بالدراسات الإسلامية.
(جـ) وافتتاح مراكز ثقافية متكاملة (جامع وجامعة، ومعهد ومدرسة وقاعات للمحاضرات ومكتبة) كلها في مبنى واحد، في بلاد الإسلام وفي بلاد الغرب تقوم عليها خيرة أهل التخصص في العلوم الإسلامية معهم لغات أجنبية ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله.
خاتمة
خلاصة لكل ما تقدم
وفي الختام؛ أستطيع أن أوجز البحث في عناصر:
1 ـ الغزو الفكري حقيقة قائمة لها من يؤيدها، وهي خطر على الأمة الإسلامية إن لم يتدارك، وهو أمر قائم ومنظم وخطر ، تخطيطه من خارج البلاد الإسلامية وتنفيذه من داخلها.
2 ـ أساليب الغزو الفكري التشكيك في الحقائق الإسلامية بينما مدارسه المشبوهة هي العلمانية والحداثة والاستشراق.
3 ـ ظواهر الغزو الفكري: سوء فهم الإسلام أو سوء توظيفه، وظاهرة البديل، وظاهرة التهميش.
4 ـ أسباب قيام الغزو الفكري: الاستعداد من الداخل ، والمكر من الآخرين.
والعوامل المساعدة له: انعدام الوسطية ، والخلاف المذموم ، وعدم التكامل في اختيار الدعاة.
5 ـ تفتيت الغزو الفكري ورد حملاته، الواقية والعلاج للحالة الراهنة، والهجوم على الغزو الغربي بغزو فكري معاكس.
هذه أبرز القضايا التي بحثت في هذه العجالة المتواضعة ، فإن أصبت فمن الله وله الفضل والمنة، وإن أخطأت فمني وأستغفر الله تعالى وأستقيله ، فإن أصبت فلي أجران؛ وإن أخطأت فحسبي الأجر الواحد.
{إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} صدق الله العظيم.
الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور
أبرز مصادر البحث ومراجعه
1 ـ البهي (د. محمد) : الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي.
2 ـ العقاد (عباس محمود) : حقائق الإسلام وأباطيل خصومه.
3 ـ خالدي وفروخ (د. مصطفى خالدي ود. عمر فروخ) التبشير والاستعمار.
4 ـ أبو زهرة: (محمد) : خاتم النبيين.
5 ـ الفرفور (محمد عبد اللطيف) : خصائص الفكر الإسلامي.
من ذخائر الفكر الإسلامي.