الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاختِيارات
إعدَاد
فضيلة الدكتور الصديق محمّد الأمين الضرير
أستاذ الشريعة الإسلاميّة
كليّة القانون – جامعة الخرطوم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
وبعد فسأجيب أولًا عن الأسئلة حول الاختيارات المطلوب الإجابة عنها، ثم أبيِّن رأيي في حكم الاختيارات من حيث الجواز والمنع، والله الموفِّق.
أولًا – الجواب عن الأسئلة:
س1: هل ينضوي عقد الاختيار تحت أحد العقود المسماة المعروفة أو هو نوع جديد؟ وإذا كان نوعًا جديدًا فما حكمه وما تكييفه الشرعي في الجملة؟
هو نوع جديد، وحكمه أنه عقد غير صحيح، وتكييفه أنه عقد معاوضة يشترط فيه ما يشترط في عقود المعاوضات، وواضح من التعريف أن المحل في عقد الاختيار هو الحق في شراء شيء معين أو بيعه بسعر معين، في زمن مستقبل محدد، أو في أثناء مدة محددة، وهذا الحق ليس مالًا متقومًا، ولا حقًّا ماليًّا، وإنما هو حق في الشراء، أو البيع بسعر محدد، يعطيه أحد الطرفين للآخر نظير مال، فهو شبيه بخيار الشرط في الفقه الإسلامي الذي يعطيه أحد الطرفين للآخر ويجعل له الحق في إمضاء البيع أو فسخه في هذه الجزئية فقط، ولكنه يختلف عنه اختلافًا أساسيًّا في أن خيار الشرط يكون ضمن عقد قائم، والاختيار عقد مستقل بذاته، ولا أعلم فقيهًا جوَّز أخذ العوض نظير خيار الشرط، فيكون أخذ العوض نظير عقد الاختيار أولى بالمنع.
س2: هل هناك علاقة بين عقد الاختيار وبين البيوعات أو العقود الأخرى، مثل: بيع العربون، أو البيع على الصفة أو السلم، أوالهبة؟
لا علاقة لعقد الاختيار بهذه العقود، لأن المحل في هذه العقود سلعة، ويجب أن تكون مالًا متقومًا، أما المحل في عقد الاختيار فهو الحق في الشراء أو البيع، وهو ليس بمال.
قد يظن أن لعقد الاختيار علاقة ببيع العربون تقتضي قياسه عليه، لأن في العقدين خيارًا بمقابل، فإن بيع العربون فيه خيار بعوض هو العربون في حال عدم إمضاء البيع عند من يجوزه، وهذا شبه ظاهري غير مؤثر؛ لأن الفروق بين العقدين كثيرة، ففي بيع العربون البيع وقع على سلعة لا على الخيار، وإذا اختار المشتري إمضاء العقد لا يكون للخيار مقابل لأن العربون يحتسب من ثمن السلعة، أما في عقد الاختيار فإن البيع يقع على الخيار نفسه، ويدفع المشتري العوض سواءً اشترى أو لم يشترِ، فالخيار هنا له مقابل في الحالين، ثم إن بيع العربون يكون بالنسبة للمشتري، وليس في الفقه الإسلامي بيع عربون فيه خيار للبائع، ولهذا فإني لا أرى وجهًا لقياس عقد الاختيار على بيع العربون.
***
س3: ما التكييف الشرعي للعوض مقابل إعطاء الحق في الاختيار؟
هو من أكل المال بالباطل، لأنه ليس له مقابل صحيح، وليس هبة.
***
س4: هل يصلح الحق المجرد محلًّا للعقد؟
تكلم ابن عابدين في حاشيته: 4/18، عن الاعتياض عن الحقوق المجردة، وقرَّر أنها لا يجوز الاعتياض عنها ولا تحتمل التمليك، ولا يجوز الصلح عنها، ولا تضمن بالإتلاف، لأن الاعتياض عن مجرد الحق باطل، إلَّا إذا فؤَّت حقًّا مؤكدًا، فإنه يلحق بتفويت حقيقة الملك في حق الضمان كحق المرتهن.
ومثل ابن عابدين للحقوق المجردة بحق الشفعة، وحق القسم للزوجة، وحق الخيار في النكاح للمخيرة، وحق صاحب الوظيفة في الأوقاف من إمامةٍ وخطابةٍ وأذانٍ
…
إلخ، وذكر اتفاق الحنفية على عدم جواز الاعتياض عن حق الشفعة، واختلافهم في جواز الاعتياض عن الوظائف.
والذي يظهر لي أن اعتبار حق الاختيار من قبيل الحقوق المجردة التي يتحدث عنها الفقهاء غير سليم، لأن الحق المجرد الذي يتحدَّث عنه الفقهاء هو حق ثبت لصاحبه بوجه شرعي صحيح، كما هو واضح من الأمثلة، ويريد صاحبه أن يعتاض عنه، وحق الاختيار ليس من هذا القبيل، لأنه ليس حقًّا ثابتًا لأحد، وإنما يريد أحد العاقدين أن ينشئه للآخر، ويبدو لي أن العوض في عقد الاختيار ليس مقابل حق الاختيار، وإنما هو مقابل التزام أحد الطرفين للآخر، ويقابل هذا الالتزام ثبوت حق للطرف الآخر، فحقيقة اختيار الشراء هو أن البائع يلتزم للمشتري ببيع شيء موصوف، في وقت محدد، بثمن محدد، يدفعه له عند الاتفاق مقابل هذا الالتزام، ويترتب على التزام البائع ثبوت حق للمشتري في الشراء.
إذا صح هذا التكييف فإن السؤال ينبغي أن يكون: هل يصلح مجرد الالتزام بالبيع محلًّا للعقد ويجوز الاعتياض عنه؟
والجواب: لا يصلح.
قد يقال إن المشتري عندما يبيع الاختيار الذي ثبت له بمقتضى التزام البائع يكون قد باع حقًّا ثابتًا له مثل حق الشفعة، وهذا القول يكون صحيحًا لو أن الاختيار ثبت للمشتري بطريق مشروع مثل ثبوت حق الشفعة، وهذا غير متحقق.
***
س5: إذا جرى عقد الاختيار من خلال هيئة ضامنة، فما التكييف الشرعي لدور هذه الهيئة؟ وما حكم هذا الضمان؟
لا معنى للبحث عن جواب هذا السؤال إلَّا إذا حكمنا بجواز عقد الاختيار، ولهذا سأجيب عنه على افتراض الجواز.
دور هذه الهيئة هو دور الوكيل عن طرفي العقد، فالهيئة تتولى العقد نيابةً عن المشترى ونيابةً عن البائع، فهل يجوز أن يتولَّى شخص واحد طرفي العقد في عقود المعاوضات؟
هذه مسألة خلافية، فلا مانع من الأخذ فيها برأي المجوزين، لا سيما إذا لاحظنا أن الوكالة هنا مقيدة، وأن الهيئة تنفذ في الواقع إرادة كل واحد من الطرفين.
يأتي بعد ذلك حكم ضمان الوكيل لكل من المشتري والبائع، لأن الهيئة، وهي الوكيل، ستضمن المشتري وتضمن البائع، فهل يجوز هذا الضمان؟
إذا أخذنا برأي من يقول إن حقوق العقد ترجع إلى الوكيل، فإن الضمان لا يجوز؛ لأن المرء لا يضمن نفسه، أمَّا إذا أخذنا بالرأي الآخر، وهو أن حقوق العقد ترجع إلى الموكل، فإن الضمان يجوز، ولا أرى مانعًا من الأخذ بهذا الرأي.
يأتي بعد ذلك سؤال لم أجد له جوابًا في المذكرة هو: هل هذا الضمان بعوض أم بغير عوض؟ إذا كان بغير عوض فإنَّ ضمان الهيئة يكون جائزًا، أمَّا إذا كان بعوض، وهو ما أرجحه، فإن الضمان لا يجوز؛ لأن أخذ العوض على الضمان لا يجوز بالإجماع، وقد أصدر المجمع قرارًا بهذا في دورته الثانية.
***
س6: هل يصح بيع (اختيار الاستدعاء) ؟ أو هو كبيع شيء موصوف لا يملكه البائع بالرغم من توفره في السوق؟
لا يصح بيع اختيار الاستدعاء، لأن عقد الاختيار القائم عليه ثبوت حق اختيار الاستدعاء غير صحيح، ولو كان عقد الاختيار صحيحًا فإن بيع اختيار الاستدعاء يكون من قبيل بيع الحقوق المجردة وقد ذكرنا أن الاعتياض عن الحقوق المجردة لا يجوز.
وأما ما جاء في السؤال من تشبيه بيع اختيار الاستدعاء ببيع شيء موصوف
…
إلخ، فلا أرى له وجهًا، لأن الشيء الموصوف هو ما التزم البائع ببيعه لمن له الاختيار، وهو غير اختيار الاستدعاء، وواضح أن الشيء الذي التزم البائع ببيعه غير مملوك له، وبيع الإنسان ما لا يملك لا يجوز إلَّا في السلم بشروطه.
***
س7: هل يمكن في صورة (اختيار الشراء) أن يعتبر العقد مشروعًا يجعل العوض جزءًا من ثمن السلعة؟
لا يمكن إلَّا إذا تغيرت صيغة العقد، وصارت صورة من صور بيع العربون الجائز باتفاق الفقهاء، وهي أن يدفع المشتري للبائع مبلغًا من المال على أنه إن أمضى البيع احتسبه من الثمن، وإن لم يمضه أخذ ما دفعه.
هذا بيع صحيح والضرر الذي فيه مغتفر، فهو بيع بالخيار قدم فيه جزء من الثمن، قال الحطاب: قال مالك: وأما من اشترى شيئًا، وأعطى عربانًا على أنه إن رضيه أخذه، وإن سخطه رده وأخذ عربانه فلا بأس به. [الحطاب: 4/369] .
وينبغي التنبيه إلى أن هذه الصورة لا تصح إلَّا إذا كان المبيع سلعة مملوكة للبائع، أما إذا كان المبيع غير مملوك للبائع، فإن البيع يدخل في بيع الإنسان ما ليس عنده المنهي عنه إلَّا في السلم، وكذلك لا يصح البيع إذا كان المبيع نقودًا (بيع العملات) ؛ لأنه يكون عقد صرف يشترط لصحته قبض البدلين في المجلس ولا يدخله الخيار.
أسئلة حول شهادة حق التملك، وحق الأولوية
في شراء الإصدارات الجديدة من الأسهم:
س1: هل إصدار هذين الاختيارين (الحقين) جائز شرعًا؟
حق الأولوية في شراء الإصدارات الجديدة من الأسهم جائز بل هو الأولى عندي، ما دامت القيمة واحدة بالنسبة لجميع المساهمين.
أما شهادة حق التملك فهي جائزة إذا كانت برضا المساهمين، ولم يكن الاعتبار الذي أعطيت الشهادة من أجله هو إقراض الشركة؛ لئلا يكون قرضًا جر نفعًا.
س2: هل يجوز نقل هذين الاختيارين (الحقين) إلى غير من أُصْدِرا له بعوض؟
لا يجوز، لأنهما ليسا بمال، وصاحب الحق لم يملك أسهمًا في الشركة حتى يبيعها، وإنما ملك مجرد الحق في شراء الأسهم، وهو ليس مالًا.
س3: هل ينطبق على الصورة الثانية (الأولوية في شراء الإصدارات) حكم الشفعة شرعًا؟
نعم هذه الصورة شبيهة بحق الشفعة، لأن الحكمة من تشريع الشفعة دفع ضرر الدخيل، وهذا متحقق بالنسبة للمساهمين القدامى، إذا أعطيت الإصدارات الجديدة بغير رضاهم لغيرهم، لا سيما في الشركات الخاصة التي يكون المساهمون فيها محصورين.
قد يقال إن من شرائط الشفعة أن يخرج المشفوع فيه من ملك صاحبه (الشريك) بعوض، وفي مسألتنا هذه: الأسهم الجديدة لم تكن مملوكة لأحد فكيف تثبت فيها الشفعة؟
والجواب هو أن الأجنبي مشتري هذه الأسهم الجديدة سيكون شريكًا للمساهمين القدامى في موجودات الشركة المملوكة لهم، ومعنى هذا أن المساهمين القدامى يبيع كل واحد منهم بعض أسهمه ببعض أسهم المشتركين الجدد، يوضح هذا أنه لو كانت قيمة موجودات شركة مائة، وطرحت أسهم جديدة بمائة اشتراها مشتركون جدد فإنهم يملكون 50 % من موجودات الشركة المملوكة للمساهمين القدامى نظير ملك المساهمين القدامى 50 % مما دفعه المشتركون الجدد، وهذا يعني أن كلًّا من الفريقين باع نصف ماله بنصف مال الآخر، وهذا يكفي لتحقق الشرط، وعلى هذا يجب على مجلس إدارة الشركة إذا أراد أن يصدر أسهمًا جديدة أن يعرضها أولًا على المساهمين القدامى.
ثانيًا – حكم الاختيارات:
يتبين من إجاباتي عن الأسئلة أن عقد الاختيار عقد غير صحيح للأسباب التي وردت في الإجابة، وأريد هنا أن أذكر حكم صورتين من صور الاختيارات لتميزها بحكم خاص.
الصورة الأولى: اختيار شراء العملات وبيعها:
شراء العملات وبيعها هو المعروف في الفقه الإسلامي بعقد الصرف، وهو جائز إذا توافرت شرائطه، ومن شرائط صحته قبض البدلين في مجلس العقد بنص الحديث الصحيح، ولهذا قرَّر الفقهاء أن خيار الشرط لا يدخل عقد الصرف، لأنه يتنافى مع وجوب قبض البدلين في المجلس، ومن هنا يفهم أن شراء العملات وبيعها إذا دخله الخيار لا يجوز، ولو كانت العملة مملوكة للبائع، ولو كان الخيار بغير عوض، فكيف به إذا كانت العملة غير مملوكة للبائع وكان الخيار بعوض، كما هو الشأن في خيار شراء العملات وبيعها.
الصورة الثانية: اختيار شراء الأسهم وبيعها:
الاشتراك في شركات المساهمة جائز شريطة أن تكون الشركات ملتزمة بعدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، وبيع المساهم سهمه لآخر جائز شريطة الالتزام بالقيود الشرعية لبيع الأسهم، والمقصود الأصلي من الاشتراك في شركات المساهمة، ومن شراء الأسهم هو اقتناء تلك الأسهم للاستفادة من ريعها، وهو أمر مقبول شرعًا، أما المتاجرة في الأسهم بمعنى اتخاذ الأسهم نفسها سلعة تباع وتشتري ابتغاء الربح فقط من غير قصد اقتناء الأسهم، والمشاركة في الشركة، كما هو حادث في الأسواق المالية، فإن الحكم عليه محل خلاف بين الفقهاء المعاصرين، وأنا أميل فيه إلى المنع، ولو كان خاليًا من الاختيارات، لأن هذه تجارة يصعب الالتزام فيها بأحكام الشريعة الإسلامية، ولا مصلحة فيها للمجتمع بل قد تعود عليه بأضرار بالغة.
ثم إن خيار شراء العملات وبيعها، وخيار شراء الأسهم وبيعها شبيه بالقمار، ولا فرق بينه وبين المضاربة على فروق الأسعار، يوضح ذلك المثالان التاليان:
المثال الأول: اشترى شخص عشرة آلاف من الدولارات من آخر بسعر الدولار تسعين جنيهًا سودانيًّا، واشترى الخيار لمدة ستة أشهر بعشرة آلاف من الجنيهات السودانية، وقبل أن تنتهي الستة أشهر ارتفع سعر الدولار إلى مائة جنية فمارس المشتري حقه في الخيار فإنه يكون حقق ربحًا – وهو ما يرمي إليه – ولكن ربحه هذا هو خسارة على البائع، على أن الدولار قد يبقى سعره كما هو إلى انتهاء مدة الخيار فيخسر المشتري عشرة آلاف ويربحها البائع، ففي هذه المعاملة يكون كل واحد من المتعاقدين إما غانمًا أو غارمًا، وهذا هو ضابط القمار المحرم، أما البيع الذي أحله الله فإن كل واحد من المتعاقدين يكون غانمًا بحصوله على العوض المعادل لما حصل عليه الآخر، وهكذا الحال في بيع العملات يدًا بيد.
المثال الثاني: إذا باع شخص خيار شراء أسهم لمدة ستة أشهر بسعر أربعين دولار للسهم، مقابل أربعة دولارات ثمن الخيار، فإنه يفعل ذلك لأنه قدر أن ثمن السهم لن يزيد في هذه المدة على الأربعين دولارًا بأكثر من ثمن الخيار، والمشتري يقدر أن ثمن السهم سيزيد في هذه المدة على الأربعين دولارًا والثمن الذي دفعه للخيار، وإلَّا ما أقدم على الشراء، فهو يضارب على ارتفاع السعر، والبائع يضارب على انخفاضه، ومن تحققت نبؤته كان هو الرابح، فما الفرق بين هذا والمضاربة على فروق الأسعار؟ بل أليس هذا أخا القمار؟
إن شراء الاختيارات وبيعها في جميع صورها ليس من بيوع المسلمين التي أحلها الله لهم فيجب عليهم الابتعاد عنها.
ولا حاجة للبحث لهذه المعاملة عن بديل شرعي؛ لأنها ليست وسيلة موصلة إلى مصلحة معتبرة حتى نبحث لها عن وسيلة أخرى شرعية توصل إلى تلك المصلحة.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
الدكتور الصديق محمّد الأمين الضرير