الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بطَاقات الائتمان
إعدَاد
الدكتور محمَّد علي القري بن عيد
مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
جامعة الملك عبد العزيز – جدّة
بسم الله الرحم الرحيم
مقدمة:
انتشرت بطاقات الائتمان انتشارًا واسعًا في السنوات الأخيرة، وصارت من النشاطات المهمة للبنوك والمؤسسات المالية، ومن الحاجات الأساسية للأفراد في المجتمعات المتقدمة والنامية. وقد بلغ من انتشارها أن عدد البطاقات الائتمانية المصدرة في بريطانيا فقط قد زادت في سنة 1987م عن 31.5 مليون بطاقة، ووصلت إلى 85 مليون بطاقة في اليابان في سنة 1985، ويعتقد أن عدد البطاقات على مستوى العالم قد وصل إلى نحو 800 مليون بطاقة، أما في الولايات المتحدة فقد قارب عدد البطاقات المصدرة ضعف عدد السكان في نفس العام.
كما بلغ الائتمان الذي ولدته بطاقات الائتمان في الولايات المتحدة في سنة 1986 نحو 275 بليون دولار. وفي سنة واحدة (1989م) حققت شركة أمريكان إكسبريس من عمليات إصدار البطاقة الائتمانية وإدارتها أرباحًا صافية قدرت بمبلغ 500 مليون دولار، بينما حقق بنك سيتي (Citibank) أرباحًا صافية من إصداراته لتلك البطاقات وصلت في نفس العام إلى 600 مليون دولار.
وتصدر البطاقات الائتمانية مئات البنوك (وربما أكثر من ذلك) ، ويقبلها ملايين التجار والمحلات التجارية وشركات الطيران والفنادق
…
إلخ في كل أنحاء العالم.
نبذة تاريخية:
ظهرت بطاقات الائتمان في بداية القرن العشرين عندما بدأت بعض الفنادق في الولايات المتحدة بإصدار بطاقة لزبائنها المفضلين الذين يحتاجون إلى الإقامة في الفندق في مرات متكررة، وكان الغرض من تلك البطاقة تسهيل معاملاتهم واختصار وقتهم. ثم قامت بعض المحلات التجارية وبعض محطات الوقود في العقد الثاني من القرن بإصدار بطاقات مشابهة لنفس الغرض.
وكانت المنافع المتحققة من تلك البطاقات هي تسهيل الإجراءات وتوفير الراحة للزبائن الممتازين، ومن طرف العميل المباهاة بحمل البطاقة والحصول على الائتمان. وقد استمر التوسع في إصدارها في السنوات التي تلت الحقبة.
ثم توقف العمل تمامًا بتلك البطاقة خلال الحرب العالمية الثانية بسبب القيود الحكومية في أمريكا على الائتمان وعلى الإنفاق الاستهلاكي. ولما رفعت تلك القيود بعد الحرب عاد مصدرو تلك البطاقات إلى نشاطهم وتوسع العمل بها حيث شمل شركات الطيران والقطارات. وفي سنة 1949م ظهرت أول شركة متخصصة في إصدار البطاقات وهي شركة داينرز كلوب (Diners Club) ، وقد اقتصرت في البداية على إصدار بطاقة خاصة برواد المطاعم، ثم ظهرت أمريكان إكسبرس (American Express) وكارت بلانش (Carte Blanch) . وفي سنة 1951م انتقلت عملية إصدار البطاقات إلى البنوك حيث بدأ بنك فرانكلين في نيويورك (Franklin National Bank) بإصدار البطاقة، وفي نحو سنتين زاد عدد البنوك المصدرة للبطاقات في الولايات المتحدة عن 100 بنك، ونظرًا إلى عدم تطور سوق البطاقات لم تحقق أكثر تلك البنوك أرباحًا تذكر فترك أكثرها هذا النشاط ولم يزد عدد البنوك المصدرة للبطاقات من تلك المائة في سنة 1967م عن 27 بنكًا.
ولقد اخترعت البنوك صيغة أخرى للائتمان الاستهلاكي أدت فيما بعد إلى تطور كبير في بطاقات الائتمان، هي ما سمي بالائتمان من الحساب الجاري (Ckeek-Credit plans) والذي بدأه بنك (First National Bank of Boston) في الولايات المتحدة في سنة 1955م. وتركز الغرض منه في إيجاد طريقة للاقتراض الأتوماتيكي للأفراد من البنوك التي تحتفظ بحساباتهم. ولقد صاحب ذلك أيضًا انتشار ما سمي بضمان الشيك (Cheque Guarantee Card) حيث يضمن البنك للمستفيد دفع مبلغ الشيك الذي يحرره حامل البطاقة المذكورة (والذي يكون غالبًا من العملاء الممتازين) حتى لو أدى ذلك إلى كشف حسابه. فلما اجتمعت الفكرتان ظهرت بطاقة الائتمان مرة أخرى بقوة في عقد السبعينات، ودخلت البنوك العالمية الكبرى في إصدارها لأنها تتضمن نشاطًا مشابهًا في طبيعته لغرض البنك وهو الإقراض. فكان أن بدأ بنك أمريكا (Bank of America) وبنك شيز (Chase) الذي كان يسمى عندئذٍ (Chase Manhatten) وهما أكبر بنكين في العالم في ذلك الوقت في إصدار البطاقات، فكان أن ظهرت بطاقة (Bank Americard) من الأول وانتشرت أيما انتشار، فاتفقت، كرد فعل لذلك النجاح، بعض البنوك على تأسيس جمعية تعاونية تصدر بطاقة منافسة، فظهرت ماستر كارد (Master Card) والتي كانت مملوكة في الأصل لبنك فيرست ناشيونال في لوزفيل بولاية كنتكي الأمريكية (First National Bank of Luisville) فصادفت نجاحًا منقطع النظير أدى إلى تحول الأولى إلى جمعية تعاونية تصدر بطاقة جديدة باسم فيزا (Visa) بدلًا عن (Bank Americard) وأضحت مع الثانية أكثر البطاقات انتشارًا في العالم ومثلتا في الولايات المتحدة نحو 75 % من سوق البطاقات الائتمانية في سنة 1986م. وقد اعتمدت البطاقتان المذكورتان على طريقة جديدة وهي أن تكونا جمعيات تعاونية يملكها الأعضاء وهم البنوك المصدرة ويحق لكل بنك أن يكون عضوًا بمجرد إصداره للبطاقة. ويتنازل للجمعية (التي تكون مهمتها رعاية مصالح الأعضاء) عن جزء من دخله المتولد من الإصدار.
صيغة البطاقة الائتمانية:
هناك أنواع كثيرة ومتعددة من الصيغ الائتمانية المصدرة على شكل بطاقة، ومرد هذا التنوع هو اختلاف الشروط التي تشكل بمجملها العلاقة التعاقدية بين الأطراف المتعاملة بالبطاقة. ولكن يمكن بشكل عام إجمال أنواع البطاقات إلى ثلاث، تشترك في صفات وتختلف في صفات، وسنبدأ في شرح الصفة العامة لكل البطاقات الائتمانية ثم نوضح للفروق، علمًا بأن شكل البطاقة واسمها لا يكشف بالضرورة حقيقتها لأن ذلك يعتمد على شروط العقد. فلا يمكن القول مثلًا أن بطاقة فيزا (Visa) متشابهة عند كل مصدر، بل إن في شروطها اختلافًا رغم أن كل المصدرين أعضاء في جمعية فيزا.
تعريف:
البطاقة علاقة بين ثلاث أطراف (1) ، الأول مصدر البطاقة وهو في الغالب بنك والثاني حاملها والثالث هو التاجر الذي يقبلها بدلًا من النقود.
فعندما يرغب حامل البطاقة شراء سلعة (2) أو خدمة (3) أو الحصول على النقود (4) ، فما عليه إلَّا أن يبرز تلك البطاقة فيقوم الطرف الثالث (الذي يقدم له السلعة أو الخدمة أو النقود ويسمى التاجر) بتسجيل رقم بطاقته وتوقيعه على قسيمة تبين ثمن تلك السلعة أو الخدمة وتاريخ تقديمها بعد أن يتأكد من صحة المعلومات المتعلقة بهويته وتاريخ انتهاء صلاحية البطاقة. ثم يقوم التاجر بتقديم تلك القسيمة إلى الطرف الأول (مصدر البطاقة) فيحصل على المبلغ المدون عليها مطروحًا منه رسم يمثل نسبة تتراوح بين 1 % إلى 8 % (5) . والمصدر للبطاقة (الطرف الأول) ملتزم بدفع المبلغ بمجرد التأكد من دقة البيانات بصرف النظر عما إذا كان حامل البطاقة قد سدد للبنك (المصدر) أم لم يفعل، فهو ضامن للمبلغ تجاه التاجر (6) . ثم يقوم الطرف الأول بإرسال فاتورة إلى حامل البطاقة (مرة في كل شهر) تتضمن جميع مشترياته بالبطاقة وتطالبه بدفعها. ويبين العقد الذي يتم بناء عليه حصول الفرد على البطاقة شروط الإصدار، ومنها الحد الأعلى من الائتمان الذي يمكن أن توفره البطاقة له كثمن لمشترياته أو كنقود، ورسم الإصدار والعضوية ومدة صلاحية البطاقة. هذه هي الصيغة العامة للبطاقة، ويمكن أن يتفرع منها ثلاثة أنواع رئيسية:
(1) في الغالب، ولكن يمكن أن تكون بين طرفين حيث يقتصر استخدامها على شراء السلع والخدمات التي يبيعها المصدر ذاته مثل البطاقات التي تصدرها شركات البترول لكي يستخدمها أصحاب السيارات لشراء الوقود من محطاتها فقط، أو التي تصدرها الفنادق الكبرى لكي يستخدمها العميل في فروعها في المدن المختلفة
…
إلخ.
(2)
كأجهزة التلفاز أو الملابس أو السلع الاستهلاكية الأخرى
(3)
مثل استئجار السيارات أو الفنادق
(4)
من المصدر أو من سواه.
(5)
ويحدد العقد هذه النسبة فهي ليست غير محددة، ولكنها تتراوح في الشركات المختلفة بين هذين المستويين.
(6)
وربما تشترط بعض الشركات الرجوع للتاجر في حال عدم تسديد حامل البطاقة المبلغ.
1-
بطاقة الخصوم، أو بطاقة المدينة (Debit Card) :
ويكون إصدار البطاقة في هذه الحالة مشروطًا بفتح العميل لحساب مصرفي لدى البنك المصدر (وفي أحيان أي بنك آخر يودع فيه مبلغًا مساويًّا للحد الأعلى للائتمان الذي توفره له البطاقة وهو ما يسمى بالخط الائتماني) . ولا يسمح بأن ينخفض رصيد حسابه المذكور عن ذلك المبلغ، فهو أشبه ما يكون بضمان نقدي. وكلما استخدم البطاقة يقوم المصدر (البنك) بالسحب مباشرة من حسابه لسداد قيمة الفاتورة الواردة من التاجر. وهذا النوع من البطاقات موجود في كثير من البلدان النامية (1) ، والواقع أن البطاقة لا تعد بطاقة ائتمان وليست المقصود عند الحديث عن بطاقات الائتمان. ويقوم عدد من البنوك الإسلامية بإصدار مثل تلك البطاقات اعتمادًا على إجازة هيئاتها الشرعية لصيغة العقد (2) .
2-
بطاقة الائتمان العادية (Credit Card) :
والفرق الرئيسي بين هذه البطاقة وما ذكره أعلاه هو عدم ارتباط إصدارها بإيداع مبلغ في الحساب. فلا يلزم للحصول عليها وجود مثل ذلك الحساب.
(1) والسبب أنه، بعكس بطاقات الائتمان القرضية، لا تعطي صيغته المذكورة المصدرين القدرة على توليد سيولة إضافية عن طريق البطاقة، وتميل الدول النامية إلى مثل ذلك الإجراء لغرض السيطرة على حجم النقود في الاقتصاد نظرًا لعدم وجود أسواق متطورة للنقود وللرساميل يمكن من خلالها تنفيذ سياسة نقدية قادرة على تحقيق ذلك الهدف، ومن جهة أخرى تحرص أكثر الدول النامية على تشجيع الادخار وهو هدف يتعارض مع التوسع في استخدام البطاقات الائتمانية.
(2)
مثل شركة الراجحي المصرفية للاستثمار في السعودية، وبيت التمويل الكويتي في الكويت وغيرهما.
ومن ثم فعندما يقوم الفرد باستخدامها فإنه يحصل بصورة أوتوماتيكية على قرض (ائتمان) مساوٍ لقيمة السلعة أو الخدمة، ولكل عميل حد أعلى للقرض يحدده العقد ويسمى خط الائتمان (Ligne de Credit)(1) . ويلتزم حامل البطاقة، طبقًا لشروط الإصدار بتسديد كامل مبلغ الفاتورة خلال فترة لا تزيد غالبًا عن 30 يومًا من تاريخ استلامه لها، وفي حالة المماطلة يقوم المصدر بإلغاء عضوية حامل البطاقة وسحبها منه، وملاحقته قضائيًّا لتسديد ما تعلق بذمته من المبلغ المذكور، وأشهر أنواع هذه البطاقة أمريكان إكسبرس (البطاقة الخضراء) . (American Express Credit Card (Green Card)) .
3-
بطاقة الائتمان القرضية:
Credit Card With Revolving Credit (Charge Card)
وهذه أكثر أنواع البطاقات انتشارًا وخصوصًا في الدول المتقدمة. وتفترق صيغة هذه البطاقة عن النوع السابق في أن الائتمان الذي تخلقه هو دين متجدد. فلا يلزم حامل البطاقة عند تسلمه للفاتورة الشهرية أن يسدد مبلغها والغالب إلزامه بدفع نسب ضئيلة منه فقط بل يمكنه أن يدعه معلقًا بذمته ويقوم شهريًّا بدفع فوائد تأخير. وتحسب الفوائد بصفة يومية على المبالغ المعلقة (2) . وأشهر أنواع هذه البطاقات فيزا (Visa) وماستر كارد (Master Card)(3) وأمريكان إكسبرس
(American Express Golden Card ـ American Express- optima) والبطاقة الذهبية، وداينرز كلوب (Diners Club) ، وفي بريطانيا أكسيس (Access) ويوروكارد (Eurocard) .
(1) فيما عدا قليل من البطاقات مثل بطاقة أمريكان إكسبريس الخضراء فلا يوجد لها حد أعلى، على الأقل من الناحية النظرية.
(2)
ويحقق المصدرون للبطاقات دخلًا مجزيًا من هذه الفوائد لأن نسبتها تصل غالبًا إلى ضعف نسبة الفائدة على القروض المصرفية العادية.
(3)
علمًا بأن هاتين البطاقتين وسواهما ربما تصدران بصيغة النوع الأول أو الثاني.
المنَافعُ المتحقّقة لأطرافِ البطَاقة الائتمِانية
تحقق بطاقات الائتمان منافع لجميع الأطراف المشاركة فيها سنوضح جوانبًا منها أدناه:
المنافع المتحققة لمصدر البطاقة:
1-
يحصل مصدر البطاقة على رسوم الإصدار التي تختلف من مصدر إلى آخر وهي في المملكة العربية السعودية تتراوح بين 500 إلى 1000 ريال سعودي. وحينما يكون مستوى المنافسة عاليًا بين المصدرين فقد تنخفض تلك الرسوم كثيرًا وربما يكون الإصدار مجانيًّا.
2-
يقتطع المصدر لنفسه نسبة من مبلغ كل فاتورة يقدمها التجار إليه، وتختلف تلك النسبة من مصدر إلى آخر ومن بطاقة إلى أخرى. ويتراوح هذا السهم بين 1 % (كما في أكثر بطاقات الفيزا) وربما يصل إلى 8 % (كما في أمريكان إكسبريس في بعض الأسواق) ولكن الغالب أن تتراوح بين 2 % إلى 4 %، ويمثل هذا الاقتطاع المصدر الرئيسي للدخل بالنسبة للمصدر. ولذلك يحرص المصدرون على التوسع في الإصدار لتكبير حجم التعامل، ومن ثم ارتفاع الدخل المتحقق من ذلك الاقتطاع. ويلاحظ أن هذه العملية فيها شبه بما يسمى بخصم (حسم) الكمبيالات لأن البنوك المصدرة تعامل فواتير التاجر كما لو كانت كمبيالات مقدمة للخصم.
3-
فوائد التأخير، وذلك بالنسبة للبطاقات ذات القرض المتجدد، ويعد هذا أيضًا مصدرًا رئيسيًّا للدخل لا سيما أن سعر الفائدة على متأخرات البطاقة الائتمانية تصل غالبًا إلى ضعف سعر الفائدة المعتاد على القروض. ولعل مرد ذلك افتراض بأن مثل تلك القروض يتضمن قدرًا من المخاطرة يزيد على الائتمان المصرفي المعتاد وأن نسبة الديون المعدومة فيه عاليه (1) .
وقد وصلت نسبة الفائدة على ديون البطاقة في الولايات المتحدة إلى 23 % بينما أن مؤشر سعر الفائدة (prime Rate) لم يزد في نفس الفترة عن 10 % في الولايات المتحدة في سنة1987م.
4-
توفر حوض من السيولة لدى البنك المصدر بسبب تدفقات السيولة يمكن أن يستخدم في أغراض تجارية مختلفة. ويتمثل في الفترة بين تلقي المدفوعات من حامل البطاقة وتسديد المبالغ إلى التجار. ويحقق ذلك في بعض الحالات وفي الفترات الموسمية دخولا مجزية لمصدر البطاقة.
5-
تحقيق دخول أخرى من خدمات مساندة مثل بيع بعض السلع بالبريد لحاملي البطاقة، أو التأمين على حياة حملة البطاقة أو الخدمات المتعلقة بالسفر كقطع التذاكر وعمل الحجوزات في الفنادق
…
إلخ، (كما تفعل شركة أمريكان إكسبريس) .
(1) وهناك قوانين لتحديد هذه النسبة خصوصًا في الولايات المتحدة مثل قانون (Lending act Turth in) وقانون (Fair Credit billing) و (Consume credit protection) ، وقد سن جميعها في السبعينات.
المنَافِعُ المتَحقّقة لِحَامِل البطَاقة
1-
وسيلة دفع جاهزة لا يحتاج الفرد – مع وجودها – إلى حمل النقود وما يتضمنه ذلك من خطر السرقة والضياع.
2-
المباهاة، لأن الحصول على البطاقة كثيرًا ما يرتبط بشروط لا تجعلها متاحة إلَّا لذوي الدخول المرتفعة فقط.
3-
الحصول على الائتمان كلما برزت الحاجة إليه بالنسبة للنوعين الثاني والثالث من البطاقات. وذلك أن حامل البطاقة يستطيع أن يحصل على قرض بصفة أتوماتيكية بمجرد إبرازه للبطاقة. ومعلوم ما في ذلك من راحة وخدمة له خصوصًا في الحالات التي يحتاج فيها إلى المال وهو لا يمتلكه لا سيما في الأسفار وعند النوازل.
4-
يستطيع حامل البطاقة أن يحصل على كثير من السلع التي يحتاج إليها بالتقسيط وبصورة مباشرة، فهو يشتري الأجهزة المنزلية والملابس والأدوات الكتابية والأجهزة الكهربائية متى احتاج إليها، ولأن شروط إصدار البطاقة من النوع الثالث لا تلزمه بدفع المبلغ دفعة واحدة، صارت هذه صيغة للتقسيط المريح.
5-
الحصول على النقود على سبيل الاقتراض من المصدر أو من الآت الصرف الذاتي وذلك لشراء الحاجات التي لا يقبل بائعوها العمل بالبطاقة، ويتمتع حامل البطاقة بهذه الخدمة في أي مكان من العالم بمجرد تقديمها إلى البنوك أو مكاتب الخدمات التي تقبل ذلك.
6-
وبالنسبة للمستهلكين في الغرب فإنها توفر ميزة أخرى حيث يمكن للفرد أن يستثمر مدخراته في أدوات مالية بشكل مستقر ويحمَل مصاريف البطاقة والتي يمكن بها اقتطاع مصاريفه الحالية من دخله المستقبلي، وبذلك يتم له توزيع ميزانيته بطريقة تحقق له عائدًا أكبر.
7-
وتقدم له البطاقة الحماية في حالة كون السلعة غير مستوفية للمواصفات، لأن بإمكانه الامتناع عن الدفع إلى مصدر البطاقة، ولم يكن القانون في الولايات المتحدة يعطي هذه الحماية للأفراد حتى صدر في سنة 1974 قانون العدالة في المطالبة بالديون (Fair Credit Billing act) حيث أصبحت المسؤولية تقع على مصدر البطاقة في مثل تلك الحالات، ويعطي القانون الأفراد في الولايات المتحدة 60 يومًا للاعتراض على محتوياتها.
المنافِعُ المتحقِّقة للتَّاجر
الذي يَقبَل البَطاقة بَدلًا عن النقود (أو الشيك)
1-
من الثابت أن البطاقات تؤدي إلى خلق حافز الإنفاق لدى حاملها لأنها تعطيه الشعور بالغنى آنيًا رغم أنه، ربما لا يكون مالكًا للمال، ويستفيد التجار من هذا النوع من الشعور في زيادة مبيعاتهم على المشتري لإتمام عملية الشراء فورًا (Impulse Byuing) بأكثر مما يحتاج إليه فعلًا.
2-
يعمد أكثر التجار إلى إضافة النسبة التي يقتطعها مصدر البطاقة من فواتيرهم إلى سعر السلعة ومن ثم فإن استخدام البطاقة لا يؤدي إلى انخفاض معدل أرباحهم. وبما أن عملية تسديد قيمة الفواتير من قبل مصدر البطاقة لا تستغرق غالبًا إلَّا أيامًا قليلة، صارت بالنسبة إليهم عملية مفيدة ومجدية. وتمنع القوانين في الولايات المتحدة (وربما في بلدان أخرى) التجار من تحديد سعرين للبيع أحدهما لمن يدفع نقدًا، والآخر لمن يستخدم البطاقة يكون الفرق بينهما ما يقتطعه المصدر من فاتورة التاجر. والنتيجة أن الذي يدفع بالنقود يتحمل قيمة الائتمان دون أن يتمتع به.
3-
وفي البلدان المتقدمة تتم جميع مشتريات السلع المعمرة تقريبًا بالدين، ولا سبيل للشراء بالنقد إلَّا فيما ندر. ولذلك نجد أن الأسرة في الولايات المتحدة تدفع نحو 50 % من دخلها فوائدًا للديون، ولذلك فإن التجار الذين لا يرتبون لأنفسهم طريقة للبيع بالنسيئة سوف لن يجدوا الكثير من الزبائن. ولا ريب أن التقسيط عن طريق البطاقة يتفوق على التقسيط من التاجر مباشرة، من حيث انخفاض التكاليف الإدارية ومن حيث ضمان المدفوعات من قبل الشركة.
4-
الاستفادة من الحملات الدعائية التي ينظمها مصدرو البطاقة لا سيما بالنسبة للمؤسسات التي تقدم الخدمات مثل شركات تأجير السيارات والفنادق والتي تستفيد من إدراج اسمها في الدليل الذي يوزعه المصدر على حاملي البطاقة.
أثر التعامُل بالبَطاقة عَلى المجتمَع وَالاقتِصَاد
من الجلي أن أطراف البطاقة الثلاثة يحققون جميعهم منافع أدت إلى توسع وانتشار العمل بها، وربما يكون الأمر مختلفًا نوعًا ما إذا نظرنا إلى الآثار العامة للبطاقة على المجتمع وعلى الاقتصاد الوطني. بعض هذه الآثار إيجابي وبعضها سلبي، ومنها:
1-
لا ريب أن التعامل بالبطاقة يؤدي إلى توسع السوق وزيادة حجم الطلب على السلع والخدمات وذلك لأن المستهلكين سوف يشترون ليس اعتمادًا على دخولهم ولكن اعتمادًا على مستوى الدخل المتوقع في المستقبل. ولذلك نجد أن الأفراد في الدول التي تكون سبل الاقتراض فيها ميسرة يتوسعون كثيرًا في الشراء بالنسيئة ويحملون أنفسهم ديونًا تمتد فترة تسديدها العمر كله (كما في قروض بناء المساكن) . وقد دلت الدراسات على أن الأسرة في الولايات المتحدة تدفع نصف دخلها في المتوسط لتسديد الفوائد المتراكمة على الديون. حتى بلغت الديون الاستهلاكية في الولايات المتحدة في سنة 1986م نحو 2.2 ترليون (مليون مليون) من الدولارات. وفي اليابان لأكثر من 40 ترليون من الينات. ويعتقد كثير من الاقتصاديين أن ذلك يؤدي إلى زيادة معدل النمو الاقتصادي لأنه يمثل محركًا فعالًا للاستثمار نظرًا لزيادة معدل الطلب. ولكن مثل هذا الاتجاه له آثار سلبية أيضًا لأنه يقلل من معدل الادخار، ومن ثم يؤدي إلى انخفاض الموارد المخصصة لغير الأغراض الاستهلاكية في المجتمع. ويؤذن بعدم الاستقرار لأن تراكم الديون له آثار سلبية على الاقتصاد الوطني.
2-
يؤدي انتشار البطاقة إلى تقليل التعامل بالنقود، ومن ثم يساعد على توفير قدر أكبر من الأمان للأفراد لعدم تعرضهم للسرقة وضياع أموالهم أو حاجتهم للاحتفاظ بالسيولة في منازلهم.
وتتعرض البطاقة في بعض الأحيان للتزوير إذا فقدت من مالكها الأصلي، وربما يعمد بعض أصحاب المحلات التجارية إلى إساءة استخدام البطاقة بتحميل زبون مبالغ عن أشياء لم يشترها، أو قيام اللصوص بعمل مشابه وحصولهم على الأموال من الشركة المصدرة التي سوف تطالب بدورها حاملي البطاقة بدفع تلك المبالغ. وقد تطورت القوانين في البلدان المختلفة لتقديم الحماية لحامل البطاقة، فإذا فقدت منه لم يتحمل إلَّا مبلغًا بسيطًا بعد إبلاغه المصدر بفقدانها، ويجوز له الاعتراض على ما يرد في فاتورته من مشتريات، إلى غير ذلك. وهي أمور تؤدي إلى زيادة التكاليف على المصدر (تأمين) ، ومن ثم زيادة التكاليف على جميع حملة البطاقة لأنها تحملهم جميعًا المصاريف الإضافية.
3-
يؤدي انتشار العمل بالبطاقة إلى تحول الائتمان الخاص ببيع السلع والخدمات من الشركات المنتجة إلى البنوك، ومن ثم دخول البنوك كدائن لجميع المستهلكين. مع ما في ذلك من توسع ونمو القطاع المالي في الاقتصاد واتجاه الأرباح نحو النشاطات المالية بدلًا عن التجارة والإنتاج.
4-
يؤدي إلى زيادة حجم السيولة في الاقتصاد لأنه يزيد من قدرة المؤسسات المالية (المصدرة للبطاقة) والبنوك على خلق الائتمان (بدون حدود تقريبًا) ، وفي الحالات التي لا تكون أسواق المال وأسواق النقود فيها متطورة، تعجز السلطات النقدية (كالبنك المركزي) عن السيطرة على الحجم الكلي لوسائل الدفع في الاقتصاد. ومن الواضح أن عدم توفر أدوات فعالة للسيطرة على عرض النقود يؤدي في كثير من الأحيان إلى عدم الاستقرار لوجود ضواغط تدفع الاقتصاد إلى التضخم. ولذلك نجد كثيرًا من البلدان النامية لا تسمح إلَّا بالنوع الأول من البطاقات الذي لا يعطي البنوك القدرة على التوسع في توليد السيولة (خلق الائتمان) .
العلَاقاتُ التعَاقديّة
بَين أطرَاف البطَاقة الائتمانيَّة
لمَّا كان الحكم على الشيء فرعا من تصوره، فإن من الضروري فهم العلاقات التعاقدية بين أطراف البطاقة الائتمانية والحكم عليها بالجواز أو عدمه اعتمادًا على صحة التعاقد وسلامة الشروط وخلوها من الربا والغرر وغيره من مفسدات العقود.
وسوف لن نعطي اهتمامًا كبيرًا هنا بالنوع الأول من البطاقات لأنه شبيه – من الناحية التعاقدية – بالشيك، فهو لا يعدو أن يكون حوالة ووكالة بالدفع. أضف إلى ذلك أنه لا يمثل في عالم بطاقات الائتمان أهمية كبيرة والاتجاه في العالم اليوم ضده، فقد قررت اليابان وكانت أكبر دولة تعمل بهذه الصيغة السماح للبنوك بإصدار بطاقات الائتمان من النوع الثاني والثالث، وكذلك سمح في المملكة العربية السعودية للبنوك أخيرًا بعدم الاقتصار على النوع الأول.
أما النوع الثالث فإن اختلافه الرئيسي عن النوع الثاني هو تضمنه لقرض متجدد يتضمن شرط دفع الفائدة الربوية ومن ثم فهذا الأمر فيه واضح، وما خفي منه سيظهر في التركيز على النوع الثاني من البطاقات.
طبيعة العلاقات التعاقدية في البطاقة الائتمانية العادية:
1-
العلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها:
العلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها فيها معنى الضمان لأن المصدر ضامن للديون المتعلقة بذمة حامل البطاقة تجاه التجار الذين يشترون منهم والضمان (الكفالة) التزام ما في ذمة الغير؟ ويبدو أن رسم الاشتراك إن وجد هو أجر على ذلك الضمان، ولا يرتبط ما يحصل عليه مصدر البطاقة بتكاليفه الحقيقة، ولذلك لا وجه للقول أنه مقابل قيمة البطاقة أو التكاليف الإدارية المتعلقة بترتيب تسديد الفواتير
…
إلخ. ولا يتصور أن تكون وكالة لأن أموال حامل البطاقة ليست مودعة لدى المُصدر ومن ثم يوكِّله في دفع ما استحق عليه من ديون (وربما يكون هذا صحيحًا في النوع الأول من البطاقات) ، إلَّا أن يكون وكيلًا يقترض له من نفسه ثم يسدد نيابة عنه، وإذا كان الأمر كذلك كان فيما يقتطع شبه الزيادة على القرض.
وعندما يبرز هذا الفرد البطاقة إلى التاجر، فإن الأخير يكون متأكدًا أن مُصدر البطاقة ضامن للدين الذي سيتعلق بذمة حاملها، ثم يصالح مُصدر البطاقة التاجر على أقل من مبلغ الدين (عندما يقتطع نسبته منه) .
وقد يبدو أن فيها معنى القرض، وهذا ما تصوره الدراسات الاقتصادية الوضعية حيث ترى أن العميل يحصل عند استعماله للبطاقة على قرض أتوماتيكي من المصدر. لكن المشكلة هنا أنه إن كان قرضًا وجب لوجوده أن يقبض المقترض مبلغ القرض وهذا لا يوجد في الصيغة المذكورة، إلَّا أن يكون قبضًا حكميًّا قام به مصدر البطاقة نيابة عن حاملها فأقرضه من نفسه وسدد عنه دينه.
2-
العلاقة بين حامل البطاقة والتاجر:
الأرجح أن العلاقة بين حامل البطاقة والتاجر (الذي يشتري منه بالبطاقة) هي حوالة، فهو عندما يشتري سلعة أو خدمة يتعلق بذمته قيمتها ويكون التاجر دائنًا له بذلك المبلغ فيحيل الدائن على ملئ، وهو المصدر للبطاقة ويمثل توقيعه على الفاتورة هذه الإحالة ويقبل التاجر تلك الإحالة فيرسل الفاتورة إلى المصدر الذي يدفع له المبلغ. ومن المعروف أنه لا يشترط لصحة الحوالة أن يكون للمحيل دين على المحال عليه. والرضا متوفر بين أطراف هذه العلاقة والدين معلوم وهو دين لازم على المدين في الحال.
وإذا أخذنا برأي من يشترط في الحوالة أن يكون للمحيل على الحال عليه دين فهو حماله لأن المحال عليه احتمل سداد الدين عن المحيل.
ويمكن أن نتصور أن العلاقة وكالة، فحامل البطاقة يجعل التاجر وكيلًا عنه يقترض باسمه من مصدرها ويسدد دينه لنفسه، ولكن الخصم الذي يحصل عليه التاجر في هذه الحالة يكون زيادة على القرض.
3-
العلاقة بين مصدر البطاقة والتاجر:
إذا قلنا إن حامل البطاقة محيل ومُصدرها محال عليه، وأن التاجر دائن للأول يستوفي دينه من الثاني بدت العلاقة بين المُصدر والتاجر، وكأنها غير ذات أهمية تذكر. ولكن اقتطاع المُصدر لنسبة مئوية من قيمة الفاتورة لنفسه يدخل في العلاقة المذكورة قدرًا من التعقيد. فهي تصبح شبيهة إلى حد كبير بخصم (حسم) الاوراق التجارية، إذ يمكن تصور أن الفاتورة التي وقّع عليها المشتري هي كمبيالة مستحقة الدفع يقوم التاجر بحسمها لدى البنك (المصدر) مقابل نسبة 3 % (أو أقل أو أكثر) . ومما يرجح هذا الاحتمال اشتراط بعض الشركات على التجار الرجوع إليهم في حالة رفض العميل (أي حامل البطاقة) دفع المبلغ الذي دفع إلى التاجر.
الموَاطن المحتملة للِرّبَا وَالغرر
في العِلَاقاِت التّعاقديّة في بِطاقاِت الاِئتمَان
1-
الرسوم التي يدفعها المشترك في برنامج البطاقة لكي يتحصل عليها من قبل المصدر تُحوِّل العلاقة بينهما إلى عقد معاوضة، لكن ليس واضحًا على ماذا سيحصل حامل البطاقة مقابل ذلك الرسم. فإن كان مجرد العضوية ووجود اسمه ضمن قائمة حاملي البطاقة، وحصوله على القدرة على المباهاة والفخر بحملها فهذه حقوق والتزامات واضحة وهي حاصلة للفرد بمجرد العضوية لكن الواقع خلاف ذلك. وإن كان المبلغ المذكور مقابل عدد المرات التي تمتع فيها بالائتمان أو حصل فيها على التسهيلات المالية ففي العقد غرر أو جهالة (على افتراض عدم وجود الربا وهو موجود) لعدم معرفته عند التعاقد لعدد مرات احتياجه لها وتكرر استفادته منها
…
إلخ.
2-
وفي الصيغة الثالثة التي تتضمن قرضًا متجددًا لحامل البطاقة (Revolving Credit) ، فإن اشتراط الزيادة على القرض يجعله من الربا الصريح. والزيادة المذكورة ليست زيادة في بيع آجل (بالتقسيط) رغم أنها ظهرت بسبب شراء العميل لسلعة أو خدمة من التاجر، والسبب أن الزيادة فيها غير ثابتة ولم تحدد عند البيع كما أنها تزيد بزيادة المدة وهي مرتبطة بالمبلغ والمدة فحسب.
3-
وفي الصيغة الثانية للبطاقة يلتزم حاملها بتسديد ما عليه من ديون خلال 30 يومًا وإذا لم يفعل ألغت الشركة المصدرة عضويته، وبدأت في ملاحقته في أجهزة القضاء والأمن لإرغامه على الدفع. وتنص أكثر عقود هذا النوع من البطاقات على أن العضو ملتزم بدفع الفوائد على المبالغ المتأخرة ابتداء من تاريخ إلغاء عضويته، فهو شرط جزائي فحسب، فإذا التزم العضو بالدفع خلال الفترة المسموح بها لا يكون عرضة لآثاره. ولكن هل يجوز له أن يدخل في عقد يتضمن شرطًا مثل ذلك؟ وهذا الشرط هل هو شرط مفسد للعقد؟ وهناك حالات تعرض لها بعض الفقهاء لا يؤدي الشرط الفاسد فيها إلى فساد العقد فهل نعد هذه واحدة منها؟ (1) . إذا التزم حامل البطاقة بالتسديد في الوقت المطلوب بحيث لا يعرض نفسه أبدًا لدفع الفائدة. (2) .
(1) وهذا ما يتعرض له المسلمون بحملهم بطاقات الائتمان الشهيرة أمريكان إكسبرس، فهم يحرصون على دفع المبالغ في وقتها دون التعرض لآثار شرط الفائدة في العقد.
(2)
قال في إعلاء السنن 13 – 14 /534: "
…
وأما القرض المشروط بالفضل والمنفعة، قال الشافعي ومالك يبطلان عقد القرض، وقال الحنفية يبطل الشرط لكونه منافيًا للعقد ويبقى القرض صحيحًا
…
ومرادهم يكون القرض صحيحًا والشرط باطلًا أن المستقرض إذا قبض الدراهم التي استقرضها بالشرط يصير دينًا عليه، وأما أن الإقراض والاستقراض بالشرط يكون جائزًا فكلا
…
"، وقد ذكر في مرشد الحيران مادة 323 – 326: " كل ما كان مبادلة مال بمال كالبيع والشراء والإيجار والاستئجار والمزارعة والمساقاة والقسمة والصلح عن مال لايصح اقترانه بالشرط الفاسد ولا تعليق به
…
، أما ما كان مبادلة مال بغير مال كالنكاح والخلع على مال والتبرعات كالهبة والقرض
…
وكذلك الإقالة والرهن والكفالة والحوالة والوكالة
…
ففي هذه التصرفات كلها إذا اقترن العقد بالشرط الفاسد صح العقد ولغي الشرط".
4-
والحصول على النقد يعد من أهم استخدامات البطاقة، فيمكن لحامل البطاقة سحب مبلغ من النقود من المكائن المخصصة لذلك في المطارات والمحلات التجارية أو من البنوك مباشرة في داخل بلده أو عند سفره إلى الخارج. وفي كل الأحوال تعد تلك النقود قرضًا يدفع عليه فائدة (فيما عدا النوع الأول حيث لا يعدو ذلك أن يكون سحبًا من حسابه لدى البنك) . ويحصل مصدر البطاقة على تلك الفوائد وربما يقتسمها مع البنوك التي قدمت التمويل (إن كان مصدر النقود سواه) وهذا موطن واضح للربا في عمل البطاقة.
5-
وتقوم بعض الشركات المصدرة للبطاقات في الدول المتقدمة بما يسمى بعملية تسييل الديون (Sicuritization) ، وذلك بتحويل الديون المتعلقة بذمم حملة البطاقات إلى أدوات مالية يمكن أن تعرض للبيع على البنوك الأخرى والمستثمرين. ولا يعلم حملة البطاقات شيئًا عن ذلك لأن البائع للديون (أي مصدر البطاقة) يستمر جهةً للتحصيل بالنسبة لتلك الديون. وهي عملية معقدة ولكنها أصبحت كثيرة الانتشار في الولايات المتحدة وربما دول أخرى. وقد أصبحت هذه العملية جزءًا مهمًّا من عمل شركات بطاقات الائتمان. وهي وإن كانت لا تقوم به بصفة دورية، إلَّا أنها عرضة للحاجة إليه على الدوام وهي صورة واضحة لبيع الدين لغير من هو عليه وهو باب من أبواب بيع الكالئ بالكالئ.
6-
وقد دلت التجارب العملية على أن إدارة أي مشروع ائتماني (كإصدار بطاقة ائتمانية) لا يتحقق له النجاح ما لم تتوفر للمشروع السيولة النقدية الكافية للنهوض بحاجاته غير المنتظمة. فمن المعروف أن إيرادات المشروع المتمثلة في مدفوعات حاملي البطاقة، ومصروفاته المتمثلة في المدفوعات إلى التجار ليست متناغمة وإنما تفترق في الزمن. ولذلك نجد أن شركات إصدار البطاقات تقترض كثيرًا من البنوك، ويكون لها خط ائتماني دائم تحصل من خلاله على ما تحتاج من سيولة بصفة مستمرة ومستعجلة، فمثلًا تجد تلك الشركات في فترة أعياد الميلاد في البلاد الغربية يرتفع حجم تعاملها ارتفاعًا كبيرًا في معدل استخدام البطاقة. ونظرًا إلى التزامها أمام التجار بدفع ما يقدمون إليها من فواتير فإنها تحتاج بعد فترة الأعياد مباشرة إلى مبالغ كبيرة جدًّا لا تتوفر لها إلَّا بالاقتراض من البنوك نظرًا إلى أن مدفوعات حاملي البطاقة المقابلة لها لن تتم إلَّا بعد تلك الفترة بعدة أشهر. ولعل هذا هو سبب اختصاص البنوك بإصدار هذه البطاقات (1) .
هذا لا يعني بالضرورة أنه لا يمكن إدارة مشروع للبطاقات الائتمانية بدون اللجوء إلى الاقتراض، ولكن ما تدل عليه التجارب العملية لا يمكن تجاهله.
(1) وبصفة عامة تحصل الشركات على قروض بفوائد متدنية لقوة مراكزها المالية.
هَل مِن صيغة جَائِزة شرعيًّا للِبطَاقة الائتمانيّة؟
ذكرنا سابقًا أن بطاقة الخصوم (Debit Card) لا تعد بطاقة ائتمان وهي ليست ذات أهمية، ويتضاءل العمل بها يومًا بعد يوم. ومن جهة أخرى، فإنه نظرًا إلى تشابه صيغتها مع الشيك المصرفي فقد أفتت بعض الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية بجواز صيغ عقودها. ولكن الحاجة ماسة الآن إلى صيغة للبطاقة الائتمانية (Credit - Card) تكون مقبولة شرعيًّا وقادرة على أن تنهض بالوظائف المعتادة للبطاقة دون اللجوء إلى الربا أو الغرر. ويمكن للمؤسسات المالية في المجتمعات الإسلامية أن تتبناها، أي الصيغة المذكورة، لإصدار البطاقات الائتمانية. ولا ريب أن واجب العلماء والفقهاء أن يقدموا هذه الصيغة العملية لأن استخدام البطاقة هو ظاهرة حديثة في مجتمعات الإسلام وهي تنتشر وتتوسع ولذلك يحسن أن تكون هذه الصيغة جاهزة في الوقت المناسب. والذي أقدمه أدناه ليس صيغة جاهزة لذلك ولكنها بعض المقترحات التي أحسب أنها تساعد على الوصول إلى مثل تلك الصيغة.
1-
من الأفضل أن يقتصر إصدار البطاقة الائتمانية على جهة عامة (حكومية) وأن لا يكون نشاطًا يقوم به القطاع الخاص وذلك للأسباب التالية:
(أ) من ناحية السياسة الاقتصادية، يمكن في هذه الحالة لمؤسسة البطاقة الائتمانية أن تتبنى الإجراءات والأنظمة التي تتفادى التأثير بشكل سلبي على الاقتصاد الوطني، مثل السيطرة على حجم الائتمان الذي تولده البطاقة، وتحديد السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بها وتنظيم الآجال المتعلقة بتسديد الديون ودفع فواتير التجار بطريقة تتفادى تلك السلبيات. ومن جهة أخرى يمكن لمؤسسة عامة أن تحرص على تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص في الحصول على الائتمان وعدم قصر ذلك على الأغنياء وذوي الدخول العالية كما هو المتبع في القطاع الخاص، ولا تتعرض لمشكلة نقص السيولة في دورات السنة والاضطرار إلى الاقتراض إذ يمكن ترتيب ذلك مع مصادر ذات دورات معاكسة (1) .
(1) من جهة أخرى أن تستفيد الحكومة من تيار السيولة المذكور لتكتفي به عن الاقتراض الجسري (Bridge Finance) .
(ب) لا ريب أن بين توليد الائتمان عن طريق البطاقة وبين إصدار النقود الذي هو من وظائف السلطان، شبهًا كبيرًا لأن كليهما يخلق وسائل دفع في الاقتصاد لا سيما في هذا الزمن الذي أضحت النقود جميعها ائتمانية لا سلعية. ولذلك فإن طبيعة البطاقة تجعل اختصاص الحكومة بإصدارها أمرًا ملائمًا لجنس وظائف الدولة.
2-
يجب أن تصاغ العلاقة بين المصدر للبطاقة وبين التاجر بحيث تقتصر على الحوالة فقط، فيكون المُصدر محالًا عليه وحاملها محيلًا والتاجر دائنًا له. ولا أظن أن ذلك سيؤثر على فاعلية العلاقة وملاءمتها للنهوض بوظيفة البطاقة الائتمانية. وإذا أخذنا برأي المالكية باشتراط أن يكون للمحيل على المحال عليه دين لحصول الحوالة، فهي إذن حمالة، ويكون ما يقتطع المُصدر من قيمة الفاتورة أجرة تلك الحمالة التي تراضى الأطراف على أن يدفعها التاجر.
ويجب النص في عقد البطاقة على عدم براءة ذمة المُحيل بمجرد الإحالة (لا سيما وأن المحال عليه ليس مدينًا للعميل) وذلك لزيادة توضيح أوجه الحوالة في هذا العقد.
3-
يجب أن لا يتضمن عمل البطاقة توفير القروض المتجددة، وإنما تقتصر على توفير الائتمان مجانيًّا لمدة ثلاثين يومًا، وفي حال مماطلة العميل في السداد تلغى عضويته ويطالب بما تعلق بذمته بالطرق المشروعة فلا يعاقب بغرامات مالية. ويمكن أن ينص على بعض الشروط الجزائية لمعاقبة المماطل مثل التهديد بوضع اسمه في قائمة سوداء لا يتمكن بعدها من الحصول على بطاقات أخرى أو تمويل مصرفي
…
إلخ.
4-
ويجب أن تقدم البطاقات لمن تتوفر فيهم شروط العضوية من ملاءمة وثقة وأمانة بدون مقابل. وهذا أمر معهود في الولايات المتحدة (1) . ذلك لأن وجود الرسوم المذكورة يحول العلاقة إلى عقد معاوضة لا يصح إلَّا أن يخلو من الغرر والجهالة الفاحشة.
ومن جهة ثانية، فإن الرسوم التي يتحصل عليها المُصدر، وهو يقدم الائتمان الشبيه بالقرض إلى حاملها يجعل العلاقة مشوبة بشبهة الربا، ولذلك فإن إلغاء الرسوم يخلصها من ذلك. ولا بأس أن يقوم المصدر برفع نسبة ما يأخذه من التاجر لتعويض ذلك.
وبما أن العلاقة بين حامل البطاقة ومصدرها يمكن أن تكون ضمانًا، (ولا يجوز أخذ الأجر على الضمان)(2) ، صار إلغاء تلك الرسوم إبعادًا لها من شبهة الأجر على الضمان أيضًا.
5-
كما يمكن صياغة العلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها ضمن عقد الضمان أو عقد الوكالة. فإن كان الأول فلا يجوز الأجر على الضمان، وإن كان الثاني فربما تجوز مصالحة الوكيل للدائن بتنازل الأخير عن جزء من الدين (3) . فإن جاز ذلك أضحى للوكالة وجه في العلاقة التعاقدية ولها صفة عملية إذ يمكن لمصدر البطاقة أن يحقق لنفسه دخلًا يغطي تكاليف عملياته.
والأجر جائز على الوكالة. والمصدر وإن كان يقتطعها من فاتورة التاجر فالذي يتحملها في النهاية هو العميل بصفة غير مباشرة. ومن جهة أخرى فالتراضي متحقق بين الأطراف في دفعها بهذه الطريقة.
والله أعلم.
الدكتور محمد علي القري ابن عيد
(1) وإن كان مقتصرًا على البطاقات من النوع الثالث أي ذات القروض المتجددة.
(2)
وإن أجاز البعض أخذ تكاليف الضمان إذا أمكن حسابها بدقة.
(3)
والمعروف جواز مصالحة المدين دائنه على أقل من مبلغ الدين، فإن كان وكيلًا كان له مثل ذلك نيابة عن المدين.
المصَادِر وَالمراجع
1-
مجلة (Business Week) عدد 30 مارس 1987، ص21.
2-
مجلة (Business Week) عدد 15 يونيو 1987، ص28.
3-
مجلة (Business Week) عدد 15 يونيو 1987، ص28.
4-
مجلة (Business Week) عدد 20 أبريل، ص157.
5-
مجلة (Business Week) عدد 28 مايو 1990، ص52.
6-
مجلة (Business Week) عدد 20 أبريل 1987، ص157.
7-
مجلة (Economist) عدد 6 يونيو 1987، ص17.
8-
مجلة (Economist) ص97 - 99.
9-
مجلة (Economist) عدد 6 يونيو 1987، ص17.
10-
مجلة (Time) الأمريكية عدد 9/2/1987، ص44.
11-
مجلة (Time) الأمريكية عدد 9/3/1987، ص43.
12-
مجلة (Economist) عدد 6/6/1987، ص90.
13-
مجلة (Business Week) عدد 15/6/87، ص29.
14-
Gleeson،Adrienne، The Credit Book، Leden، Kogan، page1982.
15-
Drury، Tony and Ferrier، Charles w. Credit Cards. London، Buther worths 1984.
16-
مجلة عالم الإدارة فبراير 1986 ص 25 –27 مجلة.
17-
مجلة (Nov. 1986 p. ، Tokyo Business Today) .
18-
مجلة (Dec. 1986 p. ، Tokyo Business Today) .
19-
مجلة التجارة (غرفة تجارة جدة) مارس 1984، ص6 – 11.
20-
Hindle Time، Pocket Banker، London، Basil Blackwell 1987.
21-
Makin، John H. Teory of Money، Hinsdale، IU، Dryden Press
مُلحَق
بعض صيغ عقُود بطَاقات الائتمان
_________