المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العلاج الطبيمبحث التداويإذن المريض وعلاج الحالات الميئوس منهاإعدادالدكتور محمد علي البار - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السابع

- ‌بحثالأسوَاق المالِيَّةفيمِيزان الفقه الإسلَاميإعدَادالدكتور علي محيي الدّين القره داغي

- ‌الأسهم، الاختِيارات – المستَقبَليّاتأنواعهَا وَالمعامَلات التي تجري فيهَاإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌الاختِياراتإعدادفضيلة الشيخ محمّد المختار السّلامي

- ‌عقُود الاختياراتإعدَادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الاختِياراتإعدَادفضيلة الدكتور الصديق محمّد الأمين الضرير

- ‌الاختِياراتدَراسَة فِقهيّة تحليليّة مُقَارنَةإعدَادعَبد الوهاب ابراهيم أبو سليمان

- ‌الاختيارَات في الأسوَاق الماليَّةفي ضَوء مُقرّرات الشريعَة الإسلَاميِّةإعدَادالدكتور عبد الستار أبو غدّة

- ‌عقُود المستَقبليات في السّلعفي ضَوء الشّريعَةِ الإسلاميَّةإعداَدالقاضي محمَّد تقي العثماني

- ‌بطَاقَة الائتمان وَتكييفها الشَّرعيإعدادالدكتور عبد السّتار أبُوغُدَّة

- ‌بطَاقات الائتمانإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌بِطاقَة الائتِماندرَاسة شرعِيَّة عَمليَّة مُوجَزةإعدَادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المشاركة في شركات أصل نشَاطها حَلَالإلاّ أنّهَا تتعَامل بالحَرامإعدَادالشيخ عبد الله الشيخ محفوظ بن بية

- ‌التعامُل مَع شركات تَقوُم بأعمال مَشروعَةوَتتعامَل مَع البُنوُك بالفَوائدإعداَدفضيلة الشيخَ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بية

- ‌بَحثٌ عَن بَطاقات الائتمان المصرفيّةوالتكييف الشرعي المعمُول به فيبَيت التمويل الكويتي

- ‌دَراسَة مُقَدّمة إلىالنّدوة الثانِية للأوَراقِ المالِيّةمِن بنك البحَرين الإسلَاميحَولتَحرير محافظ الأوَراق الماليّة للبُنوك الإسلاميّةمِن المَالِ المشتبَه في حِلِّهوَالمعالجَة المالية المقترحَة لعَزل أثر التعَامُل بالفَائدةعَلى عَائداتِ الأسهُم

- ‌أسئلة عَلى الأسهم وَالاختيارات وَالمستَقَبليّاتمُقَدّمَة مِنَ البنك الإسلامي للتَنميَة

- ‌التّوصيَات الصَّادرة عَن النَّدوة الفِقهيَّة الاقتصَاديَّةالمنعقدَة بَينمجمَع الفِقِه الإسلَامي وَالبنك الإسلَامي للتِنميَة

- ‌البَيَان الخِتامي وَالتّوصيَاتللنّدوة الثانيَة للأِسَواقِ المالِيَّةالمنعقدَة بدَولة البحَرين

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الأول: (المداينة ونظرة الإسلام إليها) .المحور الثاني: (بين صلح الحطيطة وحسم الكمبيالة) .المحور الثالث: (ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار) .إعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌أحكام البيع بالتقسيطوسائله المعاصرة في ضوء الفقه الإسلاميإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثاني: الحطيطة والحلولإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌توثيق الدين والمعاملات المالية الأخرىإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثانيتوثيق الدين في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌عقد الاستصناعومدى أهميته فيالاستثمارات الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة الشيخ مصطفي أحمد الزرقاء

- ‌عقد الاستصناعإعدادالأستاذ الدكتور علي السالوس

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الاستصناع ودوره فيالعمليات التمويلية المعاصرةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌أثر الاستصناعفي تنشيط الحركة الصناعيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌عقد الاستصناعإعدادفضيلة الشيخ كمال الدين جعيط

- ‌الاستصناع والمقاولاتفي العصر الحاضرإعداد فضلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الاستصناعتعريفه - تكيفه - حكمه - شروطهأثره في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادالدكتور سعود بن مسعد بن مساعد الثبيتي

- ‌عقد الاستصناعوعلاقته بالعقود الجائزةإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌بيع الوفاء وعقد الرهنإعدادفضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌ موضوع بيع الوفاء

- ‌بيع الوفاءإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌بيع الوفاء عند الإماميةإعدادحجة الإسلام الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌(مدى انتفاع الاقتصاد من بيع الوفاء)أوتوظيف بيع الوفاء في اقتصاد العصرإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الوفاء بما يتعلق ببيع الوفاءشيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بيرم الثاني(المتوفى 1247هـ)تقديم وتحقيقمحمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌بيع الوفاءفي الفقه الإسلاميإعدادمحيي الدين قادي

- ‌بيع الوفاءإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

- ‌أحكام الرهنوحكم الإنتفاع بالمرهونإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌بيع الوفاء وحكمهإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌بيع الوفاءإعدادفضيلة الشيخ المفتي محمد رفيع العثماني

- ‌بيع الثنيا أو بيع الوفاءإعدادالأستاذ محمود شمام

- ‌عقد الرهنوأوجه الشبه بينه وبين عقد الوفاءإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العلاج الطبيمبحث التداويإذن المريض وعلاج الحالات الميئوس منهاإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌حكم التداوي في الإسلامإعدادالدكتور علي محمد يوسف المحمدي

- ‌العلاج الطبيإعدادالدكتور محمد عدنان صقال

- ‌الحقوق الدولية في الإسلامإعدادفضيلة الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌المعاهدات والاتفاقاتمنالعلاقات الدولية في أثناء السلمإعدادسماحة الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌أصول العلاقات الدوليةبين الإسلام والتشريعات الوضعيةإعدادالدكتور محمد الدسوقي

- ‌السلم، والحرب، والعلاقات الدوليةفي الإسلامإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌رسالةمعالي الدكتور محمد معروف الدواليبيحولالغزو الفكري

- ‌دراسة حول الغزو الثقافي للعالم الإسلاميبداياته، دوافعه، أبعاده، سبل مواجهتهإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الغزو الفكريفي المعيار العلمي الموضوعيإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الغزو الفكري وأساليب المواجهةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الغزو الفكريإعدادالدكتور أبو بكر دكوري

- ‌الغزو الفكرىفى التصور الإسلامىإعدادالدكتور أحمد عبد الرحيم السايح

- ‌المسلمون وتحديات الفكر المعاصرإعدادالشيخ القاسم البهيقي المختار

- ‌الغزو الفكري في حياة المسلمينمنافذ دخُوله.. وَوَسَائل مُقاومتهإعدادالدكتور عُمَر يُوسف حَمزة

الفصل: ‌العلاج الطبيمبحث التداويإذن المريض وعلاج الحالات الميئوس منهاإعدادالدكتور محمد علي البار

‌العلاج الطبي

مبحث التداوي

إذن المريض وعلاج الحالات الميئوس منها

إعداد

الدكتور محمد علي البار

مستشار قسم الطب الإسلامي

بمركز الملك فهد للبحوث الطبية

جامعة الملك عبد العزيز - جدة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله خالق الداء والدواء، ومصرف الأسباب كيف يشاء:{قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} [النساء: 78] .

والصلاة والسلام على نبي الرحمة والهدى والذي حث أمته على التداوي فقال: ((ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء)) [أخرجه البخاري] . والإنسان بفطرته يبحث عما يزيل آلامه وأسقامه، ومع ذلك فلا بد أن يكون أمر التداوي والمعالجة بإذنه متى كان كامل الأهلية أو إذن وليه متى كان قاصرًا أو فاقدًا لعقله ورشده.

الأمر بالتداوي والحث عليه:

وقد وردت عن المصطفي صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث كثيرة في التداوي والحث عليه نذكر منها نبذة صالحة إن شاء الله تعالى:

1-

أخرج البخاري في كتاب الطب والنسائي في السنن الكبري وابن ماجه في السنن وأبو نعيم في الطب النبوي، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء)) . [وأخرجه أيضًا الحاكم في المستدرك] .

2-

وأخرج الإمام مسلم (في كتاب الطب) وابن السني في الطب النبوي وأبو نعيم في الطب النبوي عن جابر رضي الله عنه يرفعه قال: (لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى) .

3-

وأخرج البزار في مسنده والحاكم في المستدرك وابن السني وأبو نعيم كلاهما في الطب النبوي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء، علم ذلك من علمه وجهله من جهله إلا السام وهو الموت)) .

4-

وأخرج الحاكم وابن ماجه وابن السني وأبو نعيم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما أنزل الله من داء إلا وقد أنزل معه شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله)) .

ص: 1517

5-

وأخرج أبو داود والترمذي والحاكم وصححاه والنسائي وابن ماجه وابن السني وأبو نعيم وأحمد عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: ((كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ فقال: نعم يا عباد الله، تداووا فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد، قالوا: ما هو؟ قال الهرم)) .

6-

وفي المسند والسنن عن أبي حزامة قال: (قلت يا رسول الله أرأيت رقى نسترقيها ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال: هي من قدر الله) . [وأخرجه أيضًا الحاكم وصححه] .

7-

وأخرج الحاكم في المستدرك وصححه، وابن السني وأبو نعيم (كلاهما في الطب النبوي) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أصيب رجل من الأنصار يوم أحد، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم طبيبين بالمدينة فقال: عالجاه، فقالا: يا رسول الله إنما كنا نعالج ونحتال في الجاهلية، فلما جاء الإسلام فما هو إلا التوكل، فقال:(عالجاه، فإن الذي أنزل الداء أنزل الدواء ثم جعل فيه شفاء) فعالجاه فبرأ.

8-

وأخرج الحاكم وصححه عن صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله أنتداوى؟ قال: تعلمن أن الله لم ينزل داء إلا أنزل له دواء، غير داء واحد، قالوا: وما هو؟ قال: الهرم.

9-

وأخرج مالك في الموطأ وأبو نعيم في الطب النبوي عن زيد بن أسلم أن رجلاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جرح فحقن الدم فدعا له رجلين من بني أنمار، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أيكما أطب، فقال أحدهما: أو في الطب خير يا رسول الله؟ فقال: إن الذي أنزل الداء هو الذي أنزل الدواء.

ص: 1518

10-

وأخرج أحمد في مسنده عن رجل من الأنصار قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً به جرح فقال: ادعو لي طبيب بني فلان، فدعوه فجاء، فقالوا: يا رسول الله ويغني الدواء شيئًا؟ فقال: ((سبحان الله! وهل أنزل الله من داء في الأرض إلا جعل له شفاء؟!)) .

11-

وأخرج أبو داود والطبراني عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على سعد بن أبي وقاص وهو يشتكي. قال سعد: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدري حتى وجدت بردها على فؤادي، فقال لي:(أنت رجل مفؤود، أرسل إلى الحارث بن كلده فإنه رجل متطبب، فلتأخذ سبع تمرات من عجوة وشيئًا من قسط هندي، وشيئًا من ورس وشيئًا من زيت فلتدق التمرات بنواهن ثم تجمع ذلك والتَدِد) ، ففعل فبريء. [ذكره عبد الملك بن حبيب بهذا اللفظ في الطب النبوي] .

وكتب الطب النبوي (ابن السني، أبو نعيم، عبد الملك بن حبيب، ابن القيم، الذهبي السيوطي

إلخ) مليئة بمئات الأحاديث النبوية الشريفة بدرجاتها المختلفة من صحيح وحسن وضعيف التي فيها أمر أو حث على التداوي بصورة عامة أو بصورة خاصة واستخدام الحجامة والكمأة والحبة السوداء والحناء والسنا

إلخ ومداواة المبطون والطعون ومداواة الحمى والرمد وإطعام المريض وإدخال السرور عليه وزيارته وآداب الزيارة مما يطول ذكره ولا مجال له هاهنا.

وخلاصة القول أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تداوى وأمر بالتداوي. وقد ذكر الذهبي في الطب النبوي أن هشام قال: قلت لعائشة رضي الله عنها أعجب من بصرك بالطب؟! قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما طعن في السن وفدت الوفود فتنعته، فمن ثم عرفته)[رواه أبو نعيم] . وعنها رضي الله عنها قالت: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثرت أسقامه وكان يقدم عليه أطباء العرب فيصفون له فنعالجه..) .

قال ابن القيم في الطب النبوي: (وفي هذه الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، بل لا يتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدرًا وشرعًا، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجزًا ينافي التوكل الذي حقيقته اعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه. ولا بد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلا كان معطلًا للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلًا، ولا توكله عجزًا.

ص: 1519

وفيها رد على من أنكر التداوي وقال: إن كان الشفاء قد قدر فالتداوي لا يفيد وإن لم يكن قدر فكذلك، وأيضًا فإن المرض حصل بقدر الله وقدر الله لا يدفع ولا يرد.

وهذا السؤال هو الذي أورده الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما أفاضل الصحابة فأعلم بالله وحكمته وصفاته من أن يوردوا مثل هذا.

(وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما شفى وكفى فقال: هذه الأدوية والرقى والتقى هي من قدر الله. فما خرج شيء عن قدره، بل يرد قدره بقدره. وهذا الرد من قدره، فلا سبيل إلى الخروج عن قدره بوجه ما. وهذا كرد قدر الجوع والعطش والحر والبرد بأضدادها، وكرد قدر العدو بالجهاد) .

وأطال ابن القيم في مختلف كتبه الرد على من أنكر الأسباب. وفيما سبق غنية.

جواز عدم التداوي:

ورغم ورود الأحاديث العديدة في الحث على التداوي وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته وآل بيته رضوان الله عليهم قد تداووا، فإن الأمة مجمعة على جواز ترك التداوي بل إن بعض الأئمة ومنهم الإمام أحمد ابن حنبل ذهب إلى أن ترك التداوي أفضل لمن قوي يقينه.

قال الإمام الذهبي في كتاب ((الطب النبوي)) فصل التداوي أفضل أم تركه؟: (أجمعوا على جوازه (أي التداوي)، وذهب قوم أن التداوي أفضل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم تداووا لأنه كان يديم التطبب في صحته ومرضه) . ثم قال:(فالمنصوص عن أحمد أن تركه (أي التداوي) أفضل، نص عليه في رواية المروزي فقال: العلاج رخصة وتركه درجة. وسئل أحمد عن الرجل يتداوى يُخاف عليه؟ قال: لا، هذا يذهب مذهب التوكل. وكذلك سأله إسحاق في الرجل يمرض: يترك الأدوية أو يشريها؟ فقال: إذا توكل فتركها أحب إلي. والدليل عليه ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما : (أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يشفيني. فقال: إن شئت دعوت الله فشفاك، وإن شئت صبرت ولك الجنة. قالت: يا رسول الله أصبر) . [الحديث أخرجه البخاري ومسلم] .

(وقال صلى الله عليه وسلم: ((سبعون ألفًا يدخلون الجنة لا حساب عليهم الذين لا يكتوون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون)) وفي رواية: ((هم الذين لا يتطببون ولا يسترقون)) ) [أخرجه البخاري] .

ص: 1520

ونقل علاء الدين بن البيطار رحمه الله تعالى قال: أجمع المسلمون أن التداوي لا يجب وعن أحمد وجه في الوجوب نقله أحمد بن تيمية، ويحمل حديث ((تداووا)) على الإباحة وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قيل له: ألا ندعو لك طبيبًا؟ قال: قد رآني قالوا: فما قال؟ قال: إني فعال لما أريد. وقيل لأبي الدرداء: ما تشتكي؟ فقال: ذنوبي. قيل: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي قال: أفلا ندعو لك طبيبًا؟ فقال: ((إن الطبيب بطبه ودوائه لا يستطيع دفع مقدوراتي)) .

قال الذهبي معلقًا على ذلك: (التوكل اعتماد القلب على الله، وذلك لا ينافي الأسباب ولا التسبب، بل التسبب ملازم للمتوكل، فإن المعالج الحاذق يعمل ما ينبغي ثم يتوكل على الله في نجاحه وكذلك الفلاح يحرث ويبذر ثم يتوكل على الله في نمائه ونزول الغيث. قال الله تعالى: {خُذُوا حِذْرَكُمْ} [النساء: 71] وقال عليه الصلاة والسلام: ((اعقلها وتوكل)) . وقال صلى الله عليه وسلم: ((أغلقوا الأبواب)) . وقد اختفى صلى الله عليه وسلم في الغار ثلاثًا، ثم قد تكون العلة مزمنة ودواؤها موهوم قد ينفع وقد لا ينفع.

(ومن شرب دواء سميًّا أو مجهولاً فقتله فقد أخطأ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من سمَّ نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم)) متفق عليه) .

والخلاصة أن التداوي مندوب إليه لفضل العافية ولعدم التعرض للبلاء إلا في حالات خاصة عند من قوي يقينه وفي حالات الأمراض المزمنة والتى يكون فيها التداوي مظنونًا موهومًا، وفي مرض الموت

إلخ.

ص: 1521

متى يجب التداوي؟

1-

يبدو والله أعلم أن هناك بعض الحالات التي يجب فيها التداوي وذلك: مثال الأمراض المعدية التي ينتقل ضررها إلى الآخرين والتداوي منها ممكن متيقن، أو يغلب الظن على حصول البرء والشفاء. ومثال ذلك مرض السل وهو مرض خطير إذا أهمل ولا يقضي على المريض فحسب وإنما ينتقل إلى من حوله أو إلى غيرهم بسبب البصاق الذي فيه ميكروب الدرن. ومثاله أيضًا الجذام الذي يمكن القضاء على ميكروب الجذام المعدي وإيقاف انتشار المرض، ومداواته وبرؤه إن كان لم يستفحل بعد.

وهناك العديد من الأمراض التي تفرض الدول والمجتمعات القيود على المصاب بها وتفرض عليه التداوي ومثالها الدفتريا (الخناق) ، التتانوس (الكزاز) التيفود الكوليرا (الهيضة) ، السل والجذام والأمراض الجنسية وأنواع الحميات مثل الحمى الشوكية والملاريا والتيفوس

إلخ.

ورغم أن بعض الأمراض المعدية لا علاج لها إلا أن وسائل الوقاية والتطعيم تمنع من انتشارها كما أن فرض الحجر الصحي وتقييد حرية المصاب بها أو حتى أهل البلدة التي وقع فيها الداء مثل الطاعون (منع الدخول إليها ومنع الخروج منها) تؤدي إلى تضييق نطاق انتشار الوباء.

وفي هذه الحالات جميعًا يجب التداوي للأسباب التالية:

(أ) أن عدم التداوي في مثل هذه الحالات التي توفر دواؤها هو نوع من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة وهو أمر منهي عنه قال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} . [البقرة: 195] .

(ب) إن الضرر سيتعدى إلى الآخرين من الأهل والمحيطين بالمريض كما يمكن أن يتعدى الضرر إلى المجتمع بأسره. وقد ورد النهي الصريح عن الإضرار بالمسلمين في قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار)) .

(ج) إن تمريضه سيشق على أهله أو من يقوم بتمريضه وتلبية حاجاته.

(د) خسارة المجتمع لعضو عامل منتج في المجتمع الإسلامي. وفقدان أيام العمل وإطالة أمد المرض أو انخرام أجله. وفي ذلك كله خسارة على الأمة بصورة عامة وخاصة إذا كان المصاب ممن ينتفع بهم المجتمع.

ص: 1522

2-

في الحالات غير المعدية والتي لها علاج ودواء ويمكن البرء من هذا المرض والشفاء منه أو يمكن التخفيف من عواقبه وما يؤدي إليه من زمانة وإعاقة، فإن التداوي يصبح واجبًا لما في التداوي من منافع تعود على المرء وعلى المجتمع. ولا تجعله كلًّا على الناس في قضاء حاجاته وبالتالي يشق عليهم

ويكون في نهاية المطاف عبئًا على المجتمع.

وهذه الحالات لا تصل إلى درجة المجموعة السابقة صاحبة الأمراض المعدية التي ينتقل المرض فيها إلى الآخرين وتعرض المجتمع نفسه لمخاطر هذه الأمراض الوبيلة. حيث لا يقتصر ضررها على المريض وحده وإنما يتعدى ذلك إلى المجتمع بأكلمه.

متى يجوز عدم التداوي؟

1-

الحالات المرضية التي لا دواء لها أو أن دواءها فيه مخاطر كثيرة وأن فائدته مظنونة موهومة لا متيقنة ولا يغلب على الظن الشفاء. ومثالها حالات السرطان والأورام الخبيثة بعد انتشارها في الجسم فإن التداوي بالجراحة أو بالأشعة أو بالمواد الكيماوية لا يؤدي في الغالب إلى الشفاء ولا إلى تخفيف المرض ولا منع الإعاقة.. وقد تكون كلفة التداوي على المريض وأهله مما يزيد في معاناتهم وحرجهم، ولا يستفيد من هذه المحاولات إلا المستشفيات وأصحابها.

2-

الحالات المرضية التي لا تضر إلا صاحبها.. ولا تؤدي في الغالب إلى إعاقة وزمانة تعطل وظائف الشخص، وبالتالي لا تشق على من حوله.

3-

أمراض التداوي فيها مشكوك الفائدة والاحتمالات في الشفاء ضعيفة. وكل هم الطبيب أن يخفف من الأعراض والآلام.. ومع هذا فإن الأدوية ذاتها لها أضرار مع إدمان استعمالها. فالمريض لا شك بالخيار في الصبر على الألم والبعد عن أضرار الدواء أو تعاطي الدواء مع توقع حدوث بعض الأضرار نتيجة الاستمرار في تعاطي الدواء لآماد طويلة، ومثالها الأمراض الرثية (الروماتيزمية المزمنة) .

ص: 1523

من الذي يقرر التداوي من عدمه؟

1-

في الحالات المرضية التي يتعدى ضررها إلى الآخرين (الأمراض المعدية، الأمراض السارية والأمراض الجنسية) تحدد الدولة متمثلة في وزارة الصحة الأمراض التي يجب التبليغ عنها ويجب مداواتها ومتابعتها، وبعضها يحول إلى مستشفيات خاصة مثل الحميات (المحجر) ، أو المستشفيات العقلية لبعض حالات الجنون التي يتعدى فيها الضرر إلى الآخرين أو أن المصاب قد يضر نفسه ويلقي بها إلى التهلكة دون إدراك أو بسبب حالته النفسية السوداوية الشديدة.

2-

في الحالات المرضية التي لا يتعدى ضررها إلى المخالطين والمجتمع ويقتصر ضررها على المريض نفسه، فإن الذي يقرر قبول التداوي من عدمه هو المريض نفسه إذا كان بالغًا عاقلًا راشدًا. ولا يجوز الاعتداء على هذا الحق بأي شكل من الأشكال إلا في حالات فقدان الوعى وحالات الإسعاف (أي الحالات التي تهدد حياة المريض أو أعضائه المهمة)

أما إذا كان المريض قاصرًا دون بلوغه سن الرشد (وسنناقش هذه النقطة فيما سيأتي) أو أنه كان مختلًّا عقليًّا أو فاقدًا للوعي والإدراك فإن هذا الحق ينتقل إلى وليه.

وقد جاء في نظام مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان ولائحته التنفيذية بالمملكة العربية السعودية وزارة الصحة ما يوضح هذه النقطة:

(المادة 21: يجب أن يتم أي عمل طبي لإنسان برضاه أو بموافقة من يمثله إذا لم يعتد بإرادة المريض، واستثناء من ذلك يجب على الطبيب في حالات الحوادث أو الطوارىء التي تستدعي تدخلًا طبيًّا بصفة فورية لإنقاذ حياة المصاب أو إنقاذ عضو من أعضائه وتعذر الحصول على موافقة المريض أو من يمثله في الوقت المناسب، إجراء العمل الطبي دون انتظار الحصول على موافقة المريض أو من يمثله. ولا يجوز بأي حال من الأحوال إنهاء حالة مريض ميئوس من شفائه طبيًّا، ولو كان بناء على طلبه أو طلب ذويه) .

(المادة 21 - 1 - ل: تؤخذ موافقة المريض البالغ العاقل سواء كان رجلًا أو امرأة أو من يمثله إذا كان لا يعتد بإرادته قبل القيام بالعمل الطبي أو الجراحي وذلك تمشيًا مع مضمون خطاب المقام السامي رقم 4/2428/ م وتاريخ 29/7/1404هـ المبني على قرار هيئة كبار العلماء رقم 119 وتاريخ 26/5/1404هـ.

(المادة 21 - 2 - ل: يتعين على الطبيب أن يقدم الشرح الكافي للمريض أو ولي أمره عن طبيعة العمل الطبي أو الجراحي الذي ينوي القيام به) .

ص: 1524

ولا تكتفي معظم المراسيم والقوانين الغربية بأن يؤخذ رضا المريض ولكن ينبغي أن يكون المريض على علم بآثار وأضرار العمل الطبي (سواء كان للتشخيص أو التداوي بالعقاقير أو بالتدخل الجراحي وعلى علم بصورة عامة بمدى نجاح هذا العمل الطبي) وأن يشرح له الطبيب ذلك شرحًا كافيًا وهو ما يعرف بالموافقة الواعية والمدركة (Informed Consent) . وإذا ثبت أن الطبيب لم يقم بشرح آثار التدخل الطبي أو الجراحي بصورة كافية، فإن رضا المريض ولو كتابة مع وجود الشهود لا يعتبر كافيًا. ويتحمل الطبيب المسؤولية.

هذا ما هو مقرر في الغرب أما في البلاد النامية فإن ما يحدث في الواقع يحتاج إلى إعادة نظر وإليكم بعض الأمثلة:

1-

نشرت جريدة المدينة في عددها 5495 بتاريخ 10/6/1402هـ من مراسلها في الدمام أن مريضًا قد أجريت له عملية في مستشفى الخبر التعليمي دون علم المريض، مع أن العملية لم تكن مستعجلة، وكان المريض في كامل قواه العقلية بالغًا راشدًا.

والغريب حقًّا أن الصحيفة قد أثنت على الطبيب وعلى المستشفى لإجرائهم العملية دون علم المريض حتى لا يثيروا قلقه. فقد أخذ المريض إلى غرفة الأشعة وهناك تم تخديره ثم نقل إلى غرفة العمليات وتم إجراء العملية بنجاح!!

وليس هذا الأمر شديد الندرة بل يحدث في كثير من مستشفيات العالم الثالث.

2-

قامت وزارة الصحة بالتنبيه على وجوب أخذ إذن المريض أو ولي أمره إذا كان لا يعتد برضاه، وأن إجراء العمليات الجراحية والتخدير يستوجب أخذ الإذن الكتابي والإشهاد على ذلك (هيئة التمريض غالبًا) .

والواقع المرير الذي نعرفه هو أن تقدم للمريض أو ولي أمره: (إذا كان لا يعتد برضاه) ورقة مذكور فيها: ((أوافق على إجراء عملية وتخدير)) وعلى المريض أن يوقع بإمضائه، دون أن يُكتب حتى اسم العملية أو نوعها ولا نوع التخدير (كامل، نصفي، موضعي) ولا يقوم أحد بشرح أي شيء عن هذه العملية ولا عن مضاعفاتها أو ما قد يحدث فيها.

ص: 1525

على المريض فقط أن يوقع دون مناقشة ولا أسئلة، وإذا رفض فإن مصيره الطرد من المستشفي. هذا ما يحدث في كثير من مستشفيات الدولة في كثير من الأقطار.

3-

قامت الصين بتعقيم أكثر من مائة مليون شخص في عهد ماوتس تونج بالإكراه كما قامت أنديرا غاندي رئيسة وزراء الهند في بداية السبعينات من القرن العشرين بتعقيم 11 مليون رجل وامرأة قسرًا. وكانت بعض الدول مثل مصر في عهد عبد الناصر تأمر أطباء النساء والولادة في مستشفيات الحكومة أن يضعوا في أرحام النساء المتزوجات في سن الحمل اللولب المانع للحمل متى كان لهذه المرأة عدد من الأطفال دون أن تستأذن في ذلك.

وهذه الإجراءات تمثل انتهاكات بشعة لحرية الإنسان وحقوقه على بدنه وهي تشبه ما قام به الأطباء الألمان في عهد هتلر من إجراءات التعقيم وإجراء التجارب القاسية والخطيرة على المرضى والمسجونين.

لُدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دون إذنه:

وقد صح عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار أن لا تلدوني فقلنا كراهية المريض للدواء فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن لا تلدوني، لا يبقى منكم أحد إلا لُدَّ، غير العباس فإنه لم يشهدكم)[أخرجه البخاري ومسلم] .

قال الأصمعي: اللدود ما سُقي الإنسان في أحد شقي الفم، أُخذ من لديدي الوادي وهما جانباه وأما الوجور، فهو في وسط الفم. وقال غيره: اللدود هو الذي يصب في أحد جانبي الفم أو يدخل بالإصبع ويحنك به. وقال عبد الملك بن حبيب الأندلسي في كتاب الطب النبوي: (وأما اللدود فبأن يعالج الذي وصفنا فوق هذا من اللدود فيجعل في ملدة ذات أنبوبة ثم يرفع اللسان فيصب تحته) .

ص: 1526

وروت أم سلمة رضي الله عنها هذه الحادثة بتفصيل أوسع قالت: (بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضه في بيت ميمونة، وكان كلما خف عليه خرج وصلى بالناس، وكان كلما وجد ثقلًا قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، واشتد شكواه حتى غمر (أي أغمي عليه) من شدة الوجع، فاجتمع عنده نساؤه وعمه العباس رضي الله عنهم وأم الفضل بنت الحارث وأسماء بنت عميس فتشاوروا في لده حين أغمي، فلدوه وهو مغمور، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم حفلًا لما أفاق. قال: من فعل هذا بي؟ هذا عمل نساء من هاهنا، وأشار بيده إلى أرض الحبشة وكانت أم سلمة وأسماء هما لدتاه، فقالوا: يا رسول الله خشينا أن تكون بك ذات الجنب، قال: فبم لددتموني؟ قالوا: بالعود الهندي وشيء من ورس وقطرات من زيت. قال: ما كان الله ليعذبني بذلك الداء ثم قال: عزمت عليكم: لا يبقى في البيت أحد إلا لد، إلا عمي العباس) .

قال علاء الدين الكحال ابن طرخان في كتاب الأحكام النبوية في الصناعة الطبية: (قال عبد الرحمن: ولدت ميمونة في ذلك اليوم وكانت صائمة، بقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس رضي الله عنهما: فجعل بعضهم يلد بعضًا. وكانت أم سلمة تقول: لددت أسماء بنت عميس ولدتني، وكانتا هما اللتان أمرتا بلده، ولدت ميمونة زينب بنت جحش، ولدت زينب ميمونة، ولدت عائشة صفية بنت حيي، ولدت صفية عائشة، رضي الله عنهم أجمعين) .

(قال القاضي عياض في تفسير ذلك: (فيه معاقبة الجاني، والقصاص بمثل ما فعل) . وقال بعض أهل العلم: فيه تعزير المتعدي بنحو فعله إلا أن يكون فعلًا محرمًا. وفيه أن الإشارة المفهمة (حيث أشار النبي أن لا تلدوني) كصريح العبارة في نحو هذه المسألة والله أعلم) .

ص: 1527

وهذا كله يوضح أن إذن المريض البالغ العاقل ضروري لإجراء أمر التداوي فإذا صرح المريض أو أشار أنه يرفض نوعًا من أنواع التداوي فله الحق في ذلك ويكون إجباره على التداوى تعديًا. ويعاقب المتعدي تعزيرًا بمثل ما فعل كما ذكر ذلك الكحال ابن طرخان إلا أن يكون ذلك الفعل محرمًا كأن سقي المريض خمرًا وهو مغمور فلا يسقى الفاعل ذلك. بل يعزر ويعاقب عقوبة رادعة. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم صراحة عن التداوي بما حرم الله. قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)) [أخرجه البخاري] . وأخرج أبو داود أنه قال: ((إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تتداووا بحرام)) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث)[أخرجه أبو داود] . وعن طارق بن سويد الحضرمي قال: (قلت: يا رسول الله إن بأرضنا أعنابًا نعتصرها فنشرب منها؟! قال: لا، فراجعته، قلت: إنا نستشفي للمريض. قال: إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء) . [أخرجه مسلم] . وعن طارق الجعفي أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الخمر فنهاه فقال: إنما أصفها للدواء فقال صلى الله عليه وسلم: ((إنه ليس بدواء ولكنه داء)) . [أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي] .

ولا شك أن إجراء عملية أو فحص طبي أو إعطاء المريض دواء دون إذنه يشكل اعتداء على هذا المريض. ولو كان المقصد حسنًا. وما دام المريض قادرًا على اتخاذ القرار فلا يجوز مخالفة أمره أو رغبته ولو كانت بالإشارة المفهومة، كما جاء في الحديث السابق حيث لد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كاره.

مسألة هل يضمن الطبيب؟

هذه المسألة قد بحثها الفقهاء الأجلاء وأصل هذا المبحث ما ورد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن)) [أخرجه أبو داود والنسائي في السنن الصغرى وابن ماجه وأبو نعيم في الطب النبوي والدارقطني كلهم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده] .

قال أبو داود (كتاب السنن باب من تطبب بغير علم) بعد أن أورد الحديث: (أيما طبيب طبب على قوم لا يعرف له تطبب من قبل فأعنت فهو ضامن) .

ص: 1528

قال الكحال بن طرخان في كتابه الأحكام النبوية في الصناعة الطبية بعد أن استعرض المعاني المختلفة لكلمة الطب (واعلم أن هذا الحديث فيه احتياط وتحرز على الناس وحكم سياسي مع ما فيه من الحكم الشرعي، إذ في ذلك خطر شديد. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((من تطبب)) ولم يقل من طبَّ، لأن لفظ المتطبب يدل على المتعلم للطب أو المتعاطي له. وتطبب على وزن تفعل ومعناه للتعاطي، أي تعاطي علم الطب، ولم يكن من أهله لأن تفعل قد تأتي بمعنى إدخال المرء نفسه في أمر حتى يضاف إليه أو يصير من أهله كقولك تشجعت وتكرمت. قال الراجز:(وقيس عيلان ومن تقيسا) .

(والطبيب هو العالم بالطب المتمكن الحاذق فيه. ومعناه (أي الحديث) : من تعاطى فعل الطب ولم يتقدم له به اشتغال ومزاولة معالجة، وتدرب مع الفضلاء فيه، فقتل بطب فهو ضامن، لأن غالب من هذه حاله أن يكون قد تهجم على إتلاف الأنفس، وأقدم بالتهور على ما لم يعلمه فيكون قد غرر بالمهج فيلزمه الضمان لذلك. فأما من سبق له اشتغال بصناعة الطب وكثرة تجارب، وأجازه علماء الطب ورؤساؤه فهو جدير بالصواب، وإن أخطأ بعد بذل الاجتهاد الصناعي أو عن قصور الصناعة نفسها فعند ذلك لا يلزمه لومة لائم. قال الخطابي: لا أعلم خلافًا في أن المعالج إذا تعدى فتلف المريض كان ضامنًا، والمتعاطي علمًا أو عملًا لا يعرفه متعد، فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية، وسقط عنه القود، لأنه لا يستبد بذلك دون إذن المريض. وجناية المتطبب في قول عامة الفقهاء على عاقلته) .

وقال ابن القيم في الطب النبوي بعد أن نقل العبارة السابقة:

(قلت الأقسام خمسة: (أحدها) : طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها، ولم تجن يده فتولد من فعله المأذون من جهة الشارع، ومن جهة من يطبه، تلف العضو أو النفس، أو ذهاب صفة. فهذا لا ضمان عليه اتفاقًا، فإنها سراية مأذون فيه) .

ص: 1529

وهذا القسم مهم جدًّا فقد أوضح ابن القيم رحمه الله كي يكون عمل الطبيب مأذونًا فيه لا بد من:

1-

إذن الشارع وهي الجهة الحكومية التي تسمح للطبيب بممارسة مهنته وما تضعه فيه من لوائح وأنظمة حتى لا يدخل في هذه المهنة من ليس أهلًا لها ولم يتم تدريبه وتعلمه الطب في معاهد الطب وعلى أيدي الأطباء الأساتذة.

2-

إذن المريض إذا كان عاقلًا بالغًا أو وليه إذا كان قاصرًا أو فاقدًا للوعي أو مجنونًا.

وما أحسن هذا الموقف النبيل الذي يخلي الطبيب من المسؤولية متى حصل على هذين الإذنين ومتى ما كان عمله حسب قواعد الطب المعروفة ولم يتعد فيها ولم تخطىء يده وأعطى الصناعة حقها. وهو أمر لم يصل إليه الغرب إلى اليوم، حيث يعتبر الطبيب مسؤولًا ويضمن رغم أنه أعطى الصناعة حقها وكان مأذونًا له في عمله من جهة الشارع وجهة المريض.. وخاصة في الولايات المتحدة فيكون ذلك إجحافًا في حق الطبيب.

ثم يقول ابن القيم: (وقاعدة الباب أن سراية الجناية مضمونة بالاتفاق، وسراية الواجب مهدرة بالاتفاق، وما بينهما ففيه النزاع) .

أي أن الطبيب إذا لم يكن مأذونًا له من جهة الشارع أو من جهة المريض أو وليه فإنه يكون ضامنًا لأن فعله ذاك جناية. ويستثني من ذلك حالات الإسعاف الطارئة، وحين يكون المريض فاقدًا للوعي أو قاصرًا أو مجنونًا ولا يوجد له ولي ليستأذن.

وإذا كان المريض قد أذن إلا أن المتعاطي للطب جاهل بالطب أو بهذا الفرع من الطب والمريض لا يعلم بحال الطبيب يضمن ما جنت يده لأنه متعد.

قال ابن القيم: (والقسم الثاني: متطبب جاهل باشرت يده من يطبه فتلف بهذا، فهذا إن علم المجنى عليه أنه جاهل لا علم له وأذن له في طبه لم يضمن ولا يخالف هذه الصورة ظاهر الحديث فإن السياق وقوة الكلام يدل على أنه غر العليل وأوهمه أنه طبيب وليس كذلك. [هذا لا يمنع السلطات أن تعاقبه على تعديه وممارسته الطب دون إذن الشارع أو المحتسب أو وزارة الصحة

إلخ] .

(وإن ظن المريض أنه طبيب وأذن له في طبه لأجل معرفته ضمن الطبيب ما جنت يده، وكذلك إن وصف له دواء يستعمله، والعليل يظن أنه وصفه لمعرفته وحذقه فتلف به، ضمنه. والحديث ظاهر فيه أو صريح) .

ص: 1530

وذكر عبد الملك بن حبيب الأندلسي في كتابه الطب النبوي هذه النقطة فقال: (وإذا لم يكن معروفًا بالطب فهو ضامن لذلك في ماله ولا تحمل ذلك العاقلة، ولا قود عليه لأنه لم يتعمد قتله، وإنما أخطأ الذي طلب من مداواته بجهله ذلك. وعليه من السلطان العقوبة) . وهو كلام نفيس دقيق، فلا قود ولا يقتل قصاصًا بالعليل الذي مات، ولكن عليه الدية كاملة في ماله لا في مال العاقلة، وإن كانت الجناية دون النفس كانت العقوبة بقدرها. ولا يعفيه ذلك من تأديب الحاكم لأنه تعدى بممارسته مهنة الطب دون إذن.

قال ابن القيم: (والقسم الثالث: طبيب حاذق أُذن له، وأعطى الصنعة حقها، لكنه أخطأت يده، وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفه، مثل أن سبقت يد الخاتن إلى الكمرة. فهذا يضمن لأنها جناية خطأ. ثم إن كان الثلث فما زاد فهو على عاقلته، فإن لم يكن له عاقلة: فهل تكون الدين في ماله؟ أو في بيت المال؟ على قولين، هما روايتان لأحمد وقيل: إن كان الطبيب ذميًا ففي ماله، وإن كان مسلمًا ففيه الروايتان، فإن لم يكن بيت المال، أو تعذر تحميله فهل تسقط الدية؟ أو تجب في مال الجاني؟ فيه وجهان: أشهرهما السقوط) .

وهو كلام دقيق لا يكاد يوجد به نظير لدى الأمم الأخرى. فهذا الطبيب المأذون له من جهة الشارع ومن جهة العليل، أعطى الصنعة حقها، لكنه أخطأت يده (ويقرر ذلك لجنة من الأطباء المختصين في هذا الفرع) فأدى ذلك إلى تلف العضو أو النفس، فإن كانت الدية أقل من الثلث فإنها في مال الطبيب وإن كانت أكثر من الثلث ففي العاقلة. والعاقلة هي قبيلة الشخص (وهو داخل فيها) أو أهل ديوانه في العطاء.. فهل تكون اليوم ممثلة في نقابة الأطباء أو الهيئة الطبية التي ينتمي إليها الطبيب. ذلك أقرب إلى مفهوم العاقلة حيث جعلت العاقلة في الديوان

ولم يعد اليوم للقبيلة وجود في كثير من المدن والبلاد.

وفي الغرب لا بد للطبيب من دفع التأمين لإحدى شركات التأمين الطبي وهو لا يستطيع أن يمارس المهنة ولا يؤذن له فيها إلا إذا دفع التأمين أولًا.. وتقوم شركة التأمين بدفع التعويض الذي تقرره المحكمة، وتكون الشركة بذلك في مقام العاقلة عندنا سواء كان المبلغ المقرر ثلث الدية أو اقل أو أكثر.

ويبدو أننا نحتاج اليوم في بلاد المسلمين عربًا وعجمًا لشيء مماثل لهذا أو قريب منه حيث اختفى مفهوم العاقلة من معظم البلاد.

ص: 1531

وقد ناقش هذه النقطة عبد الملك بن حبيب المتوفى سنة 231هـ قبل ابن القيم بأربعة قرون حيث قال: (فأما إذا أخطأ الطبيب في كيه أو بطه أو شقه، فيكوي حيث لا يُكوى أو يقطع عرقًا حيث لا يُقطع، أو يبط حيث لا يبط، أو يسقي ما لا يؤمن شربه أو يجاوز قدره فيموت (العليل) من ذلك، فهو ضامن، وإن كان طبيبًا معروفًا بالطب وبالبصر به، لأنه جناية يده بخطأ، وذاك على عاقلته إذا جاوز ما أصاب ثلث الدية، ولا عقوبة عليه لأنه يعذر بجهل، ولم يتعمد بيد ولا بقلب حتى زلت يده أو حديدة في سرعتها. وكذلك قال مالك: إذا كان الطبيب معروفًا بالطب فلا ضمان عليه إلا أن يتعدى أو يخطىء فيكون ذلك على العاقلة إن بلغت ثلث الدية، وإن كان أقل من ذلك ففي ماله. وكذلك الخاتن يختن فيموت الصبي من اختتانه، إن كان بصيرًا بعمل، معروفًا به فلا شيء عليه، وإن لم يكن معروفًا فهو ضامن من ذلك في ماله وعليه العقوبة. قال: وإن كان أخطأ أو قطع ما لا يقطع أو مضت يده إلى البيضة (المقصود الخصية) أو ما أشبه ذلك من الخطأ وتعدى الصواب فهو ضامن (سواء) كان بصيرًا بعمله معروفًا به أو غير معروف. وإن كان غير معروف ففي ماله قليلًا كان أو كثيرًا، وإن كان بصيرًا بعمله، معروفًا به، فذلك على عاقلته إن جاوز ثلث الدية. وإنما يفترقان في العقوبة: يعاقب غير المعروف بذلك العمل (لأنه غير مأذون له من جهة الشارع وتصرف العقوبة عن المعروف بعمله، البصير به. وكذلك قال مالك في ذلك كله) .

ثم قال: (وإن كان الطبيب نصرانيًا فسقى المسلم فمات فعلى السلطان أن يكشفه عما سقاه وإن كان طبيبًا معروفًا بالطب والبصر به للمظنة التي تواقعه لعداوة النصارى للمسلمين ومثل ذلك لا شك عن اليهود) .

ثم ذكر ابن القيم القسم الرابع فقال: (القسم الرابع: الطبيب الحاذق الماهر بصناعته اجتهد فوصف للمريض دواء فأخطأ في اجتهاده فقتله فهذا يخرج على روايتين أحدهما أن دية المريض في بيت المال والثانية أنها على عاقلة الطبيب) .

(والقسم الخامس: طبيب حاذق أعطى الصنعة حقها فقطع سلعة من رجل أو صبي أو مجنون بغير إذنه أو إذن وليه أو ختن صبيًّا بغير إذن وليه فتلف. قال بعض أصحابنا: يضمن لأنه تولد من فعل غير مأذون فيه. وإن أذن له البالغ أو ولي الصبي والمجنون لم يضمن. ويحتمل أن لا يضمن مطلقًا لأنه محسن وما على المحسنين من سبيل) .

ص: 1532

وهذا القسم هو مدار حديثنا. فإن كان الطبيب قد قام بعمل دون إذن في حالة من حالات الطوارىء لإنقاذ حياة المريض أو إنقاذ عضو من أعضائه فقد نصت اللوائح على أنه لا عقوبة ولا ضمان على الطبيب إن تلف العضو أو هلك العليل إلا إذا أخطأ خطأ بينًا لا تحتمله مهنة الطب، ويقرر ذلك لجنة من الأطباء المختصين في هذا الفرع.

أما إن كان الطبيب قد قام بإجراء طبي في حالات عادية (ليست من حالات الطوارىء) دون إذن المريض العاقل البالغ أو إذن ولي القاصر أو المجنون أو فاقد الوعي فإن الطبيب يقع تحت المساءلة سواء أصيب المريض أم برأ من علته. وتقع عليه عقوبة من جهة الشارع (وزارة الصحة، نقابة الأطباء

إلخ) لأنه تجاوز الإذن وقام بعمل غير مأذون فيه، ولا مبرر له فيه لإنقاذ حياة أو عضو.

وتقع عليه العقوبة بالإضافة إلى الضمان إذا أصيب العليل في بدنه أو نفسه. وتكون الدية في هذه الحال على الطبيب لأنه متعد سواء كانت الدية أقل من الثلث أو الثلث أو أكثر منه. ولا تحمل العاقلة من ذلك شيئًا إلا أن تطوع.

والمشكلة تثور في تقديري متى تكون عملية الإنقاذ ضرورية حتى تجري دون إذن، فعلى سبيل المثال هناك طائفة من النصارى هم شهود ياهو (Jehova Witnesses) يرفضون تعاطي الدم مهما كان السبب. وقد وافقت المحاكم في الغرب على عدم إنقاذهم بنقل الدم إلا إذا كان المصاب قاصرًا (دون سن 18 سنة) أو فاقدًا للوعي أو مجنونًا، فإن على الطبيب في تلك الحالة أن ينقل للمصاب الدم رغم معارضة ولي أمره.

من هو الذي لا يعتد برضاه؟

1-

القاصر: ويختلف تعريف القاصر من بلد إلى آخر وتأخذ معظم البلاد في قوانينها سن 18 عامًا بينما تجعله بعض القوانين 21 عامًا. فعلى سبيل المثال حدد القانون المدني الكويتي (الفقرة الثانية من المادة 96) سن الرشد بواحد وعشرين سنة ميلادية كاملة. ومع هذا فقد أباح القانون الكويتي للشخص العاقل البالغ 18 سنة ميلادية كاملة أن يتبرع بإحدى كليتيه.

وهل يعتد برضا الإنسان البالغ (الاحتلام أو الحيض وظهور العلامات الثانوية للبلوغ مثل شعر العانة والشارب واللحية

إلخ) ؟ ومن المعلوم أن الفتاة قد تحيض في سن تسع سنوات، قال الإمام الشافعي:(أعجل من سمعت من النساء تحيض نساء تهامة يحضن لتسع) . وهو مذهب الإمام الشافعي، والإمام مالك وأحمد. وعند الأحناف أقل سن للحيض سبع سنوات.

فهل يعتبر رضا من بلغ كافيًا ولو كان سنه دون الخامسة عشر؟

يبدو أن هذه النقطة تحتاج إلى قرار من أصحاب الفضيلة العلماء في مجمعهم الفقهي الموقر حيث تختلف القوانين في هذه النقطة من بلد إلى آخر ولا يبدو أن هناك رأيًا متفقًا عليه بين الفقهاء حولها.

ص: 1533

2-

المغمى عليه أو فاقد الوعي: سواء كان ذلك فقدانًا مؤقتًا بنوم أو مرض أو دواء أو حادثة أو سكر أو مخدرات أو فقدانًا دائمًا بسبب مرض من الأمراض.

3-

المجنون: وسواء كان ذلك الجنون وفقدان العقل والإدراك مؤقتًا أو دائمًا.

وجماع ذلك كله قول المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم: ((رفع القلم عن ثلاثة: الصبي حتى يحتلم، والنائم حتى يستيقظ والمجنون حتى يفيق)) .

متى يقبل أو يرفض إذن ولي أمر القاصر أو المجنون أو فاقد الوعي؟

لا بد من إذن ولي أمر القاصر أو المجنون أو فاقد الوعي في الحالات التي لا تستدعي تدخلًا سريعًا لإنقاذ حياة المريض أو إنقاذ عضو من أعضاء جسده. ولا يعتد بإذن ولي أمر القاصر أو المجنون أو فاقد الوعي في هذه الحالات التي تهدد حياة القاصر. كما أوضحنا في حالة الحاجة الماسة لنقل الدم إلى مصاب في حادثة أو غيرها بينما يرفض ولي أمره إعطاءه الدم. وقد حكمت المحاكم في الغرب أن على الأطباء أن ينقذوا حياة المصاب ولا يعتدوا بإذن ولي أمره، أما حينما يكون المصاب عاقلًا بالغًا غير فاقد لرشده فإن الحصول على إنه قبل أي إجراء يعتبر ضروريًّا ولو كان في ذلك الأمر خطر على حياته ذاتها.

وتحدث في المستشفيات في كثير من البلاد الإسلامية عربًا وعجمًا حوادث يحتاج فيها إلى توضيح هذا الأمر وما هو الموقف الفقهي منها. وسنذكر هاهنا بعض الأمثلة التي ذكرها الدكتور صلاح العتقي في ندوة الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الإسلامية (الكويتية 20 شعبان 1407هـ/ 18 إبريل 1987م ص210 - 212) وأمثلة أخرى مما نعرفه.

1-

طفل يرقد في قسم الأطفال يعاني من مرض استسقاء الرأس (موه الدماغ)(Hydrocephalus) رفض والده إجراء العملية بعد الولادة وفضل أن يتركه يموت على أن يحصل على طفل مصاب بتخلف عقلي.

2-

بنت عمرها ست سنوات عندها فشل كلوي ونصح الأطباء بإجراء الغسيل (Haemodialysis) في مستشفى الدولة مجانًا وأن تتحمل الدولة نقل المريضة من منزلها إلى المستشفى ثلاث مرات في الأسبوع إلا أن الأب رفض ذلك متعللًا بأنه قد سبق أنه فقد ابنًا له بسبب عمليات الغسيل الكلوي.

في هذه الحالة تدخلت وزارة الصحة وأمرت بنقل الطفلة دون إذن والدها إلى المستشفى وقامت بإجراء الغسيل المتكرر للطفلة. فهل تدخل الدولة في هذه الحالة هو الصواب مع العلم بأن الغسيل الكلوي ليس علاجًا شافيًا للفشل الكلوي ولكنه يسمح للمريض بضع سنوات من الحياة المعقولة رغم ما فيها من آلام ومنغصات ومضاعفات للمرض.

ص: 1534

3-

يحدث تعسر في بعض الولادات ويصاب الطفل قبيل الولادة وهو لا يزال في الرحم بحرج شديد يعرف طبًا باسم ((حرج الجنين)) (Fetal Distress) ويستدعي ذلك سرعة إجراء عملية قيصرية لإنقاذ حياة الطفل. وخاصة إذا سقط الحبل السري ونزل قبل خروج الطفل (Prolapse cord) مما يؤدي إلى انضغاط الحبل السري أثناء الولادة مؤديًا إلى وفاة الطفل أو إصابته إصابة بالغة ويستدعي ذلك إجراء عملية قيصرية مستعجلة.

توجب بعض الأنظمة واللوائح موافقة المرأة وزوجها لإجراء هذه العملية.

فما هو الموقف: عندما يرفض الزوج؟

عندما ترفض المرأة ويقبل زوجها؟

عندما يرفضان جميعًا، المرأة وزوجها، إجراء العملية؟

مع العلم أن العملية تجري لإنقاذ الطفل لا لإنقاذ حياة المرأة التي يمكن أن تلد طفلًا ميتًا أو طفلًا مصابًا إصابات بالغة دون الحاجة لإجراء العملية.

وهناك أسئلة أخرى مماثلة:

4-

يرفض بعض الرجال أن يتولى طبيب فحص محارمه أو أن يجري لهم عملية قد تكون مستعجلة ولا تحتمل التأخير، وقد لا يكون في المنطقة طبيبة في هذا النوع من الطب، وفي بعض المناطق قد لا توجد طبيبة على الإطلاق.

هل من حق الزوج أو ولي المرأة أن يرفض أن يجري الطبيب الرجل الفحص أو إجراء العملية! وقد تكون المرأة بالغة راشدة ولا يعتبر شرعًا وليًّا لأمرها في موضوع التداوي.. وعلى فرض أنها ابنته وأنها قاصر أو أنها غير راشدة فاقدة للوعي أو الإدراك أو العقل فهل له أن يمتنع عن مداواتها بحجة أنه لا يريد أن يكشف عورتها لرجل رغم حراجة الموقف الطبي وأهمية سرعة الإجراء الذي لا يحتمل التأخير والبحث عن طبيبة؟!

5-

يتبرع ولي الطفل أو مجنون (فاقد الأهلية) بعضو من أعضاء وليه، فعلى سبيل المثال يقوم الأب (ولي الأمر) بالتبرع بكلية أحد أطفاله لطفله الآخر. ومن المعلوم أن أحسن المتبرعين هم الإخوة وخاصة إذا كانوا من التوائم المتماثلة فإن الرفض للعضو الغريب لا يحدث ويتقبل الجسم العضو الجديد وكأنه منه.. وقيس على ذلك تبرع النخاع وغيره. فهل يحق لولي أمر الطفل أن يتبرع بأحد أعضاء جسمه لينقذ حياة أخيه؟.

ص: 1535

وقد أفتى مجمع الفقه الإسلامي الموقر في دورته الرابعة القرار رقم (1) د 4/08/88 (المادة الثانية) بجواز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائيًا كالدم والجلد ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة. ونص القانون الكويتي على أن يكون المتبرع بأعضائه قد أكمل ثمانية عشر سنة ميلادية وعليه فإن ما يحدث من تبرع الوالد نيابة عن ولده القاصر هو أمر مخالف لما عليه الفتوى وما تنص عليه القوانين.

6-

تحدث في الغرب بعض المشاكل ومن المحتمل أن تفد علينا فيما يفد علينا، ومن ذلك: أن الفتيات اللاتي يعانين من تخلف عقلي يتعرضن للحمل دون إرادتهن. وقد ثار جدل طويل حول تعقيم مثل هؤلاء الفتيات. كما ثار جدل حول ما يفعله بعض الأطباء من وصف وسائل منع الحمل مثل الحبوب للفتيات القاصرات (أقل من 18 عامًا حسب القانون) دون إذن مسبق من ولي الأمر (وهو والد الفتاة أو والدتها

إلخ) .

وهذه المشكلة موجودة لدينا بصورة مرعبة حيث أن وسائل منع الحمل وخاصة الحبوب تباع في الصيدليات بدون وصفة طبية، وبالتالي يمكن أن تستخدمها الفتيات القاصرات أو أولئك النسوة اللاتي تضرهن أقراص منع الحمل بسبب مرض من الأمراض مثل البول السكري أو ضغط الدم أو الدوالي

إلخ.

وتشجع الحكومات في كثير من بلدان العالم الثالث على نشر استخدام وسائل منع الحمل بكافة الطرق ومن ذلك توفير حبوب منع الحمل بأسعار زهيدة تتحملها الدولة وبيعها للجمهور دون الحاجة إلى وصفة طبية! وهو أمر مخالف للطب والعقل.

7-

ما هو مدى إذن المريض المسجون؟ إن كثيرًا من السجون وإدراتها تتعدى على النزيل وخاصة النزلاء السياسيين. وقصص التعذيب الرهيبة في داخل تلك السجون مما يشيب له الولدان. ويشترك بعض الأطباء العاملين في السجون في هذه المآسي، بشكل من الأشكال. وقد يشتركون باستخدام بعض الوسائل في انتزاع الاعترافات، أو في إيقاف التعذيب عن حد معين حتى لا يفقد السجين حياته.. ويكون الطبيب في ذلك شاء أم أبى ضمن جهاز التعذيب (لا يشترك هو في التعذيب، بل يحدد متى يوقف التعذيب ومتى يمكن أن يعاد ويتحمله السجين!!) .

يستخدم بعض السجناء في التبرع بالدم قسرًا في كثير من الأحيان أو لقاء تخفيف قيود السجن. كما يستخدم السجناء في بعض البلاد لإجراء بعض التجارب الطبية ويتم تجريب العقاقير قبل نزولها الأسواق فيهم!!

ص: 1536

صور أخرى ينبغي فيها أخذ إذن المريض:

إن إذن المريض بالتداوي وتلقي العلاج في مستشفي أو مصحة أو عيادة يفرض تلقائيًّا المحافظة على سر هذا المريض وبالتالي لا يجوز إفشاء ذلك السر إلا في حالات محددة

ولا بد من إذن المريض في معظم هذه الحالات. وقد جاء في توصية ندوة الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية المنعقدة في الكويت 20 شعبان 1407هـ/ 18 إبرايل 1987م ما يلي: يستثنى من وجوب كتمان السر حالات يؤدي فيها كتمانه إلى ضرر يفوق ضرر إفشائه بالنسبة لصاحبه، أو يكون في إفشائه مصلحة ترجح على مضرة كتمانه.

(أ) حالات يجب إفشاء السر بناء على قاعدة ارتكاب أهون الضرين، وقاعدة تحقيق المصلحة العامة التي تقضي بتحمل الضرر الخاص لدرء الضرر العام إذا تعين ذلك لدرئه.

وهذه الحالات نوعان:

1-

ما فيه درء مفسدة عن المجتمع.

2-

ما فيه درء مفسدة عن فرد.

(ب) حالات يجوز فيها إفشاء السر لما فيه من جلب مصلحة للمجتمع أو درء مفسدة عامة وهذه ينبغي الالتزام فيها بمقاصد الشريعة وأولوياتها من حيث حفظ الدين والنفس والعقل والمال.

(ج) يضاف إلى ذلك حالات يكون فيها رضا صاحب السر بإفشائه ويكون في حدود الإذن لأن لصاحبه الحق في إسقاطه.

(د) الاستثناءات بشأن مواطن (مواضع) وجوب الإفشاء أو جوازه ينبغي أن ينص عليها في قانون مزاولة المهن الصحية وغيره من القوانين موضحة ومنصوصًا عليها على سبيل الحصر مع تفصيل كيفية الإفشاء ولمن يكون؟ وتقوم الجهات المسؤولة بتوعية الكافة بهذه المواطن.

ولا بد من ضرب بعض الأمثلة: هناك مجموعة من الأمراض المعدية ومنها بعض الأمراض الجنسية التي تقرر الحكومات وجوب التبليغ عنها. ولا يكتفي في هذه الحالات بمجرد التبليغ بوجود حالة بل لا بد من أخذ تفاصيل كثيرة مثل اسم المريض وعنوانه وعمله ومن اتصل به جنسيًا

إلخ.. وبالتالي فإن هذا الأمر يبلغ للسلطات المختصة ومع ذلك قد يخرج عن تلك الدائرة.

- الملفات الطبية التي بها المعلومات الخاصة بالمريض يتداولها عدد من الموظفين في المستشفيات وبعضهم لا علاقة له بالطب.

ص: 1537

- الطبيب الذي يعمل لصالح شركة أو مؤسسة يقوم بإبلاغ الشركة وأصحاب العمل بأمراض موظفي تلك الشركة ويكتب عنهم التقارير، ويذكر في تلك التقارير أسرارًا أفضى بها المريض إليه أو اكتشفها هو عند إجراء الفحوصات ويبلغها للشركة مما يؤدي في بعض الأحيان إلى الاستغناء عن خدمات الموظف وقطع رزقه.

ومثله الطبيب الذي يضع تقاريره لشركات التأمين.

- يطلع الطبيب على كثير من الأسرار وقد يكون أحد مرضاه خاطبًا لفتاة فيأتي أهلها ويستشيرونه حول أهلية ذلك الشخص من الناحية الصحية للزواج؟ وهل لديه أمراض معدية وبالذات الجنسية؟ وهل يعاني من أمراض قد تنتقل إلى الذرية؟

- قد يطلب الطبيب للقضاء للإدلاء بشهادته حول مريض معين، ويؤدي ذلك إلى إفشاء أسرار مريضه، وقد لا يكون السر ضروريًّا لإجراء أمر العدالة ولكنه لا يستطيع هو أن يقرر ذلك، وإنما الذي يقرره القاضي.

وقد نص نظام مزاولة مهنة الطب البشري وطب الأسنان ولائحته التنفيذية في المملكة العربية السعودية (وزارة الصحة) على وجوب المحافظة على سر المهنة إلا في حالات محددة. وإليك نص المادة 23:

(يجب على الطبيب أن يحافظ على الأسرار التي علم بها عن طريق مهنته ولا يجوز له إفشاؤها إلا في الأحوال التالية:

1-

إذا كان الإفشاء مقصودًا به الإبلاغ عن وفاة ناجمة عن حادث جنائي، أو الحيلولة دون ارتكاب جريمة ولا يجوز الإفشاء في هذه الحالة إلا للجهة الرسمية المختصة.

2-

إذا كان الإفشاء بقصد التبليغ عن مرض سار أو معد.

3-

إذا كان الإفشاء بقصد دفع الطبيب لاتهام موجه إليه من المريض أو ذويه يتعلق بكفايته أو بكيفية ممارسته لمهنته.

4-

إذا وافق صاحب السر كتابة على إفشائه أو كان الإفشاء لذوي المريض مفيدًا لعلاجه.

5-

إذا صدر له أمر بذلك من جهة قضائية.

ص: 1538

إذن المريض في حالات النشر:

لا بد للحصول على إذن كتابي من المريض لنشر صوره. وللأسف نرى أجهزة الإعلام بالاتفاق مع بعض الأطباء تبادر إلى نشر صور المرضى. وذلك في الغالب للدعاية لمستشفى معين أو لطبيب معين أو باعتباره خبرًا جديدًا مثل إجراء عملية جديدة أو إجراء طبي جديد، وقد يكون هذا الإجراء يحدث لأول مرة في تلك المنطقة في العالم مثلًا زرع الكلى أو زرع القلب أو التلقيح الاصطناعي وطفل الأنبوب أو ولادة توائم متلاصقة. وفي هذه الحالات جميعًا يتم للأسف النشر في كثير من الأحيان دون إذن المريض أو وليه. وهو اعتداء على خصوصيات ذلك المريض ولا بد من إذنه أولًا وخاصة أن النشر يصحبه التصوير.

أما النشر في المجلات الطبية والمجالات العلمية فلا يحتاج إلى إذن إذا لم يكن فيه أي إشارة إلى اسم المريض أو صورته أو إذا كانت الصورة لأعضاء داخلية أو أعضاء لا يمكن تمييزها أما إذا كان النشر تصحبه صور لوجه الشخص فلا بد من تغطية عينيه بحيث لا يمكن التعرف عليه إلا في حالات موافقة صاحب الصورة على ذلك كتابة.

وكذلك الأمر بالنسبة لأفلام الفيديو التي تستخدم لتصوير المريض وتطور مرضه.

إذن المريض في حالات إجراء البحوث والتجارب الطبية:

إن الأبحاث الطبية وإجراء التجارب في الحقل الطبي أمر لا مندوحة عنه للتقدم الطبي ولا بد من توفر عدة شروط قبل إجراء هذه الأبحاث والتجارب على البشر ونوجزها فيما يلي:

1-

أن يتم بحث هذه الطريقة الجديدة في التداوي سواء كانت بالعقاقير أو الجراحة أو الأشعة في حيوانات التجارب. وأن توضح هذه الأبحاث الفوائد المرجوة من هذا النوع الجديد من التداوي، كما توضح بصورة عامة مدى الأضرار والمخاطر.

2-

أن لا يكون في استعمال هذه الطريقة خطر على حياة المتبرع بإجراء التجارب ولا خطر على جسمه.. أما الأخطار البعيدة والمحتملة والتي عادة ما تكون نادرة الحدوث فيمكن قبولها إذ لا يوجد دواء ولا وسيلة من وسائل التداوي بالعقاقير أو الجراحة أو الأشعة أو غيرها إلا ولها بعض الأضرار المحتملة وإن كانت نادرة الوقوع.

3-

لا بد من إذن كتابي من الشخص المتبرع بإجراء الأبحاث الطبية عليه. ولا بد أن يعرف كافة الاحتمالات التي يمكن أن يتعرض لها أثناء هذه التجربة. ولا بد من شهود على موافقته.

4-

لا بد أن يكون المتبرع بإجراء الفحوصات عليه بالغًا عاقلًا راشدًا، ولا يواجه ضغوطًا خاصة تفرض عليه القبول كأن يكون مسجونًا أو أسيرًا، أو أنه في حالة عوز وفقر فيقبل إجراء التجارب على بدنه في مقابل مالي أو غيره.

5-

لا يجوز لأحد أن يجري التجارب على القاصر أو المجنون أو فاقد العقل ولا يقبل في ذلك موافقة وليه.

ص: 1539

أنواع الإذن:

يكتفي بالإذن الشفوي لإجراء الفحص السريري والتحاليل المخبرية العادية مثل تحليل الدم والبول والبراز والبصاق والأشعة العادية التي ليس فيها أي تدخل في جسم المريض.

ينبغي الحصول على إذن كتابي من المريض البالغ العاقل أو إذن ولي المريض القاصر أو المجنون أو المغمى عليه لإجراء الأمور التالية:

1-

أي عملية جراحية ما عدا خلع الأسنان ومعالجة الفم التي تتم في العيادة ودون الحاجة لدخول المستشفى أو إعطاء المخدر.

2-

إعطاء أي مخدر وخاصة إذا كان التخدير عامًّا أو نصفيًّا.

3-

إجراء الفحوصات فيها تدخل في جسم المريض (Invasire) مثل المناظير للجهاز الهضمي أو البولي أو التناسلي، ومثل أخذ عينة من الكبد أو الكلى أو الأمعاء أو الرئتين

إلخ. ومثل القسطرة لشرايين القلب أو غيرها من الأوعية الدموية ومثل إجراء الأشعة التي فيها تدخل في جسم المريض.

4-

إجراء أي علاج كيماوي لمعالجة السرطان أو علاج بالأشعة.

5-

تصوير المريض بالآلة التصوير أو الفديو وخاصة إذا كان التصوير يشمل الوجه أما تصوير العمليات الجراحية أو غيرها التي لا توضح الوجه الذي يستدل به على الشخص فلا تحتاج إلى إذن.

ينبغي الإشهاد على إذن المريض باثنين من الشهود ولو كانا من ضمن الهيئة الطبية. ينبغي أن يتم شرح الإجراء المراد فعله للمريض شرحًا وافيًا وإذا كان المريض لا يستطيع فهم ذلك ينبغي أن يتم الشرح لولي أمره.

6-

إذن المريض في الاستفادة من الأجزاء والأنسجة التي تم إزالتها في أثناء عملية أو بعد ولادة، كالاستفادة من المشيمة أو من السقط الذي نزل ميتًا لاستعماله في زرع الأعضاء أو تحنيطه ووضعه في محلول الفورمالين لدراسته وتعليم طلبة الطب ليتعرفوا على أنواع الأمراض.

ولا حاجة للإذن في الأنسجة والإفرازات التي قد تشكل خطرًا على الصحة العامة والتي يجب التخلص منها فينبغي الالتزام بالإجراءات التي تفرضها الأنظمة الصحية في هذه الحالة.

ص: 1540

علاج الحالات الميئوس منها:

ذكرنا في أول المبحث جواز عدم التداوي وما ورد في ذلك من أحاديث نبوية صحيحة حتى أن الإمام أحمد ابن حنبل رحمه الله جعل عدم التداوي أفضل لمن كمل يقينه وورد أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه رفض التداوي، وكذلك فعل أبو الدرداء رضي الله عنه. وذكرنا الحالات التي يجوز فيها عدم التداوي ومنها الحالات المرضية التي لا دواء لها معلوم أو أن دواءها فيه مخاطر كثيرة. أو أن فائدة التداوي مظنونة موهومة لا متيقنة ولا راجحة بغالب الظن.

وفي هذه الحالات والحالات الأخرى التي فصلناها هناك يحق للمريض أن يرفض التداوي متى ما كان بالغًا عاقلًا.

ولكن هل يحق لولي أمر ناقص الأهلية مثل الطفل أو المجنون أو المغمى عليه أن يقرر نيابة عن المصاب ترك التداوي؟!

وهل يحق للأطباء في المستشفيات وغيرها أن يقرروا أن هذه الحالة ميئوس منها فعلى سبيل المثال طفل مصاب باستسقاء كبير جدًّا في دماغه (موه الدماغ) ومصاب بأنواع من الشلل ولا أمل في إجراء العملية لأن الدماغ قد ضمر فهل تجري لمثل هذا الطفل العملية؟ هل إذا أصيب مثل هذا الطفل بالتهاب رئوي حاد يبادر إلى علاجه ومعلوم أن الالتهاب الرئوي يمكن مداواته ولكن حالة المريض الخطيرة لا يمكن مداواتها وإذا ترك المريض دون علاج للالتهاب الرئوي فإن المتوقع وفاته بسبب ذلك الالتهاب؟ فهل إذا وافق أولياء أمر هذا الطفل يترك دون علاج؟

وهناك الشيخ الكبير المصاب بأنواع من الشلل وجلطة القلب وهبوط شديد بالقلب وفشل في وظائف الكلى فهل يدخل إلى برنامج الغسيل الكلوي؟

وعدد الآلات محدود ويحتاج لها عدد ممن هم في مقتبل العمر الذين يعانون من الفشل الكلوي؟! وهل إذا أصيب مثل هذا الشخص بتوقف مفاجىء لضربات قلبه يتم إسعافه بإجراء الإسعافات المعتادة في مثل هذه الحالات والتي قد تستدعي استخدام أجهزة القلب أو التنفس الاصطناعي أم يترك مثل هذا الشخص ليلاقي حتفه؟!

ص: 1541

وهناك المريض الذي أصيب في دماغه إصابات بالغة أدت إلى فقدان الوعي فقدانًا كاملًا وهو يعيش عن طريق التغذية بالأنبوب عبر المعدة والأنابيب ليفرز البول (القسطرة) . وقد يحتاج إلى المنفسة من حين لآخر. أو يحتاج لها باستمرار ولا أمل في استعادته الوعي والإدراك ولا أمل في تحسين حالته

ويتعرض مثل هذا الشخص لالتهاب رئوي حاد أو لجلطة في القلب وتوقف في نبض القلب فهل يتم إسعافه أو يترك؟

في كثير من المستشفيات في مختلف بلاد العالم لجان أخلاقية مكونة من الأطباء ورجال دين، ورجال بارزون في المجتمع ويوكل لهذه اللجان في كل مستشفى ليقرروا ما يفعلونه في كل حالة على حدة، لأن كل حالة تختلف عن الأخرى في تفاصيلها.

وفي بعض المستشفيات يقرر الأطباء المسؤولون عن المريض ما إذا كانوا سيقومون بإجراءات الإسعاف والمعالجة إذا حدث توقف مفاجىء للقلب مثلًا.

والأسئلة المطروحة هي:

1-

هل من حق المريض العاقل البالغ أن يقرر كتابة أنه لا يريد إجراء نوع معين من التداوي فمثلًا بعد أن يعرف المريض حالته يكتب أو يقول أنه لا يريد أي تدخل طبي إذا توقف قلبه عن النبض

إلخ؟ ويبدو أنه لا إشكال في هذه النقطة كما سبق تقريره.

2-

هل من حق ولي أمر المريض القاصر أو الفاقد الوعي أو المجنون أن يقرر ذلك بالنيابة عنه؟.

3-

هل من حق الأطباء أو لجنة منهم أو لجنة أخلاقية مكونة من الأطباء وغيرهم أن تقرر أن هذا المريض ميئوس من حالته وبالتالي لن يقوم الأطباء بإجراءات الإسعاف عند توقف قلبه عن النبض مثلًا؟

هذا مع العلم أن إنهاء حياة المريض الميئوس منه بصورة إيجابية أمر ترفضه الشريعة والقوانين ويعتبر من يجهز على المريض قاتلًا يستوجب القصاص.

وقد جاء في المادة 21 من نظام مزاولة مهنة الطب في المملكة العربية السعودية ما يلي: (ولا يجوز بأي حال من الأحوال إنهاء حالة مريض ميئوس من شفائه طبيًا ولو كان بناء على طلبه أو طلب ذويه) .

فهل هناك فرق بين ما يسمى قتل الرحمة الإيجابي (Positive Euthansia) وهو قتل فعلي للمريض الميئوس منه وبين قتل الرحمة السلبي (Passive Euthanasia) وهو ترك المريض بدون دواء لما يعرض له من حالات حتى ينتهي أجله؟!

الدكتور محمد علي البار

ص: 1542