المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الاختياراتدراسة فقهية تحليلية مقارنةإعدادعبد الوهاب ابراهيم أبو سليمان - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السابع

- ‌بحثالأسوَاق المالِيَّةفيمِيزان الفقه الإسلَاميإعدَادالدكتور علي محيي الدّين القره داغي

- ‌الأسهم، الاختِيارات – المستَقبَليّاتأنواعهَا وَالمعامَلات التي تجري فيهَاإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌الاختِياراتإعدادفضيلة الشيخ محمّد المختار السّلامي

- ‌عقُود الاختياراتإعدَادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الاختِياراتإعدَادفضيلة الدكتور الصديق محمّد الأمين الضرير

- ‌الاختِياراتدَراسَة فِقهيّة تحليليّة مُقَارنَةإعدَادعَبد الوهاب ابراهيم أبو سليمان

- ‌الاختيارَات في الأسوَاق الماليَّةفي ضَوء مُقرّرات الشريعَة الإسلَاميِّةإعدَادالدكتور عبد الستار أبو غدّة

- ‌عقُود المستَقبليات في السّلعفي ضَوء الشّريعَةِ الإسلاميَّةإعداَدالقاضي محمَّد تقي العثماني

- ‌بطَاقَة الائتمان وَتكييفها الشَّرعيإعدادالدكتور عبد السّتار أبُوغُدَّة

- ‌بطَاقات الائتمانإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌بِطاقَة الائتِماندرَاسة شرعِيَّة عَمليَّة مُوجَزةإعدَادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المشاركة في شركات أصل نشَاطها حَلَالإلاّ أنّهَا تتعَامل بالحَرامإعدَادالشيخ عبد الله الشيخ محفوظ بن بية

- ‌التعامُل مَع شركات تَقوُم بأعمال مَشروعَةوَتتعامَل مَع البُنوُك بالفَوائدإعداَدفضيلة الشيخَ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بية

- ‌بَحثٌ عَن بَطاقات الائتمان المصرفيّةوالتكييف الشرعي المعمُول به فيبَيت التمويل الكويتي

- ‌دَراسَة مُقَدّمة إلىالنّدوة الثانِية للأوَراقِ المالِيّةمِن بنك البحَرين الإسلَاميحَولتَحرير محافظ الأوَراق الماليّة للبُنوك الإسلاميّةمِن المَالِ المشتبَه في حِلِّهوَالمعالجَة المالية المقترحَة لعَزل أثر التعَامُل بالفَائدةعَلى عَائداتِ الأسهُم

- ‌أسئلة عَلى الأسهم وَالاختيارات وَالمستَقَبليّاتمُقَدّمَة مِنَ البنك الإسلامي للتَنميَة

- ‌التّوصيَات الصَّادرة عَن النَّدوة الفِقهيَّة الاقتصَاديَّةالمنعقدَة بَينمجمَع الفِقِه الإسلَامي وَالبنك الإسلَامي للتِنميَة

- ‌البَيَان الخِتامي وَالتّوصيَاتللنّدوة الثانيَة للأِسَواقِ المالِيَّةالمنعقدَة بدَولة البحَرين

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الأول: (المداينة ونظرة الإسلام إليها) .المحور الثاني: (بين صلح الحطيطة وحسم الكمبيالة) .المحور الثالث: (ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار) .إعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌أحكام البيع بالتقسيطوسائله المعاصرة في ضوء الفقه الإسلاميإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثاني: الحطيطة والحلولإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌توثيق الدين والمعاملات المالية الأخرىإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثانيتوثيق الدين في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌عقد الاستصناعومدى أهميته فيالاستثمارات الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة الشيخ مصطفي أحمد الزرقاء

- ‌عقد الاستصناعإعدادالأستاذ الدكتور علي السالوس

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الاستصناع ودوره فيالعمليات التمويلية المعاصرةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌أثر الاستصناعفي تنشيط الحركة الصناعيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌عقد الاستصناعإعدادفضيلة الشيخ كمال الدين جعيط

- ‌الاستصناع والمقاولاتفي العصر الحاضرإعداد فضلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الاستصناعتعريفه - تكيفه - حكمه - شروطهأثره في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادالدكتور سعود بن مسعد بن مساعد الثبيتي

- ‌عقد الاستصناعوعلاقته بالعقود الجائزةإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌بيع الوفاء وعقد الرهنإعدادفضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌ موضوع بيع الوفاء

- ‌بيع الوفاءإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌بيع الوفاء عند الإماميةإعدادحجة الإسلام الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌(مدى انتفاع الاقتصاد من بيع الوفاء)أوتوظيف بيع الوفاء في اقتصاد العصرإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الوفاء بما يتعلق ببيع الوفاءشيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بيرم الثاني(المتوفى 1247هـ)تقديم وتحقيقمحمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌بيع الوفاءفي الفقه الإسلاميإعدادمحيي الدين قادي

- ‌بيع الوفاءإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

- ‌أحكام الرهنوحكم الإنتفاع بالمرهونإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌بيع الوفاء وحكمهإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌بيع الوفاءإعدادفضيلة الشيخ المفتي محمد رفيع العثماني

- ‌بيع الثنيا أو بيع الوفاءإعدادالأستاذ محمود شمام

- ‌عقد الرهنوأوجه الشبه بينه وبين عقد الوفاءإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العلاج الطبيمبحث التداويإذن المريض وعلاج الحالات الميئوس منهاإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌حكم التداوي في الإسلامإعدادالدكتور علي محمد يوسف المحمدي

- ‌العلاج الطبيإعدادالدكتور محمد عدنان صقال

- ‌الحقوق الدولية في الإسلامإعدادفضيلة الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌المعاهدات والاتفاقاتمنالعلاقات الدولية في أثناء السلمإعدادسماحة الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌أصول العلاقات الدوليةبين الإسلام والتشريعات الوضعيةإعدادالدكتور محمد الدسوقي

- ‌السلم، والحرب، والعلاقات الدوليةفي الإسلامإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌رسالةمعالي الدكتور محمد معروف الدواليبيحولالغزو الفكري

- ‌دراسة حول الغزو الثقافي للعالم الإسلاميبداياته، دوافعه، أبعاده، سبل مواجهتهإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الغزو الفكريفي المعيار العلمي الموضوعيإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الغزو الفكري وأساليب المواجهةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الغزو الفكريإعدادالدكتور أبو بكر دكوري

- ‌الغزو الفكرىفى التصور الإسلامىإعدادالدكتور أحمد عبد الرحيم السايح

- ‌المسلمون وتحديات الفكر المعاصرإعدادالشيخ القاسم البهيقي المختار

- ‌الغزو الفكري في حياة المسلمينمنافذ دخُوله.. وَوَسَائل مُقاومتهإعدادالدكتور عُمَر يُوسف حَمزة

الفصل: ‌الاختياراتدراسة فقهية تحليلية مقارنةإعدادعبد الوهاب ابراهيم أبو سليمان

‌الاختِيارات

دَراسَة فِقهيّة تحليليّة مُقَارنَة

إعدَاد

عَبد الوهاب ابراهيم أبو سليمان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد.

فإن التطور المادي، والفكري السريع الذي يعيشه عالمنا المعاصر لم يترك مرفقًا من مرافق الحياة إلَّا شمله، وليس غريبًا أن يكون عالم الاقتصاد والتجارة الأفسح مجالًا لهذا التطور، بل أصبحت لهما الهيمنة في المجتمعات على كافة المستويات المحلية، والدولية، وذات التأثير الأكبر على حاضر الأمم، ومستقبلها، اجتماعيًّا، وسياسيًّا، وثقافيًّا.

وأصبح من نتائج هذا التطور في هذا المجال أن ابتكرت أدوات، وصيغ، وأساليب في العقود والمعاملات في إفراز التطور الفكري، والتقدم التكنولوجي، فقدمت أنماطًا للمجتمعات لم يكن لها سابق عهد بها، وهجمت على الموروث من تلك الصيغ، والأساليب، والأدوات.

ولما لم يكن الكثير معهود الشكل، أو مألوف الأسلوب، والصيغة في الفقه الإسلامي، والمجتمعات المسلمة، المحكومة بمبادئها، وعقائدها، وفرضت وجودها عليها – بحكم الغلبة – استدعت الحاجة أن يتبين موقف الشرع الإسلامي منها إباحة، أو تحريمًا، صحة، أو بطلانًا، خصوصًا وأنها نتاج مجتمعات منطلقة، لا تحكمها المبادئ التي تحكم السوق الإسلامية، ولا تعترف بالقيود الشرعية.

ص: 207

كما أنه لا بد للفرد المسلم، والمؤسسات التجارية والاقتصادية أن تمارس النشاط المالي بكل أنواعه بوعي متيقظ، وبينه من أمور الحلال والحرام في المعاملات، فهي مسؤولية كل فرد يخوض هذا المجال، ويسعى إلى الرزق الحلال.

وقد أخذت المجتمعات الإسلامية نفسها في الماضي بهذا المبدأ حرصًا على الحلال، وسلامة الكيان الاقتصادي فيها.

وقد كان مقررًا لدى عامتهم وخاصتهم أنه: (لا يجوز للإنسان أن يجلس في السوق حتى يعلم أحكام البيع، والشراء، فإنه يكون حينئذ فرضًا واجبًا عليه، وكذلك الذي يتصرف لنفسه، أو لغيره، يجب أن يعلم حكم ما يتصرف فيه

، وقد روي أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بعث من يقيم من الأسواق من ليس بفقيه) (1)، وقال في المدخل: قد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب بالدرة من يقعد في السوق وهو لا يعرف الأحكام، ويقول: لا يقعد في سوقنا من لا يعرف الربا، أو كما كان يقول.

"وقد أمر مالك رحمه الله بقيام من لا يعرف الأحكام من السوق لئلا يطعم الناس الربا "(2) .

وتوارثت الأجيال والمجتمعات الإسلامية هذا التطبيق، وأخذت نفسها به حتى في العصور المتأخرة.

(1) القباب، أبو العباس أحمد بن قاسم الجذامي:" شرح المسائل التي وضعها ابن جماعة في البيوع "، مخطوط مصور، مكة المكرمة، مكتبة مكة المكرمة رقم 31، حنفي: ص59.

(2)

الرهوني، سيدي محمد بن أحمد: أوضح المسالك وأسهل المراقي إلى سيل ابريز الشيخ عبد الباقي، (بيروت: دار الفكر، سنة 1398هـ/1978م) : 5/2، مصور عن الطبعة الأولى (مصر: المطبعة الأميرية، سنة 1306هـ) .

ص: 208

يقول العلامة (الرهوني) : " سمعت سيدي أبا محمد رحمه الله تعالى يذكر أنه أدرك بالمغرب المحتسب يمشي على الأسواق، ويقف على كل دكان فيسأل صاحبه عن الأحكام التي تلزمه في سلعه، ومن أين يدخل عليه الربا فيها، وكيف يتحرز منها؟ فإن أجابه أبقاه في الدكان، وإن جهل شيئًا من ذلك أقامه من الدكان، ويقول: لا يمكنك أن تقعد في سوق المسلمين تطعم الناس الربا، وما لا يجوز "(1) .

ومن نعم الله عز وجل على الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر أن توجد المؤسسات العلمية، والمجامع الفقهية الإسلامية التي تتحسس هذه الأمور، لتعرضها للدراسة والبحث، يشارك فيها الفقهاء والمتخصصون من مختلف الأقطار الإسلامية بطريقة جماعية، وأسلوب عصري واع.

وإن أمانة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي إحدى هذه الصروح الشامخة، التي تولي هذه الموضوعات عناية فائقة، واهتمامًا كبيرًا بقدر ما لها من أهمية في مجتمعنا الإسلامي المعاصر.

وتأتي موضوعات عقود (الاختيارات) ، و (المستقبليات) ، و (بطاقات الائتمان) في سلسلة مجموعة المعاملات والعقود، والمشاكل الاقتصادية الحديثة التي تنال حظًّا وافرًا من البحث والدراسة من قبل أمانة المجمع برئاسة أمينها سماحة العلامة الأستاذ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة حفظه الله.

وقد كونت أمانة المجمع برئاسة سماحته لجنة علمية من الفقهاء والاقتصاديين، في اجتماعات دورية عديدة للتعاون على تقديم أوراق عمل، تدون فيها اللجنة تصويرًا للواقع، والممارسة لهذه العقود، وتعريفات وإيضاحات لها، في صياغة علمية واضحة، تتبين من خلالها محاورها، ومرتكزاتها، وتتحرى في وضعها الخصائص، والجوانب المهمة، التي تعين على استيعاب تصورها، ورسم حقائقها، في لغة جزلة، وعبارات دقيقة، قصد التوصل إلى تيسير فهمها، وتقريبها للفقهاء الباحثين، حتى يمكنهم من إصدار أحكام شرعية صحيحة بصددها.

وقد تم لهذه اللجنة من الفقهاء، والاقتصاديين الوفاء بالمسؤولية التي أنيطت بهم، والمتمثلة في الأوراق المرفقة بالبحث، وفي ضوء التعريفات والإيضاحات التي تضمنتها يتم بحث القسم الأول (الاختيارات) في دراسة فقهية، تحليلية، مقارنة – إن شاء الله – متوجهًا إلى المولى الكريم أن يمن بالتوفيق إلى المنهج الصحيح، والرأي السديد، وبالله التوفيق.

(1) الرهوني، سيدي محمد بن أحمد: أوضح المسالك وأسهل المراقي إلى سيل ابريز الشيخ عبد الباقي، (بيروت: دار الفكر، سنة 1398هـ/1978م) : 5/2، مصور عن الطبعة الأولى (مصر: المطبعة الأميرية، سنة 1306هـ) .

ص: 209

تَعرِيفُ الاختِيارات

الصيغة المقدمة لعقد الاختيارات من قبل مجمع الفقه الإسلامي

التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة

الاختيارات OPTIONS

التعريف:

الاختيار: عقد بعوض على حق مجرد، يخول صاحبه بيع شيء، محدد، أو شراءه بسعر معين، طيلة مدة معلومة، أو في تاريخ محدد، إما مباشرة، أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين.

إيضاح التعريف:

الاختيار: عقد تتم فيه المبادلة بين حق مجرد، لشراء أو بيع كمية محددة، في زمن محدد، من سلعة موصوفة بدقة، بثمن محدد، وهذا الحق غير متعلق بعقار، أو نحوه من الأشياء المادية بل هو إرادة ومشيئة، وبين عوض محدد، دون اعتبار العوض من ثمن السلعة بل هو ثمن للاختيار ولا ينظر إلى وجودها بصورة معينة، فيكتفي بأن يمكن الحصول عليها عند التنفيذ.

وثمن الاختيار هذا يتحدد اعتمادًا على كثير من المتغيرات منها:

سعر السلعة المذكور في العقد.

طول الفترة الزمنية المحددة للعقد.

التوقعات بالنسبة لتقلبات أسعار السلعة التي سيقع عليها الشراء أو البيع.

السعر المتوقع للسلعة التي سيقع عليها الشراء أو البيع.

سعر الفائدة.

ص: 210

والاختيار للشراء يسمى اختيار الطلب، أو الاستدعاء، واختيار البيع يسمى اختيار الدفع، وكل منهما قد يكون ممتد الصلاحية منذ التعاقد إلى نهاية فترة معينة، أي يحق استخدامه في أي وقت خلالها، وقد يكون مؤجلًا لا يحق استخدامه إلَّا في تاريخ محدد.

والغالب في التعامل بالاختيارات أن يكون عن طريق هيئات مخصوصة، هي (الأسواق المالية) المنظمة رسميًّا والمرخص فيها بذلك لسماسرة محصورين يجمعون رغبات الشراء والبيع بين أطراف غير معروف بعضها لبعض، ويجرون الارتباط بين المتوافق من الاختيارات، على أنه قد تقع الاختيارات مباشرة بين المتعاملين بها خارج الأسواق المالية التي تؤدي خدمة الضمان لحقوق الأطراف الملتزمة بالتنفيذ في حينه.

بعض الأسئلة حول الاختيارات:

يتعلق بالتعريف جملة من القضايا المؤثرة في التكييف الشرعي للاختيارات وحكمها، يمكن الإشارة إليها في صورة أسئلة منها:

1-

هل ينضوي عقد الاختيار تحت أحد العقود المسماة المعروفة أو هو نوع جديد؟ وإذا كان نوعًا جديدًا فما حكمه، وما تكييفه الشرعي في الجملة؟

2-

هل هناك علاقة بين عقد الاختيار وبين البيوعات أو العقود الأخرى، مثل: بيع العربون، أو البيع على الصفة، أو السلم، أو الهبة؟

3-

ما التكييف الشرعي لعرض مقابل إعطاء الحق في الاختيار؟

4-

هل يصلح الحق المجرد محلًّا للعقد؟

5-

إذا جرى عقد الاختيار من خلال هيئة ضامنة، فما التكييف الشرعي لدور هذه الهيئة؟ وما حكم هذا الضمان؟

6-

هل يصح بيع (اختيار الاستدعاء) ، أو هو كبيع شيء موصوف لا يملكه البائع بالرغم من توفره في السوق؟

7-

هل يمكن في صورة (اختيار الشراء) أن يعتبر العقد مشروعًا بجعل العوض جزءًا من ثمن السلعة.

8-

إذا لم يكن هذا العقد مقبولًا شرعًا كليًّا، أو جزئيًّا، فكيف يمكن تعديله ليكون مقبولًا شرعًا؟

ص: 211

التعريف بصورة خاصة من الاختيارات:

يدخل في جنس تعريف الاختيار، وإن لم تنطبق جميع قيوده، صورتان من الاختيارات لا يصدرهما الأفراد، وهما تعطيان مجانًا ولكن يتم فيما بعد بيعهما، وشراؤهما بمقابل:

(أ) شهادة حق التملك WARRANT:

وهي شهادة تصدرها شركة مساهمة لبعض الأشخاص، لاعتبارات معينة كإقراض الشركة، أو تقديم خدمات لها بدون مقابل مادي، تعطيهم الحق في شراء عدد معين من أسهم الشركة، بسعر محدد خلال فترة زمنية.

(ب) حق الأولوية في شراء الإصدارات الجديدة من الأسهم PRE-EMPTIVE RIGHT:

إن هذا الحق حق مؤثر، يعطى من الشركات المساهمة للمساهمين، بنسبة مساهماتهم السابقة، يخولهم الحق بشراء عدد معين من الإصدار الجديد لأسهم الشركة، بسعر معين، خلال مدة محددة، والغرض منه حماية حقوق المساهمين القدامى في حالة إصدار أسهم جديدة، بقيمة أقل من القيمة المتداولة في السوق. وقد يستعاض عنه أحيانًا بإصدار أسهم مجانية للمساهمين القدامى.

ص: 212

أسئلة حول شهادة حق التملك، وحق الأولوية في شراء الإصدارات الجديدة من الأسهم:

1-

هل إصدار هذين الاختيارين (الحقين) جائز شرعًا؟

2-

هل يجوز نقل هذين الاختيارين (الحقين) إلى غير من أصدرا له بعوض؟

3-

هل ينطبق على الصورة الثانية (الأولوية في شراء الإصدارات) حكم الشفعة شرعًا؟ (1) .

تحرير عقد الاختيارات:

لابد من وقفة متأنية قبل البدء في البحث، تمكن من تحرير الموضوع؛ ذلك أن التعريف يشتمل على جزأين رئيسين:

أولًا: الجملة الأولى في التعريف:

" عقد بعوض على حق مجرد

".

ثانيًا: الجملة الثانية:

" يخول صاحبه بيع شيء محدد، أو شراءه

".

ومفهوم هذين الجزئين أن (العقد) الذي نص عليه في العبارة الأولى هو مدخل للعقود التي تبرم بين الأطراف داخل السوق المالية، وبدونه لا يسمح لأحد أن يتعامل فيه شراء، أو بيعًا، هذه هي الخطوة الأولى، فإذا ما تم هذا العقد الأوَّلي، عندئذ " يخول صاحبه بيع شيء محدد، أو شراءه

".

(1) الورقة المقدمة من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

ص: 213

ثالثًا: إن (الحق المجرد) في التعريف يحدده، ويعين المراد منه جملة:

((يخول صاحبه بيع شيء محدد، أو شراءه

)) .

ولهذا لا يكون لهذا العقد الأولي وموضوعه (الحق المجرد) وجود عندما تتم الاختيارات خارج السوق، وتتم مباشرة بين المتعاملين، يؤيد هذا ما يأتي:

1-

ما جاء صراحة في إيضاح التعريف: (على أنه قد تقع الاختيارات مباشرة بين المتعاملين بها خارج الأسواق المالية، التي تؤدي خدمة الضمان لحقوق الأطراف الملتزمة بالتنفيذ في حينه) ، وحينئذ فليس لهذا العوض مجال، أو مكان، فيما يتم بين المتعاقدين.

فالعوض على (حق مجرد) عند الدخول في هذا النوع من العقود ليس له وجود إذا جرت (الاختيارات) خارج السوق المالية، ومعنى هذا أن ذلك العوض في مقابل هذا الحق ليس له علاقة بالعقود (الاختيارات) التي تبرم فيما بعد.

2-

ما جاء تحت عنوان: (التعريف بصور خاصة من الاختيارات) : وهي اختيارات تصدرها مؤسسات، وتمنحها مجانًا، ومن ثم يخول أصحابها الممنوحة لهم التعامل بالبيع، وفق عقد (الاختيارات) ، وورد التمثيل لهذا بنوعين هما.

ص: 214

(أ) شهادة حق التملك WARRANT:

وجاء توضيحها كالتالي: (وهي شهادة تصدرها شركة مساهمة، لبعض الأشخاص، لاعتبارات معينة: كإقراض الشركة، أو تقديم خدمات لها بدون مقابل مادي، تعطيهم الحق في شراء عدد معين من أسهم الشركة، السعر المحدد، خلال فترة زمنية) .

(ب) حق الأولوية في شراء الإصدارات الجديدة من الأسهم PRE-EMPTIVE RIGHT:

وجاءت العبارات التالية توضحيًا له: (إن هذا الحق حق موثق، يعطى من الشركات المساهمة للمساهمين، بنسبة مساهماتهم السابقة، يخولهم الحق بشراء عدد معين من الإصدار الجديد، لأسهم الشركة بسعر معين، خلال مدة محددة

) .

3-

ما جاء في (إيضاح التعريف) : (الاختيار عقد تتم فيه المبادلة بين حق مجرد، لشراء، أو بيع كمية محددة، في زمن محدد، من سلعة موصوفة

، وبين عوض محدد، دون اعتبار العوض من ثمن السلعة، بل هو ثمن للاختيار) .

فالجملة الأخيرة من هذا الإيضاح تلعن صراحة عدم علاقة هذا (العوض) بجوهر العقد، وحقيقته، وأنه (ثمن للاختيار) ، وبعبارة أخرى هو ثمن (الحق المجرد) المتمثل في إجازة الدخول في هذا النوع من العقود والمضاربات المالية.

ص: 215

يتلخص مما تقدم الأمور التالية:

1-

إن التعريف اشتمل على عقدين متباينين شكلًا وموضوعًا:

(أ) عقد ابتدائي أولي: وهو المذكور في صدر التعريف المعبر عنه بـ (عقد بعوض على حق مجرد) .

(ب) عقد ثانٍ تالٍ للأول: هو (بيع شيء محدد، أو شراؤه، بسعر معين، طيلة مدة محددة، أو تاريخ محدد..) .

(ج) العوض المدفوع في العقد الابتدائي الأولي هو رسم ممارسة النشاط التجاري داخل السوق المالية، لا غير.

(د) إن وصف (الحق) في التعريف بأنه (مجرد) يعني أنه حق مطلق بدون تعيين، في حين أن (الحق) في التعريف أصبح معينًا، ومعروفًا، فقد تمثل في الترخيص للمتعامل، والسماح له، بممارسة النشاط التجاري، في سوق معينة.

(هـ) إن التنظيم الإداري للسوق لا يسمح لأحد بممارسة النشاط التجاري فيه ما لم يحصل على ترخيص بذلك، ويكون هذا:

1-

بعقد عوض.

2-

بتبرع من هيئة.

(و) وإن عقد (الاختيارات) مدلولًا ومضمونًا هو (بيع شيء محدد، أو شراؤه بسعر معين، طيلة مدة معلومة، أو في تاريخ محدد، إما مباشرة، أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين) .

وبهذا يتم التصور، والتحرير لهذا النوع من العقود المالية.

تداخل عقدين في عقد الاختيارات:

سبق بيان أن التعريف المدون لهذا العقد يتضمن عقدين:

الأول: عقد ابتدائي، وهو المذكور في الجملة الأولى في صدر التعريف (عقد بعوض على حق مجرد) .

الثاني: (بيع شيء، أو شراؤه بسعر معين، طيلة مدة معلومة، أو في تاريخ محدد

) .

وهذا يمثل تداخلًا بين عقدين تحت عنوان واحد. ويستدعي البحثُ ابتداءً، توضيح نوعية العقد منفردًا في كليهما، حتى يصح تنزيل كل واحد منهما على نوعه، وتكييفه بأركانه، وشروطه، وكافة خصائصه.

ص: 216

العَقد الأوَّلي

موضوعه المعقود عليه:

السماح والترخيص للمتعامل بالدخول في المضاربات في السوق المالية، للاستفادة منها في استثمار أمواله في معاملاتها، وما تقدمه من معلومات، وتسهيلات مادية. فهو عقد (منفعة معلومة) ، محددة، مؤقتة.

تكييفه فقهًا:

وإذا تقرر أن المنفعة المعقود عليها هنا هي موضوع هذا العقد، فهو (عقد إجارة) ، يصح بما تصح به الإجارة، يخضع لجميع أحكامها، وأركانها، وشروطها.

ويقدم البحث هنا بإيجاز تعريفًا للإجارة في معناها اللغوي، والشرعي في المذاهب الأربعة، وأركانها لتتضح المطابقة بين العقد الأولي في (الاختيارات) ، وعقد الإجارة في الفقه الإسلامي، لينظر فيه وفق أحكامها.

تعريف الإجارة لغة:

ذكر الفقهاء معنى الإجارة في اللغة بأنها: " مشتقة من الأجر، وهو العوض ومنه سمي الثوابُ أجرًا، لأن الله تعالى يعوض العبد به على طاعته، أو صبره عن معصيته "(1) .

(1) البهوتي، منصور بن يونس: كشاف القناع عن متن الإقناع، راجعه وعلق عليه هلال مصيلحي، مصطفى هلال، (الرياض: مكتبة النصر الحديثة) : 3/456.

ص: 217

تعريف الإجارة شرعًا:

اختلف تعريفات المذاهب للإجارة لفظًا، واتفقت معنى:

الحنفية: (عقد على المنافع بعوض)(1) .

المالكية: (عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض) أو بعبارة أخرى: (تمليك منافع شيء مباحة، مدة معلومة، بعوض)(2) .

الشافعية: (عقد على منفعة معلومة، مقصودة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم وضعًا)(3) .

الحنابلة: (عقد على منفعة مباحة، معلومة، مدة معلومة، من عين معلومة، أو موصوفة في الذمة، أو عمل بعوض معلوم)(4) .

ومن القيود المذكورة في التعريفات السابقة تتبين شروط صحة عقد الإجارة وما في حكمه.

فهو عقد على تمليك (منفعة) ، وليس عقدًا على تمليك عين، وهذا هو المتحقق في (العقد الأولي في الاختيارات) .

(مباحة) معترف بإباحتها شرعًا، إباحة مطلقة بلا ضرورة.

(معلومة) كيوم، أو شهر، أو سنة.

(من عين ملعومة) مشاهدة بالعين، أو موصوفة في الذمة.

ويتعرض هنا بشيء من التفصيل لأركان هذا العقد حتى يتمكن من الحكم في ضوئها على هذا العقد الأولي في (الاختيارات) صحة، أو بطلانًا.

(1) المرغيناني، أبو الحسن علي: الهداية على شرح بداية المبتدي، الطبعة الأخيرة، (مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي) : 3/221.

(2)

الدردير، أحمد بن محمد: الشرح الصغير، تخريج وضبط مصطفى كمال وصفي، (مصر: دار المعارف، سنة 1374هـ) : 4/6؛ والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (بيروت: دار الفكر) : 4/2.

(3)

قليوبي، شهاب الدين أحمد: حاشية على شرح المحلى على منهاج الطالبين، (بيروت: دار الفكر) : 3/67.

(4)

البهوتي: شرح منتهى الإرادات، (المدينة المنورة: المكتبة السلفية) : 2/350.

ص: 218

أركان الإجارة:

الأول – العاقد:

ويشمل طرفي العقد (المؤجر والمستأجر) ممن له حق الإيجاب والقبول فيه، تشترط أهلية العاقد، ومعنى الأهلية:(صلاحية الشخص للإلزام والالتزام، بمعنى أن يكون الشخص صالحًا لأن تلزمه حقوق لغيره، وتثبت له حقوق قبل غيره، وصالحًا لأن يلتزم بهذه الحقوق) .

وشرط العاقد) البائع، أو غيره (الرشد) ، وهو أن يبلغ مصلحًا لدينه، أو ماله) (1) .

والمقصود به: (أن يكون العاقد جائز التصرف أي حرًّا، مكلفًا، رشيدًا، فلا يصح من مجنون مطلقًا، ولا من صغير، وسفيه، لأنه قول يعتبر له الرضا، فاعتبر فيه الرشد كالإقرار)(2) .

واعتبر المالكية (التمييز) شرح صحة، قال العلامة خليل:(وشرط عاقده تمييز) وفسر المالكية التمييز: (بأن يكون إذا كلم بشيء من مقاصد العقلاء فهمه، وأحسن الجواب عنه، فلا ينعقد من غير مميز لصغر، أو إغماء، أو جنون، ولو من أحدهما..)(3) .

والواقع في سوق المال، أن من يمارس نشاطه فيه أصالة، أو وكالة هو كامل الأهلية، مستوف الشروط الشرعية، خال من موانع الأهلية، بل ذو ممارسة وكفاءة عالية، لا يدخلها إلَّا وهو على ثقة من جدوى تعامله فيها.

(1) المحلى، جلال الدين: شرح منهاج الطالبين، الطبعة الرابعة، (بيروت: دار الفكر) : 2/155؛ وعميرة شهاب الدين أحمد البرلسي: حاشية على المحلى، بهامش شرح المحلى على المنهاج: 2/155.

(2)

البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/141.

(3)

الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: 3/5. وانظر: حاشية الإمام الرهوني على شرح الزرقاني: 5/20.

ص: 219

الثاني – الصيغة، والمراد بها الإيجاب والقبول:

(وتنعقد بلفظ إجارة، وكراء، وبما في معناهما، وتصح بلفظ بيع إن لم يضف إلى العين، نحو بعتك نفع داري شهرًا بكذا، فيصح لأنه نوع من البيع، والمنافع بمنزلة الأعيان)(1) .

قال الشيخ تقي الدين: " والتحقيق أن المتعاقدين إن عرفا المقصود انعقدت، فأي لفظ من الألفاظ عرف به المتعاقدان مقصودهما انعقد به العقد، وهذا عام في جميع العقود، بما يدل عليها من الألفاظ الفارسية، والرومية، وغيرها من الألسن الأعجمية، فهي تنعقد بما يدل عليها من الألفاظ العربية، ولهذا وقع الطلاق والعتاق بكل لفظ يدل عليه، وكذا البيع وغيره "(2) .

ويذهب المالكية إلى (أن الإجارة قد يقضى بها شرعًا) وإن لم يحصل عقد، وذلك في الأعمال التي يعملها الشخص لغيره، ومثله يأخذ عليها أجرة، وهي كثيرة جدًّا، منها تلخيص دين، وذلك أن من قواعد الفقه (أن العرف كالشرط، وأن العادة محكمة)(3)

وقد جرت العادة في الأسواق المالية وغيرها من المؤسسات أن أجرة الدخول فيها معروفة، ومحددة، وليس على الراغب في الانتفاع بتسهيلاتها (المستأجر) ، إلَّا دفع تلك الرسوم (الأجرة) للموظف المختص؛ ليقوم هذا بدوره إعطائه بطاقة العضوية، وسند الاستلام، ومن ثم يكون لحاملها صلاحية الدخول في السوق المالية حسب الشروط المدونة، والمدة المقررة، وهو إجراء يقوم مقام الإيجاب والقبول الذي نص عليه الفقهاء، ويتفق مع جملة ما قرروه.

(1) البهوتي: شرح منهى الإرادات: 2/351.

(2)

ابن تيمية، أحمد عبد الحليم: مجموع الفتاوى، (الرباط، مكتبة المعارف) : 2/533.

(3)

الدسوقي، محمد عرفة: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (مصر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع) : 4/2.

ص: 220

الثالث – المنفعة:

هي المقصود بعقد الإجارة بالأصالة سواء كانت منفعة آدمي، أو حيوان، أو عين من الأعيان، فهي المعقود عليها، والغاية من عقد الإجارة.

والمنفعة على اختلاف أنواعها ليست لها كينونة مستقلة عن الذوات والأعيان المستفادة منها، فمن ثم ارتبطت بها أحكام إباحة، وتحريمًا.

فـ (تجوز إجارة كل عين يمكن أن ينتفع بها منفعة مباحة، مع بقائها بحكم الأصل، كالأرض والدار، والعبد، والبهيمة والثياب

) (1) .

(وما حرم بيعه فإجاراته مثله، تحرم، لأنها نوع من البيع)(2) .

واستثنى الفقهاء من هذا الضابط الفقهي الحر، والحرة، والوقف، وأم الولد، فإن هذه الأعيان برغم تحريم بيعها فإنها تجوز إجارتها (3)

شروط العين المؤجرة:

لما لم تكن للمنفعة صفة الاستقلالية عن الأعيان؛ لكونها عرضًا من الأعراض لزم أن تتحقق في العين المعقود على منفعتها شروط، تحقيقًا لغرض عقد الإجارة وهي:

1-

القدرة على تسليم العين المؤجرة، ليتمكن المستأجر منها، والقدرة على ذلك تشمل ملك الأصل، وملك المنفعة.

2-

بقاء العين المؤجرة بعد استيفاء المنفعة المعقود عليها، دون أن يعود ذلك عليها بالهلاك لها، أو لأجزاء منها.

3-

اشتمال العين المعقود عليها على المنفعة.

4-

معرفة العين المؤجرة، وذلك بـ (أن تكون معلومة علمًا يمنع المنازعة)(4) .

وتنفرد المنفعة بشروط يلزم توافرها لصحة العقد، وهي:

1-

أن يكون لها (قيمة مالية؛ ليحسن بذل المال في مقابلتها، وإلَّا بأن كانت محرمة، أو خسيسة كان بذل المال في مقابلتها سفهاً)(5) .

2-

كون المنفعة مملوكة للمؤجر، أو مأذونًا له فيها) ، لأنها من بيع المنافع، فاشترط فيها ذلك كالبيع) (6)

والمنفعة هي المقصود الأساس في هذا العقد، تتمثل بصورة واضحة جلية في: التسهيلات والتنظيمات التي تهيئها إدارة السوق، والأجر (العوض) ، المدفوع في مقابل تلك المنافع أشبه بدفع رسوم عضوية النوادي الثقافية، والمالية والاجتماعية، والمرافق كالحدائق المتخصصة المملوكة للأفراد، أو للدولة، فإن دفع الأجر المحدد للالتحاق بها، أو الدخول فيها مدة محددة يعطي دافع الأجر، (الرسم) حق الاستفادة من كافة التسهيلات والمرافق التي تهيأ فيها، في الزمن المحدد المتفق عليه مسبقًا.

(1) ابن قدامة، موفق الدين أبو محمد: المغني، طبعة جديدة بالأوفست، بعناية جماعة من العلماء، (بيروت: دار الكتاب العربي، عام 1403هـ / 1983م) : 6/129.

(2)

البهوتي: كشاف القناع، 3/561.

(3)

الرملي: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 5/270.

(4)

الكاساني، علاء الدين: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: 4/180.

(5)

الرملي: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. 5/269

(6)

البهوتي: كشاف القناع عن متن الإقناع: 3/565.

ص: 221

الرابع: الأجرة:

هي العوض الذي يعطى مقابل منفعة الأعيان، أو منفعة الآدمي (1) .

(وكل ما جاز ثمنًا في البيع جاز عوضًا في الإجازة، لأنه عقد معاوضة أشبه بالبيع، فعلى هذا يجوز أن يكون العوض عينًا، ومنفعة أخرى)(2) .

فالمنفعة تصلح أجرة، وتصبح منفعة مقابل منفعة، واشترط الحنفية لصحة هذه الحالة: أن يختلف جنسهما، وإن اتحدا فلا يجوز، وعللوا لعدم الصحة بأن المنافع معدومة وغير موجودة في كلا الجانبين المعقود عليه، والعوض (الأجرة) والإجارة نوع من البيع، فيكون بيعًا بالنسيئة، فلا يجوز ذلك في الجنس المتحد بيعًا، أو إجارة (3) .

وطبقًا لهذا المبدأ فقد وضعوا القاعدة التالية: (كل ما يصلح أن يكون ثمنًا في البياعات يصلح أن يكون ثمنًا في الإجارات. وما لا يصلح أن يكون ثمنًا في البياعات لا يصلح أن يكون أجرة في الإجارات، إلَّا المنفعة فإنها تصلح أن تكون أجرة إذا اختلف الجنس، ولا تصلح ثمناً)(4)

شروط صحة الأجرة:

يشترط لصحة الأجرة سواء كانت معجلة، أو مؤجلة أن تكون معلومة، وتتحقق معلوميتها، وتنتفي الجهالة عنها:

برؤية مقارنة، أو متقدمة بزمن لا تتغير فيه الرؤية، إما أن تكون لجميعها، أو بعضها الدال على بقيتها (5) ، هذا إذا كانت حالة معينة، ويشترط في المؤجلة في الذمة أن تكون معلومة جنسًا، وقدرًا، وصفة (6) .

(وما صح أن يكون ثمنًا بذمة صح أن يكون أجرة في الذمة)(7) .

وهكذا فإن هذا العقد يصح ما توافق وتطابق مع هذه الأركان والشروط الخاصة بعد الإجارة.

(1) حيدر، علي: درر الحكام شرح مجلة الأحكام تعريب المحامي فهمي الحسيني، (بيروت: مكتبة النهضة) : 1/372.

(2)

ابن قدامة، موفق الدين أبو محمد: المغني، طبعة جديدة بالأوفست بعناية جماعة من العلماء، (بيروت: دار الكتاب العربي، سنة 1403هـ /1983م) : 6/12.

(3)

انظر: الزيلعي، فخر الدين عثمان: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، الطبعة الثانية، (بيروت: دار المعرفة) : 5/106.

(4)

سعدي حلبي: حاشية نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار، بهامش نتائج الأفكار، الطبعة الأولى، (مصر مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، عام 1398هـ/1970م) : 9/61.

(5)

البهوتي: كشاف القناع عن متن الاقتناع: 3/173.

(6)

الرملي: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: 5/266.

(7)

البهوتي: شرح منتهى الإرادات: ص353.

ص: 222

العَقد الثاني: الاختيارات

تكييف (الاختيارات) فقهًا:

تفصح العبارات الأولى في تعريف (الاختيارات) عن حقيقة انتمائه إلى قسم البيوع فهو:

(بيع شيء محدد، أو شراؤه بسعر معين، طيل مدة معلومة، أو في تاريخ محدد، إما مباشرة، أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين)(1) .

واضح من صريح العبارة أنه عقد بيع، يؤكد هذا المفهوم ما جاء في إيضاح التعريف بأن:

(الاختيار عقد تتم فيه المبادلة بين حق مجرد لشراء أو بيع كمية محددة في زمن محدد، من سلعة موصوفة بدقة، بثمن محدد

) (2) .

كل الجمل والعبارات الصريحة، وغير الصريحة تدل على أنه عقد بيع، كما أن المتعاملين به يهدفون للحصول على الربح من خلال تعاملهم به وتوقعاتهم لتقلبات أسعار السلع التي يقع عليها الشراء أو البيع (3)

وإذا تحقق انتماء عقد (الاختيارات) إلى زمرة عقود البيوع فإنه ينظر على وفق أركانه، وشروط صحته، وهذا ما يتم دراسته وبحثه ليحكم عليه بالصحة، أو الفساد.

(1) الورقة المقدمة من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة.

(2)

الورقة المقدمة من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة.

(3)

الورقة المقدمة من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة الإسلامي بجدة.

ص: 223

تعريف البيع وأركانه في المذاهب الأربعة:

بعد التأكد من انتماء (الاختيارات) إلى عقد البيع، وانتسابه فقهًا إلى زمرته يتطلب البحث عرض تعريف البيع اصطلاحًا في المذاهب الأربعة، وبيان أركانه، وشروط صحته، ليتم تنزيل أحكامه (البيع) عليها (الاختيارات) .

البيع عند الحنفية:

لعل أجمع تعريف للبيع عند الحنفية (مبادلة المال المتقوم بالمال بالمتقوم تمليكًا، وتملكاً)(1) .

وذكر تذييلًا لهذا التعريف: (فإن وجد تمليك المال بالمنافع فهو إجارة، أو نكاح، وإن وجد مجانًا فهو هبة) .

يقول العلامة أكمل الدين محمد البابرتي موضحا مكونات هذا العقد، وحقيقة تصوره الشرعي:

(وركنه: الإيجاب والقبول، أو ما دلّ على ذلك. وشرطه من جهة العاقدين: العقل، والتمييز.

ومن جهة المحل: كونه مالًا متقومًا، مقدور التسليم. وحكمه: إفادة الملك، وهو القدرة على التصرف في المحل شرعاً) (2)

(1) الشلبي، شهاب الدين أحمد،: حاشية تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، الطبعة الثانية، مطبوع بهامش تبيين الحقائق، (بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر) : 4/2. تصوير عن الطبعة الأولى، المطبعة الأميرية ببولاق.

(2)

شرح العناية على الهداية، بهامش شرح فتح القدير، لابن الهمام، الطبعة الأولى، (مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، سنة 1389هـ/1970م) : 6/247.

ص: 224

البيع عند المالكية:

يعرف المالكية البيع تعريفًا أخص بأنه: " عقد معاوضة على غير منافع، ولا متعة لذة، ذو مكايسة، أحد عوضيه غير ذهب، ولا فضة، معين غير العين فيه"(1) .

ويذكرون في بيان هذا التعريف قولهم: " فلما كانت الأملاك تنتقل بعوض وبغيره سموا الأول بيعًا، فحقيقته نقل الملك بعوض، ولكن المعاوضة إن كانت على الرقاب خصوها بتسمية البيع، وإن كانت على المنافع خصوها بتسمية الإجارة، إلَّا أن تكون منافع فروج فخصوها بتسميتها نكاحاً"(2) .

وعقد معاوضة) أي عقد محتوٍ على عوض من الجانبين، (على غير منافع) أي على ذوات غير منافع وغير تمتع، أي انتفاع بلذة) (3) .

(ولا متعة لذة) فتخرج الإجارة، والكراء، والنكاح، وتدخل هبة الثواب، والصرف، والمراطلة، والسلم.

(ذو مكايسة) أي صاحب مغالبة ومشاححة، خرج هبة الثواب فإنه ليس فيها مشاححة.

(أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة) خرج بهذا القيد الصرف والمراطلة.

ذكر الدسوقي رحمه الله في حاشيته بأن المقصود من كلمة (معين) في التعريف (ماليس في الذمة فيشمل الغائب، فبيع الغائب ليس سلمًا، لأن غير العين فيه معين)(4)

(1) ابن عرفة، أبو عبد الله محمد: الحدود مع شرحه لأبي عبد الله محمد الأنصاري، المشهور بالرصاع، الطبعة الأولى، (تونس: المطبعة التونسية، سنة 1250هـ) : ص232.

(2)

الحطاب، أبو عبد الله محمد بن محمد: مواهب الجليل لشرح مختصر أبي الضياء سيدي خليل: 4/224.

(3)

الدسوقي، محمد عرفة: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع) : 3/2.

(4)

حاشية الدسوقي على شرح الكبير: 3/3، وانظر: الزرقاني، سيدي عبد الباقي: شرح الزرقاني على مختصر سيدي خليل، (بيروت: دار الفكر، سنة 1398هـ/1978م) : 5/3.

ص: 225

و (المراد بـ (العين) رأس المال نقدًا كان، أو عوضاً) (1)

ثم بين المعنى الإجمالي لمدلول جملة (معين غير العين فيه) بقوله: (والحاصل: أن العين لا يجب أن تكون معينة في البيع والسلم، وأما غير العين فيجب أن يكون معينًا في البيع، وغير معين في السلم)(2)

(وأركانه التي تتوقف عليها حقيقته ثلاثة هي في الحقيقية خمسة:

(عاقد) عليه: من ثمن ومثمن

(وما دل على الرضا) : من قول، أو إشارة، أو كتابة من الجانبين، أو أحدهما بل وإن كان ما يدل عليه (معاطاة) من الجانبين، ولو في غير المحقرات كالثياب والرقيق

) (3) .

البيع عند الشافعية:

التعريف المختار للبيع عند الشافعية:

(عقد معاوضة مالية تفيد ملك عين، أو منفعة على التأبيد، لا على وجه القرض)(4)

(1) حاشية الدسوقي على شرح الكبير: 3/3، وانظر: الزرقاني، سيدي عبد الباقي: شرح الزرقاني على مختصر سيدي خليل، (بيروت: دار الفكر، سنة 1398هـ/1978م) : 5/3.

(2)

حاشية الدسوقي على شرح الكبير: 3/3، وانظر: الزرقاني، سيدي عبد الباقي: شرح الزرقاني على مختصر سيدي خليل، (بيروت: دار الفكر، سنة 1398هـ/1978م) : 5/3.

(3)

الدردير: أبو البركات، أحمد بن محمد: الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك: 3/14.

(4)

القليوبي، شهاب الدين أحمد بن أحمد: حاشية على شرح المحلى للمنهاج: 2/152؛ والمغربي الرشيدي: حاشية على نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، (مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده) : 3/372.

ص: 226

(والمراد بالمال ما يشمل المنفعة بل والاختصاص تغليباً)(1) .

وأركانه: (وهي ثلاثة:

الأول: الصيغة وهي الإيجاب والقبول، اعتبرا للدلالة على الرضا الباطن، ولا تكفي المعاطاة أصلًا، ولا الاستيجاب والإيجاب، وهو قوله:(بعني) بدل قوله اشتريت على أصح الوجهين

وينعقد البيع بالكناية مع النية على الأصح

الثاني: العاقد وشرطه التكليف

الثالث: المعقود عليه، وشرائطه خمسة أن يكون طاهرًا، منتفعًا به، مملوكًا للعاقد، مقدورًا على تسليمه، معلوماً) (2) .

البيع عند الحنابلة:

والبيع لدى الحنابلة:

(مبادلة عين مالية، أو مبادلة منفعة مباحة مطلقًا بأحدهما، أو بمال في الذمة، للتملك على التأبيد، غير ربا وقرض)(3)

ويصح العقد، وتترتب عليه آثاره الشرعية بسلامة أركانه، وصحة شروطه المتمثلة في الآتي:

(1) القليوبي، شهاب الدين أحمد بن أحمد: حاشية على شرح المحلى: 2/214.

(2)

الغزالي، أبو حامد: الوجيز في فقه مذهب الإمام الشافعي، (مصر: مطبعة حوش قدم، سنة 1318هـ) : 1/80.

(3)

البهوتي، منصور بن يونس: شرح منتهى الإرادات: 2/139.

ص: 227

أركان البيع:

أولًا: عاقدان مالكان ملكًا تامًا لما يتصرفان فيه من العين والثمن، كل بحسبه من العقد، أو وكيلاهما وكالة تامة.

ويشترط فيهما: أن يكونا بالغين، غير محجور عليهما، أو على أحدهما سواء لحق نفسه، أو لحق غيره.

ثانيًا: معقود عليه ثمنًا كان، أو مثمنًا: وشرطه، كونه مالًا، مباح النفع مطلقًا أو مباح الاقتناء بلا حاجة (1) ، متقومًا مقدور التسليم (2) .

ثالثًا: معقود به: وهو الصيغة، وينعقد بإيجاب وقبول، وبمعاطاة، ونحوه مما يدل على بيع وشراء (3) .

ويكتفى عن توضيح هذه الأركان، وما يتعلق بها من شروط بما تم شرحه وتفصيله سابقًا، في أركان الإجارة.

(1) انظر: ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، (مصر: مطبعة الاستقامة، سنة 1371هـ/1952م) : 2/142.

(2)

انظر: البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/142.

(3)

انظر: البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/142.

ص: 228

تَنزيل (الاختيارات)

عَلَى الأحكام الفِقهيّة تفصيلًا

العاقد: (البائع والمشتري) .

المعقود به: (الإيجاب والقبول) .

المعقود عليه:

مالية المعقود عليه:

أولًا: الثمن.

ثانيًا: المثمن (السلعة) .

قبض المعقود عليه.

بيع خيار الاستدعاء.

فترة الاختيار.

هيئة السوق.

ضمان هيئة السوق.

سماسرة السوق.

إجراء الارتباط بين المتوافق من الاختيارات.

العاقد:

ويشمل البائع والمشتري: يمثلهما في (الاختيارات) :

1-

البائع: هو الطرف الذي يقدم (اختيار الدفع) ، ومن ثم فقد يكون البائع صاحب (اختيار الدفع) هو المباشر للبيع مباشرة خارجًا عن السوق.

وقد تتولى هيئة السوق (اختيار الدفع) أصالة، أو وكالة، فهي التي تملك الإيجاب في كلتا الحالتين.

ص: 229

2-

المشتري: الطرف الذي يتقدم لـ (اختيار الطلب، أو الاستدعاء) .

فقد يكون المشتري مباشرة لا بواسطة هيئة السوق، وقد يكون هيئة السوق أصالة، أو وكالة، فهي في كلا الحالين التي تملك (القبول) .

ومعلوم أنه لا يمارس النشاط التجاري في هذه الأسواق إلَّا من توافرت فيه، شروط الأهلية، وخلا عن موانعها، وقد تقدم الكلام عن هذا بالتفصيل في الإجارة.

معقود به (الإيجاب والقبول) :

وهو في عقد (الاختيارات) يتم بإعلان المشتري قبول العرض المقدم من البائع مباشرة، أو من قبل هيئة السوق خلال الفترة المقررة.

وكيفما تم القبول، وبأي أسلوب، أو طريقة أو صيغة، أو هيئة فإنه لا يمس صحة العقد بحال، ما دام ذلك يدل على الرضا، فالشكل، أو الصيغة ليس مهمين في المذاهب الثلاثة: الحنفية، والمالكية، والحنابلة كما تقدم.

المعقود عليه:

المعقود عليه في (الاختيارات) :

جاء في التعريف " بيع شيء محدد، أو شراؤه " هذا هو المعقود عليه المعلن في هذا العقد، ولكن الحقيقة شيء آخر، إذ ورد بيانها في (إيضاح التعريف) كالتالي:(عقد تتم فيه المبادلة بين حق مجرد لشراء أو بيع كمية محددة في زمن محدد، من سلعة موصوفة بدقة، بثمن محدد) .

فالمبادلة في الواقع بين حق مجرد لشراء، أو بيع، والسلعة المذكورة إنما هي رمز، واسم فقط في أغلب الحالات، يؤكد هذا التصور الجمل، والعبارات التي تلتها: (وهذا الحق غير متعلق بعقار، أو نحوه من الأشياء المادية، بل هو إرادة ومشيئة

، ولا ينظر إلى وجودها (السلعة) بصورة معينة، فيكفى أن يمكن الحصول عليها عند التنفيذ) (1) .

فالمعقود عليه هو (حق مجرد) ، (بل هو إرادة ومشيئة (2) ، وليست سلعة في الغالب) ، إذ لا ينظر إلى وجودها بصورة معينة، فيكفي أن يمكن الحصول عليها عند التنفيذ) (3) .

(1) الورقة المقدمة من مجمع الفقه الإسلامي.

(2)

الورقة المقدمة من مجمع الفقه الإسلامي.

(3)

الورقة المقدمة من مجمع الفقه الإسلامي.

ص: 230

مالية المعقود عليه (الثمن) و (المثمن) :

أولًا – الثمن:

قد لا يكون دفع الثمن في عقد (الاختيارات) نقدًا، أو بالصورة التقليدية المعروفة، ولكن الغالب أن المشتري إذا اشترى (اختيار الطلب) ، أو في حالة البيع إذا اختار البائع (اختيار الدفع) ، وأوجبه يسجل عليه في كلا الحالين، دون أن يكون من قبله دفع. بل المعتاد أن ينتظر البائع والمشتري تحسن السوق فيما يعتقد أنه في صالحه بيعًا، أو شراء للحصول على الربح، فقد يتحقق له الربح، وقد لا يتحقق، ولكن لا بد من التصفية النهائية في الموعد المحدد، فيستحق الربح إذا حقق تعامله ربحًا، وإلَّا كان مكلفًا بدفع فارق السعر، إذا لم يتحقق له، وفي كلا الحالين لم يتم من قبله دفع الثمن. والجانب الفقهي بالنسبة للثمن، والموقف منه في عقد الاختيارات يعتمد أولًا وقبل كل شيء على معرفة الثمن، والمثمن، وبعبارة أخرى على نوع الثمن، ونوع السلعة المباعة.

فإن كان الثمن، والمثمن من النقدين الذهب أو الفضة، أو كانا كلاهما من الربويات فلا بد من القبض في الحال، ويشترط فيهما ما يشترط في باب الصرف والربا من التماثل والتقابض في الجنس الواحد، أو التقابض في الحال بين الأجناس الربوية المختلفة.

وإن لم يكن الثمن من جنس البضاعة فإن تأجيل الثمن لا يؤثر على صحة العقد، وسيأتي فيما بعد زيادة بيان لطبيعة الثمن، والمقارنة بينه وبين المثمن في النصوص الفقهية الآتية، علمًا بأنه يشترط فيه أن يكون مالًا معينًا، أو موصوفًا مملوكًا ملكًا تامًا للمشتري، أو من ينوب عنه، قادرًا على تسليمه (1) .

(1) انظر: البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/142، 143، 145، 146.

ص: 231

ثانيًا – المثمن (السلعة) :

يتبين من تحليل عقد (الاختيارات) أن المبادلة فيه كائنة بين حق مجرد لشراء، أو بيع. هذا (الحق) يمثل فيه (محل البيع) في حين أن (المال) هو المعتد به شرعًا لأن يكون محلًّا لعقد البيع، حسب التعريفات السابقة، وقد جاء هذا في عبارة صريحة في كافة المذاهب الفقهية.

مذهب الحنفية: " ومن جهة المحل: كونه مالًا متقومًا، مقدور التسليم"(1) بل يخصون هذا بالمبيع المعقود عليه لأنه المقصود من العقد.

والمراد بالمال: ما يميل إليه الطبع، ويمكن إدخاره لوقت الحاجة، والمالية تثبت بتحول الناس كافة، أو بعضهم. والتقويم يثبت بها، وبإباحة الانتفاع به شرعًا. فما يباح بلا تمول لا يكون مالًا كحبة حنطة. وما يتمول بلا إباحة انتفاع لا يكون متقومًا كالخمر.

والمتقوم ما يمكن إدخاره مع الإباحة، فالخمر مال، لا متقوم، فلذا فسد البيع بجعلها ثمنًا.

وإنما لم ينعقد أصلًا بجعلها مبيعًا، لأن الثمن غير مقصود، بل وسيلة إلى المقصود، إذ الانتفاع بالأعيان لا بالأثمان، ولهذا اشترط وجود المبيع دون الثمن

قال في البحر: ثم اعلم أن البيع وإن كان مبناه على البدلين لكن الأصل فيه المبيع دون الثمن، ولذا تشترط القدرة على المبيع دون الثمن، وينفسخ بهلاك المبيع دون الثمن (2) .

(1) البابرتي: شرح العناية على الهداية: 6/247.

(2)

ابن عابدين، محمد أمين: رد المحتار على الدر المختار، (بيروت: دار الكتب العلمية) : 4/2.

ص: 232

بل ذكر الحنفية تعريفًا للمال بأسلوب التقسيم ترسيخًا لمفهوم (المال) محل عقد البيع، وموضوعه (الأموال ثلاثة) :

الأول: (ثمن بكل حال وهو النقدان) صحبته الباء، أو لا، قوبل بجنسه، أو لا.

(و) الثاني: (مبيع بكل حال) كالثوب والدواب.

(و) الثالث: (ثمن من وجه، مبيع من وجه كالمثليات) فإن اتصل بها الباء فثمن، وإلَّا فمبيع، وأما الفلوس فإن رائجة فكثمن، وإلَّا فكسلع.

(و) الثمن: (من حكمه عدم اشتراط وجوده في ملك العاقد عند العقد، وعدم بطلانه) أي العقد (بهلاكه) أي الثمن، (ويصح الاستبدال به في غير الصرف والسلم، لا فيهما) .

(وحكم المبيع خلافه) أي الثمن (في الكل) فيشترط وجود المبيع في ملكه، وهكذا، ومن حكمهما وجوب التساوي في المقابلة بالجنس في المقدرات

(1) .

و (إنما شرط كل من عوضيه مالًا ليثبت ركن البيع، وهو مبادلة المال بالمال

) (2) .

جميع النصوص السابقة، تعريفًا للمال، أو تقسيمًا له تظهر بوضوح أن الحنفية يذهبون إلى أن محل عقد البيع (المبيع) لا يكون إلَّا عينًا مالية لها خصائصها، وأحكامها التي تنفرد بها، وللمبيع المعقود عليه (محل العقد) أحكام ينفرد بها عن الثمن، وسائر شروط البيع.

(1) الحصكفي محمد علاء الدين: شرح الدر المختار، (مصر: مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده) : 2/114، 115.

(2)

القاري، ملا علي: النقابة شرح مختصر الوقاية، الطبعة الثانية، (قازان: خاريطوف مطبعة سي، 1324) : 2/35.

ص: 233

مذهب المالكية:

ينص المالكية صراحة على أن محل عقد البيع هو (الذوات) ، وبرغم أن معنى هذه الكلمة ومدلولها مفهوم بداهة، فقد حددت تفسيراتها في عبارات وأساليب مختلفة تبين المقصود منها، وتميز معناها عن غيرها:

قال ابن بشير في أول كتاب الصرف من التنبيه: " البيع بالقول الكلي يطلق على نقل الملك بعوض، لكن المملوك لا يخلو أن يكون منافع، أو عينًا، ونعني بالعين كل ذات مشار إليها، والمنافع إن كانت أبضاع النساء سمي العقد عليها نكاحًا، وإن كانت غير ذلك سمي أيضًا على الإطلاق إجارة". (1) .

ويؤكد معنى (الذاتية المشار إليها المحسوسة) عندهم سردهم للشروط الواجب توافرها في (المعقود عليه) في قولهم:

وشروط صحة المعقود عليه طهارة) ، فلا يصح بيع نجس ولا متنجس لا يمكن تطهيره كدهن تنجس.

(انتفاع به شرعًا) ، فلا يصح بيع آلة لهو.

(وعدم نهي عن بيعه) ، لا كلب صيد.

(وقدرة على تسليمه) ، لا طير في الهواء، ولا وحش في الفلاة.

(وعدم جهل به) ، فلا يصح بيع مجهول الذات، ولا القدر، ولا الصفة.

فهذه خمسة شروط. وكلها تركز على محسوسية عين المبيع، وذاتها، إذ كل هذه الصفات لذاتية يفترض تعيينها، ووجودها، إن لم يكن بالفعل، فالبقوة كما في عقد السلم.

(1) الحطاب مواهب الجليل لشرح مختصر أبي الضياء سيدي خليل: 3/224.

ص: 234

مذهب الشافعية:

يحدد الشافعية محل عقد المبيع تحديدًا صريحًا، لا يقبل التأويل، فهو الذي ينتهي (بتمليك عين، أو منفعة على التأبيد) ، وقد تقدم تفسيرهم المال بما يشمل المنفعة، والاختصاص تغليبًا.

بالإضافة إلى ما تقدم فإن الشروط التي تتصل بالمعقود عليه محل العقد صفات تتعلق بأعيان لها وجود خارجي.

والمنافع إنما عدُّوها من الأموال من قبيل التوسع والمجاز (بدليل أنها معدومة، لا قدرة عليها) . وقد نتج عن هذا اختلاف العلماء في صحة العقد عليها، وقد جرت مناقشة هذا الموضوع في معرض تحليل تعريف البيع ونقده.

(فقد منع جماعة صحة الإجارة، وأنه لو حلف شخص لا مال له، وله منافع يحنث على الصحيح كما قاله الرافعي، وأنه لو أقر بمال ثم فسره بمنفعة لم يقبل، كما دل عليه كلام الرافعي أيضًا، وقولهم في الوصية: إن المنفعة تحسب قيمتها من الثلث معناه: أنها كالمال المفوت، لا أنها في نفسها مال، لأنها لا وجود لها، وإنما يقدر وجودها لأجل تصحيح العقد عليها، وأيضًا المحدود إنما هو بيع الأعيان لا بيع المنافع، لأن بيع المنافع جنس برأسه

) (1) . ويجيب الخطيب الشربيني رحمه الله على الاعتراض على: نص الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، أن الإجارة بيع منفعة الأمر الذي يفيد أنها ملحقة بالأموال قائلًا:

(إنه محمول على ضرب من التوسع كما مر، لأن المنافع يقدر وجودها لأجل صحة العقد، وما دخله التقدير لا يكون حقيقة، كما يقدر الميت حيًّا ليملك الدية، وتورث عنه)(2) .

فمن ثم قرر المتأخرون أن المال (يشمل المنفعة بل والاختصاص تغليباً)(3)

(1) الشربيني، محمد الخطيب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني المنهاج، (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، سنة 1398هـ/1987م) : 2/2.

(2)

الشربيني: مغني المحتاج: 2/2.

(3)

القليوبي: حاشية على المحلى: 2/314.

ص: 235

مذهب الحنابلة:

وتعريف الحنابلة للبيع واضح منه أن المعقود عليه فيه أحد أمرين: مال، أو منفعة مباحة.

فهما أمران متغايران.

وقد عرف الحنابلة المال والمنفعة تعريفات عديدة بعضها أوضح من البعض الآخر، من هذه التعريفات أن المال:

(ما فيه منفعة، أو لغير حاجة وضرورة)(1) . وبعبارة أوضح، وأصرح:(كل جسم أبيح نفعه، واقتناؤه مطلقًا فخرج نحو الخنزير، والخمر، والميتة النجسة، والحشرات، والكلب والصيد)(2) .

والمنفعة المباحة: (هي ما لا تختص إباحتها بحال دون آخر، كممر دار، أو بقعة تحفر بئرا)(3) .

وهذا هو معنى (الإطلاق) الوارد في المبادلة بالمنفعة في عقد البيع:

(أو) مبادلة (منفعة مباحة على الإطلاق)

بأن لا تختص إباحتها بحال دون حال، نحو جلد ميتة مدبوغ فلا يباع، هو ولا نفعه، لأنه لا ينتفع به مطلقًا، ولا نفعه، بل في اليابسات) (4)

فإذا لم يكن المبيع عينًا مالية، أو منفعة مباحة فقد يكون حقًّا ماليًّا له تعلق بواحد منهما.

(1) الحجاوي، شرف الدين موسى: الإقناع في فقه الإمام أحمد، تصحيح وتعليق عبد اللطيف محمد موسى السبكي، (مصر: المكتبة التجارية الكبرى) : 2/59.

(2)

البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/140، وانظر كشاف القناع: 3/152.

(3)

البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/140.

(4)

البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/140.

ص: 236

و (الحق) في اللغة من معانيه: الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، ومنه حق الأمر: وجب (1) .

فالحق المالي هو ما وجب لشخص في ذمة شخص آخر بسبب دين أو عارية، أو نقص العين المباعة معيبة، أو تدليسها، فهذه حقوق مادية تتعلق بما يسمى مالًا، ولهذا قسم فقهاء الحنابلة (الحق) من حيث المالية إلى الأقسام التالية:

حق مالي: مثل الدين، والعارية.

حق ليس فيه معنى المال: مثل خيار الشرط.

حق فيه معنى المال: مثل خيار العيب والتدليس (2) .

القسم الأول – (الحق المالي) :

هنا شيء مقرر ثابت في الذمة، يمكن تقريره، وتقويمه في حالة انعدامه، فمن ثم تترتب عليه حقوق مالية، وآثار شرعية معينة تلقائيًّا عندما يتعرض أحد طرفي العقد لأمر طارئ كالموت، فإن أول ما يتعلق بالعقد انتقال الحقوق والواجبات إلى الوارث، أو تقديرها، ودفع عوض عنها عندما تتعرض العين للتلف.

القسم الثاني:

وبالنسبة للقسم الثاني ما ليس فيه معنى المال: كخيار الشرط فإنه لا ينتقل إلى الوارث تلقائيًّا إذا لم يشترطه المورث في صلب العقد.

(1) انظر: التّهانوي، محمد علي الفاروق: كشاف اصطلاحات الفنون، تحقيق لطفي عبد البديع، ترجمة عبد النعيم محمد حسنين، (مصر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، سنة 1382هـ/1963م) : 2/82. ابن المبرد، جمال الدين: الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي، الطبعة الأولى، تحقيق رضوان مختار بن غربية، (جدة: دار المجتمع للنشر والتوزيع، سنة 1411هـ/1991م) : 3/516.

(2)

انظر البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/172، 252.

ص: 237

والقسم الثالث:

أما بالنسبة لما فيه معنى المال مثل: خيار العيب والتدليس، فالوصف عارض لعين مالية، وقع عليها العقد تترتب عليه آثار مالية.

في ضوء هذا التحليل لمالية المعقود عليه فقهًا يمكن تلخيص النظر في عقد (الاختيارات)(الحق المجرد) وفي نظائره من البيوع الحديثة على النحو التالي:

أولًا: (الحق المجرد) في عقد (الاختيارات) ليس مالًا حسب التعريفات السابقة، والمصطلح الشرعي.

ثانيًا: إنه ليس مما فيه (معنى المال) ، إذ ليس له تعلق ذاتي، أو عيني بما يطلق عليه مال.

يثبت من هذا أنه من قبيل القسم الثاني وهو (الحق مما ليس فيه معنى المال) ، فالعقد عليه عقد على شيء ليس له وجود في الخارج، فهو من قبيل (المعدوم) الذي لا يقدر، أو يقوم بمال، وحينئذ لا يصلح – حسب المصطلح الشرعي للبيع – أن يكون محلًّا للعقد (معقودًا عليه) .

وقد نهى الشارع عن بيع المعدوم على العموم، ولم يخص منه إلَّا بيع السلم بشروطه (1) .

وقد اتضح من العرض والتحليل السابقين أن هذا النوع من (الحق لا ينتمي إلى أي قسم من أقسام (الحق المالي) ، فضلًا عن أن يكون (مالًا) يصلح أن يكون محل عقد البيع شرعًا، فهو عقد على معدوم فعلًا) .

وإتمام عقد الاختيارات على هذه الصفة يفقده صحته ومشروعيته، حيث يختل ركن من أركانه. والسبيل إلى تصحيح هذا العقد من هذه الجهة: أن يكون القصد المهم والأساس في إنشائه الرغبة في شراء السلعة الموصوفة، كما ورد في التعريف (

لشراء، أو بيع كمية محددة في زمن محدد، من سلعة موصوفة بدقة

يمكن الحصول عليها عند التنفيذ) (2) . فالعبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني، والاعتبار في المعاملات بما في نفس الأمر (3) .

فإذا توافر هذا النوع من العقود (الاختيارات) على هذا الركن صحيحًا يكون قد سلم من البطلان والفساد الناتج عن اختلاله من قبله.

(1) انظر: الشوكاني، محمد بن علي: السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، الطبعة الأولى، تحقيق محمود إبراهيم زايد، (بيروت: دار الكتب العلمية، سنة 1405هـ/1985م) : 3/13.

(2)

الورقة المقدمة من المجمع، الاختيارات.

(3)

انظر: البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/143.

ص: 238

قبض المعقود عليه (السلعة) :

برغم أن محل عقد (الاختيارات) هو (الحق المجرد) اختصت (السلعة) المعقود عليها (اسمًا) بجمل وبعبارات في التعريف وإيضاحه، وهي:

(بيع شيء محدد، أو شراؤه) .

(الاختيار عقد تتم فيه المبادلة بين حق مجرد لشراء، أو بيع كمية محددة، في زمن محدد، من سلعة موصوفة بدقة

ولا ينظر إلى وجودها بصورة معينة، فيكفي أن يمكن الحصول عليها عند التنفيذ) (1) .

فالسلعة موصوفة بدقة، ويمكن الحصول عليها عند التنفيذ، وإذا كانت مقصودة من العقد فإن عدم قبضها إذا كانت من غير النقدين لا يمثل مشكلة مؤثرة على صحة العقد، بل يصح العقد شرعًا بقبض الثمن في المجلس مع غياب السلعة الموصوفة، والأكثر من هذا أنه يصح العقد، برغم انعدامها وقت إبرام العقد كما في السلم بشروطه منها:

"أن تكون السلعة الغائبة عن مجلس العقد منضبطة الصفات عدا، إذا كانت مما يعد، أو ذرعًا، إذا كانت من المذروعات، أو وزنًا، إذا كانت من الموزونات أو كيلًا، إذا كانت من المكيلات، وتعيين صفاتها المميزة التي يتفاوت الثمن بسببها، وذكر قدرها من العد، أو الوزن، أو الوكيل، وتعيين وقت تسليمها، ومكانة (2)، ذلك أن القبض للثمن في عقد السلم شرط أساس كما يتضح هذا من تعريفه بأنه:

"عقد على موصوف في الذمة، مؤجل، بثمن مقبوض في مجلس العقد". (3) .

(1) الورقة المقدمة من المجمع.

(2)

انظر: البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/214، 215، 216، 217، 218، 219، 220، وانظر: كشاف القناع: 3/288 289.

(3)

البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع: 3/288، 289

ص: 239

كما يصح العقد بقبض السلعة في مجلس العقد، وغياب الثمن بشرط وصفه وتحديده " و " يصح بيع (موصوف) بما يكفي في السلم (غير معين) ، ولو لم يوجد في ملكه مثل، (بشرط قبضه) أي الموصوف، أو قبض ثمنه في مجلس العقد

" (1) .

وغياب الثمن والمثمن جميعًا وعدم قبض واحد منهما يحيل العقد إلى " بيع دين بدين، وقد نهي عنه"(2) .

وهذا هو الواقع فعلًا في عقد الاختيارات.

وإضافة إلى النصوص السابقة فيما يتعلق بالمعقود عليه مما اقتبس من كتب المذاهب الأربعة التي تركز على أهميته يقول العلامة محمد بن علي الشوكاني:

"والمبيع يتعين، فلا يصح معدومًا إلَّا في السلم، أو في ذمة مشتريه، ولا يتصرف فيه قبل القبض، ويبطل البيع بتلفه، واستحقاقه، ويفسخ معيبه، ولا يبدل، والثمن عكسه في ذلك غالبًا، والقيمى والمسلم فيه مبيع أبدًا، وكذلك المثلي غير النقدين إن عين وقوبل بالنقد، وإلَّا فثمن أبدًا كالنقدين"(3)

ولتفادي ما هو واقع بالفعل في (الاختيارات) من بيع الدين بالدين يتخذ أحد إجراءين:

أولًا: تعجيل الثمن والسلعة إن أمكن.

ثانيًا: تعجيل أحدهما، وتأجيل الآخر وفق الشروط الشرعية الخاصة بكل واحد منهما لدى الموافقة على تأجيله من الطرفين.

(1) البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/158.

(2)

البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/144.

(3)

السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار: 3/12.

ص: 240

بيع خيار الاستدعاء:

ورد توصيفه في الأوراق المقدمة:

"أو هو كبيع شيء موصوف، لا يملكه البائع، بالرغم من توافره في السوق؟ "(1) .

بيع خيار الاستدعاء بهذه الصورة المدونة يعني عدم ملكية (المعقود عليه) للبائع عند العقد، وهو بهذا يفتقد شرطًا من شروط انعقاد البيع عند الحنفية، إذ لا بد أن يكون مملوكًا، لأن البيع تمليك، فلا ينعقد بما ليس بمملوك، وأن يكون مملوكًا للبائع عند البيع فإن لم يكن، فالبيع لا ينعقد أساسًا، وتوافره في الأسواق ليس مبررًا لبيع ما ليس ملكًا للعاقد، وقد جرى النص على هذا صريحًا في المذهب في العبارة التالية:

"أن يكون موجودًا، فلا ينعقد بيع المعدوم، وما له خطر العدم،

وأن يكون حالًا، لأن البيع مبادلة المال بالمال

، وأن يكون مملوكًا للبائع عند البيع، فإن لم يكن لا ينعقد، وإن ملكه بعد ذلك بوجه من الوجوه، إلَّا السلم خاصة، وهذا بيع ما ليس عنده، ((ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الإنسان، ورخص في السلم)) (2) .

أما الشافعية والحنابلة فينعقد باطلًا: فيذهب الشافعية إلى أن " من شروط المبيع (الملك) فيه (المعقود عليه)(لمن له العقد) الواقع، وهو العاقد، أو موكله، أو موليه، أي أن يكون مملوكًا لأحد الثلاثة

" (3) .

وذكر الحنابلة من شروط صحة البيع: " (أن يكون) المبيع (مملوكًا له) أي البائع، (مأذونًا له فيه) أي البيع من مالكه، أو من الشارع، كالوكيل، وولي الصغير ونحوه، وناظر الوقف (وقت عقد) البيع، (ولو ظنا) أي المالك، أو المأذون له (عدمهما) أي الملك، أو الإذن في بيعه كأن باع ما ورثه غير عالم بانتقاله له إليه، أو وكل في بيعه، ولم يعلم فباعه، لأن الاعتبار في المعاملات بما في نفس الأمر، لا بما ظن المكلف، (فلا يصح تصرف فضولي، ولو أجيز بعد) "(4)

ومذهب المالكية أنه ينعقد صحيحًا، ولكنه ليس بلازم.

(1) الكاساني، علاء الدين أبو بكر، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: 5/138، 140، 146.

(2)

الكاساني، علاء الدين أبو بكر، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: 5/138، 140، 146.

(3)

المحلى، جلال الدين، شرح منهاج الطالبين: 2/160.

(4)

البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/143.

ص: 241

فقد ذكر العلامة أبو عبد الله محمد بن عرفة في شروط المعقود عليه: (يطلب أنه طاهر، منتفع به، مقدور على تسليمه، مملوك لبائعه، أو لمن ناب عنه، لا حق لغيره فيه، ولا غرر)(1) .

جاء شرح هذه العبارة بأن " هذا الضابط يشمل جميع الصور على كل قول؛ لأن الأقوال اتفقت على أنه تطلب هذه القيود ابتداء في المعقود عليه

".

وذكر شارحه ما يخرج ويحترز منه في النص السابق قائلًا: " ويخرج بيع الغاصب والمعتدي، ويدخل بيع الوكيل، والوصي، والمقدم، ويخرج بيع الفضولي"(2) .

وذكر العلامة الدردير صراحة الأهمية الشرعية لفقدان هذا الشرط ونتائجه على عقد البيع في معرض شروط لزوم البيع: التكليف، وعدم الحجر، وعدم الإكراه قائلًا:

"وبقي من شروط اللزوم: أن يكون العاقد مالكًا، أو وكيلًا عنه، وإلَّا فهو صحيح غير لازم"(3) .

وأضاف العلامة أحمد بن محمد الصاوي شرطًا آخر بقوله: " وبقي شرط آخر في المعقود عليه وهو: أنه لا يتعلق به حق للغير

فتكون شروط اللزوم خمسة ذكر المصنف منها أربعة، وهذا واحد" (4) . واستدل لهذا بقول الإمام مالك " يجوز بيع ملك الغير، ويوقف على إجازه ربه

وفي رسم المكاتب من سماع عيسى: من قال اشتر مني عبد فلان بستين دينارًا، فإني أعطيته فيه عطاءً أرجو أن يمضيه لي، فقال له صاحبه: قد اشتريته منك بالستين، ثم رجع البائع إلى سيد العبد فاشتراه منه بخمسين. فقال: أكره هذا، وإن وقع أمضيته" (5) .

وبهذا يتبين أن بيع (خيار الاستدعاء) يمكن تصحيحه في ضوء المذهب المالكي، بمعنى أن البيع ينعقد صحيحًا، وليس لازمًا حتى يتم التملك الشرعي للمعقود عليه من قبل البائع، ويصبح اللزوم للعقد متوقفًا على توفية هذا الشرط.

(1) الرصاع، شرح جدود ابن عرفة: ص238.

(2)

الرصاع، أبو عبد الله محمد الأنصاري، شرح حدود ابن عرفة: ص238.

(3)

الشرح الصغير 3/19.

(4)

حاشية الصاوي على الشرح الصغير، بهامش الشرح الصغير على أقرب المسالك: 3/19.

(5)

المواق، أبو عبد الله سيدي محمد، التاج والإكليل لمختصر خليل، الطبعة الأولى بهامش مواهب الجليل للحطاب، (مصر: مطبعة السعادة، سنة 1329هـ) 4/244.

ص: 242

فترة الاختيار:

ورد التصريح بها في نهاية التعريف بالعبارة الآتية:

"عقد بعوض على حق مجرد يخول صاحبه بيع شيء محدد، أو شراءه، بسعر معين طيلة مدة معلومة، أو في تاريخ محدد

".

كما جاء في إيضاح التعريف ما يتعلق بها، حيث ذكر أن من العوامل المؤثرة في السعر ارتفاعًا، أو انخفاضًا " طول الفترة الزمنية المحددة للعقد".

هذه الفترة المحددة للقبول سواء في اختيار الطلب (اختيار الاستدعاء) ، أو أختيار البيع (اختيار الدفع) ليست في الحقيقة من العقد بل هي سابقة عليه، وهي مهلة تتيح للعاقد قبل إبرام العقد التفكير لنفسه بالإقدام على ما يعده من مصلحته، دون أن يكون هناك التزام بعقد، وكل ما كان قبل العقد فلا يعد منه.

ولا يعد هذا من الخيار المعروف في الفقه الإسلامي، ذلك أن الخيار في الفقه الإسلامي هو نتيجة إبرام عقد مشروط فيه الخيار أثناء العقد، إذ يعرف فقهًا بأنه:" طلب خير الأمرين من إمضاء عقد، وفسخه "(1) . والفترة المنوه عنها في (الاختيارات) سابقة على إيجاب العقد وإبرامه، فمن ثم لا يكون لها تأثير على العقد صحة، أو فسادًا.

ولو تم (الاختيار) كما هو مذكور في التعريف وإيضاحه نتيجة عقد شرط فيه (الخيار) بين إمضاء العقد، أو فسخه خلال فترة معينة لكان العقد صحيحًا من قبيل (خيار الشرط) " بأن يشترطاه (في) صلب (العقد، أو) يشترطاه بعده، (زمن الخيارين) ، أي خيار المجلس، وخيار الشرط، لأنه بمنزلة حال العقد (إلى أمد معلوم. فيصح)

" (2) .

(1) البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/166.

(2)

البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/168؛ وكشاف القناع: 3/202.

ص: 243

هيئة السوق:

هي المسؤولة إداريًّا، وقانونيًّا عما يجري في السوق، وهي من الناحية الشرعية: شخصية اعتبارية، معنوية، ذات ذمة قابلة للإلزام، وكافة الجوانب، والمسؤوليات الشرعية، مثلها في الفقه الإسلامي، مثل الأوقاف، وبيت مال المسلمين، والمساجد، والأربطة، والحق العام، والدولة، والقنطرة وغير ذلك (1) .

وهي بهذه الصفة الشرعية لها حق البيع، والشراء، والضمان، والدعوى، والخصومة، وخلافه.

ضمان هيئة السوق:

ورد التصريح بضمان هيئة السوق لحقوق الطرفين في تعريف (الاختيارات) .

كما ورد التصريح في إيضاح التعريف بأن ضمان الحقوق، هي مسؤولية " الأسواق المالية التي تؤدي خدمة الضمان لحقوق الأطراف الملتزمة بالتنفيذ في حينه"(2) .

يعد هذا الضمان من قبيل (الكفالة بالمال) وهي:

" ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة". (3) .

وأحكام الكفالة المالية مبنية على التوسع في الفقه الإسلامي فيجوز " (معلومًا كان المكفول به، أو مجهولًا، إذا كان دينًا صحيحًا، مثل أن يقول تكفلت عنه بألف، أو بما لك عليه، أو بما يدركك في هذا البيع) ، لأن مبنى الكفالة على التوسع، فيحتمل فيها الجهالة، وعلى الكفالة بالدرك إجماع وكفى به حجة"(4) .

(1) انظر: الدردير، أبوالبركات أحمد، الشرح الصغير على أقرب المسالك على مذهب مالك: 4/581؛ وانظر: طموم، محمد، الشخصية المعنوية الاعتبارية في الشريعة الإسلامية، والقانون الوضعي، الطبعة الثانية، (القاهرة: مطبعة حسان سنة 1407/1987) ، ص46.

(2)

الورقة المقدمة من المجمع.

(3)

سعدي جلبي، سعد الله بن عيسى، حاشية على شرح فتح القدير للكمال ابن الهمام، 7/163.

(4)

ابن الهمام من شرح فتح القدير، 7/181.

ص: 244

وهو مذهب المالكية: " قال ابن يونس في كتاب الحمالة (1)

إن الحمالة بالمال المجهول جائزة، فكذلك الحمالة بالمال إلى أجل مجهول جائزة، ويضرب له من الأجل بقدر ما يرى" (2) .

وذهب الشافعية إلى أنه " لا يشترط رضا المضمون عنه قطعًا، ولا معرفته في الأصح، (ويشترط في المضمون) وهو الدين (كونه ثابتًا) ، فلا يصح الضمان قبل ثبوته

، لأنه وثيقة له فلا يسبقه كالشهادة، وهذا في الجديد، (وصحح القديم ضمان ما يجب) ببيع، أو قرض، لأن الحاجة قد تدعو إليه" (3) .

ولم يشذ الحنابلة عن المذاهب السابقة فالضمان عندهم: " التزام من يصح

مالًا (وجب على آخر) كثمن، وقرض، وقيمة متلف (مع بقائه) ، أي ما وجب على مضمونه عنه، فلا يسقط عنه

، (أو) ما (يجب) على آخر كجعل على عمل

، (غير جزية فيهما) ، أي فيما وجب، وفيما يجب فلا يصح ضمانها

" (4) .

كما يصح الضمان برغم جهالة الضامن للمضمون له، والمضمون عنه:

"ولا يعتبر لضامن (أن يعرفهما) أي المضمون له، والمضمون عنه (ضامن) لأنه لا يعتبر رضاهما، فكذا معرفتهما، (ولا) يعتبر (العلم) من الضامن (بالحق) لقوله:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] .

وهو غير معلوم، لأنه يختلف، (ولا) يعتبر (وجوبه) أي الحق (إن آل إليهما) أي العلم به، وإلى الوجوب للآية

" (5) .

(1) يسمي المالكية الضمان بالحمالة، والكفالة، والزعامة، وكل ذلك بمعنى واحد. انظر الحطاب، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: 5/96 – 101.

(2)

يسمي المالكية الضمان بالحمالة، والكفالة، والزعامة، وكل ذلك بمعنى واحد. انظر الحطاب، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: 5/96 – 101.

(3)

المحلى، جلال الدين، شرح منهاج الطالبين: 2/325.

(4)

البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/245، 246.

(5)

البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/248.

ص: 245

وحينئذ تكون هيئة السوق ضامنًا فيما صرحت بضمانه من حقوق، ومسؤوليات، وهذا من قبيل ما هو معروف فقهًا (ضمان السوق)، وهو صورة من صور الضمان المنصوص عليه: " (ومنه) أي من الضمان مايؤول إلى الوجوب (ضمان السوق وهو) أي ضمان السوق (أن يضمن ما يلزم التاجر من دين، أو ما يقبضه) أي التاجر (من عين مضمونة) كمقبوض على وجه سوم

" (1) .

سماسرة السوق:

جماعة مرخص لها بالعمل في الأسواق المالية، من وظائفهم:" أنهم يجمعون رغبات الشراء، والبيع بين أطراف غير معروف بعضها لبعض، ويجرون الارتباط بين المتوافق من الاختيارات"(2) .

يتضح من هذه العبارة أن عمل السماسرة في عقد الاختيارات عمل تسويقي، وتنظيمي في نفس الوقت، " إذ يجرون الارتباط بين المتوافق من الاختيارات "، ومتابعة حركة السوق، للتوصل إلى التصفية النهائية، وكما في الحقيقة مجرد وسيط بين الأطراف لتسهيل الصفقة، وهذا العمل ليس له تأثير على العقد صحة، أو بطلانًا، والسمسار بمثابة وكيل (3) .

إجراء الارتباط بين المتوافق من (الاختيارات) :

هذا العمل من جملة وظائف السماسرة في الأسواق المالية المنظمة " والمرخص فيها بذلك لسماسرة محصورين، يجمعون رغبات الشراء والبيع بين أطراف غير معروف بعضها لبعض، ويجرون الارتباط بين المتوافق من الاختيارات

" (4) .

(1) البهوتي شرح منتهى الإرادات: 2/248.

(2)

الورقة المقدمة من المجمع.

(3)

انظر: الدردير، أبو البركات أحمد، الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب مالك: 4/45؛ وابن عابدين، حاشية ابن عابدين: 5/39.

(4)

الورقة المقدمة من المجمع.

ص: 246

يمكن التعبير عن هذا العمل بأنه تصفية بين العقود المتفقة للتوصل إلى معرفة ما للمتعامل، وما عليه من خلال صفقات (الاختيارات) : اختيار الاستدعاء، واختيار الدفع.

هذه العملية لا تدخل تحت ما يسمى بـ (المقاصة) في الفقه الإسلامي، ذلك أنها تكون بين مدينين يسقط كل منهما ما له من دين على غريمه مقابل ما له في ذمة الآخر، بشروط معلومة في كتب الفقة حسب سبب الدين، ونوعه، اتفاقًا، أو اختلافًا وقدره، وصفته، وحلوله، وتأجيله، وقد جرى تعريف المقاصة فقهًا بأنها:" متاركة مطلوب، بمماثل صنف ما عليه، لما له على طالبه فيما ذكر عليهما"(1) . وبعبارة أخرى أوضح:

" (هي إسقاط ما لكَ من دين على غريمك في نظير ما له عليك) بشروطه". (2) .

والعلاقة التي ينشئها السماسرة بين المتعاملين في السوق المالية ليست علاقة (مديونية) ، التي هي أساس مبدأ المقاصة، وما يقوم به السماسرة هو فقط عملية تصفية، للوصول إلى النتائج الربحية، أو عدمها من التعامل في هذا النشاط التجاري فحسب، فهي عملية إجرائية لا أثر لها صحة، أو بطلانًا في الاختيارات.

(1) ابن عرفة، أبو عبد الله محمد، الحدود مع شرح الرصاع: ص301.

(2)

الدردير، أبوالبركات أحمد، الشرح الكبير على هامش حاشية الدسوقي: 3/227.

ص: 247

خاتمَة بَحث الاختيارات

إن العرض الفقهي السابق، والتحليل لعقد (الاختيارات) كما هو ممارس في الأسواق المالية، وتكييفه فقهًا حسب القواعد الشرعية خلص إلى نتائج واضحة، تمثل مجموعة، ومنفردة الإجابة على الأسئلة التي ذيلت بها أوراق التعريف به، وتتلخص في الآتي:

أولًا: إن التعريف اشتمل على عقدين مختلفين.

(أ) عقد ابتدائي أوَّلي، وهو مدخل للعقود التي تبرم بين الأطراف داخل السوق، وهو عقد إجارة من الناحية الفقهية. و (العوض) المذكور في صدر التعريف هو في الحقيقة (أجرة) مقابل التسهيلات التي يحصل عليها المتعامل بالسوق، ومن جملة ما يحصل عليه من المنافع إعطاء حق (الاختيار) ، وهو منفصل عن الأخير شكلًا وموضوعًا.

(ب) عقد تال (الاختيار) : وهو ما جرى البحث فيه تفصيلًا.

ثانيًا: عقد (الاختيار) – حسب التعريف المقدم من قبل المجمع هو عقد بيع في جوهره، وموضوعه، تنزل أحكامه وفق أحكام البيع.

ثالثًا: (الحق المجرد) – بالصورة المدونة في هذا العقد نظريًّا وتطبيقًا – ليس مالًا، ولا منفعة ولا بما له تعلق بواحد منهما، فهو لا يصلح فقهًا أن يكون (معقودًا عليه) ، موضوعًا للعقد، ومحلًّا له.

رابعًا: (هيئة السوق) – شخصية معنوية، اعتبارية، ذات ذمة قابلة للإلزام والالتزام، وكافة المسؤوليات الشرعية، مثلها في الفقه الإسلامي مثل الأوقاف، وبيت المال، ودور التعليم، والمساجد، والأربطة وغير ذلك، فتكون بائعًا، ومشتريًا وضامنًا.

ص: 248

خامسًا: الضمان الذي تقدمه الهيئة للطرفين هو تأكيد الشخصية المعنوية، ولا يتعارض مع النصوص الشرعية، خصوصًا وأن أحكامه مبنية على السنة والتسامح.

سادسًا: العوض في (اختيار الشراء) – لا دخل له في ثمن المعقود عليه في (الاختيارات) كما جرى تحليل هذا سابقًا.

وعلى فرض جعله من الثمن فإنه لا يؤثر على صحة العقد – لو كان صحيحًا في بقية الأركان والشروط – بل يعد من قبيل (بيع العربون) وهو (دفع بعض ثمن) في بيع عقداه، (أو

أجرة) ، أو يقول مشتر، ومستأجر (إن أخذته) أي المبيع، أو المؤجر احتسبت بما دفعت من ثمن، أو أجرة، وإلَّا فهو لك، (أو) يقول: إن جئتك بالباقي من ثمن، أو أجرة، وإن لم يعينا وقتًا، (وإلَّا فهو) أي ما قبضته فهو لك

(وما دفع في عربون فلبائع) في بيع، (و) لـ (مؤجر) في إجارة (إن لم يتم) العقد

(1) .

وهو صحيح وفق المذهب الحنبلي، ومقبول شرعًا أن يجعل العوض جزءًا من ثمن السلعة إذا اتفق على هذا المتعاقدان.

سابعًا: يمكن تعديل هذا النوع من البيوع مع الاحتفاظ بخصوصية (الاختيار) ، وهو (السعر المعين طيلة مدة معلومة، أو في تاريخ محدد) بإقامة أركان البيع التي تطرق الخلل للاختيارات من قبلها، خلوه عن موانع الصحة، وأسباب البطلان، والخلل في الأركان ظهر في العناصر التالية:

1-

مالية المعقود عليه الثمن والمثمن على السواء: وهي لا تتمثل فيما يسمى بالحق المجرد بحال.

(1) البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/165.

ص: 249

وسلامة هذا الجانب وعلى الأصح هذا الركن في تحقق مالية الثمن، والمثمن بما جرى شرحه وتوضيحه سابقًا، وأن يكون المقصود الأساسي شراء سلعة لها صفة (المالية) .

2-

عدم قبض الثمن، والمثمن بمعنى غيابهما جميعًا عند العقد، وهذا يحيل العقد إلى (بيع الكالئ بالكالئ) .

وليكون العقد سليمًا في هذا الجانب فلا بد من تعجيل أحدهما على الأقل، ووصف المؤجل وصفًا دقيقًا، ينقطع به النزاع.

3-

عدم ملكية (المعقود عليه) للبائع في (خيار الاستدعاء) ، وهو بهذا يفتقد شرطًا من شروط انعقاد البيع عند الحنفية، وشرطًا من شروط الصحة عند الشافعية، وشرطًا من شروط اللزوم عند المالكية. وبالإمكان تصحيح هذا الخلل في ضوء المذهب المالكي بعد أن يظل العقد موقوفًا حتى يتم تملك البائع للسلعة تملكًا شرعيًّا صحيحًا، وحينها يصبح العقد صحيحًا ولازمًا.

ثامنًا: إعطاء شهادة حق التملك، وحق الأولوية في شراء الإصدارات من حيث هو – بالصورة الموضحة بالأوراق المقدمة من قبل المجمع – هو بمثابة مكافأة غير مشروطة، ممن يملك إصدارها ومنحها، وما دام أنها غير مشروطة في التعامل – وبخاصة إذا كانت معاملة قرض بين الأفراد والشركات المانحة لها – فإنها صحيحة بلا استثناء، أما لو كانت مشروطة في حالة القرض فعندئذٍ تدخل تحت القاعدة المشهورة (كل قرض جر نفعًا فهو حرام) .

وإعطاء إحدى الشهادتين أو كلتيهما مكافأة للعملاء، أو حماية لحقوقهم هو تمليك لهم ما يجوز لهم تملكه، وهذا يخولهم حق نقلها بمقابل وبدون مقابل إلى من عداهم، ما لم يكن هذا التمليك معينًا ومشروطًا لهم خاصة، ذلك أن (المسلمين عند شروطهم) .

ص: 250

والأولوية في شراء الإصدارات الجديدة من الأسهم لا يطلق عليها (الشفعة) في الفقه الإسلامي، ولا تندرج تحت هذا المصطلح بحال، ذلك أن هذه التسمية (الشفعة) لا تطلق أصالة في الفقه الإسلامي إلَّا على " العقار " وهو الأرض وما اتصل بها من بناء وشجر، فلا شفعة في غيره إلَّا تبعًا " (1) . فشرط الشفعة " أن يكون محلها عقاراً" (2) .

والله أسأل التوفيق والسداد وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.

الدكتور عَبد الوهاب ابراهيم أبو سليمان

(1) الدردير، أبوالبركات أحمد، الشرح الصغير: 3/634.

(2)

الحصكفي، شرح الدر المختار: 2/342؛ وانظر: في مذهب الشافعية: المحلى، جلال الدين، شرح منهاج الطالبين: 3/042؛ ومذهب الحنابلة: البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/435.

ص: 251

مصادر بحث الاختيارات

1-

البابرتي، أكمل الدين محمد: شرح العناية على الهداية. بهامش شرح فتح القدير لابن الهمام. الطبعة الأولى. مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، سنة 1389هـ/1970م.

2-

البهوتي، منصور بن يونس: شرح منتهى الإرادات. المدينة المنورة المكتبة السلفية.

كشاف القناع عن متن الإقناع. راجعه وعلق عليه هلال مصيلحي مصطفى هلال. الرياض: مكتبة النصر الحديثة.

3-

التهانوي، محمد علي الفاروقي: كشاف اصطلاحات الفنون. تحقيق لطفي عبد البديع. ترجمة عبد النعيم محمد حسنين. مصر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، سنة 1382هـ/1963م.

4-

ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم: مجموع فتاوي. الرباط: مكتبة المعارف.

5-

الحجاوي، شرف الدين موسى: الإقناع في فقه الإمام أحمد. تصحيح وتعليق عبد اللطيف محمد موسى السبكي. مصر: المكتبة التجارية الكبرى.

6-

الحصكفي، محمد علاء الدين: شرح الدر المختار. مصر: مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده.

7-

الحطاب، أبو عبد الله محمد بن محمد: مواهب الجليل لشرح مختصر أبي الضياء سيدي خليل. الطبعة الأولى. مصر: مطبعة السعادة، سنة 1329م.

8-

حيدر علي: درر الحكام شرح مجلة الأحكام. تعريب المحامي فهمي الحسيني. بيروت: مكتبة النهضة.

9-

الدردير، أحمد بن محمد: الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي. بيروت: دار الفكر.

الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك. تخريج وضبط كمال وصفي. مصر: دار المعارف سنة 1374هـ.

10-

الدسوقي، محمد عرفة: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير. بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

11-

الرشيدي، أحمد بن عبد الرزاق بن محمد المعروف بالمغربي: حاشية على نهاية المحتاج، بهامش نهاية المحتاج للرملي. مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده.

12-

ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد: بداية المجتهد ونهاية المقتصد. مصر: مطبعة الاستقامة عام 1371هـ/ 1952م.

ص: 252

13-

الرصاع، أبو عبد الله محمد الأنصاري: شرح حدود ابن عرفة. الطبعة الأولى. تونس: المطبعة التونسية، سنة 1350هـ.

14-

الرهوني، محمد بن أحمد: أوضح المسالك وأسهل المراقي إلى سبل إبريز الشيخ عبد الباقي. بيروت: دار الفكر، سنة 1398هـ/1978م.

15-

الزرقاني، سيدي عبد الباقي: شرح الزرقاني على مختصر سيدي خليل. بيروت: دار الفكر سنة 1398هـ/1978م.

16-

الزيلعي، فخر الدين عثمان بن علي: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق. الطبعة الثانية، بيروت: دار الفكر.

17-

سعدي جلبي، سعد الله بن عيسى: حاشية على فتح القدير، للكمال بن الهمام. الطبعة الأولى، مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، سنة 1389هـ/ 1970م.

18-

الشربيني، محمد الخطيب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني المنهاج. بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، سنة 1398هـ/1978م.

19-

الشلبي، شهاب الدين أحمد: حاشية تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، بهامش تبيين الحقائق. الطبعة الثانية، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر.

20-

الشوكاني، محمد بن علي: السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار. الطبعة الأولى، تحقيق محمود إبراهيم زايد. بيروت: دار الكتب العلمية، سنة 1405هـ/1985م.

21-

الصاوي، أحمد محمد: حاشية الصاوي على الشرح الصغير، بهامش الشرح الصغير. تخريج وضبط كمال وصفي، مصر: دار المعارف، سنة 1374هـ.

22-

طموم، محمد: الشخصية المعنوية الاعتبارية في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي. الطبعة الثانية. القاهرة: مطبعة حسان، سنة 1407هـ/ 1987م.

23-

ابن عابدين، محمد أمين: رد المحتار على الدر المختار. بيروت: دار الكتب العلمية.

24-

ابن عرفة، أبو عبد الله محمد: الحدود مع شرحه لأبي عبد الله محمد المشهور بالرصاع. الطبعة الأولى. تونس: المطبعة التونسية، سنة 1350هـ.

25-

عميرة، شهاب الدين أحمد البرلسي: حاشية على شرح المحلى للمنهاج، بهامش شرح المحلى على المنهاج. بيروت: دار الفكر.

ص: 253

26-

الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد: الوجيز في فقه مذهب الإمام الشافعي. مصر: مطبعة حوش قدم، سنة 1381هـ.

27-

القاري، ملا علي: النقابة شرح مختصر الوقاية. الطبعة الثانية. قازان خاريطوف، مطبعة سي، 1324هـ.

28-

القباب، أبو العباس أحمد بن قاسم الجذامي: شرح المسائل التي وضعها ابن جماعة في البيوع. مخطوط. مكتبة مكة المكرمة. رقم 31 حنفي.

29-

ابن قدامة، موفق الدين أبو محمد: المغني. طبعة جديدة بالأوفست بعناية جماعة من العلماء. بيروت: دار الكتاب العربي، سنة 1403هـ/ 1983م.

30-

قليوبي، شهاب الدين أحمد: حاشية على شرح المحلى للمنهاج. بيروت: دار الفكر.

31-

الكاساني، علاء الدين أبو بكر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. الطبعة الثانية. بيروت: دار الكتاب العربي، عام 1394هـ/1974م.

32-

ابن المبرد، جمال الدين: الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي. الطبعة الأولى. تحقيق رضوان مختار بن غربية. جدة: دار المجتمع للنشر والتوزيع، سنة 1411هـ/1991م.

33-

المواق، أبو عبد الله سيدي محمد: التاج والإكليل لمختصر خليل، بهامش مواهب الجليل للحطاب. الطبعة الأولى. مصر: مطبعة السعادة سنة 1329هـ.

34-

المرغيناني، أبو الحسن علي: الهداية على شرح بداية المبتدي. الطبعة الأخيرة. مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى الباب الحلبي.

35-

ابن الهمام، كمال الدين حمد بن عبد الواحد السيواسي: شرح فتح القدير. الطبعة الأولى. مصر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده سنة 1389هـ/1970م.

ص: 254