المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أحكام الرهنوحكم الإنتفاع بالمرهونإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السابع

- ‌بحثالأسوَاق المالِيَّةفيمِيزان الفقه الإسلَاميإعدَادالدكتور علي محيي الدّين القره داغي

- ‌الأسهم، الاختِيارات – المستَقبَليّاتأنواعهَا وَالمعامَلات التي تجري فيهَاإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌الاختِياراتإعدادفضيلة الشيخ محمّد المختار السّلامي

- ‌عقُود الاختياراتإعدَادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الاختِياراتإعدَادفضيلة الدكتور الصديق محمّد الأمين الضرير

- ‌الاختِياراتدَراسَة فِقهيّة تحليليّة مُقَارنَةإعدَادعَبد الوهاب ابراهيم أبو سليمان

- ‌الاختيارَات في الأسوَاق الماليَّةفي ضَوء مُقرّرات الشريعَة الإسلَاميِّةإعدَادالدكتور عبد الستار أبو غدّة

- ‌عقُود المستَقبليات في السّلعفي ضَوء الشّريعَةِ الإسلاميَّةإعداَدالقاضي محمَّد تقي العثماني

- ‌بطَاقَة الائتمان وَتكييفها الشَّرعيإعدادالدكتور عبد السّتار أبُوغُدَّة

- ‌بطَاقات الائتمانإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌بِطاقَة الائتِماندرَاسة شرعِيَّة عَمليَّة مُوجَزةإعدَادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المشاركة في شركات أصل نشَاطها حَلَالإلاّ أنّهَا تتعَامل بالحَرامإعدَادالشيخ عبد الله الشيخ محفوظ بن بية

- ‌التعامُل مَع شركات تَقوُم بأعمال مَشروعَةوَتتعامَل مَع البُنوُك بالفَوائدإعداَدفضيلة الشيخَ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بية

- ‌بَحثٌ عَن بَطاقات الائتمان المصرفيّةوالتكييف الشرعي المعمُول به فيبَيت التمويل الكويتي

- ‌دَراسَة مُقَدّمة إلىالنّدوة الثانِية للأوَراقِ المالِيّةمِن بنك البحَرين الإسلَاميحَولتَحرير محافظ الأوَراق الماليّة للبُنوك الإسلاميّةمِن المَالِ المشتبَه في حِلِّهوَالمعالجَة المالية المقترحَة لعَزل أثر التعَامُل بالفَائدةعَلى عَائداتِ الأسهُم

- ‌أسئلة عَلى الأسهم وَالاختيارات وَالمستَقَبليّاتمُقَدّمَة مِنَ البنك الإسلامي للتَنميَة

- ‌التّوصيَات الصَّادرة عَن النَّدوة الفِقهيَّة الاقتصَاديَّةالمنعقدَة بَينمجمَع الفِقِه الإسلَامي وَالبنك الإسلَامي للتِنميَة

- ‌البَيَان الخِتامي وَالتّوصيَاتللنّدوة الثانيَة للأِسَواقِ المالِيَّةالمنعقدَة بدَولة البحَرين

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الأول: (المداينة ونظرة الإسلام إليها) .المحور الثاني: (بين صلح الحطيطة وحسم الكمبيالة) .المحور الثالث: (ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار) .إعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌أحكام البيع بالتقسيطوسائله المعاصرة في ضوء الفقه الإسلاميإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثاني: الحطيطة والحلولإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌توثيق الدين والمعاملات المالية الأخرىإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثانيتوثيق الدين في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌عقد الاستصناعومدى أهميته فيالاستثمارات الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة الشيخ مصطفي أحمد الزرقاء

- ‌عقد الاستصناعإعدادالأستاذ الدكتور علي السالوس

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الاستصناع ودوره فيالعمليات التمويلية المعاصرةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌أثر الاستصناعفي تنشيط الحركة الصناعيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌عقد الاستصناعإعدادفضيلة الشيخ كمال الدين جعيط

- ‌الاستصناع والمقاولاتفي العصر الحاضرإعداد فضلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الاستصناعتعريفه - تكيفه - حكمه - شروطهأثره في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادالدكتور سعود بن مسعد بن مساعد الثبيتي

- ‌عقد الاستصناعوعلاقته بالعقود الجائزةإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌بيع الوفاء وعقد الرهنإعدادفضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌ موضوع بيع الوفاء

- ‌بيع الوفاءإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌بيع الوفاء عند الإماميةإعدادحجة الإسلام الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌(مدى انتفاع الاقتصاد من بيع الوفاء)أوتوظيف بيع الوفاء في اقتصاد العصرإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الوفاء بما يتعلق ببيع الوفاءشيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بيرم الثاني(المتوفى 1247هـ)تقديم وتحقيقمحمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌بيع الوفاءفي الفقه الإسلاميإعدادمحيي الدين قادي

- ‌بيع الوفاءإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

- ‌أحكام الرهنوحكم الإنتفاع بالمرهونإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌بيع الوفاء وحكمهإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌بيع الوفاءإعدادفضيلة الشيخ المفتي محمد رفيع العثماني

- ‌بيع الثنيا أو بيع الوفاءإعدادالأستاذ محمود شمام

- ‌عقد الرهنوأوجه الشبه بينه وبين عقد الوفاءإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العلاج الطبيمبحث التداويإذن المريض وعلاج الحالات الميئوس منهاإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌حكم التداوي في الإسلامإعدادالدكتور علي محمد يوسف المحمدي

- ‌العلاج الطبيإعدادالدكتور محمد عدنان صقال

- ‌الحقوق الدولية في الإسلامإعدادفضيلة الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌المعاهدات والاتفاقاتمنالعلاقات الدولية في أثناء السلمإعدادسماحة الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌أصول العلاقات الدوليةبين الإسلام والتشريعات الوضعيةإعدادالدكتور محمد الدسوقي

- ‌السلم، والحرب، والعلاقات الدوليةفي الإسلامإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌رسالةمعالي الدكتور محمد معروف الدواليبيحولالغزو الفكري

- ‌دراسة حول الغزو الثقافي للعالم الإسلاميبداياته، دوافعه، أبعاده، سبل مواجهتهإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الغزو الفكريفي المعيار العلمي الموضوعيإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الغزو الفكري وأساليب المواجهةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الغزو الفكريإعدادالدكتور أبو بكر دكوري

- ‌الغزو الفكرىفى التصور الإسلامىإعدادالدكتور أحمد عبد الرحيم السايح

- ‌المسلمون وتحديات الفكر المعاصرإعدادالشيخ القاسم البهيقي المختار

- ‌الغزو الفكري في حياة المسلمينمنافذ دخُوله.. وَوَسَائل مُقاومتهإعدادالدكتور عُمَر يُوسف حَمزة

الفصل: ‌أحكام الرهنوحكم الإنتفاع بالمرهونإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

‌أحكام الرهن

وحكم الإنتفاع بالمرهون

إعداد

الدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

عضو مجمع الفقه الإسلامي

(السودان)

بسم الله الرحمن الرحيم

لا خلاف بين الفقهاء في جواز الرهن وقد ثبت هذا الجواز بالكتاب والسنة والإجماع.

قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (1) .

وروى البخاري في صحيحه عن محمد بن مقاتل عن عبد الله بن المبارك عن زكريا عن الشعبي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

((الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهونًا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة)) (2) .

وروى البخاري عن قتيبة، عن جرير، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها قالت:(اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم من يهودي طعامًا ورهنه درعه)(3) .

قال القرطبي في تفسيره:

(قال جمهور من العلماء: الرهن في السفر بنص التنزيل وفي الحضر ثابت بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا صحيح.

وقد بينا جوازه في الحضر من الآية بالمعنى، إذ قد تترتب الأعذار في الحضر، ولم يرو عن أحد منعه في الحضر سوى مجاهد والضحاك وداود متمسكين بالآية. ولا حجة فيها، لأن هذا الكلام وإن كان خرج مخرج الشرط فالمراد به غالب الأحوال وليس كون الرهن في السفر مما يحظر في غيره) (4) .

ثم أورد الأحاديث الصحيحة التي أوردناها أعلاه.

(1) سورة البقرة: الآية 283.

(2)

صحيح البخاري (كتاب في الرهن في الحضر)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع: 3/115 - 116.

(3)

صحيح البخاري (كتاب في الرهن في الحضر)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع: 3/115 - 116

(4)

الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله محمد بن أحمد القرطبي: 3/407.

ص: 1412

وأصل الرهن في اللغة هو الثبوت والدوام كقولهم وأرهنت لهم الطعام والشراب أي أدمته لهم وهو طعام راهن وكذلك يطلق على الحبس كما في قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (1) .

{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} (2) .

أي كل محبوس بكسبه بحيث لا ينفك عنهما عند الله تعالى سواء كان خيرًا أو شرًّا. وأما معنى الرهن في الشرع فهو احتباس العين وثيقة بالحق ليستوفى الحق من ثمنها أو من ثمن منافعها عند تعذر أخذه من الغريم. هكذا حده العلماء (3) . والمراد بقولهم وثيقة أي شيء متوثق به وذلك لأن الدين أصبح بحبس هذه العين محكمًا لا يسع المدين أو تضيع عليه هذه العين كلها أو بعضها بحسب ذلك الدين. وفي الاصطلاح تسمى العين المرهونة رهنًا وصاحبها الذي رهنها يسمى راهنًا وصاحب الدين مرتهنًا.

ومن شروط صحة الرهن أهلية التصرف من الجانبين وتفاصيل هذا الشرط متفق عليها إلا أن الفقهاء اختلفوا في رهن الصبي المميز. فرأى الجمهور أن الصبي المميز يصح أن يكون راهنًا أو مرتهنًا لأنه يعرف معنى المعاملة ويدرك ما يترتب عليها من منافع ومضار ومع هذا فإن عقده متوقف على إقرار الولي وذلك لضمان سلامة تصرفه من الخسارة. وخالف الشافعية وقالوا رهن الصبي لا يصح ولو كان مميزًا ولو أذن وليه.

وفي الشروط عند الحنفية أن لا يكون المرهون مشاعًا سواء أكان عقارًا أو عروض تجارة أو حيوانًا وخالفهم المالكية وقالوا بجواز رهن المشارع. قال القرطبي:

(لما قال تعالى: {مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283] قال علماؤنا: فية ما يقتضي بظاهره ومطلقه جواز رهن المشاع. خلافًا لأبي حنيفة وأصحابه، لا يجوز عندهم أن يرهنه ثلث دار ولا نصفًا من عبد ولا سيف، ثم قالوا: إذا كان لرجلين على رجل مال هما فيه شريكان فرهنهما بذلك أرضًا فهو جائز إذا قبضاها. قال ابن المنذر: وهذا إجازة رهن المشاع، لأن كل واحد منهما مرتهن نصف دار. وقال ابن المنذر: رهن المشاع جائز كما يجوز بيعه)(4) .

ومن الشروط التي اختلف فيها الفقهاء هي أن تكون العين التي يراد رهنها موجودة وقت العقد فقد رأى الحنفية والشافعية والحنابلة عدم صحة الثمرة التي لم توجد لأن المالك لا يقدر على التسليم وقت العقد.

(1) سورة المدثر: الآية 38.

(2)

سورة الطور: الآية 21.

(3)

تفسير القرطبي: 3/409.

(4)

تفسير القرطبي: 3/411.

ص: 1413

وخالف في ذلك المالكية حيث قال بعضهم: إذا كان المرهون معروفًا وقت العقد بالكلية فإنه لا يجوز رهنه وذلك كثمر الحديقة قبل بروزه، أما إذا برز ولو كان صغيرًا فإنه يجوز رهنه باتفاق عندهم، وذهب بعضهم إلى جواز رهن المعدوم بالكلية كثمر الحديقة أو ولد الناقة أو نتاج القطيع لسنين قادمة إذا علق الرهن على عقد آخر من عقود البيع أو القرض (1) .

واختلف العلماء في رهن ما في الذمة ومثاله رجلان تعاملا لأحدهما على الآخر دين فرهنه دينه الذي عليه. أجاز المالكية هذا الرهن وخالفهم بعض العلماء. قال القرطبي:

(قال ابن خُوَيزمندار: وكل عرض جاز بيعه جاز رهنه ولهذه العلة جوزنا رهن ما في الذمة لأن بيعه جائز ولأنه مال تقع الوثيقة به فجاز أن يكون رهنًا قياسًا على سلعة موجودة.

وقال من منع ذلك: لأنه لا يتحقق إقباضه والقبض شرط في لزوم الرهن؛ لأنه لا بد أن يستوفي الحق منه عند المحل ويكون الاستيفاء من ماليته لا من عينه ولا يتصور ذلك في الدين) (2) .

وقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283]، يقتضي حقيقة القبض عند الشافعي لأن الله تعالى لم يجعل الحكم إلا برهن موصوف بالقبض فإذا عدمت الصفة يجب أن يعدم الحكم وهذا ظاهر جدًّا. وقالت المالكية: يلزم الرهن بالعقد ويجبر الراهن على دفع الرهن ليجوزه المرتهن لقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] وهذا عقد، وقوله:{بِالْعَهْدِ} [الإسراء: 34] وهذا عهد. وقوله عليه السلام: ((المؤمنون عند شروطهم)) وهذا شرط، فالقبض عندنا في كمال فائدته (3) .

وقوله تعالى: {مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283] كذلك يقتضي بينونة المرتهن بالرهن، ولا خلاف في صحة قبض المرتهن ولا في قبض وكيله ولكن اختلفوا في قبض عدل يوضع الرهن على يديه:(فقال مالك وجميع أصحابه وجمهور العلماء: قبض العدل قبض، وقال ابن أبي ليلى وقتادة والحكم وعطاء: ليس بقبض ولا يكون مقبوضًا إلا إذا كان عند المرتهن ورأوا ذلك تعبدًا. وقول الجمهور أصح من جهة المعنى لأنه إذا صار عند العدل صار مقبوضًا لغة وحقيقة لأن العدل نائب عن صاحب الحق وبمنزلة الوكيل وهذا ظاهر)(4) .

(1) ويجب أن لا يختلط هذا باتفاقهم على عدم صحة بيع الثمار قبل أن تبرز ويبدو صلاحها

وحكمة الشارع في ذلك بالغة إذ من الواضح الجلي أن الشجر قد لا يثمر أو قد تتسلط عليه آفة تعدم ثمره قبل أن يستوي. وللأسف تساهل بعض المسلمين في الاستمساك بهذه القاعدة الشرعية متبعين في ذلك القوانين الوضعية.

(2)

تفسير القرطبي: 3/411.

(3)

تفسير القرطبي: 3/410.

(4)

تفسير القرطبي: 3/410.

ص: 1414

وعند المالكية أن الرهن يبطل إذا خرج من يد المرتهن إلى الراهن بوجه من الوجوه لأنه فارق ما جعل له وهو قول أبي حنيفة غير أنه قال: إن رجع بعارية أو وديعة لم يبطل. وقال الشافعي: إن رجوعه إلى يد الراهن مطلقًا لا يبطل حكم القبض المتقدم.

ولا يجوز غلق الرهن لحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يغلق الرهن ولصاحبه غنمه وعليه غرمه)) (1) . وغلق الرهن هو تملك المرتهن الرهن إذا لم يؤد الراهن ما عليه في الوقت المعين وهذا من فعل الجاهلية الذي أبطله الإسلام.

قال القرطبي: (ورهن من أحاط الدين بماله جائز ما لم يفلس ويكون المرتهن أحق بالرهن من الغرماء، قاله مالك وجماعة من الناس.

وروى عن مالك خلاف هذا - وقاله عبد العزيز بن أبي سلمة - أن الغرماء يدخلون معه في ذلك وليس بشيء لأن من لم يحجر عليه فتصرفاته صحيحة في كل أحواله من بيع وشراء، والغرماء عاملوه على أنه يبيع ويشتري ويقضي، لم يختلف قول مالك في هذا الباب، فكذلك الرهن، والله أعلم) (2) .

حكم الانتفاع بالمرهون:

أما حكم الانتفاع بالمرهون فيجب التنبه إليه لعلاقته الظاهرة بالربا ويجب أن يكون محل عناية ونظر دقيقين. وفي الوجوه الظاهرة في هذه المعاملة هي أنه يعطي شخص شخصًا آخر مبلغًا من المال في نظير أن يحبس قطعة من الأرض أو حيوانًا أو عربة أو منزلًا ويكون للمرتهن بمجرد العقد أن يتصرف في الرهن كيف يشاء فإما أن يؤجرها إلى الراهن ويضم قيمة الإيجار إلى المبلغ الأصلي وبذلك يزداد رأس مال الدين باطراد كل سنة، وإما أن يؤجرها إلى غير الراهن ويأخذ قيمة الإيجار لنفسه بدون أن يخصمها من أصل المبلغ وإما أن يزرعها هو ويأخذ الزرع من غير أن يكون للراهن أي نصيب فيه وفي جميع الحالات تبقى الأرض تحت يده على سبيل الرهن.

كل هذه الصور من الانتفاع بالمرهون حرام فقد دل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على تحريم الربا بسائر أنواعه وأقسامه واتفق العلماء من السلف والخلف على أن فيها ربا القرض وقد اشتهر في ذلك قولهم: (كل قرض جر نفعًا فهو ربا) بحيث صار كالضروري بين أهل العلم. واشتراط مثل هذا الانتفاع بالمرهون باطل لأنه ينافي مقتضى القرض إذ هو تمليك مال على أن يرد مثله فقط احتسابًا للأجر من الله تعالى وكذلك ينافي مقتضى الرهن وهو كما عرفناه سابقًا جعل عين متمولة تحت يد الدائن بدينه يستوفي منها عند تضرر الوفاء

وبذلك يكون الانتفاع حرامًا لأنه زيادة لا حق للدائن فيها والربا في الأصل الزيادة وفي الشرع الزيادة في المال بغير وجه حق.

اتفق الفقهاء على أن ورود شرط للانتفاع بالمرهون في صلب عقد الرهن إن كان من قرض حرام ومبطل للعقد واختلفوا فيما إذا لم يرد الشرط في العقد ولكن اتفق عليه المتعاقدان شفاهة. فرأى كثير من الشافعية أن لا حرمة على هذا التواطؤ بين الراهن والمرتهن ولكن قال محققون منهم: هذا من حيث الظاهر وأما من حيث الباطن فحرام، ((إنما الأعمال بالنيات وإنما ولكل امرىء ما نوى)) . وهو الذي يوافق قول الشافعي: والمرتهن لا ينتفع بشيء في الرهن خلا الإحفاظ للوثيقة.

(1) رواه الدارقطني من حديث سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنهم.

(2)

تفسير القرطبي: 3/414.

ص: 1415

ورأى كثير من الحنفية أن الانتفاع بالرهن يمكن أن يفارق الفوائد الربوية، فيصبح الانتفاع بالمرهون متى أمكن أن يفارق عقد الربا وذلك بأن يرهن له العين ويأذن له في الانتفاع بها بشرط أن لا يذكر ذلك في عقد الرهن. ومتى أذن له بالانتفاع فإنه لا يصح الرجوع بعد ذلك، وقالوا إن لذلك نظيرًا وهو ما إذا اقترض من شخص قرضًا ثم أهدى له هدية، فإنها إذا لم تكن مشروطة في العقد كانت جائزة وهذا الرأي جدير بالاعتبار فقد تكون فيه سعة لأن الناس يصعب عليهم أن يتركوا أموالهم بدون استثمار خاصة في هذا الزمن الذي غلبت فيه المادة وقد علمنا أيضًا ما فيه من منزلق في حرمة الربا. ونماء الرهن داخل معه إن كان لا يتميز كالسمن أو كان نسلًا كالولادة والنتاج، وفي معناه فسيل النخل وما عدا ذلك من غلة وثمرة ولبن وصوف فلا يدخل فيه إلا أن يشترطه. هذا وقول الحنفية نماء المرهون يتبعه ليس معناه أن المرتهن يستحقه ملكًا كما قد يتوهم بعض الناس، بل المعنى أن النماء يكون مرهونًا كالأصل.

قال الإمام ابن رشد في بداية المجتهد:

(والجمهور على أن ليس للمرتهن أن ينتفع بشيء من الرهن

وقال قوم: إذا كان الرهن حيوانًا فاللمرتهن أن يحلبه ويركبه بقدر ما يعلفه وينفق عليه. وهو قول أحمد وإسحاق بما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة)) .

وذكر بعض الفقهاء تحذر الجمهور من العمل بهذا الحديث وقالوا إنه يخالف أصولًا مجمعًا عليها وآثارًا ثابتة لا يختلف في صحتها. ولذلك رأى بعضهم أن الحديث كان قبل تحريم الربا وذكروا حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري وغيره.

((لا تحلب ماشية امرىء بغير إذنه

)) وذهب أكثرهم إلى التأويل وحملوا الحديث على ما إذا امتنع الراهن من الإنفاق على المرهون فيباح حينئذٍ للمرتهن وهو قول الأوزاعي والليث وأبي ثور رحمهم الله تعالى.

واستند هذا الفريق من العلماء على حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه: له غنمه وعليه غرمه)) .

ص: 1416

ومعنى له غنمه وعليه غرمه أن له زيادته ونماءه وإذا نقص أو تلف فعليه. والحديث روي من طرق مختلفة - منها صحيح ومنها ضعيف وإنه روي مرفوعًا وموقوفًا ومرسلًا (1) . وتجدر الإشارة هنا إلى أن عددًا من الفقهاء نسب إلى الأئمة جواز الانتفاع بالحيوان المرهون من لبن وركوب ونحو ذلك في نظير أكله كما هو منصوص عليه في الحديث ومن غير ذكر للتفصيل السابق من نسخ وتأويل للحديث.

أما المالكية فإنهم أجازوا الانتفاع بثمرة المرهون ونتاجه بثلاثة شروط:

1-

أن يكون الدين بسبب البيع لا بسبب القرض مثال ذلك أن يبيع شخص لآخر دارًا أو أرضًا زراعية أو عروض تجارة أو نحو ذلك بثمن مؤجل فيرهن له في نظير ذلك عينًا لها فائدة فإن لصاحب الدين وهو المرتهن في هذه الحالة أن ينتفع بفائدة هذه العين المرهونة.

2-

أن يشترط المرتهن ((صاحب الدين)) أن تكون منفعة العين المرهونة له، فإن تطوع له بها الراهن فإنه لا يصح.

3-

أن تكون مدة المنفعة التي يشترطها معينة.

ويتضح هذا الأمر بإعطاء مثال: إذا أقرض شخص شخصًا مبلغًا من المال ورهن له بها منزلًا وانتفع بغلته، كان ذلك فائدة ربوية لأن الفائدة في هذه الحالة تكون في نظير القرض. أما إذا باع له المنزل بثمن مؤجل فهذا الثمن يكون دين بيع لا قرضًا. فإذا رهن منه عربة في نظير ذلك وانتفع بها فإنه يجوز لأن المنفعة ليست مقابلة للقرض، وإنما هي مقابلة لدين البيع، وذكر أن الحنابلة يوافقون المالكية في هذا المنحى فقالوا: إن كان سبب دين الرهن قرضًا فإنه لا يصح الانتفاع بالمرهون، وإلا فإنه يصح.

والخلاصة أن تحريم الانتفاع متفق عليه إجماعًا إذا نص عليه في عقد رهن في مقابلة قرض ورأى الحنفية الجواز إذا اتفقا عليه ولم ينصا في العقد ورأى فريق من الشافعية عدم الجواز في الحالتين وروي عن بعضهم جواز ذلك.

واختلف الفقهاء إذا كان المرهون شيئًا محتاجًا إلى النفقة كالعلف أو التشحيم أو النظافة فرأى كثير منهم الانتفاع به فيما يساوي قيمة النفقة فقط للحديث المذكور.

ورأى بعضهم أن لا ينتفع الدائن إلا إذا أبى صاحب العين الإنفاق عليها وهو ما تأولوا به الحديث.

ورأى المالكية والحنابلة جواز الانتفاع إذا كان الرهن في مقابل دين بيع واشترطها المرتهن لمدة معينة.

وبعد فالمؤمن راهنًا كان أو مرتهنًا ينظر لنفسه ويستفتي قلبه وإن أفتاه المفتون ويدع ما يريبه إلى ما لا يريبه وعلى الذين وسع الله عليهم في الرزق وأعطاهم أن يقرضوا ابتغاء وجه الله وقد أجاز لهم الشارع الكريم أن يستوثقوا بالرهن فلينزهوا أنفسهم وأموالهم عن الانتفاع به ما استطاعوا إلى ذلك سبيلًا.

(1) قال في منتقى الأخبار: رواه الشافعي والدارقطني وقال: إسناد حسن متصل. وقال شارحه: إنه رواه أيضًا الحاكم وابن حبان في صحيحه.

ص: 1417

خلاصة البحث

تناول البحث بيان معنى الرهن والنصوص التي تتعلق به وشروط صحته ثم حكم الانتفاع بالمرهون سواء كان أرضًا أو دارًا للسكن أو حيوانًا أو غير ذلك.

أما كون الرهن جائزًا فذلك مما لا خلاف فيه فقد ثبت ذلك بالسنة الصحيحة والإجماع ومن أهم شروط صحته أهلية الراهن والمرتهن في التصرف كما هو معلوم في جميع العقود. ونخص بالذكر من هذه الشروط البلوغ فلا يصح أن يكون أحدهما صبيًّا غير مميز لأنه في حكم المجنون باتفاق أيضًا أما الصبي المميز فإنه يصح أن يكون راهنًا أو مرتهنًا لأنه يعرف معنى المعاملة ويدرك ما يترتب عليها من مضار ومنافع ومع هذا فإن عقده لا ينفذ إلا إذا أقره الولي.

اتفق الأئمة على هذا ما عدا الشافعية وعندهم لا يصح رهن الصبي ولو كان مميزًا ولو أذن وليه. ومما اختلف فيه العلماء رهن المشاع فمنعه الحنفية وأجازه غيرهم وكذلك وجود العين المرهونة وقت العقد وقد رأى الحنفية والشافعية والحنابلة عدم صحة رهن الثمرة التي لم توجد لأن المالك لا يقدر على التسليم وقت العقد وأجازه المالكية إذا برز الثمر وذهب بعضهم إلى جواز رهن المعدوم.

واختلفوا أيضًا في رهن ما فيه الذمة كالدين فأجازه المالكية وخالفهم آخرون بأن ما في الذمة لا يتحقق إقباضه والقبض شرط في لزوم الرهن. وقال الشافعية أن لا بد من حقيقة القبض وقالت المالكية يلزم الرهن بالعقد ويجبر الراهن على دفع الرهن ليحوزه المرتهن.

ص: 1418

وقال العلماء ببينونة المرتهن بالرهن واختلفوا في قبض عدل يوضع الرهن على يديه فأجازه الجمهور وخالفهم آخرون. وعند المالكية أن الرهن يبطل إذا خرج من يد المرتهن إلى الراهن بوجه من الوجوه ووافقهم الحنفية وخالفهم الشافعية الذين قالوا: إن رجوعه إلى يد الراهن مطلقًا لا يبطل حكم القبض المتقدم.

وبينا أن الإسلام ألغى عمل الجاهلية في غلق الرهن للحديث الوارد في ذلك وأخيرًا ذكرنا رهن من أحاط الدين بماله وجواز ذلك ما لم يفلس ويكون المرتهن أحق بالرهن من الغرماء على خلاف في ذلك.

أما الانتفاع بالمرهون أرضًا أو حيوانًا أو منزلًا أو غير ذلك فالحكم أنه حرام باتفاق إذا نص عليه في عقد الرهن لأنه قرض جر نفعًا. ورأى أكثر الحنفية وبعض الشافعية أن لا بأس بالانتفاع إذا اتفق عليه الطرفان ولم ينص عليه في العقد وشبهوه بأمر الهدية في الدين.

واختلف العلماء فيما إذا كانت العين المرهونة محتاجة إلى نفقة كعلف أو تشحيم أو نظافة دورية فرأى كثير منهم الانتفاع به فيما يساوي قيمة النفقة فقط لورود النص بذلك. ورأى بعضهم أن لا ينتفع الدائن إلا إذا امتنع صاحب العين من الإنفاق عليها وهو ما تأولوا به النص الوارد في ذلك.

وهناك تعامل آخر بين الناس أساسه عقد إيجار أو عقد بيع، فقد يشتري الرجل أحيانًا عقارًا أو غيره، ويبقى من ثمن المبيع في ذمته مقدار ما، فيرهن المشتري للبائع بما بقي في ذمته من ثمن المبيع أرضًا زراعية مثلًا، ويذكر في صلب العقد أن هذه العين رهن في باقي الثمن، وأن للبائع حق الانتفاع بها مدة معينة.

فانتفاع صاحب الدين في مثل هذه الحادثة حلال عند المالكية والشافعية وكذلك حلال في رواية عند الحنابلة وحرام عند الحنفية.

والله أعلم.

الدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

ص: 1419