الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بطَاقَة الائتمان وَتكييفها الشَّرعي
إعداد
الدكتور عبد السّتار أبُوغُدَّة
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:
إن لبطاقات الائتمان في المجتمعات الحديثة شأنًا عمليًّا كبيرًا ربما لم تبلغه في البلاد الإسلامية، لكنها فيما على مستوى الأفراد أصبحت من متطلبات السفر والترحال.
ذلك أنها تحقق للإنسان أمانًا على أمواله من حملها معه، فتتعرض للفقد أو السرقة، وكذلك يتمكن بها من شراء ما يبدو له شراؤه في ظروف مفاجئة لم يستعد لها بحمل ما يكفي لهذه المشتريات، فضلا عن أن البطاقة تيسر لحاملها السداد بأي عملة دون أن يحتاج لحمل العملات المختلفة التي توجد إجراءات لدخولها وخروجها في بعض البلاد التي بها قيود على تحويل العملة، ثم إنها تشكل وسيلة للمحاسبة وضبط المصاريف وتوثيق السداد للمطالبات.
لقد أصبح إصدار بطاقة الائتمان أحد الخدمات المصرفية المهمة، وهو أيضًا خدمة ذات طابع سياحي كالشيكات ولكنها تتفوق على الشيكات في عنصر الأمان والسهولة. ومن الضروري التعرض إلى تكييفها الشرعي وحكم إصدارها واستلامها وما يترتب عليه من التزامات مالية أصلية أو طارئة.
ولا يغرب عن البال أن في صيغ المعاملات المالية في الفقه الإسلامي ما يتسع لاستيعاب المستجدات العصرية سواء من خلال صيغة واحدة مسماة معروفة، أو من خلال صيغ مركبة تجمع أكثر من عقد، أو من خلال قواعد العقود العامة التي من خلالها يمكن إدراك طبيعة المعاملات المستحدثة وتحليل عناصرها (تكييفها) للوصول إلى حكمها الشرعي الصحيح.
والله الهادي إلى سواء السبيل.
أوّلًا:
بطَاقَة الائتمان المتَعَامَل بهَا حَاليا،
وَمعاملاتها
إن بطاقة الائتمان تنشأ عن علاقات متعددة من أطراف مختلفة فهناك:
الشركة التي ترعى البطاقة وهي عادة شركة عالمية.
وكالات محلية، وبنوك محلية للوساطة.
أصحاب المتاجر والخدمات (عملاء بيع بالبطاقة) .
حملة البطاقة (عملاء شراء بالبطاقة) .
وتدور العلاقات هكذا:
تتفق شركة البطاقة مع الوكالات أو البنوك لتسويق البطاقة للطرفين المتعاملين بها مباشرة وهما أصحاب المتاجر والخدمات وحملة البطاقات.
يقدم حامل البطاقة بطاقته إلى صاحب المتجر أو الخدمة فيتسلم ما اشتراه لقاء الالتزام بالدفع عن طريق شركة بطاقته.
يقدم صاحب المتجر أو الخدمة الإشعار الموقع من حامل البطاقة ويتسلم من شركة البطاقة أو وكيلها أو البنك المتعامل معها ثمن البضاعة أو الخدمة مخصومًا من الثمن المدون في الإشعار.
ترسل شركة البطاقة للعميل صورة من الإشعار الموقع من حامل البطاقة مع طلب تسديد ثمن ما دفعه بعد تحويله إلى عملة البطاقة أو ترسل ذلك إلى البنك الذي أعطى تعليمات من العميل لحسم المبالغ المترتبة على البطاقة من حساب صاحب البطاقة لدى البنك.
إذا تأخر حامل البطاقة عن سداد التزماته بتجاوز الفترة المحددة المسموح بها، فإنه يحسم عليه بالإضافة للمبالغ المطالب بها فائدة للتأخير وهي فائدة مركبة.
إذا لم يسدد حامل البطاقة التزاماته وما ترتب عليه، فإن البطاقة توضع في قائمة منع الاستخدام إلى أن تتم المخالصة مما على البطاقة من التزامات.
هذه هي الخطوات الأساسية التي يقوم عليها التعامل بالبطاقات الائتمانية والتي تنظمها عقود بين الأطراف المتعددة.
ولعل من المفيد دراسة اتفاقية عضوية بطاقة ما وهي الاتفاقية التي توقع بين عضو البطاقة وبين شركة البطاقة العالمية أو أحد وكلائها أو خلفائها، كما قد يكون هناك ملتزم عن حامل البطاقة في حالة كونها بطاقة تابعة وهي التي تصدر للزوجة أو أحد الأولاد وتربط بالبطاقة الرئيسية.
تتكون تلك الاتفاقيات عادة من بضع عشرة مادة بعضها تعاريف، أو إجراءات، وبعضها ينظم العلاقة بين الطرفين ويحدد الالتزامات المتبادلة.
وبتجاوز البنود التمهيدية والتعاريف والبنود الإجرائية، فإن في البنود الموضوعة ما يلي:
استعمال البطاقة:
تنص بعض بطاقات الائتمان على " التعهد بعدم بيع أو إرجاع أي من البضائع أو التذاكر أو الخدمات التي يحصل عليها حامل البطاقة باستعمالها، بقصد الحصول على قيمتها النقدية. ولا يمنع هذا من إعادة البضائع، من أجل قيد قيمتها في حساب حامل البطاقة، إذا ما قبلت مؤسسة الخدمة بذلك".
وهذا النص يحقق منع بيع العينة بالرغم من عدم أخذ ذلك باعتبار شرعي، فإن الغرض منه الحيلولة دون الاستفادة من الأجل الموجود في نظام البطاقة دون تحمل الفائدة المناسبة له، لكنه في الوقت نفسه يحول دون ممارسة بيع العينة.
النفقات بالعملة الأجنبية:
أية نفقة بالعملة الأجنبية يجري تحويلها إلى عملة الحساب ويكون سعر الصرف المستعمل هو الأنسب لحامل البطاقة من بين كل من أسعار البنوك أو السعر السياحي أو السعر الرسمي السائد حيث يقتضي القانون، وذلك يوم قيد النفقة، وبعض البطاقات تضيف إلى ذلك السعر نسبة معينة.
وهذا البند فيه مسألة عقد الصرف، وهو أيضًا مقترن بعقد توكيل من العميل لشركة البطاقة لتولي عملية الصرف حسب الطريقة المذكورة في عقد كل بطاقة. كما أن بعض البطاقات تلتزم سعر تحويل العملة المطبق لدى البنك (الوكيل) أو غير ذلك من المعايير التي تحقق المعلومية.
المدفوعات:
رسوم العضوية، للبطاقة الأساسية والبطاقات التابعة لها.
رسوم البطاقة السنوية، ورسوم التجديد السنوي.
الرسوم الأخرى، مثل تكاليف تحصيل الشيكات المسدد بها أو التحويلات.
سداد الفواتير.
غرامات التأخير.
وبعض البطاقات تعفى من نوع أو آخر من المدفوعات المشار إليها كإدماج رسوم العضوية في رسم السنة الأولى، أو استبدال البطاقة دون أي مصاريف
…
إلخ.
إن رسوم العضوية والتجديد السنوي والرسوم الأخرى المترتبة لقاء خدمات هي عبارة عن أجر على عمل أو منفعة تؤديه شركة البطاقة ووكلاؤها أو خلفاؤها لحامل البطاقة.
وكذلك فإن سداد الفواتير هو أداء لدين ترتب عليه.
وأما غرامات التأخير فهي فوائد محرمة وسيأتي الكلام عنها عند الكلام عن التكييف الشرعي، علمًا بأنها في نظم بعض البطاقات تكون مركبة، وطبقًا لسعر الفائدة لمؤسسة مالية مدونة أو بنسبة زائدة عنها أحيانًا. وهذه الفوائد لا تحتسب إلَّا عند التأخر عن الدفع لمدة معلومة، وهذا يتيح لمن يستخدم البطاقة أن يكون بمنجاة من تطبيق هذا الشرط إذا اتخذ الاحتياطات اللازمة لعدم وقوعه تحت طائلته.
تسهيلات السحب النقدي:
من خدمات البطاقة إتاحة السحب النقدي لمبالغ بالعملات المختلفة حسب تواجد حامل البطاقة في البلاد وذلك من البنوك الوكيلة، أو من آلات الصرف المركبة في مناطق معلومة في كل بلد، وذلك بحدود معينة للسحب المسموح به.
وهذا السحب النقدي إما أن يشترط له توفير مبالغ وتأمين محدد، أو يكون من قبيل السحب على المكشوف. وتترتب على تلك المبالغ نسبة إضافية زيادة عن سعر صرف العملات المحلية إلى عملة حساب البطاقة. وسيأتي حكم ذلك.
- أما بقية بنود الاتفاقيات فإنها لا تعدو أن تكون تنظيمية أو إجرائية، ولتفادي اللبس في توصيفها أذكر هنا سردًا للجميع لكي يمكن تأكيد تلك الصفة التي لا يترتب عليها حكم شرعي في غير حالة وجود ملابسات ممنوعة:
(نموذج) : القبول – التعاريف – استعمال البطاقة – الفواتير – (النفقات بالعملة الأجنبية) – المدفوعات – الاستفسارات – آلات الصرف – البطاقات المفقودة – التجديد – إلغاء البطاقة – تغيير الاتفاقية – الخصوصية والقانون المطبق.
(نموذج آخر) : الحساب الجاري والتأمين النقدي – الحد المسموح به لاستخدام البطاقة – شخصية استعمالها – التوقيع على البطاقة – (البطاقة لا تمنح تسهيلات سحب على المشكوف) – تفويض الشركة لاستخدام الحساب – التعهد بدفع الرسوم وتسديد الالتزامات – الرسوم – (العملات الأجنبية) – كشوف الفواتير – صلاحيات وإلغاء البطاقة – فقدان البطاقة أو سرقتها – البطاقة الإضافية – تغيير العنوان – تعديل الشروط.
ثَانيًا:
التكييف الشّرعي لبطَاقات الائتِمان
حَسَب الوَاقِع التطبيقي
أولًا – تكييف العمولة على قيمة الفواتير المحسومة على أصحاب البضائع والخدمات:
إن المسألة الأساسية التي تقوم عليها بطاقات الائتمان هي الحسم الذي تحصل شركة البطاقة عليه من أثمان البضائع والخدمات عند سداد ذلك إلى أصحابها، فإنها لا تدفع إليها نفس المبالغ التي يتم مطالبة حامل البطاقة بها إذ يرى البعض أن هذه النسبة هي فائدة يدفعها أصحاب البضائع والخدمات إلى شركة البطاقة، وأن لحامل البطاقة علاقة بذلك لأنه هو الذي تعامل بالبطاقة، ولولا تعامله لما وجد السبب لتحميل تلك الفوائد، فيكون بهذا معينًا على تعامل محرم بل ذهب بعضهم إلى أن البطاقة عبارة عن فتح اعتماد للعميل لشراء ما يحتاجه على أن يقوم بسداد القيمة في موعد محدد، وأن المبلغ قرض من مصدر البطاقة لعميله لقاء عمولة من المحلات.
وهناك تكييف آخر لهذه النسبة التي تحصل عليها شركة البطاقة من أصحاب المتاجر والخدمات، وهي أنها عمولة على تحصيل الثمن من العميل حامل البطاقة لدفعه إلى أصحاب المحلات والخدمات مع مراعاة أن العملية فيها تقديم وتأخير اقتضاهما سهولة أداء المهمة المزدوجة، وهي تحصيل الفواتير، وأداء المبالغ لمستحقيها. فقد بادرت شركة البطاقة بالدفع – من طرفها – لقيمة الفواتير إلى أصحاب المحلات والخدمات، ثم حصلتها من حاملي البطاقات، وذلك لضبط التزاماتها مع أصحاب البضائع والخدمات، إذ لا تستطيع شركة البطاقة ضبط مواعيد التحصيل من العملاء في حين أنها يمكنها التحكم فيما تدفعه من عندها ثم تقوم بتحصيله.
ومن المقرر شرعًا جواز أخذ أجر معلوم متفق عليه على كل من تحصيل الدين، أو توصيل الدين، وما يجوز أخذه من الطرفين يجوز أخذه من أحدهما كما هو الحال في عمولة السمسرة إذ يجوز اشتراطها على كل من البائع والمشتري أو على واحد منهما فقط.
ويرى البعض أن من المألوف أن يحصل المشتري على حسم يتراوح بين 1 % و 5 % إذا تم الدفع خلال ثلاثين يومًا للباعة، فهذا يسهل على هؤلاء إعطاء شركة البطاقة بعض هذه النسبة لتحصيل ديونهم، ومن جهة أخرى فإن من يشتري حاجاته أو خدماته بالبطاقة لا يحصل على الحسم المعتاد أو على جميع نسبته لأن البائع يضع في اعتباره ما سينقص من المبالغ المستحقة له عند البيع بالبطاقة.
ولا بد من التنبيه على أن عملية تحصيل الدين بنسبة معلومة منه هي وكالة بأجر، وليس من التزامات الوكيل أن يؤدي للدائن من ماله، وإلَّا صارت كفالة، وهناك تضاد بين مقتضى الكفالة (لأنها عبارة عن ضمان) وبين مقتضى الوكالة (لأنها عبارة عن أمانة) ، والذي يجب على الوكيل أن يؤدي ما وُكِل بتحصيله بعد قيامه بالتحصيل فعلًا. ولكن في نظام البطاقة تحملت شركة البطاقة التزامًا لا يلزمها وهو أن تؤدي أولًا ثم تطالب المدينين، وذلك للسبب المشار إليه من إمكان التحكم في عملية الأداء دون عملية الاستيفاء. ومن الواجب شرعًا أن لا يكون القصد من عمولة التحصيل أو من زيادة نسبتها إيجاد مقابل لعملية تسديد الفواتير لمستحقيها قبل عملية تحصيلها، وإلَّا كان فيه إخفاء للمراباة ضمن الوكالة، وهذا ما لا يتوافر هنا للتفاوت الكبير في مدة الأجل الفعلي لكل من المديونية والتوفية للدين، وعدم الربط العقدي بينهما.
وجدير بالذكر أن في الواقع العملي ممارسة للصورة الممنوعة، فكثير من المتعاملين بالسمسرة أو العمولة على البيع للبضائع المملوكة لأصحابها يتقاضون عمولة وكالة كبيرة لأنها يراعى فيها التزامهم بالسداد الفوري لأثمان البضائع بمجرد بيعها ولو كان البيع بالأجل، وتخفى هذه الزيادة في عمولة الوكالة مقابلًا للإقراض الربوي المستتر.
ثانيًا – تكييف عمولة الخدمات الأخرى:
أما بقية المدفوعات فهي إما مدفوعة من العميل أو من أصحاب البضائع والخدمات، وقد رأينا أن الرسوم والمصاريف المدفوعة من العميل عبارة عن أجر عن خدمات وهي وكالة بأجر، والخدمات هي التعريف بالعميل وتجهيز البطاقة وإرسال الإشعارات
…
إلخ. وهناك رسوم وعمولات يدفعها أصحاب البضائع والخدمات لقاء اشتراكهم في الاستفادة من عملاء البطاقة وهي خدمة سمسرة، أو لقاء الأجهزة المقدمة للمحلات وهي أيضًا خدمة تستحق الأجرة.
ثالثًا – تكييف العمولة عن الدفعات النقدية:
هذه العمولة هي نسبة من المدفوعات النقدية التي يحصل عليها حملة البطاقات في أسفارهم بواسطة الأجهزة أو البنوك المتعاملة مع شركة البطاقة، وهي تقتسم بين شركة البطاقة وبين البنوك التي لها دور في العملية.
وهناك رأيان شرعيان فيها: أحدهما: منع تقاضي هذه العمولة، لأنها عملية قرض من شركة البطاقة أو من البنك الوكيل وهذه العمولة مقابل القرض فهي فائدة، وقد ذهبت إلى هذا الرأي الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار وأوجبت على الشركة حين وصول هذه العمولة إلهيا أو جزء منها (حيث تقتسم بين الجهات المشاركة في العملية) بأن تقوم شركة الراجحي بتسجيلها للعميل في حسابه، أي تردها إليه. وإذا كانت هذه العمولة تتعلق ببطاقة صادرة من غير شركة الراجحي، فعلى الشركة قيد هذه العمولة في حساب الأعمال الخيرية خروجًا من الشبهة (القرار رقم 50 بتاريخ 6/12/1410هـ) .
وفيها عملية المصارفة أيضًا، حيث إن هذه المسحوبات هي لعملات البلاد المختلفة التي تستخدم فيها البطاقة خارج بلد حاملها.
والرأي الشرعي الآخر هو ما جرت عليه هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لبيت التمويل الكويتي من أن هذه العملية ليست قرضًا إلَّا في الحالات النادرة ولمدة قصيرة جدًّا، وإنما هي توصيل لأموال العميل من حسابه إلى المناطق التي يستخدم فيها البطاقة، وهذه العمولة هي أجر لتحويل العملات من بلد إلى بلد. وإن كانت العملية تتم معكوسة لتسهيل الأمر (كما سبق في موضوع سداد الفواتير) ، فإن البنوك الوكيلة لشركة البطاقة تدفع النقود ثم تسترد ما دفعته، لكي تحقق السرعة بل الفورية المطلوبة في هذه العملية. وهناك أجل متخلل بين الدفع والاستيفاء لكنه ليس مقصودًا في العملية ولا هو من صميمها والشأن في هذا الأجل أن يسبق دفع المبالغ النقدية لكنه لا يمكن ضبطه لذا عكس الأمر وتم الدفع ثم الاستيفاء. وهذا الرأي هو الراجح في نظري، فإن الأجل المتخلل بين القبض والتسديد ليس عنصرًا أساسيًّا في العملية ولو أتيح الاستيفاء الفوري (بوسائل الاتصال الحديثة) لما اختلفت العملية القائمة على أن الدفع هو من حساب العميل وليس تسليفًا له.
ولا يخفى أن في هذه العملية كفالة من البنك الذي يصدر البطاقة نيابة عن شركتها العالمية، فهو يكفل عميله وأداء ما عليه مع حق الرجوع وهذه الكفالة من قبيل التبرعات فلا يؤخذ عليها مقابل.
ثَالثًا:
البَديل الإسلَامي لبَطاقة الائتمان
وَأمثلة تَطبيقيّة عَلى ذلكَ
ليس من الضروري أن يكون البديل لما يستبعد من التطبيقات أمرًا مغايرًا بالذات وجميع الصفات، فإن ما أمكن تعديله لا يتحتم تبديله، على أن الصيغة المعدلة هي نفسها بديل للصورة المشتملة على محاذير شرعية.
ثم إن إيجاد بديل مختلف تمامًا عن نظام البطاقات ربما لا يؤدي الغرض النوعي منها وهو تداولها عالميًّا ووجود أطراف متعددة الجنسيات ترعاها وتكفل استخدامها.
ولذا فإن البديل لبطاقات الائتمان هو الصيغ المعدلة لها، والتي تم تعديلها بمعرفة هيئات شرعية وعسى أن يتمخض عن التداول الجماعي في شأن هذه البطاقات وتعديلها صيغة تحقق الهدف المادي والغرض المعنوي في تطبيق مقررات الشريعة الإسلامية على جميع التصرفات والممارسات.
فقد عرضت الاتفاقيات المتعلقة ببطاقة الائتمان التي عزم بيت التمويل الكويتي على إصدارها باسم (فيزا التمويل) وأجريت التعديلات الشرعية فيها وفي شروط البطاقة وخصوصًا شرط فوائد التأخير حيث حذف، وربطت البطاقات بحساب العملاء مع التزام اشتمالها على سداد ما يستخدمون بالبطاقة للشراء إما مسبقًا أو عند وصول الفواتير، وإذا لوحظ انكشاف الحساب أُشِعَر العميل لتوفير رصيد لتلك المديونية. ولكن بقي أمر لم تصل الهيئة الشرعية إلى حل له وهو حصول حامل البطاقة على ميزة التأمين على الحياة، لأنه لا زال محل بحث في المجامع الفقهية، وقد أُوصِيَ بتوفير مزايا أخرى معادلة لذلك إلى أن يوجد الحل الشرعي لذلك. واشتملت عمليات البطاقة على وكالة بأجر، وكفالة مجانًا، وقرض يسير أحيانًا.
أما الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار فقد عرض عليها موضوع إصدار بطاقة ائتمان بمعرفة الشركة (وهي بطاقة فيزا أيضًا) بعد أن حذف منها بند (فوائد التأخير) وأجرى تعديل أو تنبيه بشأن الدفعات النقدية بالبطاقة وكذلك سداد الفواتير وهو: " في حالة عدم وجود تسهيلات للسحب على المكشوف يفوض العميل لشركة أن تخصم من التأمين النقدي أي مبالغ لا يوجد لها مقابل بحسابه الجاري الدائن، على أن يلتزم بتوفير هذا المبلغ في الحال لتكملة مبلغ التأمين المقرر عليه ". ويجب أن يكون معلومًا للعميل بأن حصوله على بطاقة فيزا لا يمنحه حق التسهيلات على السلف أو السحب على المكشوف، وإن مثل هذه الامتيازات تعامل كخدمة منفصلة تمامًا عن خدمة بطاقة الفيزا وللحصول عليها يمكنه التقدم بطلب للفرع المعني حسب النظام المتبع لدى الشركة في هذا الخصوص.
ولما عرضت الشروط على الهيئة الشرعية أصدرت قرارها رقم 32 بتاريخ 26/10/1410هـ، ونصه: " لم يظهر للهيئة من الناحية الشرعية ما يوجب الاعتراض على قيام شركة الراجحي بإصدار بطاقة فيزا بشرط ألا يترتب على قيامها بذلك أخذ أو إعطاء أي فائدة محرمة بشكل ظاهر أو مستتر، سواء تم ذلك مع عملائها أو مع شركة فيزا العالمية أو شركة الخدمات المالية العربية التي ستقوم بالوساطة الفنية أو الحسابية بين شركة الراجحي المصرفية للاستثمار وشركة فيزا العالمية أو غيرهم من أطراف المعاملة.
كما أن الهيئة عدلت في الشروط طريقة تحويل العملات الأجنبية فجعلته (حسب السعر المعلن من قبل شركة الراجحي في ذلك اليوم للمتعاملين بالبطاقة) بعد أن كان للشركة الحق أن تختار السعر المناسب. كما أن الهيئة منعت في قراريها 47 و50 تقاضي عمولة على السحب النقدي، كما سبقت الإشارة وأجازت الرسوم المتعلقة بإصدار البطاقة والرسوم السنوية وسداد الفواتير مع حسم جزء من مبالغها على أصحاب البضائع والخدمات. وأوصت الهيئة في بند تعديل الشروط بتقييد ذلك (بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية) .
هذا ما اعتبرته الهيئتان الشرعيتان المشار إليهما بديلًا إسلاميًّا وهو كذلك إلى أن تتوفر صيغة أخرى يحتاط فيها باختفاء عنصر الأجل الذي يتخلل استخدام البطاقة في شراء البضائع والخدمات أو السحب النقدي، وهو الأجل المأذون به عادة دون أن يكون من مستلزمات البطاقة.
بقي أمر أخير وهو ما الحكم الشرعي في استخدام بطاقات الائتمان غير المعدلة من قبل هيئات شرعية، وبخاصة تلك التي فيها شرط تقاضي فوائد التأخير إن حصل؟
والجواب: - وهو ما جاء في فتاوى بعض اللجان المختصة بالفتوى – أن حال البطاقة إذا اتخذ من الاحتياطات ما يكفل عدم تطبيق هذا الشرط المحرم عليه فلا بأس من الاستفادة من البطاقة وتوقيعه على اتفاقيتها بالرغم من هذا الشرط لأنه في معرض الإلغاء شرعًا وهو مستنكر ومعمول على استبعاد مفعوله، والدليل الشرعي لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها في أمر بريرة رضي الله تعالى عنها:((اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق)) ، وفي رواية:((اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء)) ، قال شراح الحديث: معناه: لا تبالي لأن اشتراطهم مخالف للحق، فلا يكون ذلك للإباحة، بل المقصود الإهانة وعدم المبالاة بالاشتراط وأن وجوده كعدمه [سبل السلام شرح بلوغ المرام: 3/11] .
أما كون فوائد التأخير محرمة فهو محل اتفاق وهو من ربا الجاهلية، وهو ما يدعى قاعدة (زدني أنظرك) .
والله أعلم.
الدكتور عبد السّتار أبُو غدّة