الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البيع بالتقسيط
المحور الأول: (المداينة ونظرة الإسلام إليها) .
المحور الثاني: (بين صلح الحطيطة وحسم الكمبيالة) .
المحور الثالث: (ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار) .
إعداد
الدكتور نزيه كمال حماد
بسم الله الرحمن الرحيم
المحور الأول
(المداينة ونظرة الإسلام إليها)
حكمها التكليفي:
1 – للمداينة في النظر الفقهي صور شتي، أهمها البيع الآجل والسلم والقرض. ولا يختلف الحكم التكليفي للبيع الآجل عن السَّلَم؛ لأن كلًّا منهما عبارة عن بيع جعل فيه أحد العوضين موجلًا، فأما البيع الآجل؛ فقد تأخر فيه الثمن، وأما السلم فالمتأخر فيه المثمن. والأصل في حكمهما الحل والإباحة، لحاجة الناس للتداين بهما في الجملة، ما لم يكن فيهما استغلال من الدائن لحاجة المدين إلى هذه المعاقدة، بحيث ينطوى البدل المؤخر في حق الطرف الغابن المستغل، قياسًا على بيع المضطر بزيادة على بذل المثل استغلالًا لحاجته.
جاء في الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية للبعلي: قال أبو طالب: قيل لأحمد: إن ربح الرجل في العشرة خمسة، أيكره ذلك؟ قال: إذا كان أجله إلى سنة أو أقل بقدر الربح فلا بأس به. وقال جعفر بن محمد: سمعت أبا عبد الله يقول: بيع النسيئة إذا كان مقاربًا فلا بأس به.
ثم علق شيخ الإسلام ابن تيمية على ذلك بقوله: وهذا يقتضي كراهة الربح الكثير الذي يزيد على قدر الأجل، لأنه يشبه بيع المضطر، وهذا يعم بيع المرابحة والمساومة (1) .
(1) الاختيارات الفقهية: ص 122، 123.
2 – أما القرض، فلا خلاف بين العلماء في أن الأصل فيه – أي في حق المقرض – أنه قربة من القرب، لما فيه من إيصال النفع للمقترض وقضاء حاجته وتفريج كربته وإعانته على كسب قربة غالبًا، وأن حكمة من حيث ذاته الندب، لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((من كشف عن مسلم كربة من كرب الدنيا، كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه)) (1) . لكن قد يعرض له الوجوب أو الكراهية أو الحرمة أو الإباحة، بحسب ما يلازمه أو يفضي إليه، لأن الوسائل تأخذ حكم المقاصد.
وبناء على ذلك نص الفقهاء على أن المقترض إذا كان مضطرًّا إلى المال، كان إقراضه واجبًا، وإن علم المقرض أو غلب على ظنِّه أن المقترض ينفقه في معصية أو مكروه، كان حرامًا أو مكروهًا على حسب الحال. ولو اقترض تاجر لا لحاجة، بل ليزيد في تجارته طمعًا في الربح الذي يحصل له من ذلك، كان إقراضه مباحًا. ومثل ذلك ما لو أقرض غنيًّا لغرض الدافع ومصلحته، كحفظ ماله بإحرازه في ذمة المقترض الموسر، فإنه يكون مباحًا أيضًا، حيث إنه لم يشتمل على تنفيس كربة لمحتاج، ليكون مطلوبًا شرعيًّا (2) .
3 – أمَّا في حق المقترض، فالأصل في حكمه الإباحة، وذلك لمن علم من نفسه الوفاء، بأن كان له مال مرتجى، وعزم على الوفاء منه، وإلَّا لم يجز، وكان آثمًا في التدليس لإخفاء حاله على مقترضه، ما لم يكن مضطرًّا – فإن كان كذلك وجب في حقِّه لدفع الضرر عن نفسه – أو كان المقترض عالمًا بعدم قدرته على الوفاء وأعطاه مع ذلك، فلا يحرم عليه حينئذ الاقتراض، لأن المنع إنما كان لحق المقترض، وقد أسقط حقه مع علمه بحاله (3) . قال ابن حجر الهيتمي في " الإنافة ": فعلم أنه لا يحلُّ لفقير إظهار الغني عند الاقتراض، لأن فيه تغريرًا لمقرض " (4) وقال في " تحفة المحتاج ":" ومن ثم لو علم المقترض أنه إنما يقرضه لنحو صلاحه، وهو باطنًا بخلاف ذلك، حرُم عليه الاقتراض أيضًا، كما هو ظاهر "(5) . بل إنه عدَّ في كتابه "الزواجر" الاستدانة مع نيَّة عدم الوفاء أو مع عدم رجائه، بأن لم يضطر، ولا كان له جهة ظاهرة يفي منها، والدائن جاهل بحاله: من الكبائر (6) . لما روى البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله)) . والطبراني عنه صلى الله عليه وسلم قال: ((من ادَّان دينًا، وهو ينوي أن يُؤدِّيَه فمات، أدَّاهُ اللهُ عنه يوم القيامةِ، ومن استدان دينًا وهو ينوي ألَّا يُؤدِّيَه فمات، قال الله عز وجل له يومَ القيامةِ: ظننتَ أنِّي لا آخذ لعبدي بحقِّهِ؟ فيؤخذُ من حسناته فتجعل في حسنات الآخر، فإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات الآخر، فتجعل عليه)) .
هذا، وقد اختلف الفقهاء فيمن يرغب في النكاح ولا مالَ له: هل يستحب له أن يقترض ويتزوج؟ فقال بعضهم: يستحب له ذلك، لكونه وسيلة لتحقيق مطلوب شرعي، وهو النكاح وقال. وقال غيرهم: لا يستحب له ذلك (7)، لقوله تعالى:{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور: 33] .
(1) أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه وأحمد. (انظر صحيح مسلم: 4/2074؛ وعارضة الأحوذي: 6/199؛ وسنن ابن ماجه: 1/82؛ ومسند أحمد: 2/252، 296، 500) .
(2)
المغني، لابن قدامة: 6/429؛ وأسنى المطالب: 2/140؛ ونهاية المحتاج: 4/215؛ وروضة الطالبين: 4/32؛ والزرقاني على خليل: 5/226؛ والبهجة شرح التحفة:2/287 ومواهب الجليل: 4/545.
(3)
تحقه المحتاج وحواشيه: 5/36؛ وعارضة الأحوذي: 6/47؛ وكشاف القناع: 3/299؛ والمغني: 6/429.
(4)
الإنافة في الصدق والضيافة، لابن حجر الهيتمي: ص 155.
(5)
تحفة المحتاج: 5/37.
(6)
الزواجر عن اقتراف الكبائر: 1/247.
(7)
مجموعة فتاوى ابن تيمية: 32/6؛ ومختصر الفتاوى المصرية، لابن تيمية: ص 432.
الاقتراض على بيت المال:
4 – لا خلاف بين الفقهاء في أنه يجوز للإمام الاستقراض على بيت المال وقت الأزمات وعند الملمات والنوائب لداعي الحاجة الماسَّة أو المصلحةِ الراجحة. قال إمام الحرمين الجويني: (وما ذكره الأولون من استسلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مسيس الحاجات، واستعجاله الزكوات، فلست أنكر جواز ذلك، ولكني أجوز الاستقراض عند اقتضاء الحال وانقطاع الأموال ومصير إلى منتهى يغلب على الظن فيه استيعاب الحوادث لما يتجدد في الاستقبال " (1) .
غير أن الفقهاء قيدوا ذلك بثلاثة شروط:
(أحدها) أن يكون هناك إيراد مرتجى لبيت المال ليوفى منه القرض. قال الشاطبي: " والاستقراض في الأزمات إنما يكون حيث يرتجى لبيت المال دخل ينتظر أو يرتجى "(2) . وقال الغزالي: " ولسنا ننكر جواز الاستقراض ووجوب الاقتصار عليه (3) إذا دعت المصلحة إليه، ولكن إذا كان الإمام لا يرتجي انصباب مال إلى بيت المال يزيد على مؤن العسكر ونفقات المرتزقة في الاستقبال، فعلى ماذا الاتكال في الاستقراض مع خلو اليد في الحال وانقطاع الأمل في المآل؟! "(4) .
(1) غياث الأمم في التياث الظلم (طبعة قطر) : ص 279.
(2)
الاعتصام (طبعة دار الفكر) : 2/122.
(3)
أى الاقتصار على الاستقراض دون اللجوء لفرض ضرائب على الناس.
(4)
شفاء الغليل، للغزالي: ص241 وما بعدها.
(والثاني) أن يكون الاستقراض من أجل الوفاء بالتزام ثابت على بيت المال، وهو ما يصير بتأخيره دينًا لازمًا عليه. وما ليس كذلك لا يستقرض له. قال القاضي أبو يعلى:"لو اجتمع على بيت المال حقَّان ضاق عنهما واتسع لأحدهما، صرف فيما يصير منهما دينًا فيه. ولو ضاق عن كل واحد منهما، كان لوليِّ الأمر إذا خاف الضرر والفساد أن يقترض على بيت المال ما يصرفه في الديون (1) دون الإرفاق (2) ، وكان من حدث بعده من الولاة مأخوذًا بقضائه إذا اتسع له بيت المال "(3) .
(والثالث) أن يعيد الإمام إلى بيت المال كل ما اقتطعه منه لنفسه وعياله وذويه بغير حقٍّ وما وضعوه في حرام، وتبقى الحاجة إلى الاستقراض قائمة. قال التاج السبكي: لما عزم السلطان قطز على المسير من مصر لمحاربة التتار، وقد دهموا البلاد، جمع العساكر، فضاقت يده عن نفقاتهم، فاستفتى الإمام العز بن عبد السلام في أن يقترض من أموال التجار. فقال له العزُّ: إذا أحضرت ما عندك وعند حريمك، وأحضر الأمر ما عندهم من الحلي الحرام اتخاذه، وضربته سكة ونقدًا، وفرقته في الجيش ولم يقم بكفايتهم ذلك الوقت اطلب القرض، وأما قبل ذلك فلا (4) .
5 – هذا ما يتعلق باستقراض الإمام على بيت المال للمصلحة العامة. أما استقراضه عليه لغير ذلك من مصالح بعض الأفراد الذين تجب مؤنتهم على بيت المال عند عدم وفائه بذلك، فقد نصَّ الحنابلة والشافعية في باب اللقيط على وجب النفقة عليه من بيت المال إذا لم يوجد له مال، فإن تعذر أخذ نفقته من بيت المال – بأن لم يكن في بيت المال شيء أو كان ما هو أهم منه – اقترض الحاكم على بيت المال مقدار نفقته (5) .
(1) لأن استحقاقها غير معتبر بالوجود والتوفر في بيت المال، لأنها من الحقوق اللازمة مع الوجود والعدم فيه. (الأحكام السلطانية، لأبي يعلى: ص252) .
(2)
لأن استحقاقها معتبر بالوجود في بيت المال دون العدم، فإن كان مصرفها موجودًا في بيت المال وجب فيه وسقط فرضه عن المسلمين، وإن كان معدومًا سقط وجوبها عن بيت المال. (الأحكام السلطانية، لأبي يعلى: ص253) .
(3)
الأحكام السلطانية، لأبي يعلى: ص253؛ وانظر الأحكام السلطانية للماوردي: ص215 (طبعة مصطفى الحلبي) ؛ وتحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام، لابن جماعة (طبعة قطر) : ص150، 151.
(4)
طبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي: 8/215؛ وانظر طبقات المفسرين، للداوودي:1/316.
(5)
تحفة المحتاج: 6/348؛ وكشاف القناع: 4/252؛ وشرح منتهى الإرادات: 2/482.
الاقتراض على الوقف:
6-
أما الاستقراض على الوقف، فهو جائز أيضًا لداعي المصلحة. قال البهوتي الحنبلي:" والظاهر أن الدين في هذه المسائل يتعلق بذمة المقترض وبهذه الجهات، كتعلق أرش الجناية برقبة العبد الجاني، فلا يلزم المقترض الوفاء من ماله، بل من ريع الوقف وما يحدث لبيت المال. أو يقال: لا يتعلق بذمته رأسًا "(1) . أي بذمة المقترض.
7 – غير أن الفقهاء اختلفوا في شروط الاستدانة على الوقف على+++ ثلاثة أقوال:
(أحدها) للشافعية: وهو أنه يجوز لناظر الوقف الاقتراض على الوقف عند الحاجة إن شرطه له الواقف أو أذن له فيه الحاكم. قالوا: فلو اقترض من غير إذن القاضي ولا شرط من الواقف لم يجز، ولا يرجع على الوقف بما صرفه لتعديه فيه (2) .
(والثاني) للمالكية والحنابلة: وهو أنه يجوز للناظر الاقتراض على الوقف بلا إذن حاكم لمصلحة – كما إذا قامت حاجة لتعميره، ولا يوجد غلة للوقف يمكن الصرف منها على عمارته – لأن الناظر مؤتمن مطلق التصرف، فالإذن والائتمان ثابتان له (3) .
والثالث للحنفية: وهو أنه لا تجوز الاستدانة على الوقف إن لم تكن بأمر الواقف إلَّا إذا احتيج إليها لمصلحة الوقف – كتعمير وشراء بذر وليس للواقف غلة قائمة بيد المتولي، فتجوز عند ذلك بشرطين: الأول: إذن القاضي إن لم يكن بعيدًا عنه، لأن ولايته أعم في مصالح المسلمين، فإن كان بعيدًا عنه فيستدين الناظر بنفسه. والثاني: أن لا تتيسر إجارة العين والصرف من أجرتها (4) .
(1) كشاف القناع: 3/300؛ وشرح منتهى الإرادات: 2/225. * ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن الحنابلة في الأصل لا يجيزون الاقترض على الجهات العامة، لعدم تمتعها بالذمة حسب نصوصهم، لكنهم أجازوا ذلك بالنسبة للوقف وبيت المال استثناء لداعي المصلحة. ومن أجل ذلك جاءت عبارة مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد في م (737) مومئةً إلى ذلك: " من شأن القرض أن يصادف ذمَّة يثبت فيها، لكن يصح الاقتراض على بيت المال كما يصح الاقتراض على الوقف ".
(2)
نهاية المحتاج: 5/397؛ وتحفة المحتاج وحاشية الشرواني عليه: 6/289.
(3)
مواهب الجليل: 6/40؛ وكشاف القناع: 3/300، 4/295؛ وشرح منتهى الإرادات: 2/225.
(4)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه: 3/419؛ والإسعاف للطرابلسي: ص47.
المحور الثاني
(بين صلح الحطيطة وحسم الكمبيالة)
7 – لقد اختلف الفقهاء فيما إذا كان للرجل دين مؤجل على آخر، فأراد أن يضع عن المدين بعضه على أن يعجل له الباقي، فهل يجوز لهما الاتفاق على ذلك؟ وتسمى هذه المسألة عندهم بـ " ضع وتعجل "، وتصنف تحت عنوان " صلح الإسقاط " أو " صلح الإبراء " أو " صلح الحطيطة "، ولهم فيها ثلاثة أقوال:
(أحدها) للشافعية والمالكية، وهو أن ذلك لا يجوز (1) . واستدلوا على ذلك بما روى البيهقي عن المقداد بن الأسود قال:" أسلفت رجلًا مائة دينار، ثم خرج سهمي في بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت له: عجل تسعين دينارًا، وأحطُّ عشرة دنانير. فقال: نعم. فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أكلت ربا يا مقداد، وأطعمته "(2) . وبما صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عن الرجل يكون له الدين على رجل إلى أجل، فيضع عنه صاحبه، ويعجل له الآخر. فكره ذلك ابن عمر، ونهى عنه. ومثل ذلك روي عن عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهما (3) .
وعلل الشافعية عدم الصحة " بأنه ترك بعض المقدار ليحصل الحلول في الباقي والصفة بانفرادها لا تقابل بعوض، ولأن صفة الحلول لا يصح إلحاقها بالمؤجل، وإذا لم يحصل ما ترك من القدر لأجله، لم يصح الترك "(4) . ووجه المنع عند المالكية: " أن من عجل ما أجل يعد مسلفًا، فقد أسلف الآن خمسمائة ليقتضي عند الأجل ألفًا من نفسه "(5) .
وبيان ذلك: أنه إذا تعجل البعض وأسقط الباقي، فقد باع الأجل بالقدر الذي أسقطه، وذلك عين الربا، كما لو باع الأجل بالقدر الذي يزيده إذا حل عليه الدين، فقال: زدني في الدين وأزيدك في المدة، فأي فرق بين أن تقول: حط من الأجل، وأحط من الدين، أو تقول: زد في الأجل وأزيد في الدين؟ قالوا: فنقص الأجل في مقابلة نقص العوض، كزيادته في مقابلة زيادته، فكما أن هذا ربا، فكذلك الآخر (6) .
(1) روضة الطالبين: 4/196؛ ونهاية المحتاج: 4/374؛ وأسنى المطالب: 2/216؛ وشرح الخرشي: 6/3؛ والبهجة شرح التحفة: 1/221؛ والزرقاني على خليل: 6/3؛ والتاودي على التحفة: 1/221.
(2)
السنن الكبرى، للبيهقي: 6/28 وهو حديث ضعيف كما ذكر العلَّامة ابن القيم في الإغاثة: 2/12.
(3)
إغاثة اللهفان، لابن القيم: 2/12.
(4)
أسنى المطالب: 2/216.
(5)
البهجة للتسولي: 1/221.
(6)
إغاثة اللهفان، لابن القيم: 2/12.
و (الثاني) للحنابلة على الصحيح في المذهب والحنفية، وهو عدم جواز الصلح عن دين مؤجل ببعضه معجلًا – لأن المحطوط عوض عن التعجيل، فأشبه ما لو أعطاه عشرة حالَّة بعشرين مؤجلة – إلَّا في دين الكتابة، لأن الربا لا يجري بينهما في ذلك. (1) وقد جاء في م (1621) من مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد "لا يصح الصلح عن دين مؤجل ببعضه حالًّا إلَّا في دين الكتابة" وقد علل الحنفية المنع في غير دين الكتابة:" بأن صاحب الدين المؤجل لا يستحق المعجل، فلا يمكن أن يجعل استيفاءً، فصار عوضًا، وبيع خمسمائة بألف لا يجوز "(2) .
وبيان ذلك: أن المعجل لم يكن مستحقًّا بالعقد حتى يكون استيفاؤه استيفاء لبعض حقه، والتعجيل خير من النسيئة لا محالة، فيكون خمسمائة بمقابلة خمسمائة مثله من الدين، والتعجيل في مقابلة الباقي، وذلك اعتياض عن الأجل، وهو باطل. ألا ترى أن الشرع حرم ربا النسيئة، وليس فيه إلا مقابلة المال بالأجل شبهة، فلأن تكون مقابلة المال بالأجل حقيقة حرامًا أولى " (3) .
قالوا: " أما إذا صالح المولى مكاتبه عن ألف مؤجلة على خمسمائة حالة فإنه يجوز، لأن معنى الإرفاق فيما بينهما أظهر من معنى المعاوضة، فلا يكون هذا من مقابلة الأجل ببعض المال، ولكنه إرفاق من الموالي بحط بعض البدل، وهو مندوب في الشرع، ومساهلة من المكاتب فيما بقي قبل حلول الأجل، ليتوصل به إلى شرف الحرية، وهو أيضًا مندوب إليه في الشرع "(4) .
(1) البحر الرائق: 7/259؛ وتبيين الحقائق: 5/43؛ والبدائع: 6/45؛ والدر المنتقى: 2/315؛ وشرح منتهى الإرادات: 2/260؛ والمبدع: 4/279؛ وكشاف القناع: 3/380.
(2)
تحفة الفقهاء: 3/423.
(3)
العناية على الهداية: 7/396؛ وتبيين الحقائق وحاشية الشلبي عليه:5/42؛ وشرح المجلة للأتاسي: 4/564.
(4)
تبيين الحقائق للزيلعي: 5/43.
(والثالث) رواية عن الإمام أحمد، حكاها ابن أبي موسى وغيره، وهو جواز ذلك (1) . وهو قول ابن عباس وإبراهيم النخعي، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية (2) .
واحتج هؤلاء بما روى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج بني النضير من المدينة، جاءه ناس منهم فقالوا: يا رسول الله، إنك أمرت بإخراجهم، ولهم على الناس ديون لم تحل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((ضعوا وتعجلوا)) . قال الحاكم: صحيح الإسناد (3) .
قالوا: وهذا ضد الربا، فإن ذلك يتضمن الزيادة في الأجل والدين، وذلك إضرار محض بالغريم، ومسألتنا تتضمن براءة ذمة الغريم من الدين، وانتفاع صاحبه بما يتعجله، فكلاهما حصل له الانتفاع من غير ضرر، بخلاف الربا المجمع عليه، فإن ضرره لا حق بالمدين، ونفعه مختص برب الدين، فهذا ضد الربا صورة ومعنى (4) .
وفي " إعلام الموقعين " لابن القيم: " لأن هذا عكس الربا، فإن الربا يضمن الزيادة في أحد العوضين في مقابلة الأجل، وهذا يتضمن براءة ذمته من بعض العوض في مقابلة سقوط الأجل، فسقط بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الأجل، فانتفع به كل واحد منهما، ولم يكن هنا ربا لا حقيقة ولا لغة ولا عرفًا، فإن الربا الزيادة، وهي منتفية ههنا، والذين حرموا ذلك إنما قاسوه على الربا، ولا يخفى الفرق الواضح بين قوله: " إما أن تربي وإما أن تقضي " وبين قوله: " عجل لي وأهب لك مائة " فأين أحدهما من الآخر، فلا نص في تحريم ذلك ولا إجماع ولا قياس صحيح "(5) .
(1) المبدع: 3/280؛ وإغاثة اللهفان: 2/11.
(2)
الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية: ص 134؛ وإعلام الموقعين: 3/371؛ وأحكام القرآن، للجصاص: 2/186 (طبعة مصر بعناية محمد الصادق قمحاوي) .
(3)
وقد علق ابن القيم على تصحيح الحاكم هذا، فقال: قلت هو على شرط السنن، وقد ضعفه البيهقي، ورجال إسناده ثقات، وإنما ضعف بمسلم بن خالد الزنجي، وهو ثقة فقيه، روى عنه الشافعي واحتج به. (إغاثة اللهفان: 2/13؛ وسنن البيهقي: 6/28) .
(4)
إغاثة اللهفان: 2/13.
(5)
إعلام الموقعين: 3/371.
8 – هذا، وقد اتجه بعض الباحثين إلى القول بمشروعية خصم الكمبيالات (حسم الإسناد) تخريجًا على قول الفقهاء المبيحين لحط بعض الدين المؤجل عن المدين نظير تعجيله وقياسًا على قوله صلى الله عليه وسلم:((ضعوا وتعجلوا)) . غير أن هذا الاتجاه غير مقبول شرعًا في نظري لأربعة وجوه:
(أحدها) أننا لو أخذنا عملية خصم الكمبيالات على ظاهرها بحسب الشكل الذي أفرغت فيه لوجدناها من قبيل بيع الدين لغير من عليه الدين، حيث يبيع صاحب الكمبيالة (الدائن) دينه المؤجل المسطور فيها لغير المدين بثمن معجل من جنسه، وبيع الدين لغير من عليه الدين جائز شرعًا إذا انتفى فيه الغرر والربا، غير أن الربا ليس بمنتف ههنا، بل هو متحقق، لأن العوضين من النقود، وقد باع الدائن نقدًا آجلًا بنقد عاجل أقل منه، فانطوى بيعه هذا على ربا الفضل وربا النساء (1) .
(والثاني) أننا لو نظرنا إلى عملية خصم الكمبيالات بحسب المقصود والغاية منها، لوجدناها أحد أمرين:
(أ) إما إقراض مبلغ وأخذ المقرض حوالة من المقترض بمبلغ أكثر منه يستوفى بعد مدة معينة. وهو ربا صريح لا مجال للتأويل فيه؛ لأن الحوالة يشترط فيها تساوي الدينين: المحال به والمحال عليه. وهنا تحقق بين مبلغ القرض والمبلغ المستوفى فيما بعد زيادة في مقابل الأجل، وهو من ربا النسيئة (2) .
(ب) أو قرض مضمون بالورقة التجارية المظهرة لأمر المصرف تظهيرًا تامًا، إذ المصرف لم يقصد أن يكون مشتريًا للحق الثابت في الورقة، ولا أن يكون محالًا به، وإنما قصد الإقراض، فقبل انتقال ملكية الورقة المخصومة إليه على سبيل الضمان، فإذا حل وقت استحقاقها ولم يدفع أي من الملتزمين قيمتها، فإن المصرف يعود على الخاصم بالقيمة، دون أن يرغب أو يكلف نفسه بعبء ملاحقة الملتزمين حتى نهاية المطاف، كما هو الحاصل عمليًا (3) .
(والثالث) أن حديث ((ضعوا وتعجلوا)) تضمن مشروعية حط الدائن لمدينه بعض الدين المؤجل نظير تعجيله على أساس أنه نوع من الصلح في الديون بين الدائن والمدين فحسب، ولذلك صنف الفقهاء مسألة ضع وتعجل تحت عنوان " صلح الإسقاط " أو " صلح الإبراء " أو " صلح الحطيطة " باعتبار أن القصد منه إسقاط الدين عن المدين وإبراء ذمته، خلافًا لربا النسيئة الذي يتضمن إنشاء الدين وشغل الذمة، والفرق بينهما كما ذكر ابن القيم (أن مقابلة الأجل بالزيادة في الربا ذريعة إلى أعظم الضرر، وهو أن يصير الدرهم الواحد ألوفًا مؤلفة، فتشتغل الذمة بغير فائدة، وفي الوضع والتعجيل تتخلص ذمة هذا من الدين، وينتفع ذاك بالتعجيل له، والشارع له تطلع إلى براءة الذمم من الديون، وسمَّى الغريم المدين أسيرًا، ففي براءة ذمته تخليص له من الأسر، وهذا ضد شغلها بالزيادة مع الصبر)(4) .
(والرابع) إن حديث الوضع والتعجل تضمن مشروعية الصورة التي ورد فيها على أساس أن تكون العلاقة في هذه العملية ثنائية بين الدائن والمدين، إذ لا يتصور صلح الحطيطة أو صلح الإسقاط في علاقة ثلاثية – كما هو الحال في خصم الكمبيالات – حيث يدخل طرف ثالث ممول يقدم قرضًا بزيادة مقابل الأجل بشكل صريح أو ضمني.
(1) انظر: المصارف معاملاتها وودائعها وفوائدها للأستاذ المحقق مصطفى الزرقا: ص10.
(2)
انظر: المصارف معاملاتها وودائعها وفوائدها للأستاذ المحقق مصطفى الزرقا: ص 10.
(3)
انظر: تطوير الأعمال المصرفية للدكتور سامي حمود: ص 284.
(4)
إغاثة اللهفان: 2/13؛ وانظر إعلام الموقعين: 3/371.
المحور الثالث
(ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار)
9 – لا خلاف بين الفقهاء في أن المدين المعسر الذي لا يقدر على وفاء دينه يمهل حتى يوسر، ويترك يطلب الرزق لنفسه وعياله ودائنيه، ولا تحل مطالبته ولا ملازمته ولا مضايقته، لأن المولى سبحانه أوجب إنظاره إلى وقت الميسرة فقال:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [الآية 280 من البقرة] . قال القاضي أبو الوليد بن رشد: " لأن المطالبة بالدين إنما تجب مع القدرة على الأداء، فإذا ثبت الإعسار، فلا سبيل إلى المطالبة، ولا إلى الحبس بالدين، لأن الخطاب مرتفع عنه إلى أن يوسر "(1) . وعلى ذلك نص جماهير الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة (2) . وقال القاضي ابن العربي: " إذا لم يكن المديان غنيًّا، فمطله عدل، وينقلب الحال على الغريم، فتكون مطالبته ظلمًا، لأن الله تعالى قال: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} "(3)
10 – أما بيان ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار، فإنه لا يخفى أن الإعسار في اللغة يعني الانتقال من الميسرة إلى العسرة. يقال: أعسر الرجل؛ إذا صار من ميسرة إلى عسرة. والعسرة في اللغة هي الضيق وقلة ذات اليد. قال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة: " العين والسين والراء أصل صحيح واحد يدل على صعوبة وشدة. فالعسر نقيض اليسر، والإقلال أيضًا عسرة، لأن الأمر ضيق عليه شديد "(4) .
أما العسرة في الاصطلاح الفقهي فتعني عدم قدرة المرء على أداء ما عليه من مال (5) . وقد ذكر القاضي أبو الوليد بن رشد أن للمدين المعسر حالتين، إما أن يكون معدمًا، وإما ألا يكون، إذ ليس كل معسر معدمًا، وإن كان كل معدم معسرًا.
(أولًا) فإن كان المدين معدمًا، أي قد نفذ ماله كله، فلم يبق عنده ما ينفقه على نفسه وعياله فضلًا عن وفاء دينه، فهذا يجب على الدائن إنظاره لا محالة، لأنه في حالة عجز مطلق عن أداء ما عليه من دين، ولا سبيل إلى تكليفه شرعًا بما لا يطيق. جاء في "المقدمات الممهدات ":" وأما المعسر المعدم، فتأخيره إلى أن يوسر واجب، والحكم بذلك لازم، لقول الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} "(6) .
(ثانيًا) وأما إذا لم يكن المدين المعسر معدمًا، أي إنه يملك بعض المال، ولكنه قليل لا يكاد يكفيه للإنقاق على نفسه وعياله بالمعروف وقضاء دينه إلا بمشقة وضيق وضرر. فقد قال ابن رشد فيه:" وأما المعسر الذي ليس بمعدم – وهو الذي يحرجه تعجيل القضاء ويضر به – فتأخيره إلى أن يوسر ويمكنه القضاء من غير مضرة تلحقه مرغب فيه ومندوب إليه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أنظر معسرًا أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله" (7) . والآثار في ذلك كثيرة، والمطل بالأداء وهو جاهد فيه غير مقصر ولا متوان غير محظور عليه إن شاء الله وكان الشيوخ بقرطبة رحمهم الله يفتون بتأخيره بالاجتهاد على قدر المال وقلته، ولا يوكلون عليه في بيع عروضه وعقاره في الحال، وعلى ذلك تدل الروايات، خلاف ما كان يفتي به سائر فقهاء الأندلس من التوكيل عليه بيع ماله وتعجيل إنصافه "(8) .
(1) المقدمات الممهدات:2/306.
(2)
المغني، لابن قدامة: 4/499؛ وكشاف القناع: 3/418؛ والمبسوط: 24/164؛ ونهاية المحتاج: 4/319؛ وشرح السنة، للبغوي: 8/195؛ والنووي على مسلم:10/218؛ والمنتقى، للباجي: 5/66.
(3)
عارضة الأحوذي 6/47.
(4)
معجم مقاييس اللغة: 4/319؛ وانظر المصباح المنير: 2/487؛ والمطلع، للبعلي: ص552.
(5)
المهذب، للشيرازي: 2/164.
(6)
المقدمات الممهدات: 2/207.
(7)
أخرجه أحمد في مسنده 2/359، وروى مسلم في صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فلينفس عن معسر أو يضع عنه ". [صحيح مسلم بشرح النووي 10/227] .
(8)
المقدمات الممهدات:2/307.
11 – وهذا التقسيم الاجتهادي وجيه، ويصلح ضابطًا معتبرًا للإعسار الذي يوجب الإنظار والذي لا يوجبه. وقد أشار العلامة محمد الطاهر بن عاشور في" التحرير والتنوير " إلى تعليل هذا النظر الفقهي ومستنده، فذكر أن النظرة في قوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} .
صيغة طلب، وهي محتملة للوجوب والندب. فإن أريد بالعسرة العدم، أي نفاذ ماله كله، فالطلب للوجوب، والمقصود به إبطال حكم بيع المعسر واسترقاقه في الدين إذا لم يكن له وفاء الذي كان في الجاهلية وعند قدماء المصريين وفي شريعة الرومان. وإن أريد بالعسرة ضيق الحال وإضرار المدين بتعجيل القضاء، فالطلب يحتمل الوجوب – وقد قال به بعض الفقهاء – ويحتمل الندب، وهو قول مالك والجمهور. فمن لم يشأ لم ينظره ولو يبيع جميع ماله، لأن هذا حق يمكن استيفاؤه، والإنظار معروف، والمعروف لا يجب. غير أن المتأخرين بقرطبة كانوا لا يقضون عليه بتعجيل الدفع، ويؤجلونه بالاجتهاد لئلا يدخل عليه مضرة بتعجيل بيع ما به الخلاص (1) .
12 – بعد هذا تجدر الإشارة إلى أن الفقهاء اختلفوا في المدين المعسر إذا كان معدمًا، هل يجبر على إجارة نفسه لوفاء دين الغرماء من أجرته أم لا؟ على قولين:
(أحدهما) للزهري والليث بن سعد، وهو أن الحر المعسر يؤاجر، ويستوفى الدين من أجرته (2) . ووافقهم على ذلك ابن حزم الأندلسي حيث نص على إجباره على التكسب لقضاء دينه، ولو بتأجيره نفسه لغرمائه إذا كان قادرًا على العمل، واستدل على ذلك بقوله تعالى:{كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} [الآية 135 من النساء] حيث إن إلزامه بذلك لإنصاف دائنيه وإعطائهم حقهم دون تأخير من القوامة بالقسط (3) . ثم قال: " فإن قيل: إن قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} يمنع من استئجاره!! قلنا: بل يوجب استئجاره؛ لأن الميسرة لا تكون إلا بأحد وجهين: إما بسعي، وإما بلا سعي. وقد قال تعالى: {وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ} [الآية 10 من الجمعة] ، فنحن نجبره على ابتغاء فضل الله تعالى الذي أمره بابتغائه فنأمره ونلزمه بالتكسب لينصف غرماءه، ويقوم بعياله ونفسه، ولا ندعه يضيع نفسه وعياله والحق اللازم له "(4) .
(والثاني) للمالكية والحنفية وجماهير أهل العلم، وهو أن من كان عليه دينٌ، ولم يكن له مال يؤديه منه، فهو في نظرة الله تعالى إلى أن يوسر، ولا يحبس ولا يؤاجر ولا يستخدم ولا يستعمل، لأن الدين تعلق بذمته، لا بمنافع بدنه، فلا دين يؤاجر فيه، ولأن قوله تعالى:{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} عام في كل من أعسر بدين، كائنًا ذلك المدين ما كان (5) . فالمولى سبحانه قال:{فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} ولم يقل فليؤاجر بما عليه. ثم إن الآثار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في المعسر ليس في شيء منها إجارته، وإنما فيها تركه، وحديث أبي سعيد الخدري " ليس لكم إلا ذلك "(6) حين لم يجدوا له غير ما أخذوا صريح في الدلالة على المطلوب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الدكتور نزيه كمال حماد
(1) التحرير والتنوير: 3/96.
(2)
أحكام القرآن، للجصاص: 2/204.
(3)
المحلى: 8/172.
(4)
المحلى: 8/173.
(5)
المقدمات الممهدات: 2/306.
(6)
حيث روى أن رجلًا أصيب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال صلى الله عليه وسلم:" تصدقوا عليه ". فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال عليه الصلاة والسلام:" خذوا ما وجدتم، ليس لكم إلَّا ذلك ". " أحكام القرآن، للجصاص: 2/202 ".